الشمائل النبوية (28)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلاً بكم إلى لقاء جديد في برنامج الشمائل النبوية مع بداية حلقتنا نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بالرياض فأهلاً بكم يا شيخ عبد الكريم.

حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

لعلكم تتفضلون باستكمال ما جاء في نوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ذكرنا كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في الحلقة السابقة وكان من تتمته قوله رحمه وكان نومه أعدل النوم وهو أنفع ما يكون من النوم والأطباء يقولون: ثلث الليل والنهار ثمان ساعات، والإمام البخاري رحمه الله تعالى ترجم في كتاب العلم من صحيحه باب السمر في العلم وذكر الحافظ  في الفتح حديث عمر كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمور المسلمين أخرجه الترمذي وسيأتي، والنسائي ورجاله ثقات وهو صريح في المقصود يعني في السمر، إلا أن في إسناده اختلافًا على علقمة فلذلك لم يصح على شرطه وذكر حديث عبد الله بن عمرو كان نبي الله -صلى الله عليه وسلم- يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح لا يقوم إلا إلى عظيم صلاة رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة وهو من رواية أبي حسان عن عبد الله بن عمرو وليس على شرط البخاري وأما حديث «لا سمر إلا لمصل أو مسافر» فهو عند أحمد بسند فيه راٍو مجهول وعلى تقدير ثبوته فالسمر في العلم يلحق بالسمر في الصلاة نافلة، وقد سمر عمر مع أبي موسى في مذاكرة الفقه فقال أبو موسى الصلاة فقال عمر إنا في صلاة والله أعلم. ومقصد أبي موسى الصلاة النافلة فلا شك أن العلم أفضل من نوافل العبادات بما في ذلك نوافل الصلاة، وقد أخرج البخاري حديث أبي برزة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها: قال الحافظ قال الترمذي كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء ورخّص بعضهم فيه في رمضان خاصة، وممن نقلت عنه الرخصة قيدت عنه في أكثر الروايات بما إذا كان له من يوقظه أو عرف من عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم وهذا جيد، حيث قلنا إن علة النهي -يعني عن النوم قبل صلاة العشاء- خشية خروج الوقت، وحمل الطحاوي الرخصة على ما قبل دخول وقت العشاء، والكراهة على ما بعد دخول وقتها، قوله (والحديث بعدها) أي يكره -عليه الصلاة والسلام- المحادثة بعد صلاة العشاء ومن لازمه استحباب النوم بعد صلاة العشاء، والكراهة مخصوصة بما إذا لم يكن في أمر مطلوب، فالسهر والسمر إذا لم يكن في أمر مطلوب كما قال البخاري رحمه الله باب السمر في العلم وقيل الحكمة فيه لئلا يكون سببًا في ترك قيام الليل أو الاستغراق في الحديث ثم يستغرق في النوم فيخرج وقت الصبح، فالسهر الذي ابتلي به كثير من الناس حكمه على حسب ما يترتب عليه.

إن كان السهر من أجل الصلاة مثلاً.

إن كان من أجل تحصيل علم أو..

نافلة.

نفع سواء كان لازما أو متعديا، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- سمر مع أبي بكر في مصالح العامة وإن كان في شيء مباح فالأصل الإباحة إلا إذا عاق عن مستحب فيكون ماذا؟ إذا أعاق عن مستحب مثلاً كمن سهر نصف الليل حتى نام عن الوتر يكون في حقه مكروها، وإذا سهر وتسبب سهره في تضييع الصلاة عن وقتها.

الفريضة.

نعم الفجر.

محرم.

نقول يحرم فحكم السهر على حسب ما يترتب عليه من مفسدة، وقيل الحكمة فيه يعني النهي لئلا يكون سببًا في ترك قيام الليل أو الاستغراق في الحديث ثم يستغرق في النوم فيخرج وقت الصبح، ثم ترجم البخاري على حديث أبي برزة بقوله باب ما يكره من السمر بعد العشاء قال ابن حجر: أي بعد صلاتها، قال عياض السمَر روّيناه بفتح الميم، وقال أبو مروان بن سراج الصواب سكونها السمْر لأنه اسم الفعل وأما بالفتح فهو اعتماد السمَر للمحادثة وأصله من لون ضوء القمر لأنهم كانوا يتحدثون فيه، والمراد بالسمر في الترجمة ما يكون في أمر مباح  لاما يكره، يقول والمراد بالسمر في الترجمة ما يكون في أمر مباح لأن المحرم لا اختصاص لكراهته بما بعد صلاة العشاء بل هو حرام في الأوقات كلها، وذكر الحافظ أن عمر رضي الله عنه يضرب الناس على ذلك -يعني على السمر- ويقول أسمرًا أول الليل ونومًا آخره؟! وإذا تقرر أن علة النهي الخوف على صلاة الصبح أو قيام الليل فقد يفرق فارق بين الليالي الطوال والقصار إذا سمر الإنسان ساعة أو ساعتين أو ثلاث في ليالي الشتاء يتمكن من القيام بسهولة.

نظرًا لطول الليل.

نعم وإذا سمر في ليالي الصيف القصيرة.

صعب عليه.

نعم يصعب عليه ذلك. وإذا تقرر أن علة النهي الخوف على صلاة الصبح أو قيام الليل فقد يفرِّق فارق بين الليالي الطوال والقصار، ويمكن أن تحمل الكراهة على الإطلاق، فيكره السمر في الليالي الطوال والقصار على الإطلاق حسمًا للمادة؛ لأن الحديث ليس فيه تفصيلا؛ لأن الشيء إذا شرع لكونه مظنة السمر كره  لماذا؟

للتفريط تضييع طاعات.

