شرح أبواب الطهارة من سنن الترمذي (06)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر لنا وللحاضرين والمستمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الاستنجاء بالحجرين:
حدثنا هناد وقتيبة قالا: حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله، قال: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- لحاجته فقال: «التمس لي ثلاثة أحجار» قال: فأتيته بحجرين وروثة، فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: «إنها ركس»
قال أبو عيسى: وهكذا روى قيس بن الربيع هذا الحديث عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله نحو حديث إسرائيل، وروى معمر وعمار بن رزيق عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله، وروى زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه الأسود بن يزيد عن عبد الله، وروى زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن الأسود بن يزيد عن عبد الله، وهذا حديث فيه اضطراب.
حدثنا محمد بن بشار العبدي قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سألت أبا عبيدة بن عبد الله هل تذكر من عبد الله شيئاً؟ قال: لا، قال أبو عيسى: سألت عبد الله بن عبد الرحمن أي الروايات في هذا الحديث عن أبي إسحاق أصح؟ فلم يقض فيه بشيء، وسألت محمداً عن هذا فلم يقض فيه بشيء، وكأنه رأى حديث زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله أشبه، ووضعه في كتاب الجامع، قال أبو عيسى: وأصح شيء في هذا عندي حديث إسرائيل وقيس عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله؛ لأن إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من هؤلاء، وتابعه على ذلك قيس بن الربيع.
قال أبو عيسى: وسمعت أبا موسى محمد بن المثنى يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما فاتني الذي فاتني من حديث سفيان الثوري عن أبي إسحاق إلا لما اتكلت به على إسرائيل؛ لأنه كان يأتي به أتم، قال أبوعيسى: وزهير في أبي إسحاق ليس بذاك؛ لأن سماعه منه بأخرة، قال: وسمعت أحمد بن الحسن الترمذي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا سمعت الحديث عن زائدةٍ وزهير...
زائدةَ، زائدةَ.
عفا الله عنك.
إذا سمعت الحديث عن زائدةَ وزهير فلا تبالي أن لا تسمعه من غيرهما إلا حديث أبي إسحاق، وأبو إسحاق اسمه: عمرو بن عبد الله السبيعي الهَمَدَاني.
الهَمْداني.
الهَمْداني.
وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه ولا يُعرف اسمه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الاستنجاء بالحجرين" تقدم الكلام في الاستنجاء بالحجارة، وأنه مجزي إذا استوفى ثلاثة أحجار مع الإنقاء، وألا يقل العدد عن ثلاثة، وأهل العلم يجعلون الحجر الذي له شعب ثلاث يقوم مقام الأحجار الثلاثة، إذا كان الإجزاء لا يكون إلا بثلاثة فماذا عن الحجرين؟ تقدم في كلام الإمام أبي حنفية أنه يجزي الحجر إذا أنقى، وأن مرد ذلك إلى الإنقاء لعموم حديث: «من استجمر فليوتر» استجمر فليوتر فعلق صحة الاستجمار بالوتر، والوتر يحصل بواحد، لكنه حديث مجمل بينه الحديث الذي ساقه سابقاً من حديث سلمان الفارسي، وفيه: "وألا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار" وفي حديث الباب يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا هنّاد" بن السري ثقة حافظ تقدم ذكره، "وقتيبة بن سعيد" كذلك "قالا: حدثنا وكيع" بن الجراح، الثقة الإمام، تقدم أيضاً "عن إسرائيل" بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي "عن أبي إسحاق" وسيأتي ذكر اسمه كاملاً في كلام المؤلف -رحمه الله تعالى- "عن أبي عبيدة" بن عبد الله بن مسعود، ثقة، وسيأتي تصريح المؤلف بأنه لم يسمع من أبيه ولا يعرف من حال أبيه شيئاً.
"عن عبد الله" بن مسعود بن غافل الهذلي ابن أم عبد، الصحابي الجليل "قال: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- لحاجته" كانوا لا يتخذون الكنف في البيوت، بل يخرجون لقضاء الحاجة، فخرج النبي -عليه الصلاة والسلام- كالمعتاد لحاجته "فقال" يعني لابن مسعود «التمس» أبحث لي ثلاثة أحجار «التمس لي ثلاثة أحجار» وهذا يؤيد حديث سلمان وأنه لا يجزئ الاستنجاء بأقل من الثلاثة "قال: فأتيته بحجرين وروثة" وفي رواية ابن خزيمة: "أنها روثة حمار"، "فأتيته بحجرين وروثة، فأخذ الحجرين وألقى الروثة" وفي بعض الروايات: «أبغني ثالثاً» يعني: آتني بحجر ثالثة، "فأخذ الحجرة وألقى الروثة وقال: «إنها ركس» والركس لغة في الرجس، الرجس هو النجس، ويقال: الركس الرجيع، وفي رواية أحمد قال: «آتني بحجر» يعني مكان الروثة، فعلى هذا لا يجزي الاستنجاء بحجرين ولو أنقى المحل، تضافرت على ذلك الأدلة، منها حديث الباب وما تقدمه من أحاديث، وهذا حديث عبد الله بن مسعود من طريق ابنه أبي عبيدة الذي لم يصح سماعه من أبيه، لكنه من رواية إسرائيل، ورجحه المؤلف على رواية غيره.
"قال أبو عيسى: وهكذا روى قيس بن الربيع" الأسدي، أبو محمد الكوفي صدوق، "وهكذا روى قيس بن الربيع هذا الحديث عن أبي إسحاق" السبيعي "عن أبي عبيدة عن عبد الله نحو حديث إسرائيل"، يقول: "وروى معمر" يعني ابن راشد "وعمار بن رزيق" الضبي الكوفي، وهو لا بأس به عند أهل العلم "عن أبي إسحاق" يعني السبيعي "عن علقمة بن قيس عن عبد الله" بن مسعود، هناك عن أبي عبيدة حديث الباب عن أبي عبيدة عن ابن مسعود من طريق إسرائيل، وأيضاً من طريق -كما قال المؤلف-: هكذا روى قيس بن الربيع هذا الحديث عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة، فقيس بن الربيع متابع لإسرائيل، كلاهما يروي عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود، ثم قال: "وروى معمر" يعني ابن راشد الثقة الإمام المعروف "وعمار بن رزيق" لا بأس به، يعني قريب منزلته قريبة من منزلة قيس بن الربيع "عن أبي إسحاق عن علقمة عن ابن مسعود" وعلقمة له اختصاص، علقمة بن قيس النخعي الثقة الفقيه له اختصاص بابن مسعود، فإذا كانت الرواية من طريق أبي عبيدة عن ابن مسعود، ولم يصح سماعه من أبيه بإقرار المؤلف، بإقرار أبي عيسى المؤلف، وسيأتي قوله: بإسناد صحيح، حدثنا محمد بن بشار هذا بندار من رجال الستة، وشيخه محمد بن جعفر غندر أيضاً كذلك، قال: "حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة" ثقة أيضاً "قال: سألت أبا عبيدة بن عبد الله هل تذكر من عبد الله شيئاً؟ قال: لا" هذا تصريح وإقرار من المؤلف -رحمه الله تعالى- أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، إذا كان لا يذكر من حال أبيه شيئاً، والأفعال قد تدرك ويكون الإنسان على ذكر منها ولو كان صغيراً ويضبطها أكثر من الأقوال، فإذا كان لا يذكر شيئاً من حاله ففي أقواله من باب أولى، وهذا تصريح من المؤلف بأن أبا عبيدة لم يدرك من حال أبيه شيئاً، ولا يذكر شيئاً، بينما الحديث عن علقمة بن قيس النخعي وله اختصاص بابن مسعود، حتى قيل: إنه أصح الأسانيد، وروى زهير عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه الأسود بن يزيد عن عبد الله، وروى زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن الأسود بن يزيد عن عبد الله هذه الطرق الثلاثة عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه الأسود بن يزيد عن عبد الله عن أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن بن يزيد عن الأسود عن عبد الله، قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وهذا حديث فيه اضطراب، هذا الحديث فيه اضطراب، يعني مرة يُروى من طريق أبي عبيدة عن أبيه، ومرة يروى عن علقمة عن عبد الله، ومرة عن الأسود بن يزيد عن عبد الله، إذا عرفنا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ولم يذكر من حال أبيه شيئاً فهل يمكن أن يرجح على حديث علقمة؟ وهل يمكن أن يرجح على حديث الأسود بن يزيد عن عبد الله وقد أدركه إدراكاً بيناً؟ يقول: فيه اضطراب، الحديث المضطرب: هو الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية، يروى على أوجه يعني على أكثر من وجه، وتكون هذه الأوجه مختلفة، إن كانت متفقة فلا اضطراب، إذا أمكن ترجيح بعضها على بعض انتفى الاضطراب، بحيث لا يمكن الترجيح بينها ليتحقق الاضطراب، الإمام المؤلف -رحمه الله تعالى- رجّح حديث أبي عبيدة عن أبيه، فكيف يصف الحديث بالاضطراب مع إمكانه الترجيح؟ هذا خلاف ما عليه أهل العلم في حد المضطرب، مع أن الإمام البخاري رجح غير رواية أبي عبيدة على ما سيأتي، يقول: وهذا حديث فيه اضطراب، الترمذي -رحمه الله- بين في الروايات والطرق السابقة وجه هذا الاضطراب، وأن الرواة اختلفوا فيه في روايته عن عبد الله.
