اللؤلؤ المكنون في أحوال الأسانيد والمتون (06)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد:

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

وَمَا يُمَاثِلْهُ وَكَانَ اَلضَّبْطُ خَفْ
بِمِثْلِهِ صُحِّحَ بِالْمَجْمُوعِ
وَيُطْلَقُ اَلْوَصْفَانِ لِلتَّرَدُّدِ
وَيُطْلَقَانِ بِاعْتِبَارِ اَلطُّرُقِ
وَاقْبَلْ زِيَادَةً بِهَا تَفَرَّدَا
وَمَا رَوَى اَلْمَسْتُورُ أَوْ مَنْ دَلَّسَا
عِنْدَ اِجْتِمَاعِ اَلطُّرُقِ اَلْمُعْتَبَرَةْ
وَقَوْلُهُمْ أَصَحُّ شَيْءٍ فِيهِ أَوْ
بَلْ زَعَمُوا أَشْبَهُ شَيْءٍ وَأَشَفْ
وَلَيْسَ فِي اَلْقَبُولِ شَرْطًا الْعَدَدْ
وَيُقْسَمُ اَلْمَقْبُولُ مِنْ حَيْثُ اَلْعَمَلَْ

فَالمُحْكَمُ النَّصُّ الَّذِي مَا عَارَضَهْ

فَمَنْ أَتتْهُ سُنَّةٌ صَحِيحَةْ
فَمَا لَهُ عَنْهَا عُدُولٌ الأَبَدْ
وَغَيْرُهُ مَعارَضٌ إنْ أَمْكَنَا
كَالأَمْرِ إِنْ عُورِضَ بِالْجَوَازِ فِي
وَمِثْلُهُ النَّهْيُ لِكُرْهٍ صُرِفا
وَاخْصُصْ بِمَا خَصَّ عُمُومًا وَرَدَا
وَهَكَذَا فَاجْمعْ بِلاَ تَعَسُّفِ
وَلاَ يَجوزُ رَدُّكَ الْمُعَارَضَا

 

فَحَسَنٌ لِذَاتِهِ فَإِنْ يُحَفْ
وَاكْتَسَبَ اَلْقُوَّةَ بِالْجُمُوعِ
إِنْ أَطْلَقُوهُمَا مَعَ اَلتَّفَرُّدِ
فِي غَيْرِ فَرْدٍ فَادْرِهِ وحقِّقِ
رَاوِيهُمَا مَا لَمْ يُنَافِ الأَجْوَدا
وَالْمُرْسَلُ اَلْخَفِيْ وَمَنْ فِي اَلْحِفْظِ سَا
فَحَسَنٌ لِغَيْرِهِ فَاعْتَبِرَهْ
أَحْسَنَهْ لَيْسُوا ثُبُوتَهُ عَنَوْا
وَأَنَّهُ أَقَلُّ ضَعْفا وَأَخَفْ
بَلْ اِشْتِرَاطُ ذَاكَ بِدْعَةٌ تُرَدْ
إِلَى مُعَارَضٍ وَمُحْكَمِ اِسْتَقَلْ

نَصٌّ كَمِِثْلِهِ بِحَيْثُ نَاقَضهْ

عِنِ النَّبِيْ ثَابِتةٌ صَرِيحَةْ
لاِيِّ قوْلٍ كانَ مِنْ أَيِّ أَحَدْ
بَيْنهُمَا الْجَمْعُ فَقَدْ تَعَيَّنَا
تَرْكٍ لِمَأْمُورٍ إلَى النَّدْبِ اصْرِفِ
بِحِلِّ إِتْيانٍ وَحَظْرٍ انْتفَى
والْمُطلَقَ احْمِلْهُ على ما قُيِّدَا
بَلْ بَيْنَ مَدْلُولَيْهِمَا فأَلِّفِ
مَا أَمْكَنَ الجَمْعُ بِوَجْهٍ يُرْتَضَى

حسبك، يكفي.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- أن للصحيح مراتب حسب تمكن الحديث من الشروط التي سبقت في متنه وإسناده، وذكرنا أن مراتب الصحيح عندهم سبع: المتفق عليه، وما تفرد به البخاري، وما تفرد به مسلم، وما كان على شرطهما، وما كان على شرط البخاري، وما كان على شرط مسلم، وما كان صحيحاً عند غيرهما مما هو ليس على شرطهما.

فما على شرطهما فما على
ج

 

شرط البخاري شرط مسلم تلا
ج

ما المراد بشرطهما؟ يقول:

يعنون أن ينقل عن رجالِ
ج

 

قد نقلا لهم مع اتصالِ
ج

مسألة شرط الشيخين أو شروط الأئمة عموماً، الشرط واحد الشروط، ويطلق ويراد به ما يلزم من عدمه العدم، لكنه لا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدم، ولذا لا يمكن أن يلزم البخاري ومسلم بإخراج أحاديث استوفت الشروط التي اشترطوها ولم يخرجاها في كتابيهما، فالإلزام ليس بوارد، بل تركا من الصحيح الشيء الكثير خشية الطول كما صرحا بذلك، ولم يصرح لا البخاري ولا واحدٍ من الأئمة بشرطه بالتفصيل، وإنما ظهر ذلك بالاستقراء عند أهل العلم، وكلٌ قال بما أداه إليه اجتهاده، وزعم أنه شرط البخاري أو شرط مسلم، ولذا يختلفون في هذه المسألة اختلافاً كبيراً.

مسلم أودع في مقدمة كتابه بعض ما اشترطه، ووضح شيئاً من منهجه في كتابه، أبو داود في رسالته لأهل مكة ذكر بعض المنهج الذي سار عليه، الترمذي في علل الجامع أشار إلى بعض ما ينفع في هذا الباب، يبقى البخاري والنسائي، ابن ماجه، ما عدا ما ذكر في الكتب الثلاثة التي أشرنا إليها كله استنباط ليس فيه كلامٌ صريح لهم، وصنف في شروط الأئمة كتب، فألف الحازمي شروط الخمسة، وألف أبو الفضل بن طاهر شروط الأئمة الستة.

ما يريد الحازمي بهذه الشروط؟ ما الذي يريده الحازمي بهذه الشروط؟ وما الذي يريده ابن طاهر بهذه الشروط؟ أما بالنسبة لابن طاهر فقال: إن شرط البخاري ومسلم تخريج الأحاديث التي أجمع على ثقة نقلتها، وكأنه لم يعتد بالخلاف الذي أبداه بعضهم في بعض رواة الصحيحين، أما الحازمي فقال: إن شرط كل واحدٍ من الأئمة يبينه التفصيل الآتي: الرواة على طبقات، فمنهم من عرف بالحفظ والضبط والإتقان وملازمة الشيوخ، وهذه هي الطبقة الأولى، الثانية: عرفوا بالحفظ والضبط والإتقان مع خفة ملازمة الشيوخ، والثالثة: عرفوا بملازمة الشيوخ مع عدم السلامة من غوائل الجرح الخفيف، الرابعة: عرفوا بعدم الملازمة للشيوخ مع عدم السلامة من غوائل الجرح، والخامسة قال: نفرٌ من الضعفاء والمجاهيل، ثم عاد بعد هذا البيان إلى تنزيل الكتب عليها، فقال: الطبقة الأولى: هي شرط البخاري، فالبخاري يستوعب أحاديث الطبقة الأولى، وقد ينزل فينتقي من أحاديث الطبقة الثانية، ومسلم يستوعب أحاديث الطبقة الأولى والثانية، وقد ينزل إلى الانتقاء من أحاديث الطبقة الثالثة التي هي شرط أبي داود والنسائي، والرابعة شرط الترمذي، وأما الخامسة..، لا شك الترمذي خرج لبعض المجاهيل، بل خرج لبعض المتروكين، وأما ابن ماجه فهو يستوعب أحاديث هذه الطبقات كلها.

يهمنا بالدرجة الأولى الآن ما بين أيدينا من المراد بشرط الشيخين، كلام الحازمي وتفصيله للرواة كلام جميل، لكن هل معنى هذا أنه لا يوجد في صحيح البخاري من أحاديث الطبقة الثالثة شيء؟ ولا يوجد في صحيح مسلم من أحاديث الطبقة الرابعة أو قد يوجد مع الاحتياط لتخريج أحاديث مثل هؤلاء؟ إصدار قواعد عامة كهذه يبقى أنها قواعد أغلبية لا يستدرك عليها براوٍ واحد أو اثنين ولا تخلو قاعدة من شواذ، لكن هذا الغالب، قواعد أغلبية.

