شرح علم أصول الفقه من النقاية (2)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى- العام والخاص" يقول: "العامُّ ما شمل فوق واحد" لا بد من التعدد في أفراد العام ليصبح عاما وإلا فخاص، لو لم يتعدد صار خاصا فلو لم يتعدد لا فرق بينه حينئذ وبين الخاص ولا يمكن تخصيصه، لا يمكن إخراج بعض أفراده وهو فرد واحد، فالعام ما شمل فوق واحد يعني اثنين فأكثر، "والتخصيص يخرج بعض أفراده ولفظه" يقول المؤلف "ولفظه" يعني الألفاظ والصيغ التي تدل عليه لأنه قال: "ولفظه" المقصود ألفاظه يعني ليس هو لفظ واحد لكنه مفرد مضاف وهو من ألفاظ العموم أيضا، يعني إذا قلت اللهم اغفر لي ذنبي وفرج همي أنت تقصد ذنب واحد أو جميع الذنوب؟ فرج همي هم واحد أو جميع الهموم؟ المفرد المضاف يعم وهذا من ألفاظه يعني من صيغه، ولم يذكره في ألفاظه وصيغه، فهل نقول أنه أشار إليه بقوله ولفظه، هو ذكر الألفاظ والصيغ ولم يذكر منها المفرد المضاف وهو أيضا على كل حال لم يستوعب الصيغ ولا الألفاظ؛ لأن الكتاب موجَز في غاية الإيجاز "ولفظه ذو اللام" يعني المعرَّف بـ(ال) ويقتصرون من (ال) على اللام ذو اللام، سواء كان مفردا أو جمعًا {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ} [سورة العصر:1-2] معرف بـ(ال) وهو مفرد لكنه يعم جميع الناس {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [سورة العصر:2] والجمع {اقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} [سورة التوبة:5] (ال) هذه للاستغراق ثم بعد ذلك يدخل التخصيص كما دخل التخصيص في الإنسان بـ(إلا) {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا} [سورة العصر:2-3] هذا تخصيص، دليل العموم وجود الاستثناء {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ} [سورة التوبة:5] جاءت مخصصات بأهل الكتاب الذين دفعوا الجزية، والمعاهَد وغيره، ذو اللام يعني المعرَّف بـ(ال) سواء كان مفردا أو مضافا "ومَن فيمن يعقل تفيد العموم وما فيما لا يعقل" {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} [سورة الأنبياء:98] صيغة عموم جميع ما تعبدون من دون الله حصب جهنم لكنها فيما لا يعقل، أو خصت بمن عبد من دون الله وهو راضي، "ومَن وما وأي" يعني كما في قول السيد أي عبيدي فعل كذا فهو حر تشمل جميع من اتصف بهذا القيد، أيُّ عبد من عبيدي صنع كذا فهو حر فهي تشمل عامة في كل من اتصف "وأين" في المكان أينما كنتم يعني في مكان وجدتم، "ومتى" في الزمان أيضا تعم جميع الأزمنة، "ولا" في النكرات إذا قلت لا رجلا في الدار يعني نفي لعموم الجنس، والنكرة أيضًا في سياق النفي كما هنا وفي سياق النهي وغيرها من الصيغ التي تدل على العموم مما ذكره أهل العلم في الكتب المؤلفة في الأصول سواء كان منها المتوسطة أو المطولة، لكن هذا الكتاب على اختصاره وإيجازه لا يستوعب كل شيء "ولا عموم في الفعل" العموم من خواص الألفاظ من خواص القول وأما الفعل لا عموم له، النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع في السفر وقصر الصلاة في السفر وأفطر وصام في السفر لكن هل يعم كل سفر؟ هل هذا الوصف له عموم؟ هذا فعل ويُنظَر إليه مع النصوص الأخرى إذ لا عموم له، إذ العموم من خواص القول هو الذي له عموم؛ ولذا إذا تعارض فعله -عليه الصلاة والسلام- مع نص من قوله -عليه الصلاة والسلام- إذا وجد التعارض فمن أوجه الجمع عند أهل العلم أن يقال الفعل خاص به -عليه الصلاة والسلام- والقول للأمة؛ لأنه يعم، "والتخصيص تمييز بعض الجملة" يعني بعض أفراد العام وإخراج بعضها بالمخصصات؛ لأن العموم في الأفراد كما أن الإطلاق في الصفات فإخراج بعض ألفاظ بعض أفراد العام تخصيص، وهنا قال: "تمييز بعض الجملة