الحج المبرور

بسم الله الرحمن الرحيم  الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا وعملاً صالحًا خالصًا وقلبًا خاشعًا ولسانًا صادقًا ذاكرًا يا ذا الجلال والإكرام أما بعد فإنه في هذه الليلة المباركة وفي سلسلة من اللقاءات المقامة في جامع ابن سعيدان بحي النفل الغربي بالرياض في لقاءات مباركة بعنوان لقاءات الحج مع علمائنا الأجلاء وهذا اليوم يسرنا أن يكون لقاءنا مع علم من علماء هذه الأمة في هذا الزمان ألا وهو فضيلة شيخنا العالم العلامة الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير الذي سوف يحدثنا عن موضوع في غاية الأهمية وعن ركن عظيم من أعظم أركان الإسلام ألا وهو الحج وما هو الحج المبرور ولا يخفى أهمية الحج للمؤمنين وللمسلمين عامة لأن الحج ركن من أركان الإسلام الله عز وجل يقول:   ﯕﯖ             آل عمران: ٩٧  والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد» وقال صلى الله عليه وسلم: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» ولكن ما هو الحج المبرور وما هي ضوابط هذا الحج المبرور وما الآداب التي ينبغي ويجب من أراد أن يتوجه إلى الحج أن يتأدب ويتحلى بها ليكون حجه مبرور فنسأل الله سبحانه وتعالى بمنه وكرمه أن يجزي شيخنا على حسن استجابته دعوتنا خير الجزاء ونسأله سبحانه وتعالى بمنه وكرمه وفي الجمع المبارك أن يسدده في قوله وعمله ويجعل مباركًا وأينما حل والله المسؤول سبحانه وتعالى بمنه وكرمه أن يوفق الجميع للعلم النافع والعمل الصالح وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين قبل البدء في الموضوع نذكر ما نقله ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية وكلنا يعرف ما لشيخ الإسلام من مقام وقدم في الإسلام ورسوخ في العلم كثيرًا ما يقول شيخ الإسلام رحمه الله أنا لست بشيء وما مني شيخ ولا عندي شيء ولا لي شيء وكان كثيرًا ما يقول:

أنا المكدي وابن المكدي 

 

وكذا كان أبي وجدي   

يقول ابن القيم رحمه الله وكان شيخ الإسلام إذا مدح في وجهه قال أنا أجدد إسلامي في كل وقت يقول وإلى الآن ما أسلمت إسلامًا جيدًا هذا يقوله شيخ الإسلام إذا مدح في وجهه فكيف بمن دونه فكيف بمن ليس بشيء على الحقيق لكن نسأل الله جل وعلا أن يتجاوز عن الجميع وأن يغفر الذنوب والزلات وأن يستر العيوب ونسأله جل وعلا الذي أظهر الجميل وستر القبيح أن يديم الستر على الجميع في الدنيا والآخرة الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه متعلق بركن من أركان الإسلام لا يحتاج إلى استدلال أدلته معروفة لدى الخاص والعام ولزومه لكل مكلف مستطيع لا يحتاج إلى بيان الحج خامس أركان الإسلام عند جمهور أهل العلم ومنهم من يقدمه على الصيام فيجعله الرابع وهذا ما يقتضيه صنيع الإمام البخاري في صحيحه هذا الحج له شروط وله أركان وله واجبات وسنن وآداب أيضًا الحديث ليس عنها سمعتم ما يكفي ممن تكلم في الموضوع قبلي وأما الموضوع الذي يخصنا فهو الحج المبرور الحج فرغنا من تعريفه وسمعنا فيه ما يكفي وجميع متعلقاته لكن الثمرة المرجوة من هذا الحج الذي أدي بأركانه وشرائطه وواجباته وسننه وآدابه الإمام البخاري رحمه الله تعالى ترجم في صحيحه يقول باب باب فضل الحج المبرور باب فضل الحج المبرور ثم ذكر بإسناده حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال: «إيمان بالله ورسول» قيل ثم ماذا؟ قال: «جهاد في سبيل الله» قيل ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» تقديم الإيمان بالله جل وعلا أمر متفق عليه إذ لا يصح أي عمل يتقرب به إلى الله جل وعلا إلا بعد الإيمان فالإيمان شرط لقبول جميع الأعمال قيل ثم ماذا؟ قال: «جهاد في سبيل الله» قيل ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» تقديم الجهاد على الحج فيه إشكال يأتي بيانه في كلام ابن رجب رحمه الله والجواب عنه ثم ساق بإسناده أعني الإمام البخاري رحمة الله عليه عن عائشة بنت طلحة عن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها عنهما أنها قالت يا رسول الله نرى الجهاد أو نُرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد تعني بذلك النساء قال: «لا، ولكن» في بعض الروايات «لَكُنَّ» بدلاً من لكن «أفضل الجهاد حج مبرور» ثم بعد ذلك ذكر حديث أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيومَ ولدته أمه» يعني مطابقة الحديثين الأول والثاني للترجمة ظاهرة لأن فيه التنصيص على الحج المبرور في الحديث الأول والثاني والترجمة باب فضل الحج المبرور والحديث الثالث حديث أبي هريرة يقول «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» يعني من حج حجًا مبرورًا رجع كيوم ولدته أمه وقال الإمام مسلم رحمه الله تعالى: حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» نقتصر على هذه الأحاديث الأربعة ثلاثة منها عن أبي هريرة وواحد عن عائشة رضي الله عن الجميع المبرور يقول الأزهري في تهذيب اللغة: اختلف العلماء في تفسير البر فقال بعضهم البر الصلاح يعني المبرور يكون إيش؟ الصالح وقال بعضهم البر الخير قال ولا أعلم تفسيرًا أجمع منه لأنه يحيط بجميع ما قالوا الذي هو الخير قال وجعل لبيد البر التقى البر التقى حيث يقول: وما البر إلا مضمرات من التقى هناك تلازم بين البر والتقوى وإذا كان التنصيص في الأحاديث على الحج المبرور فالتنصيص في القرآن على التقوى       ﭣﭤ ﭦﭧ البقرة: ٢٠٣  قال بعض أهل العلم أن معنى الآية هو معنى «رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» تأتي الإشارة إلى هذا بشيء من التوضيح قال وأما قول الشاعر: تحز رؤوسهم في غير بر فمعناه في غير طاعة وخير وقال شمر الحج المبرور الذي لا يخالطه شيء من المآثم والبيع المبرور الذي لا شبهة فيه ولا كذب ولا خيانة قال ويقال بر فلان ذا قرابته يبر برًا وقد بررته وأبره وبر حجك وبر الله حجه وأبره وبرت يمينه تبره أبررتها قلت يقول الأزهري قلت البر خير الدنيا والآخرة فخير الدنيا ما ييسره الله تبارك وتعالى للعبد من الهدى والنعمة والخيرات وخير الآخرة الفوز بالنعيم الدائم في الجنة قال أبو قلابة لرجل قدم من الحج بر العمل أراد عمل الحج دعا له أن يكون مبرورًا لا مأثم فيه فيستوجب بذلك الخروج من الذنوب التي اقترفها فيستوجب بذلك الخروج من الذنوب التي اقترفها أثناء حجه أو قبل حجه؟ قبل الحج أما إذا اقترف ذنوبا أثناء الحج فحجه ليس بمبرور لأن الحج المبرور عند جمع من أهل العلم هو الذي لا يخالطه إثم تجد بعض الناس يسمع «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» «رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» يقول الحج أربعة أيام الآن أربعة أيام أستطيع السيطرة على نفسي فلا أزاول أي معصية لكن هل هو بالفعل يستطيع أن يسيطر على جوارحه فلا يزاول معصية؟ هل يستطيع أن ينهض إلى الصلاة قبل ما كان ينهض إليها قبل الحج؟ قبل الوقت الذي كان ينهض فيه قبل الحج؟ إلا إذا صاحب الحج توبة نصوحًا تبدل ما مضى من حياته إلى أحسن أما إذا كانت الحياة في جميع أوقاتها وأحوالها مبنية على التساهل والتراخي فإنه لن يستطيع أن يسيطر على نفسه وتجد أهل المعاصي يزاولون معاصيهم أثناء الحج أهل النظر إلى المحرم ينظر إلى المحرم عشية عرفة أهل الكلام المحرم يتكلمون بالكلام المحرم عشية عرفة وهكذا ولذا لا نجد الآثار المرتبة على هذه الأعمال الصالحة متحققة بعد الفراغ منها تجد كثير ممن يحج ويزعم ويخيل إليه أن حجه مبرور يعود إلى ما كان عليه قبل الحج وتجد بعض من يعتكف ويلازم المسجد والذكر في أفضل الأوقات في العشر الأواخر من رمضان إذا أعلن عن الشهر خرج من المسجد وإذا كانت تفوته أو يفوته شيء من الصلاة قبل الاعتكاف تجده صلاة العشاء ليلة العيد يفوته منها مثل ما كان يفوته سابقًا هل ترتبت الآثار على هذه العبادة؟    ﯨﯩ العنكبوت: ٤٥  تجده يصلي ثم يخرج ويزاول ما كان يزاوله من المعاصي هل ترتبت الآثار على هذه الصلاة؟ ولماذا لا تترتب الآثار على هذه الأعمال العظيمة؟ لأنها لم تؤد على الوجه الشرعي تجد الحاج يريد أن يفرغ من هذا الحج على أي وجه كان وتجد المصلي إذا دخل المسجد يريد أن يستريح من هذه الصلاة التي كلف بها على أي وجه كان وتجده لا يعقل منها إلا الشيء اليسير بل قد يدخل في المسجد ويخرج كما دخل وبعض الناس يخرج من الصلاة بنصفها وبعضهم يخرج من الصلاة بربعها ومنهم من يخرج من الصلاة بعشرها يعني بعشر الأجر المرتب عليها والصلوات الخمس إلى الصلوات الخمس كفارة لما بينهما شيخ الإسلام يقول الذي يخرج من صلاته بعشرها هذا صلاته إن كفرت نفسها فبها ونعمت ونسمع من الأحاديث «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» فتجد الإنسان يؤدي هذه العمرة على أي وجه ثم يقول خلاص أنا انتهيت من الذنوب كفرت ذنوبي بهذه العمرة على أي وجه أدى هذه العمرة لا بد أن يؤديها على الوجه الشرعي على وفق ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام وقد قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وقال عليه الصلاة والسلام: «خذوا عني مناسككم» الصيام إنما شرع لتحقيق التقوى التقوى فعل الأوامر وترك النواهي تجد الإنسان يصوم رمضان وقد يصوم الست يصوم الاثنين ويصوم عاشوراء ويصوم الأيام المرغب في صيامها ومع ذلك تجد نصيبه من التقوى لا يزيد وقد ينقص لماذا؟ لأن صيامه ما ردعه ولا كفه عن المحرمات حتى في أثناء الصيام وقد يحفظ نفسه بالنهار لكن يزاول ما كان يزاوله من المعاصي بالليل فمثل هذا لا يحقق الهدف الذي من أجله شرع الصيام والحج مع الإرسال إرسال الجوارح في ما لا يرضي الله جل وعلا النظر إلى المحرمات الاستماع إلى المحرم المشي إلى ما لا يجوز أخذ ما لا يجوز كل هذا يعوق عن ترتب الأثر المرتب على الحج المبرور فينتبه الإنسان لا يقول والله أنا حججت وخلاص «رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» لا نعرف أن الحج الذي تترتب آثاره عليه ويرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه هو الحج المبرور الذي لا يخالطه إثم لكن قد يقول قائل هل المشترط العصمة؟ هل المشترط العصمة؟يعني يحج معصوم لا يزاول أي شيء نقول لا العصمة للأنبياء فقد لكن أنت عليك أن تتقي المحرمات وعليك أن تفعل الواجبات وإذا حصلت زلة أو هفوة عليك أن تبادر بالتوبة منها عليك أن تبادر بالتوبة منها يقول ابن الأثير في النهاية الحج المبرور وهو الذي لا يخالطه شيء من المآثم وقيل هو المقبول المقابل بالبر وهو الثواب الحج المبرور هو الذي لا يخالطه شيء من المآثم وقيل هو المقبول المقابل بالبر وهو الثواب ويقال بَر حجه وبُر حجه وبر الله حجه وأبره بِرًا بالكسر وإبرارًا وقال ابن قالويه المبرور المقبول وقال غيره الذي لا يخالطه شيء من المآثم يعني ما تقدم في كلام من سبق ورجح هذا النووي قال القرطبي الأقوال التي ذكرت في تفسيره يعني تفسير الحج المبرور متقاربة وهو أنه الحج الذي وفيت أحكامه ووقع موقعًا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل على الوجه الأكمل النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «خذوا عني مناسككم» وهو القدوة والأسوة تجد بعض طلاب العلم مع الأسف بعض العامة أحرص منهم على أن يقع الحج مطابقًا لما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام وبعض طلاب العلم يتخفف حتى أن بعضهم يقتصر على الأركان ويفرط بشيء من الواجبات فضلاً عن المستحبات المستحبات سياج منيع للواجبات والواجبات احتياط للأركان فإذا فرط الإنسان بالمستحبات فإنه لا يؤمَن أن يفرط بشيء من الواجبات والواقع شاهد بذلك تجد بعض الناس يحج حجا يقتصر فيه يجتنب ما يبطل الحج ولا يقول النبي عليه الصلاة والسلام جلس من كذا إلى كذا وفعل كذا وصنع كذا وتقدم إلى كذا وتأخر عن كذا ويهتم بحجة النبي عليه الصلاة والسلام ليكون حجه مطابقًا لما جاء عنه عليه الصلاة والسلام ومن شرط قبول الأعمال المتابعة أن يكون الحج أو العمل الذي يتقرب به إلى الله جل وعلا على وفق هدي النبي عليه الصلاة والسلام إضافة إلى الإخلاص ذكروا علامة للحج المبرور قالوا أن علامة ذلك أن يظهر من حال الحاج إذا رجع بأن يكون خيرًا مما كان قبله إذا رجع بأن يكون خيرًا مما كان قبله وهذه علامة على قبول جميع الأعمال إذا كان عمله بعد العمل أفضل مما كان عليه قبله دليل على أن هذا العمل أثّر فيه روى الإمام أحمد والحاكم من حديث جابر