شرح أبواب الطهارة من سنن الترمذي (11)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى- وغفر له ولشيخنا ولجميع المسلمين:

باب: ما جاء في الوضوء مرة مرة:

حدثنا أبو كريب وهناد وقتيبة قالوا: حدثنا وكيع عن سفيان ح وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة.

وفي الباب عن عمر وجابر وبريدة وأبي رافع وابن الفاكه، وحديث ابن عباس أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وروى رشدين بن سعد وغيره هذا الحديث عن الضحاك بن شرحبيل عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة، وليس هذا بشيء، والصحيح ما روى ابن عجلان وهشام بن سعد وسفيان الثوري وعبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء مرة مرة" ويحتاج إلى تكرار المرة إذا كان ما تعود إليه مكرراً، أما لو كان عضواً واحداً لقيل: باب: ما جاء في الوضوء مرة، يعني لو كان المراد مرة عائدة إلى الوضوء لما احتجنا إلى تكرارها؛ لأن الوضوء إنما يكون مرة واحدة، الواجب للعبادة مرة واحدة، لكن لما كانت المرة عائدة إلى الأعضاء كررت، مرة مرة، يعني لكل عضو مرة، وليس المراد به الوضوء مرة واحدة؛ لأن هذا معروف؛ لأن تكرار الوضوء وتجديد الوضوء سنة إذا فعل به عبادة، أما أن يجدد من غير إحداث عبادة به فهذا زيادة على القدر المشروع، يعني يحتاج إلى تجديد الوضوء إذا فعل بالوضوء الأول عبادة، وليس هو المراد هنا في هذا الباب، المراد غسل الأعضاء مرة مرة، يعني لكل عضو مرة واحدة.

يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثنا أبو كريب" وهو محمد بن العلاء، من ثقات الرواة من شيوخ الأئمة، "وهنّاد" بن السَّرِي كذلك، "وقتيبة" بن سعيد، وكلهم مروا سابقاً، "قالوا" يعني الثلاثة: "حدثنا وكيع" وهو ابن الجراح، الإمام العلم الزاهد المعروف "عن سفيان" وهو ابن سعيد بن مسروق الثوري، الإمام صاحب المذهب المتبوع، المشهور بعلمه وورعه وزهده، والمقصود به هنا -وإن كان مهملاً- الثوري، كما صرح به أبو نعيم في مستخرجه، كما صرح به أبو نعيم في مستخرجه، وهذه من فوائد المستخرجات تمييز المهمل، فإذا كان في الطبقة الواحدة أكثر من شخص ويهمل، فيقال: حدثنا سفيان ولا يبين، فمن وظائف المستخرجات تمييز المهمل، وتعيينه من بين من يشاركه في الاسم والطبقة والشيوخ والآخذين، وفوائد المستخرجات تزيد على العشرين كما بينت في مواضعها من كتب المصطلح.

"عن سفيان ح" تقدمت الإشارة إلى أن هذه الحاء إنما هي رمز للتحويل من إسناد إلى آخر، وتستعمل عند أهل العلم بكثرة عند مسلم، وعند أبي داود والترمذي والنسائي، وقد يستعملها البخاري -رحمه الله تعالى- بقلة، واستعماله لها قد يختلف عن استعمال غيره لها، فاستعمال مسلم كاستعمال الترمذي هنا، يقصد بها اختصار الأسانيد، والاجتماع على ملتقى..، ما تلتقي به الرواة من الشيوخ، فيستفاد منها الاختصار، أما البخاري فكثيراً ما يضعها بعد ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام-، عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ح وحدثنا محمد بن بشار، قد يقول هكذا البخاري، وهذا بكثرة عنده، وقد يستعملها للاختصار كاستعمال الأئمة، لكن إذا استعملها بعد نهاية الإسناد ما فيها اختصار، ولذا يترجح قول من يقول من المغاربة: إن المراد بها الحديث، أو هي اختصار لاسمه خاء، ثم أهملت، ظن من النساخ أنها هي حاء التحويل، على كل حال هذه الحاء رمز عند أهل العلم يستعملونها بين الأسانيد في أثنائها للاختصار، وهي حاء التحويل، وتقرأ هكذا ح وقال.

قال- يعني الترمذي-: "وحدثنا محمد بن بشار" المعروف ببندار ثقة من ثقات الشيوخ الأئمة المعروفين، "قال: حدثنا يحيى بن سعيد" وهو الأنصاري "قال: حدثنا سفيان" وهو الثوري السابق في الإسناد الذي قبله، والأئمة الثلاثة الشيوخ الثلاثة أبو كريب وهناد وقتيبة يروون الحديث عن وكيع، ومحمد بن بشار يرويه عن يحيى بن سعيد، وكلاهما –أعني وكيعاً ويحيى بن سعيد- يرويانه عن سفيان الثوري "عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس" حبر الأمة، ترجمان القران، ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة".

يعني لكل عضو مرة، فغسل كفيه مرة، وغسل وجهه مرة واحدة، وغسل يديه مرة مرة، ومسح برأسه مرة، وغسل رجليه مرة، مع أن من وصف وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر أنه بالنسبة لغسل الكفين لغسل الكفين قبل الشروع في الوضوء يذكر ثلاثاً، ولا يذكره مرة واحدة، فالمراد بقوله: "توضأ مرة مرة" يعني الفرائض، فرائض الوضوء الأربعة المعروفة التي هي غسل الوجه، واليدين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين.

"قال أبو عيسى: وفي الباب عن عمر" وسيأتي ذكره -إن شاء الله تعالى- في الباب نفسه من هذا الكتاب، "وجابر -عند ابن ماجه- وبريدة -عند البزار- وأبي رافع -عند الدارقطني والبزار- وابن الفاكه" واسمه: سبرة بن الفاكه، وحديثه أخرجه البغوي في معجمه.

وفي الباب أيضاً عن ابن عمر عند البزار وعكراش بن ذؤيب ذكره الخطيب، وكعب أخرجه ابن ماجه، فالحديث مستفيض مروي في دواوين الإسلام، وحديث ابن عباس حديث الباب مخرج عند الجماعة عدا الإمام مسلم -رحمه الله- فإنه لم يخرجه.

"قال أبو عيسى: وحديث ابن عباس أحسن شيء في هذا الباب وأصح" أحسن شيء في هذا الباب وأصح، يعني من الأحاديث التي أشار إليها الترمذي -رحمه الله- بقوله: "وفي الباب" فهو أحسنها وأصحها، ولا يعني أن جميع ما روي في الباب صحيح؛ لأن أهل الحديث قد لا يجعلون أفعل التفضيل على بابها، فقد يستعملونها في غير بابها، إلا أن أكثرها صحيح، ومنها الحسن، وفيها من فيه مقال عند أهل العلم، لكنها بمجموعها تقرب من التواتر، تقرب من التواتر فهي مستفيضة ومشهورة في دواوين الإسلام، ولو لم يكن في ذلك إلا تخريج الإمام البخاري للحديث، مع من وافقه من الأئمة، فالحديث مخرج عند أحمد والبخاري وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، فلم يخرجه مسلم -رحمه الله تعالى-.

"وروى رشدين بن سعد" المصري أبو الحجاج كان صالحاً في دينه إلا أنه في روايته ضعيف، في دينه صالح ما فيه إشكال، يعني عدالته لا مطعن فيها، لكن ضبطه وإتقانه فيه ضعف، يقول من ترجم له في كتب الرجال: أدركته غفلة الصالحين، وهذا شأن من ينشغل عن العلم، شأن من ينشغل عن مدراسة العلم ومذاكرته، أنه يقع في حديثه الخطأ الكثير؛ لأن العلم يحتاج إلى مدارسة ومذاكرة ومراجعة، يحتاج إلى استذكار مستمر، ومدارسة مع الأقران ومساءلة للشيوخ، وبهذا يثبت العلم، أما بالنسبة لرشدين فإنه انشغل بالعبادة عن المذاكرة والمدارسة فأدركته غفلة الصالحين.

