شرح العقيدة الواسطية (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: (أما بعد: فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره) (أما بعد) أما حرف تفصيل وشرط، وهي مع ما بعدها قائمة مقام الشرط وجوابها ما دخلت عليه الفاء، أما بعد فهذا، وفسرها سيبويه بمهما يكن من شيء، والمذكور بعد هاء المقترن بالفاء هو جواب الشرط، فلذلك لزمته الفاء أما بعد فهذا، لزمته الفاء، ولذا يقول ابن مالك في ألفيته:

أما كمهما يك من شيء وفا      

 

لتلو تلوها وجوبا ألفا          .

أما كمهما يك من شيء وفا الفاء هذه لتلو تلوها يعني بعد الذي بعدها بعدها بعد، والذي بعده يلزمه الاقتران بالفاء لتلو تلوها وجوبا أُلِفَا وحذف ذي الفاء يعني هذه الفاء.

وحذف ذي الفا قل في نثر إذا                                  .

 

لم يك قول معها قد نبذا       .

يعني لا ترد ما لا يرد جوابها غير مقترن بالفاء إلا نادرًا، اللهم إلا إذا كان بعدها القول مقدرًا تحذف الفاء كثيراً {فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم}[آل عمران:106]، ما اقترن بالفاء؛ لأن القول مقدم تقديره: فيقال له أو فيقال لهم: أكفرتهم؛ ولهذا يقول: وحذف ذي الفا قل في نثر إذا لم يك قولٌ، يعني مقدر، أما إذا قدر القول، فالحذف هو الأصل فتحذف كثيراً مع القول، كما في قوله -جلّ وعلا:{فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم}[آل عمران:106] يعني فيقال لهم: أكفرتم، جاء في البخاري في حديث عائشة في قصة بريرة وشراء ولائها أو شرائها وعتقها، واشتراط أهلها من الأنصار الولاء، جاء فيه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- خطب فقال: «أما بعد، ما بال أقوام» هذا في الصحيح في البخاري بدون الفاء، «أما بعد ما بال أقوام» فهل نقول: إن مثل هذا من تصرف الرواة وإلا فالأصل: فما بال أقوام، أو نقول: إن هذا دليل على الجواز، أو نقدر القول: أما بعد، فأقول: ما بال أقوام، أو نقول بقول من يقول بعدم الاحتجاج بالحديث على قواعد العربية، يعني ما فيه دليل؛ لأنه ليس بحجة، وهذا قول عند أهل العربية معروف، والخلاف بينهم مشهور ومنشأ الخلاف لا؛ لأن كلام المصطفى -عليه الصلاة والسلام- لا يحتج به؛ وإنما لأن الرواية عنه -عليه الصلاة والسلام- تجوز بالمعنى، فيكون الحذف من الرواة لا من النبي -عليه الصلاة والسلام- وهذا قول معروف عند أهل العربية يقولون: إن الحديث لا يحتج به في تقرير قواعد العربية لماذا؟

لأن أهل العلم يجيزون الرواية بالمعنى، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- نطق به على مقتضى اللغة؛ لأنه عربي ويتكلم باللغة العربية؛ فيحتج به الصحابة الذين نقلوا عنه أيضًا هم في وقت الاحتجاج بالعربية، التابعون الذين نقلوا عنهم في وقت الاحتجاج، لكن أتباع التابعين لا يحتج بنقلهم في قواعد العربية لماذا؟ لأنهم اختلطوا بغيرهم فتأثرت اللغة بهذا الاختلاط وأهل العربية يجعلون الحد الفاصل للاحتجاج من الشعراء بشار بن برد، يقولون: ما بعده لا يحتج به يكون مولدًا، أما من قبله يحتج به، وهذه مسألة كبرى وفيها رسائل وكتب، لكن من أراد جمع أطراف الخلاف فهو في مقدمة خزانة الأدب للبغدادي في شرح شواهد شروح الكافية، طوَّل في الخلاف، وذكر أمثلة كثيرة من هذا.

على كل حال دعونا ممن يقول بعدم الاحتجاج، خلونا مع من يحتج بالحديث؛ لأن الحديث تدوينه لا سيما دواوين الإسلام المعروفة الأصول دُوِّنت يعني إلى منتصف القرن الثالث اللي هو مائتين وخمسين انتهى تدوينها وما بعد ذلك كلها فروع عليها، المقصود أنها في عصر الاحتجاج وفي القرون المفضلة فالاحتجاج هو المرجح لا سيما فيما صح من الحديث عند أهل العلم فيحتج به، وحينئذٍ يجاب عن قوله -عليه الصلاة والسلام-: «أما بعد: ما بال أقوام» أن القول مضمر، أما بعد فأقول: ما بال أقوام، قد يقول قائل: إذا قدرنا مثل فلنا أن نترك الفاء باطراد، لماذا نوجب تقدير الفاء ويوجد مثل هذه الأساليب؟ ما من قائل: أما بعد كذا، ثم يستدرك عليه أن الفاء لازمة بيقول: أنا مقدر، أقول: ما يمكن أن يرد مثل هذا؟ لكن هل يسوغ ذكر القول في كل أسلوب؟ أحيانًا يكون فعل، أحيانًا يكون ما هو قول، تعبير عن فعل أما بعد فالغيبة ممكن بعد حتى هذا.

