الشمائل النبوية (02)

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله و بركاته، أهلا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم الشمائل النبوية، مع بداية حلقتنا نرحب بضيف البرنامج الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض فأهلاً بكم الشيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

لعلنا نبدأ في هذه الحلقة بتعريف الشمائل المراد بها عند أهل العلم يا شيخ.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول الأزهري في تهذيبه الشِّمال خلاف اليمين خليقة الإنسان وجمعه شمائل قال لبيد:

هم قومي وقد أنكرت منهم
 

 

شمائل بدلوها من شمال
 

يقول الأزهري وإنها لحسنة الشمائل، ورجل كريم الشمائل أي: في أخلاقه وعشرته، فالمراد بالشمائل هي الأخلاق والطِّباع وإن كان الكتاب الذي بين أيدينا يشمل الشمائل من جهتين من الجانب الخِلْقي: وهو الصورة الظاهرة للنبي -عليه الصلاة والسلام- كالبياض والطول والشَّعر وغيرها، والثاني: الجانب الخُلُقي وهو صورته -عليه الصلاة والسلام- الباطنة كالعلم والحلم والجود والكرم وغير ذلك، ويلاحَظ أن الترمذي رحمه الله تعالى قدَّم الخَلْق على الخُلُق، أي قدم الظاهر على الباطن مع أن مناط الكمال هو الباطن لماذا؟ لأن الظاهر –الخَلْق- الظاهر يُمْدح به أو لا يُمدح.

لا ما يمدح، ليس للإنسان به يد ولذلك لا يمدح.

لكن بالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- حينما يذكر لبيان الكمال البشري في هذا الجانب، وإلا ما يمدح زيد لأنه كما يقولون أبيض الخد، أو طويل القد، أو ما أشبه ذلك، ولا يُذم عمرو لأنه قصير، أو لأنه أسمر، أو لأنه كذا، فهذا ليس مناطًا للمدح والذم؛ ولذا يقول أهل العلم في تعريف الحمد: الثناء على المحمود بالجميل الاختياري؛ لأن الجمال الإجباري لا يمدح به ولا يذم، إنما يمدح بما يختاره لنفسه من كريم الخلال والسجايا، وأيضًا الأخلاق التي يمدح بها الإنسان من الأمور والأعراض، نعم ما يمدح به أكثره غريزي من الله -جل وعلا- لكن مناط المدح والذم هو المكتسَب منه؛ لأن من الغرائز ما أصله لا يد للإنسان به، ومنها ما هو مكتسب يتطبع الإنسان ويتخلق الإنسان حتى يكتسب هذا الخلق، الإمام الترمذي رحمه الله تعالى قدم الخلْق على الخلُق قدم الظاهر على الباطن مع أن مناط الكمال هو الباطن؛ لأنه أول ما يبدو من الإنسان؛ ولأنه كالدليل على الباطن؛ ولذا قيل: الظاهر عنوان الباطن يعني كالدليل على الباطن، إذا رأيت رجلاً جميلاً هل معنى هذا أن باطنه جميل؟ هم يقولون كالدليل ما قالوا دليل لكنك إذا رأيت من ترتاح لمنظره لا شك أنك تأنس إليه ويأنس إليك في الجملة، وهذا الأنس يولد من حسن التعامل .

لكن ما يتعارض هذا مع قوله تعالى تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡ } المنافقون: ٤ في ذم المنافقين؟

لا شك أن هذا بالنسبة للمنافقين أمر معروف؛ لأن خلالهم الخفية ظهرت، فكون الخلال الخفية باطنة ولا تعرف ما يتخلق به وما يتصف به الشخص الذي أمامك وتأنس بظاهره ثم بعد ذلك إذا تكشف باطنه عن خلاف ما توقعته وخلاف ما أمّلت بانت حقيقته؛ ولذا يقولون: الظاهر عنوان الباطن، لا شك أن الاسترسال في مثل هذا فيه ما فيه، هناك كتاب أنا اطلعت عليه اسمه قراءة الوجه، فيه ادعاءات لمغيبات من خلال ظاهر الإنسان، نعم قد يتوقع الإنسان من مظهر شخص أنه فيه من الخلال والسجايا كذا، لكن واقع الشخص وما يعيشه وما يتخلق به سواء كان من غريزي أو مكتسب يصدِّق ذلك التوقع أو يكذبه؛ ولذا لا يُقطع بأن كل جميل على خلق جميل

ما يلزم.

«إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا أجسامكم».

