الشمائل النبوية (20)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامج الشمائل النبوية والتي نقرأ فيها من كتاب شمائل النبي -صلى الله عليه وسلم- للإمام الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي -رحمه الله- مع بداية حلقتنا نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض فأهلاً بكم يا شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

في باب ما جاء في صفة أكل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال رحمه الله: حدثنا الحسن بن علي الخلّال قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أكل طعامًا لعق أصابعه الثلاث.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، حديث أنس خرّجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الأشربة في باب استحباب لعق الأصابع والقصعة، وخرجه غيره. كان النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الأسلوب يدل على الاستمرار غالبًا إذا أكل طعامًا، والمراد به ما يلتصق بالأصابع؛ لأن الطعام الجاف لا يحتاج إلى لعق وإن قال بعضهم يشمله الحديث فتلعق الأصابع ولو كانت جافة، لكن العلة معقولة وهي تنظيف الأصابع من بقايا الطعام، فالجاف لا يلتصق بالأصابع منه شيء فلا يحتاج إلى لعق، وهذا فرع من قاعدة، وهي أنه إذا أُمر بشيء أو جاء الحث على شيء.

يُعمل بقدر المستطاع منه.

يعمل بما يمكن العمل به منه، وإن قال بعضهم بطرد العمل كما قالوا في إمرار الموسى على رأس الأصلع في النسك، فالأصلع الذي ليس على رأسه شعر كيف يحلق؟

يمر الموسى عليه.

قالوا يمر الموسى عليه، لكن المرجح عند أهل التحقيق أن  العلة مادامت معقولة فلا داعي لمثل هذا العمل؛ لأنه ضرب من العبث، تأكل طعاما جافا لا يعلق في الأصابع منه شيء فتلعق أصابعك؟!

وحُددت الأصابع هذه يا شيخ بالثلاث؟

يأتي إن شاء الله تعالى، ولعق يلعق من باب تعب أي لَحس، وقد جاء في البخاري من حديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال «إذا أكل أحدكم طعامًا فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يُلعِقَها» وفي صحيح مسلم من حديث كعب بن مالك قال كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها"  ثلاث أو ثلاثة؟

بثلاث أصابع هنا في حديثنا تقصد يا شيخ أصابعه الثلاث.

الأصبع مذكر والا مؤنث؟

يجوز فيه التأنيث والتذكير.

نعم؛ ولذا قال: بثلاث أصابع.. فيستحب أن يأكل بثلاثة أصابع اقتداء به -عليه الصلاة والسلام- قال القاضي عياض: الأكل بأكثر منها من الشره وسوء الأدب وتكبير اللقمة، يقول: ولأنه غير مضطر إلى ذلك لجمعه اللقمة وإمساكها من جهاتها الثلاث، يعني بجهاتها الثلاث: بالثلاث الأصابع، فإن اضطُر إلى ذلك لخفة الطعام وعدم تلفيقه بالثلاث فيدعمه بالرابعة أو الخامسة؛ لأن المسألة مسألة حاجة، لكن إذا عدمت الحاجة إلى الأصابع كلها فالأصل الثلاث، فإذا أمكن حمل الطعام بالأصابع الثلاث فهذا هو السنة. وقوله في حديث البخاري «فلا يمسح يده» يعني بمنديل ونحوه وفي حكمه الغسل، فلا يمسح ولا يغسل حتى يَلعق أو يُلعق، قوله: حتى يلعقها بنفسه أو يُلعقها غيره ممن لا يتقذره من زوجة أو ولد أو خادم أو نحوهم، وقع في حديث كعب بن عجرة عند الطبراني في الأوسط صفة لعق الأصابع وتعيين الأصابع، ولفظه: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأكل بأصابعه الثلاث بالإبهام والتي تليها والوسطى ثم رأيته يلعق أصابعه الثلاث قبل أن يمسحها الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام يلعق الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام..

السبابة.

والتي تليها هي السبابة، ذكره ابن حجر ولم يتعقبه والقاعدة عنده أنه إذا أورد حديثًا ولم يتعقبه فهو صحيح أو حسن، هذه القاعدة نص عليها في المقدمة، وقد وجد بعض الأحاديث التي لم يتعقبها وهي مضعفة بل ضعفها ظاهر فإما أن يكون ذلك ذهولا منه أو يُحمَل كلامه- ما يسكت عنه فهو صحيح أو حسن- على ما يشرح به يعني ما يعضد به حديث الباب ويبين معناه، نقل الحافظ عن الشيخ العراقي في شرح الترمذي قوله كأن السرّ في أن الوسطى تقدم على غيرها أن الوسطى أكثر تلويثًا لأنها أطول فيبقى فيها من الطعام أكثر من غيرها؛ ولأنها أول ما ينزل في الطعام لطولها، وهذا مجرد تعليل من الحافظ العراقي يقول: كونها تلعق أولاً لأنها أكثر تلويثًا، فلطولها يكون فيها من أثر الطعام أكثر من التي تليها؛ لأنها أقصر منها.

