شرح علم الحديث من النقاية (2)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى- والمردود إما لسقط" يعني من السند "فإن كان من أول السند فمعلَّق أو بعد التابعي فمرسَل وبعد غيره بفوق واحد مع الولاء فمعضل وإلا فمنقطع" وهذا هو السقط الظاهر قال "فإن خفي فمدلَّس" المسلك الثاني من مسالك الضعف للخبر الطعن في الراوي؛ ولذا قال: "وإما لطعن في راويه" لأن مما يشترط لقبول الخبر أن يكون الراوي عدلا ضابطا، وهذا الطعن إما أن يكون في عدالته أو في ضبطه؛ لأن العدالة والضبط مما يشترط لقبول الخبر، وإذا اختلت العدالة أو اختلَّ الضبط فطُعِن في الراوي من حيث عدالته أو ضبطه فقد اختل هذا الشرط فيُرَد الخبر، فيكون من قبيل المردود، "فإن كان لكذب فموضوع" إن كان الطعن في الراوي بأنه يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ويضع الحديث بكذب عليه -عليه الصلاة والسلام- فخبره يسمى الموضوع، المكذوب المختلق المصنوع، وهذا كما يقرر أهل العلم شر أنواع الحديث، شر أنواع ما يتحدث به الكذب على الله وعلى رسوله، وهو من الموبقات ومن عظائم الأمور «من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» ومن جرب عليه الكذب في حديثه يعني في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- رُدَّت جميع أخباره فلم يقبل منها شيء، وبالغ أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين فكفَّر من كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا شك أن الوعيد الشديد متجه إليه في قوله «فليتبوأ مقعده من النار» إلا أن جماهير أهل العلم على أنه لا يكفر وإن ارتكب هذه الموبقة من الموبقات، "فإن كان لكذب فموضوع أو تهمة فمتروك" إذا اتهم الراوي بالكذب إذا ثبت عنه الكذب في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- خبره يسمى موضوعا، وأما إذا اتهم بالكذب عليه -عليه الصلاة والسلام- فإن خبره يسمى المتروك، اتهم وكيف يتهم الراوي بالكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا عُرِف بالكذب في حديثه العادي، الكذب في الحديث العادي ولم يثبت عنه أنه كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا متهَم، أو يذكر حديثا يتفرد به ويكون مخالفا لما عُلِم من الدين بالضرورة، وما عُلِم من قواعده العامة ويتفرد به فإنه حينئذ يتهم لأنه كذب لكن لا يُجزَم بأنه كذب، حديثه يسمى المتروك وهو من أنواع الضعف الشديدة التي لا تنجبر بالطرق، "أو فُحْش غلط" الكذب يعود إلى العدالة، والتهمة بالكذب تعود إلى العدالة، وفحش الغلط والغفلة يعودان إلى الضبط، بأن يكثر الغلط ويفحش في كلام في مروياته هذا يرد حديثه، وكذلك إذا عرف بالغفلة بحيث لا يضبط ولا يتقن ما يرويه، أو عرف بالفسق "أو فسق" وهو ارتكاب المحظورات وترك المأمورات، من ترك المأمور أو ارتكب المحظور فهو فاسق خارج عن حظيرة التدين إلى الوصف بالفسق فمثل هذا لا يُقبَل خبره، بل يتبين فيه ويتثبت "فمنكر" "إذا عرف بفحش الغلط أو الغفلة أو الفسق فحديثه منكر، "ومن عرف بالوهم في الحديث فخبره معلَّل"، إذا كان يهم في حديثه فإن خبره يسمى أو حديثه يسمى معللا، فيكون مشتملا على علة، مثل ما سبق أن ذكرنا أن الموضوع معروف المكذوب المختلق على النبي -عليه الصلاة والسلام- والمتروك ما تركه أهل العلم لاتهام راويه بالكذب أيضا من الضعف الشديد الذي لا ينجبر، والمنكر يقابل المعروف، فإذا رواه فاحش الغلط أو كثير الغفلة أو الفاسق موصوف بالضعف مخالفا لمن هو أوثق منه فإن خبره يسمى منكرا ويقابله المعروف، "وإذا كثر الوهم في حديث الراوي فإن حديثه يسمى معللا" هذا كلام المؤلف وهو تبع في ذلك الحافظ ابن حجر في النخبة، وذكرنا في الحديث الصحيح غير المعلل ولا شاذ أن المعلل ما اشتمل علة، وقالوا: إن العلة سبب خفي غامض يقدح في صحة الخبر الذي ظاهره السلامة منه، وهو من أدق علوم الحديث ولم يتكلم فيه إلا الأئمة الكبار بخلاف الأنواع الأخرى التي تظهر وتلوح لكل باحث له عناية بالحديث، أما المعل المعلل فإنه لا يتصدى له إلا الأفذاذ من الأئمة، وألف فيه كتب عظيمة من أعظمها العلل للدارقطني، ومن  أراد قيمة هذا الكتاب فلينظر في كلام الحافظ ابن كثير عنه، مثل هذا الكلام لا يخاطَب به أوساط المتعلمين لأن الكتاب وعِر ليس بالسهل لا يُدرِك مغزى المؤلف إلا مَن رسخت قدمه في هذا الباب، لكن لا يمنع أن يطِّلع عليه طالب العلم وينظر فيه ويفهم منه ما يفهم ويترك ما يترك لأن العناية بمثل هذه الكتب الصعبة بحيث يتفرغ لها الإنسان وهو ليس متمكنا ولم يقرأ في الكتب الأخرى التي تمهد له الطريق لفهم هذه الكتب مثل هذا قد يدعوه هذا التصرف إلى ترك تعلم علم الحديث؛ لأن فيها صعوبة ووعورة لا يدركها آحاد المتعلمين، يعني مثل من سمع ابن القيم يمدح العقل والنقل لشيخ الإسلام، فيذهب ويشتري كتاب درء تعارض العقل والنقل ثم يقرأ فيه، ثم في يوم أو يومين يمكن يترك العلم كله لأن فيه صفحات بالعشرات بل بالمآت لا يفهمها حتى من رسخت قدمه في العلم، فيها صعوبة متناهية لكن لا يمنع أن