الاستغناء بالمذكرات في التعليم الجامعي عن كتب السلف

Question
ما رأيكم فيمن يستغني بالمذكرات الجامعية في التعليم عن كتب السلف، وخصوصًا في بعض علوم الآلة، وهل هذا من التيسير على طلاب العلم الجامعيين؟
Answer

أقول: مثل هذا مع احترامي وتقديري لزملائي من المعلمين في الجامعات الذين اجتهدوا وسهروا وحرَّروا وضبطوا المسائل، ورتَّبوها ونظَّموها، لكن هذه الطريقة لا تبني طالب علم، فطالب العلم لا بد أن يُبنى على الجادة المطروقة عند أهل العلم، فيُربَّى على المتون المقرَّرة من قِبَل أهل العلم.

فهذه المذكرات مثل مؤلفات المعاصرين التي صيغتْ بأساليبهم، بل هي منها، فهل هذه تُربِّي طالب علم على أساليب العلماء المتقدمين؟ ولنفترض طالبًا تخرَّج في كلية الشريعة، أو كلية أصول الدين، أو كلية الحديث، أو غيرها، على هذه المذكرات، ثم بعد أن تخرَّج عُيِّن في بلد، وعُرضتْ عليه مشاكل ومسائل، واحتاج إلى أن يراجع الكتب، هل يستطيع أن يفهم كتب المتقدمين من خلال فهمه لهذه المذكرات؟! هذه المذكرات هي عبارة عن مؤلفات صيغتْ بأسلوب يفهمه الشخص بدون معلِّم، لكننا في مرحلة التعليم لا بد أن نقرِّر كتبًا لا يفهمها الطالب بمفرده، بحيث إذا وُجد بعد تخرُّجه في بلدٍ لا عالِم فيه عنده، يستطيع أن يستقلَّ بنفسه، ويفهم كلام العلماء، ولا يحتاج إلى أن يرجع ويتعلَّم مرة ثانية؛ ليفهم هذه الأساليب التي انفرد بها وخلا بها.

فهذه المذكرات لا شك أنها من أعظم العوائق عن التحصيل مهما اعتذرنا عن أصحابها بحسن النية والقصد، ونحن لا نطعن في قصد أحد، وهم أرادوا التسهيل والتيسير، لكن طالب العلم لا بد أن يُبنى على الحزم والعزم، ولذلك ليس من العبث أن يؤلِّف العلماء هذه الكتب بأساليب صعبة، فبإمكانهم أن يَبسُطوا ويُيسِّروا، فمثلًا: هل اختيار (زاد المستقنع) عندنا في هذه البلاد، أو (المنتهى)، أو (مختصر خليل) -أو غيره- في بلدان أخرى، هل هذا عبث، وهي أشبه ما تكون بالألغاز؟ هي متعِبة لطلاب العلم، لكن طالب العلم إذا فهم هذا الكتاب سهُل عليه فهم ما دونه، فطالب العلم الذي يتربَّى -مثلًا- على (التدمرية) لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، إذا تخرَّج وسكن بمفرده في بلدٍ لا يوجد فيه طالب علم غيره، فهل سيُشكل عليه (شرح الطحاوية)، أو سيُشكل عليه (الواسطية)، أو سيُشكل عليه (الحموية)، أو غيرها من كتب العقيدة؟ لا، فإذا تربَّى على الأصعب وفهمه بين يدي أهل العلم سهُل عليه فهم ما دونه، وأهل العلم الآن متوافرون، لكن يمكن في وقت من الأوقات تطلبهم فلا تجدهم، ولا تتصوَّر أن الآلات التي تخدم الآن، وتُقرِّب المسافات، وتيسِّر الاتصال بالآفاق وأنت جالس، لا تتصوَّر أنها ستستمر، فاعتبر نفسك ما عندك إلا هذه الكتب، وأمامك مشكلة لا بد من حلِّها، فكيف تتعامل مع هذه الكتب؟ لا بد أن توطِّن نفسك على هذا الأمر.