شرح مقدمة صحيح مسلم (05)

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الإمام مسلم- رحمه الله تعالى-:

حدثني محمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب قالا حدثنا عبد الله بن يزيد قال حدثني سعيد بن أبي أيوب قال حدثني أبو هانئ عن أبي عثمان مسلم بن يسار عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:  «سيكون في آخر أمتي ناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم» وحدثني حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيب قالا قال حدثنا ابن وهب قال حدثني أبو شريح أنه سمع شراحيل بن يزيد يقول حدثني قال حدثني مسلم بن يسار أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم» وحدثني أبو سعيد الأشج وقال حدثنا وكيع قال حدثنا الأعمش عن المسيب بن رافع عن عامر بن عبدة قال قال عبد الله: إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب فيتفرقون فيقول الرجل منهم سمعت رجلا أعرف وجهه ولا أدري ما اسمه يحدث، وحدثني محمد بن رافع قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: إن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا، وحدثني محمد بن عباد وسعيد بن عمرو وحدثني محمد بن عباد وسعيد بن عمرو الأشعثي جميعا عن ابن عيينة قال سعيد أخبرنا سفيان عن هشام بن حجير عن طاوس قال جاء هذا إلى ابن عباس- رضي الله عنهما- يعني بشير يعني بشير بن كعب فجعل يحدثه فقال له ابن عباس عد لحديث كذا وكذا فعاد له ثم حدثه فقال له عد لحديث كذا وكذا فعاد له فقال له ما أدري أعرفت أعرفت حدثيّ كله وأنكرت هذا أم أنكرت حدثيّ كله وعرفت هذا فقال له ابن عباس إنا كنا نحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ لم يكن يُكذَب عليه فلما ركب الناسُ الصعب والذلول تركنا الحديث عنه، وحدثني محمد بن رافع قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال إنما كنا نحفظ الحديث والحديث يحفظ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأما إذ ركبتم كل صعب وذلول فهيهات، وحدثني أبو أيوب سليمان بن عبيد الله الغيلاني قال حدثنا أبو عامر يعني العقدي قال حدثنا رباح عن قيس بن سعد عن مجاهد قال: جاء بشير قال جاء بشير العدوي إلى ابن عباس رضي الله عنهما فجعل يحدث ويقول قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه فقال يا ابن عباس ما لي لا أراك تسمع لحديثي أحدثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا تسمع؟ فقال ابن عباس إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابتدرت أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف، وحدثنا داود بن عمرو الضبي قال حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مُليكة قال كتبت إلى ابن عباس- رضي الله عنهما- أسأله أن يكتب لي كتابا ويخفي عني فقال فقال ولد ناصح أنا أختار له الأمور اختيارا وأخفي عنه قال فدعا بقضاء علي رضي الله عنه فجعل يكتب منه أشياء ويمر به الشيء فيقول والله ما قضى بهذا عليٌّ إلا أن يكون ،ضل وحدثنا عمرو الناقد قال حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس قال أتي ابن عباس- رضي الله عنهما- بكتاب فيه قضاء علي رضي الله عنه فمحاه فمحاه إلا قدر وأشار سفيان بن عيينة بذراعه، وحدثنا حسن بن علي الحُلواني قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثني قال حدثنا ابن إدريس عن الأعمش عن أبي إسحاق قال لما أحدثوا تلك الأشياء بعد علي رضي الله عنه قال رجل من أصحاب علي قال قاتلهم الله أي علم أفسدوا وحدثنا علي بن خشرم قال أخبرنا أبو بكر يعني ابن عياش قال سمعت قال سمعت المغيرة يقول لم يكن يصدق على علي رضي الله عنه بالحديث عنه إلا من أصحاب عبد الله بن مسعود.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى-:

"وحدثني محمد بن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب قالا حدثنا عبد الله بن يزيد قال حدثني سعيد بن أيوب قال حدثني أبو هانئ عن أبي عثمان مسلم بن يسار عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال «سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم» هذا الحديث من أفراد مسلم وهو مصحح الحديث لا بأس به مصحح من قبل جمع من أهل العلم «سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا» والحديث الذي لم يُسمع من قبل ويُكتم إلى آخر الزمان فالغالب أنه لا أصل له «فإياكم وإياهم» لا تستمعوا إليهم؛ لأن الذي يأتي بجديد لا يعرفه المتقدمون فإنه في الغالب أنه أتى به من كيسه؛ لأن الدين والعلم قديم منذ زمن النبوة ومدوّن؛ ولذا يحكم أهل العلم على الحديث الذي يورد ولا يوجد في دواوين الإٍسلام يحكمون عليه بالوضع، يعني إذا أورد حديث وبُحث عنه في جميع الدواوين من كتب السنة ولم يوجد له أصل فإنه من علامات وضعه، فإذا جاء الإنسان بحديث لم يسمعه أحد ولا يوجد في الدواوين فإياكم وإياهم هذا دليل على أنه اخترعه أو سمعه ممن اخترعه واختلقه، قال: "وحدثني حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي في هذا الموضع ذكره سداسيا ذكر نسبه؛ لأنه أول موضع يمر أو من أوائل المواضع، فهنا يعنى بذكر نسبه، قد يذكر الإمام مسلم- رحمه الله تعالى- مثل هذا، ينشط لمثل هذا في أثناء الكتاب أو في آخره فليست له- رحمه الله- قاعدة في أن يذكر الاسم كاملا في أول الأمر، ثم بعد ذلك يختصر، نعم الغالب الاختصار حرملة بن يحيى التجيبي هذا أكثر ما يقول ثلاثي، وهنا جعله سداسيًّا، وتُجيب التي ينسب إليها حرملة بضم التاء بطن من كندة، وزعم صاحب المطالع أنه قيّده عن شيوخه بالفتح التَّجيبي صاحب المطالع هو من؟ ابن قرقول ومطالع الأنوار مختصر من مشارق الأنوار وهو الذي أشرنا إليه أن عناية الشراح به أكثر من عنايتهم بشرحه، مع أن الشرح يعني في غريب الصحيحين والموطأ من أفضل ما كتب في الغريب مشارق الأنوار الأصل وهذا الكتاب لم يطبع بعد فاستفاد المتأخرون من المشارق حيث طُبع ولم يستفيدوا من المطالع وإنما ينقلون عن المطالع بواسطة الشراح، وعنايتهم بالمطالع كبيرة جدا، قال صاحب المطالع حكى صاحب المطالع ومختصر لمشارق الأنوار للقاضي عياض وفيه زيادات تميزه عن أصله، "زعم صاحب المطالع أنه قيده عن شيوخه بالفتح والبطليوسي يجوز الوجهين" البطليوسي هذا له شرح لأدب الكاتب لابن قتيبة شرح نفيس يفيد طالب العلم ولو لم يكن في صلب العلم الشرعي إنما فيما يعين على فهمه، أدب الكاتب لابن قتيبة هذا كتاب جيد في الكتابة وتعلم الكتابة وما يخدم الكاتب، "قال حدثنا ابن وهب قال حدثني أبو شريح أنه سمع شراحيل بن يزيد يقول أخبرني مسلم بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «يكون في آخر الزمان دجّالون كذّابون» قال القرطبي في المفهِم: وقد وجد من ذلك على نحو ما قاله فكان هذا الحديث من دلائل صدقه «دجالون كذابون» قال ذكر ابن عبد البر عن حماد بن زيد أنه قال: وضعت الزنادقة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اثني عشر ألف حديث بثوها في الناس يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم وهكذا صحت الرواية بإثبات النون، قال القرطبي: والصواب حذفها لأن ثبوتها يقتضي أن يكون خبرا عن