هناك قولٌ ثالث في المراد بشرط الشيخين، وهو الذي درج عليه صاحب الكتاب الناظم -رحمه الله تعالى-:

يعنون أن ينقل عن رجالِ
ج

 

قد نقلا لهم مع اتصالِ
ج

"شرطهما رواتهما" يعني إذا وجدنا حديث مخرج في مسند الإمام أحمد مثلاً بسندٍ خرج له البخاري ومسلم على الصورة المجتمعة، نقول: الحديث على شرط الشيخين، وإذا وجدنا حديثاً خرج لرواته البخاري دون مسلم قلنا: على شرط البخاري، وهكذا فيما إذا وجد حديث خرج لرواته الإمام مسلم دون البخاري.

ويبقى أن هناك فرق مثل ما أشرنا سابقاً أنه قد يخرج غير الشيخين بسندٍ موجود في الصحيحين على الهيئة المجتمعة وعلى الصورة المذكورة بالترتيب المذكور بالصيغ المذكورة صيغ الأداء، ومع ذلكم تنزل مرتبته عما في الصحيحين؛ لما أشرنا إليه سابقاً، ولا نحتاج إلى إعادته.

نعود إلى القول الأخير، وهو أن شرط الشيخين رواتهما، قالوا: تصرف الحاكم يقوي هذا القول، تصرف الحاكم في مستدركه يقوي هذا القول، وهو الذي شهر هذه المسألة في جميع أحاديثه يقول: صحيحٌ على شرط الشيخين، صحيحٌ على شرط البخاري، صحيح على شرط مسلم، صحيح فحسب يعني ما يقول: على شرطهما، تصرف الحاكم يقوي هذا القول؛ لأنه خرج حديثاً من طريق أبي عثمان التبان، وقال أبو عثمان هذا ليس هو النهدي، ولو كان هو النهدي لقلت: إنه على شرطهما، فدل على أنه يريد بشرطهما رواتهما، هذا ظاهر، وهذا أولى ما يقال في هذه المسألة، لكن يشكل عليه قول الحاكم في خطبة الكتاب خطبة المستدرك يقول: وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات احتج بمثلها الشيخان، وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات احتج بمثلها الشيخان.

حينما نقول: إن شرط الشيخين رجال الصحيحين، والحاكم الذي شهر هذا الكلام وأكثر منه يقول: احتج بمثلها، ما قال: احتج بهم الشيخان، أو قال: احتج بها، وهل مثل الشيء هو الشيء نفسه؟ نعم؟

طالب:......

ليس هو، هو غيره، مثل الشيء هو غيره، هذا يشكل على ما رجحه جلُّ المتأخرين، وتصرف الحاكم يقويه، يعني تصرف الحاكم في كتابه يؤيد قول هؤلاء، ويشكل على تصرفه أيضاً ما ذكره في مقدمته، إذاً كيف نجيب؟ ابن حجر ماذا يقول؟ يقول: إن الحاكم في المقدمة استعمل المثلية في أعم من حقيقتها ومجازها، استعملها في المعنيين، فيخرج أحاديث لرجالٍ احتج بهم الشيخان ولرجالٍ احتج بمثلهم الشيخان، متى تكون المثلية على حقيقتها، إذا قلنا: إن الرواة أنفسهم احتج بهم الشيخان؟ لا، هذه مجازية، مثلية مجازية، إنما تكون المثلية حقيقية إذا كان الرواة مثل وليسوا أنفس من احتج بهم الشيخان، إنما مثلهم في الصفات، والمقصود الصفات، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ هل يجوز استعمال اللفظ الواحد في معنييه؟ أولاً: مسألة وجود المجاز وإقرار المجاز، وعدم إقراره، إحنا نتكلم على رأي من يجيزه، وهم أهل الشأن أهل الكلام هذا، الذين تكلموا بهذا الكلام يجيزون وجود المجاز، نعم..، هل يجوز استعمال اللفظ في معنييه في حقيقته ومجازه؟ نعم؟

طالب:.......

تكون متضادين؟ لا... هو الآن استعمل، الرجل استعمل كيف متضادين؟!

طالب:.......

الأصل الحقيقة، لكن لو عملنا بهذا الأصل نسفنا كل أحاديث المستدرك وهو قوله: على شرط الشيخين؛ لأنه يقول: بمثلها، شرطه في مقدمته بمثلها، وقد احتج بهم أنفسهم، فهمت؟

طالب:.......

الحافظ يقول: إنه استعمل المثلية في حقيقتها ومجازها معاً، والجمهور لا يجيزون مثل هذا، لا يجيزون أن يستعمل اللفظ في حقيقته ومجازه، طيب لو كان أمامك رجلٌ شجاع وأبخر، رجلٌ شجاع ورجلٌ أبخر وأسد، ثلاثة أمامك، أسد حقيقي حيوان مفترس، ورجلٌ شجاع، وأبخر، ثم قلت: يا أسد والتفت الثلاثة كلهم، هل أنت في قرارة نفسك تريد الثلاثة كلهم؟ أو تريد واحداً منهم إما الحقيقي الذي هو الأسد، أو المجازي الرجل الشجاع ومجازه هنا قريب من الحقيقة، أو المجاز الثاني البعيد عن الحقيقة؟ لأن الرجال يقال له: أسد لأن الأسد أبخر، أنت إذا قلت: يا أسد إن كنت ممن يجيز إطلاق اللفظ بجميع معانيه أنت تقصد الثلاثة جميعاً بهذا اللفظ، لكن إن كنت ممن لا يجيز وهو الظاهر، ما أنت بتدعو ثلاثة في آنٍ واحد، بل لك حاجة في واحدٍ منهم، على كل حال الشافعية يجيزون استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، والحاكم شافعي وابن حجر شافعي، وجل من تكلم في هذا الباب من الشافعية، والجمهور لا يجيزون.

الحافظ يقول: الحاكم استعمل المثلية في أعم من حقيقتها ومجازها، فاستعملها في حقيقتها إذا خرج الحديث  من طريق غير رواة الشيخين، إنما هم مثلهم في الأوصاف، واستعملها في مجازها إذا خرج عنهم أنفسهم، ودعم ذلك بقصة، رأى رجلٌ ثوب مع شخص فأعجبه فقال: اشترِ لي مثل هذا الثوب، كم يسوى هذا الثوب؟ قال: عشرة دراهم، قال: خذ عشرة دراهم واشترِ لي مثل هذا الثوب، جاءه بعد مدة يسيرة بالثوب نفسه قال: هذا الثوب اتفضل، الموكِل كأنه ندم، قال: أنا ما قلت لك: اشترِ لي الثوب نفسه، اشترِ لي مثل الثوب، اشترِ لي مثل هذا الثوب ما قلت لك: اشتر لي الثوب نفسه، فتحاكما عند شريح القاضي فألزمه بأخذ الثوب، قال: الثوب يلزمك، ولا شيء أشبه بالشيء نفسه..، لا شيء أشبه بالشيء من الشيء نفسه، أنت تريد مثل هذا الثوب خذ الثوب نفسه؛ لأنه قد يأتي لك بمثل هذا الثوب قد تختل بعض المواصفات وتقبل، وليس الخبر كالعيان، أنت الآن رأيت هذا الثوب بعينك، وأعجبك من جميع الوجوه هل تتصور أنك إذا بتقول: جيب لي مثل هذا الثوب يجيب لك أفضل منه؟ هذا احتمال، لكن الاحتمال  الثاني وهو الأقوى أنه قد يكون يشابهه في جل الأوصاف دون جميعها.

فالقول المرجح في هذه المسألة أن شرط الشيخين رجال الشيخين، وعرفنا أن الحاكم هو الذي شهر هذا، وتصرفه في مستدركه يقوي هذا.