على كل حال أهل النحو يقولون: لولا الحذف والتقدير لعرف النحو الحمير، وعندهم أيضًا أنه لا يمكن أن يخطئ نحوي؛ لأنه مطلع على العربية وأسرار العربية وأقوال العلماء فيستطيع أن يخرِّج، فهل يمكن أن نتنصل من إيجابهم الفاء بعد أما بإضمار القول في كل شيء؟ أو أن هذا يمكن أحيانًا وأحيانًا لا يمكن، فتبقى القاعدة على بابها وأنها لازمة لـ "أما"، فيه مثال لا يصلح فيه تقدير القول؟ لأنا قلنا احتمال يصير فعل ما هو قول، التعبير عن الفعل قول، والمسألة مفترضة في كلام والكلام قول، فيحتاج إذا أجبنا عن رواية البخاري بهذا نجيب عن غيره لو أن شيخ الإسلام قال: (أما بعد هذا اعتقاد الفرقة الناجية) ونحن نقول: الفاء هذه واجبة وتركها شيخ الإسلام وخالف القاعدة، نعم بإمكان أحد يجيب عنه فيقول: أما بعد فأقول هذا اعتقاد فيه جواب؟ ما فيه أحد من أهل العربية؟ أنا أقول مثل هذا الكلام يأتي على القاعدة بالنقض صح أو لا؟ إذا قلنا: إننا لا نقدر القول ويقترن هذا القول بالفاء على هذا لكل شخص أن يحذف الفاء، كل شخص له أن يحذف الفاء ثم يقدِّر القول، طيب أما زيد فمنطلق، تقدر تحذف الفاء؟

طالب: .........

لا، هنا واجبة الفاء لكن هل تستطيع أن تقدر؟ القول: أما زيد فمنطلق على كل حال تُدرس هذه وإلا تقدير القول..، هم يعتنون بهذا ونصوا عليه في كتبهم، لم يك قول معها قد نبذا، لا شك أنه يأتي على جل الأمثلة بالإبطال، أما بعد، بهذا اللفظ جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من أكثر من ثلاثين طريقًا أما بعد بهذا اللفظ؛ ولذا الإتيان به سواء في الخطب أو في الرسائل سنة، وكثير من الناس يعتاظ بالواو بدل أما، ولا يتم الامتثال إلا بأما بعد، وكثر في أساليب المتأخرين وبعد، حتى قبل قرنين أو ثلاثة موجود قالوا: وبعد، وقالوا: إن الواو هذه عوض عن أما، ولسنا بحاجة إلى أن نعوض عن اللفظ النبوي بغيره، ولسنا بحاجة أيضًا إلى ثم قبلها؛ لأن بعض الناس يقول: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام .. إلى آخره، ثم أما بعد، علشان إيش، تجيب ثم؟ لا، لسنا بحاجة إليها إلا لو احتجنا أن ننتقل إلى أسلوب ثالث أتينا بالمقدمة ثم قلنا: أما بعد وأتينا بأسلوب وبحث خاص، ثم أردفناه بقضية أخرى أو بموضوع ثالث نأتي بثم لنعطف الأخيرة على الأولى، وإلا فالأولى ليست بحاجة إلى ثم.

(أما بعد) بعد مبني على الضم؛ لأن قبل وبعد والجهات الست تُبنى على الضم إذا قطعت عن الإضافة مع نية المضاف إليه، أما بعد ما تقدم فحذف المضاف إليه فبُنيت على الضم لكن لو أضيف بعد، فإنه يعرب {قد خلت من قبلكم} [آل عمران:137] قبل وبعد الحكم واحد، فيعرب إذا أضيف وكذلك يعرب إذا قطع عن الإضافة مع عدم نية المضاف إليه، فساغ لي الشراب وكنت قبلاً..، تعرب مع التنوين إذا قطعت الإضافة مع عدم نية المضاف إليه مثلما ذكرنا فلها ثلاث حالات. وأما بعد هذه ذكر بعض أهل العلم أنها فصل الخطاب الذي أوتيه داود -عليه السلام-، والخلاف في أول من بدأ بها معروف عند أهل العلم على ثمانية أقوال هي مجموعة في قول الناظم:

جرى الخلف أما بعد من كان بادئا 

 

بها عد أقوال وداود أقرب       .

عد أقوالٌ أو أقوالاً؟

طالب: ...........

الصيغة صالحة؛ لأن تكون فعل ماض مبني للمجهول، أو فعل أمر عدْ أنت أقوالاً فالصيغة صالحة، ها يا داود يصلح أو ما يصلح؟ أقول: ما تصلح الصيغة لهذا وهذا؟ تصلح الصيغة لهذا وهذا، فبعض المصادر تجدها عد أقوالاً وبعضها عد أقوالٌ وداود أقرب. المناسبة ظاهرة لما نسألة داود وداود أقرب..

ويعقوب أيوب الصبور وآدم   

 

وقس وسبحان وكعب ويعرب  .

كل هؤلاء قيل بالنسبة لهم أنه أول من قال أما بعد، لكن أقربها أنه داود، وأهل العلم يقولون: إنها فصل الخطاب الذي أوتيه.

(أما بعد فهذا) الفاء هذه واقعة في جواب الشرط، وهذا اسم إشارة والأصل في اسم الإشارة أن يقع على معيَّن، اسم الإشارة إذا قلت (ذا) فأنت تشير إلى جهة أو إلى شخص معيَّن تعيِّنه بالإشارة إليه، والكتاب لما قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: فهذا، هل هو يشير إلى شيء موجود في الأعيان أو يشير إلى شيء موجود في الأذهان؟ يعني كثير بل جل المؤلفين يذكرون في مقدماتهم: أما بعد فهذا، فهل هم يشيرون إلى موجود في الأعيان أو موجود في الأذهان؟ هم يقولون...،

طالب: .........