نفي وقوع الإضلال والفتنة وهو نقيض المقصود الأصل أن يكون نهيا والنهي يقتضي حذف النون؛ ولذا يقول القرطبي الصواب حذف النون لأن ثبوتها يقتضي أن يكون خبرا عن نفي وقوع الإضلال والفتنة وهو نقيض المقصود، فإذا حذفت احتمل حذفها وجهين: أحدهما أن يكون ذلك مجزوما على جواب الأمر الذي تضمنه إياكم فكأنه قال أحذركم لا يضلوكم ولا يفتنوكم، وثانيهما: أن يكون قوله لا يضلوكم نهيا فتكون لا ناهية أي لا تتعرضوا لإضلالهم، وكثيرا ما يأتي النهي بلفظ الخبر يكون اللفظ خبرا مثل لا يبيع أحدكم على بيع أخيه لا يخطب هذا خبر ولا هذه نافية وليست ناهية لكن المقصود من هذا الخبر النهي فيأتي النهي بلفظ الخبر وحينئذ يكون أبلغ من النهي الصريح ولعل هذا منه، مادام ثبتت به الرواية صحت به الروايات فلا بد من حملها على هذا قال: وحدثني أبو سعيد الأشج قال حدثنا وكيع قال حدثنا الأعمش عن المسيب بن رافع عن عامر بن عبَدة ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض على نسق يعني في طبقة واحدة ثلاثة الأعمش عن المسيب عن عامر بن عبدة قال قال عبد الله إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل" عن المسيَّب بفتح الياء هنا بلا خلاف، وأما والد سعيد فهو بالفتح عند الأكثر، وحكي عن سعيد أنه كان يكره الفتح وكان يقول سيب الله من سيب أبي، ويقال إن الفتح عند أهل العراق والكسر عند أهل المدينة، الفتح عند أهل العراق والكسر عند أهل المدينة، قال: "قال عبد الله عبد الله بن مسعود إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب فيتفرقون فيقول الرجل منهم سمعت رجلا أعرف وجهه ولا أدري ما اسمه" يحدث الشيطان يتمثل إما برجل مجهول، وقد يتمثل برجل معروف وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان أن الشيطان قد تمثل به هو وألقى على لسان من تمثل به بعض الفتاوى الغريبة التي لا تصح نسبتها إليه، وبعض الأقوال التي يشوش بها على الناس- نسأل الله السلامة والعافية- كما أنه يسمع صوته الشيطان من قبر وقد يسمع صوته من محل شرك أو ما أشبه ذلك يؤيد فيه هذه الأعمال القبيحة المحرمة، وقد يتراءى لبعض الناس يثبته على أمر قبيح، وذكر أهل العلم عن شعبة أنه لا تجوز الرواية من وراء حجاب لماذا؟ لأنه قد يكون المتكلم شيطانا وهو لا يشعر، وعامة أهل العلم يجيزون الرواية من وراء حجاب، وقد أخذ الصحابة والتابعون عن نساء النبي -عليه الصلاة والسلام- من وراء حجاب، وإذا عرف الصوت وأمن التزوير فلا مانع من الرواية من وراء حجاب "إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب فيتفرقون فيقول الرجل منهم سمعت رجلا أعرف وجهه ولا أدري ما اسمه يحدث" يتفرقون فبعد أن سمعوا من هذا الذي لا يعرفونه فيقولون ما يقولون؛ ولذا يشترط أهل العلم في الراوي ألا يكون مجهولا لئلا يقع مثل هذا فلا بد أن يكون الراوي معروفا معروف ذاته ومعروف بعينه ومعروف بحاله، قال- رحمه الله- "وحدثني محمد بن رافع قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال إن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان" نعرف أن مثل هذه التصرفات من خواص سليمان وهذا أمر لا ينبغي لأحد بعده وقد أجاب الله دعاءه، وأراد النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- حبس الجني الذي تفلت عليه في صلاته ليراه صبيان المدينة فتذكر دعوة سليمان وبهذا يُرد على من يقول إنه يستفاد منهم ويستعان بهم فيما يقدرون عليه، ويخبرون عن أماكن المخدرات، عن أماكن دور البغاء، عن كذا عن كذا، وبعض الإخوان من أهل الحسبة يسألون عن هذا ونقول لهم لا يجوز لأنهم أناس مجاهيل ولا يُدرى من الثقة منهم وغير الثقة، ولا يُعرف المسلم من غير المسلم، ولا يمكن الوصول إلى حقيقة أمرهم، وقد استدرجوا بعض الناس وقدموا لهم الخدمات من غير مقابل لكنهم حينما تورطوا ووقفوا في منتصف الطريق ووثق الناس بهم، شخص يقول إنه مشى على يده أكثر من سبعين مقعدا بواسطة هؤلاء الجن الذي يزعم ويدعي فيهم الخير نقول أنت بعد أن مشى على يدك أكثر من سبعين مقعدا لو تخلوا عن خدمتك ماذا يكون وضعك؟ طلبوا منك طلبا خفيفا ثم شيء أعظم منه ثم كذا إلى أن يصل إلى الشرك الأكبر، هم قوم يستدرجون الناس فلا يجوز الا عتماد عليهم ولا الاستعانة بهم بحال الأنعام: ١٢٨  وأما ما يفعله بعض الناس يقول نستفيد منهم وهم خلق يفاد منهم فيما يقدرون عليه ولا ينافي ما جاء نقول لا، هذه الاستفادة اختص بها سليمان ودعا الله- جل وعلا- ألا تكون لأحد بعده وأجيبت الدعوة وحققها النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا شك أن سد الذرائع الموصلة إلى الشرك وحماية جناب التوحيد أمر متعين على أهل العلم وعلى طلبة العلم وعلى غيرهم، أي أمر يفضي إلى الشرك أو يخاف منه أن يفضي إلى الشرك لا بد من سده، "إن في البحر شياطين مسجونة" هذا من كلام عبد الله بن عمرو بن العاص، "إن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا" يقول القرطبي هذا ونحوه لا يتوصل إليه بالرأي والاجتهاد بل بالسمع، والظاهر أن الصحابة إنما تستند في هذا للنبي -صلى الله عليه وسلم- مع أنه يحتمل أن يحدَّث به عن أهل الكتاب، يحتمل أن يكون عبد الله بن عمرو بن العاص حدث بذلك عن أهل الكتاب، وابن عمرو قد حصل له يوم اليرموك زاملتين مملوءتين كتبا من علوم أهل الكتاب كما ذكره أهل العلم ذكر ذلك في كتب المصطلح، وذكر في البداية والنهاية وغيرها، قد يقول قائل إذا كان هذا من أخبار أهل الكتاب كيف يخرج في الصحيح نقول نسبته إلى الصحابي صحيحة خرج في الصحيح لأن نسبته إلى الصحابي صحيحة، ثم بعد ذلك كون الصحابي تلقاه عن أهل الكتاب أو صدر عن رأيه هو فصار موقوفا عليه ولو أخطأ في رأيه هذا لا يقدح في صحة السند إلى الصحابي، كما خرج البخاري حديث ابن عباس في قوله تزوج النبي -عليه الصلاة والسلام- ميمونة وهو محرم، هذا صحيح إلى ابن عباس كونه صواب أو خطأ هذا لا يعني صاحب الصحيح إنما الذي يعني صاحب الصحيح ثبوت الخبر إلى من نسب إليه، ومعنى الحديث كما في المفهم الإخبار بأن الشياطين المسجونة ستخرج فتموه على الجهلة بشيء تقرؤه عليهم وتلبس به حتى يحسبوه أنه قرآن كما فعله مسليمة أو تسرد عليهم أحاديث تسندها للنبي -عليه الصلاة والسلام- مكذوبة فقرآن أشمل وأعم من أن يكون القرآن العظيم بين الدفتين أو ما يدعى أنه قرآن، المقصود أنه مما يُقرأ على الناس مما يقرأ على الناس، في فتح الملهم يقول لم أجد إلى الآن في الآثار ما يؤيد مضمون هذا الأثر المروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ويوضح مراده، ولعله إن لم يكن من صحيفته اليرموكية يقع حين خروج الدجال إذا كثرت الخوارق والله أعلم، ويقول: وأما نحن فقد رأينا قبل عشرين سنة تخمينا يعني بالتقريب أن الشيطان تمثل في صورة الدكتور منجانا الأنكليزي فأخرج قرآنا من وراء البحار وعرضه على الناس مع ادعائه أنه مصحف عتيق مخالف لهذه المصاحف الموجودة بأيدي المسلمين شرقا وغربا في كثير من المواضع وكان غرضه إثبات التحريف في القرآن الكريم لكن لم يرفعوا له رأسا فلم ينجح بل خاب وخسر وصار بعد أيام كأن شيئا لم يكن شيئا مذكورا فذهب الزبد جفاء وثبت ما ينتفع الناس به في الأرض ولله الحمد والمنة يعني جاء ما يؤيد هذا الخبر.