مسألة تتعلق بالشرط وحصل فيها نزاع طويل، وكلامٌ شديد من متقدمين ومتأخرين، وهي مسألة السند المعنعن، وحكم الاحتجاج به، والإمام مسلم -رحمه الله تعالى- شنع على من حكم على السند المعنعن بالانقطاع، وعلى من اشترط أكثر من المعاصرة مع إمكان اللقاء، وشدد في المسألة، واستدل بصنيع أهل العلم، وذكر أحاديث أنها لا تثبت على وجه الأرض، ذكر ثلاثة أحاديث لا تثبت إطلاقاً إلا معنعنة، ووجد من يكتب ويذكر أن هذا القول عليه إجماع أهل العلم، وينفي ما نسب إلى الإمام البخاري، من الناحية العملية لا شك أن رأي مسلم عليه العمل، رأي مسلم عليه العمل من الناحية العملية، والقول الثاني وهو اشتراط اللقاء ولو مرة هو اللائق بتحري الإمام البخاري وتثبته، الأحاديث التي ذكرها مسلم وأنها لا توجد عند أحدٍ من الرواة إلا معنعنة هي موجودة في صحيحه بصيغة التحديث، صحيح مسلم نفسه، وللإمام أبي عبد الله محمد بن رشيد بحث نفيس في هذه المسألة اسمه: (السنن الأبين في الخلاف بين الإمامين في السند المعنعن) من أهل العلم من يرى أن السند المعنعن منقطع، ومنهم من يرى أنه متصل بالشرطين المذكورين، وكلٌ على مذهبه في اشتراط اللقاء أو الاكتفاء بالمعاصرة.

وصححوا وصل معنعنٍ سلم
ج

 

من دلسة الراوي واللقاء علم
ج

الإمام البخاري وهو من أهل التحري والتثبت نقل عنه وتداول أهل العلم من غير نكير القول باشتراط اللقاء، ونسب أيضاً القول لعلي بن المديني، والإمام مسلم نسبه إلى مبتدع، إلى شخصٍ مبتدع، ورد على هذا المبتدع وشدد وشنع على هذا المبتدع، فالذين يقولون: إنه لا يمكن أن يقول البخاري بهذا القول ويصفه مسلم بالبدعة ويشدد النكير عليه وهو شيخه وهو تلميذه، ولولاه لما راح ولا جاء، ما يمكن أن يكون هذا، وصار سبباً لنفي هذا القول عن الإمام البخاري، نقول: يمكن أن يقول البخاري باشتراط اللقاء، يمكن، وهذا القول تداوله الأئمة من قديم، ونسبوه إلى الإمام البخاري، نعم إذا طالبت بالسند المتصل إلى الإمام البخاري قد لا تجد، كغيره من القضايا التي تداولها أهل العلم، وسلموا بها.

لكن كيف يقول الإمام مسلم في مقدمة صحيحه ويشنع القول، هذا رجل مبتدع، قولٌ مخترع، يريد هدم السنة ويفعل ويترك إلى آخره، يقول مسلم هذا، هل يقصد البخاري؟ نقول: ما يقصد البخاري، يقصد شخص مبتدع، كيف إذاً البخاري يقول بهذا القول؟ علي بن المديني نسب إليه هذا القول، لماذا لا يقصد البخاري؟ نقول: لا يقصد البخاري، البخاري شيخه، ولا يمكن أن يحصل مثل هذا بين البخاري ومسلم، وقد عرف من حال الإمام مسلم وصنيعه بالإمام البخاري ما عرف، لا يمكن أن يوجه له مثل هذا الكلام، إذاً على من يرد مسلم؟ نقول: مسلم يرد على مبتدع يريد أن يستثمر كلام الإمام البخاري واحتياط الإمام البخاري لرد السنة، يريد أن يستغل هذا الاحتياط لرد السنة.

إذا رددنا على الجبائي من المعتزلة أو رددنا على أبي الحسين البصري منهم، وكلٌ منهما يستدل بفعل عمر -رضي الله عنه-، الذي لم يقبل خبر أبي موسى في الاستئذان حتى شهد له أبو سعيد، إذا رددنا على أبي الحسين البصري، أو على أبي علي الجبائي في ردهم السنة استدلالاً بقول عمر هل نحن نرد على عمر؟ لا نرد على عمر، نريد نرد على من يستثمر قول عمر -رضي الله عنه- في رد السنة، كما أننا نرد على من يفهم من آية غير الفهم الصحيح، ولا نرد على الآية، أو من حديث فهمٍ يناسبه يريد أن يستفيد من هذا الفهم للطعن في الدين نرد عليه بعينه.

يعني إذا رددنا على الخارجي الذي يقول بكفر القاتل، قاتل المؤمن المتعمد، وقد استدل بآية النساء هل معنى هذا أننا نرد الآية؟ أو نرد استدلال هذا الخارجي بهذه الآية التي لها ما يوجهها من نصوص أخرى؟ نعم؟ نرد على الاستدلال، فإذا رددنا على المعتزلة في ردهم خبر الذي يرويه شخص واحد ويريدون بذلك أن يردوا السنة فإننا لا نرد على عمر -رضي الله عنه- على احتياط عمر، عمر عرف بالاحتياط والتحري، والدين محفوظ، وكون عمر يتثبت في حديث أو حديثين أو عشرة لا يعني أنه يرد كل السنة، وقد عمل عمر بخبر واحد، وعمل قبله أبو بكر بخبر واحد وهكذا، فمن أراد أن يستغل احتياط الإمام البخاري وشدة تحريه لهدم السنة نرد عليه بعينه ولا نرد عمر.

نظير ذلك: لو جاء شخص من شراح الحديث ويقول: قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((والذي نفسي بيده)) أي روحي في تصرفه، إذا عرفنا من حال هذا الرجل أنه يثبت صفة اليد على ما يليق بجلال الله وعظمته نرد عليه في هذا الموضوع؟ ما في أحد روحه ليست في تصرف الله -عز وجل-، إذا كان ممن عرف بإثبات اليد، لكن إذا كان ممن ينفي اليد نقول: لا، هذا فرار من إثبات الصفة، بل في الحديث دليلٌ على إثبات صفة اليد لله -عز وجل- على ما يليق بجلاله وعظمته، فتنزل الأمور منازلها.

فكون أهل العلم تداولوا هذا القول ونقلوه لا يعني أنه قول خاطئ، ولا يعني أن البخاري إذا احتاط لصحيحه أنه يرد الأحاديث التي لم تثبت بهذه الكيفية، بل نقل عنه تصحيح أحاديث..، نقل عنه الترمذي وغيره ما هو أخف من هذا الشرط من شرط مسلم، أخف بكثير من شرط مسلم، لكنه يعتني بصحيحه، وينتقي الأحاديث، كونه وجد في البخاري حديث أو حديثين أو ثلاثة أو عشرة يبدو للناظر فيها أنه أخل بشرطه لا يعني أنه لا يشترط هذا، قد يغفل الإنسان، يسهو الإنسان، يجتهد في تطبيق الشرط ولا يستطيع، فلا نشنع على أهل العلم بمثل هذه المناقشات، يعني كون الحديث يصح ولو لم يثبت اللقاء صححه الأئمة، ومشوا عليه، ودرجوا عليه، وأنت إذا درست إسناد ووجد أن المعاصرة موجودة مع إمكان اللقاء خلاص يكفي، لكن كونك تحتاط.

الحافظ عبد الغني لما ألف عمدة الأحكام وقصد أن تتكون أحاديثها من الصحيحين كونه وقع فيها من أفراد أحدهما لا يعني أنه أخل بشرطه بالجملة، ومع ذلكم لا يعني أنه لا يصحح أحاديث عملية في الأحكام غير ما انتقاه، المقصود أن نفهم المراد بالشرط عند أهل العلم، يشترط أهل العلم في الجملة شروط بمعنى أنهم يرسمون منهج، قد يتخلف هذا الشرط ولا يعني أنه يلزم من عدمه العدم كما هو مقرر في تعريف الشرط، قد ينزل عنه للحاجة، قد يتنازل عنه للحاجة، قد يوردون في بعض الأبواب أحاديث ليست على شروطهم؛ لأنه لم يوجد في الباب غيره، كما صنع أبو داود وغيره، المقصود أن مثل هذه المسألة وإن كتب فيها بعض الفضلاء يبقى لهم فضلهم وغيرتهم على السنة، وحرصهم عليها، هذا شيء لا ينكر، ودقتهم واطلاعهم هذا شيء لا ينكر، لكن أيضاً كوننا نستدرك على أهل العلم بهذه الطريقة معناه أنه يتضمن تجهيل لكل من كتب في الموضوع، ودافع وقال شرط البخاري والشراح الذين تتابعوا على هذا، وأنه علم جديد ابتكرناه نرد به على السابقين، ما هو بصحيح، ولا يعني هذا أن كل من تقدم معصوم لا يخطئ، إلا يخطئ، كما أن الإنسان لا يدعي لنفسه العصمة، وإذا أراد أن يناقش مسألة وأين هو من الأئمة الكبار يعرضها عرض بأسلوب مناسب، ويجعلها بحثاً، لعل المراد كذا، لعل كذا، لا يرد بقوة، وبعدين يتبين الخلل في كلامه.