قال: حدثنا محمد بن بشار العبدي، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة، وهؤلاء كلهم ثقات أثبات، قال: سألت أبا عبيدة بن عبد الله هل تذكر من عبد الله شيئاً؟ قال: لا، وعرفنا أن هذا نص صحيح صريح في أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه شيئاً، وهو الراجح من أقوال أهل العلم.
"قال أبو عيسى: سألت أبو عبد الله بن عبد الرحمن" يعني أبو عيسى ما رجح حتى سأل، لم يرجح حتى سأل "سألت عبد الله بن عبد الرحمن -يعني الدارمي الإمام- أي الروايات في هذا الحديث عن أبي إسحاق أصح؟ فلم يقضِ فيه بشيء"، يقول: "وسألت محمداً عن هذا فلم يقضِ فيه بشيء" يعني البخاري، كأنه تردد في الجواب، ثم أثبت في صحيحه رواية اعتمدها ورجحها "وسألت محمداً -يعني البخاري- عن هذا فلم يقضِ فيه بشيء، وكأنه -يعني البخاري- رأي حديث زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله أشبه" يعني بالصحة وأقرب إلى الصواب، ووضعه في كتابه الجامع، يعني خرّجه في صحيحه في باب: لا يستنجى بروث.
"قال أبو عيسى: وأصح شيء في هذا عندي حديث إسرائيل وقيس عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله؛ لأن إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من هؤلاء" إذا كان يرجِّح حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله ويقر بأن أبا عبيدة لم يعرف من حال أبيه شيئاً ولم يسمع منه فهل رجح الرواية على رواية زهير من جهة التصحيح وإلا من جهة أنها أثبت لا من باب الصحة؟ لأن رواية أبي عبيدة عن أبيه منقطعة، فيكون الحديث عنده.. إذا كانت الرواية المنقطعة عنده أثبت من المتصلة فهل يعني هذا أنه يصحح المنقطعة، أو يطعن في المتصلة؟ يعني الترجيح الإجمالي لا شك أن المتصل أولى بالتصحيح من المنقطع، لكن ترجيح الترمذي للرواية المنقطعة مع إقراره بانقطاعها ترجيحه إياها على المتصلة لا شك أنه قدح في المتصلة لا أنه تصحيح للمنقطعة، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ ظاهر يا الإخوان وإلا ما هو بظاهر؟ لأنه قد يقول قائل: كيف يقول الإمام الترمذي يسوقه بإسناده الصحيح أن أبا عبيدة لا يذكر من حال أبيه شيئاً، ثم يرجح هذا الذي جاء من طريق هذا الرجل الذي لا يذكر من حال أبيه شيئاً، ولم يصح سماعه من أبيه يرجحه على الرواية المتصلة، هل لأن الترمذي يرى أن المنقطع صحيح أو أنه أرجح من المتصل؟ لا، ليس لهذا، وإنما هو يقدح في الرواية المتصلة، لماذا؟ لأن راوي المنقطعة أحفظ وأثبت وأشبه على ما يقول.
"قال أبو عيسى: وأصح شيء في هذا عندي حديث إسرائيل وقيس عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله؛ لأن إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من هؤلاء" يعني من معمر بن راشد وعمار بن رزيق وزهير وزكريا بن أبي زائدة، أثبت من هؤلاء كلهم؛ لأن إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق، عرفنا السبب؟ إذا تعارضت الروايات وكان فيها المتصل وفيها المنقطع وفيها المرسل وفيها الموصول وفيها المرفوع وفيها الموقوف، الأقوال المعروفة عند أهل العلم الأربعة ممن يحكم على مثل هذا الاختلاف بأحكام مطردة، هذا مفروغ منه معروف، منهم من يحكم للاتصال مطلقاً والرفع، ومنهم من يحكم للإرسال والوقف مطلقاً، ومنهم من يحكم للأكثر، ومنهم من يحكم للأحفظ، وهنا الترمذي حكم للأحفظ على الأكثر، وكأنه تبع في هذا أبا حاتم الرازي، أبو حاتم الرازي هذا منهجه وهذه طريقته، وقد قال في الحديث مثل ما قال الترمذي، وهو إمام من أئمة الحديث لا يقدح فيه، لكن أين إمامته من إمامة الإمام البخاري؟ لا سيما ما أودعه البخاري في صحيحه، يعني إذا اختلف قول الإمام البخاري مع قول الإمام أحمد أو مع قول أبي حاتم، أو مع قول الأئمة الكبار فمن يرجح؟ نعم إن كان قول البخاري في صحيحه إن كان قوله مدون يعني ترجيحه مدون في صحيحه الذي تلقته الأمة بالقبول فلا يرجح عليه أحد، وإن كان قوله مما يروى عنه في غير كتابه فقوله كغيره من الأئمة ينظر فيه، يعني لو كان الترجيح ذكره الإمام الترمذي عن البخاري ما هو في صحيحه إنما نقله الترمذي عن البخاري في جامعه نقول: ينظر، قول البخاري مثل غيره من الأئمة، يعني ليس بأحفظ من الإمام أحمد، وليس بأكثر تعليل للأحاديث من على بن المديني، هو كغيره من الأئمة ينظر فيه، لكن إذا أودع كلامه في صحيحه الذي تلقته الأمة بالقبول، فيرجح على غيره مطلقاً، الإمام البخاري لما رجح رواية الرفع في حديث ابن عمر في رفع اليدين بعد الركعتين، والإمام أحمد رجّح الوقف، يعني لو كان قول البخاري منقول من قبل الترمذي أو غيره، منقول عنه نظرنا في قوله مع قول الإمام أحمد، لكن ما دام في صحيحه، وصحيحه له شأن عند الأمة، تلقته الأمة بالقبول حتى اكتسب القطيعة بهذا القبول، قلنا: لا ينظر لقول أحد مع قوله -رحمه الله-، مع أنه لا يلزم إمام بقول إمام، لا نقول: لماذا الترمذي ما قلد البخاري؟ قلد أبا حاتم ولم يقلد البخاري؟ لا يلزم مجتهد بقول مجتهد.