وللشيخ -رحمه الله- الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- تعليقات على التقريب وقال: إن إطلاق مثل هذا الكلام لا ينبغي "أدركته غفلة الصالحين" إنما يقال: بعض الصالحين، إنما يقال: بعض الصالحين فإن في بعضهم غفلة، لا سيما إذا انشغلوا عما هم بصدده من العلم، وأقبلوا على العبادة وتركوا مذاكرة العلم، أما إطلاق غفلة الصالحين فيلزم منه أن جميع من كان صالحاً فإنه مغفل وليس الأمر كذلك، فأصلح الناس وأتقاهم وأخشاهم وأعبدهم لله -جل وعلا- على الوجه المشروع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصحابته الكرام بدءاً من الخلفاء الأربعة وحفاظ الأمة مثل أبي هريرة وابن عمر وابن عباس وغيرهم، فلا يطلق مثل هذا الكلام، وهذه لفتة طيبة من الشيخ -رحمة الله عليه- لأن الوصف بالغفلة هذا طعن في الراوي، طعن في الراوي، وإذا قلنا: غفلة الصالحين أضفناها إلى الصالحين كلهم، طعنا في الصالحين كلهم، وليس الأمر كذلك، فعلى رأس الصالحين النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام، وحفاظ الأمة وأئمتها هم رؤوس وسادة الأمة وصالحوها، فلا ينبغي أن تنسب الغفلة إلى جميعهم، إنما بعضهم نعم فيه غفلة، ينصرف عن مذاكرة العلم، وقد يكون حفظه من الأساس في ملكة الحفظ عنده فيها ضعف، وهذا معروف ولا يحتاج إلى استدلال، فالناس يتفاوتون في هذا الباب، لكن من كان ضعف حافظته بسبب غفلته عن مدارسة العلم إما لصلاحه وإقباله على العبادة، أو لأنه منشغل بأمر آخر من أمور الدين أو الدنيا، فلا تضاف هذه الغفلة إلى الجميع.

"وروى رشدين بن سعد وغيره" كابن لهيعة "الحديث عن الضحاك بن شرحبيل" الغافقي المصري، وهو صدوق كما قال الحافظ يهم، من الرابعة، "عن زيد بن أسلم عن أبيه" أسلم مولى عمر -رضي الله عنه-، "عن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة"، وهذه الرواية أخرجها ابن ماجه وفي إسنادها رشدين بن سعد وهو ضعيف كما تقدم آنفاً، وابن لهيعة ضعفه الجمهور، والضحاك بن شرحبيل صدوق يهم، يعني يخطئ له أوهام، فالرواية فيها ما فيها، ولذا قال الإمام -رحمه الله تعالى-: "وليس هذا بشيء"، "وليس هذا بشيء".

قد يقول قائل مثلاً: ابن رشدين ضعيف، وابن لهيعة مختلف فيه والجمهور على ضعفه، وروايته إذا انضمت إلى ابن لهيعة صارت شيئاً، إذا انضمت رواية ابن لهيعة إلى رواية رشدين يشد بعضها بعضاً، فتصير شيء، فبانضمام ابن لهيعة إلى رواية رشدين قد يحكم على الحديث بأنه حسن لغيره، أما الترمذي قال: وليس هذا بشيء، يعني ابن لهيعة متابع لرشدين، يعني متابعة لرشدين، والضعيف إذا كان ضعفه ليس بشديد يقوى بالمتابع، يقوى بالشاهد، وضعف ابن لهيعة ليس بشديد، بل وثقه بعض أهل العلم، وجرحه آخرون، والمرجح ضعفه، لكن على هذا يكون ضعفه ليس بشديد، وحسّن له ابن حجر بمفرده.

قول الإمام -رحمه الله تعالى-: "وهذا ليس بشيء" هل لأن الرواية لا ترتقي بالمتابع أو لأنه حكم عليها بأنها من باب الخطأ؟ يعني لو لم يرد حديث ابن عباس السابق، يعني رشدين بدلاً من أن يجعلها من حديث ابن عباس عن زيد بن أسلم عن عطاء عن ابن عباس جعلها رشدين عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر، فهل نقول: إن هذا شاهد لحديث ابن عباس ويتقوى برواية رشدين إذا انضمت إلى رواية ابن لهيعة؟ أو نقول: إن إضافتها إلى عمر خطأ من هؤلاء الضعفاء؟ والصواب ما تقدم مما خرجه البخاري عن زيد بن أسلم عن عطاء عن ابن عباس؛ لأن هذه من المضايق التي لا يدركها آحاد الطلاب، بل هي من العلل الخفية؛ لأن من ينظر إلى الإسناد الأول يحكم عليه بالصحة بلا شك، وهو مخرج في الصحيح، وليس لأحد له فيه كلام، الحديث الثاني يقول: لماذا لا يكون عن ابن عباس وعن عمر -رضي الله عنهما-؟ فيكون حديث عمر شاهد لحديث ابن عباس المخرج في الصحيح فيحكم له بالصحة، لا سيما وأنه ليس فيه مخالفة في المتن، قول الإمام الترمذي: "ليس هذا بشيء" يدل على أن إضافة الخبر وإسناده إلى عمر خطأ، وأن المحفوظ أنه من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس.

يقول: والصحيح ما روى ابن عجلان وهشام بن سعد وسفيان الثوري وعبد العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

لذا قال: ليس بشيء، وقال: والصحيح يعني ما رواه الجماعة الأئمة الثقات، جمع من الثقات رووه مخالفين لما ذكره رشدين، فلا شك أنه ليس بشيء في مقابلة هؤلاء، وعلى هذا يحكم على روايته بأنها خطأ، والصحيح ما رواه الجماعة؛ لأن بعض الناس ممن له عناية بالمتون فقط ويقرأ الكتب مجردة عن أسانيدها قد لا يلوح له مثل هذا الكلام، وهذا له شأن عظيم عند أهل العلم؛ لأنه قد يقول قائل مثلاً من المتفقهة الذين لا عناية لهم بالحديث يقول: توضأ النبي مرة مرة سواءً كان هذا من حديث ابن عباس أو من حديث عمر إيش الفرق؟ ما الفرق؟ المقصود أنه ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرة مرة، نقول: هذا بالنسبة للفقيه لا فرق، لكن بالنسبة لأهل الحديث هذا شأنه عظيم، وإذا كان الأمر فيما اتحد لفظه كما هنا، فماذا يُصنع فيما يختلف لفظه؟ بل بما يختلف معناه؟ لأنه قد يقول قائل مثلاً: لو روي بهذا الإسناد مثلاً بغير هذا اللفظ بما يخالف حديث ابن عباس يقول: حديث آخر، حديث آخر، لكن أهل الحديث أطباء الصنعة لا يخفى عليهم مثل هذا الكلام ولا يمشي عليهم، ولا يطوف عليهم مثل هذا.

يقول النووي -رحمه الله تعالى- في شرح مسلم: أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة، أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة، وبهذا يتم الامتثال، ليس من كلام النووي، لكن لتوضيحه، هذا الإجماع مستند إلى الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] إلى آخرها، يتم امتثالها بالغسل مرة مرة، وقد بينها النبي -عليه الصلاة والسلام- بفعله، بفعله في أحاديث، وبيان الواجب واجب، يقول النووي -رحمه الله تعالى-: أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة، وعلى أن الثلاث سنة، وقد جاءت السنة الصحيحة بالغسل مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وبعض الأعضاء ثلاثاً وبعضها مرتين، يعني ملفق، والاختلاف دليل على جواز ذلك كله، واختلافها دليل على جواز ذلك كله، وأن الثلاث هي الكمال والواحدة تجزئ، الواحدة تجزئ والثلاث هي الكمال، وسيأتي في الأبواب اللاحقة الوضوء مرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، والاختلاف في غسل الأعضاء على ما سيأتي.

سم.

عفا الله عنك.

باب: ما جاء في الوضوء مرتين مرتين.

حدثنا أبو كريب ومحمد بن رافع قالا: حدثنا زيد بن حباب عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان قال: حدثني عبد الله بن الفضل عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرتين مرتين.

قال أبو عيسى: وفي الباب عن جابر: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن ثوبان عن عبد الله من الفضل وهو إسناد حسن صحيح، وقد رُوى عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاثاً ثلاثاً.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء مرتين مرتين" وهذا يقال فيه ما قيل في سابقه، وأن التثنية ليست للوضوء وإنما هي لغسل الأعضاء، كل عضو يغسل مرتين مرتين، لا أنه يتوضأ مرتين.

يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثنا أبو كريب ومحمد بن رافع" القشيري النيسابوري، وهو ثقة عابد، من الحادية عشرة، "قالا: حدثنا زيد بن حباب" أبو حسين العكلي، صدوق من التاسعة، قال: "عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان" العنسي الزاهد، صدوق يخطئ، من السابعة "قال: حدثني عبد الله بن الفضل" الهاشمي، ثقة من الرابعة "عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج" هو الأعرج، هو الأعرج، وبعض النسخ: عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وفي بعضها: عبد الرحمن بن هرمز هو الأعرج، وتقدمت الإشارة إلى أن الأئمة يأتون بضمير الفصل (هو)، وأحياناً يقولون: يعني الأعرج، إذا لم يكن الراوي منسوباً من قبل الشيخ، وإنما زاده من بعده، فيبين أن هذه الزيادة من عنده بقوله: (هو) أو (يعني) وإلا لو حذفناها أو ذكرناها لا يختلف الكلام، "عن أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرتين مرتين" يعني غسل أعضاء الوضوء مرتين مرتين، فغسل الوجه مرتين، وغسل اليدين مرتين، ومسح الرأس، مقتضى ذلك مرتين، مقتضى الإطلاق هنا، وسيأتي تفسير ذلك وتفصيله في أحاديث لاحقة -إن شاء الله تعالى-، وأن الرأس إنما يمسح مرة واحدة وقد تقدم.

مرتين مرتين، يعني كل عضو من أعضاء الوضوء يغسل مرتين.

"قال أبو عيسى: وفي الباب عن جابر" وهو مخرج عند ابن ماجه "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب" في الباب عن جابر قلنا: إنه أخرجه ابن ماجه، وعن عبد الله بن زيد أخرجه البخاري وأحمد، "قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب" أخرجه أبو داود، قال: "لا نعرفه إلا من حديث ابن ثوبان عن عبد الله من فضل وهو إسناد حسن صحيح".

في الأول قال: هذا حديث حسن غريب، وفي النهاية قال: وهو إسناد حسن صحيح، فهو يحكم على المتن بالحسن مع الغرابة، ويحكم على الإسناد بالحسن مع الصحة، أيهما أولى مثل هذا الكلام أو العكس من الناحية الاصطلاحية؟ هذا حديث حسن غريب، ويريد بذلك المتن، ثم قال: وهو إسناد حسن صحيح، يعني هل هناك تلازم بين المتن والإسناد؟ بمعنى أنه لا يصح المتن إلا إذا صح الإسناد أو العكس؟ أو قد يصح المتن مع ضعف الإسناد ويصح الإسناد مع ضعف المتن؟ نعم لا تلازم بينهما، لا تلازم بينهما، فقد يصح الإسناد ولا يصح المتن لوجود مخالفة، وقد يصح المتن والإسناد ضعيف لوجود المتابع والشاهد، لوجود الطرق التي يصح بها، وهنا قال: عن الحديث يعني عن المتن: حسن غريب، وقال عن الإسناد: إنه حسن صحيح، فهل فيه مخالفة ليصح الإسناد ولا يصح المتن؟ أما بالنسبة لغرابته فقد بينه بقوله: "لا نعرفه إلا من حديث ابن ثوبان عن عبد الله بن الفضل" وهذه الغرابة نسبية وإلا مطلقة؟ نسبية، نسبية يعني من هذا الوجه فقط، وإلا فهو معروف من طرق أخرى عن غير أبي هريرة، له طرق عن جابر وعن عبد الله بن زيد، حديث عبد الله بن زيد في الصحيح، وستأتي الإشارة إليه، بل يأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-، الآن في كلام الترمذي: "هذا حديث حسن غريب" ويريد بذلك المتن، مع قوله: "هذا إسناد حسن صحيح" يريد بذلك الإسناد.

في حاشية الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- يقول: كتب العلامة الشيخ أحمد الرفاعي بخطه بحاشية نسخته عند قوله: "حسن غريب" ما نصه: "ما هنا متعلق بالحديث وما بعده بالإسناد، ولا يلزم من غرابة الحديث غرابة الإسناد ولا عكسه، وإيضاحه في مصطلح الحديث"، قال الشيح أحمد شاكر: وهذا غير جيد، وهذا غير جيد؛ لأن المتن معروف من غير هذا الإسناد؛ لأن المتن معروف من غير هذا الإسناد، وإنما الغرابة في الإسناد حيث انفرد به ابن ثوبان، ثم صحح الترمذي الإسناد نفسه ولا منافاة بين الغرابة والصحة وفيه.. إلى آخره.

ماذا نفهم من كلام الرفاعي؟ يقول: "ما هنا متعلق بالحديث، هذا حديث حسن غريب هذا صحيح، وما بعده وهو إسناد حسن صحيح متعلق بالإسناد هذا واضح من كلام الترمذي -رحمه الله-، ولا يلزم من غرابة الحديث غرابة الإسناد ولا عكسه، ذكرنا أنه لا تلازم بينهما، لا تلازم بينهما، وإيضاحه يقول: في مصطلح الحديث، قال الشيح أحمد -رحمه الله-: وهذا غير جيد؛ لأن المتن معروف من غير هذا الإسناد، وإنما الغرابة في الإسناد حيث انفرد به ابن ثوبان، كلام الرفاعي توجيهاً لكلام الترمذي إنما يقصد بالحديث حديث أبي هريرة، وتعقب الشيخ أحمد شاكر في قوله: هذا غير جيد؛ لأنه نظر إلى مجموع الأحاديث الواردة في الباب، كحديث عبد الله بن زيد وجابر، إضافة إلى حديث أبي هريرة، فالرفاعي ويومئ إليه كلام الترمذي، بل هو ظاهر كلام الترمذي أنه نظر إلى حديث أبي هريرة بمفرده، فهو غريب لأنه تفرد به ابن ثوبان، وكلام الشيخ أحمد شاكر لأنه قال: المتن معروف من غير هذا الإسناد، يعني كلام الشيخ أحمد شاكر لم يصب المحز الذي أراده الترمذي ولا ما أراده الرفاعي حينما علق على كلام الترمذي، فالترمذي كلامه منصب على حديث أبي هريرة بغض النظر عن الأحاديث الأخرى، وكلام الشيخ أحمد شاكر ضم هذا إلى هذا وقال: المتن معروف من غير هذا الإسناد هذا ما فيه إشكال، والترمذي أشار إلى شيء من ذلك بقوله: وفي الباب عن جابر، وذكر الترمذي حديث عبد الله بن زيد يعني لا يخفى عليه، بحيث يستدرك عليه مثل هذا الكلام، وكلام الرفاعي في توجيه كلام الترمذي كلام ظاهر الصحة.

"قال أبو عيسى: وقد روى همام عن عامر الأحول عن عطاء" وهذا الكلام لا يوجد في بعض النسخ، "وقد روى همام عن عامر الأحول عن عطاء عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاثاً ثلاثاً"، حديث أبي هريرة الأول توضأ مرتين مرتين، حديثه الثاني: توضأ ثلاثاً ثلاثاً وهذا سيأتي، سياقه هنا للحديث الثاني والترجمة مرتين مرتين هل يفهم منه أن الترمذي -رحمه الله- يعل إحدى الروايتين بالأخرى؟ أو أن هذه رواية تختلف عن الأخرى بل هي حديث آخر؟ يعني هل مراد الترمذي -رحمه الله تعالى- إعلال إحدى الروايتين بالأخرى؟ أولاً: رواية: توضأ ثلاثاً ثلاًثاً من حديث أبي هريرة ستأتي -إن شاء الله تعالى- قريباً، فهل إيراده لهذا إعلال للرواية السابقة أو العكس؟ أو أنه يريد أن يشير إلى أنه كما أن أبا هريرة روى المرتين مرتين، روى ثلاثاً ثلاثاً وهذا سيأتي، وكلها صحيحة، يعني كلامه في الباب السابق في مسألة الإعلال ظاهر، لكن هنا لماذا أتى بالحديث الثاني وهو حديث آخر غير الحديث الأول؟ هل بإيراده حديث أبي هريرة الثاني نفهم منه أنه يعل الرواية الأولى أو العكس؟ يعل إحدى الروايتين بالأخرى أو أنه أراد أن يبين مستعجلاً خبر أبي هريرة قبل أوانه؟ وإلا فالترجمة للوضوء مرتين مرتين، أما ثلاثاً ثلاثاً فسيأتي ذكرها في الباب الذي يليه.