المسألة الخلاف فيها واسع، ولا حجر فيها، وإذا أرادنا أن نتتبع مثل هذه الكلمات بالألفاظ الشديدة التي يفهم منها ما يفهم وقعنا في إشكالات كثيرة.

وما يماثله وكان الضبط خف
ج

 

فحسنٌ لذاته فإن يحف
ج

يعني يماثل الصحيح بشروطه السابقة، يكون الرواة عدول، هناك تمام الضبط هنا خف الضبط؛ لأنه يقول:

 

وما يماثله وكان الضبط خف
ج

 

فحسنٌ لذاته .....................
ج

يعني مجرد الاختلاف بين الصحيح لذاته والحسن لذاته الضبط، الضبط خف، وبقية الشروط مشتركة عدالة الرواة، اتصال الإسناد، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة، يبقى الاختلاف في الضبط، يشترط للصحيح تمامه ويتنازل عن تمامه للحديث الحسن، هذا ما يختاره المؤلف، وهو قول ابن حجر، وهو منتزع من كلام الأئمة السابقين، وأهل العلم المتقدمون والمتأخرون يختلفون اختلاف كبير في حد الحسن، حتى أشار الذهبي وغيره إلى أنه لا مطمع في تمييزه، يقول الحافظ -رحمه الله تعالى- العراقي:

والحسن المعروف مخرجاً وقد
(حمدٌ) وقال الترمذي: ما سلم
بكذبٍ ولم يكن فرداً ورد
وقيل: ما ضعفٌ قريبٌ محتمل

ج

 

اشتهرت رواته بذاك حَد
من الشذوذ مع راوٍ ما اتهم
قلتُ: وقد حسن بعض ما انفرد
فيه وما بكل ذا حدٌ حصل
ج

كل الكلام الذي سمعناه ما له حد، يعني كلها عليها مناقشات وأخذ ورد ولا تحرر الحسن من الصحيح، ولا تفصل الحسن من الضعيف، فالخطابي له تعريف: "الحسن المعروف مخرجاً" عُرف مخرجه، واشتهر رجاله، "بذاك حدٌ حمدٌ" هذا الخطابي، عرف مخرجه، اشتهر رجاله، طيب هل في هذا ما يميز الحسن عن غيره بدقة؟ بمعنى أننا نستطيع أن نميز الحسن من الصحيح، الصحيح اشتهر رجاله، وعُرف مخرجه، الضعيف قد يكون اشتهر رجاله بالضعف، اشتهر رجاله، المقصود أنه ليس في هذا ما يميز الحسن عن غيره، تعريف الترمذي الترمذي اشترط للحديث الحسن شروط ثلاثة:

وقال الترمذي: ما سلم
بكذبٍ ولم يكن فرداً ورد
ج

 

من الشذوذ مع راوٍ ما اتهم
...................................
ج

اشترط ثلاثة شروط، وهناك مناقشات طويلة يعني لا يتسع لها المقام، لكن نتصور هذه التعريفات.

وقيل: ما ضعفٌ قريب محتمل
ج

 

...................................
ج

هذا كلام ابن الجوزي.

وقيل: ما ضعفٌ قريبٌ محتمل
ج

 

فيه وما بكل ذا حدٌ حصل
ج

هذا الحافظ العراقي، كل التعاريف ما استفدنا منها في تمييز الحسن عن غيره، والسبب في ذلك أن الحسن مرتبة متوسطة بين الصحيح والضعيف، تتباين فيها الوجهات وجهات النظر، تتباين فيها وجهات النظر، من أهل العلم من يرى أن الشروط توافرت فهي بحكم الصحيح، ومنهم من يرى أن هذا الحديث لم تتوافر فينزله إلى الضعيف، ولذا من نتاج هذا البحث يقرر جمعٌ من أهل العلم أن الذي يختلف في تصحيحه وتضعيفه من غير ترجيح أنه يكون من قبيل الحسن.

أو اختلف في الراوي بين توثيقه وتضعيفه من غير ترجيح يكون من رواة الحسن؛ لأن الحسن منزلة متوسطة.

الآن لو يجيء واحد أو عشرة مثلاً يختبرون الإخوان الحاضرين، ويقال لهؤلاء العشرة: ميزوا الحاضرين إلى ثلاثة فئات، ممتاز، وجيد جيداً، وجيد، كلام شفوي ما هو مدون وعليه درجات ومضبوط ومتقن، مع أن المدون تتباين فيه أيضاً الوجهات، لو أعطيت هذه الورقة صححها وأعطى عليها تسعين يأخذها ثاني ويمنحه ثمانين مثلاً أو خمسة وتسعين، من هذا القبيل اختلاف المناقشين للرسائل، إذا خلت اللجنة تجد واحد معطي الطالب خمسة وتسعين والثاني خمسة وثمانين والثالث ثمانين مثلاً، التمييز بالدقة في هذه الأمور فيه صعوبة، وقل مثل هذا في الأحاديث، منزلة متوسطة، يعني لو اختبر جاء عشرة من أهل العلم في هذا الشأن أو في غيره وقال: اختبروهم، أو انتهت الدورة وقيل لعشرة من المشايخ: اختبروا هؤلاء الطلاب وكلٌ حسب اجتهاده، يصنفهم ثلاث فئات، لكن الذي يشهد له الواقع أنهم لن يجعلوا الضعيف جداً مع القوي جداً، لن يجعلوا هذا، هذا ظاهر، يعني شخص راسب يمكن يجي ثاني يصحح له ويعطيه ممتاز؟ هذا ما يمكن، لكن جيد جداً يطلعه إلى الممتاز أو ينزله إلى الجيد هذه كثيرة، وهذا الاحتمال الواقع في ترقية الحسن إلى الصحيح أو إنزاله إلى الضعيف، والتذبذب بين المرتبتين.

ولذا حد الحسن من أصعب ما يدرس، وهو صعبٌ أيضاً في التطبيق، إلا أن صاحب الخبرة والدربة تتكون لديه ملكة تجعله بالقرائن يحكم عليه أنه في مرتبة لا يطلع إلى الصحيح ولا ينزل إلى الضعيف، ولذا تجدون في النقاد من كثر في صنيعه إلحاق الحسان بالصحاح، وجعل لا يميز بين الصحيح والحسن، وفيهم من كثر إلحاق الحسان بالضعيف، ووصف الأول بإيش؟ بالتساهل، ووصف الثاني: بالتشدد، والسبب في ذلك كون الحسن مرتبة متذبذبة.

فطالب العلم يقرأ مثل هذه الأمور للتمرين يتمرن عليها، لكن إذا أكثر من التطبيق تتضح له الصورة، والعلم علمٌ عملي، وذكرني أحد الإخوة بمثالٍ كنت قد قرأته قديماً للشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله-، قال: لو تحضر كتاب في تعليم السباحة وتعطيه شخص يقرأ هذا الكتاب حفظ كما يحفظ الفاتحة، يحفظه حفظ عن ظهر قلب، وتجي وتحمل هذا الشخص الذي حمل الكتاب وترميه في البحر، فائدته من العلم النظري كبيرة وإلا..؟ يمكن يغرق ويموت، يغرق ويموت وهو حافظ للكتاب، هذه العلوم عملية تحتاج إلى مزاولة، فإذا كثر كثرت مزاولة طالب العلم لهذا العلم ومعاناته مع الاطلاع على أعمال أهل العلم في هذا وقراءته تخاريجهم وأحكامهم على الأحاديث -بإذن الله- تتولد إلى ذهنه الملكة، لكن على أن يصحب ذلك سلامة قلب، وإخلاص ونية صالحة، وعفة لسان، لا يلزم أن يكون عرف شيء من علوم الحديث يتهجم على أهل العلم، ويسفه، ويجهل والكبار والصغار، وصحيح وإن ضعفه أحمد، وضعيف وإن..، إيش الكلام هذا؟

طالب العلم بحاجة إلى الأدب، بحاجة ماسة إلى أن يتأدب، وهو أولى الناس بأن يكون قدوة لغيره، وإذا أراد طالب العلم أن يتأدب بأدب مناسب يتعامل به مع الكبار فليقرأ مقدمة: (موضح أوهام الجمع والتفريق) للخطيب البغدادي، أو مقدمة معه أيضاً يقرأ مقدمة: (القول المسدد) للحافظ ابن حجر، ويقرأ في: (جامع بيان العلم فضله) للإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر، والجامع لأخلاق الراوي، وكتاب السمعاني في أدب طالب العلم، المقصود أن هناك كتب ألفت في هذا الباب ينبغي أن يكون طالب العلم على علمٍ بها، فيتأدب مع الكبار والصغار، وفي الكتاب... نعم؟

طالب:.......