يقول: "وسألت محمد عن هذا فلم يقضِ فيه بشيء، وكأنه رأى -يعني الإمام البخاري- حديث زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله أشبه" يعني أشبه بالصحة، وأقرب إلى الصواب "ووضعه في كتابه الجامع" وإذا وجدنا الترجيح من قبل الإمام البخاري في جامعه لم ننظر إلى غيره، أما إذا وجدنا ترجيحه فيما ينقل عنه خارج الجامع قلنا: إمام من أئمة المسلمين، وينظر في ترجيحه مع أقوال الأئمة الآخرين.
"قال أبو عيسى: وأصح شيء عندي في هذا إسرائيل وقيس عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله؛ لأن إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من هؤلاء" يعني من هؤلاء مجتمعين، معْمَر وهو إمام وعمار بن رزيق وزهير وزكريا بن أبي زائدة، وهنا رجح رواية الأحفظ على رواية الأكثر، وتابعه يعني إسرائيل على روايته عن أبي إسحاق، تابعه على ذلك قيس بن الربيع، قيس بن الربيع.
"قال أبو عيسى: وسمعت أبا موسى محمد بن المثنى" -العنزي المعروف، شيخ الأئمة- "يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما فاتني الذي فاتني من حديث سفيان، عن أبي إسحاق إلا لما اتكلت به على إسرائيل، لأنه كان يأتي به أتم" يعني يأتي به على وجهه لا يخرم منه كلمة، يعني أنه يضبط حديث أبي إسحاق، إسرائيل يضبط حديث أبي إسحاق، ولهذا رجح على غيره من قبل الإمام الترمذي، الترجيح في مثل هذه المواطن لا يتسنى لكل أحد، لا يتسنى لكل أحد، فلو نظرنا كيف رجح الإمام الترمذي رواية إسرائيل على رواية أئمة حفاظ ثقات مجتمعين أربعة أو خمسة يرجح عليهم رواية واحد لا شك أن القرائن دلته على ترجيح رواية إسرائيل، وغيره رجح رواية غير إسرائيل على روايته لا سيما وأن الحديث الذي من طريق إسرائيل يروى بسند منقطع، ورواية غيره متصلة، وعرفنا أن الترمذي لا يرجِّح المنقطع على المتصل لذات الانقطاع والاتصال، وإنما يعل المتصلة بهذه الطريق المنقطعة.
"قال أبو عيسى: وزهير" هو ابن معاوية ثقة ثبت عند الأئمة توفي سنة اثنتين وسبعين ومائة "في أبي إسحاق ليس بذلك" يعني في روايته عن أبي إسحاق ليس بذاك، يعني ليس بذاك القوي "لأن سماعه منه بآخرة" كذا ضبط هنا، ويضبطه أهل العلم بأخرة بالقصر، يعني بعد ما تغير أبو إسحاق "قال: وسمعت أحمد بن الحسن -بن جنيدب- الترمذي" الحافظ، الجوال، أحد أوعية العلم، توفي سنة خمس ومائتين "يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا سمعت الحديث" لعله سنة خمسين ومائتين؛ لأنه يروي عنه الترمذي وهو يروي عن أحمد، "سمعت أحمد بن الحسن الترمذي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا سمعت الحديث عن زائدة وزهير" زائدة بن قدامة الثقفي أحد الأعلام "إذا سمعت الحديث عن زائدة وزهير فلا تبالي ألا تسمعه من غيرهما إلا حديث أبي إسحاق" لأنه سمع منه بعد الاختلاط "وأبو إسحاق اسمه: عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني" ثقة عابد، توفي سنة تسع وعشرين ومائة "وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه ولا يُعرف اسمه" وسماه الإمام مسلم في الكنى سماه عامر، لكنه مشهور بكنيته، وهذه هي العادة أن من اشتهر بشيء من اسم أو كنية أو لقب فإنه يضيع ما سواه.
الشارح المبارك فوري: يقول: اعلم أن الترمذي رجح رواية إسرائيل على رواية زهير التي خرّجها الإمام البخاري في صحيحه، يقول: اعلم أن الترمذي رجح رواية إسرائيل على رواية زهير التي وضعها الإمام البخاري في صحيحه، وعلى رواية معمر وغيره بثلاثة وجوه:
الأول: أن إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من زهير ومعاوية وغيرهما.
الثانية: أن قيس بن الربيع تابع إسرائيل على روايته عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله عن عبد الله.
الثالث: أن سماع إسرائيل من أبي إسحاق ليس في آخر عمره، يعني بعد الاختلاط والتغير وسماع زهير منه في آخر عمره، هذه الأوجه التي رجّح الترمذي بها رواية إسرائيل على رواية غيره.
قلت -الشارح يقول كذا- قلت: في كل من هذه الوجه الثلاثة نظر، فما قال في الوجه الأول: فهو معارض بما قال الآجري: سألت أبا داود عن زهير وإسرائيل في أبي إسحاق فقال: زهير فوق إسرائيل بكثير، وما قال في الوجه الثاني من متابعة قيس بن الربيع لرواية إسرائيل فإن شريكاً القاضي تابع زهيراً، وشريك أوثق من قيس، وأيضاً تابع زهيراً إبراهيم بن يوسف عن أبيه وابن حماد الحنفي وأبو مريم، وزكريا بن أبي زائدة، وما قاله في الوجه الثالث فهو معارض بما قال الذهبي في الميزان..
قال أحمد حنبل: حديث زكريا وإسرائيل عن أبي إسحاق لين، سمعا منه بآخرة أو بأخرة؟ بما في ذلك إسرائيل التي رجحها الترمذي، فظهر الآن أنه ليس لترجيح رواية إسرائيل وجه صحيح، بل الظاهر أن الترجيح لرواية زهير التي رجحها الإمام البخاري ووضعها في صحيحة، يعني إذا اعتبرنا الإمام الترمذي من أئمة هذا الشأن ولا يقدح فيه أحد، إمام يعني لا يتطاول عليه عالم فضلاً عن طالب علم، لكن أين إمامة الترمذي من إمامة البخاري في هذا الشأن؟ معوَّل الإمام الترمذي في العلل على البخاري، سواء كان في جامعه أو في علله، هو يعول كثيراً على الإمام البخاري.
يقول: قال الحافظ ابن حجر في مقدمته -مقدمة فتح الباري-: حكى ابن أبي حاتم عن أبيه وأبي زرعة أنهما رجحا رواية إسرائيل، وكأن الترمذي تبعهما في ذلك، والذي يظهر أن الذي رجحه البخاري هو الأرجح، وبيان ذلك أن مجموع كلام هؤلاء الأئمة مشعر بأن الراجح على الروايات كلها، أم طريق إسرائيل وهي عن عبيدة عن أبيه وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه فيكون الإسناد منقطعاً، أو رواية زهير وهي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود فيكون متصلاً، وهو تصرفٌ صحيح؛ لأن الأسانيد فيه إلى زهير وإلى إسرائيل أثبت من بقية الأسانيد، وإذا تقرر ذلك كان دعوى الاضطراب في الحديث منفية؛ لأن الاختلاف على الحفاظ في الحديث لا يوجب أن يكون مضطرباً إلا بشرطين.