يستفاد من أبواب من مواضع أخرى "أو مخالفة بتغيير السند فمدرج" المدرَج إما أن يكون الإدراج في السند أو في المتن، الإدراج في المتن ظاهر بأن يزاد في الخبر من كلام بعض الرواة ما ليس منه في أوله أو في أثنائه أو في آخره وهو الأكثر، إذا زيد في الخبر ما ليس منه زاد بعض الرواة في الخبر هذا يسمى إدراجا، والإدراج في المتن له أمثلة «أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار» «فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل» «من مس ذكره أو أنثييه فليتوضأ» إدراج في أثناء الخبر «والتحنث التعبد» كل هذه ألفاظ مدرجة في الأخبار الصحيحة من أقوال الرواة تعرف بجمع الطرق التي تنص على أن هذه اللفظة ليست من أصل الخبر، وفي بعض الجُمَل التي تزاد في الأخبار يختلف فيها أهل العلم هل هي مما أدرج أو من أصل الخبر هذا بالنسبة لمدرج المتن، وأما مدرج السند فذكره بقوله أو مخالفة بتغيير السند فمدرَج يكون عنده حديث من رواية راوٍ ثم يجد طريقًا آخر لهذا الحديث من رواية راوٍ آخر تتضمن زيادة ثم يروي الحديث بالسند الأول مع هذه الزيادة هذا إدراج في السن، قد يقول قائل أن هذه الزيادة زيدت على الخبر كلها من الحديث لكن هذه الزيادة في الطريق الثاني ولا توجد في الطريق الأول، فكأنه أدرج الإسناد الثاني في الأول؛ ولهذا قالوا هذا مدرج السند أو من صور إدراج السند مثل ما قلنا أن يكون عنده الخبر من أكثر من طريق وبعضها فيه زيادات فيجمع الألفاظ ويسوقها في إسناد واحد، في الأصل لا توجد هذه الزيادات من طريق هذا الإسناد أو يتضمن زيادة في الرواة في الطريق الثاني فيه زيادة راوي روي من طريق راوٍ بين راويين، ثم الطريق الأول لا يتضمن هذه الزيادة فيذكر الخبر بالطريق الأول وهو لا يتضمن هذه الزيادة أو العكس، أو يسوق إسنادا لحديث ثم يعرض له ما يغير لفظ الحديث إلى شيء آخر من غير قصد، كما حدث لثابت بن موسى، كما حدث في خبر "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" يحدث به شريك يذكر إسناده ثم يذكر ثابت بن موسى الزاهد ووجهه يشع نورا من العبادة فقال من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار وهو لا يريد أن يسوق حديث لذلك السند إنما ذكر هذا الخبر للمناسبة التي حصلت فيساق هذا الخبر هذا المتن على أنه متن ذلك الإسناد وصوره وأمثلته كثيرة، "أو بدمج موقوف بمرفوع فمدرج المتن أو بتقديم وتأخير فمقلوب" تقديم وتأخير، تقديم جملة على جملة يسمونه مقلوبا انقلب على راويه مثل «حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله» في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله» قالوا هذه الرواية مقلوبة والأصل فيها ما تنفق «حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» لأن الإنفاق باليمين وأطبقوا على ذكر هذا الحديث في باب المقلوب، ولكن إذا أمكن تخريجها وهي في الصحيح على وجه يصح ارتفعت دعوى القلب، أحيانا الإنسان يحتاج إلى الصدقة بالشمال ويدل لذلك حديث «ما يسرني أن لي مثل أحد ذهبا تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينارا أرصده لدين فأقول به هكذا وهكذا وهكذا» عن يمينه وعن شماله يعني يتصدق بيمينه ويتصدق بشماله ولا يوجد ما يمنع من هذا، ومن أمامه ومن خلفه، وقد تدعو الحال أن يتصدق بشماله ويكون في هذه الحالة أفضل من أجل الإخفاء، فيأتي المحتاج ويجلس عن شمال المتصدق إذا تصدق عليه بيمينه سيراه كل من  حوله، لكن لو أخرج شيئا من جيبه وأعطاه إياه بشماله أخفاها وحينئذ لا تعلم يمينه ما تنفق الشمال، أقول إذا أمكن تخريج الحديث الذي يثبت بسند صحيح إذا أمكن تخريجه على وجه صحيح لا يمكن أن يوصف بأنه ضعيف لأن المقلوب من قسم الضعيف من ذلكم حديث البروك الذي حكم عليه ابن القيم بأنه مقلوب قلب على راويه «إذا صلى أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه» قالوا انقلب هذا الحديث؛ لأن البعير يضع يديه قبل الركبتين، كيف لا يبرك كما يبرك البعير ومع ذلك يقول وليضع يديه قبل ركبتيه؟ انقلب على راويه، والصواب: وليضع ركبتيه قبل يديه، أقول: وجه الحديث وارتفاع القلب عنه أن البروك غير الوضع لأنه ما يقال برك البعير حتى يبرك وينزل بقوة على الأرض فيثير الغبار ويفرق الحصى، أما إذا وضع اليدين قبل الركبتين مجرد وضع على الأرض فإنه لا يقال برك، وحينئذ لا قلب، والأمثلة على ذلك كثيرة وكثير منها يمكن توجيهه على وجه يرتفع عنه القلب، ومهما أمكن توجيه الخبر فإنه أفضل من التسرع بالحكم عليه بهذا الحكم، يعني مرة جاءنا هذا الحديث وليضع ركبتيه قبل يديه، وجاءنا وليضع يديه قبل ركبتيه، يبقى أن الممنوع البروك و حينئذ يُنظَر في الراجح من الوجهين يبقى أن الممنوع البروك الذي يشبه بروك البعير في تفريق الحصى وإثارة الغبار، لكن أنت افترض أن شخصا فعل كما في حديث وائل بن حجر كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه نزل على الأرض بقوة على ركبتيه ماذا تقول؟! هذا طبق ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟! ما طبق.