طالب: يسموه إعلال؟

إعلال للأولى أو للثانية؟ يعني حديث أبي هريرة أن النبي توضأ مرتين مرتين، يعل بها أنه لم يثبت من حديث أبي هريرة إلا ثلاثاً ثلاثاً، وإنما ثبت مرتين مرتين عند عبد الله بن زيد في البخاري؟ ....رواية حديث أبي هريرة: ثلاثاً ثلاثاً سيأتي قريباً، نعم؟

طالب:.......

حديث أبي هريرة: ثلاثاً ثلاثاً، حديث أبي هريرة: ثلاثاً ثلاثاً، هذا سيأتي إشارة إليه في الحديث الذي يليه، من حديث علي؛ لأنه قال: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان وأبي هريرة، هل نقول: إنه ذكره هنا لأنه يريد الإشارة إليه إشارة، ولا يريد أن يبسطه في الموضع اللاحق فقط؟ وهما حديثان ولا يبعد أن يروي أبو هريرة المرتين ويروي الثلاث ويروي المرة؛ لأنه ملازم للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد حصل منه جميع ذلك، يقول: "وقد روى همام عن عامر الأحول عن عطاء عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاثاً ثلاثاً" وهذه الرواية أشار إليها وهي موجودة في المسند من رواية همام عن عامر عن عطاء عن أبي هريرة بإسناد صحيح في المسند، وهنا في حديث أبي هريرة: مرتين مرتين إسناد حسن صحيح، أنا لا يظهر لي الإعلال وإنما هو استعجال؛ لأنه في الباب اللاحق إشارة وهنا ذكره، مع أنه من المفترض أنه لا يذكره هنا، إنما يذكره في الباب الذي يليه ولو لم يشر إليه، إنما يذكره كما هنا، عندكم: "وقد روى همام عن عامر الأحول عن عطاء"؟ موجود وإلا ما هو موجود؟ ويش الموجود عندك يا أبا عبد الله؟

طالب: في نسخة بشار عواد....

بإسناد حسن صحيح؟

طالب: إي نعم في النسخة الأخرى يا شيخ موجود.

لا، اللي معك، اللي أنت قرأت؟

طالب: لا ما هو موجود.

ويش يقول؟

طالب: وقد روي عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاثاً ثلاثاً.

وقد روي؟ نعم؟ عندنا: "وقد روى همام عن عامر الأحول عن عطاء عن أبي هريرة" وهل يسوغ بمثل هذا الإسناد أن يقال: روي مع أنه صحيح؟ نعم؟ ما يسوغ، ما يسوغ أن يقال: روي لأنه إسناد صحيح، على كل حال أنا لا يظهر لي الإعلال في مثل هذا، وإنما هو مجرد استعجال وإلا فموضعه الترجمة اللاحقة.

سم.

عفا الله عنك.

باب: ما جاء في الوضوء ثلاثاً ثلاثاً:

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان عن أبي إسحق عن أبي حية عن علي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاثاً ثلاثاً.

وفي الباب عن عثمان وعائشة والربيع وابن عمر وأبي أمامة وأبي رافع وعبد الله بن عمرو ومعاوية وأبي هريرة وجابر وعبد الله بن زيد وأبي، حديث على أحسن شيء في هذا الباب وأصح، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أن الوضوء يجزىء مرة مرة، ومرتين أفضل وأفضله ثلاث وليس بعده شيء.

وقال ابن المبارك: لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم، وقال أحمد وإسحق: لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى.

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء ثلاثاً ثلاثاً" ويقال فيه ما قيل في سابقيه أن المراد به غسل الأعضاء، كل عضو يغسل ثلاث مرات.

قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن بشار" الملقب ببندار، قال: "حدثنا -الإمام الجليل- عبد الرحمن بن مهدي" العنبري مولاهم، "عن سفيان" الثوري، "عن أبي إسحق" السبيعي "عن أبي حية" الهمداني، قيل: اسمه عمرو، وقيل: عبد الله، وقيل: عامر، وقيل: لا يعرف اسمه، وهذا كثير فيمن اشتهر أو اشتهر بالكنية، أن اسمه يضيع فلا يضبط، مقبول من الثالثة قاله ابن حجر، مقبول من الثالثة، والشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- وثقه، وثقه كعادته -رحمة الله عليه- في التساهل في توثيق مثله، ابن حجر -رحمه الله- قال: مقبول، والمقبول عنده ضابطه من ليس له من الحديث إلا القليل، يعني لا يروي إلا أحاديث قليلة، ولم يثبت في حقه ما يترك حديثه من أجله ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله فإن توبع فمقبول وإلا فلين، فإن توبع فمقبول وإلا فلين، وذكرنا في دروس مضت ما على هذه القاعدة..، ما على التقعيد من الإشكال وفيه إشكال كبير؛ لأن الحكم هنا بمقبول هل هو على الراوي أو على المروي؟ يعني عموم الكتاب الذي هو التقريب حكم على الرواة، حكم على الرواة، هذا الراوي أبو حية هذا الراوي يندرج تحت القاعدة التي ذكرها ابن حجر، بل أدرجه تحتها، ليس له من الحديث إلا القليل، لم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، فإن توبع فمقبول وإلا فليِّن.

نأتي إلى أبي حية هنا وهو مثال لهذه القاعدة، هذا يصلح أن يقال فيه: مقبول ويصلح أن يقال فيه: لين، متى يقال فيه مقبول؟ ومتى يقال فيه لين؟ نعم، إذا توبع قيل فيه: مقبول، إذا لم يتابع قيل فيه: لين، هذا الحديث توبع عليه، فهو مقبول، لو نفترض أنه لم يتابع عليه بما يحكم عليه ابن حجر؟ بلين، إذن حكم ابن حجر على الراوي أو على المروي؟ لو كان على الراوي ما اختلف، لو كان الحكم على الراوي ما اختلف؛ لأنه قد يحكم عليه في هذا الإسناد في هذا الحديث لأنه توبع عليه أنه مقبول، ويحكم عليه في حديث لم يتابع عليه بأنه لين، وابن حجر لما حكم عليه بالتقريب بأنه مقبول نظر إلى هذا الحديث أو نظر إلى أحاديث أخرى توبع عليها أو لم يتابع عليها؟ نقول: كلامه يطرد إذا كان عن استقراء تام لجميع مرويات من قال فيهم: مقبول أنهم توبعوا عليها ولم يتفردوا بحديث البتة، وجميع من قال فيهم: لين أنهم تفردوا بها ولم يتابعوا عليها، إذا كان ناشئ عن استقراء تام فأحكامه على هؤلاء الرواة منضبطة، لكننا نجد بعض الرواة ممن حكم عليه بأنه مقبول من أحاديثه ما توبع عليها ومنها ما لم يتابع عليه، ومن حكم عليه بلين من أحاديثه ما لم يتابع عليه، وفيها ما توبع عليه، إذن أحكامه هنا على الأحاديث وليست على الرواة، وهذا لا شك أنه يخل بقاعدة الكتاب التي هي في الأصل حكم على الرواة.

الآن يا إخوان الإشكال ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ الإشكال هذا ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ يعني ثقتنا بابن حجر، وعلم ابن حجر، ودقة ابن حجر، وإتقان ابن حجر هذا لا يعني أننا نسلم بجميع ما يقول، بل هو كغيره يعرض قوله على أقوال الأئمة، يعني لو أن أبا حية روى حديث ثاني ما توبع عليه على قاعدة ابن حجر يكون مقبول وإلا يكون لين؟ لين في التقعيد، لكنه في التطبيق في أثناء التراجم في التقريب قال: مقبول وانتهى، يعني حكم عليه بأنه مقبول مطلقاً، وهو في التقعيد لا يستحق أن يكون مقبولاً إلا إذا توبع، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ نعم توبع على هذه الرواية فيستحق الحكم، ابن حجر قد يكون مستحضر لهذه الرواية، وقد يكون غير مستحضر لها، حينما قال: مقبول، يمكن استحضر روايات أخرى، لكن ماذا عن الروايات التي لم يتابع عليها بل تفرد بها إن وجدت؟ ولذا أقول: إن كان حكم ابن حجر على هؤلاء الرواة بعد الاستقراء التام لمروياتهم فكلامه منضبط، كلامه منضبط، وإن كان حكمه على الرواة الذين قال فيهم: لين بعد استقراء تام لجميع مروياتهم أنهم لم يتابعوا عليها فكلامه منضبط، لكن لا ينبغي أن يقعد، يعني يحكم عليهم بأحكام تفصيلية في أثناء الكتاب والقاعدة تلغى؛ لأننا إذا ربطنا بين الأحكام وما قعده في مقدمة الكتاب لا يمكن أن تنضبط؛ لأننا في التطبيق نحتاج إلى دراسة أحاديث أمثال هؤلاء وعددهم كثير.