أحدهما: استواء وجوه الاختلاف فمتى رجح أحد الأقوال قُدِّم، ولا يعل الصحيح بالمرجوح.
وثانيهما: مع الاستواء أن يعتذر الجمع على قواعد المحدثين، أو يغلب على الظن أن ذلك الحافظ لم يضبط ذلك الحديث بعينه، فحينئذٍ يحكم على تلك الرواية وحدها بالاضطراب، ويتوقف في الحكم لصحة ذلك الحديث لذلك، وهاهنا يظهر عدم استواء وجوه الاختلاف على أبي إسحاق فيه؛ لأن الروايات المختلفة عنه لا يخلو إسناد منها من مقال غير الطريقين المقدم ذكرهما عن زهير وعن إسرائيل، مع أنه يمكن رد أكثر الطرق إلى رواية زهير، والذي يظهر بعد ذلك تقديم رواية زهير؛ لأن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق قد تابع زهيراً وقد رواه الطبراني في المعجم الكبير من رواية يحيى بن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق كرواية زهير، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه من طريق ليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود كرواية زهير عن أبي إسحاق، وليث وإن كان ضعيف الحديث فإنه يعتبر به ويستشهد، فيعرف أن له من رواية عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أصلاً انتهى كلام الحافظ.
وعلى هذا يرجح ما خرّجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- واعتمده من الرواية المتصلة، وتكون رواية زهير محفوظة حينئذٍ، وإن كانت روايته عن أبي إسحاق بأخرة.
كيف تكون الرواية محفوظة ورواية زهير عن أبي إسحاق بأخرة كما صرح بذلك الترمذي ووافقه ابن حجر في التقريب؟ وافقه بن حجر في التقريب فيكف تكون محفوظة وقد روى عنه بعد التغير؟ الراوي إذا تغير واختلط هناك التغير الكلي المطبق بحيث لا يحفظ شيئاً من حديثه، ولا يعي شيئاً من أقواله، ومثل هذا لا يمكن أن يروى عنه، لا يروي عنه زهير ولا غير زهير، حتى من دون زهير ما يمكن أن يروي عن مثل هذا، إنما يروي زهير عمن تغير ومثل زهير إنما يروي عن الراوي إذا تغير إذا كان يضبط شيئاً ولا يضبط شيئاً، يضبط بعض أحاديثه ولا يضبط بعض الأحاديث، فيكون ما رواه زهير عنه بعد التغير منه مما ضبطه وأتقنه، وكلكم يعرف الإنسان إذا تغير في أخر عمره إذا وصل الثمانين أو تعدها وحصل عنده بعض الاختلاف بعض القصص والأحداث يسوقها كما هي، كما كان يسوقها في العشرين من عمره، وبعضها يحصل عنده شيء من الاضطراب في سياقها، والتقديم والتأخير والنقص وبعض التغير؛ لئلا يقول: كيف يكون زهير روى عنه بعد التغير وتكون روايته عنه محفوظة؟ لماذا الحافظ ابن حجر يقول: محفوظة ويعترف أن زهير في التقريب إنما روى عن أبي إسحاق بعد التغير، نقول: نعم تكون محفوظة وروايته عنه بعد التغير لكن المتغير يحفظ شيئاً ويضيع أشياء، فيكون هذا مما ضبطه وأتقنه، إذاً هذا ظاهر.
اقتراحات من بعض الإخوان أن مثل هذه الأمور لا نعرج عليها ولا نلتفت إليها، ونكتفي بمتن الحديث إذا صح، ونقرر المسائل الفقيهة على ضوئه.
نقول: إذا ما تعرضنا ما تعرضنا لمثل هذه الأمور، نأخذ متن فقهي يكون أريح لنا شوي، لكن تخريج طالب العلم على مثل هذه الأمور في غاية الأهمية، نعم بعض الإخوان قد يكون تحصيله لا يؤهله إلى مثل هذه الأمور، لكن يلحق -إن شاء الله-.
سم.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء في كراهية ما يستنجى به:
حدثنا هناد قال: حدثنا حفص بن غياث عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن». وفي الباب عن أبي هريرة وسلمان وجابر وابن عمر.
قال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم وغيره عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله أنه كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة الجن... الحديث بطوله، فقال الشعبي: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن» وكأن رواية إسماعيل أصح من رواية حفص بن غياث، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم، وفي الباب عن جابر وابن عمر -رضي الله عنهما-.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في كراهية ما يستنجى به" أي بيان الأشياء التي يكره الاستنجاء بها، والكراهة هنا يراد بها التحريم، وجاءت بها النصوص من الكتاب والسنة وأكثر إطلاقات السلف لهذا اللفظ إنما يقصد به ويراد به التحريم، وإن اصطلح العلماء على جعل الكراهة للتنزيه، الكراهة القسيمة للتحريم حملوها على التنزيه، وأكثر النصوص نصوص الكتاب والسنة جاءت الكراهة يراد بها التحريم، وجاءت أيضاً على لسان الصحابة والتابعين والأئمة، حتى على لسان مالك وأبي حنفية وأحمد والشافعي، الأئمة الكبار يطلقون الكراهة ويريدون بها التحريم، ومنها ما معنا، "باب: ما جاء في كراهية ما يستنجى به" لئلا يقول قائل: الإمام ترجم بالكراهة، والكراهة تعني أن الحكم -حكم هذا مكروه- الاستنجاء بما يذكر مكروه، من روث وعظام، وإذا راجع كتب الأصول وجد أن المكروه ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، والكراهة عند أهل العلم تزول بأدنى حاجة، فإذا احتاج إلى ما ذكر زالت الكراهة، نقول: هذا الكلام ليس بصحيح، ويحصل خلط كبير حينما تختلف الحقائق العرفية الاصطلاحية مع الحقيقة الشرعية، حينما تختلف الحقيقة العرفية الاصطلاحية عند أهل العلم مع الحقيقة الشرعية، في مثل هذا إذا حملنا الكراهة على الكراهة الاصطلاحية ارتكبنا محظور كبير، وقل مثل هذا فيما إذا حملنا قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «غسل الجمعة واجب» إذا حملنا هذا النص على الحقيقة العرفية الاصطلاحية وهو التأثيم وقعنا في المحظور نفسه، إلا أن هذا في ارتكاب المحظور، في التساهل في ارتكاب المحظور، وذاك في التشديد في أمر لم يوجب شرعاً، فهذه الاصطلاحات حصلت من أهل العلم واتفقوا عليها، وتداولوها وتناولوا عليها كتبهم، لكن إذا قارناها بالاصطلاحات سواء كانت اللغوية أو الحقائق الشرعة وجدنا فيها نوع من الاختلاف، نعم كل ما قرب الاصطلاح العرفي الاصطلاحي عند العلماء من الاستعمال الشرعي كان أولى، لئلا يحصل مثل هذا الاضطراب، لكن إذا حصل الاصطلاح ولا مشاحاة في الاصطلاح عند أهل العلم لا بد أن ننظر إلى الحقائق كل شيء في موضعه، كل حقيقة في موضعها، يعني لو نظرنا إلى قول الحنفية في زكاة الفطر أنها ليست فرض وإنما هي واجبة بناءاً على أن الاصطلاح عندهم أن الفرض ما ثبت بدليل قطعي، والواجب ما ثبت بدليل ظني، والصحابي يقول: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر" على كل حال مسألة اختلاف الاصطلاحات واختلاف الحقائق الثلاث لا بد من مراعاتها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا هناد" بن السري، الثقة الحافظ المعروف "قال: حدثنا حفص بن غياث" بن طلق بن معاوية النخعي، أبو عمر الكوفي أيضاً ثقة "عن داود بن أبي هند" القشيري مولاهم ثقة أيضاً "عن الشعبي" عامر بن شراحيل، ثقة فقيه معروف "عن علقمة" بن قيس النخعي، كذلك ثقة فقيه "عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن»" لا تستنجوا (لا) ناهية، والأصل في النهي التحريم، «بالروث» يعني الرجيع، رجيع الدواب، «ولا بالعظام» جمع عظم، وتقدم الكلام فيهما، في الدرس الماضي والعلة في ذلك «فإنه زاد إخوانكم من الجن» وفي رواية مسلم في قصة ليلة الجن وسألوه عن الزاد فقال: «لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة لدوابكم»، «فإنه زاد إخوانكم من الجن» فإنه يعود إلى أقرب مذكور وهو العظام، فإنه يعني العظام، وأما الروث فإنه علف دوابهم كما جاء مفصلاً على رواية مسلم، سألوه عن الزاد فقال: «لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة لدوابكم» جاء التعليل بهذه «فإنه زاد إخوانكم من الجن» وجاء التعليل في رواية الدارقطني: بكونهما لا يطهران، التعليل بأكثر من علة كونه زاد إخواننا من الجن، أو علف دوابهم ظاهر، تكون العلة لهذا، وهو إفساد للطعام والعلف، وعلى هذا يطرد في زاد الإنس وعلف دواب الإنس، لا يجوز الاستنجاء به، إذا قلنا: العلة الواردة في هذا الحديث هي مناط الحكم، فإنهما لا يطهِّران تطهير حقيقي أو تطهير حكمي؟ تطهير حقيقي وإلا تطهير حكمي؟ بمعنى أنه لو أتينا بروث أو عظم لو أتى شخص بروث أو بعظم ما وجد غيره فاستعملهما وأنقيا المحل، يكفي وإلا ما يكفي؟ أنقيا المحل، وطهراه كما تطهره الحجارة؟ نعم؟ فإنهما لا يطهران، المنفي هنا الطهارة الحقيقية أو الطهارة الحكمية؟
طالب: الطهارة الحكمية.
نعم الطهارة الحكمية، الطهارة الحكمية منتفية، وقد يقول قائل: إنه قد يحمل على الطهارة الحقيقية، بمعنى أن الروث ركس، والركس هو الرجس، والرجس النجس، فالنجس لا يطهر يزيد المحل نجاسة، لا سيما إذا كانت روثة حمار كما في الحديث السابق، لكن إذا كانت روثة مأكول اللحم لا يتجه إلى القول بأنها طهارة حكمية، أما الطهارة الحقيقية فقد تحصل، هذا بالنسبة للروث، بالنسبة للعظم قد تحمل الطهارة على الحقيقية، وهي فيما إذا كان العظم طري أملس لا يزيل النجاسة، لكن إذا كان خشن يزيل النجاسة حقيقة يبقى أنه لا يزيلها حكماً، وعلى هذا النهي عن الاستنجاء بالروث والعظام لذات المنهي عنه أو لأمر خارج؟ لأنه قد يقول قائل: النهي ثابت والتحريم حاصل والإثم لازم، لكن ما وجدت إلا هذا وتنظفت، تصح الطهارة حينئذٍ وإلا لا؟
عرفنا أنه إذا كان النهي عائد إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه فإن العبادة تبطل، أو العقد أيضاً يبطل مع التحريم، إذا عاد إلى أمر خارج فإنه يصح مع التحريم، فالنهي هنا لذات المنهي عنه إذا قلنا: العلة فإنهما لا يطهران، صار لذات المنهي عنه؛ لأنه لا يطهر، أما إذا عللنا بأنه زاد إخواننا من الجن قلنا: النهي لأمر خارج فيحصل التطهير به مع التحريم، وإذا ثبتت رواية: "فإنهما لا يطهران" وهي عند الدارقطني، وأثبتها بعضهم انتهى الكلام، لكن لو لم يرد في النص إلا حديث الباب: «فإنها زاد إخوانكم من الجن» قلنا: النهي زاد لأمر خارج عن العبادة، ولا ارتباط له بها كمن صلى بعمامة حرير أو خاتم ذهب أو مسبل لا أثر لذلك على الصلاة وإن كان محرماً.
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "في الباب عن أبي هريرة" وهذا عند الإمام البخاري "وسلمان" عند مسلم والأربعة "وجابر" عند مسلم "وابن عمر".
"قال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم" بن مقسم الأسدي، المعروف بابن عُلية، ثقة ثبت "وغيره عند داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله أنه كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة الجن، الحديث بطوله" بنصب الحديث أي: أتم الحديث، أو اقرأ الحديث بطوله "وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم" المعروف بابن عُلية ثقة "وغيره عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله أنه كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة الجن.. الحديث بطوله، فقال الشعبي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن»" لكن ثبت في صحيح مسلم وفي جامع الترمذي أن ابن مسعود قال: "ما صحبه منا أحد" يعني ليلة الجني "ما صحبه منا أحد" أنه كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة الجن في هذا الحديث الذي يرويه ابن عُلية عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود، سند ظاهره الصحة، في صحيح مسلم وجامع الترمذي ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- يقول: "ما صحبه منا أحد" يعني ليلة الجن، المؤلف -رحمه الله تعالى- يقول: "وكأن رواية إسماعيل أصح من رواية حفص بن غياث" إسماعيل بن عُلية يقول: روايته أصح من رواية حفص بن غياث، يعني التي سيرويها المؤلف بإسناده فيما يأتي في كتاب التفسير، يعني متأخر جداً، وهي في صحيح مسلم أيضاً، والعلة في ذلك لأن راوية إسماعيل مقطوعة، ورواية حفص بن غياث مسندة ففي رواية إسماعيل هي من كلام الشعبي، وراية حفص إلى ابن مسعود.
انتبهوا لهذا يا إخوان، الآن رواية إسماعيل أصح، ورواية حفص.. أصح من رواية حفص لماذا؟ لأن رواية إسماعيل مقطوعة، كيف تكون أصح وهي مقطوعة ورواية حفص بن غياث مسندة؟ في رواية إسماعيل الكلام للشعبي وليس لابن مسعود، ورواية حفص من كلام ابن مسعود، ابن مسعود يقول: "ما صحبه منا أحد" والذي عندنا عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله أنه كان ما قال: عن عبد الله كنت، ننتبه يا إخوان، الذي ينظر إلى إسناد الترمذي يقول: ما في إشكال، إسناد متصل ويش لونك تقول: رواية مقطوعة؟ يقول: عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله أنه كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- الكلام لمن؟ ظاهر اللفظ، ظاهر الإسناد أنه لعلقمة، وعلقمة يحكي قصة لم يشهدها فهي مقطوعة، ورواية حفص بن غياث من كلام ابن مسعود قال: "ما صحبه منا أحد" يعني ليلة الجن، إذا كان الأمر كذلك رواية الشعبي مقطوعة، رواية إسماعيل مقطوعة، ورواية حفص مسندة، كيف يقول: رواية إسماعيل أصح من رواية حفص؟ هل لأن رواية إسماعيل مثبِتة ورواية حفص نافية والمثبت مقدم على النافي أو لماذا؟ لأن الأوجه التي ذكرت تقتضي العكس في الحكم، وجه الترجيح الذي ذكر رواية إسماعيل أصح من رواية حفص بن غياث لماذا؟ رواية حفص هي التي خرّجها المؤلف وخرجها مسلم، ورواية إسماعيل هي التي ذكرها الترمذي هنا، يقول: "رواية إسماعيل أصح من رواية حفص بن غياث" العلة ويش السبب؟ السبب قالوا: لأن رواية إسماعيل مقطوعة وعرفنا وجه القطع فيها؛ لأن الراوي يحكي قصة لم يشهدها.
