الشمائل النبوية (01)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحبًا بكم إلى أولى حلقات برنامجكم الشمائل النبوية مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، ونشكر له قبول دعوتنا في هذا البرنامج فأهلاً ومرحبًا بكم يا شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

قبل أن نعرض للإخوة والأخوات ما سنتحدث عنه في هذا البرنامج وهو الشمائل النبوية أود أن أشير إلى أننا سنختار بعض الأحاديث- بإذن الله- التي ذكرت في الشمائل النبوية في حلقات قادمة لكن نستأذنكم فضيلة الشيخ في الحديث أولاً عن الشمائل النبوية ما أُلِّف فيها ومعناها وما جاء حولها عند أهل العلم.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى قد بعث نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، وأرسله رحمة للعالمين وأسوة لخلقه وقدوة لأتباعه كما قال جل وعلا لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا } الأحزاب: ٢١  يقول الحافظ ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسير الآية: هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أُمر الناس بالتأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه- عز وجل- صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين، ولهذا قال تعالى للذين تضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ } الأحزاب: ٢١  أي هلّا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله؟ ثم قال لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا} الأحزاب: ٢١  وقال القرطبي في تفسيره الجامع: قوله تعالى: لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ } الأحزاب: ٢١ هذا عتاب للمتخلفين عن القتال، أي كان لكم قدوة في النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث بذل نفسه لنصرة دين الله في خروجه إلى الخندق، والأسوة القدوة، والأسوة ما يُتأسى به أي يتعزى به فيقتدى به في جميع أفعاله، ويتعزى به في جميع أحواله، فلقد شُج وجهه -عليه الصلاة والسلام- وكُسرت رَباعيته، وقتل عمه، وجاع بطنه، ولم يلف إلا صابرًا محتسبًا وشاكرًا راضيًا إلى آخر كلام القرطبي- رحمه الله- إذا عرف هذا فليعلم أنه لا يتم الاقتداء به والائتساء بأحواله وأفعاله وامتثاله أقواله إلا بمعرفة سنته -عليه الصلاة والسلام-، وسنته -عليه الصلاة والسلام- كما تكون بالأقوال والأفعال تكون أيضًا بالتقارير والأوصاف والخلال والشمائل، فمعرفة أوصافه -عليه الصلاة والسلام- ضرب من ضروب سنته، فالسنة عند أهل العلم ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خلْقي أو خلُقي وهذا هو الشمائل.

يعني الشمائل هي السنة؟

لا، الشمائل جزء من السنة.

وهذا أنت قلت وهذا هو السنة تقصد..

الشق الأخير، السنة عبارة عن أقوال النبي -عليه الصلاة والسلام- وأفعاله -عليه الصلاة والسلام- وتقريره -عليه الصلاة والسلام- وأوصافه.

والشمائل هي الأوصاف.

نعم، ولذا حظيت أوصافه وشمائله -عليه الصلاة والسلام- لدى أهل العلم بالعناية التامة، وقلَّ أن يوجد كتاب من كتب السنة -لاسيما الجوامع التي تحوي أبواب الدين- قل أن يوجد كتاب من هذه الكتب وقد خلا من هذا الجانب العظيم والباب المهم من أبواب الدين، وأفرد الترمذي كتابًا في الشمائل لا يستغني عنه متعلم ولا عالم، وخصص الحافظ ابن كثير مجلدا كبيرًا من تاريخه البداية والنهاية لهذا الجانب المهم من السنة النبوية، وأفرد بعد ذلك في مجلد، ولأهمية كتاب الترمذي تصدّى لشرحه جمع من أهل العلم، جمع غفير شرحوا هذا الكتاب، فمنهم: المُلا علي بن سلطان القاري في كتاب له أسماه: "جمع الوسائل في شرح الشمائل"، ابن حجر الهيثمي أيضًا له كتاب: "أشرف الوسائل"، إسماعيل بن محمد العجلوني له: "أسنى الوسائل"، إبراهيم البيجوري له: "المواهب اللدنية على الشمائل المحمدية"، محمد بن قاسم جسوس له: "الفوائد الجليلة البهية على الشمائل المحمدية"، المعاصرين أيضًا لهم مشاركات في هذا الباب، فشرح الشمائل محمد عبد الجواد الدُّومي، وأيضًا للأستاذ محمود سامي بك "المختصر في الشمائل المحمدية وشرحها" وغير ذلك كتب كثيرة مطبوعة والمخطوط أكثر، ولما كان كتاب الترمذي أفضل ما أُلِّف في بابه فإني سوف أعتمده وأقتصر على ما ذكره، ونظرًا لطوله حيث اشتمل على ما يقرب من أربعمائة حديث وأثر ووقت البرنامج لا يسمح للمرور على جميع أبوابه فإنني سوف أقتصر على بعض ما صح عنده من أحاديث وما يحتاج إليه من آثار مما يناسب ذكره مع التوضيح والبيان حسب الإمكان إن شاء الله تعالى.