(جامع بيان العلم وفضله)، (جامع بيان العلم) من أنفس ما كتب في الباب، يعني لا يستغني عنه طالب علم، لكن مقدمة الخطيب لـ(موضح أوهام الجمع والتفريق) لأنه بصدد الرد على الكبار، هذه الأوهام حصلت من كبار، فقدم بمقدمة يحتاجها كل طالب علم، وفي هذا الكتاب الذي ندرسه آداب الشيخ والطالب، ويأتي -إن شاء الله- بيانها بالتفصيل.

...................................
بمثله صحح بالمجموعِ
ج

 

فحسنٌ لذاته فإن يحف
...................................
ج

إن يحف الحسن لذاته فإنه يعني إن يضم إليه يحف بطريقٍ آخر بمثله صحح، يعني حسن لذاته مع طريق آخر حسن لذاته يكون المجموع صحيح لغيره.

والحسن المعروف بالعدالة
طرقٌ أخرى نحوها من الطرق
إذ تابعوا محمد بن عمرو
ج

 

والصدق راويه إذا أتى له
صححته كمتنِ: (لولا أن أشق)
عليه فارتقى الصحيح يجري

ج

المقصود أن الحسن لذاته إذا حف بطرقٍ أخرى نحو هذا الطريق فإنه يرتقي ويكون في الدرجة الثانية من درجات القبول وهو الصحيح لغيره.

................. صحح بالمجموعِ
ج

 

واكتسب القوة بالجموعِ
ج

اكتسب القوة بالجموع؛ لأنك إذا نظرت إلى مفرداته وجدتها لا تصل إلى درجة الصحيح، لكن بمجموعها ترتقي، أنت لو ربطت حبل في هذه السارية قلت: قم يا فلان، اسحب هذا الحبل حتى ينقطع، عجز تأتي بثاني يسحبه معه ينقطع، حصلت هذه القوة بالمجموع ما حصلت بواحد؛ لأنك لو أتيت بالثاني بمفرده ما انقطع هذا، فالقوة إنما تحصل بالمجموع، حسن مع حسن يساوي صحيح، وقل مثل ذلك في الضعيف الذي ضعفه قابل للانجبار يرتقي إلى الحسن لغيره بالمجموع.

ويطلق الوصفان للترددِ
ج

 

إن أطلقوهما مع التفردِ
ج
ج

إذا قيل: هذا حديث حسن صحيح الوصفان الحسن والصحة.

ويطلق الوصفان للترددِ
ويطلقان باعتبار الطرقِ
ججج      
ج

 

إن أطلقوهما مع التفردِ
في غير فردٍ فادره وحققِ

جج

إذا قال أهل العلم وهذا أكثر ما يوجد عند الترمذي: هذا حديثٌ حسن صحيح، أولاً: هل هذا التعبير فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ كيف؟ من أي وجه يكون الإشكال؟ الترمذي كثيراً ما يقول: حسن صحيح، وجه الإشكال؟

طالب:.......

لكن هل المقصود من الكلمة واضح من أول وهلة وإلا لا؟

طالب:.......

نقول: استشكل الوصف بالصحة والحسن هذا مشكل، كيف مشكل؟

طالب:.......

حسنٌ صحيح، يعني إذا قلنا: الحديث حسن لوصفان متباينان، إذا قلنا: حسن معناه أنه قصر عن رتبة الصحيح، فإذا أضفنا إلى ذلك صحيح أنه طلع نزل عن رتبة الصحيح ثم طلع إليها، كيف في آنٍ واحد؟

طالب:.......

صحيح، أو أثبت القصور ثم نفى هذا القصور، يعني نظير ذلك إذا قلت: تخرجت، وقيل: ما تقديرك؟ قلت: جيد جداً ممتاز، تجي وإلا ما تجي؟ تجي؟! مع اتحاد الجهة ما يمكن تجي، تقديرك العام يمكن يصير جيد جداً ممتاز؟

طالب:......

إيه مع اتحاد الجهة ما يمكن يجي، لكن مع انفكاك الجهة تقديرك العام جيد جداً، والتخصص ممتاز، ممكن، وهنا نقول: مع انفكاك الجهة ممكن، لكن مع اتحاد الجهة كيف؟ يعني طالب ينزل عن التسعين ويطلع فوق التسعين يصير؟ ما يمكن إلا ما انفكاك الجهة، وهو نظير ما نحن فيه.

كيف ينزل الحديث عن درجة الصحيح ثم يطلع إليها؟ يعني إثبات للقصور ونفي لهذا القصور، إثبات ونفي في آنٍ واحد، ما يمكن، لكن مع انفكاك الجهة سهل، يمكن الطالب في مواد التخصص يصير ممتاز، وفي التقدير العام جيد جداً، سهل.

وهنا إن كان الحديث مروي من طرق من أكثر من طريق بعضها صحيح وبعضها حسن الأمر ظاهر، مثل التخصص والتقدير العام، نعم؟

طالب:.......

بعضها صحيح وبعضها حسن، فعلى هذا مع تعدد الطرق هذا إذا تعددت الطرق محمولٌ على أنه ثبت بأسانيد صحيحها وأسانيد حسنة، وغاية ما هنالك أن الإمام حذف حرف العطف، فعليه أن يقول: صحيح وحسن، أو حسنٌ وصحيح، حسنٌ من طريق، وصحيح من طريق.

يرد على هذا أنه إذا لم يعرف إلا من طريقٍ واحد، يعني ما في إلا طريق واحد كيف؟ يعني إذا قلت: جيد جداً ممتاز وهو ما فيه إلا مادة واحدة، كيف تقول: جيد جداً ممتاز؟ نقول: اللجنة اختلفوا واحدٍ قال: صحيح ممتاز، وواحد قال: يستحق جيد جداً، وهنا اختلف العلماء هل يصل إلى درجة الصحيح أو إلى درجة الحسن؟ وغاية ما هنالك أن يقال: إن الإمام حذف حرف التردد، فعليه أن يقول: حسنٌ أو صحيح، يتردد في حكمه؛ لأن النقاد ترددوا، أو الناقد نفسه تردد هل بلغ أو لم يبلغ؟ واضح؟

الكلام في هذه المسألة كثير جداً، بلغت الأقوال بضعة عشر قولاً في هذه المسألة، لكن هذه من أوضح ما يقال مما يناسب الظرف، منهم من يقول: السند لا يصل إلى درجة الصحيح والمتن لورود ما يشهد له يصل، ومنهم من يقول: إن الحديث وهو يسند القول السابق مشرب، الصحة مشربة بحسن، صحته مشربة بحسن، يعني أنه ليس بصحيح بمعنى الإطلاق ولا بحسن في مرتبة بينهما، يعني مثل ما تقول: حامض حلو بين الأمرين، مشرب، ومنهم من يقول: الحسن المراد به الحسن اللغوي، ألفاظه حسنة وجميلة، وصحته من حيث الثبوت، المقصود أن هناك أقوالٌ كثيرة لا نطيل بذكرها.

ويطلق الوصفان للترددِ
ج

 

إن أطلقوهما مع التفردِ
ج

يعني إذا مع التفرد ليس له إلا إسناد واحد يطلق تردد، هل بلغ أو لم يبلغ؟ وهذا ذكرناه.