طالب: ..........

أين؟

طالب: ..........

القوة هذه للبعير ما يقال برك البعير إلا إذا نزل بقوة.

طالب: ..........

ما هو؟

طالب: ..........

أين؟

طالب: ..........

لا، لا يبرك كما يبرك البعير، كما يبرك من هذه القوة لأنه إذا نزل على ركبتيه بهذه القوة ما يصير ربض مثل ما يربض الحمار أيهم أشد؟ المقصود أن ينزل ويضع يديه وضعا ولذلك ما تجد من المتقدمين من قال إن الحديث مقلوب ما يفهمون؟! قال فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه كما يبرك البعير من القوة والشدة متى يقال برك البعير؟ أنت إذا جئت وأنت مريض وواقف تريد أن تجلس على كنب ونزلت بقوة ما قال برك فلان؟! فبرك عمر بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- ما معناه؟! نزل بقوة على الأرض.

"أو بإبدال ولا مرجِّح فمضطرب" المضطرب عندهم هو الحديث الذي يروى على أوجه يعني يروى على أوجه على أكثر من وجه مختلفة ليست متفقة وفي الوقت نفسه متساوية، لا يمكن الترجيح بينها، يروى على أوجه أكثر من وجه، وإن كان على وجه واحد فلا اضطراب، وتكون هذه الأوجه مختلفة فإن كانت الأوجه متفقة فلا اضطراب، وتكون متساوية فإن كانت متفاوتة بعضها أرجح من بعض فلا اضطراب، لا بد من هذه القيود الثلاث ليوصف الخبر بأنه مضطرب، ومثلوا له بحديث الخط «إذا صلى أحدكم فليجعل بين يديه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يجد فليخط خطا» هذا حديث الخط يسمونه هكذا، ومثل به ابن الصلاح لأنه روي على أوجه كثيرة، لكن هذه الأوجه أمكن الترجيح بينها فانتفى الاضطراب؛ ولذا يقول الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: وهو حديث حسن ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حديث حسن، أيضا حديث «شيبتني هود وأخواتها» مثلوا له بالمضطرب وأمكن الترجيح عند الحافظ ابن حجر فانتفى الاضطراب، "أو بتغيير نقط فمصحَّف أو شكل فمحرَّف" تغيير نقط مصحَّف «من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال» صحفه الصولي فقال شيئا من شوال تغيير نقط هذا تصحيف، والشَّكل الضبط   يسمونه التحريف، مثل ما لو قلت حدثنا عبد الله لُهَيْعة وهو لَهِيْعة، غيرت الشكل غيرت الضبط هذا يسمى تحريفا، ومصنفات العلماء في التصحيف والتحريف تخلط بين هذه كلها، والتحريف كما يكون في الألفاظ يكون أيضا في المعاني وهو ما يسلكه المبتدعة في النصوص، يحرفون المعاني يحرفون الكلم عن مواضعه، يحرفون معانيه فيدخل في التحريف، وتخصيص التصحيف بالنقط والتحريف بالشكل هذا اصطلاح وإلا فأكثر أهل العلم لا يفرقون بين التصحيف الذي هو التغيير والتحريف كذلك تغيير فيجمعهما التغيير، وكما يكون للألفاظ بتغيير ضبطها أو تغيير نقطها يكون أيضًا للمعاني، "ولا يجوز إلا لعالِم إبدال اللفظ بمرادف له أو نقصه" الرواية بالمعنى لا تجوز إلا لعالم بما يحيل المعاني، الشخص الذي لا يدري إذا غيَّر اللفظ هل استحال المعنى أو تغير أو لا يتغير هذا لا يجوز له أن يروي بالمعنى، لكن من كانت لديه معرفة بمعاني الألفاظ ومدلولاتها فإن له أن يروي بالمعنى على قول الجمهور، ومنع من ذلك طائفة منهم ابن سيرين قالوا لا تجوز الرواية إلا باللفظ، لكن إذا نظرنا إلى الحديث الواحد في الصحيحين وغيرهما وجدنا أن ألفاظه تتغير من راوي إلى آخر لكن المعنى واحد، فمادام هذا موجود وبكثرة في الحديث الواحد مشبَّهات متشابهات مشتبهات حديث النعمان بن بشير وهو مخرجه واحد؛ لذا قرر عامة أهل العلم على أن الرواية بالمعنى جائزة لكن بشرطها، الذي لا يعرف مدلولات الألفاظ هذا لا يجوز له أن يتصرف، والذي لديه معرفة بمدلولات الألفاظ ومعانيها هذا أجاز له أهل العلم أن يروي بالمعنى وإلا لانسد باب الرواية، لو قيل لا يجوز الرواية إلا باللفظ كثير من الناس قد يحضره اللفظ في وقت ويغيب عنه في وقت آخر لكنه يعرف المعنى فيعبِّر عنه، وكتب السنة طافحة بمثل هذه التصرفات "ولا يجوز إلا لعالم إبدال اللفظ بمرادف له أو نقصه" النقص من الحديث يعني يرويه تامًّا ثم يرويه ناقصًا يجوز له بالشرط المتقدم: أن يكون لديه معرفة بالمعاني وما يؤثر فيها إذا نقص منها، فإذا كان المحذوف المنقوص من هذا الخبر يتوقف عليه فهم المذكور، ما تفهم الحديث إلا إذا ذكر كاملا فإنه لا يجوز لك أن تحذف منه شيئا، أما إذا كان الحديث مشتملا على جمل كل جملة تستقل بمعنى فإنه يجوز النقص منه والاقتصار على موضع الحاجة منه "لا يبع بعضكم على بعض بعض» ونهى عن بيع حبل الحبلة، ونهى عن النجش، لو اقتصرت على جملة من هذه الجمل لأنك ما تحتاج إلا هي يسوغ أو ما يسوغ؟ يسوغ لأن الجمل لا يتوقف فهم بعضها على بعض كما لو قلت {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [سورة النساء:58] لأنك تتحدث عن الأمانة هل يلزم أن تقول {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [سورة النساء:58]؟ لا يلزم، ولو تحدثت عن العدل وقلت {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [سورة النساء:58] هل يلزم أن تقول {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [سورة النساء:58]؟ ما يلزم وهذا في القرآن فالحديث من باب أولى، "فإن خفي المعنى احتيج إلى الغريب والمشكِل" إن خفي المعنى معنى اللفظ الواحد يُحتاج إلى الغريب، وإن خفي معنى الجملة احتيج إلى المشكِل، عندك كلمة غريبة لا تعرف معناها تحتاج إلى الغريب، كتب الغريب أُلف فيها الشيء الكثير، غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام وهو من أجلها وأعظمها، وكتاب النهاية لابن الأثير، والفائق للزمخشري، كتب كثيرة جدا في الغريب يحتاج إليها طالب العلم وبأمس الحاجة إليها، فإذا أشكل عليك لفظ ترجع إلى الغريب كما أنه إذا أشكل عليك لفظ من كلام الله- جل وعلا- ترجع إلى كتب غريب القرآن وإلى التفاسير، ترجع إلى كتب الغريب وترجع إلى الشروح، وترجع أيضا إلى كتب اللغة، لكن مع ذلك لا بد أن تنتبه إلى معنى اللفظة في هذا السياق ما تقف على لفظة من غريب الحديث من الكلمات الغريبة في الحديث وتأتي إلى الكتب التي تذكر المعاني المتعددة للفظ الواحد فتهجم على أول معنى وتأخذه! لا بد أن تنظر في المعنى الموافق لسياق الخبر "فإن خفي المعنى احتيج إلى الغريب والمشكل"  والمشكل يعني توجد جُمَل تخفى عليك من الأحاديث النبوية، وقد يكون هناك تعارض مع خبر آخر يكون معنى الجملة فيه لبس ولو لم يحصل فيه تعارض، أو يكون معناها ظاهرا لكنه معارَض، فإن خفي فإن كان فيها لبس من غير معارِض فكتب مشكِل الحديث ومشكل الآثار، وصنف فيه الآثار، وصنف فيه الأئمة كالطحاوي وغيره، "وإن كان ثَم معارِض فكتب مختلف الحديث" التي أشرنا إليها سابقا للإمام الشافعي وابن قتيبة وغيرهما "أو لجهالة بذكر نعته الخفي أو ندرة روايته أو إبهام اسمه" أو لجهالة يعني جعل الجهالة قسيمة للسقط والطعن "أو لجهالة بذكر نعته الخفي أو ندرة روايته أو إبهام اسمه" الجهالة يوصَف بها الراوي إذا لم يوقف على حقيقته فتُجهَل ذاته، أو تعرف ذاته فتُجهَل عينه، أو تُعرَف عينه فتجهل حاله، فإذا ذكر بنعت خفي ولا عرف، وله نعوت متعددة بعضها ظاهر يعرفه الناس به، وله نعت أو كنية تخفى على الباحثين أو لا يعتني بها من كتب في الرجال سبب ذلك في جهالته، وبعض الرواة عندهم كلَف وعندهم رغبة شديدة في إبهام الراوي وهذا يدخل في تدليس الشيوخ، أن يوصف الراوي أو ينعت أو يلقب بشيء غير ظاهر غير ما عرفه الناس به وإن كان صحيحا فلو قيل مثلا حدثني أبو صالح يريد بذلك الإمام أحمد، الإمام أحمد يعرف بأبي عبد الله له صالح وهو أكبر من عبد الله لكن شهرته بأبي عبد الله، هذا يوعِّر الوصول إلى الراوي بهذه الطريقة حتى يجزم بعضهم أنه لم يعرفه بهذه الكنية أو بهذا النعت أو بهذا اللقب أو بهذه النسبة، هذه من أسباب الجهالة جهالة الذات "أو ندرة روايته" بحيث يكون ما يرويه من الأخبار إلا القليل فيقل الرواة عنه "أو إبهام اسمه" عن فلان، عن رجل، قال بعضهم، أو حدثني بعضهم، هذه أيضا من طرق إبهام الذات، "فإن سمي الراوي" ذكر اسمه محمد بن عبد الله الخزرجي عرف اسمه واسم أبيه ونسبته وكنيته أيضًا، قد تعرف كل هذه الأشياء لكنه مقل في الرواية، لم يرو عنه إلا شخص واحد هذا يسمونه مجهول العين، "أو روى عنه أكثر من واحد ولم يوثَّق فالحال" يعني فمجهول الحال وبعضهم يسميه المستور بعضهم يسميه المستور إذا روى تفرد بالرواية عنه واحد سمي مجهول العين فإن وثقه الأئمة ارتفعت الجهالة، وإن روى عنه أكثر من واحد