عن عبد الله أنه كان ما قال: إني كنت، يعني عن عبد الله يعني عن قصة عبد الله أنه كان؛ لأنها قد ترد عن ولا يقصد بها الرواية، و إنما يقصد بها القصة، لا يقصد بها الرواية فتحمل على الاتصال بالشرطين المعروفين لا، عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه (عن) هذه يقصد بها الرواية؟ يروى عن أبي الأحوص أو قصة أبي الأحوص؟ قصة بلا شك؛ لأنه خرج عليه خوارج وقتلوه ما يمكن أن يحدث، وهنا عن عبد الله أنه كان مع النبي يعني عن قصة عبد الله أنه كان مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ليلة الجن فتكون مقطوعة، طيب رواية حفص بن غياث مخرجة في مسلم أن ابن مسعود قال: "ما صحبه منا أحد" يعني ليلة الجن، مقتضى كونها مقطوعة والثاني مسندة هل يعني هذا أن المقطوع أصح من المسند أو مثلما قلنا في الحديث السابق أنه يعل الرواية المسندة بالرواية المقطوعة؟ نعم؟ يعلها.
"والعمل على هذا عند أهل العلم" والعلم على هذا الحديث عند أهل العلم أنه لا يجوز الاستنجاء بالعظم والروث، نأتي إلى الحديث هل النفي أو الإثبات أرجح؟ أو يمكن الجمع بين الروايتين؟ وأنهم كانوا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر، ثم افتقدوه وقلقوا عليه؟ يعني في أول الأمر مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم جاءه داعي الجن وذهب معه وليس معه أحد، يعني لما ذهب إلى الجن ما معه أحد، لكن قبل ذلك كانوا معه، وكان ممن معه ابن مسعود، فمن أثبت أراد أول الأمر، ومن نفى أراد أخر الأمر، وبهذا تجتمع الروايات، وعلى كل حال الحديث صحيح، حديث الباب صحيح حديث ابن مسعود، قوله: "وفي الباب عن جابر وابن عمر -رضي الله عنهما-" هذا تكرار، تقدم في أثناء الباب.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء في الاستنجاء بالماء:
حدثنا قتيبة ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب البصري، قالا: حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن معاذة عن عائشة قالت: "مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يفعله".
وفي الباب عن جرير بن عبد الله البجلي وأنس وأبي هريرة.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وعليه العمل عند أهل العلم يختارون الاستنجاء بالماء، وإن كان الاستنجاء بالحجارة يجزئ عندهم، فإنهم استحبوا الاستنجاء بالماء ورأوه أفضل، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحق.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الاستنجاء بالماء"، يقول: "حدثنا قتيبة" يعني ابن سعيد "ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب -الأموي- البصري" صدوق من كبار العاشرة "قالا: حدثنا أبو عوانة" الوضاح بن عبد الله اليشكري "عن قتادة" بن دعامة السدوسي "عن معاذة" قتادة ثقة ثبت، لكنه يُدلس وهنا بالعنعنة، ولا يقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالتحديث، خلا ما في الصحيحين من ذلك "عن معاذة" بنت عبد الله العدوية البصرية العابدة، ثقة "عن عائشة -رضي الله عنها- قالت –للنساء-: "مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء" أن يستطيبوا يعني: يستنجوا، والاستنجاء هو الإستطابة "بالماء فإني أستحييهم" يعني أستحيي منهم "فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يفعله" تعني الاستنجاء بالماء، وورد في أحاديث أنه كان يذهب لقضاء الحاجة فيتبع بإدارة فيها الماء -عليه الصلاة والسلام-.
أولاً: الحديث فيه عنعنة قتادة، لكن يشهد له حديث جرير وأنس وأبي هريرة، فيه أيضاً قول عائشة للنساء: "مرن أزوجكن أن يستطيبوا بالماء" الأمر بالأمر بالشيء يعني لو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال هذا الكلام "مرن أزواجكن" أو قال للأزواج: "مروا زوجاتكم" مسألة الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به أو لا؟ مسألة خلافية معروفة عند أهل العلم "مرن أزواجكن" هل معنى هذا أن عائشة تأمر الأزواج فقط أو يدخل فيه النساء؟ يعني أمر الرجال يدخل فيه النساء أو لا يدخل؟ الأصل أن يدخل النساء؛ لأن النساء شقائق الرجال، وكأن عائشة -رضي الله عنها- لما كلّفت النساء بأمر الأزواج كأنها استغنت عن أمر النساء أنفسهن.
"مرن أزواجكن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم" أستحييهم بيائين لغة قريش، ولغة تميم ياء واحدة، ويظهر أثر ذلك في الجزم، إذا أدخلنا على المضارع جازم بقيت ياء في لغة قريش، وحذفت ياء، وعلى لغة تميم لا يبقى شيء، «إذا لم تستحي» كسرة وإلا ياء؟ قريش ياء «إذا لم تستحي»، وعلى لغة تميم «إذا لم تستحِ» بكسرة؛ لأن على لغة قريش حذفت ياء وبقيت ياء {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي} [(26) سورة البقرة] بيائين، في البخاري الترجمة: "باب: إذا لم تستحِ" بكسرة على لغة تميم، والحديث بياء على لغة قريش.
«فإني استحييهم، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يفعله" والأمر هنا للاستحباب؛ لأن مجرد الفعل لا يقتضى الوجوب، وتعني بذلك الاستنجاء بالماء.