طالب: ألا يصدقه يا شيخ حديث تصديق.. حديث أبي هريرة يا شيخ؟

وأنه أخبره بآية الكرسي، المقصود أن مثل هذه الأخبار إن ثبتت فكلام أهل اعلم فيها واضح، قال: "وحدثني محمد بن عباد وسعيد بن عمرو الأشعثي جميعا عن ابن عيينة قال سعيد أخبرنا سفيان عن هشام بن حجير عن طاوس قال جاء هذا إلى ابن عباس يعني بشير بن كعب فجعل يحدثه فقال له ابن عباس عد لحديث كذا وكذا فعاد له ثم حدثه فقال له عد لحديث كذا وكذا فقال ما أدري أعرفت حديثي كله وأنكرت هذا أو أنكرت حديثي كله وعرفت هذا؟ فقال له ابن عباس إنا كنا نحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ لم يكن يُكذب عليه فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا تركنا الحديث عنه" ابن عباس لما قال له عد لحديث كذا ثم عاد ثم قال له عد لحديث كذا يريد أن يختبره لأن الذي يكذب ويفتري إذا عاد اختلّ كلامه اختلّ كلامه لكن إن أعاده بحروفه عرف أنه ضابط، فالغالب أن مثل هذا الذي يفتري يختلّ كلامه وهذه طريقة يستعملها بعض القضاة النبهاء الأذكياء الدهاة إذا حضر الخصوم بين يديه فادعى المدعي وتركه يتكلم بكل ما يريد أن يتكلم به ثم تجد الشيخ ينعس وهو لا ينعس لكن من أجل أنه إذا انتهى قال له أعد أنا ما انتبهت ثم يعيد القصة، فإن كان ضابطا لها عرف أنه كلامه له شيء من الأصل، وإذا كان لا أصل لكلامه تجد الخلل في كلامه والثغرات، وقد ينقض ما ذكر أولا وقد يأتي على كلامه بالنقض فبمثل هذا يُختبر بعض أصحاب الدعاوى، وبعض الناس يدعي ويتشبع من العلم بما لم يعطه فمثل هذا لا بد من اختباره وإظهار حقيقته، لئلا يغتر به "فلما إذ لم يكن يُكذَب عليه -عليه الصلاة والسلام- فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه" من أمثال العرب يركب الصعب من لا ذلول له وهذا موجود في المجمع مجمع الأمثال والمستقصى وجمهرة الأمثال يركب الصعب من لا ذلول له لكن الناس في مثل هذه الأزمان يركبون كل ما يمكن ركوبه الصعب والذلول، قوله: "تركنا الحديث عنه" يقول السنوسي في مكمِّل الإكمال: يحتمل أن يكون المراد تركنا حفظه وقبوله من الناس ويحتمل أن يكون المراد إفادته ونشره لأن لأن من يتلقى قد يركب الصعب والذلول وقد يزيد وينقص وينسب إلى من حدثه هذه الزيادة والنقصان، قال: فإن قلت وأي مناسبة في ترك إفادة الحديث في تركه إفادة الحديث ونشره لعدم المحافظة عليه بل قد يقال المناسب حفظه     الأنبياء: ١٨  قلت وجه المناسبة فيه أن أنه خاف أن يزاد عليه أن ينقص فلم يرَ أمينا يحمل الحق على وجهه فالحكمة لا تؤتى إلى غير أهلها، لا تؤتى الحكمة غير أهلها فتظلموها؛ ولذا قال ابن عباس رضي الله عنهما ذلك في ذلك الزمان العظيم البركة فكيف حال هذا الزمان الذي الذي فاض فيه على البسيطة أمر الشر وأهله والله المستعان وهذا يقول السنوسي منذ قرون فكيف بزماننا؟! والآن الكلمة والخبر أو الفتوى الصائبة وغيرة الصائبة تلقى وفي وقت إلقائها تبلغ المشرق والمغرب عندهم الأمور فيها شيء يمكن حفظه وعدم التقول على الناس أما الآن يوجد ما يسمى بالدبلجة فباستطاعة أصحاب الآلات أن