ويطلقان باعتبار الطرقِ
واقبل زيادة بها تفردا
ج

 

في غير فردٍ فادره وحققِ
راويهما ما لم ينافِ الأجودا
ج

هذه مسألة: زيادة الثقة، وهي من المعضلات، زيادة الثقة هل تقبل زيادة الثقة؟ إذا جاءنا هذا الثقة بحديثٍ مستقل تفرد به عن غيره من الرواة يقبل وإلا ما يقبل؟ يقبل؛ لأننا ما نشترط........، لكن اشترك الرواة في رواية حديث عشرة، تسعة رووه بدون جملته الأخيرة، رواه واحد باللفظ الذي ذكروه وزاد جملة: ((إن الله يحب التوابين))، ((إنك لا تخلف الميعاد)) زيادة: ((من المسلمين)) في زكاة الفطر، ((جعلت تربتها)) المقصود أن الزيادات في هذا كثيرة، فهل تقبل باعتباره ثقة؟ ولو تفرد بالحديث نقبل فكيف لا نقبل زيادة؟ أو نقول: لو كانت محفوظة تواطأ على روايته التسعة كلهم، لكن لما تفرد بها شككنا، المسألة خلافية، والمتأخرون جروا على قواعد مطردة، منهم من يقبلها مطلقاً؛ لأن من زادها معه زيادة علم، ومنهم من يردها مطلقاً لأن عدمها متيقن، ووجودها مشكوكٌ فيه.

واقبل زيادات الثقات منهمُ
ج

 

ومن سواهم فعليه المعظمُ
ج

المقصود أن المسألة مختلفٌ فيها، فالأكثر على أنها تقبل مطلقاً، وهناك نُقُول عن أهل العلم عن ابن حبان، عن ابن عبد البر، جمع من الأئمة يقبلون، وهناك من تصرفات الأئمة الكبار ما فيه قبول بعض الزيادات، ومن رد وقال: إن عدم ذكر هذه الزيادة هو المتعين له وجه؛ لأنه لو كانت محفوظة وتصرف بعض الكبار الأئمة يقوي الرد، فالأئمة الكبار في كلامهم ما يؤيد القبول، وفي صنيعهم ما يؤيد الرد.

ونخلص بهذا إلى أنه زيادة الثقة، ومنها تعارض الوصل والإرسال، ومنها تعارض الوقف والرفع، لا يمكن القول بقبولها باطراد، ولا الرد باطراد، إذاً ماذا نصنع؟ نصنع صنيع الأئمة الكبار إذا تأهلنا، ما هو من الآن نقبل ونرد، إنما نعرف كيف نقبل؟ وكيف نرد؟ هناك قرائن تجعل القبول متعين، وهناك قرائن تجعل الرد هو الراجح، وهذه القرائن لا يمكن أن تلوح إلا للمتأهل، فطالب العلم المبتدئ في وقت التمرين وهو يخرج أحاديث لنفسه ما يلزم الناس بالعمل بها، يخرج أحاديث لنفسه ويتمرن يجري على هذه القواعد، ويعرض تخريجه على أهل الخبرة، ويعرض النتائج على أقوال أهل العلم، وإذا أكثر من هذا سوف تتكون لديه الأهلية -إن شاء الله تعالى-.

ابن الصلاح يقول: إن الزيادات لها ثلاث حالات: زيادة موافقة لما يرويه الأكثر، يتفرد بها ثقة عن غيره لكنها موافقة، أو ليس فيها مخالفة على الأقل ليس فيها مخالفة لما يرويه الأكثر، وزيادة مخالفة لما يرويه الأكثر، وزيادة فيها نوع موافقة ونوع مخالفة، فالتي ليس فيها مخالفة مقبولة وهي التي فيها الإطلاق، والتي فيها المخالفة مردود وهي التي فيها الرد، والتي فيها نوع مخالفة ونوع موافقة هي محل التردد.

الأصعب أصعب الأنواع..... الزيادات التي ما فيها مخالفة سهلة، والتي فيها مخالفة أيضاً أمرٌ..، لا مخالفة فيها واضحة، المسألة في المخالفة من وجه الموافقة من وجه، وهذه هي التي تشكل في الباب، الزيادة الموافقة من وجه ومخالفة من وجه، وهذه مسألة تحتاج إلى عناية، يعني لو صرفنا فيها ربع ساعة ما تضيق صدوركم -إن شاء الله-، نعم؟

طالب:.......

في الحديث الصحيح في حديث الخصائص: ((وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) جاء في صحيح مسلم: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) لفظ التربة فيه موافقة للأرض من وجه، وفيه مخالفة من وجه، نعم؟

طالب:.......

{فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا} [(43) سورة النساء] الصعيد: كل ما تصاعد على وجه الأرض، ولفظ التربة هذا اللفظ المزيد يجعل التيمم بالتراب، هذه اللفظة التربة موافقة للأرض من وجه، باعتبار أنها جزء من أجزاء الأرض، ومخالفة لما عداها مما على وجه الأرض مما يصح التيمم به بالأحاديث الأخرى، الآن لفظ التربة والتربة جزء مما على وجه الأرض موافقة للأرض باعتبارها جزء منه، ومخالفة باعتبار الأجزاء الأخرى، نقدم النتيجة، طيب وجدت على وجه الأرض صخر تتيمم وإلا ما تتيمم؟ تتيمم عملاً بإيش؟ {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا} [(43) سورة النساء] تيمموا ((جعلت لي الأرض)) هذا على الأرض، أما على رواية: ((تربتها)) ما تتيمم على الحجارة ولا تيمم ولا على رمل؛ لأنه ما هو تراب، مقتضى الزيادة ففيها مخالفة، مخالفة من وجه وموافقة من وجه، ولذا يختلف أهل العلم فيما يتمم به، هل يشترط أن يكون المتيمم به تراب أو لا يشترط؟ من عمل بالأحاديث التي فيها نقول: إطلاق أو عموم؟ ها؟ ترى هذا يترتب عليه اختلاف كبير في النتيجة، إطلاق أو عموم؟ والتربة نقول: تقييد أو تخصيص؟ نعم؟

طالب:.......

إطلاق أو عموم وخصوص؟

طالب:.......

الآن هل التربة فردٌ من أفراد الأرض أو وصفٌ من أوصاف الأرض؟

طالب:.......

فرد، يعني الأرض ذات أفراد، التراب فردٌ من أفرادها، أو نقول: الأرض ذات أوصاف التراب وصفٌ من أوصافها؟ نعم؟

طالب:.......

ها؟

طالب:.......

إذا قلتوا: فرد نقضتم كلامكم الأول.

طالب:.......

يعني هل يترتب كبير عمل إذا قلنا: فرد أو وصف أو قلنا: تخصيص وإلا تقييد؟ يختلف؟ يختلف وإلا ما يختلف؟ نعم؟

طالب:.......

إيه ينقلب، إذا قلنا: فرد قلنا: عموم وخصوص، وذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام ما يقتضي التخصيص، خلاص إذاً أهم..، أولى ما يتمم به التراب، التنصيص عليه للعناية بشأنه خاص، ولا ينفي أفراد الأرض الأخرى للنصوص الأخرى التي ذكرت فيها نقول: بعمومها ما نقول: بإطلاق؛ لأنه إن قلنا: إطلاق وتقييد قلنا: لا، لا بد من تقييد المطلق في مثل هذا للاتحاد في الحكم والسبب، فلا بد من التقيد، وحينئذٍ لا نتيمم بالتراب، ولذا تجدون أهل العلم يختلفون في هذا، الشافعية يجوز عندهم التيمم على الصخر، يجوز وإلا ما يجوز؟ الحنابلة يجوز وإلا ما يجوز؟ ما في إلا تراب، المذاهب الأخرى يجوز كل ما على وجه الأرض ومردهم إلى هذه.

فمن قال: عموم وخصوص قيل: ذكر التربة وهي فردٌ من أفراد الأرض بحكمٍ موافق لحكم العام وهو جواز التيمم بالتربة وبما على وجه الأرض لا يعني التخصيص، وإذا قلنا: إطلاق وتقييد معناه لا بد من أن نعمل بالمقيد، ونقيد به المطلق، وتقييد المطلق في مثل هذه الصورة واجب لا بد منه؛ لأن الاتفاق حاصل عليه لماذا؟ للاتحاد في الحكم والسبب، واضح وإلا ما هو بواضح؟ واضحة وإلا ما هي بواضحة؟ لأن الوقت معنا.

طالب:.......

إذا قلنا: وصف لأن التقييد تقليل الأوصاف والتخصيص تقليل الأفراد، يعني وصف الرقبة بأنها مؤمنة، هذا وصف وإلا فرد؟ وصف، طيب، وذكر زيد من بين الرجال وصف وإلا فرد؟ فرد، إذا قيل في الوصية مثلاً وقف: يعطى طلاب العلم والفقهاء منهم، يعطوا طلاب العلم أو احذف الواو، يعطى طلاب العلم الفقهاء منهم، هذا تخصيص وإلا تقييد؟

طالب:.......