الأمر الثاني: في هذه القاعدة وما يتعلق بها أنه في ثلاثة من الرواة الضحاك بن نبراس، الضحاك بن حمرة، الضحاك المعافري، واحد مقبول وواحد لين وواحد ضعيف، وأنا أطلب الفرق بين هؤلاء الثلاثة، ما الفرق بينهم؟ هؤلاء الثلاثة؟ نعم؟

طالب:.......

طيب المقبول توبع، اللين هذا لو توبع إيش يصير؟ لو توبع؟ لو توبع؟

طالب:........

يصير مقبول، طيب والضعيف إذا توبع إيش يصير؟ ما يصل إليه، هو من أصله ضعيف توبع، معروف أنه إذا كان ضعفه غير شديد وتوبع يرتقي إلى الحسن لغيره، أنا أريد فرق عملي بين الأحكام الثلاثة؛ لأن المقبول إذا لم يتابع رجع إلى اللين، واللين إذا توبع ارتقى إلى مقبول، الضعيف إذا توبع ارتقى إلى الحسن، إذا كان الإخوان مدركين للإشكال نتابع، وإذا كان ما هو بمدرك ما له داعي نكرر كلام وأصله ما هو بواضح، نعم؟

طالب:.......

كلهم هو اللين لم ليس له من الحديث إلا القليل.

طالب:.......

لكن إذا توبع إيش يصير؟

يرتقي، يرتقي إلى الحسن لغيره في قول أهل العلم، أنا أريد فرق حقيقي بين الثلاثة الأحكام، لا سيما وأننا نحكم على رواة، والحكم على الرواة ينبغي أن يكون مطرد، ما يكون مرة كذا ومرة كذا، أما الأحكام على الأحاديث فيحكم على كل حديث بمفرده، في أحد له عناية بالتقريب؟ ترى بعض طلاب العلم يحفظ التقريب مثل ما يحفظ البلوغ، ومثل ما يحفظ الزاد، ومثل..، يعني متن هذا، لكن مع الحفظ ينبغي أن يكون هناك فهم، في حل لهذا الإشكال وإلا ما في حل نتجاوز؟ نعم؟ أنا منذ سنين أبحث عن حل فلم أجد، إلا أن هذه القاعدة ليست منضبطة، ولا ينبغي أن تكون قاعدة؛ لأنه لو قال في القاعدة مثلاً القاعدة تنضبط إذا لم يطبق عليها، لا يطبق على القاعدة، يطبق بأحاديث ما يطبق برواة، يعني في التطبيق يقول: لين ويسكت، ثم في التطبيق على المرويات ينظر في كل رواية رواية، إن توبع حكم له بمقبول وإلا فلين، أو يحكم عليه بأنه ضعيف مثلاً، ثم يرتقي بالإسناد الثاني.

أنا يهمني الآن أن يتضح الإشكال، وإلا فالحل الظاهر أنه ما في حل، لكن إذا عرفنا الإشكال يمكن يعني أن يتعامل مع القاعدة على وجه تمشي بدون التطبيق على الرواة، أما التطبيق على الرواة فالكتاب كتاب أحكام على رواة لا على المرويات، والقاعدة تصلح في المرويات، مع أننا إذا سلمنا لابن حجر في أحكامه على هؤلاء الرواة وعددهم كثير، عددهم كثير يعني مقبول عند ابن حجر رسائل، رسائل دكتوراه يمكن ما أدري والله خمس أو ست رسائل، نعم، فلنتجاوز مثل هذا.

على كل حال الشيخ أحمد شاكر معروف بالتساهل وقد وثق أبا حية؛ لأنه لم يثبت عنده ما يترك حديثه من أجله، ويوثق بمثل هذا، ووثق ابن لهيعة، ووثق الإفريقي، ووثق يزيد بن أبي زياد، وثق مجموعة ممن حكم الأئمة أو جمهور الأئمة بضعفهم.

"عن أبي حية عن علي -رضي الله تعالى عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاثاً ثلاثاً"، وسيأتي بسياق أطول بعد ثلاثة أحاديث.

"قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان" عند مسلم وأحمد، وعائشة" عند ابن ماجة، "والربيع" عند الترمذي، وأبي داود وابن ماجه، "وابن عمر" عند ابن حبان، "وأبي أمامة"، وأخرجه -كما يقول أهل العلم-: ثابت بن قاسم في الدلائل، بسند لا بأس به، ثابت بن قاسم، الدلائل كتاب في غريب الحديث، وهو من أنفس كتب الغريب، والأصل للابن، وتوفي الابن ثابت قبل إكماله فأكمله أبوه، "وأبي رافع" عند الطبراني في الأوسط، "وعبد الله بن عمرو" عند أبي داود والنسائي وابن ماجه، "ومعاوية" وأخرجه أبو داود في التفرّد، "وعن أبي هريرة" عند ابن ماجه، "وجابر وعبد الله بن زيد وأبي بن كعب"، وسيأتي بعضها -إن شاء الله تعالى-.

"قال أبو عيسى: حديث على أحسن شيء في هذا الباب وأصح؛ لأنه قد روي من غير وجه عن علي -رضوان الله عليه-" والحديث مخرج أيضاً عند أبي داود والنسائي وابن ماجه، فهو مروي من غير وجه، يعني من غير طريق أبي حية، فأبو حية توبع عليه، فالحديث بهذا يثبت "والعمل على هذا عند عامة أهل العلم" والعمل على هذا عند عامة أهل العلم "يجزىء مرة مرة" يعني كما تقدم الإجماع الذي نقله النووي، يجزئ مرة مرة "ومرتين أفضل من مرة وأكمل، وأفضله ثلاث وليس بعده شيء" وليس بعده شيء، يعني الأربع تدخل المتوضئ في حيز البدعة، يكون حينئذٍ مبتدعاً إذا توضأ أربع أربع، ولذا إذا شك هل غسل الوضوء اثنتين أو ثلاث، يعني تقدم أو عند أهل العلم في الصلاة، أنا ما أدري شرحنا هذه المسألة فيما تقدم أو ما شرحناها، لكن لطول العهد يعني كون الدرس تخلله فترة طويلة يحتاج إلى شيء من الإعادة، في الصلاة عند أهل العلم إذا تردد هل صلى ركعتين أو ثلاثاً؟ يبني على اليقين، يبني على اليقين، والمتيقن هو اثنتان فيجعلهما اثنتين ويأتي بثالثة، إن كانت مغرب أو ثالثة ورابعة إن كانت عشاء، إذا تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث؟ يجعلهما ركعتين ويزيد ما بقي من صلاته، وإذا تردد في الوضوء هل غسل العضو مرتين أو ثلاثاً؟ هل نقول: الجادة مطردة يبني على المتيقن ثنتين أو يبني على الأكثر؟ الفقهاء يطردون هذه، ويقولون: يبني على الأقل لأنه المتيقن، ويزيد ثالثة، يقولون هذا، لكن أنا عندي فرق كبير بين المسألتين، في مسألة الصلاة إذا تردد هل صلى ركعتين أو ثلاثة إن اقتصر على الاثنتين وزاد ثالثة الصلاة لا تتأثر، الصلاة لا تتأثر؛ لأن النسيان يجعل الموجود بمنزلة المعدوم، الموجود بمنزلة المعدوم، لكنه لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، يعني إذا شك هل صلى ركعتين أو ثلاث؟ فأتى بثالثة قلنا: اجعلها ركعتين وزد ثالثة، هذه الركعة إن كانت في حقيقة الأمر زائدة وهو في الحقيقة إنما صلى ثلاثاً وما زاده زائد، فالنسيان يجعل هذه الركعة بمنزلة المعدوم، لكن لو قلنا له: اجعلها ثلاث، أنت ترددت هل هي ثنتين وإلا ثلاث؟ اجعلها ثلاث، القاعدة لا تجعل النسيان ينزل الموجود المعدوم منزلة الموجود، فإذا أتى بثالثة هذه الركعة زائدة كأنها معدومة، لكن لو لم تكن زائدة فعدم الإتيان بها مبطل للصلاة، مبطل للصلاة، هنا في مسألتنا إذا تردد هل غسل العضو مرتين أو ثلاثة؟ إذا اعتبرناها غسلتين فهل يتأثر الوضوء؟ إذا جعلناها ثلاث هل يتأثر الوضوء؟ الوضوء لا يتأثر في الحالين، لكنه إن جعلها ثلاثاً ولم يزد فإن كانت ثلاثاً فبها ونعمت، وإن كانت اثنتين في حقيقة الأمر فقد رجع إلى سنة، لكنه إن جعلهما اثنتين وزاد ثالثة فإن كانت ثالثة فهذا هو المطلوب، وإن زاد رابعة خرج إلى حيز البدعة، فكونه من سنة إلى سنة أولى من خروجه من السنة إلى البدعة، فعلى هذا إذا تردد هل غسل العضو مرتين أو ثلاث يجعلها ثلاث لا كالصلاة، والفرق بينهما ظاهر.

