الشمائل النبوية (26)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم إلى لقاء جديد في برنامجكم الشمائل النبوية مع بداية حلقتنا نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بالرياض فأهلاًومرحبًا بكم يا شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

لازلنا في باب ما جاء في صفة مزاح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من كتاب شمائل النبي للإمام الحافظ أبي عيسى الترمذي تحدثتم في الحلقة الماضية حول حديث أنس بن مالك المعروف:  "أبا عمير ما فعل النغير" في مقدمة حول المزاح لعلنا نستكمل الموضوع يا شيخ.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، في آخر الحلقة السابقة ذكرنا ما علقه الإمام البخاري في ترجمته على الحديث من قول ابن مسعود خالط الناس ودينك لا تكلمنه كلام رصين متين، يعني لا يمنع من المخالطة لكن رأس المال تجب المحافظة عليه ولهذا ينبغي للشخص الذي لا يضبط نفسه إذا خالط الناس وصار ذلك على حساب دينه وعلى حساب كلمه وجرحه يوصى بأن لا يخالط؛ لأن المخالطة بالنسبة له ضرر "قول أنس إن كان النبي -صلى الله عليه وسلم-""إن كان" أي أنه كان فأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وقوله "ليخالطنا" أي يمازحنا، المخالطة المراد بها الممازحة، قال في القاموس خالطَه مازحه، وإن كان الظاهر من لفظ المخالطة أنها مجرد الاجتماع لكن المراد ما وراء ذلك وهو الممازحة مع هذا الاجتماع "حتى يقول لأخ لي" أي انتهت مخالطته حتى تعدت الكبار إلى الصغير والسؤال عن الطائر وقوله "لأخ لي" أي من الأم كان صغيرًا وهو ابنٌ لأبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري سمّاه بعضهم كبشة وأمه أم سليم بنت مَلحان وقد مات هذا الصبي الصغير في حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- "«يا أبا عمير»" بالتصغير "«ما فعل النغير»" بنون ومعجمة وراء مصغر أيضًا طائر صغير واحده نغرة وجمعه نُغران قال الخطابي طوير له صوت وقال عياض.

جمعه ماذا يا شيخ؟

نغران.

نُغران؟

نعم.

و تثنيته في هذه الحالة؟

ماذا؟

نغيران؟

لا لماذا تصغر.

هو نغير.

واحده.

نغرة.

نعم.

نغرتان.

الأصل أنه نغرة في كلام عند بعضهم والآخرون يقولون نُغر كصُرد.

فيكون تثنيته نُغَران.

نعم.

وجمع نُغْران.

نعم، قال الخطابي طوير له صوت، وقال عياض النغير طائر معروف يشبه العصفور، وقيل فرخ العصافير، وقيل هو نوع من الحُمَّر بضم المهملة وتشديد الميم ثم راء، قال والراجح أنه طائر أحمر المنقار، قال ابن حجر هذا الذي جزم به الجوهري يعني في صحاحه، وقال صاحب العين والمحكم الصعو صغير المنقار أحمر الرأس يعني النغير هو الصعو، وقال ابن حجر أيضًا وفي هذا الحديث عدة فوائد جمعها أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري المعروف بابن القاص الفقيه الشافعي صاحب التصانيف في جزء مفرد وذكر ابن القاص في أول كتابه أن بعض الناس عاب على أهل الحديث أنهم يروون أشياء لا فائدة فيها ومثّل ذلك بحديث أبي عمير هذا، فقد يقول قائل مامعنى «يا أبا عمير ما فعل النغير»  وقد قيل، ابن القاص انبرى لهم فبين فوائد هذا الحديث في جزء مفرد قال ابن القاص: وما درى يعني هذا القائل أن في هذا الحديث من وجوه الفقه وفنون الأدب والفائدة ستين وجها ثم ساقها مبسوطة، يقول ابن حجر فلخّصتها مستوفيًا مقاصده ثم أتبعته بما تيسر من الزوائد عليه فذكرها الحافظ فمن أراد هذه الفوائد فليراجعها في الجزء العاشر من فتح الباري صفحة خمسمائة وأربعة وثمانين إلى خمسمائة وسبعة وثمانين في ورقتين، المقصود أنهم أفاضوا في ذكر فوائد هذا الحديث، ذكر الترمذي أحاديث منها ما ذكره عن الحسن مرسلاً قال أتت عجوز إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالت ادع الله لي أن يدخلني الجنة فقال «يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز» قال فولت تبكي فقال «أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز إن الله تعالى يقول: { إِنَّآ أَنشَأۡنَٰهُنَّ إِنشَآءٗ ٣٥ فَجَعَلۡنَٰهُنَّ أَبۡكَارًا ٣٦ عُرُبًا أَتۡرَابٗا ٣٧ } الواقعة: ٣٥ - ٣٧» ومعروف أن مراسيل الحسن..

