الموقظة في علم مصطلح الحديث (04)
"الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف- رحمه الله تعالى-:
الضعيف ما نقص عن درجة الحسن قليلاً، ومن ثم تُردد في حديث أناس هل بلغ حديثهم إلى درجة الحسن أم لا؟ وبلا ريب فخلق كثير من المتوسطين في الرواية بهذه المثابة، فآخر مراتب الحسن هي أول مراتب الضعيف، أعني الضعيف الذي في السنن وفي كتب الفقهاء ورواته ليسوا بالمتروكين كابن لهيعة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وأبي بكر بن أبي مريم الحمصي وفرج بن فضالة ورشدين وخلق كثير."
يقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: والضعيف، وهو تمام القسمة بعد أن أنهى الكلام عن الضعيف والحسن، ثلَّث بالضعيف، وعرَّفه بأنه ما نقص عن درجة الحسن قليلاً، ونحتاج إلى بعض الكلام الذي ذكرناه بالأمس من التداخل بين الصحيح والحسن؛ لأن ابن الصلاح عرَّف الضعيف بأنه ما لم تجتمع فيه شروط الصحيح ولا شروط الحديث الحسن، وانتقده الحافظ العراقي بأن ذكر الصحيح زائد في الحد لا حاجة إليه؛ لأنه إذا لم تتوافر فيه شروط الحسن، فمن باب أولى ألا تتوافر شروط الصحيح، يعني من لم يبلغ سن الكهولة، فمن باب أولى ألا يبلغ سن الشيخوخة، وهذا إذا قلنا بالتداخل، أما إذا قلنا بالتباين، وأن النسب بين الصحيح والحسن والضعيف هي التباين قلنا: إنه لا بد من الترديد الذي ذكره ابن الصلاح، لا بد من ذكر الصحيح؛ لأن الصحيح شيء والحسن شيء، فقد لا تتوافر فيه شروط الحسن، وتتوافر فيه شروط الصحيح، يعني مثل ما قالوا، الحرف ما لا يقبل علامات الاسم ولا علامات الفعل، هل نستغني بأحدهما عن الآخر في هذا؟ هل نستطيع أن نقول: الحرف ما لا يقبل علامات الاسم فقط، أو نقول: الحرف ما لا يقبل علامات الفعل فقط؟ لا، لا بد أن نقول: ما لا يقبل علامات الاسم ولا علامات الفعل؛ لأن هناك تباينًا بين الأنواع الثلاثة، ليس هناك تداخل، أما على القول بالتداخل، وهو الذي مشى عليه هنا، وأيده من كلام ابن دقيق العيد الماضي، فإذا انتفى الحسن انتفت الصحة من باب أولى.
يعني لو قال طالب: عسى التقدير زينًا، عساك وصلت جيد جدًّا؟ قال: لا، والله ما وصلت جيد جدًّا، هل فيه احتمال أنه وصل الامتياز؟! هل يحتاج إلى أن يقول: ولا الامتياز بعد؟! ما يحتاج، لكن لو نفى الصفة العليا احتاج إلى نفي الدنيا قال: عسى التقدير زينًا، عساه ممتازًا، قال: لا، والله ما هو ممتاز، احتمال أن يكون جيد جدًّا، إذًا نحتاج أن نقول: ولا جيد جدًّا، فإذا نفى الأعلى لا ينتفي الأدنى، وإذا نفي الأدنى انتفى الأعلى، وهنا قال: ما نقص عن درجة الحسن قليلا، إذًا لا يُتصور بوجه من الوجوه أنه يصل إلى درجة الصحيح، فابن حجر لما ساق الكلام الطويل في تقرير هذه المسألة، والخلاف بين ابن الصلاح والعراقي أراد أن يخرج بسلام من هذا الخلاف كله، فقال: الضعيف ما لم تتوافر فيه شروط القبول؛ لأن القبول والمقبول يشمل الصحيح والحسن؛ لأنه لا يُسلّم التداخل من كل وجه، كما أنه لا يُسلم التباين من كل وجه، فإذا لم تتوافر شروط القبول في خبر ما فهو ضعيف؛ لانتفاء شرط من شروط قبوله.