قلنا: الأوصاف في الإطلاق والتقييد، والأفراد؟ قلنا: إن الإيمان وصف وزيد من بين الرجال فرد، نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

وصف، إذاً ما نعطي غير الفقهاء، لا نعطي غير الفقهاء، أو نقول: ذكر الفقهاء من باب التخصيص للعناية بهم والاهتمام بشأنهم، لا تقولون:.... في هذه المسألة والتي قبلها الحكم يختلف، طيب جاء محدث تعطيه وإلا ما تعطيه؟ جاء لغوي؟ خلينا من المحدث قد يكون فقيه ينطبق عليه الوصف، يا الإخوان الفرق بين التقييد والتخصيص لا بد لطالب العلم من العناية به.

طالب:.......

.... يختلف الحكم، فإذا قلنا: إن التربة وصف من أوصاف الأرض قلنا: لا بد أن يكون المتيمم به تراب، وهذا شرط عند جمع من أهل العلم، لا يرون التيمم بغير التراب؛ لأنهم يقيدون ما أطلق في الروايات الأخرى، وإذا قلنا: إنه فرد من أفراد الأرض قلنا: إن ذكر التراب للاهتمام به والعناية بشأنه.

وما روى المستور أو من دلسا
ج

 

والمرسل الخفي ومن في الحفظ سها
ج

أو "سا".

عند اجتماع الطرق المعتبرة
ج

 

فحسنٌ لغيره فاعتبره
ج

المفترض أن يكون هذا الكلام بعد ذكر الحديث الضعيف، بعد ذكر الضعيف؛ لأن الحسن لغيره لا يمكن تصوره إلا بعد تصور الضعيف، لا يمكن تصوره إلا بعد تصور الضعيف، فيؤجل مع الضعيف، وبهذا نكون انتهينا.

حط عليه علامة، ..... يحتاج إلى وقت.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"
أيضاً هذا يسأل عن أصح الأسانيد؟ أفضل متن في أحاديث الأحكام بلوغ المرام والمحرر لابن عبد الهادي، وما الفرق بينهما؟

هما متقاربان، ابن حجر استفاد من المحرر، وابن عبد الهادي لا شك أنه من أهل هذا الشأن، وأشار إلى بعض العلل في نهاية كل حديث، فهو كتابٌ قيم يحتاجه طالب العلم وإشاراته مهمة، لكن كون الكتاب مطروقاً مثل بلوغ المرام ومعتناً به في بلدٍ من البلدان، العناية به أولى لأنه إذا أشكل شيء يجد من يحل له الإشكال من الشروح والأشرطة والدروس والدورات وغير ذلك، أما المحرر نعم بدأت به العناية، نعم قد تكون شهرة بلوغ المرام متلقاة من بلدان أخرى أهلها من الشافعية؛ لأن كل أهل مذهب يعنون بكتبهم، وابن حجر شافعي ويعنى بأدلة الشافعية، وإن كان يذكر أدلة الأقوال الأخرى، وابن عبد الهادي حنبلي يعنى بأدلة الحنابلة، فتنبغي العناية به من هذه الحيثية.
وشروح البلوغ تخدم المحرر، شروح البلوغ تخدم المحرر، وشروح المنتقى أيضاً تخدم المحرر، شروح العمدة تخدم المحرر وهكذا، وإلا فالمحرر لا يوجد له شرح متداول الآن، وإن كانت العناية بدأت به، بدأت به.

يسأل هذا يقول: ما أفضل الشروح المسموعة على نخبة الفكر؟

نعم عليه شروح كثيرة، وفيها خير وبركة ونفع، ويسأل هل لي أنا شخصياً شرح؟.... شرح يعني في ستة عشر شريطاً، آخر عرضات الكتاب العام الماضي في حائل، وهي التي الاعتماد عليها، وما عداها وما قبلها منسوخة؛ لأن الكتاب شرح قبل عشر سنوات وسجل نصفه، النصف الثاني ما اعتني به وصار فيه..، وشرح مراراً لكن العرضة الأخيرة التي في حائل هي المعتمدة.

يقول: قلتم في درسٍ سابق بأن الخوارج قد وضعوا أحاديث؟

لا شك أن الخوارج من أصدق الناس لهجةً، وبهذا دافع الحافظ ابن حجر عن تخريج الإمام البخاري لعمران بن حطان وهو داعية، وانتقده العيني، وقال: "وأي صدقٍ في لهجة مادح قاتل علي" لعمران بن حطان قصيدة مشهورة مدح فيها ابن ملجم قاتل علي -رضي الله عنه-، لكنه مع ذلك وهو يمدح هو يرى أنه على حق، فهو يمدح ما يراه الحق، بغض النظر هل يوافق أو لا يوافق؟ يعني هذا لا يقدح في صدق لهجته، والشيء المعروف عند أهل العلم قاطبة أن الخوارج يكفرون مرتكب الكبيرة، والكذب كبيرة إذاً لا يكذبون، وهذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، لكن وجد في كتب الموضوعات بعض الأحاديث التي في طريقها من رمي ببدعة الخوارج، وذكر عن بعض الخوارج أنه اعترف بالوضع لما تاب، المقصود أن كون الإنسان يخالف مذهبه لأمرٍ يراه يخدم هذا المذهب هذا أمر معروف في المذاهب كلها، وإن كنا نرى أن الخوارج أبعد الناس عن الكذب لكن لا يمنع هذا أنه يقع منهم.

هذا يسأل يقول: هو يقول سؤال بصيغة الخبر سؤال بصيغة الخبر، يقول: لما رجحتم دراسة ألفية العراقي على ألفية السيوطي... كيف؟

يعني يسأل عن سبب الترجيح؟ الأسباب كثيرة، منها: إمامة الحافظ العراقي، وهذا العلم دين، هذا العلم دين فانظر عمن تأخذ دينك، يعني لو تأخذ علمك من الحافظ العراقي أفضل من أن تأخذه ممن دونه، ألفية العراقي الأصل في الباب، ولذا يقول السيوطي:
واقرأ كتاباً تدري منه الاصطلاح
كهذه أو أصلها....................
اللي هو ألفية العراقي، "وابن الصلاح"، فهي أصل لألفية السيوطي، الأمر الثاني: ألفية العراقي أسلسل وأسهل، والعناية بها من قبل أهل العلم أكثر، نعم زاد السيوطي بعض الأبواب تؤخذ من ألفية السيوطي، وما عدا ذلك يعتنى بألفية العراقي.

يقول: إن البعض يقول: يجوز الاحتجاج بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، والبعض الآخر يقول: إنه لا يجوز لأن فضائل الأعمال من الدين، فما الصحيح؟

فضائل الأعمال يريد بها الجميع ما يرتب عليه ثواب، ما يرتب على فعله ثواب، ولا يرتب على تركه عقاب، هذه فضائل الأعمال، وإذا كان هذا حده فهو المستحب، وهو السنة، والسنة والمستحب حكم تكليفي ففضائل الأعمال والسنة والمستحب أحكام..، حكم من الأحكام التكليفية، فكيف نقول: نعمل بالضعيف في الفضائل دون الأحكام والفضائل من الأحكام؟ والمسألة تحتاج إلى بسطٍ طويل، ولمن قال به وهم جمهور أهل العلم بالعمل بالحديث في الفضائل شروط، أوصلها بعضهم إلى عشرة شروط، تبسط -إن شاء الله- في وقت البحث في هذا الموضوع -إن شاء الله تعالى-.