بودنا أيضًا قبل أن ندخل نتحدث عن الشمائل تعريفها يا شيخ هل يمكن هذا؟

قبل ذلك أريد أن ألفت نظر القارئ إلى أن هذه الشروح الموجودة لشمائل الترمذي لا تسلم من ملاحظات، وكثير ممن تصدى لهذا الباب لا يسلم من إفراط وغلو وإطراء للنبي -عليه الصلاة والسلام- مما قد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- النهي عنه، على أنه يوجد في بعض البلاد الإسلامية من ترك هذا الجانب أعني تخصيص الشمائل، سواء كان بدرس أو إقراء أو تأليف أو ما أشبه ذلك اكتفاءًا بما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصحيحين وغيرهما، وأيضًا لما اشتملت عليه شروح هذه الكتب من المبالغات والإطراء والمديح الزائد الذي ثبت النهي عنه، ولا شك أن ذلك من باب حماية جناب التوحيد وسد الذرائع الموصلة إلى الشرك، لكن لو كُتب على الشمائل شرح مناسب مبسط يحلل ألفاظ هذه الشمائل بنَفَس سلفي خالٍ من الشوائب وخالٍ من الملحوظات لكان أمرًا مطلوبًا.

أحسن الله إليك.

تلاحظون أن السلف- رحمهم الله- عندما ألّفوا في الشمائل وألفوا في السيرة أيضًا ليس مرادهم بذلك الاكتفاء بما صح مثلاً في الصيحيحين؛ لأهمية هذا الأمر ألفوا فيه، يعني ما نلحظ ما تفضلتم بذكره من الإفراط أو التفريط في هذا الجانب ملاحَظ لكن سلوك درب الوسط هو الأولى.

لا شك أن تخصيص هذا الجانب بالتأليف من قبل أهل العلم يدل على أهميته وأنه ينبغي أن يخصص، لكن إذا تعارض حقه -عليه الصلاة والسلام- مع حق الله- جل وعلا- لا شك أن المقدَّم حق الله، فإذا كان الترك بسبب حماية جناب التوحيد مع أنه يمكن التوفيق يعنى بهذا الجانب مع عدم الوقوع في المحظور، وهذا يذكرنا بمسألة وهو ما يراه بعض أهل العلم من عدم قبول أحاديث الخصائص للتخصيص، هذا رأي ابن عبد البر- رحمه الله- يرى أن أحاديث الخصائص لا تقبل التخصيص مامعنى هذا الكلام؟ يقول مثلاً قوله: -عليه الصلاة والسلام- «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» لا يمكن أن نخصص مثل هذا النص العام بمثل النهي عن الصلاة في المقبرة مثلاً؛ لأن التخصيص تشريف، وتخصيص هذا التخصيص تقليل لذلك التشريف هذه وجهة نظر الإمام ابن عبد البر- رحمه الله- لكن إذا لاحظنا أن هذا التخصيص من من أجل المحافظة على حق الله- جل وعلا- لا شك أن حق النبي -عليه الصلاة والسلام- مقدم على حق كل أحد، على حق النفس، على حق الوالدين، على حق الناس أجمعين، لكن إذا تعارض حقه -عليه الصلاة والسلام- مع حق الله- جل وعلا- قدم حق الرب جل وعلا.

لكن أحسن الله إليك يعني من باب إقرار واقع ربما يشاهد في بعض المجتمعات الإسلامية أنه خوفًا من هذا الأمر دعاهم هذا إلى التفريط في هذا الجانب في ذكر شمائله وخصائصه -عليه الصلاة والسلام- والحديث عنها خوفًا من الوقوع في هذا الجانب.

أنا حقيقة لا أسميه تفريطا؛ لأن في كتب السنة ما يغني، يعني في كتاب الترمذي هذا كل ما صح منه في الصحيحين وسوف يمر علينا في تخريج الأحاديث، ما نريد أن نشرحه ونبينه الاتفاق الكبير بين مرويات الإمام الترمذي وبين ما يرويه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه فهذا موجود في كتب السنة لكن ومع ذلك أرى من من الوفاء بحقه -عليه الصلاة والسلام- أن نُعنى بشمائله وأن نلقنها أطفالنا وأن يعرفها الخاص والعام من المسلمين فرعًا من فروع سيرته -عليه الصلاة والسلام-.

أحسن الله إليكم في حلقة الغد تدعو المستمع أو المستمعة ليتابعوا عن طريق كتاب الشمائل النبوية للحافظ الترمذي؟

إن شاء الله تعالى، ننتقي منه أحاديث حسبما يسمح به ظرف البرنامج.

إذًا مستمعي الكرام بإذن الله تعالى نلقاكم في الحلقة القادمة لنبدأ وإياكم في الحديث عن الشمائل النبوية مع هذا البرنامج نلقاكم بإذنه تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

"