بشرط ولو مقدما".. إلى آخره، فإذا جاء اللفظ العام الذي يشمل اثنين فصاعدا ثم جاء ما يقصره على بعض أفراده بإخراج بعضها بصفة أو شرط او استثناء أو ما أشبه ذلك فإنه يُخَص به، "والتخصيص تمييز بعض الجملة بشرط ولو مقدَّمًا" إن جاءك زيد فأكرمه يعني خصصت الإكرام بالمجيء بالشرط الذي هو المجيء معناه أنك لا تكرمه إذا لم يحضر، "وصفة" كما في قولهم أكرم بني تميم الفقهاء يعني منهم دون عامتهم، لكن إذا كان بهذه الصيغة أكرم بني تميم الفقهاء، لو جاء نص يقول أكرم بني تميم ثم جاء نص آخر منفصل عنه أكرم الفقهاء من بني تميم هل يخص به أو لا يخص؟ أكرم بني تميم الفقهاء كأنه قال أكرم الفقهاء من بني تميم يعني لا تكرم غيرهم، لكن لو قال أكرم بني تميم ثم بعد مدة قال أكرم الفقهاء من بني تميم يخص به أو لا يخص؟ لا يخص لماذا؟ لأن هذا تنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق لا مخالف، المتكلم حينما تكلم بقوله أكرم الفقهاء من بني تميم فقط هو يقصد الفقهاء، لكن لما قال أكرم بني تميم يقصد العموم ثم بعد ذلك أكد على الفقهاء بنص آخر للاهتمام بهم والعناية بشأنهم وهذا لا يقتضي التخصيص ففرق بين هذا وهذا، قال: "ويُحمَل المطلق على المقيَّد" مطلقًا؟ أو في صور دون صور؟ المطلق والمقيد إما أن يتفقا في الحكم والسبب وحينئذ يحمل المطلق على المقيد بالاتفاق {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [سورة المائدة:3] هذا مطلق مع قوله- جل وعلا- {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً} [سورة الأنعام:145] فقُيِّد هنا بكونه مسفوحا فيحمل المطلق على المقيد فلا يحرم كل دم إنما يحرم المسفوح فقط لأنهما اتفقا في الحكم والسبب، الحكم التحريم والسبب النجاسة، إذا اختلفا في الحكم والسبب فإنه لا يُحمَل المطلق على المقيد، فاليد مطلقة في آية السرقة وهي مقيَّدة في آية الوضوء إلى المرافق هل يقطع السارق إلى المرفق حملا للمطلق على المقيد؟ لا، لماذا؟ للاختلاف في الحكم وفي السبب أيضًا الاتفاق والاختلاف في الأمرين هذا أمرهما ظاهر، لكن إن اتفقا في الحكم دون السبب أو في السبب دون الحكم، اتفقا في الحكم دون السبب الرقبة في كفارة الظهار مطلقة أو مقيدة؟ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} [سورة المجادلة:3] مطلقة، وفي آية القتل {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} [سورة النساء:92] مقيدة السبب واحد أو مختلف؟ مختلف هذا ظهار وهذا قتل، لكن الحكم واحد وهو وجوب العتق في الصورتين يُحمَل المطلق على المقيد عند جماهير أهل العلم عند الجمهور، يحمل المطلق على المقيد في هذه الصورة عند الأكثر للاتفاق في الحكم وإن اختلف السبب، العكس إذا اتحد السبب واختلف الحكم كاليد في آية الوضوء مقيدة بكونها إلى المرافق، وفي آية التيمم مطلقة السبب واحد وهو الحدث، والحكم مختلف هذا غسل وهذا مسح، هذا غسل بالماء، وهذا مسح بالتراب، فالحكم مختلف فيُحمَل المطلق على المقيد أو لا يحمل؟ لا يحمل المطلق على المقيد عند الجمهور للاختلاف في الحكم، وحينئذ يكون المدار على الاتفاق في الحكم فإذا اتفقا في الحكم حمل المطلق على المقيد وإن اتحد السبب فهذا لا خلاف فيه، وإن اختلف السبب فالجمهور على أنه يحمل، لكن إن اختلف الحكم فلا حمل حينئذ وإن اتحد السبب "ويحمل المطلق على المقيد بها" أي بالصفة؛ لأن التقييد تقليل أوصاف، المطلق واستثناء بشرط، "وصفة واستثناء" يكون التخصيص أيضا بالاستثناء، وحروف الاستثناء معروفة إلا وغير وسوى بشرط أن يتصل ولا يستغرق، بشرط أن يتصل، إذا قلت له عَلَيَّ مائة ثم سكتّ ثم قلت بعد حين إلا عشرة هذا متصل أو منقطع؟ منفصل ليس منقطع هذا منفصل وليس بمتصل ولا يستثنى به ولا يخصص به ولا يستغرق، إذا قلت له عليَّ مائة إلا مائة كم يثبت في ذمتك؟ كم؟ المائة كاملة تثبت لأنه استغرق والمستغرق لا عبرة به لا يعتد به؛ لأنه من شرط صحة الاستثناء أن يتصل وألا يستغرق فإن انفصل ما نفع وإلا كان ما يحنث أحد ولا يأثم أحد، إذا قلت والله لأفعلن كذا ثم غدا أو بعده قال: إن شاء الله استثنيت لكن ما ينفعك لأنه غير متصل، طيب في حديث حرمة مكة وفيه الاستثناء لما حرم النبي -عليه الصلاة والسلام- «إن الله حرم مكة لا يختلى خلاها ولا يقطع شجرها ولا ينفر صيدها» فقال العباس إلا الإذخر، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- «إلا الإذخر» النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قال مباشرة مع الكلام بدون انفصال إلا الإذخر حتى قال له العباس رضي الله عنه وأرضاه إلا الإذخر فقال «إن الإذخر» فمن أهل العلم من يقول إن الله أوحى إليه هذا الاستثناء بعد مشورة العباس رضي الله عنه وأرضاه، ومنهم من يقول إن الانفصال اليسير ما يضر وعلى هذا لو قلت في المجلس والله لأفعلن كذا ثم قلت في المجلس إن شاء الله يعني ما طال الفصل نقول ينفعك لكن لو طال الفصل ما ينفعك، وهنا يقول بشرط أن يتصل ولا يستغرق "ويجوز من غير الجنس" ويسمى الاستثناء المنقطع إذا كان المستثنى من غير جنس المستثنى منه صار منقطعا، قام القوم إلا حمارا، جاء القوم إلا الحمير، هذا استثناء منقطع لأنه من غير الجنس، طيب ماذا عن الاستثناء في الإقرار من غير الجنس؟ له عندي ألف إلا ثوبا، هذا من غير الجنس ينفع أو ما ينفع؟ بحيث نحسم قيمة الثوب من الألف على كلام المؤلف ويجوز من غير الجنس أنه ينفع كم الثوب؟ قيمته مائة إذًا في ذمتك تسعمائة، هذا ما قرره المؤلف ولا شك أن نية المتكلم وقصد المتكلم له مدخل لأنه أحيانا أيضا تحديد الثوب هنا ثوب يستغرق الألف كلها وحينئذ لا يصح استثناؤه، وإذا كان لا يستغرق الكمية على كلام المؤلف أنه يجوز من غير الجنس فيستثنى قيمته من المبلغ وينتهي الإشكال "ويجوز من غير الجنس وتقديمه" يعني يجوز تقديم الاستثناء تقول إلا مائة عندي لزيد ألف فيثبت في ذمتك تسعمائة درهم، "وتخصيص الكتاب به" يجوز تخصيص الكتاب بالكتاب وهذا محل اتفاق للاتحاد في القوة، وإذا جاز نسخ الكتاب بالكتاب فمن باب أولى أن يجوز تخصيص الكتاب بالكتاب لأن النسخ رفع كلي للحكم والتخصيص رفع جزئي يجوز تخصيص الكتاب بالكتاب {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [سورة البقرة:221] جاء التخصيص بجواز نكاح المحصنات من الذين أوتوا الكتاب، لا يجوز نكاح المشركات هذا اللفظ العام حتى يؤمن حتى هذه الغاية، جاء حِل نساء أهل الكتاب ونساؤهم حل لكم هذا تخصيص بالكتاب للكتاب، يبقى النظر في دخول نساء أهل الكتاب أو دخول أهل الكتاب في المشركين هل يقال لأهل الكتاب هم مشركون أو لا يقال هم مشركون؟ أما كونهم كفار والجنة حرام عليهم بالاتفاق هذا محل إجماع بين أهل العلم، ومن شك في كفرهم كفر إجماعا هذا ليس فيه إشكال بالنسبة لهذا الكتاب كفار والجنة عليهم حرام ما هو النقاش في هذا لكن هل يدخلون في مسمى المشركين لنحتاج إلى استثناء وتخصيص من قوله جل وعلا {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [سورة البقرة:221] أو لا نحتاج؟ هم عبدوا المسيح وعبدوا عزير فهل يقال هم مشركون أو فيهم شرك؟ من أهل العلم من يرى أنهم مشركون ويحتاجون إلى تخصيص؛ لأن اليهود عبدوا عزيرا، والنصارى عبدوا المسيح فهم أشركوا فهم داخلون في عموم المشركين ويحتاجون إلى مخصص والمخصص موجود من الكتاب نفسه، ومنهم من يقول أنهم لا يدخلون في النص أصلا لأنهم ليسوا مشركين وإنما فيهم شرك ولا يحتاجون إلى تخصيص والخلاف لفظي أو له أثر؟