قال: "وفي الباب عن جرير" بن عبد الله البجلي، وخرجه في صحيح ابن خزيمة "وعن أنس" وهو في الصحيحين في البخاري ومسلم في حديث أنس: "فأنطلق أنا وغلام نحوي" والخلاف في الغلام هل هو ابن مسعود أو غيره معروف "وأبي هريرة" عند أبي داود والترمذي وابن ماجه في قصة أهل قباء، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سألهم لما أثنى الله عليهم للطهارة قالوا: إنا نتبع الحجارة الماء، والحديث ضعيف.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه أحمد والنسائي "وعليه العمل عند أهل العلم يختارون الاستنجاء بالماء" لأنه أنقى "وإن كان الاستنجاء بالحجارة يجزئ عندهم، فإنهم استحبوا الاستنجاء بالماء، ورأوه أفضل، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق" يقول العيني في شرح البخاري: مذهب جمهور السلف والخلف والذي أجمع عليه أهل الفتوى أن الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر، فيقدم الحجر أولاً، ثم يستعمل الماء فتخف النجاسة بالاستنجاء بالحجر، وتقل مباشرة اليد بها، ولكونه أبلغ في النظافة، فإذا أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل، لكونه يزيل عين النجاسة وأثرها، والحجر يزيل العين دون الأثر، وعرفنا أن القدر المجزئ في الاستنجاء أو في الاستجمار بالحجارة يعني ألا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء، وأما ضابط الإزالة بالماء فعود خشونة المحل كما يقول أهل العلم، والحجر يزيل العين دون الأثر لكنه متفق عليه، وتصح الصلاة معه، وجاء عن حذيفة أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال: إذاً لا يزال في يدي نتن، يعني رائحة، وعن ابن عمر أنه كان لا يستنجي بالماء، وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم، وما دام ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا كلام لأحد كائناً من كان، ثم حصل الإجماع عليه، نعم.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب:
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة قال: "كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- حاجته فأبعد في المذهب"
قال: وفي الباب عن عبد الرحمن بن أبي قُراد وأبي قتادة وجابر ويحيى بن عبيد عن أبيه وأبي موسى وابن عباس وبلال بن الحارث.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يرتاد لبوله مكاناً كما يرتاد منزلاً، وأبو سلمة اسمه: عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب" من أدبه -عليه الصلاة والسلام- ومن كمال خلقه أنه إذا أراد الحاجة أبعد، لئلا يتأذى الناس بما يخرج أثناء قضاء الحاجة، بالرائحة، بالحشرات، بالخارج نفسه، فيبعد، لئلا يتأذى الناس بذلك، وجاء اللعن
«واتقوا الملاعن» الذي يبول في طريق الناس وفي ظلهم، لكن تقدم في حديث حذيفة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتهى إلى سباطة قوم، فبال قائم على ما تقدم فدل على أن أمر البول أسهل من أمر الغائط؛ لأن البول لا رائحة له، ولا يصاحبه صوت بخلاف الغائط، لكن ومع ذلك لا يجوز البول لا في طريق الناس ولا في ظلهم ولا تحت شجرة، ولا في الموارد ولا في غيرها مما جاء النهي عنه.
"إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب" وهذا نص الحدث "قال: حدثنا محمد بن بشار" الإمام الحافظ، المعروف ببندار "قال: حدثنا عبد الوهاب -بن عبد المجيد الثقفي" أبو محمد البصري ثقة، توفي سنة أربع وتسعين ومائة "عن محمد بن عمرو" بن علقمة بن وقاص الليثي، صدوق، تكلم فيه من جهة حفظه، ومنهم من وثقه لعدالته، وعلى كل حال حديثه من قبيل الحسن، وإذا وجد له متابع أو شاهد صُحح، كما قال الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
والحسن المشهور بالعدالة |
| والصدق روايه إذا أتى له |
اللي عندنا هذا.
................................... |
| عليه فارتقى الصحيح يجري |
"عن أبي سلمة" بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ثقة مكثر، فقيه، قيل: إنه أحد الفقهاء السبعة، وأبو سلمة أسمه: عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، على ما سيأتي في كلام الإمام -رحمه الله تعالى- "عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة" بن مسعود الثقفي، صحابي مشهور "قال: "كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- حاجته فأبعد في المذهب" والمذهب إما مصدر بيبي يقال: ذهب يذهب ذهاباً ومذهباً، أو مكان الذِّهاب الذي يذهب إليه لقضاء الحاجة "قال: وفي الباب عن عبد الرحمن بن أبي قراد" الأنصاري صحابي، وحديثه في النسائي وابن ماجه "وعن أبي قتادة" وهذا لم يقف عليه الشارح، وجاء من عند أبي داود وابن ماجه "ويحيى بن عبيد عن أبيه وأبي موسى وابن عباس" وهذا عند الطبراني في الأوسط، لكن سنده ضعيف جداً "وبلال بن الحارث" عند ابن ماجه، وهو ضعيف أيضاً.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" إذا نظرنا إلى إسناده فمحمد بن بشار وعبد الوهاب الثقفي ثقتان، ومحمد بن عمرو صدوق، وأبو سلمة ثقة، والصحابي لا كلام فيه، فالإسناد ما فيه إلا محمد بن عمرو وحديثه حسن، يعني لو لم يرد إلا من هذا الطريق لكان حكمه الحسن، لكن يشهد له ما ذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- من الشواهد، ولذا "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" صححه بشواهده، أخرجه الدارمي وبقية الأربعة، "ويروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يرتاد لبوله مكاناً" يعني ليناً، سهلاً رخواً لئلا يرتد الرشاش عليه كما يرتاد منزلاً، يعني هو بحاجة إلى هذا كما أنه بحاجة إلى المنزل المناسب.
يقول الشارح: لم أقف على من أخرج الحديث بهذا اللفظ؛ لأن المؤلف يقول: "ويروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" يعني لو أخرجه بإسناده كفى، لكن ذكره بدون إسناد وصدَّره بصيغة التمريض لا بد أن يبحث عن مصدر أخر، يخرج فيه ليحكم عليه بما يليق به، فالشارح يقول: لم أقف على من أخرج حديثه بهذا اللفظ، وفي الأوسط للطبراني عن أبي هريرة بلفظ: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله.
وروى أبو داود عن أبي موسى قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فأراد أن يبول، فأتى دمثاً في أصل جدار فبال ثم قال: «إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله» يعني ليطلب لبوله مكاناً رخواً لئلا يرتد عليه رشاش البول "وأبو سلمة أسمه: عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري" ومثل هذا الحكم لو لم يرد فيه نص مطلوب وإلا ما هو بمطلوب؟ يعني هل يقصد الإنسان المكان الصلب وإلا يقصد المكان الرخو؟ لا بد المكان الرخو لئلا يرتد إليه الرشاش، أو المكان المنحدر بحيث يجلس في أسفله بحيث يرجع إليه، على كل حال عليه أن يحتاط لنفسه وألا يترك للنجاسة سبيلاً إلى أن تصل إليه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"تحقيقات الشيخ شعيب والشيخ عبد القادر من أجود ما يعرض في الأسواق الآن، وأما محمود ابن الشيخ عبد القادر تحقيقاته جيدة، لكن ليس مثل أبيه، نظر الفريابي له تحقيقات طيبة على أن تحقيقه لتدريب الراوي أقل، وعهدي به يعمل على فتح الباري، ما أدري انتهى وإلا ما انتهى؟ على كل حال جيد في الجملة.
هو أبو عيسى الترمذي المؤلف، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي.
لا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة من شعائر الدين الظاهرة، وهي سبب خيرية هذه الأمة وتفضيلها على سائر الأمم، فهو أمر في غاية الأهمية، ونصوص الكتاب والسنة الواردة في هذا الباب لا تخفى على العامة فضلاً عن آحاد المتعلمين، فلا بد من القيام بها، فرض على الأمة فريضة من فرائض الدين، وليس منوط بجهة معينة، بل جاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: «من رأى منكم» يقول: من رأى المنكر عليه أن يغير، يجب عليه أن يغير حسب استطاعته وقدرته بالشرط الذي يتفق عليه أهل العلم ألا يترتب على تغير المنكر منكر أعظم منه.
لا، يفعل ولو في وقت النهي؛ لأنه ليس بصلاة عند جمع من أهل العلم والمنهي عنه الصلاة.
هذه يفتي بها بعض طلاب العلم والمشائخ، ولست على راحة منها؛ لأن حقيقتها تعود إلى لا شيء، لا عين ولا منفعة إنما هي أسماء اعتبارية كما يقولون، لا حقيقة لها.