المقدمة قبل أو بعد؟

طالب: ........

هذا الذي تكلم به وكتبه الثلاثة الأسطر الأولى؟ أو الذي سيأتي؟ مكتوب أو ما كُتب الذي سيأتي؟ ما كتب، فكيف يشير إلى شيء ما وجد إلى الآن؟ على كل حال هم يقولون: إن كانت المقدمة كُتبت بعد التأليف فالإشارة إلى ما هو موجود في الأعيان، وإن كانت المقدمة كتبت قبل التأليف فهي إشارة إلى ما هو حاضر في الذهن مما هو في حكم المتحقق؛ لأن مثل هذا العلم من شيخ الإسلام هل يتصور أن شيخ الإسلام يوضب الكتاب ويراجعه مرارًا ويسوِّد ويبيِّض ثم بعد يكتب مقدمة؟ شيخ الإسلام ما يرفع القلم -رحمه الله-، لا يرفع القلم ويكتب مثل هذا الكتاب بأقل من ساعة بحيث بس مدة الكتابة، معروف الشيخ ما يرفع القلم، وكتب الحموية بين الظهر والعصر، وكتب الكيلانية في جلسة وصاحبها مستوفز يريدها في مائتي صفحة، المقصود أن شيخ الإسلام ما يتصور منه أنه ينتظر في المقدمة إلى أن ينتهي الكتاب من أجل أن يجعل هناك تصور واضح لما يريد أن يكتبه بعد كتابته، هو متصور ما يريد أن يكتبه قبل كتابته وما فيه ذهنه رحمة الله عليه في حكم الموجود في الأعيان فصحت الإشارة إليه، تعرفون مراحل البحث الآن يعني جلكم طلبة في الجامعة ومتخرجون منها مرت عليكم مراحل البحث، أولا جمع واستشارات، وأسئلة، ومراجعات، جمع، ثم تسويد صياغة، ثم بعد ذلك تبييض ثم المقدمة تترك لآخر شيء، لأنها يريد منها أن تعطي تصورًا إجماليًّا عن البحث وهو ما متصور وش يبي يكتب، يمكن يطلع على شيء جديد هذا من هو في مثل حالنا ما يدري وش يبي يقول، ولا يمكن يصور ما في ذهنه حتى يبرز ويخرج، أما شيخ الإسلام ليس من هذا النوع رحمة الله عليه.

(أما بعد فهذا اعتقاد) الاعتقاد أصله من العقد كعقد الحبل وشده ونحوه، ومنه أُخذ حكم الذهن الجازم فسُمِّي عقدا، ومنه أيضًا العقود واليمين المعقودة المجزوم بها التي تخالف لغو اليمين والعقد المبرم الموثَّق {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}[المائدة:1]؛ لأنه الذي يجب الوفاء به المبرم المحكم، أما الذي فيه استثناء أو خيار أو كذا ما بعد صار عقدًا، ومن هذا الحكم الذهني الجازم الذي لا تردد فيه ولا احتمال فيه للنقيض هذا يسمى عقدًا واعتقادًا وعقيدة، فإن طابق الواقع فهو اعتقاد صحيح، وإن خالف الواقع فهو اعتقاد باطل، فيقيننا بأن الله -جلّ وعلا- واحد أحد فرد صمد وأنه لا إله إلا الله، هذا مطابق للواقع فهو اعتقاد صحيح، وقول النصارى: إن الله ثالث ثلاثة مخالف للواقع وهو اعتقاد باطل.

نأتي إلى موضوع الرسالة إثبات ما أثبته الله -جلّ وعلا- لنفسه وأثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام- من الأسماء والصفات لا سبيل لنا ولا طريق لمعرفة شيء عن الله -جلّ وعلا- إلا عن طريقه هو وما أنزله على رسوله -عليه الصلاة والسلام- من كتابه وسنة نبيه ليس لنا مصدر لتلقي هذا العلم إلا هذا الكتاب والسنة، فإذا اعتقدنا ما أثبته الله -جلّ وعلا- لنفسه وما أثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام- هذا هو المطابق للواقع، أما ما يثبته أو ينفيه الإنسان بذهنه أو وهمه هذا لا يطابق الواقع؛ ولذا هؤلاء الذين ينفون الصفات كيف يعرفون الله -جلّ وعلا- إذا تجلى لهم، أهل السنة الذين يثبتون الصفات على ضوء ما جاء عنه وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- لما يأتيهم بغير صفته وهذا ثابت في الصحيح ما ثبت هذا؟ أنه يأتي بغير صفته ثم بعد ذلك يقولون: لا لست ربَّنا الذي لا يثبت صفات ولا يعترف بها ولا يقر بها كيف يعرف ربه إذا تجلى له بغير صفته؟ ثم إذا تجلى بصفته عرفه المؤمنون والذي ينفي الصفات على خطر عظيم، كيف يعرف شيئًا لا يُثْبِت له صفة ولا يُثبت له اسم؟ مثل هذا يعبد عدمًا أو شخص تصور في ذهنه وهجم ذهنه على أوصاف شبهها بشيء من خلقه المشبِّهة الذين يقولون: إن أوصاف الله -جلّ وعلا- ما أثبته لنفسه مثل ما أثبتها لنا، فهم يشبهون الله بخلقه، فإذا جاءهم على صفته يعرفونه أو ما يعرفونه؟ ما يعرفونه؛ ولذا يقولون عن المشبه: إنه يعبد صنمًا، فليكن الإنسان على حذر يثبت ما أثبته الله -جلّ وعلا- لنفسه وينفي ما نفاه عن نفسه.