"وليس بعده شيء، وقال ابن المبارك: لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم" لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم، يدل على ذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثلاثاً ثلاثاً وقال: «فمن زاد على ذلك فقد أساء وتعدى وظلم» «أو أساء أو تعدى أو ظلم» بالواو أو بـ(أو) رواه النسائي وابن ماجه، وقال ابن العربي في (العارضة) عن هذا الحديث: إنه لم يثبت، لكن صححه غيره، صححه غيره، ومعناه صحيح، أن من زاد على القدر المشروع زاد على العبادة المحددة من قبل الشارع لا شك أنه يخرج من الاتباع إلى الابتداع، قد يقول قائل: إنه يزيد من باب الاحتياط، يزيد من باب الاحتياط، وعُرف عن بعض أهل العلم كابن دقيق العيد والحافظ العراقي أنهم يزيدون في غسل الأعضاء، ويقولون: إنه من باب الاحتياط، ولا يخرجهم ذلك إلى الوسوسة، وبعض الشيوخ الكبار ممن له عناية بالسنة واقتفاء واقتداء شاهدته يتوضأ ويزيد كثير، ويقول: إنه أعمى لا يدري هل أسبغ أو لم يسبغ؟ وعلى كل حال الحكم في ذلك النص، ولا ينظر إلى قول فلان ولا فعل علان، وكونهم يفعلون ذلك احتياطاً لا وجه له، كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: إذا أدى الاحتياط إلى ترك مأمور أو فعل محذور فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط.

 "وقال أحمد وإسحق: لا يزيد على الثلاث إلا رجل مبتلى" يعني مبتلى بوسواس، مبتلى بوسواس، يقول ابن حجر: وقد شاهدنا من الموسوسين من يغسل يده بالمئين، يعني مئات من يغسل يده بالمئين، وهو مع ذلك يعتقد أن حدثه هو المتيقن، يعني والوضوء مشكوك فيه هل حصل أو لم يحصل؟

والآن الأسئلة تكثر جداً من قبل هؤلاء الموسوسين، وبعضهم يمكث في الوضوء الساعات الطوال، خمس ساعات، ست ساعات وهو يحاول يتوضأ لصلاة ولا يستطيع، وبعضهم يقول: إن لكل مفصل في الأصابع، كل عقدة من العقد نية مستقلة -نسأل الله العافية-، وهذا سببه الاسترسال مع الشيطان فيما يمليه على المسلم، فإذا استرسل في أول الأمر زاده، يزيده، ولا شك أن هذا ناتج عن حرص مقترن بجهل، وإلا لو حسم المادة وقطع الطريق على الشيطان ما حصل له مثل هذا، ثم يتحول بعد ذلك إلى مرض عضال، لا يستطيع التخلص منه إلا بكل مشقة، بكل حزم وعزم، وصدق لجأ إلى الله -جل وعلا-، وإلا بعض الناس ممن يأتون للأسئلة نهاره وليله كله يقضيه في الوضوء، ثم بعد ذلك يحاول الصلاة فلا يستطيع، له وسواس آخر في الصلاة، فيكبر تكبيرة الإحرام مراراً، ثم بعد ذلك يعيدها، يعيدها يكبرها بصوت منخفض، ثم يعيدها بصوت مرتفع، ثم يعيدها بصوت مفزع، وهكذا -نسأل الله السلامة والعافية-، فلا بد من قطع الطريق على قاطع الطريق الشيطان، الذي يريد أن تترك هذه العبادة التي هي في الحقيقة رأس مال كثير من المسلمين، يعني بعض المسلمين لهم أبواب أخرى من أبواب الخير يعني مع الصلاة، لكن بعض المسلمين ممن ليس له زكاة، ولا يستطيع حج، ولا جهاد، ولا عنده والدين يبر، يعني هذا رأس ماله الصلاة، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين.

يقول الشارح: لا يزيد عن الثالث إلا رجل مبتلى يعني: بالجنون؛ لظنه أنه بالزيادة يحتاط لدينه، يحتاط لدينه، ولا شك أن بعض الصور عند بعض الموسوسين جنون، وقد يأتي يسأل يقول: أنا ما استطعت أن أحقق النية، تقول له: توضأ بدون نية، توضأ بدون نية، صل بدون نية، يقول: النية شرط لصحة الوضوء، شرط لصحة الصلاة نقول: صحيح لكن بالنسبة لغيرك، أنت ما بقي إلا خيط رقيق ونقول: اترك الصلاة، قال: هو مجنون؟! قلنا: لست من المجانين ببعيد، يعني يأتي في الساعة الثامنة صباحاً في ليالي الشتاء مع طول الليل يقول: إنه إلى الآن يحاول يصلي العشاء ما استطاع، هذا ما بينه وبين الجنون شيء -نسأل الله العافية-، فمثل هذا لا بد من الاهتمام به، وكون الإنسان يقتصر على أقل الواجب أفضل من أن يزيد ليدرك الفضل فيقع في المحظور، يعني مثل هؤلاء يقال: توضأ مرة مرة، وهذا علاجه، فإذا برئ من دائه لاحق على السنة -إن شاء الله تعالى-، في شيء؟ نعم؟

طالب:........

المقصود أن الغسل لا بد أن يستوعب العضو، الغسلة الواحدة تستوعب العضو، ولذا ابن العربي له كلام في المراد بالثلاث، هل المراد بها ثلاث غرفات ولو قصرت الغرفة الواحدة عن استيعاب الوضوء؟ أو المراد بذلك الاستيعاب؟ لا شك أن المراد بذلك الاستيعاب، لكن مع ذلك كم يغرف من غرفة ليستوعب اليد مثلاً، واليد مثلاً ينساب فيها الماء لأن أطرافها منحدرة، لكن يبقى أن الوجه مع كثرة غضونه وتجاعيده، المقصود أن على الإنسان أن يسدد ويقارب، وأن لا يزيد على القدر المشروع، وإذا خشي من الوسواس خشي من تدخل الشيطان في عبادته أن يقتصر على أقل الواجب، وأما بالنسبة للاستنشاق فجاء الأمر بالمبالغة فيه: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» نعم.

طالب: الراوي الذي يقول فيه ابن حجر: إنه المقبول ألا يمكن أن يقال: إنه في الأصل لين ثم بعد ذلك ننظر في هذه الرواية التي يطبق؟

لكن هو حكم عليه بأنه مقبول في التقريب، وحكم على من بعده الترجمة التي تليها بأنه لين، ويش الفرق بين الاثنين؟

طالب: لكن بعد نقض هذه القاعدة -عفا الله عنك- حينما أوردتم على هذه القاعدة يعني ألا يمكن أن نقول: إنه بعد هذا الإيراد نقول: إنه لين؟

يعني كلهم، كل الاثنين كل المقبول واللين نقول: لين، ثم ننظر في أحاديثه، ما توبع عليه نقول: مقبول، يبقى الإشكال، يبقى أن الإشكال موجود في الكتاب، الإشكال موجود في الكتاب، ولذا أنا أقول: ينظر في أقوال الأئمة ويحكم على كل راوٍ بما يليق به، على ضوء القواعد، قواعد التعارض والترجيح عند أهل العلم.

سم.

عفا الله عنك.

باب: في الوضوء مرة ومرتين وثلاثا.ً

حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري قال: حدثنا شريك عن ثابت بن أبي صفية قال: قلت لأبي جعفر: حدثك جابر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً؟ قال: نعم.