ضعيفة.

جدًا واهية، لكن هذا الخبر له شاهد من حديث عائشة يتقوى به أخرجه الطبري في تفسيره وأبو نعيم في تاريخ أصبهان والبيهقي في البعث والشعب من طريق ليث عن مجاهد عنها، قد يقول قائل هذا المَزاح إذا كان مما يسر ويطيب الخاطر ويدخل السرور في نفس المسلم فمثل ما تقدم فالأمور بمقاصدها لكن هنا قد يقول قائل أنه أحزنها ما سرها.

لكن بادر بتصحيح الوضع مباشرة.

بلا شك نعم لم يتركها يطول حزنها بل لو يقال أن هذا أسلوب من أساليب التعليم لكي تفهم.

الآية.

الآية نعم يعني لو لم ترد هذه القصة الآن هي فهمت المراد وهو أنها لا تدخلها وهي عجوز { إِنَّآ أَنشَأۡنَٰهُنَّ إِنشَآءٗ ٣٥ فَجَعَلۡنَٰهُنَّ أَبۡكَارًا ٣٦ عُرُبًا أَتۡرَابٗا ٣٧ } الواقعة: ٣٥ - ٣٧ قد تقول العجوز أنا ليست هذه صفتي فما موقعي في الجنة، فهذا الحديث يبين أنها لا تكون عجوزًا في الجنة إنما.

تعاد.

تعاد نعم يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:

هذا وسنهم ثلاثًا مع ثلا

 

ثين التي هي قوة الشبان

على كل حال الحديث ضعيف حتى مع حديث عائشة قد لا يصل إلى حد الحسن لغيره لكنه يرتفع عن درجة الضعف الشديد، وبهذا- يعني في هذا الباب وهو مزاح النبي -عليه الصلاة والسلام- وما أورده الإمام الترمذي وما ذكره غيره من الوقائع- يعرف أن في ديننا فسحة ولله الحمد للمزاح الخفيف بالضوابط التي تقدمت، كالذي لا يذهب هيبة المسلم، ولا يجوز للمسلم أن يتخذه مهنة بحيث يضحك القوم، لا هم له ولا شغل في هذه الحياة إلا أن يضحك الناس فقد جاء الوعيد على ذلك.

يعني  لا يجوز يا شيخ أن يكون شخص معين يمتهنها.

يمتهن هذا تكون مهنته.

بعضهم الآن يؤخذ إلى الاستراحات والأماكن العامة والمجالس.

يعني يعرف بذلك.

يعرف بذلك.

لا يجوز له أن يمتهن هذا لأن الضوابط السابقة تختلف مع كونه مهنة، يعني بحدود، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- حفظ  عنه ألوف مؤلفة من الأحاديث كم حفظ عنه في باب المزاح.

بالأصابع.

نعم شيء يسير فلا بأس بالمزاح اليسير الذي يذهب السآمة والملل بحدود؛ لأنه إذا اتخذه مهنة فكما قررنا سابقًا ومرارًا أن من يرتكب المباحات يضطره الأمر في بعض الظروف والأحوال أن يتجاوز المباح؛ لأنه قد لا يجد المباح   فيتجاوز إلى المكروه ثم إلى ما فوق ذلك، هذا الذي يتخذ المزاح مهنة في أول الأمر وفي البدايات يحرص على أن يكون مزاحه مباحًا ثم بعد أن  ينتهي المباح لا بد أن يسترسل لكي يضحك من هو بصدد هؤلاء القوم الذين جمعهم للكسب من ورائهم، فلا شك أن المزاح الخفيف في ديننا فسحة ولله الحمد وله أصل من فعله -عليه الصلاة والسلام- لكن كونه يتخذ مهنة ويكتسب من ورائه فهذا لا يوجد له نظير في الشرع، ولا يوجد من امتهنه في العصور الأولى، وإن وجد في مجالس بعض الناس من يتخذه لهذا الأمر ويدفع له مرتبا من أجل أن يضحكه بحق وبباطل؛ لأنه كما هو معلوم الحق إذا استمر فسيستثقله فلا بد أن يخرج هذا المتكسب من وراء هذه المهنة إلى حيز الباطل، وكما يكون المزاح بالقول يكون أيضًا بالفعل قد يقول قائل إن بعض الناس يضحك الآخرين بالأفعال كالتمثيل مثلاً بالحركات، بتشبيه الأصوات بالتقليد كل هذا إذا خرج عن دائرة المباح يدخل في حيّز الممنوع وينبغي أن يكون المسلم ملازمًا للجد في جميع أحواله إلا إذا أحس بشيء من السآمة والملل سواء كان هو أو جليسه والله المستعان.

 

أحسن الله إليكم نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من برنامجكم الشمائل النبوية لقاؤنا يتجدد بكم بإذن الله في الحلقة القادمة وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

"