طالب: ...........

له أثر أو ما له أثر؟

طالب: ...........

ما هو؟ في ماذا؟

طالب: ...........

الزواج لا، عندنا مخصص لو صاروا مشركين.

طالب: ...........

{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [سورة البينة:1] المقصود أن المسألة التي معنا الحكم فيها لا يختلف نساؤهم حلال سواء قلنا مشركين وأوردنا المخصِّص أو قلنا ليسوا بمشركين ولا يدخلون في النهي أصلا، فالخلاف فيما يظهر لفظي، طيب يدخلون في {اقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [سورة التوبة:5] إذا قلنا هم مشركون دخل وإذا قلنا غير مشركين نحتاج إلى نص آخر لنقاتلهم والنصوص كثيرة، النبي -عليه الصلاة والسلام- قاتلهم على كل حال، يقول: "وتخصيص الكتاب به" ومن الأمثلة التي ذكروها {لاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [سورة البقرة:221] مع {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} [سورة المائدة:5] ونساؤهم حل لكم، "وتخصيص الكتاب به وبالسنة" نعم يخصص الكتاب بالسنة والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر، طيب الذي ينازع في نسخ الكتاب بالسنة هل ينازع في تخصيص الكتاب بالسنة؟ لا، لماذا؟ لأن النسخ رفع كلي للحكم والتخصيص رفع جزئي، والتخصيص يحصل بما دون السنة فضلا عنها، "وهي " أي السنة "تخصص بها" أي بالسنة فمثلا حديث «فيما سقت السماء العشر» فيما وما من صيغ العموم على ما تقدم، فيما سقت السماء العشر يعني قل أو كثر، ثم جاء التخصيص في قوله -عليه الصلاة والسلام- «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» فهذا تخصيص للسنة بالسنة "وهي بها وبه" أي بالكتاب فتخصَّص السنة بالكتاب، "وهما" يعني الكتاب والسنة "بالقياس" يخصص النص من الكتاب والسنة بالقياس لأنه يستند إليهما ومعولة عليهما فاكتسب القوة منهما، هناك مخصصات كثيرة ذكرها أهل العلم، منهم من قال أنه يخصص النص بالعقل يعني {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [سورة الأحقاف:25] الريح التي أرسلت على عاد قوم هود قال الله عنها {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [سورة الأحقاف:25] هل دمرت السموات والأرض؟ لا، {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} [سورة النمل:23] بلقيس مكلة سبأ أوتيت من كل شيء، هل أوتيت مما أوتي سليمان؟ لا، فيرى مثل هذا تخصيصا بالعقل، لكن هل في هذا مستمسك لمن يسترسل وراء العقل الملوَّث والفطرة التي اجتالتها الشياطين فيعمل عقله ورأيه في النصوص؟! العقول المنحرفة التي انحرفت عن الفطرة هل يقال أن مثل هذا الكلام يفيدهم فيما يذهبون إليه؟! العبرة بالفطر السليمة التي لم تجتالها الشياطين وأما من كان هواه تبع لنفسه وشيطانه فإن مثل هذا لا يعوَّل على عقله ولا على اختياره وإلا كثير من يكتبون الآن يقولون لدينا عقول نميز، حكم هذه العقول في النصوص وينحون في ذلك منحى الاعتزال في تقديم العقل على النص وإذا كان رؤوس المعتزلة يأوون إلى أصول وإلى قواعد وضوابط عندهم على حد زعمهم وإن كانت غير معتبرة في الشرع لكن هي قواعد منضبطة عندهم لكن هؤلاء يأوون إلى ماذا؟ لا إلى شيء ليس عندهم شيء ولا قواعد ولا ضوابط فضلا عن أن تكون هذه الضوابط والقواعد معتبرة لا عند المعتزلة ولا عند غيرهم، فالنص يقضي على غيره، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، لا اجتهاد مع النص "والمجمَل ما افتقر للبيان" المجمَل ما افتقر إلى البيان لفظ يحتمل أكثر من معنى فلا بد من بيانه، والبيان منه -عليه الصلاة والسلام- لأنه هو الذي يبين ويوضح ويفسر النصوص، نصوص الكتاب مفسَّرة بالسنة ومبيَّنة ووظيفته -عليه الصلاة والسلام- البيان، وكذلك في السنة ما هو مجمل بينه النبي -عليه الصلاة والسلام- في وقت الحاجة؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، والبيان إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي، اللفظ المحتمِل المجمل الذي يحتمل وجوه ومعاني متعددة بيانه يخرجه من هذا الإشكال إلى حيز التجلي والوضوح، "والنص ما لا يحتمل غير معنى واحد" النص لا يحتمل إلا معنى واحدا ليس له احتمالات متعددة، والظاهر والمؤوَّل يحتمل أكثر من معنى فالأظهر منهما يسمى ظاهرا، والمعنى الآخر المقابل للأظهر الذي هو الأخفى يسمى مؤولا، فإذا قلت رأيت زيدا شخص معروف عند المتكلم والمخاطبين هذا نص، وشخص غير معروف عند المخاطَبين اسمه زيد ماذا يكون؟ مجملا يحتاج إلى بيان، تقول زيد بن فلان، وعند أهل الحديث يسمونه مهملا يحتاج إلى بيان، زيد غير معروف عند المخاطبين يسمى مجمل لا بد من بيانه بذكر نسبه وبعض أوصافه، وزيد معروف عند المخاطبين هذا نص، زيد مشهور عند المخاطبين وعندهم أيضا واحد اسمه زيد غير مشهور مثل شهرة الأول فحمله على الأول هو الظاهر وحمله على الثاني مؤوَّل، يقول "فإن حمل على الآخر لدليل فمؤول" فإن حمل على الآخر لدليل فمؤول يعني أنت إذا قيل لك أسد على ما تقدم في الحقيقة والمجاز أيهما أظهر كونه في الحيوان المفترس أو في الرجل الشجاع؟ في الحيوان المفترس هذا الظاهر منه وحمله على الرجل الشجاع لدليل يقترن بذلك هذا مؤول، وأمثلة الأصوليين في هذا الباب من آية الصفات ولا داعي لذكر ما ذكروه لأنهم ينحون منحى التأويل ولا مدخل له في هذا الباب، "والنسخ رفع الحكم الشرعي بخطاب" الرفع هو الإزالة ويراد به هنا الرفع الكلي، وقد يستعمل النسخ عند المتقدمين في الرفع الجزئي فيسمون التخصيص نسخا ويسمون التقييد نسخا؛ لأنه رفع جزئي، لكن الذي استقر عليه الاصطلاح أن التخصيص شيء رفع جزئي والنسخ رفع كلي للحكم وهذا الذي استقر عليه الاصطلاح وعليه بنيت مؤلفات العلوم، "رفع الحكم" هذا نسخ الشرعي، أما الأحكام العرفية والعادية وما أشبه ذلك لا تسمى نسخا ولو رفعت والمراد بذلك النسخ الاصطلاحي "الشرعي بخطاب من الشارع" فالنسخ من خواص النصوص، إذا كان أقوى الأدلة بعد النصوص الإجماع لا يَنسخ ولا يُنسَخ به ولا يُنسخ لماذا؟ لأن النسخ من خواص النصوص وأما بالنسبة للإجماع فلا يَنسخ ولا يُنسخ وقد يدل على ناسخ، فبعض الأحكام يقرر أهل العلم أنها منسوخة للإجماع على خلاف حكمها طيب أين الناسخ؟ الإجماع دل على وجود ناسخ ولو لم نطلع عليه ما يقولون الإجماع ناسخ إنما الإجماع دل على وجود ناسخ، قالوا عن قتل المدمن أنه منسوخ طيب ما الناسخ؟ قالوا الإجماع دل على وجوده، الإجماع دل على وجود الناسخ ولو لم نطلع عليه مع أن الخلاف في ثبوت الحكم معروف منهم من يثبته مطلقا إذا شرب الرابعة فاقتلوه، ومنهم من يقول هو تعزير إن ارتدع الناس بالحد وإلا قتل المدمن منهم وهذا يميل إليه شيخ الإسلام وجمع من أهل العلم، على كل حال النسخ من خواص النصوص "رفع الحكم الشرعي بخطاب" يعني بخطاب شرعي "رفع الحكم الشرعي الثابت بخطاب شرعي بخطاب شرعي آخر متراخٍ عنه" فالذي يثبت بالبراءة الأصلية ثم يرد حكم مخالف لما كان عليه الناس في الأصل هل نقول أن هذا نسخ؟ لا، لأن الحكم السابق لم يثبت بخطاب شرعي إنما ثبت بالبراءة الأصلية، ومثل هذا لا يقال له نسخ وإلا فجميع الأحكام ناسخة بالبراءة الأصلية، طيب المخرَج بغاية هل يعد منسوخا؟ في آخر الزمان إذا نزل المسيح لا يقبل إلا الإسلام، لا يقبل جزية ولا غيرها، الجزية مقررة بنص القرآن فهل نقول أن المسيح ينسخ ما جاء في القرآن؟ لا، لكن هذا الحكم مغيَّى بغاية إلى أن ينزل المسيح فلا يقبل إلا الإسلام؛ لأن المخرج بغاية لا يدخل في هذا الباب، "ويجوز إلى بدل وهذا هو الكثير" القبلة نسخت إلى بيت المقدس وأبدلت بالاتجاه إلى الكعبة هذا نسخ إلى بدل، "وإلى غير بدل" كصدقة النجوى، من أراد أن يناجي النبي -عليه الصلاة والسلام- عليه أن يقدم بين يدي نجواه صدقة ثم نسخ هذا الحكم، ما الذي حل محله؟ لم يحل محله شيء، يعني إلى غير بدل، "إلى بدل وغيره وأغلظ" يعني النسخ من الأخف إلى الأغلظ وعكسه من الأغلظ إلى الأخف، وأغلظ كنسخ التخيير في الصيام إلى الإلزام به، أول ما فرض رمضان مخير بين أن يصوم وبين أن يطعم لكن ذلك نسخ بقوله {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [سورة البقرة:185] أيهما أخف الإلزام بالصيام أو التخيير؟ التخيير فنسخ الأخف إلى الأغلظ وعكسه، كانت عدة المتوفى عنها سنة إلى الحول فنسخت إلى أربعة أشهر وعشرة أيام من الأغلظ إلى الأخف، "ونسخ الكتاب به" يعني الكتاب ينسخ الكتاب {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [سورة البقرة:106] كآيتي العدة كلاهما ثبت بالقرآن "وبالسنة" يعني الكتاب يُنسَخ بالسنة على ما مشى عليه المؤلف، وكثير من أهل العلم يرى أن السنة لا تنسخ القرآن يرى أن السنة لا تنسخ القرآن لماذا؟ لأن الأضعف لا ينسخ الأقوى مع أن السنة إذا ثبتت كانت بمنزلة القرآن؛ لأنها وحي، نعم ثبوتها لا شك أنه يختلف في الاشتراط عند أهل العلم  القرآن ثبوته قطعي والسنة سيأتي الكلام فيها فهي أقل منه من هذه الحيثية لكنها وحي {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [سورة النجم:3-4] والمحقق والمقرر عند أهل التحقيق أن السنة تنسخ القرآن وينسخها القرآن "وبالسنة" على خلاف بين أهل العلم، "وهي" أي السنة "تُنسَخ بهما" أي بالكتاب والسنة، فالكتاب ينسخ الكتاب، والكتاب ينسخ السنة وهذا محل اتفاق، والسنة تنسخ الكتاب عند أهل التحقيق وعليه جرى المؤلف، والسنة تنسخ السنة وهذا كثير، وأُلِّف في النسخ كتب كثيرة، الناسخ والمنسوخ في القرآن أكثر من كتاب، والناسخ والمنسوخ في السنة أيضا أكثر من كتاب، وفيها من الأمثلة الشيء الكثير على خلاف بين أهل العلم في بعض الأمثلة حينما تضيق المسالك عند أهل العلم للتوفيق والجمع بين هذه النصوص منهم من يلجأ إلى القول بالنسخ وإن لم يقم الدليل على تأخر أحد النصين، وهذا هو الذي وسع كتب الناسخ والمنسوخ، وعند أهل العلم أن آية السيف نسخت سبعين آية، وهذا قد لا يعجب كثير من الذين يكتبون الآن ومن يتصدرون في القنوات وغيرها ووسائل الإعلام، لا يعجبهم مثل هذا الكلام، الذي يعجبهم أن آية السيف نسختها سبعون آية من أجل التعايش، الإسلام ليس بدين عدوان وإنما هو رحمة للعالمين، لكن أيضا فيه نصوص مقرَّر ثابتة محكمة لا تتغير ولا تتبدل، أما ننهزم أمام أعدائنا بسبب ضعفنا هذا لا يأتي به شرع، نعم قد تكون الظروف غير مناسبة لبعض الأحكام فلا يجوز إلغاؤها لكن تأجيلها إلى الوقت المناسب، المقصود أن آية السيف عند أهل العلم يقولون نسخت سبعين آية مع إمكان الجواب عن كثير منها، أنا لا أقول سبعين بالتحديد لكنها نسخت آيات، وأيضًا الناسخ والمنسوخ في السنة كثير ومن أفضل ما كتب: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي، وذكر في مقدمة الكتاب أكثر من خمسين وجها للتوفيق والجمع بين النصوص إذا أعيت وأعجزت، هذه الخمسون وجها لا مانع من اللجوء إلى القول بالنسخ لكن لا بد من معرفة المتقدم من المتأخر، والأصل الأول والمصدر الأول من مصادر التشريع الذي هو الكتاب انتهت مباحثه في هذا المختصر، والآن يبدأ المؤلف- رحمه الله تعالى- بالمصدر الثاني الذي هو السنة، والأصل الثاني من أصول الاستدلال السنة، يقول -رحمه الله تعالى- "السنة قوله -صلى الله عليه وسلم- حجة" السنة ما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير أو وصف والسنة حجة بلا نزاع بين أهل العلم في الجملة وإن اختلفوا في بعض المفردات على ما سيأتي، "قوله -صلى الله عليه وسلم- حجة بلا نزاع"، فإذا قال -عليه الصلاة والسلام- «صلوا كما رأيتموني أصلي» هل لأحد أن يقول لا، أنا لي صلاة غير صلاته -عليه الصلاة والسلام-، الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو القدوة والأسوة فالقول حجة ما اختلف فيه، "وأما فعله" فيحتاج إلى شيء من التفصيل، "وأما فعله فإن كان قربة" مما يتقرب به إلى الله- جل وعلا- "ودل دليل على الاختصاص به فظاهر أن يحمل عليه" يتقرب به إلى الله- جل وعلا- وفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- تقرب إلى الله- جل وعلا- كالوصال في الصيام هذا يقتدى به أو لا يقتدى به؟ لا يقتدى به؛ لأنه دل الدليل على أنه من خصائصه، وجوب التهجد عليه -عليه الصلاة والسلام- دل الدليل على أنه من خصائصه وإن بقي حكم التهجد وأنه مستحب بل من أفضل الأعمال، "ودل الدليل على الاختصاص به فظاهر أنه يحمل عليه وإلا حُمل على الوجوب" حمل على الوجوب لأدلة كثيرة تدل على ذلك كقوله -عليه الصلاة والسلام- «صلوا كما رأيتموني أصلي» وهي أفعال كما رأيتموني، القول لا يرى وإنما الذي يرى الفعل ودل الدليل على وجوب الاقتداء به في صلاته «خذوا عني مناسككم خذوا عني مناسككم» والأخذ كما يقول من القول يكون أيضا من الفعل "وإلا حمل على الوجوب" لأنه -عليه الصلاة والسلام- هو الأسوة وهو القدوة، ومن أهل العلم من يقول الفعل لا يرتقي إلى الوجوب وإنما يحمل على الندب، ومنهم من يقول بالتوقف، إذا عمل النبي -عليه الصلاة والسلام- عملا يتعبد به ويتقرب به إلى الله- جل وعلا- ولم يدل الدليل على اختصاصه به، لم يدل الدليل على الوجوب ولا على الاستحباب والندب نتوقف، هل يتوقف في القول بالوجوب أو الندب أو يتوقف في الامتثال؟ بالجزم هل هو للوجوب أو للندب هذا مقتضى التوقف، لا التوقف في الامتثال؛ لأن أقل أحواله الندب وهو الأسوة ولكم في رسول الله أسوة حسنة، "أو توقف أقوال" يعني خلاف بين أهل العلم هل فعله -عليه الصلاة والسلام- يدل على الوجوب أو يدل على الندب أو يتوقف فيه حتى يدل دليل خارجي من قول أو أمارة أو قرينة تدل على الإلزام، والأصل أنه -عليه الصلاة والسلام- هو القدوة وهو الأسوة، "أو غيرها" يعني غير قربة، فإن كان قربة هذا انتهى الكلام فيه، وإن كان غير قربة "فالإباحة" الإباحة إذا لم يدل الدليل على اختصاصه به، لكن إذا دل دليل على اختصاصه بهذا المباح يباح أو ما يباح؟ كالزيادة على أربع في النكاح لا، هذا خاص به -عليه الصلاة والسلام- وتقريره -عليه الصلاة والسلام- على قول أو فعل حجة لأنه معصوم فلا يُقِرُّ على منكر، أُكِلَ الضب على مائدته فأخذ منه عامة أهل العلم جواز أكل الضب؛ لأنه أُكل على مائدته وأقر والرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يقر على منكر، "وتقريره على قول أحد تكلم بين يديه أو فعل حجة" لأن التقرير من صنوف وأنواع السنة التي هي الفعل أو القول أو التقرير من ذلك أيضا الوصف سنة، من أوصافه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان كث اللحية، وكانت قراءته تعرف من خلفه باضطراب لحيته، هذا وصف لكن سنة أو غير سنة؟ لكن كونه رَبْعَة وكونه أبيض اللون أزهر اللون وكذا وكذا هل نقول أن هذه الصفات الخلْقية سنة يقتدى به؟ لا ليست من الأفعال الاختيارية، "وتقريره على قول أو فعل حجة لأنه معصوم أن يقر على منكر" كما أكل الضب على مائدته، وأما ما يستدل به على إقرار أو سكوت لا نسميه إقرارا، سكوت بعض أهل العلم في بعض المناسبات على منكر من المنكرات أن هذا العالم يرى جواز ذلك لا، ليس هناك من إقراره حجة إلاَّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- أما غيره قد يسكت لمصلحة يراها راجحة، وأما الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يوجد ما يمنعه من إنكار المنكر، "وكذا ما فعل في عهده -عليه الصلاة والسلام- وعلم به وسكت" أيضا حجة، وأيضا في وقت التنزيل ما كان يفعله الصحابة في وقت التنزيل ولم ينزل القرآن بمنعه فهو أيضا حجة كما جاء في حديث جابر كنا نعزل والقرآن ينزل فلم ننه عنها ولو كان شيئا ينهى عنه لنا لنهى عنه القرآن، "ومتواترها" يعني السنة، متواتر السنة يوجب العلم وتقدم الكلام فيه في شرح علم الحديث من النُّقاية في الدورة السابقة: ما رواه جمع تحيل العادة تواطؤهم على الكذب عن مثلهم إلى نهاية السند يستوي طرفاه والوسط وأسندوه إلى شيء محسوس، يوجب العلم بحيث لا يقبل النقيض ولا يتردد فيه كما تقدم في تعريف العلم، "والآحاد يوجب العمل" المؤلف بأسلوب ذكي ما جاء باللفظ الموهِم الذي يقرره أكثر أهل العلم أن المتواتر يوجب العلم والآحاد يوجب الظن لئلا يقول قائل كيف نعمل بظن؟! قطع الطريق على من يقول بهذا الكلام فقال: "والآحاد يوجب العمل" وهذا محل إجماع أن خبر الواحد يوجب العمل وأكثر السنة آحاد لا تبلغ إلى حد التواتر والعمل بها واجب وهذا محل اتفاق من جميع من يعتد به من أهل العلم، وأما كون الآحاد يوجب العلم أو يوجب الظن أو يوجب العلم بالقرينة أو ما أشبه ذلك هذا تقدمت مباحثه في الفن السابق الذي هو فن علم الحديث، قال: "وليس مرسل غير سعيد بن المسيب حجة" يعني اقتصاره على هذه الأشياء أو هذه المسائل اليسيرة من مباحث السنة لا شك أنه اختصار مخِل، طيب وما تعرض للمرسل ولا حكم المرسل إنما اختصر على مرسل سعيد بن المسيب ليس بحجة معناه أن مرسل سعيد بن المسيب حجة، الإمام الشافعي- رحمه الله تعالى- يقول وإرسال ابن المسيب عندنا حسن، والمراسيل منهم وهذا اصطلاح الأصوليين والفقهاء من يطلقها بإزاء المنقطع، إذا لم يتصل الإسناد قيل مرسل، ويقولون وصله فلان وأرسله فلان، والذي استقر عليه اصطلاح المتأخرين أن المراسيل ما يرفعها التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فإذا رفع التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- عرفنا أن فيه سقطا، احتمال أن يكون التابعي سمعه من صحابي، وأن يكون سمعه من تابعي آخر، والتابعي احتمال أن يكون ثقة وأن يكون غير ثقة، وعلى كل حال مالك وأبو حنيفة يحتجون بالمراسيل، والشافعي يحتج بها بشروط: أن يكون المرسِل من كبار التابعين، وأن يكون إذا سمى هذا المرسِل لا يسمي مرغوبا عن الرواية عنه، وأن يكون لهذا المرسَل شاهد من مرسل تابعي آخر أو حديث مسند أو غير ذلك مما ذكره الإمام الشافعي في الرسالة وأما بقية أهل العلم فإنهم يردون المراسيل.