وروى وكيع هذا الحديث عن ثابت بن أبي صفية قال: قلت لأبي جعفر: حدثك جابر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة؟ قال: نعم، حدثنا بذلك هنّاد وقتيبة قالا: حدثنا وكيع عن ثابت، وهذا أصح من حديث شريك؛ لأنه قد روى من غير وجه هذا عن ثابت نحو رواية وكيع وشريك كثير الغلط، وثابت بن أبي صفية هو أبو حمزة الثمالي.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: في الوضوء مرة ومرتين وثلاثاً".

يعني إذا كان الباب الأول للوضوء مرة مرة، في جميع أعضائه، والثاني: مرتين مرتين في جميع الأعضاء، والثالث ثلاثاً ثلاثاً على جهة الاتساق في جميع الأعضاء ما عدا الرأس على ما تقدم، فإن هذا الباب معقود للوضوء الملفق، وكلمة التلفيق يعني تستعمل لما يختلف فيه أجزاؤه، وليست بكلمة مذمومة أو مرذولة كما هو الاستعمال الشائع، إذا قيل: هذا ملفق معناه أنه لفظ يوحي بالذم، لا، لا يلزم منه الذم، لا يلزم منه الذم، كما أن التعبير بكلمة مشوش لا يعني منه الذم، ولا يفهم منها الذم، يعني في كلامهم في كلام أهل العلم اللف والنشر المرتب، واللف والنشر المشوش، هذا جاء في القرآن وهذا جاء في القرآن، لف ونشر مرتب جاء في القرآن {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ* فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ......وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ} [(105-108) سورة هود] مرتب، ولف ونشر مشوش ناس يفهموا من هذه الكلمة أنها ذم، ليست بذم، ما يفهم منها الذم، إنما هو في مقابل المرتب، وجاء في آية آل عمران: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ} [(106) سورة آل عمران] هذا غير مرتب يقولون: مشوش ولا يضر مثل هذا التعبير إذا كان سائغ وموجود في لغة العرب لا يفهم منه أنه مفضول، لا، ما دام ثابت في لغة العرب، واستعمل بإزاء النصوص، بل في أفصح الكلام لا يؤثر مثل هذا الكلام، وهنا في الوضوء مرة ومرتين وثلاثاً يعني ملفقاً عضو مرة وعضو مرتين وعضو ثلاث.

يقول السندي: أي باب الحديث الذي ورد فيه الوضوء مرة ومرتين وثلاثاً، يعني لا يراد بذلك الوضوء كامل مرة مرة، ولا يراد بذلك الوضوء كاملاً مرتين مرتين، ولا يراد بذلك الوضوء كاملاً ثلاثاً ثلاثاً لماذا؟ لأنه بهذا الاعتبار تقدمت أبوابه، فلا يحتاج إلى إعادة؛ ولأنه لو كان المراد الوضوء مرة كاملاً ومرتين كاملاً وثلاثاً كاملاً لقال في الترجمة: باب: ما جاء في الوضوء مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، على ما تقدم ذكره، لكنه في الوضوء الواحد يغسل عضواً مرة وعضواً مرتين وعضواً ثلاثاً.

يقول السندي: أي باب: الحديث الذي ورد فيه الوضوء مرة ومرتين وثلاثاً، يعني في الحديث الواحد في الوضوء الواحد المشتمل على ثلاث أوصاف، وصف مرة، ووصف مرتين، ووصف ثلاث، يعني لو أريد به ثلاث، وضوء ثلاث مرات مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً لكرر المرة والمرتين والثلاث على ما تقدم، ولكان تكراراً مع الأبواب السابقة.

قال -رحمه الله-: "حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري" الكوفي أبو محمد، صدوق يخطئ، وقد رمي بالرفض، قال: "حدثنا شريك عن ثابت بن أبي صفية" الثمالي، وهو كوفي رافضي ضعيف جداً، "قال: قلت لأبي جعفر" أبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين، وهو من ثقات التابعين، مخرج له في الصحيح، وإن كان ممن افتري عليه، وكذب عليه من قبل أشياعه وأتباعه، لكنه عندنا ثقة، وأهل السنة أهل عدل وإنصاف، لا يعني أن كونه إمام يقتدى به عند غيرنا وافتري عليه، وادعيت له العصمة، لا يعني أن هذا قدح فيه، هذا من قبل غيره، وإلا فعيسى عبد من دون الله وهذا لا يضيره "قلت لأبي جعفر: حدثك جابر -بن عبد الله-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة" مرة مرة: يعني توضأ تارة مرة مرة "ومرتين مرتين" يعني وتارة مرتين مرتين، وتارة "وثلاثاً ثلاثاً؟ قال: نعم".

الآن الترجمة تدل على الوضوء الملفق، وهذا الحديث الذي ذكره يدل على أنه توضأ مرة مرة وضوءاً مستقلاً، ومرتين مرتين وضوءاً مستقلاً، وثلاثاً ثلاثاً وضوءاً مستقلاً، يعني خلاف ما قررناه في الترجمة، خلاف ما قررناه في الترجمة، والترجمة توحي بأنه وضوء واحد مشتمل على التنوع في الأعضاء، لا أنه يدل على التنوع في الوضوء الكامل، "قال: نعم" قوله: نعم إجابة لقوله: حدثك جابر؟ والأصل أنه استفهام أحدثك جابر؟ فالجواب بنعم إنما هو لقوله: حدثك، وإذا سكت الشيخ لو قال: حدثك جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثاً ثلاثاً وسكت، إذا سكت الشيخ ولم يجب بنعم فإن دلت القرائن الظاهرة على الإقرار فإنه لا يشترط النطق بنعم، على الصحيح الذي جزم به جماهير أصحاب الفنون، واشترط بعض الشافعية والظاهرية النطق، يعني أنه لا بد أن يقال: نعم، إذا لم يقر فإنه لا ينسب إليه الخبر، ولكن الجماهير أنه إذا قيل: حدثك وسكت ودلت القرائن على الموافقة أنه يكفي.

الحديث يرويه المؤلف -رحمه الله تعالى- عن طريق أو من طريق موسى بن إسماعيل الفزاري، وهو صدوق يخطئ، ورمي أيضاً ببدعة وهي الرفض، وشريك القاضي شريك بن عبد الله النخعي، معروف أن في حفظه شيء، وتأتي الإشارة إلى ما فيه من كلام المؤلف، عن ثابت بن أبي صفية وهو رافضي ضعيف، قلت لأبي جعفر عرفنا أنه الباقر وهو ثقة عن جابر وهو صحابي.

"قال أبو عيسى: وروى وكيع هذا الحديث عن ثابت بن أبي صفية قال: قلت لأبي جعفر: حدثك جابر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة؟ قال: نعم، وحدثنا بذلك هنّاد وقتيبة قالا: حدثنا وكيع عن ثابت بن أبي صفية" يعني إلى هذا الحد هذا الحديث مكرر مع في الأبواب السابقة، مع ما أورده المؤلف في الأبواب السابقة.

"قال أبو عيسى: وهذا أصح من حديث شريك؛ لأنه قد روى من غير وجه هذا عن ثابت نحو رواية وكيع وشريك كثير الغلط، وثابت بن أبي صفية هو أبو حمزة الثمالي" ضعيف جداً على ما تقدم، والحديث حسنه القاري في المرقاة، ولعله لما جاء في معناه وإلا فهو ضعيف جداً، لحال ثابت، وفي الباب أحاديث صحيحة.

الحديث السابق ذكرنا أنه مختلف مع الترجمة، والوضوء ملفقاً الذي تدل عليه الترجمة لإفراد المرة والمرتين والثلاث، إضافة إلى ما قاله السنْدي لا شك أنه مكرر مع الأبواب الثلاثة السابقة، الوضوء بالتلفيق دلالته الظاهرة في الباب الذي يلي هذا، وعلى هذا الباب الذي ذكرناه آنفاً -الباب الأخير وفيه الحديث الضعيف- لا داعي لذكره، والمؤلف كغيره من أهل الحديث قد يذكر الخبر لبيان ضعفه، ولذا قال: "وشريك كثير الغلط" وحفظ له من الأخطاء في حديث الإسراء فقط عشرة أخطاء، بينها ابن القيم في زاد المعاد، وبينها الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وعلى كل حال هو كثير الغلط، في الباب الذي يليه بيان الوضوء ملفقاً، نعم.

عفا الله عنك.

