الشمائل النبوية (22)
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم الشمائل النبوية، مع بداية حلقتنا نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بالرياض فأهلاً بكم يا شيخ عبد الكريم.
حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
فضيلة الشيخ في الحلقة الماضية عندما تحدثنا في باب ما جاء في صفة خبز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتفضلتم بذكر بعض ألفاظ حديث أنس بن مالك، كنا توقفنا عند ذكر هديه -صلى الله عليه وسلم- في الأكل وأشرتم إلى كلام الإمام ابن القيم رحمه الله في هذا المجال لعلكم في هذه الحلقة تتفضلون بذكر هذا الموضوع.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. نستأنف كلام ابن القيم لأهميته يقول رحمه الله تعالى: وكان هديه -صلى الله عليه وسلم- وسيرته في الطعام لا يرد موجودًا ولا يتكلف مفقودًا، فما قرب إليه شيء من الطعام من الطيبات إلا أكله إلا أن تعافه نفسه فيتركه من غير تحريم، وما عاب طعامًا قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه كما ترك أكل الضب لما يعتده ولم يحرِّمه على الأمة بل أُكل على مائدته وهو ينظر، وأكل الحلوى والعسل وكان يحبهما، وأكل لحم الجزور، والضأن، والدجاج، والحبارى، ولحم حمار الوحش، والأرنب، وطعام البحر، وأكل الشواء، وأكل الرطب، والتمر، وشرب اللبن خالصًا ومشوبًا، والسويق، والعسل بالماء، وشرب نقيع التمر، وأكل الخزيرة وهي حساء يتخذ باللبن والدقيق، وأكل القثاء بالرطب، وأكل الأقط، وأكل التمر بالخبز، وأكل الخبز بالخل، وأكل الثريد وهو الخبز باللحم، وأكل الخبز بالإهالة وهي الودك وهو الشحم المُذاب، وأكل من الكبد المشوية، وأكل القديد -عليه الصلاة والسلام- وأكل الدباء المطبوخة وكان يحبها وأكل المسلوقة، وأكل الثريد بالسمن، وأكل الجبن، وأكل الخبز بالزيت، وأكل البطيخ بالرطب، وأكل التمر بالزبد، وكان يحبه، ولم يكن يرد طيبًا ولا يتكلفه، بل كان هديه أكل ما تيسر فإن أعوزه صبر حتى إنه ليربط على بطنه الحجر من الجوع، وكان يرى الهلال والهلال والهلال ثلاثة أهلة ولا يوقد في بيته نار، وكان معظم مطعمه يوضع على الأرض في السفرة وكانت هي مائدته، وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلقعها إذا فرغ وهو أشرف ما يكون من الأكلة فإن المتكبر يأكل بأصبع واحدة والجشع الحريص يأكل بالخمس، ويدفع بالراحة، وكان يسمي الله تعالى على أوّل طعامه ويحمده في آخره فيقول عند انقضائه "الحمد لله حمدا كثيًرا طيبًا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع مستغنىً عنه ربنا"، وهذا الحديث ذكره الترمذي في الشمائل وهو مخرج في البخاري.
ولفظ ربنا هكذا بالنصب يا شيخ على اعتبار النداء.
نعم منادى.
لكن ما ترد ولا مستغنى عنه ربُّنا باعتبار الفاعل؟
لا.
ما ترد هكذا.
إما أن يقدر لها خبر نحو: ربنا محمود مثلاً، أو ربنا المحمود أو تبقى على أصلها النداء الذي هو الدعاء، وربما قال:" الحمد لله الذي يطعِم ولا يُطعَم منّ علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا وكل بلاء حسن أبلانا، الحمد لله الذي أطعم من الطعام وسقى من الشراب وكسا من العري وهدى من الضلالة وبصّر من العمى وفضل على كثير ممن خلق تفضيلاً، الحمد لله رب العالمين". وهذا الحديث رواه ابن حبان من حديث أبي هريرة وسنده قوي، وربما قال: "الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوَّغ". وهذا الحديث مخرج في سنن أبي داود، وكان إذا فرغ من طعام لعق أصابعه ولم يكن لهم مناديل يمسحون بها أيديهم، ولم يكن عادتهم غسل أيديهم كلما أكلوا فالماء قليل عندهم،
والله المستعان.
أحسن الله إليك، قبل قليل أشرتم إلى بعض الأدعية الواردة عنه -عليه الصلاة والسلام- في ختام الأكل التسمية طبعًا ثابتة عنه -عليه الصلاة والسلام- قبل الأكل.
ورد الأمر بها.
بعض الناس ربما يشكك.
ولذا كان يقول وكان يسمي الله تعالى على أول طعامه ويحمد في آخره.
أحسن الله إليكم إذا نسي المسلم التسمية في أول الطعام هل ورد أنه يسمي..؟
نعم يسمي ويقول أوله وآخره.
بسم الله في أوله وآخره.
أو أوله وآخره.
أيضًا بعض الناس ربما ينظر إلى الأحاديث الواردة في النهي عن الأكل بالشمال على أنها للكراهة ما صحة هذا يا شيخ؟
هم يقولون كل ما جاء من باب الأدب فإن كان أمرا فهو استحباب وإن كان نهيًا فهو كراهة، لكن كونه -عليه الصلاة والسلام- دعا على من لم يستجب لأمره «كل بيمينك» ثم بعد ذلك قال لا أستطيع فدعا عليه -عليه الصلاة والسلام- «لا استطعت» هذا لا شك أنه يعطي الأمر قوة.