يركبوا على الإنسان كلاما من كلامه وهو لم يقله، وقد قال واحد من أهل العلم أتحداكم تركبون من كلامي ما لم أقله فجمعوا بالمناقيش من كلامه القاف قالها في موضع كذا مفتوحة نحتاجها هاتها هنا، والألف قالها في كذا نحتاجها، واللام قالها في كذا مفتوحة فتركب قال بصوته لأن هذه الحروف كلها بصوته وقال في معرض كلامه الشيء ونحن والذي يريد أن يدبلج عليه يريد الشك، مثلا فجاء بالألف واللام والشين وجاء بكاف مناسبة من كلمة أخرى وألصقها بها فجمع عليه خمسة أسطر وسمعهم في مدح شخص عدو له ويتضرر بمدحه قال اسمع أنت قلت هذا الكلام قال نعم قلت هذا الكلام لكن لا أدري متى، فالآن الشر مستطير ولا يمكن أن يحاط به، وإذا كانوا يقولون ويتحرون ويتثبتون في تلك الأزمان في القرن الأول في القرون المتقدمة فكيف بزماننا؟! فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه ولدينه، قال: "وحدثني محمد بن رافع قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال إنما كنا نحفظ الحديث والحديث يُحفظ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لأنه إنما قاله ليُحفظ وليُفهم وليُستنبط منه وليُعمل به ولذا أمر بالتبليغ «ليبلغ الشاهد الغائب» «بلغوا عني ولو آية» لا بد من الحفظ ليتم التبليغ على وجهه "والحديث يحفظ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا ركبتم كل صعب وذلول فهيهات" استبعاد "لا يمكن أن نحدثكم وأنتم لستم بأهل للحديث، قال: "وحدثني أبو أيوب وسليمان بن عبيد الله الغيلاني قال حدثنا أبو عامر يعني العقدي عبد الملك بن عمرو قال حدثنا رباح عن قيس بن سعد عن مجاهد قال جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه- يعني لا يستمع لحديثه- "ولا ينظر إليه فقال يا ابن عباس ما لي لا أراك تسمع لحديثي أحدثك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا تسمع فقال ابن عباس إنا كنا مرة"- يعني في السابق- "إذا سمعنا رجلا يحدث يقول قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف" قال- رحمه الله- "حدثنا داود بن عمرو الضبي قال حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال كتبت إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي كتابًا ويخفي عني فقال ولد ناصح أنا أختار لك الأمور اختيارا وأخفي عنك" ناصح يعني شفيق مريد للخير، وقوله: "ولد ناصح" يعني أنت ولد ناصح، أنا أختار لك الأمور اختيارا وأخفي، "أنا أختار له الأمور اختيارا" أي أرسل إليه اللب الخالص والمنتخب "المختار مما يناسب حاله وأخفي عنه قال فدعا بقضاء علي فجعل يكتب منه أشياء ويمر به الشيء فيقول والله ما قضى بهذا علي إلا أن يكون قد ضل" والمعنى أن ابن ابن أبي مليكة كتب إلى ابن عباس أن يكتب له كتابا يوضح فيه ما يحتاج إليه من الأحاديث والأحكام ويخفي عنه ما لا حاجة له به مما هو مجرّد كلام لا يترتب عليه حكم ولا ينتفع به، "فقال ابن عباس هذا ولد ناصح" يعني ابن أبي مليكة "أنا أختار له الأمور اختيارا وأخفي عليه أو عنه ما لا حاجة له به فدعا بقضاء علي" قضاء علي من أنفع ما