لكن هل هو مؤكد لأن يضيع.

لكنه مظنة.

مظنة نعم؛ لأن الشيء إذا شرع لكون مظنة قد يستمر فيصير مئنة فيصير مؤكد والله أعلم.

 ثم ترجم البخاري بقوله باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء قال الحافظ ابن حجر قال ابن المنيّر الفقه يدخل في عموم الخير، السمر في الفقه والخير لكنه خصه بالذكر تنويهًا بفضله وذكره تنبيها على قدره، وقد روى الترمذي من حديث عمر محسنًا "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يسمر هو وأبو بكر في الأمر من أمور المسلمين وأنا معهما" ابن القيم رحمه الله تعالى في قسم الطب من زاد المعاد يقول: من تدبر نومه ويقظته -صلى الله عليه وسلم- وجده أعدل النوم وأنفعه للبدن والأعضاء والقوى فكان ينام أول الليل ويستيقظ في أوّل النصف الثاني فيقوم ويستاك ويتوضأ ويصلي ما كتب الله له فيأخذ البدن والأعضاء والقوى حظها من النوم والراحة وحظها من الرياضة مع وفور الأجر، وهذا غاية صلاح القلب والبدن والدنيا والآخرة، الحرص على قيام الليل هو دأب الصالحين من هذه الأمة وممن قبلها «ونعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل» فكان  عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً، وقيام الليل جاءت به نصوص الكتاب والسنة تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا } السجدة: ١٦ { أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦ } الزمر: ٩  تأمل  التعقيب قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ }الزمر: ٩  الذي يعلمون هم الذين يقومون والمراد بذلك العلم الذي ينفع والله المستعان. يقول ولم يكن يأخذ من النوم فوق القدر المحتاج  إليه ولا يمنع نفسه من القدر المحتاج إليه منه وكان يفعله على أكمل الوجوه فكان ينام إذا دعته الحاجة إلى النوم على شقه الأيمن ذاكرًا الله تعالى حتى تغلبه عيناه غير ممتلئ البدن من الطعام والشراب ولا مباشر بجنبه الأرض ولا متخذ للفرش المرتفعة بل له ضجاع من أدم حشوه ليف وكان يضطجع على الوسادة ويضع يده تحت خده أحيانًا -عليه الصلاة والسلام- يقول رحمه الله تعالى ونحن نذكر فصلاً في النوم والنافع منه والضار فنقول: النوم حالة للبدن يتبعها غور الحرارة الغريزية والقوى إلى باطن البدن والراحة وهما نوعان طبيعي وغير طبيعي، ثم يستمر ابن القيم رحمه الله تعالى إلى أن قال: النوم الطبيعي إمساك القوى النفسانية عن أفعالها إلى آخرها، والنوم غير طبيعي يكون لعرض أو مرض وللنوم فائدتان جليلتان: إحداهما سكون الجوارح وراحتها مما يعرض لها من التعب فيريح الحواس من نصب اليقظة ويزيل الإعياء والكلال، والثانية من فوائد النوم: هضم الغذاء ونضج الأخلاط لأن الحرارة الغريزية في وقت النوم تغور إلى باطن البلد فتعين على ذلك ولهذا يبرد ظاهره ويحتاج النائم إلى فضل دِثار باستمرار يحس بالبرد أكثر من اليقظان.

ولذلك يتلحف النائم.

نعم وأنفع النوم أن ينام على الشق الأيمن ليستقر الطعام بهذه الهيئة في المعدة استقرارًا حسنًا فإن المعدة أميل إلى الجانب الأيسر قليلاً ثم يتحول إلى الشق الأيسر قليلاً ليسرع الهضم بذلك لاستمالة المعدة على الكبد ثم يستقر نومه على الجنب الأيمن ليكون الغذاء أسرع انحدارًا عن المعدة فيكون النوم على الجانب الأيمن بداءة بداءة نومه ونهايته يقول وكثرة النوم على الجانب الأيسر مضر بالقلب بسبب ميل الأعضاء إليه فتنصب إليه المواد وأردأ النوم النوم على الظهر ولا يضر الاستلقاء عليه للراحة من غير نوم وأردأ منه أن ينام منبطحًا على وجهه وفي المسند وسنن ابن ماجه عن أبي أمامة قال مر النبي -عليه الصلاة والسلام- على رجل نائم في المسجد منبطح على وجهه فضربه برجله فقال «قم واقعد فإنها نومة جهنمية» والحديث مخرج في سنن ابن ماجه وسنده لا بأس به يقول نوم النهار رديء يورث الأمراض الرطوبية والنوازل ويفسد إلى آخر كلامه رحمه الله يقول أردؤه نوم أول النهار وأردأ منه النوم آخره بعد العصر ورأى عبد الله بن عباس ابنًا له نائمًا نومة الصبحة فقال له قم أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق الله المستعان إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.

أحسن الله إليكم لكن ما ورد شيء النهي عن النوم في وقت محدد في النهار هذا نقل ابن القيم رحمه الله ليس عن حديث.

لكن أول النهار لا شك أنه النبي -عليه الصلاة والسلام- من عادته أن يجلس في مصلاه حتى تنتشر الشمس.

ودعا بالبركة.

وهو وقت البركة وتقسم الأرزاق هذا أول النهار وبالنسبة لآخره فهو مجرب أنه وقت رديء للنوم يعني طرفي النهار أردأ أوقات النوم فأنفع أوقات النوم الليل ونصف النهار.

 

أحسن الله إليكم شكر لكم أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام حلقتنا نستكمل بإذن الله في الحلقة القادمة وأنتم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

"