باب: فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثاً:

حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ فغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يديه مرتين مرتين، ومسح برأسه، وغسل رجليه، هذا حديث حسن صحيح.

وقد ذُكر في غير حديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ بعض وضوئه مرة وبعضه ثلاثاً، وقد رخص بعض أهل العلم في ذلك لم يروا بأساً أن يتوضأ الرجل بعض وضوئه ثلاثاً، وبعضه مرتين أو مرة.

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثاً" قال -رحمه الله-: "حدثنا محمد بن أبي عمر" محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، قال: "حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن يحيى" بن عمارة بن أبي حسن المازني، سبط عبد الله بن زيد الصحابي، وهو ثقة "عن أبيه" يحيى بن عمارة ثقة أيضاً "عن عبد الله بن زيد" بن عاصم، وهو راوي حديث الوضوء في البخاري وغيره، وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي حديث الأذان على ما سيأتي "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ فغسل وجهه ثلاثاً" غسل وجهه ثلاًثاً ما قال: ثلاثاً ثلاثاً لماذا؟ لأنه واحد، الوجه واحد، "وغسل يديه مرتين مرتين" كرر لأن المغسول مكرر، "ومسح برأسه" يعني مرة واحدة على ما تقدم "وغسل رجليه مرتين" وهذه اللفظة مرتين لا توجد في أكثر النسخ، نسخ الجامع للترمذي، والشارح يقول: إنه نقلها من نسخة قلمية عتيقة صحيحة، المباركفوري يقول: إنه وقف عليها في نسخة قلمية يعني مخطوطة، مكتوبة بالقلم، عتيقة صحيحة، وبناءً على ما ذكرناه وأن المغسول متعدد يُكرر العدد، فيقال: وغسل رجليه مرتين مرتين كما قال في يديه، مرتين مرتين، وعلى كل حال هذا معروف، هل يفهم أحد أنه أن غسله لرجله مرتين يعني مقسومة على الرجلين فيغسل اليمنى مرة واليسرى مرة ويجتمع من غسل الرجلين غسلتين أو غسلتان؟ هل يفهم هذا أو لا يفهم؟ يعني السياق دلالة السياق تبعد مثل هذا الفهم وإلا ليس ببعيد؛ لأن مقابلة التثنية بالتثنية كمقابلة الجمع بالجمع، تقتضي القسمة أفراد، لكن السياق يأبى مثل هذا الفهم.

قال أبو عيسى: "هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم مطولاً.

"وقد ذكر في غير حديث" يعني في عدد من الأحاديث "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ بعض وضوئه مرة وبعضه ثلاثاً" يعني وبعضه مرتين كما في هذا الحديث "وقد رخص بعض أهل العلم في ذلك لم يروا بأساً أن يتوضأ الرجل بعض وضوئه ثلاثاً وبعضه مرتين أو مرة".

ولا شك أن هذا هو المعول عليه والمتعين ولا يسوغ القول بخلافه؛ لأنه ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.

وقوله: "قد رخص بعض أهل العلم" يدل على أن العزيمة خلاف هذا الوضوء؛ لأن المقابل للرخصة العزيمة، فالعزيمة خلاف هذا الوضوء، فالوضوء على الاتساق هو العزيمة، وأكثره ثلاث، ثلاث غسلات لكل عضو على ما تقدم، فالأكمل والعزيمة أن تتوضأ ثلاثاً ثلاثاً، لك أن تتوضأ مرتين مرتين، ولك أن تتوضأ مرة مرة، ولك أن تتوضأ بتفاوت الأعضاء فتغسل بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين وبعضها ثلاثاً؛ لأن ذلك كله ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والاختلاف في مثل هذا من باب اختلاف التنوع، من باب اختلاف التنوع، فالمكلف له أن يتوضأ مرة ومرتين وثلاثاً، وله أن يلفق، لكن إذا توضأ مرة ومرة كذا ومرة كذا والأكثر الثلاث فيكون أكثر ما يتوضأ ثلاثاً ثلاثاً؛ لأنه الأكمل، وقد يتوضأ مرة مرة، لا سيما إذا كان بحضرة من ينظر إليه ممن يظن أنه يزيد ولا يقتنع؛ لأن بعض العامة لا يكفيهم ما يكفي بعض أهل العلم؛ لأن بعض  أهل العلم إذا اقتصر على أدنى الواجب مرة مرة قد لا يقنع بذلك العامي، وهناك قصة معروفة أن عجوز هي متداولة بين طلاب العلم عجوز مسرفة في استعمال الماء قال لها ولدها: إن هذا إسراف ولا يجوز ومحرم، ومن زاد على الثلاث فابتدع، فردت عليه قال: ألا يقنعكِ فلان؟ وهو من كبار أهل العلم في بلده، بل هو كبيرهم ومقدمهم قالت: بلى يكفيني، يقنعني، فدعا به وأعطاه ماءً ليتوضأ ماءً قليلاً بقدر المد، والعجوز هذه لا يكفيها البرميل، فأحضر ماءًا بقدر المد فتوضأ الشيخ وضوءاً مجزئاً مسقطاً للطلب، ثم ذهب الولد إلى أمه وهي ترى الشيخ فقال لها: هل اقتنعت؟ فذكرت أنها تنوي إعادة كل ما صلته خلف هذا الشيخ، هذا بلا شك أنه وسواس، والموسوس لا يقتنع بمثل هذا، فإذا كان في الحضرة من هو من هذه الشاكلة فيقتصر على الأدنى، وكما أنه إذا كان في الحضرة من يظن فيه التفريط وعدم إكمال الوضوء فإنه يؤتى بالأكمل.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"
ما هي أفضل شروحات جامع الترمذي؟

أفضلها شرح ابن سيد الناس مع تكملة الحافظ العراقي لها، مع الأسف أنه ما طبع منه إلا الشيء اليسير، ومن أفضل الشروح شرح ابن العربي وعنايته بالدراية والفقه، وأما العارضة فهو جامع بين الرواية والدراية لكنه مختصر.

يقول: هل في الصحيح أحاديث ضعيفة؟ وإن كان به هل يجوز ذكرها؟

إن كان في صحيح الترمذي؛ لأنه يسمى الجامع الصحيح، ففيه أحاديث ضعيفة، بل فيه أحاديث شديدة الضعف، وفيه ما حُكم بوضعه، نعم؟
اجهر يا أخي.
طالب:......
إيه.
طالب:....
إيه مرة مرة، هذا مجزئة مسقطة للطلب إجماعاً، ما فيها إشكال.
طالب:.....
إيه لكن ما هو بمسح، غسل، إيه.

يقول: هل يؤخذ من كلام الترمذي أن الأفضل أن يداوم الإنسان على غسل الأعضاء ثلاث مرات أم أن الأفضل أن يعمل بجميع الصفات فمرة يغسل أعضاءه مرة مرة، ومرة يغسلها مرتين مرتين، ومرة يغسلها ثلاثاً؟

لا شك أن الأكمل الثلاث، لكن إن فعل الأقل لبيان السنة أو جعل ذلك من خلاف التنوع فتوضأ مرة فلا يلام.

يقول: محمد بن نصر المروزي هل هو من أهل السنة والجماعة؟ وهل....؟

إن كان المراد به الإمام المعروف محمد بن نصر صاحب تعظيم قدر الصلاة، وصاحب قيام الليل وغيرها من الكتب فهو إمام من أئمة أهل السنة، ومعروف رأيه كرأي الإمام البخاري في مسألة الإيمان وأنه مرادف للإسلام، لكن هذا وإن خالف جمهور أهل العلم إلا أنه لا يخرجه عن دائرة أهل السنة.

يقول: ألم يثبت عن ابن عمر -رضي الله عنهما- الزيادة عن ثلاث في غسل الأعضاء ثم إذا دعت الحاجة إلى الزيادة فما الحكم كمن كان على يده حائل كطين وإسفلت وما أشبه ذلك؟

إذا كان على اليد حائل يزيل الحائل قبل أن يشرع في الوضوء، كما أنه إذا كان على العضو نجاسة يزيلها قبل أن يبدأ بالوضوء ثم يتوضأ وضوءاً شرعياً، أما ما ثبت عن ابن عمر من الزيادة فهو يبالغ في الغسلة الوحدة، يبالغ فيها وكان -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- يزيد على..، وهذا من تشديداته حتى كان يدخل الماء في عينيه إلى أن عمي -رضي الله تعالى عنه-.