يقول: مسألة ترتيل الآيات أثناء خطبة الجمعة.. يقول: وقد سمعنا أن البعض لا يرى في ذلك بأساً، وفي المقابل فإن البعض قد يشنع على من يفعل ذلك من الخطباء، وينكر عليهم الترتيل، وتحبير الصوت؟

أمرنا بترتيل القرآن، والقرآن سواءً كانت قراءته بقصد التلاوة لذاتها من المصحف أو من حفظ، أو مرت -هي قرآن- خلال خطبة مثلاً هي قرآن، فهي مما أمر بترتيله، وإذا كان صوت الخطيب بالقرآن مؤثراً فكونه يعظ الناس بالقرآن أولى من وعظهم بكلام البشر، وقد أمرنا بتحسين الصوت، وأمرنا بتزيين القرآن بالصوت، وجاء مدح داود -عليه السلام- وأبي موسى الأشعري لتحسين صوتهما بالقرآن.
فنحن مأمورون بتزيين القرآن، ولا شك أن الناس يتأثرون بقراءة القرآن بالصوت الحسن، وقد يشكل فهم هذا على بعض الناس، قد يقول قائل: نسمع الآية أو نسمع السورة من شخص فنتأثر، ونسمعها من آخر فلا نتأثر، إذاً التأثير للصوت وليس التأثير للقرآن، نقول: على الإنسان أن يقرأ القرآن على الوجه المأمور به شرعاً بالترتيل والتدبر، والتأثر بالقرآن المؤدى بالصوت الحسن هو تأثر بالقرآن المؤدى بهذا الصوت، وليس التأثر بالصوت نفسه، بدليل أنه لو قرأ غير القرآن بهذا الصوت ما أثر في الناس، فالتأثير للقرآن وليس للصوت، فعلى الإنسان أن يقرأ القرآن على الوجه المأمور به، وقراءة القرآن على الوجه المأمور به كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "تورث من العلم واليقين والطمأنينة ما لا يدركه إلا من عاناه" يعني فعل هذا الفعل، فعلى الإنسان أن يعنى بقراءة القرآن على الوجه المأمور به.
قد يقول قائل: الذي يقرأ القرآن لا على الوجه المأمور به هل هو محروم من الأجر؟ نقول: لا، له أجر ما رتب على الحروف ولو كان هذّاً، كما جاء في المسند والدارمي أنه يقال لقارئ القرآن: ((اقرأ وارق كما كنت تقرأ في الدنيا)) هذه الرواية بإسناد حسن: ((هذّاً كان أو ترتيلاً)) وهذه في المسند والدرامي، فالذي يقرأ القرآن لتحصيل الأجر المرتب على الحروف يحصل له ذلك، ولا يخفى عليكم أن في القرآن أكثر من ثلاثمائة ألف حرف، وثلاثمائة ألف حرف في عشرة الحد الأدنى في للمضاعفة ثلاثة ملايين حسنة، والمحروم من حرم.
من المؤسف أن يوجد بين طلاب العلم من يسمع النصوص الواردة في فضل القرآن وتعلم القرآن وتعليم القرآن ولا يتصدى لذلك، نجد من ينتسب إلى العلم من كبار وصغار يُقرِئون جميع العلوم إلا القرآن، يعني هل سمعتم بأن شيخ كبير من الكبار المعروفين بالعلم أو أستاذ في الجامعة من الجامعات جلس يُقرئ الناس القرآن؟ لا يتركون هذا لغيرهم ويدرسون الحديث والفقه والتوحيد، ولا يقصد بذلك شخص بعينه، ذكر لي اثنان من الأساتذة في الأحساء لديهم شهادات عليا ويُقرِئون الناس القرآن في المسجد، فشكرت لهم ذلك، فمن كانت لديه أهلية تعليم القرآن على الوجه المأمور به ولو مهما كان موقعه هذا أشرف العلوم ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) فالمسألة تحتاج إلى إعادة نظر فيما يتعلق بالقرآن، وما يخدم القرآن من علوم، ما أعطي القرآن حظه من العناية حتى ولا التفسير رغم أهميته ما أعطي حظه، تجد اهتمام الناس بالأحكام، تجدهم بالعقائد، هذا كله مطلوب، لكن يبقى أن كلام الله أهم المهمات، وأولى ما تصرف فيه الأوقات، والله المستعان.

يقول: ما حكم من أدخل الموسيقى إلى المسجد، وأسمع المصلين، وأفسد عليهم بالموسيقى؟

أقل ما في ذلك التشويش على المصلين، وشغل المصلين، إضافةً إلى أن الموسيقى حرام، وفتوى اللجنة الدائمة معروفة في هذا، الموسيقى حرام.
مع الأسف الشديد أن تشبه المساجد بالكنائس، يؤدون عباداتهم والموسيقى شغالة، فصرنا نقلدهم، إنسان قد يرتكب محرمات ويتوب ويستغفر، لكن محرمات مضاعفة مركب بعضها على بعض مثل هذا يستمع إلى الموسيقى وهي حرام، ويتعدى ضرره إلى غيره من المصلين، ويحضر ذلك إلى أماكن العبادة، ألا يعلم أن صلاته باطلة عند الظاهرية الذين يرون أن كل نهي يقتضي الفساد، وإن كان عاد بعض الظاهرية لهم رأي في الغناء أصلاً، لكن يبقى أن كل نهي يقتضي الفساد عندهم، فصلاته فاسدة على رأيهم.
المقصود أن الأمر ينبغي الاهتمام به، وحفظ هذه الشعيرة، وحفظ هذه الأماكن موطن العبادات، وحفظ حياة المسلم كلها مما يؤدي إلى غضب الله -عز وجل-.
يقول: ((ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)) هذه من المعازف، إلى آخر الحديث.

يقول: هل يلزم من تلقي الأمة لصحيح البخاري وصحيح مسلم بالقبول، وأنهما أصح الكتب بعد القرآن أن لا يكون في السنن الأربعة أسانيد أصح من أسانيد البخاري ومسلم أو تساويها؟ وإذا كان لا يلزم فلماذا... إيش؟

فلماذا رجحت السند في الدرس الماضي عندما قارنت بمجرد وجوده في صحيح البخاري على سندٍ في سنن أبي داود وهما من أصح الأسانيد؟
أولاً: قد يرد الحديث بإسناد بسلسلة معروفة عند أهل العلم في صحيح البخاري، ويرد في سنن أبي داود أو مسند الإمام أحمد بنفس السلسلة على الهيئة المجتمعة، بصيغ الأداء هنا وهناك واحدة، ونقول: ما في صحيح البخاري أرجح، هل هذا تفريق بين المتماثلات؟ لا، قد يكون في هؤلاء الرواة من اختلط وسماعه لمن روى عنه محتمل قبل الاختلاط وبعده، لكن تحري البخاري ومسلم في مثل هذه الأمور، وأن لا يرووا عمن هذه صفته إلا ما ثبت عندهم أنه سمعه منه قبل الاختلاط، وإلا قد يقول قائل: هذا الإسناد بالصورة المجتمعة وصيغ الأداء، وفيه تصريح، لكن كيف؟ لأن من الرواة من اختلط، ومن الآخذين عنه من روى قبل الاختلاط فقط، ومنهم من روى عنه بعد الاختلاط فقط، ومنهم من روى عنه في الحالين، فإذا عرفنا أن هذا الراوي روى عن هذا الراوي المختلط قبل الاختلاط انتهى الإشكال، إذا صرح ونص على ذلك الأئمة، وإذا كان هذا الراوي قد روى عنه بعد الاختلاط أيضاً لا إشكال خبره مردود، إذا كان ممن روى عنه قبل الاختلاط وبعده لا بد من أن يوجد ما يدل على أنه روى عنه قبل الاختلاط، وما في صحيح البخاري ومسلم من هذا النوع، وهذا يأتي الكلام فيه في أول مسألة من مسائل درس اليوم -إن شاء الله تعالى-.

يقول: هل من وصايا لطالب العلم في طريقة مراجعة ما حفظ من الكتاب والسنة والمتون الأخرى؟

يطلب إقامة درس أو دورة في التخريج والأسانيد وجمع الطرق، ويطلب أيضاً إعداد منهجية لطالب العلم في العلوم المختلفة، وثالث ما أطلبه: إعداد وريقات في الكتب المشهورة والمهمة لبيان أحسن الطبعات.
هذا كل سؤال يحتاج إلى درس، لكن باعتبار هذا آخر الدروس وبنهايته نكون قد أنهينا ثلث الكتاب، وقد أبلغت القائم على الدورة -وفقه الله- أنني على استعداد إجابةً لطلب الإخوان أن أكمل الكتاب في الدورة اللاحقة الحادية عشرة، وأن يكون نصيبه أسبوعين بدل أسبوع واحد، وينتهي -إن شاء الله تعالى-؛ لأن هؤلاء المجتمعون ما يمكن جمعهم في مكانٍ آخر إلا في مثل هذه الدورة، وأنا أعدكم -إن شاء الله تعالى-، -إن شاء الله تعالى- أني أكمله في الدورة اللاحقة -بإذن الله-، ما لم يحصل هناك مانع، الموانع -والله المستعان- متوقعة، البشر عرضة.