أما الضعيف فهو ما لم يبلغ |
|
مرتبة الحسن وإن بسط بغي |
هذا كلام الحافظ العراقي، وهنا يقول: ما نقص عن درجة الحسن قليلاً، ومن ثم تُردِّد في حديث أناس، هل بلغ حديثهم درجة الحسن أم لا؟ والتردد في حديثهم تابع للتردد فيما يستحقونه من وصف، فمثلاً الأمثلة التي ذكرها الحجاج بن أرطاة وخصيف وعاصم بن ضمرة يترددون في تحسينها وتضعيفها، وإن كان الجمهور على تضعيف أحاديثهم أحاديث ابن لهيعة مثلاً يُختلَف فيه، ثلاثة عشر من الأئمة كلهم ضعفوه، وثلاثة وثقوه، ومنهم من توسط فقال: يقبل إذا روى عنه بعض الرواة كالعبادلة، ولا يُقبَل إذا روى عنه غيرهم، فيكون هناك مجال للأخذ والرد، إذا كان بهذه المثابة منهم من ضعفه ومنهم من وثقه، يعني من وثقه له وجه وله سلف، ومن نزل به عن درجة الصحيح ولم يصل به إلى درجة الضعيف نظرا اعتبارًا بقول من وثقه له وجه، ولذا الحكم على أحاديث بعض الرواة الذين مُسُّوا بضرب من التجريح الخفيف هذا يحتاج إلى تأكد، فهؤلاء وإن وصفوا بضعف في الحفظ فقد يضبطون، إذا كان الشيطان المعروف بالكذب قد يصدق، قد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- «صدقك وهو كذوب» يعني مبالغة في وصفه بالكذب، فقد يضبط هذا الضعيف، وقد يصدق هذا الفاسق، لكن الكلام على غلبة الظن، مادام حكم الأئمة بأنه ضعيف، ورجحنا ضعفه كابن لهيعة أو دراج أو خصيف أو رشدين بن سعد و الأو الإفريقي أو غيرهم أو الليث بن أبي سليم، كل هؤلاء لا شك أن حديثهم إن لم يوجَد قرينة تدل على ضبطهم من متابع أو شاهد فإنه في حيِّز الضعيف.
أحيانًا ينتقى من حديث مَن ضُعِّف ضعفًا خفيفًا، ينتقى منه، الأئمة الكبار يعرفون أن هذا الراوي وإن كان الأصل فيه أو الغالب عليه الضعف، لكنه ضبط هذا الحديث أو هذه الأحاديث، ولذا قد ينزل الإمام مسلم وقد اشترط الصحة عن أحاديث الطبقة العليا إلى أحاديث من دونهم من باب الانتقاء، ويقول الحافظ العراقي- رحمه الله تعالى-:
وللإمام اليعمري إنما |
|
قول أبي داود يحكي مسلما |
حيث يقول جملة الصحيح لا |
|
توجد عند مالك والنبلا |
فاحتاج أن ينزل في الإسناد |
|
إلى يزيد بن أبي زياد |
يعني يحتاج أحيانًا الإمام الذي اشترط الصحة في بعض الأحوال إلى أحاديث من هم أقل من شرطه، لكن شريطة أن يعرف أن هؤلاء قد ضبطوا هذه الأحاديث؛ لأنه اشترط الصحة في كتابه، فلا يأتينا من يقول: إن هذا الراوي مضعَّف، فكيف يخرج له البخاري، أو يخرج له مسلم، نعم يخرج له ما ووفق عليه وما توبع عليه، وإلا فهو معروف ما يجزم الإمام بأنه ضبطه، ومن ثم تردد في حديث أناس هل بلغ حديثهم إلى درجة الحسن أم لا؟ وبلا ريب فخلق كثير من المتوسطين في الرواية بهذه المثابة، فآخر مراتب الحسن هي أول مراتب الضعيف.
الآن ما يشكل على طالب العلم بحث حديث رواته متفق على توثيقهم يشكل أم ما يشكل؟ ما يشكل، كما أنه لا يشكل عليه بحث حديث رواته متفق على ضعفه، الذي يشكل الرواة المختلَف فيهم، ونظَّرنا سابقًا أنه الذي يشكل على الوصي تذبذب بعض الأفراد في الاتصاف بالوصف الذي عُلِّق عليه في الوصية، فإذا أوصى للبارّ من أولاده الذي يلزم أبويه، وعرف بالبر هذا لا يتردد فيه، والعاق تام العقوق ... لكن الإشكال الذي مرة يبر، ومرة يعق سجال، ومثله رواة الحديث الذي يشكل من اختلف في توثيقه وتضعيفه، ولذا تجدون أحكام العلماء أحيانًا يحسنون، وأحيانًا يقوى عندهم جانب الضعف فيضعفون. أعني الضعيف الذي في السنن، السنن جنس سنن النسائي هذا من أنظف السنن، سنن أبي داود هو بمثابته إن لم يكن أمثل منه، لكن سنن الترمذي الذي خرج فيه للمصلوب المتهم بالوضع، وسنن ابن ماجه التي خرج فيها لبعض المتهمين والمتروكين لا شك أن السنن متفاوتة، وهو يريد بهذا سنن مثل سنن أبي داود ومثل سنن النسائي، أما سنن الترمذي، وهو نادر حقيقة خرج لمن اتهم بالكذب، وكذلك ابن ماجه على قلة.