(أما بعد فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة) والفرقة والطائفة شيء واحد وقد تكون الفرقة جزءًا من الطائفة وقد تكون الطائفة جزءًا من الفرقة، يعني قد تكون الطائفة جزءًا من الفرقة؛ لأن الفرقة تطلق على الجماعة، والطائفة تطلق على الجماعة أيضًا وقد يقال للواحد: طائفة، فإذا أطلقت الفرقة على الجماعة والطائفة على الجماعة صار بمعنى واحد، وإذا قلنا: إن الفرقة جزء من الطائفة باعتبار أن الطائفة أكبر، فيطلق على الجمع طائفة ويطلق عليه فرقة ويطلق على الواحد أيضًا طائفة، لكن ما يطلق كمنفرقة على الواحد {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ}[التوبة:122] {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ}[النور:2] يعني ولو واحد.

(الفرقة الناجية) فرق بين الفِرقة والفُرقة، فيه فرق بين الفِرقة والفُرقة؟ الفِرقة واحدة الفِرَق والفُرقة الافتراق، يعني مثل ما نفرق من وجه آخر بين القِربة والقُربة وش الفرق بينهما؟ القِربة الوعاء الذي يوضع فيه الماء والقُربة ما يتقرب به إلى الله -جلّ وعلا- الفرقة الناجية من النجاة {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا}[مريم:72] وما عدا الناجية مآلهم الهلاك والنار {وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ}[مريم:72] لأن الناجي في مقابل الظالم {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا}[مريم:72]هؤلاء هم الناجون، وهذا وصفهم الفرقة الناجية هم الذين اتقوا الله -جلّ وعلا- {وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ}[مريم:72] الذين لم يتقوا الله -جلّ وعلا- ومن لازم التقوى الإيمان بالله -جلّ وعلا-، والإيمان بما جاء عنه من لازم الإيمان به، الإيمان بكل والتصديق والاعتراف والإذعان واعتقاد جميع ما جاء عنه -جلّ وعلا-، فالذي يعتقد العقيدة الصحيحة التي أثبتها الله -جلّ وعلا- في كتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- هم الناجون ويقابلهم الظالمون، ولا شك أن الذي يضل ويعصي سواء كان ضلاله باعتقاد أو بخلل عملي بارتكاب محظور أو ترك مأمور هذا على خطر {وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ}[مريم:72] وهذا ظالم لنفسه {وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}[مريم:72].

(الفرقة الناجية المنصورة) فيه من الرواة أبو الصديق الناجي نسبة إلى بني ناجية من العرب، وفيه ممن له تعليق على الترغيب والترهيب نسيت اسمه لكن الناجي، الناجي لماذا؟ لأنه انتقل من مذهب الحنابلة إلى مذهب الشافعية وهم يرمون مذهب الحنابلة أن فيه تشديد، وفيه من لزوم الأثر ولا مساومة على الأثر، كأنه صار في حِلٍّ من بعض الأمور، مع أن الأئمة كلهم على خير -إن شاء الله تعالى- وعلى هدى، لكن هذا من باب تلوث الأفكار ببعض الدعاوى، يعني نجا؛ لأنه مثل يقال: نجا بجلده، من أين نجا؟ نجا من اتباع أحمد بن حنبل إمام أهل الأثر، إمام أهل السنة قالوا له: الناجي؛ لأنه انتقل من مذهب أحمد إلى مذهب الشافعي.

على كل حال من قديم وأهل السنة ينبزون بالتشدد، وتواريخ القرن الرابع والخامس فيه إشكالات كبيرة حول من يعتني بالأثر وينتسب إلى الإمام أحمد بن حنبل، وأنهم يرمون بكذا، المقصود أن هذه مسألة الإشارة إليها الذي دعا إليها قول المؤلف: الناجية.

(المنصورة) الطائفة الناجية والفرقة الناجية جاءت الإشارة إليهم بحديث الافتراق: «افترقت اليهود وافترقت النصارى، وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة»، وجاء في صفة هذه الفرقة الناجية: أنهم هم الذين على ما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه هؤلاء، هم الناجون، ومن عداهم الذي يقابل النجاة، الهلاك، إذًا من عداهم من بقية الفرق الذي عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- هم الناجون ومن عداهم هالكون إلا إن كانت المخالفة يسيرة من البدع التي ليست مكفرة مما يدخل تحت المشيئة، هذا أمره إلى الله -جلّ وعلا- لكن هذا الحكم في الدنيا، هذا الذي دلت عليه النصوص، ومفهوم المخالفة من حديث الافتراق واضح، ثم بعد ذلك المنصورة على سائر الفرق وهي الظهور «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين» يعني: منتصرين على غيرهم إلى قيام الساعة، وجاء في الحديث، أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، ولا تقوم حتى لا يقال في الأرض الله الله، فهل تستمر هذه الطائفة إلى قيام الساعة قيامًا حقيقيا؟ بمعنى أنهم يبقون إلى آخر إلى وقت النفخ إلى قيام الساعة، أو أن المراد بقيام الساعة قرب قيام الساعة؟ قرب قيام الساعة كما يقال: ميت وهو قريب الموت ممن يُحتضر يقال له: ميت، أو يقال: إن قيام الساعة موتهم، يعني: إلى أن يموتوا وموت كل أحد أو قيامة كل أحد موته، فالقيامة قيامة كل إنسان، أمور نسبية كل من مات فقد قامت قيامته.