هما طريقتان، المغاربة يبدؤون بحفظ القرآن ولا يقرؤون معه شيء، حتى إذا ما أنهوا حفظ القرآن كاملاً بدأوا بالعلوم الأخرى، والمشارقة ما يفعلون هذا، المغاربة يندر أن يوجد في طلاب العلم من لا يحفظ القرآن لهذا السبب؛ لأنه يضمن حفظ القرآن قبل أن يبدأ بحفظ العلوم الأخرى، المشارقة طريقتهم تختلف يحفظون في بداية الأمر شيئاً من القرآن وليكن المفصَّل مثلاً مع المتون، متون الطبقة الأولى ثم يزيدون من القرآن ما يناسب سن الطالب مع متون الطبقة الثانية ثم الثالثة وهكذا، ولا ينتهون من كتب الطبقات الأربع إلا وقد انتهوا من حفظ القرآن، لكن من يضمن أن طالب العلم يستمر فإذا ضمن طالب العلم حفظ القرآن الباقي كله ملحوق عليه، يعني سهل –إن شاء الله تعالى-، والقرآن يدعوه ويحدوه إلى مواصلة طلب العلم.
ما جاء في كتاب الله -عز وجل-، وما صح ما سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- كافي، الله -جل وعلا- يقول في كتابه: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} [(45) سورة ق] ومن لم يعظه كتاب الله فلن يتعظ، وإذا قرئ القرآن على الوجه المأمور به نفع القلب نفعاً كبيراً، وكذلك ما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ففي أبواب الدين التي يذكرها أهل العلم في كتب السنة من الرقاق والفتن وغيرها كفيلة بإيقاظ القلوب، ولأهل العلم أيضاً كلمات نافعة جداً من سلف هذه الأمة وأئمتها يستفاد منها.
المدلسون على طبقات، الطبقة الأولى: من اغتفر الأئمة تدليسهم لندرته في جنب ما روى، فهؤلاء احتمل الأئمة تدليسهم، الطبقة الثانية: كذلك لأئمامتهم وكونهم لا يدلسون إلا عن الثقات، فهؤلاء اغتفر الأئمة تدليسهم وقبلوا أحاديثهم ولو لم يصرحوا بالتحديث، الطبقة الثالثة: من يدلس عن ثقة وغير ثقة، لكنه ثقة في نفسه، فمثل هذا لا يقبل إلا إذا صرح بالتحديث، وإما الطبقة الرابعة: من أنضم إلى تدليسه تضعيف آخر، ضعف بسبب آخر فمثل هذا لا يقبل ولو صرح، وأما الطبقة الأخيرة من المدلسين الذين لا يدلسون إلا عن الضعفاء فهؤلاء ترد أحاديثهم مطلقاً.
الطريقة التي ذكرتها وكررتها مراراً في الإفادة من الكتب الستة كفيلة بتحقيق ما أراده الأخ.
هما كتابان متقاربان، البلوغ يفوق المحرر بزيادة بعض الأحاديث التي يحتاجها طالب العلم؛ لأنه متأخر فزاد بعض الأحاديث، وأما المحرر فيفوق البلوغ في أحكام الإمام المؤلف، وهو إمام من أئمة الحديث، إمام معلل، وأحكامه على الأحاديث وتعقيبه للحديث في غاية الأهمية، طالب العلم يأخذ الزوائد من البلوغ ويحفظ المحرر.
لو قرأ بشيء أو نفث عليه مباشرة ما يوجد ما يمنع؛ لأن هذه الكراهة تزول بأدنى حاجة.
الجمع الصوري أن يؤخر الصلاة الأولى إلى أخر وقتها ثم يصلي الصلاة الثانية في أوَّل وقتها، وإذا افترضنا أن وقت العصر يدخل في الثالثة وأربعون دقيقة يصلي الظهر في الثالثة والنصف، فإذا فرغ منها فإذا وقت صلاة العصر قد دخل يقيم لصلاة العصر ويصليها في أول وقتها، هذا جمع لكون الصلاتين تصليان في آن واحد، لكنه صوري وليس بحقيقي؛ لأن كل صلاة تصلى في وقتها، فمثل هذا إذا احتيج إليه لمرض وشبهه لا مانع منه -إن شاء الله تعالى-.
إيه قد يوصف بالتساهل مع أن له كتاب في العلل، لكن لا يوصف بعدم المعرفة، أو بعدم الخبرة، أو أن تساهله مبني على ضعف في علمه لا أبداً.
على كل حال الأجر لا يترتب إلا على الذكر، والذكر قول، وجاء بهذا اللفظ في كثير من الأحاديث، من قال كذا، فلا يترتب الأجر عليه إلا بالذكر باللسان، لكن لا يلزم أن يكون محظوراً بحضرة أحد، يذكر الله وهو خالي ليذكره الله في نفسه، يعني خالياً عن الناس، ولا يلزم أن يكون بقلبه، بدليل المقابلة «من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم».
نعم ثبت هذا من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
ثبت أنه يقول بعد دبر كل صلاة أنه يستغفر، وذكر الراوي أنه يقول: «استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله» والسين والتاء للطلب يعني يطلب المغفرة من الله -جل وعلا- وهذه جملة كاملة مفيدة يثبت بها ما رتب عليها، وإن قال: أستغفرك لا إله إلا أنت وأتوب إليك، كما جاء في بعض الروايات، وهذه صيغ تقال هذه أحياناً وهذه أحياناً.
نعم المناديل الخشنة تقوم مقام الحجارة.
وهل يجوز الاقتصار عليها؟
نعم يجوز الاقتصار عليها إذا أنقت، وصارت ثلاثة فأكثر.
لا هي شواهد؛ لأنه يذكرها عن صحابة آخرين، إذا اختلف الصحابي فهو الشاهد.
أما ما يتعلق بالناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم فكتاب النحاس من أجمع ما كتب، وفي السنة (الاعتبار) للحازمي.
الحديث صحيح، ويبدأ بالاستعاذة؛ لأنها تفتتح بها القراءة {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ} [(98) سورة النحل] أما الاستفتاح فلا.
لا مانع إلا لم يكن هناك تدليس؛ لأن بعض الناس يستغل مثل هذه الأمور ويقول: سمعت فلان أو حدثنا فلان وهو عبر شريط وإلا آلة ويقصد بذلك أنه رحل من أجل الشيخ وطلب العلم، هذا يسميه أهل العلم تدليس، مثل تدليس البلدان، يقول: سمعت فلان بالقدس مثلاً، ويوهم الناس أنه رحل إلى القدس وطلب العلم على أهلها، ومراده بالقدس حي من أحياء بلده، أو بقرطبة أو بالحمراء أو بإشبيليا هذه أحياء، فإذا لم يقصد بذلك التدليس فهو سماع مع الأمن من تزييف الصوت؛ لأن هناك من يقلد الأصوات كما يوجد من يقلد الخطوط، فإذا صحت الرواية بالوجادة وصح لمن وجد بخط شيخٍ لا يشك أنه خطه يقول: وجدت بخط فلان كذلك يقول: سمعت صوت فلان بحيث لا يشك فيه.
أجمع هذه الكتب الإصابة لابن حجر جمع الكتب التي تقدمت على المختصر في بعض التراجم.
كل من دخل المسجد عليه أن يستمع، كل من دخل المسجد والإمام يخطب عليه أن يستمع.
على كل حال من سمع كلام لا يشك فيه يرويه وينقله شريطة أن يكون أمينًا فاهماً حافظاً ضابطاً؛ لأن الآفة في كثير من الأخبار هي الرواة، وتنقل الأقوال بالنفي والإثبات عن شيخ واحد في مجلس واحد.