ولم يوثَّق فهو مجهول الحال فإن وُثِّق فهو ثقة ارتفعت عنه الجهالة، ومن أهل العلم مَن يقبل هذا النوع ويرد الذي قبله، يقبل هذا النوع الذي هو المستور ويرد الذي قبله مجهول العين، لا شك أنه أخف؛ لأنه إذا روى عنه اثنان صارت معرفته أقرب المعرفة به أقرب من ممن لم يرو عنه إلا شخص واحد، وعلى كل حال هذه الجهالة الآن جعلها المصنف قسيمة للطعن في الراوي وللسقط في السند، يعني سبب من أسباب الضعف ومسلك من مسالك الضعف إلى الخبر، لما لم يذكرها مع الطعن في الراوي مع أن ابن حجر جعلها قسيما للجرح والتعديل، ومن المهم معرفة أحوال الرواة تعديلا أو تجريحا أو جهالة، وهنا فصلها عن الطعن في الراوي، فليست من أسباب الضعف المباشِر، بمعنى أننا إذا وجدنا في رواة الخبر من قيل فيه مجهول فإننا لا نسارع إلى تضعيف الخبر بل نتوقف فيه حتى نعرف حال هذا الراوي المجهول؛ ولذا يكثر السؤال هل الجهالة طعن في الراوي أو عدم علم بحاله؟ هل هي طعن مباشر في الراوي  بمعنى أنه إذا وجد في السند راو مجهول  يقال ضعيف للجهالة في فلان أو يقال نتوقف فيه حتى نعرف حال هذا الراوي المجهول؟ وكثيرا ما يقول أبو حاتم الرازي فلان مجهول أي لا أعرفه، وهذا يؤيد أن الجهالة عدم علم بحال الراوي، لكن ابن حجر في مراتب الجرح والتعديل في مقدمة التقريب جعل الجهالة طعنا وتضعيفا للراوي مباشِر ما نتوقف حتى نعرف ما قيل فيه ونضعف الخبر بسببه، لكن إذا نظرنا إلى تصرف الأئمة المتقدمين فإنهم يجعلون الجهالة بإزاء عدم معرفة حاله، كما قال أبو حاتم في مواضع كثيرة من الجرح والتعديل، والذي لا يعرف اصطلاحات الأئمة يقع في أوهام ويضعِّف بغير برهان، كما ضعف بعضهم حديثًا في الصحيح؛ لأن أبا حاتم قال في بعض رواته مجهولا، ولا يعرف اصطلاح أبي حاتم في الجهالة وأنها عدم معرفة علم بحاله وقد عرفه غيره، إذًا لا جهالة، أبو حاتم قال في بعض الصحابة مجهول وقال في واحد منهم من المهاجرين الأولين مجهول ويعني بذلك قلة الرواية، فلا بد من معرفة اصطلاحات أهل العلم وتنزيل القواعد النظرية على مواقع الاستعمال العملية عند أهل العلم، أو لبدعة "أو لبدعة فإن لم يكفَّر قبل ما لم يكن داعية" أو لبدعة أو للاتصاف بالبدعة وهذا من أوجه الطعن في الراوي الراجع إلى عدالته؛ لأن البدعة منها البدع المغلظة المخرِجة عن الملة، ومنها البدع التي دونها فتكون مفسِّقة ولا تخرج عن الملة، هذه البدعة من ابتدع في الدين ما ليس منه وشرع واخترع في شرع الله ما لم يسبق له شرعية من الكتاب والسنة هذا يقال له مبتدع، تعبَّد بذلك يقال له مبتدع، قد توصله هذه البدعة إلى المروق من الدين من دين الإسلام، وقد تكون أقل من ذلك فالبدع منها الكبرى والصغرى كما بين ذلك الحافظ الذهبي في مقدمة الميزان، هذا المبتدع الذي اتصف بهذه البدعة "فإن لم يكفَّر قبل" مفهومه أنه إذا كفر ببدعته أنه لا يُقبَل، إذا كانت بدعته مغلظة تخرجه من الإسلام فإن روايته ترد مطلقا، مع أن ابن حجر له كلام في مثل هذا أن الرواية مدارها على الصدق، وإذا عرف من هذا الراوي الصدق فإنه تقبل روايته، وبدعته وإن كانت مغلظة إلا أنه للتأويل الذي ارتكبه يعني من غير معاندة إنما هي بنوع شبهة، فصرح جمع من أهل العلم بقبول روايته ولو كان ولو كانت بدعته مغلظة، ما لم يكن ممن يستحل الكذب؛ ولذا يقول الإمام الشافعي أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة فإنهم يشهدون بالزور لموافقيهم "أو لبدعة فإن لم يكفَّر قُبِل ما لم يكن داعيا" ابن حبان نقل الا تفاق على أن الداعية لا تقبل روايته، مع أن البخاري خرَّج لعمران بن حطان وهو من الخوارج من الدعاة إلى مذهب الخوارج، داعية خرج له في صحيحه وأجاب عنه أهل العلم بأجوبة منها: أنه روى عنه ما تحمله قبل أو حدث به قبل تلبسه بالبدعة، أو بعد أن تاب منها إلى غير ذلك من الأجوبة التي ذكرها أهل العلم، وابن حجر يقول وما المانع من قبول روايته وقد عُرِف بصدق اللهجة، ومعلوم أن الخوارج عرفوا بذلك لأنهم يرون الكذب من الكبائر والكبيرة مخرجة من الدين فهم يتحاشونها وهم أصدق طوائف البدع، أصدق من غيرهم يقول: وقد عرف بصدق اللهجة، وتعقبه العيني بقوله وأي صدق في لهجة مادح قاتل علي، عمران بن حطان مدح ابن ملجم.