يقول: إلى قيام الساعة، وعرفنا أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق إلى قيام الساعة، عرفنا أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، والمراد بقيام الساعة: قرب قيام الساعة، أو أن ساعة كل واحد منهم موته، فمن مات فقد قامت قيامته.

(أهل السنة والجماعة) بدل من الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة الطائفة المنصورة وهم الفرقة الناجية، تضافرت أقوال علماء الأمة على أنهم أهل الحديث، قد يقول قائل: أنا تخصصي تفسير، هل أدخل في الطائفة المنصورة أو أنا خارج؟ وقد يقول قائل: أنا اهتمامي فقه، أو اهتمامي عقيدة، نقول: المفسر إذا كان على الجادة فعمدته الحديث، والفقيه إذا كان على الجادة فعمدته الحديث، ودارس العقيدة إذا كان على الجادة فعمدته الحديث، ولا يتصور شخص ينتسب إلى أهل الحديث وليس له عناية بالقرآن؛ لأن الحديث إنما جاء بيانًا للقرآن، فعلى هذا قولهم المراد بالطائفة المنصورة هم أهل الحديث يدخل فيهم المفسر الذي يفسر كلام الله -جلّ وعلا- وأولى ما يفسر به كلام الله -جلّ وعلا- بعد كلامه –تعالى- بحديث النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ ولذا صارت مناظرة بين شخص تخصصه تفسير وآخر حديث، فقال المحدث: نحن أفضل منكم؛ لأننا كما يقول أهل العلم: حنا الطائفة المنصورة وأنتم أهل تفسير، لكن قال المفسر: نحن أهل الله وخاصته نعتني بكتاب الله، قال: أنتم تعتنون بالتفسير وعمدتكم على التفسير بالرأي، هل يدرس في التخصصات العليا تفسير ابن جرير وابن كثير؟ أو يدرس التفاسير التي تُعنى باللفظ بالصناعة اللفظية؟ إن كنتم تريدون بالتفسير التفسير بالرأي فلستم أهل الله خاصته؛ لأنه جاء التحذير من التفسير بالرأي، وإن كنتم تفسرون القرآن بالأثر فالأثر تبعنا ما هو تبعكم فنحن في الحقيقة أهل الله وخاصته، فإذا نظرت إلى قولهم: إنهم أهل الحديث بعين البصيرة والإنصاف وجدت أن الكلام هو الصحيح؛ لأن كل شيء يَؤُوْل إلى الحديث، لا يتصور محدث ليست له عناية بكتاب الله -جلّ وعلا- لا يُتصور هذا؛ لأن السنة مبينة للقرآن شارحة للقرآن مفسرة للقرآن، ثم بعد ذلك التخصصات الأخرى أهل التفسير الذين تخصصهم وعنايتهم بالقرآن إن كانت عنايتهم به من جهة الأثر فهم أهل الحديث وإن كانت عنايتهم من جهة النظر والصناعة على ما يقولون اللفظية، وعمدتهم على التفاسير بالرأي فهؤلاء، وقد زل كثير منهم.

المقصود أن العالم إذا لم تكن عنايته بالحديث فلن يحالفه التوفيق، لا بد أن تكون عناية العالم بالحديث، ومن خلال الحديث يفسر القرآن، ومن خلال الحديث يعني مع القرآن يعتقد الاعتقاد الصحيح، ومن خلال الحديث أيضًا يتفقه الفقه المؤصل على كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ولا يمنع أن يدخل في الطائفة المنصورة من نصر الله به الإسلام ممن هو على الجادة، وعلى ما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-.

