الشمائل النبوية (07)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم الشمائل النبوية، مع بداية حلقتنا نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض فأهلاً بكم يا شيخ عبد الكريم.
حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
قال المصنف رحمه الله حدثنا قتيبة بن سعيد قال أخبرني الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال «عُرض علي الأنبياء فإذا موسى عليه السلام ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى بن مريم عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهًا عروة بن مسعود ورأيت إبراهيم عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهًا صاحبكم يعني نفسه ورأيت جبريل عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبها دِحية».
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، الحديث خرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان باب الإسراء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السموات وفرض الصلوات وأخرجه المصنف في جامعه قوله في الحديث "عرض علي الأنبياء" فيه فضيلة النبي -عليه الصلاة والسلام- حيث عرضوا عليه ولم يقل عرضت عليهم، والمراد بالأنبياء: المعنى الأعم الشامل للرسل؛ لأن كل من ذكر رسل، وذلك العرض كان ليلة الإسراء كما جاء في رواية أبي العالية عن أبي العباس وابن المسيب عن علي وأبي هريرة، وهل رآهم على حقيقة أجسادهم- صلوات الله وسلامه عليهم- أو مُثِّلت له صورهم، يقول ملا علي قاري في شرح الشمائل: قيل لا وجه لهذا الترديد بل الصواب رؤيتهم، ثم تردد: إن كانت نوما مثلت له صورة في حال حياتهم، أو يقظة فهو رآهم على صورتهم الحقيقية التي كانوا عليها في حياتهم؛ لأنه ثبت أن الأنبياء أحياء، وأقول لا داعي لهذا التردد؛ لأن الإسراء كان يقظة بجسده وروحه -عليه الصلاة والسلام- ولا مانع من اجتماعهم به حقيقة؛ لأنهم أحياء وحياتهم أكمل من حياة الشهادة "فإذا موسى عليه السلام ضرب من الرجال" بإسكان الراء ضرْب بإسكان الراء، قال القاضي عياض: هو الرجل بين الرجلين في كثرة اللحم وقلته، قال القاضي: لكن ذكر البخاري في بعض الروايات: "فإذا موسى عليه السلام مضطرب من الرجال" وفسِّر قوله: "مضطربا" أنه طويل، وهو الطويل غير الشديد، قال النووي: قال أهل اللغة الضرب هو الرجل الخفيف اللحم، كذا قال ابن السكِّيت في الإصلاح، وصاحب المجمل، والزبيدي، والجوهري، وآخرون، لا يحصون والله أعلم. وابن السكيت صاحب إصلاح المنطق، وصاحب المجمل ابن فارس، والزبيدي إمام من أئمة اللغة وليس هو الزَّبيدي صاحب شرح القاموس، فهذا النقل يقوله النووي قبله بأكثر من خمسة قرون، والجوهري وآخرون لا يحصون والله أعلم. فالضرب هو الرجل الخفيف اللحم كأنه من رجال شنوءة.
لكن على هذا نرجح القول الثاني أو المعنى يكون متقاربا؟
كيف؟
يعني أي المعنيين أصح؟
قال القاضي عياض: هو الرجل بين الرجلين في كثرة اللحم وقلته، والقول الثاني: هو الرجل الخفيف اللحم يعني هو متوسط يميل إلى الخفة الأمر فيه سعة "كأنه من رجال شنوءة" قبيلة من اليمن سموا بذلك لشنآن كان بينهم أي لتباغض وأحقاد كانت بينهم، وهذا وصفهم، يعني تشبيه موسى عليه السلام بهؤلاء لا للوصف الذي سموا به شنوءة، إنما لأنهم يميلون إلى الخفة في اللحم، فهذا وجه الشبه بين موسى عليه السلام ورجال شنوءة خفة اللحم، أو كونه ضرب بين كثير اللحم وقليله، لا لما اتصفوا به من الشنآن، فالتشبيه من وجه دون وجه كما هو معروف يقول -عليه الصلاة والسلام- "ورأيت عيسى بن مريم عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهًا عروة بن مسعود" الثقفي صحابي أسلم سنة تسع من الهجرة واستأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرجوع، فرجع إلى قومه فدعاهم إلى الإسلام فأبوا، وقتله رجل من ثقيف عند تأذينه بالصلاة.
هو الذي أرسلته قريش يوم الحديبية يا شيخ؟
أرسلته قريش.
يوم الحديبية.
سهيل بن عمرو هو الذي حضر الصلح، عروة حضر الصلح لكنه كان كافرًا.