وكون الشيطان يأكل بشماله..
وأيضًا مشابهة الشيطان ممنوعة، وإن كان بعضهم يعلل بأن الدعاء سببه الكبر وليس سببه الأكل بالشمال لكن إذا اعتضدت هذه الأدلة مع مشابهة الشيطان اتجه القول للتحريم.
أحسن الله إليكم، مادام الحديث عن الأكل بالشمال، وهذا مع الأسف انتشر في بلدان المسلمين، وهو تقليد صريح للغرب في وضع الملعقة والشوكة على اليسار والسكين على اليمين، بعض المطاعم تجبر العاملين وما يسمى بالسفرجي عندهم بأن يضع الشوكة والملعقة والسكين في اليمين وهذا يدعو للأكل بالشمال هل يطيعهم في هذا؟
السؤال كثير من العاملين في المطاعم عن مثل هذا وهل يستجيبون؟ الأصل ألا يستجيبوا حتى على القول بالكراهة؛ لأن هذه مصادمة لما جاء من هديه -عليه الصلاة والسلام- بل من أمره -عليه الصلاة والسلام- فمن يترك العمل في مثل هذه المطاعم يعوضه الله جل وعلا خيرًا منها بلا شك، ومع الأسف يوجد مثل هذا في بلاد المسلمين، يصادمون ما ثبت عن قدوتهم وأسوتهم -عليه الصلاة والسلام- ونُسأل الآن عن دورات لأعمال السفرجية، وعلى هذا لو يخطئ أو ينسى ويضع الآلات على الجهة اليمنى رسب في هذا الامتحان، أقول: لا يستجيب لمثل هذا، بل عليه أن يتقي الله جل وعلا وأن يقتدي بنبيه -عليه الصلاة والسلام- ولا يضره ما يفوته من أمر الدنيا، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، المسألة ليست من عظائم الأمور لكنها مصادمة لهدي النبي -عليه الصلاة والسلام- بلا شك، فمثل هذا يخشى من عقوبته؛ لأن الذنب وإن كان يسيرًا إلا أنه مع المعاندة ومع الإصرار والاستمرار يكون عظيمًا، فالإنسان لا ينظر إلى المعصية لذاتها ولكن ينظر إلى من يعصي، ومثل هذا خطير.
أحسن الله إليك أيضًا، في الحديث الذي معنا قبل قليل أنه -عليه الصلاة والسلام- ما خبز له المرقق مما يدل على أن المرقق من باب التنعم، هل هناك حدود معينة لمثل هذه الأكلات التي فيها تنعم وتركه -عليه الصلاة والسلام- لها؟
أولاً مر بنا أنه لم يكن عندهم مناخل فبطبيعة الحال ألا يكون الخبز مرقق، وقد يوجد عندهم ويتركونه؛ إيثارًا للآخرة؛ لأن تعويد النفس على النعومة الزائدة لا شك أنه قد يؤدي إلى أن يطلب هذه النعومة في بعض الأحوال والظروف فلا يجدها إلا بارتكاب شيء من المكروه، وقد يتجاوز ذلك إلى الشبهة، وقد يتجاوز ذلك إلى المحرم أحيانًا كما في حديث الحلال بيّن والحرام بيّن، لماذا يترك السلف تسعة أعشار الحلال؟ لئلا يطلبوا هذا الحلال من وجهه فلا يتيسر لهم وقد عودوا أنفسهم عليه ثم بعد ذلك لا يجدونه فيتجاوزون مسألة الحلال إلى المكروه كما هو واقع كثير من الناس، فمن عوّد نفسه على الاسترسال في المباحات لا شك أنه سوف يطلب بعض المكروهات حين لا يتيسر له ذلك المباح، ومن المؤسف أن يوجد في بعض البلاد التي تنتسب إلى الإسلام الترف الزائد حتى وجد من الناس من يمسحون الماصات بل تعدوا ذلك إلى مسح الخفاف والجزم على ما يقولون برقائق الخبز، وُجد هذا في بعض البلاد التي تنتسب إلى الإسلام ثم بعد ذلك عوقبوا فصارت عندهم بعض المشاكل والحروب، المقصود أن النعمة تحتاج إلى شكر، والله جل وعلا يقول { لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡ } إبراهيم: ٧ وبالمقابل.
{ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٞ } إبراهيم: ٧ نسأل الله العافية.
أحسن الله إليك يرد أيضًا في بعض النصوص الحث على الاجتماع على الطعام، هل المقصود من الاجتماع على الطعام أن يأكل الجميع في نفس الصحن أو مجرد اجتماعهم حتى لو كان لكل واحد منهم صحن؟
الأصل أن يكونوا في إناء واحد لتنزل فيه البركة.
أحسن الله إليكم ونفع بعلمكم أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة الحديث القادم معنا سيكون في باب ما جاء في صفة شرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن كما ذكرنا لكم نقرأ من كتاب شمائل النبي للإمام الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي المتوفى سنة تسع وسبعين ومائتين للهجرة شكر الله لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، شكرًا لكم أنتم على طيب المتابعة ألقاكم في الحلقة القادمة بإذن الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
"