أهل السنة والجماعة يعني هم الذين يعنون بسنة النبي -عليه الصلاة والسلام- ويجتمعون على ذلك، فهم أهل السنة وهم أهل الأثر وهم أيضًا الذين اجتمعت كلمتهم على هذا المعتقد، ومنهم من يتوسع في الإطلاق فيُدخِل في أهل السنة ثلاث فرق، وهذا فعله السَّفَّاريني في لوامع الأنوار وقاله غيره، يقول: أهل السنة ثلاث فرق: الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري، والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي، أهل السنة والجماعة على أنهم أهل اجتماع وأهل ائتلاف وأهل قول واحد في الجملة في الأصول التي اتفق عليها سلف هذه الأمة التي لا يسوغ فيها الخلاف، نعم بينهم خلافات يسيرة في مسائل من مسائل الاعتقاد، لكن لا يلزم منها تضليل؛ لأن النصوص الواردة فيها محتملة يعني كمن أثبت رؤية النبي -عليه الصلاة والسلام- لله -جلّ وعلا- أو نفاها أو أثبت الساق أو نفاه، المقصود أن ما لم يتفق عليه سلف هذه الأمة والنصوص احتملت هذا لا يضلل فيه ولا يُبَدَّع، لكن ما اتفق عليه سلف هذه الأمة وأئمتها لا شك أنهم يتفقون عليه أهل السنة والجماعة ومن جاء بعدهم إلى قيام الساعة، الفرق الأخرى التي ذكروها الأشعرية هل يتصور أن يكون ممن كان عليه الرسول -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه من ينفي عن الله -جلّ وعلا- صفاته التي أثبتها في كتابه وعلى لسانه نبيه -عليه الصلاة والسلام- إلا اليسير منها إلا سبع؟ هل نقول: إن إثبات الصفة ونفيها كله حق؟ الإثبات والنفي متقابلان والحق في أحدهما، فهل نقول: إن الحق في النفي أو في الإثبات؟ اعتقاد ما جاء عن الله -جلّ وعلا- في كتابه وعن سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- هذا هو الحق، وإذا كان الحق في الإثبات فالنفي ليس بحق، فالذي ليس معه حق لا يستحق أن يقال: إنه من أهل السنة، وقل مثل هذا في الماتريدية. نعم البدع متفاوتة، وبعض البدع أهون من بعض، هناك البدع المكفرة وهناك البدع المفسقة، لكن يبقى أن أهل السنة الذين اقتفوا الأثر وأثبتوا ما أثبته الله -جلّ وعلا- لنفسه لا شك أنهم هم أهل السنة والجماعة ومن عداهم ممن يخالفهم في القول لا يمكن أن يدخل معهم في المسمى، قد يقول قائل وهذا سيرد بالتفصيل -إن شاء الله تعالى-: إن الداعي لهم لنفي هذه الصفات هو تنزيه الباري -جلّ وعلا- من أن يكون له يد، أولا كونهم يزعمون التنزيه متى وصلوا إلى مرحلة التنزيه والنفي الذي هو التعطيل، إلا بعد أن شبهوا، والنصوص على ما سيأتي المثبتة للصفات والأسماء ليس من لازمها التشبيه لنقول: ننفي عن الله -جلّ وعلا- ما أثبته لنفسه؛ لئلا نشبهه بمخلوق، فالله -جلّ وعلا- هو الذي جمع بينهما في نص واحد {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}[الشورى:11] يعني هل نستطيع أن نقول ليس من لازم قوله -جلّ وعلا-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:11] أنه ليس بسميع ولا بصير؟ هل يسوغ مثل هذا؟ نكون آمنا ببعض الكتاب وكفرنا ببعض، فالله -جلّ وعلا- الذي نفى مشابهة المخلوقين له -جلّ وعلا- هو الذي أثبت هذه الصفات، فعلينا أن نثبت في موضع الإثبات وننفي في موضع النفي، على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

فأهل السنة هم سلف هذه الأمة وأئمتها الذين اقتفوا أثر الكتاب والسنة ومن تبعهم إلى يوم القيامة.

(أهل السنة والجماعة، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره) هذا هو الإيمان وأركانه الستة، وجاءت في أكثر من آية، ولما سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإيمان أجاب بهذا في حديث أبي هريرة المتفق عليه وحديث عمر المخرج في مسلم وغيره، يسأله عن الدين ليعلم الناس الدين، فالدين شامل للإسلام والإيمان والإحسان، فلما سأله عن الإيمان قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، وتؤمن بالقدر خيره وشره هذه أركانه الستة، والإيمان يعرّف في كثير من كتب اللغة المتأخرة وكتب أهل المقالات المتأخرين بأنه التصديق، {وما أنت بمؤمن لنا} [يوسف:17] أي: بمصدق، فالذي يقول: آمنت بالله بمعنى صدقت، ولننظر إلى التعدية بالحرف هل تكون آمنت تساوي صدقت؟ آمنت بالله هل معناها أني صدقت بالله التصديق وما أنت بمؤمن؟..

طالب: ......

نعم، فالتعدية الإيمان يتعدى بحرف والتصديق يتعدى بحرف آخر، نعم قد يكون من حقيقته اللغوية أو بعض حقيقته اللغوية التصديق، لكن ليس التصديق مساوي للإيمان من كل وجه؛ فالإيمان تصديق معه إقرار واعتراف وإذعان وجزم، هذا الإيمان..، وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقرر أن الحقائق الشرعية لا تأتي ناسفة للحقائق اللغوية ما تأتي على تضاد تام مع الحقائق اللغوية؛ وإنما تكون الحقيقة اللغوية جزءًا من الحقيقة الشرعية؛ فتكون الحقيقة اللغوية متجهة إلى شيء، ثم بعد ذلك حقيقة هذا الشيء الشرعية هي الحقيقة اللغوية مع إضافة قيود؛ فإذا قلنا: إن من حقيقة الإيمان اللغوية التصديق قلنا: إن الشرع زاد عليها قيودًا، وإذا كان حقيقة الصلاة اللغوية هي الدعاء فحقيقة الصلاة الشرعية الدعاء وزيادة، وإذا كانت حقيقة الصيام اللغوية الإمساك فحقيقة الصيام الشرعية إمساك وزيادة، فلا تنافر بين الحقائق اللغوية مع الحقائق الشرعية، بل تكون الحقائق اللغوية أبعاض، أضيف إليها مما جاء في النصوص الشرعية، الإيمان بالله ومن مقتضى الإيمان به والإذعان والاعتراف به: الإيمان بأنه موجود إذ لا يمكن الإيمان بالمعدوم، يمكن أن يؤمن شخص بشيء معدوم؟ المعدوم أصلاً ليس بشيء كما قرر شيخ الإسلام وغيره وهو قول كثير من أهل اللغة، ليس بشيء إذًا كيف يؤمَن بلا شيء فلا بد من الإيمان والتصديق والإذعان والاعتراف والإقرار بأن الله -جلّ وعلا- موجود.