إذن هو الذي أرسل بين القبائل يوم الحديبية.
هو موجود في الصلح، وهو أيضًا وجيه بدليل أنه أحد اثنين اقترحهم الكفار على على الله جل وعلا حينما قالو { وَقَالُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنَ ٱلۡقَرۡيَتَيۡنِ عَظِيمٍ } الزخرف: ٣١ ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره عن غير واحد من السلف منهم قتادة أنهم أرادوا بذلك الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي، هذا وجيه من وجهاء الطائف من ثقيف.
إذن هو أرسل يا شيخ من قبل قريش يوم الحديبية؛ لأن الحوار الذي دار بين الصحابة وبين على هذا الأساس.
المقصود أنه موجود في الصلح وكان كافرًا، وهو وجيه من وجهاء قومه، وأما الذي أرسل حقيقة سهيل ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لما رآه «سهل أمركم» ولا يمنع أن يكون من جهة أخرى مرسلا من قومه مثلاً يقول -عليه الصلاة والسلام- "ورأيت إبراهيم عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهًا صاحبكم يعني نفسه - يعني نفسه -عليه الصلاة والسلام- والظاهر أن القائل يعني نفسه -عليه الصلاة والسلام- أنه جابر الراوي، ونبينا -عليه الصلاة والسلام- أقرب الناس شبهًا بأبيه إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- "ورأيت جبريل عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهًا دِحية" يعني ابن خليفة الكلبي صحابي لم يشهد بدرًا وشهد ما بعدها وبايع تحت الشجرة، نزل الشام وبقي إلى أيام معاوية، وكان ممن يضرب به المثل في الحسن والجمال، وفي الصحيحين وغيرهما أن جبريل عليه السلام كان يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- على صورته، يعني إذا تمثل رجلاً جاء على صورة دحية غالبًا، وإلا فقد رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- جبريل على صورته التي خلقه الله له ستمائة جناح مرتين.
قد يقول قائل ما مناسبة هذا الحديث للشمائل.
قوله في شبهه -عليه الصلاة والسلام- أنه أقرب من إليه إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-.
يعني هل نستفيد من هذا معرفة أوصاف للنبي -عليه الصلاة والسلام- أو معرفة أوصاف إبراهيم من معرفتنا بأوصافه -عليه الصلاة والسلام- والشمائل شمائل الرسول أو شمائل إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-؟ لا شك أن هناك أوصاف وشمائل ذكرت في نصوص الكتاب والسنة لإبراهيم -عليه الصلاة والسلام-.
فمنها نعرف بعض شمائل النبي -عليه الصلاة والسلام-.
نعم، ومن هنا دخل، قال العلماء ووجه مناسبة الحديث للباب دلالته على أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- كان أشبه الناس بإبراهيم ومن ثم أمر باتباعه قال تعالى{ ثُمَّ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ أَنِ ٱتَّبِعۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗا } النحل: ١٢٣ أي لتقدمه ظهورًا في الوجود، لا لكونه أفضل منه، فما ثبت لإبراهيم -عليه الصلاة والسلام- من الأوصاف والشمائل سواء كانت خلْقية أو خلُقية ثبت مثلها للنبي -عليه الصلاة والسلام- من قوله "فإذا أقرب من رأيت به شبهًا صاحبكم يعني نفسه" -عليه الصلاة والسلام-.
يا شيخ إذا أذنت عنعنة أبي الزبير هل تضر في سند الحديث؟
لاتضر؛ لأن الحديث مخرج في صحيح مسلم، وعنعنات المدلسين في الصحيحين محمولة على الاتصال عند أهل العلم، ولا يضرنا قدْح من قدَح وأجرى القواعد على الصحيحين، فعنعنات المدلسين في الصحيحين لا شك أنها محمولة على الاتصال؛ لأنها جاءت من طرق في المستخرجات وغيرها كذلك مصرح فيها بالتحديث.
إذًا هذا الحديث صحيح لا شك فيه.
لا إشكال فيه.
الحديث ذكرتم أنه في مسلم يا شيخ؟
نعم الحديث مخرج في صحيح مسلم.
جزاكم الله خير وأحسن إليكم، نذكر الإخوة بأننا بإذن الله في الحلقة القادمة سنأخذ في باب ما جاء في خاتم النبوة بإذن الله تعالى مستمعي الكرام بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح الشمائل النبوية نلقاكم في حلقة قادمة وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
"