يقتضى، يقتفى من قبل القضاة لكن هل تُرك هل سلم من أتباعه ممن ينتسب إليه وضعوا عليه أضعاف أضعاف ما يصح عنه من شيعته، فيقول: "فجعل يكتب منه أشياء ويمر به شيء فيقول والله ما قضى بهذا علي إلا أن يكون قد ضل ويكون هذا مما زيد عليه وافتري عليه رضي الله عنه" وقد ابتلي بمن يفتري عليه "قال حدثنا عمرو الناقد قال حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن هشام بن حجير والله ما قضى بهذا علي إلا أن يكون قد ضل" ونجزم يقينا بأن علي لم يضل إذًا ما قضى منه بهذا إذًا هذه براءة لعلي من هذا الإفك الذي نُسب إليه، "قال حدثنا عمرو الناقد قال حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس قال أتي ابن عباس بكتاب في قضاء عليه رضي الله عنه فمحاه إلا قدر وأشار سفيان ابن عيينة بذراعه محا الباقي كله في كلام كثير جدا أذرع "فمحاه كله ما بقي إلا قدر ذراع قال حدثنا حسن بن علي الحلواني قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا ابن إدريس عن الأعمش عن أبي إسحاق قال لما أحدثوا تلك الأشياء بعد علي رضي الله عنه قال رجل من أصحاب علي قاتلهم الله أي علم أفسدوا قاتلهم الله أي علم أفسدوا يشير بذلك إلى ما أدخلته الروافض في علم علي رضي الله عنه وحديثه وتقوله من الأباطيل وأضافته إليه من الروايات المفتعلة عليه حتى خلطت الحق بالباطل والخطأ بالصواب ولم يتميز ما روته عنه حقيقة مما افتعلته فأساؤوا إليه فتسببوا في رد بعض الحق الثابت عنه لأنه لم يتميز "قال حدثنا علي بن خشرم قال أخبرنا أبو بكر يعني ابن عياش قال سمعت المغيرة يعني ابن مقسم الضبي يقول لم يكن يصدق على علي رضي الله عنه في الحديث عنه إلا من أصحاب عبد الله بن مسعود" يعني لم يكن يصدق عليه إلا أصحاب عبد الله بن مسعود أما أصحابه الذين ينتسبون إليه لم يكونوا يصدقون لأن الغالب فيهم أنهم غلوا فيه وابتدعوا في الدين وحصل لهم ما حصل وأرادوا ثلب الصحابة وتنقص الصحابة وظنوا أنه لا يتم لهم هذا إلا بالوضع على النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحط من أقدارهم وبالوضع عليه -عليه الصلاة والسلام- برفع شأن علي رضي الله عنه وهذا تصوّر باطل ومع الأسف أنه قد يوجد من بعض من ينتسب إلى العلم بعض هذه التصرفات فتجد طالب العلم المقتنع بشيخ المفتون به يحضر دروسه ويعجبه ثم إذا ذكر عنده آخر ذمه من أجل ماذا؟ ظنًّا منه أن شيخه يرتفع بهذا الذم لأنه يظن أن هذا ينافس الشيخ فيسعى إلى إسقاطه ليرتفع شيخه، وقد يُسأل بعض من ينتسب إلى العلم عن فلان من الناس فيذمه لماذا؟ لأنه لو مدحه على حد زعمه أنه صار ندا فلا شك أن هذا تصرف خاطئ ومحرّم ولا يجوز بحال وآثاره نقيض ما يرمى إليه وما يقصد من ورائه، في ذلك بيان أن أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أوثق من أصحاب علي رضي الله عنه في الرواية عنه يعني إذا روى أصحاب ابن مسعود عن علي فيصدقون وإذا روى أصحاب علي فلا، وواقع وكتبهم تشهد بذلك، واقع من ينتسب إلى علي من الروافض يشهد بذلك.

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.