الأمر الثاني أنه أيضًا متفرد بالربوبية، وأنه رب، الرب الخالق الرازق المتصرف وحده لا شريك له، الأمر الثالث الإيمان بأنه الإله المعبود ولا معبود بحق سواه، أيضًا من لازم الإيمان به: الإيمان بجميع ما جاء عنه في كتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- بما في ذلك ما يتعلق به من أسماء وصفات فدخل في الإيمان أنواع التوحيد الثلاثة، الإيمان بالله وملائكته، الملائكة عالم غيبي الإيمان بهم ركن من أركان الإيمان، نؤمن ونجزم ونعتقد أن لله خلقًا هم الملائكة، جمع ملك وأصلها ملأك أو مألك من الألوكة، له هذا الخلق الذين جاء من وصفهم أنهم لا يعصون الله ما أمرهم وأن السماء معمورة بهم، ومنهم من سمي لنا ومنهم من لم يسمَّ؛ جاء في البيت المعمور أنه يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، وجاء أيضًا في حديث الأطيط وإن كان فيه ما فيه من مقال لكن طرقه تدل على أن له أصلاً: «ما في السماء موضع أربعة أصابع أو موضع قدم أو شبر إلا وفيه ملك ساجد أو قائم»، المقصود أن عددهم لا يعلمه إلا الله لكن، هل نستطيع أن نعد كل هؤلاء؟ أو نعد من بلغنا عن التسمية عن الله -جلّ وعلا- وعن نبيه -عليه الصلاة والسلام- كـ جبريل وميكائيل وإسرافيل، نؤمن بهم ونؤمن بما وكل إليهم من أعمال، وأن جبريل هو الذي ينزل بالوحي، وميكائيل هو الذي ينزل بالقطر، على حد ما وصلنا، لا يكلفنا الله -جلّ وعلا- إلا ما آتانا وما أبلغنا إياه؛ لأن هذا عالَم غيبي فنؤمن بهم وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم.

(الإيمان بالله وملائكته وكتبه) الكتب المنزلة على الرسل وأنه نزل مع كل رسول كتاب لكن لا نكلَّف بما لم يبلغنا من هذه الكتب كالتوراة والإنجيل والفرقان وصحف موسى، صحف إبراهيم، يعني ما ذكر لنا نؤمن به تفصيلاً وما لم يذكر لنا نؤمن به إجمالاً وملائكته وكتبه ورسله، والرسل كذلك وجاء في حديث أبي ذر عدد الرسل وعدد الأنبياء فنؤمن بهم إجمالاً إلا من سمي لنا فنؤمن به بعينه، وعدة من سمي في القرآن خمسة وعشرون هؤلاء نؤمن بهم بأعيانهم ومن عداهم نؤمن به إجمالاً، ورسله، والبعث بعد الموت، البعث بعد الموت، وأن الناس يبعثون، إذا ماتوا يبعثون، {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُون}[الزمر:68][الزمر:68] وقد أمر الله -جلّ وعلا- نبيَّه في كتابه أن يُقسم على البعث في ثلاثة مواضع: الأول في سورة يونس: {وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي}[يونس:53] الموضع الثاني هذه الآية ثلاثة وخمسين من سورة يونس، والموضع الثاني في سورة سبأ في الآية الثالثة: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي}[سبأ:3] والموضع الثالث في سورة التغابن: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ}[التغابن:7] فالإيمان بالبعث ركن من أركان الإيمان، وإذا لم يؤمن الإنسان بالبعث فما الفائدة من الإيمان كله؛ إذا كان الإنسان لا يُبعث ولا يُجازى لا على عمل الخير إن عمله ولا على عمل الشر إن عمله، مفاده تعطيل الشرائع والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، القدر وهو سر الله -جلّ وعلا- المقدر على عباده والمكتوب عليهم قبل أن يخلق الخلق بكم؟

طالب: ..........

نعم، بخمسين ألف سنة، وأول ما خلق الله القلم قال له: اكتب. قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما كائن إلى يوم القيامة؛ فيؤمن الإنسان بأن كل شيء مقدر {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر}[القمر:49] وسيأتي تفصيل هذا كله -إن شاء الله تعالى- في الرسالة، هذا إجمال يأتي التفصيل -إن شاء الله تعالى-.

(بالقدر خيره وشره) والإيمان بالقدر على ما سيأتي أن فيه من الأقوال طرفين ووسط؛ طرف غلا في النفي؛ وطرف غلا في الإثبات؛ وهدى الله -جلّ وعلا- أهل السنة والجماعة وتوسطوا وآمنوا وجمعوا بين أدلة الفريقين؛ فمنهم من قال: لا قدر؛ والإنسان يخلق فعله؛ وهؤلاء غلوا في النفي، ووجد أصلهم في عصر الصحابة وفي حديث ابن عمر في صحيح مسلم نوع من هذا، والطرف الثاني الذين قالوا: إن الأمر أنف، ما فيه شيء مقدر سابق أبدًا، وهؤلاء هم الغلاة من القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة وجد في عصر الصحابة، وأنكروا عليهم واشتد النكير عليهم، والطرف المقابل الجبرية الذين يقولون هؤلاء: إن العبد يخلق فعله وهؤلاء يقولون العبد مجبور وليس له من الأمر شيء، وحركته كحركة الشجر {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى}[الأنفال:17] يستدلون بمثل هذا، ويقولون: إن العبد مجبور؛ لأنه لو لم يكن مجبورًا لكان الله -جلّ وعلا- في تعذيبه له ظالم، نقول مع كونه له إرادة ومشيئة يعاقب ويعذب من أجلها إلا أن هذه الإرادة ليست مستقلة كما يقوله غلاة النفاة، خيره وشره المقدر من قبل الله -جلّ وعلا- المقدر، أما فعل الله -جلّ وعلا- فليس فيه شر «والشر ليس إليك»، يبقى أن المقدر والمقدور الناتج عن هذا القدر فيه ما ينفع الإنسان وفيه ما يضره، فيه ما ينفعه وهذا هو الخير بالنسبة له، وفيه ما يضره، وهذا الشر بالنسبة له على أنه وإن تضرر به إلا أنه له نفعًا من جهات ولا يوجد شر محض، ففي مخلوقات الله -جلّ وعلا- العقارب والحيات هذه ظاهرها الشر لكن هل هي شر محض؟

