حكم جهر الإمام بالقراءة في الصلاة السرية

Question
إمامنا غَلِطَ في صلاة سرية، حيث قرأ فيها كالجهرية، فما الحكم؟
Answer

الجهر بالقراءة في الصلوات الجهرية: كالفجر، والمغرب، والعشاء، والجمعة، والعيدين، والكسوف، والإسرار في مواضع الصلوات السرية: كالظهر، والعصر، لا خلاف في استحبابه بين أهل العلم، والأصل فيه فعل النبي –صلى الله عليه وسلم-، وقد ثبت ذلك بالنقل الصحيح والتواتر العملي خلفًا عن سلف، وعلى هذا: إن جهر في موضع الإسرار، أو أسَرَّ في موضع الجهر - كما هو موضع السؤال- تَرَكَ السُّنة وصحتْ صلاته.

وقول أهل العلم: (إن أَسرَّ في جهرية، أو جهر في سرية كُرِهْ)، فهذا معلوم أنه لمن لا يتعمد ذلك، أو لا يتخذ ذلك ديدنًا، فإن اتخذ ذلك ديدنًا، بأن أسر في جميع الصلوات الجهرية، وجهر في الصلوات السرية، فهذا لا يكفي أن يقال: يُكره، أو ترك السُّنة، بل يُحكم عليه بأنه مبتدع، قاصد للمخالفة والمعاندة لفعله- عليه الصلاة والسلام-، وإذا كان إمامًا وأصرَّ على ذلك فينبغي أن يُعزل عن الإمامة.

فالفقهاء يقولون: (فإن جَهر في موضع الإسرار، أو أسرَّ في موضع الجهر، تَرَكَ السنة، وصحتْ صلاته) يعني: مالم يتخذ ذلك ديدنًا، لكن إن نسي فجهر في موضع الإسرار، ثم ذكر في أثناء القراءة، فهل يستأنف القراءة؟ أو العكس بأن نسي فأسر في موضع الجهر، كمن كبَّر في صلاة الصبح، أو في صلاة المغرب، أو في صلاة العشاء، ثم استفتح سرًّا، وبدأ بالفاتحة سرًّا، فلما قرأ نصفها ذَكَرَ أو ذُكِّرَ، فهل يبدأ القراءة من أولها جهرًا، أو يَبني على ما مضى، فيكتفي بالجهر بالباقي؟

يقول أهل العلم: (إلا أنه إن نسي فجهر في موضع الإسرار، ثم ذكر في أثناء القراءة بنى على قراءته)، وأتمها سرية، وهذا بالنسبة للإمام، أما المأموم فإنه مأمور بالإنصات لقراءة إمامه بلا خلاف، وأما المنفرد فهو مُخيَّر بين الجهر والإسرار.

وقد روى ابن جرير الطبري في تفسيره [17/586] بإسناده: عن محمد ابن سيرين -في تفسير آخر سورة الإسراء- قال: "نُبئتُ أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ، خفض صوته، وأن عمر كان يرفع صوته، فقيل لأبي بكر: لم تصنع هذا؟ فقال: أناجي ربي –عز وجل– وقد علم حاجتي، قيل: أحسنت، وقيل لعمر: لم تصنع هذا؟ قال: أطرد الشيطان، وأوقظ الوسنان، قيل: أحسنت. فلما نزلت: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء: 110] قيل لأبي بكر: ارفع شيئًا، وقيل لعمر: اخفض شيئًا"؛ لتكون القراءة بين الجهر والإسرار، بحيث يُسمع نفسه، ويُسمع من حوله، إذا كان منفردًا أو في صلاة ليلٍ أو ما أشبه ذلك؛ ليتلذذ بقراءة القرآن، وقد يَسمعه من حوله ويَستفيد منه، لكن ينبغي أن يلاحظ الحال، فلا يُزعج أحدًا بقراءته من نائمٍ، أو تالٍ، أو مصلٍّ أو ما أشبه ذلك.