قالوا يا رسول الله ما بر الحج قال: «إطعام الطعام وإفشاء السلام إطعام الطعام وإفشاء السلام» قال ابن حجر وفي إسناده ضعف فلو ثبت لكان هو المتعين دون غيره فلو ثبت لكان هو المتعين دون غيره لكن هل يكفي لبر الحج إطعام الطعام وإفشاء السلام والتنصيص على مثل هذه الأمور المتعدية لا شك أن الأعمال المتعدية لها شأن في الإسلام لكن يبقى أن هناك أركان وشرائط لا بد من تحقيقها بر الحج إطعام الطعام وإفشاء السلام الحديث فيه ضعف كما قال الحافظ ابن حجر لكن لو ثبت لو ثبت يقول لكان هو المتعين دون غيره لو ثبت لو افترضنا هذا في الصحيح في البخاري هل يغني عن قولهم الحج المبرور هو المقبول أو الذي لا يخالطه إثم؟ إنما هذه أفراد مما يطلب من الحاج الحاج مطلوب منه أشياء وهذه منها وهذا على فرض صحة الخبر ومعلوم أن التنصيص على بعض الأفراد لا يقتضي التخصيص لأن ابن حجر يقول فلو ثبت لكان هو المتعين دون غيره طيب ثبت تعيين القوة بالرمي بالنص الصحيح «ألا إن القوة الرمي» الأنفال: ٦٠  «ألا إن القوة الرمي» يعني هل يتعين تفسير القوة بالرمي دون غيره مما يفاد منه في هذا المجال؟ هذا تنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص ولذا قول ابن حجر لو ثبت لكان هو المتعين دون غيره لا ليس بصحيح نعم يكون أولى ما يفسر به الخبر إضافة إلى ما يؤثر في الحج ما يؤثر في الحج قبولاً وردًا يقول النووي في شرح مسلم الأصح الأشهر أن المبرور هو الذي لا يخالطه إثم مأخوذ من البر وهو الطاعة وقيل هو المقبول قال: ومن علامة القبول أن يرجع خيرًا مما كان ولا يعاود المعاصي وقيل هو الذي لا رياء فيه وقيل هو الذي لا يعقبه معصية أما القول بأنه الذي لا رياء فيه فهو داخل في قولهم لا يخالطه إثم لأن الرياء شرك وإن كان لا يخرج من الملة مما هو شرك على كل وهو إثم بل من أعظم ما يسبب الإثم فهو داخل في قولهم لا يخالطه إثم وقيل هو الذي لا يعقبه معصية هذه علامة على القبول وليست هي القبول نفسه ومعنى «ليس له جزاء إلا الجنة» ومعنى «ليس له جزاء إلا الجنة» أي أنه لا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه بل لا بد أن يدخل الجنة «ليس له جزاء إلا الجنة» أولاً النتيجة المرتبة عليه مجزوم بها في الجملة يعني في النص داخلة في النص «ليس له جزاء إلا الجنة» «رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» لكن تحقيق الوعد على أفراد الناس هذا الذي يحتاج إلى تحقيق وتحرير للمناط في كل واحد بحسبه لأن هذه الأمور يتفاوت الناس في تحقيقها يتفاوت الناس في تحقيق مقدماتها تفاوتًا عظيمًا فحج فلان وإن كان من أحرص الناس وأعلم الناس وأورع الناس يختلف عن حج فلان من الناس لا يمكن أن يتطابق حج هذا مع هذا هذا حجه أقل من حج هذا وإن حرص الثاني على تحقيق ما رتب عليه هذا الثواب وأن يكون حجه مبرورًا ولذا لا يجزم لإنسان بعينه أن حجه مبرور وأنه رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ولا يجزم بهذا لاسيما لنفسه إلا مغرور ولا بد أن يصاحب العمل مع الإخلاص والمتابعة الوجل فالسلف الصالح رضوان الله عليهم همهم لقبول العمل أكثر من همهم لأدائه قبول العمل له شأن وذلكم لأن الله جل وعلا يقول:   المائدة: ٢٧     المائدة: ٢٧  ابن عمر رضي الله عنهما وهو الصحابي المؤتسي الحريص على الاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام حتى كان يفعل أمورًا لم يوافق عليها كل هذا من شدة حرصه على الاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: لو أعلم أن الله جل وعلا تقبل مني سجدة كانت أحب إلي من الدنيا وما فيها وذلكم لأن الله جل وعلا يقول:   المائدة: ٢٧  وهل من مقتضى ذلك أن الفساق ترد أعمالهم لا تقبل أعمالهم؟ الحصر يفيد هذا الحصر يفيد هذا لكن هل قال أحد من أهل العلم بأن الفاسق عليه يجب عليه أن يعيد صلاته حتى يتقي أو يعيد صومه حتى يتقي أو يعيد حجه حتى يتقي؟ ما قال بهذا أحد من أهل العلم القبول بمعنى الصحة المسقطة للطلب من كل من جاء بالعمل بشروطه وأركانه وواجباته لأن الفسق جهة منفكة عن جهة العمل إلا إذا فسق بشيء تتحد فيه الجهة مع العمل ما معنى هذا الكلام؟ الفاسق ارتكب محرم أو ترك واجب هذا شخص يسرق أو يشرب الخمر إذا صلى نقول له أعد الصلاة؟ لا يعيد الصلاة إذا صلاها بأركانها وشروطها وواجباتها لا يعيد الصلاة صلاته مسقطة للطلب ولا يؤمر بإعادتها إذًا كيف   المائدة: ٢٧ ??؟ قالوا المراد بنفي القبول هنا نفي الثواب المرتب على هذه العبادة والتقوى منصوص عليها في جميع العبادات لاسيما الأركان هنا في الحج قال يقول الله جل وعلا: ﭖﭗ       ﭣﭤ ﭦﭧ البقرة: ٢٠٣  بعض الناس يظن أن التقوى مقرونة بالتأخر مقرونة بالتأخر ويستنبط من هذا أن التأخر أفضل من التعجل والآية لا تدل على شيء من هذا فكل من المتعجل والمتأخر كلاهما مطالب بالتقوى لقبول عمله ولتكفير سيئاته بهذا العمل فلا    البقرة: ٢٠٣  يعني ارتفع عنه الإثم مثل «رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» من تعجل في يومين واتقى الله جل وعلا في حجه رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه تأخر واتقى الله في حجه رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه فيكون مطابقًا للحديث «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» الحافظ  ابن رجب رحمه الله تعالى في لطائف المعارف قال في حديث أبي هريرة الحديث الأول أي الأعمال أفضل قال «إيمان بالله ورسوله» قيل ثم ماذا قال «جهاد في سبيل الله» قيل ثم ماذا قال «حج مبرور» يقول على الإشكال الذي أشرنا إليه باختصار في أول الأمر في تقديم الجهاد على الحج الحج ركن من أركان الإسلام ولا شك أن الجهاد ذروة سنام الإسلام لكن ليس من الأركان قال يحمل حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه أن الجهاد أفضل من الحج على المتطوع به يعني على الحج المتطوع به فإن فرض الحج تأخر عند كثير من العلماء إلى السنة التاسعة ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام قبل أن يفرض الحج بالكلية فكان حينئذٍ تطوعًا كان الحج موجود قبل أن يفرض وحج النبي عليه الصلاة والسلام قبل حجة الإسلام أكثر من مرة وفي الصحيح أن جبير بن مطعم ضل بعيرًا له فذهب ليبحث عنه ودخل عرفة ووجد النبي عليه الصلاة والسلام قد وقف مع الناس واستنكر أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام يقف بعرفة وهو من الحمس الذين لا يخرجون من الحرم هذا في الصحيح ولا شك أن هذه الحجة قبل حجة الإسلام وقبل إسلام جبير بن مطعم لأن حجة الوداع كان جبير بن مطعم مسلمًا أسلم قبل ذلك يعني جاء في فداء أسرى بدر وسمع النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ الطور ووقر الإيمان في قلبه من تلك اللحظة فكونه يستنكر أن يقف النبي عليه الصلاة والسلام بعرفة وهو من الحمس هذا دليل على أن هذه الحجة قبل حجة الإسلام قال ولعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول ابن رجب قال هذا الكلام قبل أن يفرض الحج بالكلية فكان حينئذٍ تطوعًا وقد قيل إن الجهاد كان في أول الإسلام فرض عين فلا إشكال في هذا على تقديمه على الحج قبل افتراضه إذا قلنا أن الجهاد فرض عين والحج تطوع لا إشكال في تقديمه على الحج فأما بعد أن صار الجهاد فرض كفاية والحج فرض عين فإن الحج المفترض حينئذٍ يكون أفضل من الجهاد في الحديث الصحيح في حديث الولي «وما تقرب عبدي إلي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه» الفرض بلا شك أنه أفضل من النفل الفرض أفضل من النفل إلا إذا كان النفل مع الفرض فالمجموع أفضل من الفرض وحده ولذا قال «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل» ما يقال أن الغسل أفضل من الوضوء والوضوء فرض باتفاق الأمة والغسل مختلف فيه المقصود به الغسل مع الوضوء الداخل فيه قال عبد الله بن عمرو بن العاص حجة قبل الغزو أفضل من عشر غزوات وغزوة بعد حجة أفضل من عشر حجات وروي ذلك مرفوعًا من وجوه متعددة في أسانيدها مقال كما قال ابن رجب عبد الله بن عمرو بن العاص يقول حجة قبل الغزو يعني تسقط الفرض أفضل من عشر غزوات لماذا؟ لأن الحج ركن من أركان الإسلام والجهاد وإن وجب على الأعيان في بعض صوره لا يساوي الأركان قال وغزوة بعد حجة أفضل من عشر حجات لماذا؟ لأن الأثر المتعدي بسبب الغزو أعظم من الأثر المترتب على الحج لأنه قاصر وإن تعدّى في أثناء الحج نفعه للحجاج لكنه لا يداني نفع الغزو والجهاد في سبيل الله وقال الصُبي بن معبد كنت نصرانيًا فأسلمت فسألت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الجهاد أفضل أم الحج؟ فقالوا الحج يقول ابن رجب والمراد والله أعلم أن الحج أفضل لمن لم يحج حجة الإسلام مثل هذا الذي أسلم وقد يكون المراد بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن جنس الجهاد أشرف من جنس الحج فإن عرض للحج وصفٌ يمتاز به على الجهاد وهو كونه فرض عين صار ذلك الحج المخصوص أفضل من الجهاد وإلا فالجهاد أفضل والله أعلم يعني الإشكال الوارد في الحديث الأول تقديم لأنه ترتب أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله» هذا ما هو ليس محل نزاع قيل: ثم ماذا؟ قال «جهاد في سبيل» قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» استشكال يستشكله آحاد الطلاب كيف يقدم الجهاد على الحج؟ والحج ركن من أركان الإسلام قيل بكفر تاركه قول معروف عند أصحاب مالك ورواية في مذهب أحمد قال به جمع من أهل العلم ويستدل له بقوله جل وعلا:             آل عمران: ٩٧  وأدلة أخرى جاءت في السنة المقصود أن الحج لا إشكال في كون الفريضة أفضل من الجهاد والجواب كما سمعتم في كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في حديث عائشة ثاني أحاديث الباب عند البخاري في باب فضل الحج المبرور قالت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: «لا، ولكن أفضل الجهاد حج مبرور» بعضهم يضبطه «لكنّ أفضل الجهاد حج مبرور» يقول الحافظ ابن رجب عن حديث عائشة وذكر الروايتين يقول أخرجه البخاري بلفظ آخر وهو «جهادكن الحج جهادكن الحج» وهو كذلك يقول وهو كذلك جهاد النساء الحج وفي المسند وسنن ابن ماجه عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحج جهاد كل ضعيف الحج جهاد كل ضعيف» لا شك أن المشقة اللاحقة بالجهاد أعظم من المشقة اللاحقة بالحج ولن يبلغ الحج إلا بشق الأنفس المشقة موجودة لكن المشقة متفاوتة فمشقة الجهاد أعظم ولذا قال: «الحج جهاد كل ضعيف» قال: وإنما كان الحج والعمرة جهادًا لأنه يجهد المال والنفس والبدن يجهد المال والنفس والبدن كما قال أبو الشعثاء نظرت في أعمال البر نظرت في أعمال البر فإذا الصلاة تجهد البدن دون المال والصيام كذلك والحج يجهدهما فرأيته أفضل يعني والزكاة تجهد المال دون البدن يعني هذا الأصل يعني أن الصلاة تجهد البدن دون المال لكن قد يترتب في بعض الصور إجهاد للمال فيما إذا كان المسجد بعيدًا واحتاج إلى أن يستعين بمن يوصله بأجرة مثلاً على كل حال هذا الأصل في الصلاة أنها عبادة بدنية والصيام عبادة بدنية والزكاة عبادة مالية والحج عبادة بدنية مالية يقول أبو الشعثاء نظرت في أعمال البر فإذا الصلاة تجهد البدن دون المال والصيام كذلك والحج يجهدهما فرأيته أفضل يعني وهذا من باب تنوع العبادات يعني تنوع العبادات أمر مقصود في الشرع ولشيخ الإسلام رحمه الله تعالى رسالة في تنوع العبادات ومن رحمة الله جل وعلا بهذه الأمة أن نوع لها العبادات ليجد كل مكلف ما يناسبه من هذه العبادات أما القاسم المشترك بين المكلفين وهو الفرائض هذا لا خيار فيه لأحد لكن التطوع قد يكون بعض الناس التطوع عليه بالصلاة سهل وجاء في تراجم بعض العباد أنهم يصلون في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة لكن قد يكون هذا النوع من الناس لو طلب منه الصدقة بدرهم لشق عليه وبعض الناس عنده استعداد يتبرع بالأموال الطائلة ومع ذلك لا يسهل عليه أن يصلي ركعتين يشق عليه أن يصلي ركعتين خفيفتين ووجد من عنده استعداد يقرأ القرآن الساعات وتشق عليه سجدة التلاوة فأقول تنوع العبادات من من نعم الله جل وعلا على هذه الأمة يعني ما جاءت نوع واحد لأن الناس نفوسهم جبلت على بعض الأعمال وآخرون جبلت على أعمال أخرى منهم من يزاول العمل المتعدي يعني بعض الناس في رمضان في الصيام يلزم المسجد فلا يخرج إلا نادرًا إلا لحاجة ماسة ثم يأتيه من يأتيه يقول لماذا لا تخرج معنا بعد صلاة العصر إلى الأماكن القريبة من البلد لدعوة الناس ولتوزيع كذا؟ هذا سهل عليه أن يخرج وصعب عليه أن يجلس يعني من أشق الأمور أن تقول لهذا الذي تعود الخروج إلى يمين وشمال في أطراف البلد وتوزيع ونفع عام ودعوة وخير وفضل يصعب عليه أن يجلس في المسجد بينما الثاني هذا الذي عود نفسه وأطر نفسه على الجلوس هذا شيء من العبث وإن كان في قرارة نفسه هذا عمل خير لا يوازي ما عنده من حفظ الصيام بالجلوس في المسجد وكان السلف يحفظون الصيام بالمكث في المساجد يعني يستغرب يستغرب يعني يدخل المسجد ويقول لماذا لا تخرج معنا نوزع أشرطة ومطويات على أولئك الأشخاص الغافلين؟  يصعب عليه جدًا بل يستنكر مثل هذا العمل والآخر يقول ما شاء الله فلان بالمسجد دايم في المسجد سبحان الله تنوع هذه العبادات يعني فيها متعة للمسلمين في الحديث الثالث: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» ويوم مبني على الفتح لأنه أضيف إلى جملة صدرها مبني لكن لو أضيف الظرف إلى جملة صدرها معرف أعرب ﯿ  المائدة: ١١٩  الحديث الثالث «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» أولاً الرفث هو الجماع ويطلق على التعريض به وعلى الفحش في القول قال الأزهري الرفث اسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة وكان ابن عمر يخصه بما خوطب به النساء يعني إذا كان الرفث المتعلق بالجماع يخاطب به المرأة هذا رفث يخاطب به رجل لا لا يدخل في الرفث وبهذا يقول ابن عباس ويروون عنه البيت الذي لا يحسن ذكره يعني يذكر في كتب التفسير وفي كتب اللغة ينسب لابن عباس وقال عياض هذا من قوله تعالى البقرة: ١٩٧  والجمهور على أن المراد به في الآية الجماع قال ابن حجر والذي يظهر أن المراد به في الحديث ما هو أعم من ذلك أن المراد به في الحديث ما هو أعم من ذلك وإليه نحى القرطبي «ولم يفسق» أي لم يأت بسيئة بمعصية تخرجه عن دائرة التقوى جاء بسيئة ارتكب معصية أو ترك واجب هذا هو العاصي الفاسق «رجع كيوم ولدته أمه» أي بغير ذنب أي بغير ذنب وظاهره غفران جميع الذنوب الصغائر والكبائر ما عدا الشرك   ﮮﮯ النساء: ٤٨  يقول ابن حجر وهو من أقوى الشواهد لحديث العباس بن مرداس المصرح بذلك الذي فيه تكفير الكبائر «رجع كيوم ولدته أمه» أي بغير ذنبه وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات يقول ابن حجر وهو من أقوى الشواهد لحديث العباس بن مرداس المصرح بذلك وله شاهد من حديث ابن عمر في تفسير الطبري التكفير بالأعمال الصالحة سواء كان بالصلاة الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة هذه مكفرات لما بينها لكن الجمهور على أن التكفير خاص بالصغائر أما الكبائر لا تكفر إلا بالتوبة ولذا جاء الاستثناء «ما لم تغش كبيرة» في بعض الروايات «ما لم تغش كبيرة» وفي بعضها «ما اجتنبت الكبائر»      النساء: ٣١  فالكبائر لا بد لها من توبة ومن أهل العلم من يرى أن الحج على وجه الخصوص يكفر الكبائر والصغائر لإطلاق مثل هذا الحديث «رجع كيوم ولدته أمه» وذكر عن الطيبي أن الحديث إنما لم يذكر فيه الجدال الآية فيها   ﭠﭡ البقرة: ١٩٧  الحديث «فلم يرفث ولم يفسق» لماذا لم يذكر الجدال؟ قال ذُكر عن الطيبي أن الحديث إنما لم يذكر فيه الجدال كما ذكر في الآية على طريق الاكتفاء على طريق الاكتفاء بمعنى أن الجدال ذكر في القرآن والقرآن معروف لدى الخاص والعام فلا يحتاج أن أن يكمل ما فيه ولا يحتاج أن ينبه على ما في القرآن ولذا يحال على ما جاء في القرآن مما جاء في السنة لأن القرآن مضبوط ويمكن إدراك جميع ما فيه بخلاف السنة ويضرب لذلك مثل من جامع في نهار رمضان يقال له عليك كفارة ظهار ما يقال عليك كفارة جماع في نهار رمضان لماذا؟ لأن كفارة الظهار مضبوطة بالقرآن المحفوظ لدى الخاص والعام الآية فيها التنصيص على نفي ويراد بالنفي هنا النهي   البقرة: ١٩٧  والمراد بالنفي هنا النهي فينهى عن الرفث وينهى عن الفسوق وينهى عن الجدال والحديث ليس فيه ذكر للجدال فهل الثواب المرتب في الحديث «رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» يحصل هذا الوعد مع وجود الجدال أو نقول إن الجدال مراد ولو لم يذكر في الحديث لذكره في القرآن الذي لا يخفى على آحاد المتعلمين وذكرنا أن القرآن يحال عليه ما يمكن خفاؤه على بعض المكلفين كما لو جامع رجل امرأته في نهار رمضان قيل له عليك كفارة ظهار مع أن كفارة الجماع في نهار رمضان منصوص عليها في صحيح السنة وبيعة الرجال للنبي عليه الصلاة والسلام متقدمة على بيعة النساء ومع ذلكم يقول عبادة بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما بايع عليه النساء لأن بيعة النساء مضبوطة في القرآن فيحال على ما للقرآن لأنه لا يخفى على أحد السنة قد تخفى هل نقول أن الاكتفاء هنا كما قال الطيبي أنه نص على الرفث والفسوق ولم يذكر الجدال من باب الاكتفاء؟ مثل قوله: النحل: ٨١  يعني والبرد والبرد لكن يقتصر على بعض المراد اكتفاء بما يدل عليه وحينئذٍ هل للجدال أثر في النتيجة «رجع كيوم ولدته أمه» أو لا أثر له؟ لأنه لم ينص عليه في الحديث النتيجة «رجع كيوم ولدته أمه» مرتبة على انتفاء الرفث وانتفاء الفسوق مع أنه جاء التنصيص على الجدال بالآية لكن ليست النتيجة في الآية هي النتيجة في الحديث الآية فيها نفي والمراد به النهي للثلاثة والحديث النتيجة رتبت على اثنين فإما أن نقول كما قال الطيبي أن هذا من باب الاكتفاء وحينئذٍ يكون الجدال مطلوب بهذه النتيجة أو نقول إن النتيجة مرتبة  على الأمرين فقط قال ويحتمل أن يقال إن ذلك يختلف بالقصد لأن وجوده يعني الجدال لا يؤثر في ترك مغفرة ذنوب الحاج إذا كان المراد به المجادلة في أحكام الحج يعني هناك جدال نافع جدال نافع مطلوب مأمور به وهناك جدال منفي منهي عنه   البقرة: ١٩٧  وهناك جدال يسميه العلماء عقيم لا فائدة فيه فلا يدخل في المنهي عنه ولا يدخل في المأمور به جدال لا نتيجة وراءه أما الجدال المنهي عنه فهو داخل في الفسوق لأنه معصية الجدال المطلوب سواء كان في مسائل الحج أو في غيرها من مسائل الدين التي يتوصل بها إلى الحق بدليله هذا من التقوى لأنه مأمور به أما الجدال الذي لا إثم فيه ولا أجر هذا لا شك أنه من الفضول التي تصد عما ينفع ومن أعظم المنافذ منافذ الشيطان إلى القلوب ولذا أكثر أمراض القلوب إنما تأتي من الفضول فضول الكلام فضول النظر فضول النوم فضول الاستماع فضول الخلطة كما قرر ذلك الإمام المحقق ابن القيم في مدارج السالكين قال ويحتمل أن يقال إن ذلك يختلف في القصد لأن وجوده لا يؤثر في ترك مغفرة الذنوب إذا كان المراد به المجادلة في أحكام الحج فيما يظهر من الأدلة أو المجادلة في طريق التعميم فلا يؤثر أيضًا فإن الفاحش منه داخل في عموم الرفث والحسن منها داخل في عدم التأثير والمستوي الطرفين لا يؤثر أيضًا أقول وفي معنى الحديث الآية: ﭖﭗ       ﭣﭤ ﭦﭧ البقرة: ٢٠٣  يعني التقوى من لازمها ترك الرفث والفسوق فإذا اتقى سواء تعجل أو تأخر لا إثم عليه يعني يرجع من ذنوبه يرجع من حجه لا إثم عليه كيوم ولدته أمه فالخلاصة أن الحج المبرور هو الذي يؤدى يؤديه الحاج مخلصًا فيه لله جل وعلا متبعا فيه لنبيه عليه الصلاة والسلام مجتنبًا لما يخدشه من الآثام مما نص عليه وما لم ينص عليه لأن ما نص عليه إنما هو من باب ذكر أو التنصيص على بعض الأفراد والتنصيص قد يكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى يعني إذا كان النهي عن الرفث فالنهي عما كان أعلى منه كالوقوع في الفاحشة مثلاً يعني من باب أولى قد يقول قائل الفاحشة ما نص عليها السرقة ما نص عليها لكن داخلة في ولم يفسق» إذا نص عن مجرد الرفث مواجهة المرأة بالكلام الذي يختص بها أو يتعلق بالجماع هذا شرط لرجوعه كيوم ولدته أمه فكيف بما هو أعظم منه فعلى الإنسان أن يتقي الله في جميع أعماله وفي جميع أحواله عليه أن يتقي بفعل المأمورات وعليه أن يجتنب المحظورات من أجل أن تؤدي هذه العبادات ثمارها المرجوة عليها وما رتب عليها لتكون الحال مما كان عليه الإنسان قبل ذلك ويحصل على الوعد والوعود التي جاءت من الله جل وعلا في كتابه أو على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام مرتبة على هذه العبادات والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.