ورده جماهر النقاد

 

للجهل بالساقط في الإسناد

وصاحب التمهيد عنهم نقله

 

ومسلم صدر الكتاب أصله

يعني الجمهور على رد المراسيل، مرسل غير سعيد بن المسيب "وليس مرسل غير سعيد بن المسيب حجة" أما مراسيله فهي حجة لأنها فتشت فوجدت موصولات عن صهره أبي هريرة. الأصل الثالث الإجماع وهو أيضا متفق على الاحتجاج به، ويستدلون عليه أو يستدلون له بحديث «لا تجتمع أمتي على ضلالة» وهو اتفاق فقهاء العصر فقهاء العصر، والمراد بالفقهاء المجتهدون؛ لأن المقلد ليس بفقيه وليس من أهل العلم كما قرر ابن عبد البر، فالمراد بالفقهاء المجتهدون فقهاء العصر الفقهاء لا عبرة بغيرهم حتى الأصوليين؛ لأن اتفاق الأصوليين ليس بحجة، اتفاق المفسرين ليس بحجة، اتفاق المحدثين ليس بحجة، مرادهم بذلك الفقهاء أهل الاجتهاد الذين معولهم على النصوص الكتاب والسنة فلا يقلدون، أما المقلد هذا حكمه حكم العامي فليس بفقيه فضلا عن أن يكون مجتهدا، المفسر الصرف أو المحدث الصرف الذي يسمونه الصيدلي لأنه قد يقال مثلا لماذا تذكر أقوال المفسرين وأقوال المحدثين في كتب الخلاف؟ لأنهم فقهاء ما جاؤوا من فراغ يعني ماذا يُصنف البخاري- رحمه الله-؟ فقيه من أعظم الفقهاء في الإسلام، الترمذي وغيره من الأئمة فقهاء لئلا يظن أن في الكلام الذي قلناه أن اتفاق الفقهاء يخرج المحدث، يخرج المفسر، يخرج الأصولي يخرج كذا أننا نقلل من شأن المفسرين والمحدثين لا، فكثير من المفسرين وكثير من المحدثين فقهاء فيدخلون في الحد وتعتبر أقوالهم في الاتفاق والخلاف، "اتفاق فقهاء العصر على حكم الحادثة" يعني النازلة فإذا وجدت نازلة ودرسها فقهاء العصر والمراد كلهم يعني إذا صدر عن هيئة علمية أو عن مجمع علمي واتفقوا كلهم بكامل أعضائه هل نقول هذا إجماع مجمع فقهي أعضاؤه مائة أو مائتين وكلهم اتفقوا على هذا الحكم هل يعد إجماعا؟ لا، ليس بإجماع لأنه لم يجمع فقهاء الأمة كلهم، وكذلك الهيئات العلمية وغيرها هذا ليس بإجماع فلا يقال إن خلاف هذا القول حرام؛ لأنك خالفت الإجماع لا، ما صار إجماعا، فالإجماع قول الكل من الفقهاء المجتهدين، الطبري يرى أن الإجماع قول الأكثر، ونسب إليه في كتب الأصول وهو الذي يدل عليه تصرفه في تفسيره لأنه يرجح، يذكر خلافا في مسألة سواء كان حكم شرعي أو في قراءة، يذكر قول الأكثر ثم يذكر المخالف ثم يقول والصواب في ذلك عندنا كذا لإجماع القرأة على ذلك مثلا، يسميه إجماعا وقد ساق الخلاف لكنه قول الأكثر وهذا القول لا عبرة به؛ لأن القول المحقَّق عند أهل العلم أن الإجماع الملزِم هو قول الكل، قد يقول قائل من يحصر الناس كلهم في شرق الأرض وغربها لنطلع على أقوالهم؟ نعم في ضبط الإجماع وتقرير الإجماع فيه صعوبة ووعورة حتى قرر بعضهم وهو رواية عن الإمام أحمد أنه لا إجماع بعد الصحابة الناس تفرقوا ولا يمكن حصر أقوالهم؛ ولذا تجدون نقل الإجماع كثير عند أهل العلم لكن إذا فتشت وجدت مخالِفا وهذا في كثير من المسائل، والإجماعات التي ينقلها ابن المنذر أو ابن عبد البر أو ابن قدامة أو النووي أو غيرهم حتى أن الشوكاني- رحمه الله- قال وكثير من دعاوى الإجماع التي يذكرها أو ينقلها بعض العلماء تجعل طالب العلم لا يهاب الإجماع؛ لأنها تذكر لك إجماعا ثم بعد ذلك يذكر لك هو نفسه خلافا "على حكم الحادثة وهو حجة في أي عصر كان" هذا خلاف ما قيل من أن الإجماع خاص بعصر الصحابة الذي يمكن ضبطه، "في أي عصر كان" من عصر الصحابة إلى قيام الساعة "ولا يشترط انقراضه" يعني انقراض العصر بموت أهله، يعني هل ننتظر إلى أن يموت هؤلاء المجموع لئلا يرجع منهم أحد فيختل الإجماع؟ وحينئذ لا يجوز لأحد منهم الرجوع مادام اتفقوا على هذا الحكم في وقت من الأوقات بعد استفراغ الوسع وبذل الجهد في الوصول إلى الحكم واجتمعوا عليه وأجمعوا عليه لا يجوز لأحد منهم الرجوع عنه؛ لأنه مخالفة للإجماع؛ لأنه انعقد باتفاقهم، "ولا يعتبر قول من ولد في حياتهم" لأنه لم يبلغ مرتبة الاجتهاد فيكون معهم في إجماعهم ويعتد بقوله فانعقد الإجماع قبل أن يبلغ مرتبة الاجتهاد، "ويصح الإجماع بقول" يعني كلهم يصرحون ويصوتون على حكم هذه المسألة صراحة ما حكم كذا كلهم يقولون حرام حلال مكروه يتفقون عليه بالقول يصرحون بذلك "وفعل من الكل" كلهم يفعلون على مقتضاه وحينئذ يكون اتفاقا فعليا، إجماع فعلي، "ومن بعض" يعني بعضهم صرح بقوله وبعضهم بفعله وبعضهم سكت من غير مانع من المعارضة، سكت من غير مانع وبإمكانه أن يصرح برأيه ويسمى الإجماع السكوتي والخلاف في حجيته معروف عند أهل العلم، قال- رحمه الله- "وليس قول صحابي حجة على غيره" يعني من الصحابة، يعني ليس قول صحابي بحجة على غيره من الصحابة إلا ما دل الدليل على اختصاصه كالراشدِين «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» وأما حديث يستدل به العلماء في هذا الباب «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» فهذا ضعيف شديد الضعف.

ونقف على القياس والاستدلال ليشرح بعد المغرب-إن شاء الله تعالى-ونترك فرصة للإخوان في آخر ساعة من الجمعة ليدعوا الله-جل وعلا-.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"