فيا لها ضربة من تقي ما أراد بها

 

إلا...............................

إلى آخر الكلام هذا صادق اللهجة أو كاذب اللهجة؟ إذا كان منشأ ذلك عن ديانة ويتعبد الله بذلك وينصر ما يراه الحق، هو على باطل بلا شك مقطوع ببطلان مذهبه ومقطوع بعظم مدحه للمجرم ابن ملجم، لكن هذا مبلغه من العلم وينصر ما يراه الحق، هل نقول أنه صادق اللهجة أو كاذب؟ ينصر ما يراه الحق هو صادق في نصرته للحق على حد اعتقاده، ولذلكم لما رد شيخ الإسلام على الرازي بنقض التأسيس شدد في الرد ونقض دعائم كل أقواله وقوض مذهبه وعقيدته ونسفه نسفا.

وكذلك التأسيس أصبح نقضه

 

أعجوبة للعالم الرباني

ومن العجيب أنه بسلاحهم

 

أرداهم نحو الحضيض الداني

لكن لما سئل عن الرازي ماذا يقول؟ قال وأما أبو عبد الله بن الخطيب الرازي فيقع كثير من الناس في قصده، يعني إذا قرأت في تفسيره وهو منظِّر للبدعة ويورد الشبه بقوَّة، ويسخر من أئمة الإسلام وأئمة السنة، ماذا يقول القارئ لمثل هذا الكلام؟ لا شك أنه يتقطع غيظ على مثل هذا الكلام وعلى مثل هذا المتكلم، وتكلم على إمام الأئمة ابن خزيمة بكلام قبيح جدا ووصف كتابه كتاب التوحيد بأنه كتاب الشرك، ومع ذلك يقول يقع كثير من الناس في قصده، والذي أراه أنه ينصر ما يراه الحق يعني بغض النظر عن كون ما يراه صوابا أو خطأ، لكنه رأى أن هذا هو الحق فهو ينصره لكن هل هذا يعفيه؟ كونه يرى أن هذا الباطل حق وينصره على أنه ينصر الحق هل هذا يعفيه من التبعة وهل مثل هذا يدخله الاجتهاد؟ العقائد والأصول يدخلها الاجتهاد بحيث إذا أخطأ يكون له أجر واحد؟ أهل العلم لا يدخلون المسائل العقدية لاسميا التي يتفق عليها سلف هذه الأمة وأئمتها في باب الاجتهاد، نعود إلى عمران بن حطان وهو من رؤوس القعدية من الخوارج ومن الدعاة إلى مذهبهم خرج له البخاري وهنا ما لم يكن داعية وذاك داعية، وقلنا أن أهل العلم أجابوا عن تخريج الإمام البخاري بأنه خرج له ما رواه قبل ابتداعه أو بعده، أو ما ووفق عليه إلى غير ذلك من الأجوبة، أو لم يروِ موافقة يعني رواية موافقة لمذهبه تؤيد بدعته إذا لم يرو حديثا يؤيد بدعته فإنه يقبل، وأما إذا روى ما يؤيد بدعته فإنه يرد "أو لسوء حفظ" فحش الغلط والغفلة وسوء الحفظ كلها من أسباب الطعن في ضبط الراوي، سوء الحفظ إن كان ملازما للراوي من أول أمره إلى آخره هذا لا إشكال في رده، لكن إن كان طارئا قال "فإن طرأ فمختلط" فإن طرأ فمختلط كان حافظا ضابطا يقظا ثم طرأ عليه أن ضعف حفظه أو تغير ضبطه، طرأ عليه ذلك يسمى مختلط، وأُلِّف في الاختلاط والمختلطين مصنفات، هذا المختلط الذي تغير بأخرة إن عرف وضُبِط وقت التغير فما حدَّث به قبل التغير يقبل وما حدث به بعد التغير يرد، وما اشتبه فيه يتوقف فيه، ويعرف الرواة الذين رووا عنه قبل الاختلاط، والذين رووا عنه بعد الاختلاط، والذين رووا عنه قبل وبعد، فيعامل كل واحد في روايته عن هذا الراوي بما يناسبه، قد يختلط الإنسان ثم يورد أخبار مضبوطة متقَنة، سمعنا بعض كبار السن الذين وصلوا إلى حد الخرف تجده الأخبار التي حصلت له في أول عمره ورددها كثيرا لا يخطئ فيها، والأخبار التي تأخرت في أثناء عمره أو في آخره يخطئ فيها، المقصود أن هذا المختلط يعني من باب الاحتياط للرواية أنه بعد اختلاطه لا يتحمل منه شيء ولا يقبل منه شيء بخلاف ما كان قبل.