أعني الضعيف الذي في السنن في كتب الفقهاء، ورواته ليسوا بالمتروكين، ومتى يُترَك حديث الراوي؟ يُترَك حديث الراوي إذا اتهم بالكذب، وإذا تفرد برواية حديث لا يُعرَف إلا من قبله، ويكون مخالفًا للقواعد المعلومة بالشرع يترك حديثه، ويسمى حينئذ المتروك، وقد يُترَك حديث فاحش الغلط، ويحكم عليه بأنه متروك، وقد يعبَّر عن حديث الفاسق بأنه متروك، وجاء في بعض تعبيراته ما يدل عليه ليسوا بالمتروكين كابن لهيعة، ابن لهيعة عالِم من أوعية العلم، لكن كلام الأئمة في تضعيفه معروف، والجمهور على تضعيفه، وابن حجر نص على ضعفه في مواضع من فتح الباري، وقال في التقريب: صدوق له أوهام، يعني ما اكتفى بصدوق، بل ولو قال: ضعيف أو استثنى مع من استثنى يعني قال: ضعيف إلا إذا روى عنه العبادلة، لكن المتجه مادام ثلاثة عشر من أئمة هذا الشأن كلهم نصوا على ضعفه، ما المانع من أن يضعَّف؟ لكن يبقى مادام وثقه بعض الأئمة أن يكون الضعف غير شديد، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وأبي بكر بن أبي مريم الحمصي وفرج بن فضالة هؤلاء ضعفهم ليس بشديد، بمعنى أنه ينقبل الانجبار، ورشدين بن سعد المصري وخلْق كثير هؤلاء مضعفون عند أهل العلم، وتساهل الشيخ أحمد شاكر فوثق أكثر من عشرين راويًا من رواة الترمذي ممن جماهير الأئمة على تضعيفهم، فالخلاف في الرواة، يعني طالب العلم قد يواجهه في كتب الرجال في الراوي الواحد أكثر من عشرين قولًا، فهل يأخذ بأقوال الموثِّقين، أو يأخذ بأقوال المضعِّفين أو ماذا يصنع؟
هناك قواعد يتعامل بها طالب العلم مع هذه الأقوال، قواعد للترجيح وضوابط ما الذي؟ يقدَّم الجارح أو يقدَّم المعدِّل؟ هل يقدم الجرح المفسَّر على التعديل، أو يكتفى بالجرح غير المفسَّر، فيقدم على التعديل مطلقًا؟ أو ينظر إلى الأكثر أو ينظر إلى إمامة المعدِّل والجارِح؟ وعلى كل حال الأصل أن الجرح مقدَّم على التعديل.
وقدموا الجرح لكن إن ظهر |
|
من عدل الأكثر فهو المعتبر |
إذا كان هذا الجارح الذي جرح هذا الراوي مقابَل جرحه بتعديل من هو أكثر منه، فجرحه شخص، وعدَّله عشرة، مقتضى القاعدة أن يقدَّم قول الجارِح لماذا؟ لأن هذا الجارح معه زيادة علم خفيت على المعدِّلين؛ لأنه فعل فعلاً يقدح في عدالته اطلع عليه هذا الواحد، ولم يطلع عليه عشرة؛ لأن هذا الواحد معه زيادة علم قد تكون خافية على من عدَّله، إن كان من عدَّله قد اطلع على هذا الجرح، وقال: نعم عندي خبر أنه كان يشرب، لكنه تاب توبة نصوحًا، أو أبطل قول المجرِّح قال: زيد ضعيف، لماذا؟ لأنه قتل فلانًا يوم الخميس، القتل جريمة مخلّ بالعدالة، قال المعدِّل: أنت تقول: قتله يوم الخميس، وأنا هذا المقتول الذي ادعيت قتله صلى بجواري يوم الجمعة، فيكون هذا المعدِّل قد اطلع على قول الجارح ونقضه، وحينئذ يقدَّم قول المعدِّل.
عفا الله عنك.
"المطروح من حط عن رتبة الضعيف، ويروى في بعض الأسانيد الطوال، وفي بعض الأجزاء بل وفي سنن ابن ماجه وجامع أبي عيسى مثل عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن الحارث عن علي، وكصدقة الدقيقي عن فرقد السبخي عن مرة الطيب عن أبي بكر، وجويبر عن الضحاك عن ابن عباس، وحفص بن عمر العدني عن الحكم بن أبان عن عكرمة، وأشباه ذلك من المتروكين.."