بلا شك، إذا نظرنا إلى بعض الأئمة الكبار ممن قيل في وصفهم ما يخالف مخالفة تامة مع باطنهم، كعطاء بن أبي رباح ذكر فيه من العلل ما ذكر ومع ذلك إمام من أئمة المسلمين في العلم والعمل، لكن هم يريدون أن يربطوا بين صورة النبي -عليه الصلاة والسلام- الظاهرة والباطنة فهم كلامهم منصب عليه -عليه الصلاة والسلام- فلا ينبغي تعميمه، لكن في الجملة أنت إذا رأيت رجلاً يعجبك شكله في الظاهر لا شك أنك ترتاح إليه، فإذا ارتحت إليه تعاملت معه من خلال هذا الارتياح تعاملاً حسنًا يجعله أيضًا يتعامل معك تعاملاً حسنا، بخلاف مالو رأيت شخصًا تنفر منه نفسك لقبحه مثلاً لا شك أنك لن تتعامل معه وإن كان الأصل في المسلم أن يتعامل مع المسلمين على حد سواء بما أمر به من حسن عشرة، قال وقدم الترمذي الخلْق على الخلُق لما ذكرنا.

 قال رحمهه الله تعالى.. سم.

في أول حديث؟

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرَة الترمذي باب ما جاء في خلْق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك أنه سمعه يقول كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ولا بالأبيض الأمهق ولا بالآدَم ولا بالجعد القطط ولا بالسَّبط بعثه الله تعالى على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين وتوفاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.

يقول رحمه الله تعالى باب ما جاء في خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخلْق بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام في اللغة التقدير المستقيم الموافق للحكمة يقال خلق الخيّاط الثوبَ إذا قدره قبل القطع، وعليه ورد قوله جل وعلا: فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَٰلِقِينَ } المؤمنون: ١٤ ويستعمل في إبداع الشيء من غير أصل وفي إيجاد الشيء عن شيء آخر، ثم أورد الترمذي رحمه الله تعالى في وصفه -عليه الصلاة والسلام- بسنده "حديث أنس قال كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ولا بالأبيض الأمهق ولا بالآدم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط بعثه الله تعالى على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين فتوفاه الله تعالى على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء"والحديث مخرج في الصحيحين متفق عليه، خرجه الإمام البخاري في كتاب المناقب في باب صفة النبي -عليه الصلاة والسلام- من طريق مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس، ورواه من طريق سعيد بن أبي هلال عن ربيعة بنحوه، ورواه مسلم في كتاب الفضائل باب في صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومبعثه وسنه من طريق مالك به، وإذا عزي إلى صحيح مسلم بالباب والكتاب لا يعني أن هذا التبويب والترجمة من صنيع الإمام مسلم، مسلم لم يترجم كتابه لكن ترجمه الشراح واعتمد من جاء بعد النووي على تراجمه- رحمه الله- وحينما تذكر هذه إنما هي من باب التسهيل لطالب العلم وليس معنى هذا الإقرار قوله "ليس بالطويل البائن" أي ليس -عليه الصلاة والسلام- بالطويل المفرط في الطول مع اضطراب القامة، وجاء من حديث أنس يصف النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ربعة من القوم "ليس بالطويل ولا بالقصير"بل وسط ليس بالطويل ولا بالقصير، وأخرج البخاري من حديث البراء قال كان النبي -صلى الله عليه وسلم- مربوعًا، ووقع في حديث أبي هريرة عند الزهري في الزهريات بإسناد حسن: كان ربعة وهو إلى الطول أقرب، قاله الحافظ ابن حجر فالتوسط في هذا الباب لا شك أنه أكمل والعرب تتمدح بالطول في الجملة، وعندهم أن أعزاء الرجال طيالها يذمون بالقِصَر وإن كان هذا لا يد للإنسان به، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا وصفه كان ربعه مربوعًا متوسط القامة ليس بالطويل البائن يعني شديد الطول وليس بالقصير يعني لا تشنؤه العين من طول ولا من قِصر، بل هو متوسط، وإن كان في كتب اللغة والأدب عمومًا يذكرون عن بعض القصار شيئا من الدهاء والحنكة والذكار، ويصِفون مقابل ذلك الطويل، وعلى كل حال مثل ما رددنا مرارًا لا يمدح الإنسان لا بطول ولا بقصَر، لكن ذكر هذا في جانبه -عليه الصلاة والسلام- لبيان الكمال الخَلْقي. الحافظ ابن حجر قال كلاما وإن كان أيضًا ذكره غيره أن الطول المفرط مظنة للسفه يقول الحافظ ابن حجر: لبعد القلب عن الدماغ، وعلى كل حال مثل ما قلنا الإنسان ليس له يد في هذا، فإن كان طويلاً أو قصيرا فعليه أن يعمل ما أمر به وأن ينتهي عما نهي عنه ويترك هذا الأمر لله- جل وعلا- الذي ركبه، والله المستعان.

 

لعلنا نستكمل ما تبقى بإذن الله في حلقة الغد إذًا مستمعي الكرام نستكمل ألفاظ الحديث بإذن الله في حلقة الغد وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

"