قال- رحمه الله- "والإسناد إن انتهى إليه -صلى الله عليه وسلم- فمرفوع" مسند فالمرفوع ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير أو وصف، والمسند يطلق بإزاء المرفوع كما أشار المؤلف "فمرفوع مسند" وقد يطلق المسند ويراد به ما ذكر إسناده بإزاء ما ذكر إسناده متصلا ويقابلون به الإرسال، وقد يطلق المسند ويراد به الكتاب التي تذكر فيه الأخبار بالأسانيد، وقد يطلق المسند ويراد به الكتاب الذي ترتب أحاديثه على مسانيد الصحابة، "فمرفوع مسند أو إلى صحابي" انتهى إلى الصحابي فما يضاف "إلى الصحابي يسمى الموقوف" "والصحابي من اجتمع به -صلى الله عليه وسلم- مؤمنا به"، من اجتمع بالنبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمنا به ومات على ذلك، فقوله من اجتمع به، وبعضهم يقول من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- والاجتماع به أولى ليدخل الأعمى "مؤمنا به ومات على ذلك" ليخرج من ارتد عن الإسلام، ويدخل من رآه واجتمع به مؤمنا به ولو ارتد بعد ذلك ثم رجع  إلى الإسلام فمات مؤمنا به -عليه الصلاة والسلام-، أما من اجتمع به -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يسلم ثم أسلم بعد ذلك لأن "مؤمنا به" حال كونه مؤمنا به، فمن آمن به بعد موته -عليه الصلاة والسلام- ولو اجتمع به فإن هذا لا يسمى صحابيا، ويذكر أهل العلم أن حديث تابعي متصل مخرج من مسند الإمام أحمد التنوخي رسول هرقل اجتمع بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وسمع منه حال كفره ثم آمن بعد ذلك وأدى هذا الخبر هو من حيث الحد ليس بصحابي بل هو تابعي، اجتمع بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه ليس بمؤمن به فهو تابعي وسمع منه -عليه الصلاة والسلام- دون واسطة فخبره متصل، أو إلى صحابي وهو من اجتمع به -صلى الله عليه وسلم- مؤمنا به، ولا بد من إضافة قيد ومات على ذلك "فموقوف" يسمى الموقوف "أو إلى تابعي فمقطوع" ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هو المرفوع، وما يضاف إلى الصحابة هو الموقوف، وما يضاف إلى من دونهم هو المقطوع، وهو غير المنقطع الذي تقدمت الإشارة إليه، وربما أطلق المنقطع وأريد به المقطوع والعكس، والمقطوع كالمرفوع والموقوف، فيه الصحيح، وفيه الضعيف، وفيه الحسن، وفيه المتصل، والمنقطع، فالمرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه ما اتصل إسناده، وفيه ما انقطع إسناده، وفيه ما صح عنه -عليه الصلاة والسلام-، وفيه ما ضعف ولم يصح ولم يثبت، وكذلك الموقوف والمقطوع، وأهل العلم يقولون متصل مرفوع، كما يقولون متصل موقوف، لكنهم لا يرون أن يقال متصل مقطوع، وإن كان هو في حقيقة الأمر الكلام صحيح يعني إذا رويت عن سعيد بن المسيب أو عن الحسن البصري أو غيرهما من التابعين بسند متصل ليس فيه انقطاع تقول متصل مقطوع أو لا تقول لكن أهل العلم لا يقولون مثل هذا، حقيقة الحال يمكن أن يوصف بأنه متصل، لكن لم يرو أن يدخل المقطوع في بحث المتصل للتنافر اللفظي بين الاتصال والقطع الآن هو مقطوع من جهة ومتصل من جهة، فالجهة منفكة بين اللفظين فلا إشكال لكن نظرا للتنافر اللفظي بين لفظي الاتصال والقطع ما رأوا أن يطلق الموصول على المقطوع، الآن الجهة واحدة أو منفكة بين الإطلاقين؟ منفكة فالوصل من جهة والوصف بالقطع من جهة أخرى، لم يرد اللفظان المتنافران على محل واحد في قوله- جل وعلا- {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ} [سورة الحـج:4] الجهة منفكة يضله عن الصراط المستقيم ويهديه إلى ماذا؟

طالب: ..........

{إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [سورة الحـج:4] الجهة منفكة فصح إطلاق اللفظين المتنافرين {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ} [سورة الحـج:4] فإذا انفكت الجهة صح الإطلاق ولو تنافر اللفظ، وأهل العلم يتحسسون من مثل هذه الأمور فلا يروا أن يطلق الموصول على المقطوع، لكن إذا كانت الجهة منفكة، دخل شخص فقال دخل الطويل القصير، تناظر الناس كيف يكون طويل قصير؟! تنافر لفظي، لكن إذا رأيت طولا في عمره مثلا وقصرا في قامته ما صار فيه إشكال لانفكاك الجهة، على كل حال هذه من المسائل التي يذكرها أهل العلم وهي في الحقيقة لا تثير إشكالا إذا عرف القصد "فإن قل عدده رجال الإسناد فعالٍ" فإن قل عدده فعالٍ، عندنا شيء يقال له العالي والنازل، والعالي ما قل عدد الرواة فيه، والنازل ما كثر عدد رواته، والعالي والعلو أفضل من النزول عند أهل العلم لأن كثرة الوسائط تكثر معها احتمالات الخلل، يعني ما من راوٍ إلا ويتصور أن يدخل الخلل إلى الخبر بسببه، فإذا قل عددهم انحصر الخلل أو أسباب الخلل في هؤلاء القلة، فإذا كثر عدد الرواة بين المصنف وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا قل العدد فالإسناد عالي، وإذا كثر العدد فالإسناد نازل، وأعلى ما في الكتب الستة الثلاثيات، وفي البخاري منها اثنان وعشرون حديثًا، سبعة عشر منها عن المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، وخمسة بأسانيد أخرى هذا أعلى ما في كتب السنة الستة من العوالي، وفي المسند أكثر من ثلاثمائة حديث ثلاثيات، والسبب في ذلك تقدم الزمن، وأنزل ما في الكتب الستة حديث سورة الإخلاص الذي خرجه النسائي وفي إسناده ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض بواسطة، أحد عشر راويا، وأنزل ما في البخاري حديث تساعي، يعني فيه الثلاثي، وفيه تساعي، بين البخاري وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- تسعة من الرواة «ويل للعرب من شر قد اقترب» حديث زينب المشهور، وأما مسلم فليس فيه ولا حديث ثلاثي، الترمذي فيه حديثان أو ثلاثة، وابن ماجه كذلك، وأبو داود النسائي ليس فيه قطعا، وأبو داود يختلفون في حديث أبي برزة في الحوض هل هو ثلاثي أو رباعي؟ قد يقول قائل كيف يختلف فيه ثلاثي أو رباعي والسند أمامنا والمسألة عدد واحد اثنان، ثلاثة، أربعة، أو ثلاثة كيف يختلف في الحديث هل هو ثلاثي أو رباعي؟ أصل القصة ثلاثية، والخبر الذي هو الحديث عن الحوض دخل فيه رجل بين أبي برزة وبين من روى عنه حيث قال الراوي عنه: حدثني رجل كان في السماط يعني داخل معهم في خلوتهم أن أبا برزة حدث ابن عامر بقوله إلى آخر حديث الحوض، فوجود هذه الواسطة بين الراوي بين أبي برزة وبين التابعي فصار الخبر المرفوع رباعيا والقصة ثلاثية "فإن قل عدده فعالٍ" يعني وإن زاد عدد الرواة فنازل، والعلو في الحديث مرغوب عند أهل العلم وأمنية أحدهم في مرض موته بيت خالٍ وسند عالي، "فإن وصل إلى شيخ مصنف لا من طريقه فموافقة" يروي حديث الأعمال بالنيات عن الحميدي من غير طريق البخاري هذه موافقة وافق فيها البخاري "أو شيخ شيخه فصاعدا فبدل" يرويه عن طريق راو عن سفيان شيخ الحميدي ابن عيينة هذا يقولون بدل، "فإن ساوى أحد المصنفين فمساواة" الحافظ العراقي وهو في القرن التاسع وأوائل العاشر عنده تساعيات، والبخاري وهو في منتصف القرن الثالث عنده حديث تساعي، هذه مساواة في عدد الرواة والوسائط بين العالم المصنف وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه مساواة لكنها بالنسبة للحافظ العراقي عالية أو نازلة؟ عالية جدًّا، وبالنسبة للبخاري نازلة جدًّا؛ لأنه ليس النظر متمحضا في عدد الرواة فقط بل في الزمن؛ لأنك لو نظرت فيمن يساوي البخاري من الرواة في سند الحافظ العراقي الذي يروي به الحديث من طريق تسعة وجد العراقي يرويه يمكن من حديث ثلاثة فهو عالي بالنسبة له، "فإن ساوى أحد المصنفين فمساواة وساوى تلميذه فمصافحة" ساوى تلميذ البخاري في عدد الرواة، البخاري روى هذا الحديث التساعي وبينه وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- تسعة، الحافظ العراقي عنده هذا الحديث عشاري الحافظ العراقي لا يساوي البخاري في هذه الحالة وإنما يساوي تلميذ البخاري، قالوا والعادة أن التلميذ إذا رأى شيخه صافحه فقالوا هذه مصافحة، ويقابله النزول بأن يكثر عدد الرواة فيقابل العوالي، والأمثلة مثل ما ذكرنا، "أو روى عن قرينه فأقران" ابن عمر روى عن ابن عباس هذه رواية الأقران، عائشة روت عن ابن الزبير رواية أقران، وقل مثل هذا فيمن دونهم من التابعين، ومن بعدهم هذه رواية الأقران، يروي الزميل عن زميله يسمونه رواية الأقران، "أو كل عن الآخر فمدبَّج" يعني روى ابن عمر عن ابن عباس، وروى ابن عباس عن ابن عمر، يسمونه مدبَّجا، "أو عمن دونه فأكابر عن أصاغر" إذا روى عن زميله عن قرينه رواية الأقران، روى القرين الثاني عنه مدبَّج، إذا روى عمن دونه يعني عمن أصغر منه عن تلميذ من تلاميذه فرواية الأكابر عن الأصاغر، ومن ذلكم رواية النبي -عليه الصلاة والسلام- عن تميم الداري حديث الجساسة في صحيح مسلم، "ومنهم آباء عن أبناء" منه رواية الآباء عن الأبناء وهذا قليل مثل رواية العباس عن ابنه الفضل، يروي الأب عن ابنه رواية أكابر عن أصاغر، رواية الآباء عن الأبناء، لكن العكس كثير رواية الآباء عن الأبناء، يروي عن أبيه هذه جادة مطروقة كثيرة، فيروي عن أبيه عن جده هذا فيه سلاسل مشهورة، عمرو بن شعيب  عن أبيه عن جده، بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده هذا كثير، يعني ليس نادرا، لكن العكس رواية الأب عن الابن هذا قليل "ومنه آباء عن أبناء وإن تقدم" إلى آخره.

نقف على هذا.

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

"