يلدغ الإنسان من قبل عقرب مثلاً هل نقول: إنه تضرر من كل وجه؟ نقول: نعم في بدنه تضرر، لكن الأثر المترتب على هذه المصيبة إذا كانت الشوكة يشاكها يؤجر عليها، فكيف بلدغ عقرب؟ وقل مثل هذا في كثير من الأمور شخص كلما خرج صار عليه حادث هل هذا ضرر محض من كل وجه؟ أبدًا قد يكون هذا أفضل له من كثير من أعماله التي ظاهرها الخير يؤجر عليه يؤجر على مثل هذا فهو خير من هذه الحيثية، وإن كان في ظاهره شر، وليس في فعل الله شر؛ وإنما الأثر الناتج عنه وهو المقدور قد يكون فيه شر في نظر الإنسان وهو في حقيقة أمره قد يكون خيرًا، ويأتي بحث ما يتعلق بالقدر -إن شاء الله تعالى- بالتفصيل في موضعه.

 

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"

هذا يقول: إن (ال) في (الحمد) جنسية، أليست استغراقية بحيث تستوعب كل المحامد؟

الجنسية هي الاستغراقية يعني جنس الحمد كله لله -جلّ وعلا-.

هذا يقول ألا يكون معنى (على الدين كله) أي الكفر كله بما فيه من أديان؛ لأن ما سوى الإسلام من الأديان فهو كفر، والكفر دين واحد مقابل للإسلام؟

على كل حال سواء قلنا: كفر والكفر ملة واحدة أو ملل شتى، على الخلاف المعروف بين أهل العلم، فهو في مقابل الإسلام كله باطل ما عدا الإسلام.

يقول: ذكرتم في الدرس السابق أن المقصود عند شرح رسولِه (هو الذي أرسل لرسوله) هو النبي -صلى الله عليه وسلم- خصوصا، فكيف يجمع هذا مع أن ضمير الغائب إذا أضيف إلى مفرد أفاد العموم؟

عمومًا المفرد المضاف يفيد العموم، لكن دلالة السياق تعين وتؤكد أن المراد به الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهو في الآية كذلك.

يقول: بعض الفِرق تريد التفريق بين عقيدة شيخ الإسلام وعقيدة الأشاعرة؟

تأتي الإشارة إلى شيء من هذا في هذا الدرس -إن شاء الله تعالى-.

يقول: هل هناك نظم غير سلم الوصول للحفظ أقل عددًا في الأبيات، ثم نرتقي إلى سلم الوصول؟

على فكرة النظم..، هذه العقيدة الواسطية منظومة نظمها الشيخ عبدالله بن عدوان مترجم في علماء نجد، وطبعة الشيخ محمد بن مانع ينقل منها كثيراً وهي دالية طيبة يقول في سبعة مواضع عن الاستواء، وقد بينها ابن عدوان في نظمها على العقيدة فقال ونقل منها كثيراً ولا أعرف عن وجودها الآن، لكن كأنها من محتويات مكتبة الشيخ ابن مانع، هذه المنظومة، فليبحث عنها فإذا وجدت يعتنى بها، يقول: قال ابن عدوان النجدي المتوفى سنة تسع وسبعين ومائة وألف:
وسلِّم لأخبار الصحيحين يا فتى . ولكن عن التمثيل وفقت أبعدي .
ودع عنك تزويقات قوم فإنها . بحلتها التعطيل يا صاح مرتدي .
طالب: ...........
لا، ما يظهر أنها كاملة في تعليقات الشيخ ابن مانع، لكن على ما ذكره الشيخ منها جيد وما أدري عن حقيقتها كاملة، لكن ما ذكره الشيخ منها طيب.

يقول: ما رأيك فيمن يحضر هذا الدرس وهو لم ينته من بعض المتون مثل الأصول الثلاثة وكتاب التوحيد؟

على كل حال إذا رأى الفائدة من الدرس يلزمه، ومع ذلك ينظر في الكتب الأخرى، ويجعل وقتً للأصول الثلاثة مع شروحها من أصحاب الفضيلة الذين شرحوها، ثم بعد ذلك يقرأ على التدريج الذي ذكر مرارًا في ترتيب كتب العقيدة وأولوياتها يبدأ في الأصول الثلاثة، ثم القواعد الأربع، ثم كشف الشبهات، ثم التوحيد، ثم الواسطية، وهكذا..

يقول: هل علمُ اللغة العربية يعتبر من طلب العلم، خصوصًا لمن تخصصه في الجامعة لغة عربية؟

أقول: العربية ليست هدفًا وليست مقصدًا، وإنما يعتنى بها وتدرس وتُقرأ ويحفظ بعض متونها وتقرأ شروحها ويتخصص فيها من أجل فهم الكتاب والسنة.