الوسطى أطول.

فالزيادة في الوسطى  تكون زيادة في مقدار التلويث، وهذا مجرد تعليل من الحافظ العراقي أو لأنها لطولها أول ما ينزل في الطعام فهل  لهذا أثر في كونها تلعق أولاً؟

ما فيه أثر.

يقول: ثم رأيته يلعق أصابعه الثلاث قبل أن يمسحها، الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام.

من الطرائف أن بعض أهل العلم من المعاصرين يختار الأكل بالملعقة لماذا؟ يقول: لأنها هي التي يمكن فيها تطبيق السنة، فهي التي تمسك بالأصابع الثلاث، فهذا اختيار طريف، يقول لأنها تمسك بالأصابع الثلاث فيتيسر على حد زعمه تطبيق السنة.

ويلعق الملعقة هنا.

أطرف من هذا الاختيار ما قاله بعضهم له.

للقائل الأول.

 يقول: يمكن تطبيق السنة في إمساك الملعقة بالثلاث  وأكلها كما لو كانت الملعة مثلا من مأكول، فيمكن أن تصنع الملعقة من شيء مأكول، فإذا أمسكتها بالثلاث وأكلت بها ثم في النهاية أكلتها تقول طبقت السنة.

أحسن الله إليك، بالنسبة للفظ الآخر الذي أوردتموه إما يَلعقها أو يُلعقها.

نعم يَلعقها بنفسه.

أو يُلعقها.

يُلعقها غيره.

وهل يرد مثل هذا، وهو أن هناك من يلعق يده الآخر؟

ماالمانع؟ إذا كان لا يتقذره يلعقه، الزوجة إذا كانت لا تكره، الولد، الخادم، إذا كان لا يكره.

لكن ما العلة في كونه يلعقها الآخرين؟

يلعقها؛ لأن هذه الدسومة من بقايا نعمة وأثر نعمة، وباللعق يستفاد منها، ولا نتصور وضعنا الآن وأننا لسنا بحاجة إلى مثل هذه الأمور، فكان الأمر عندهم مختلف، فقد يحتاجه  من يلعقه هذا أمر، الأمر الثاني: لئلا تهدر وتذهب مع الغسيل أو المنديل إلى أماكن تصان عنها، مع أن المقرر أن -الشيء من بقايا الطعام- الذي لا يمكن يستفيد منه إنسان ولا حيوان ولا جرم له لو ذهب مع البقايا لا إشكال في ذلك.

أحسن الله إليك يعني نلحظ أن الصحابة رضي الله عنهم نقلوا أشياء دقيقة في فعله -عليه الصلاة والسلام- مثل هذه الأمور، فكيف نستطيع أن نفهم أنها سنة، أكله بالأصابع الثلاث، لعقه أصابعه، هل هناك معيار محدد يستطيع من خلاله الإنسان أن يفهم أن هذا سنة أو أن هذا من طبيعته وجبلته في الفعل -عليه الصلاة والسلام-؟

أولاً: الشرع محفوظ، والصحابة نقلوا لنا ما سمعوه وما رأوه منه -عليه الصلاة والسلام- لم يفرطوا بشيء من دينهم، فلهم علينا الترضي والتولي- رضوان الله عليهم- ، فنقلوا كل شيء حتى ما يظن بعضهم أنه لا يتعلق به حكم،  وأنه مجرد عادات نقلوا هذا، والمسألة خلافية فيما يقتدى به من الأفعال المتعبد بها والجبلية، وتتباين أنظار أهل العلم في ذلك تباينًا كثيرا، وأشد الناس فيما عُلم اقتداء به -عليه الصلاة والسلام- حتى فيما لم يوافقه عليه غيره ابن عمر، حتى

 كان- رضي الله عنه- يكفكف دابته لتقع مواطئ أخفافها على مواطئ النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن مع هذا الحرص لو كان خيرًا لفعله أبو بكر وعمر.

 

أحسن الله إليكم وشكر لكم لعلنا نستكمل بإذن الله في الحلقة القادمة وسيكون حديثنا في باب ما جاء في صفة خبز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شكرًا لكم مستمعي  الكرام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.