أبان ممنوع أم مصروف؟
طال: مصروف.
لحظة، دعنا نرى الإخوان، مصروف أم ممنوع؟ هو قال عن الحكم بن أبانٍ صرفه.
طالب: ............
غير مصروف، لكن هل النون أصلية أم زائدة؟ هل هو من الإبانة أو من الإباء؟ إذا كانت النون أصلية فهو مصروف، وإذا كانت زائدة فهو ممنوع من الصرف، حسان إن كان من الحسن فهو مصروف، وإن كان من الحس فهو ممنوع، وعلى كل حال هنا نكتة لا يقصد بها شخص بعينه أولا، قال ابن مالك: هذا يخفف الأمر، ابن مالك يقول: أبان ممنوع من الصرف دع الذي قال: ممنوع من الصرف يصير له ظهر وسند من الأئمة، وقال بعضهم: من منع أبان فهو ما نقدر نكمِّل.. فهو ماذا؟
طالب: أتان.
ابن مالك إمام من أئمة العربية يقول: ممنوع من الصرف، ولا يضيره قول من قال.
"عفا الله عنك.
وحفص بن عمر العدني عن الحكم بن أبان عن عكرمة وأشباه ذلك من المتروكين والهلكى، وبعضهم أفضل من بعض."
المطروح اسم مفعول من الطرح وهو الإلقاء، وكثيرًا ما يقول الأئمة في راوٍ من الرواة" ارمِ به يعني اطرحه واطرح حديثه، عرفه المؤلف بأنه ما انحط عن رتبة الضعيف، يعني ولم يبلغ درجة الوضع، هو إذا انحط عن رتبة الضعيف هل نقول: والحسن؟ إذا انحط عن رتبة الضعيف فلا يتصوَّر أنه يقال إنه احتمال أنه يصل إلى.. لا، يعني يحتاج إلى أن نقول ما انحط عن رتبة الضعيف ولم يصل إلى درجة الوضع الموضوع الآتي، وهو بمعنى المتروك، ويروى في بعض المسانيد الطوال وفي الأجزاء، أنواع المصنفات عند أهل الحديث: الجوامع البخاري ومسلم والترمذي، السنن المسانيد المعاجم المصنفات الموطآت المستخرجات الفوائد الأجزاء المشيخات، أنواع من المصنفات عند أهل الحديث، يوجَد في بعض المسانيد الطوال يعني التي تعنى بالأخبار الطويلة، والأخبار الطويلة في الغالب لا تسلم، لا يورد علينا أحد قصة الإفك يقول: أطول حديث في الصحيح، لا يرد هذا، لكن في الغالب أن الذي يعنى بالأخبار الطوال التي تكون مجموعة من أحاديث تساق مساقًا واحدًا، هذا في الغالب يكون فيها الراوي الذي ينبغي أن يطرح حديثه ويرمى به، وفي الأجزاء، الأجزاء نوع وصنف من أصناف المؤلفات عند المحدِّثين أولاً على طالب العلم أن يعنى بالأهم فالأهم، يعنى بالأهم فالأهم تكون عناية طالب العلم بعد حفظ المتون المعتبَرة همته منصرفة إلى البخاري حتى يتقن البخاري.
وبالمهم المهم ابدأ لتدركه |
|
وقدِّم النص والآراء فاتهم |
تعتني بالمهم البخاري، ثم إذا أنهيت البخاري الذي يليه مسلم، ثم بعد ذلك تعتني بسنن أبي داود ثم الترمذي ثم النسائي ثم ابن ماجه ثم المسند ثم بقية الكتب. الآن يوجَد بعض الطلاب ممن يحب الإغراب تجد هذا ليست له عناية في صحيح البخاري، ويجهل جل ما في صحيح البخاري لا نقول جميع، ويعنى بجزء الألف دينار أو جزء بيبي بنت ما أدري من! لمَ يا أخي؟! عندك ديوان الإسلام بعد القرآن البخاري، تجد كثيرًا من الطلاب ما له عناية بالبخاري ثم يتجه إلى هذه الأجزاء والمعاجم والمشيخات، وما أدري ماذا؟! ما يصلح هذا، هذا خلل في طريقة التحصيل، ومن هذا مسلكه لا يحصِّل علمًا في الغالب، على الإنسان أن يتدرج في طلبه العلم، ويبدأ بالمهم، يعني لا يليق بطالب العلم أن يخفى عليه شيء في صحيح البخاري مع عنايته بمعجم الطبراني الكبير، معجم الطبراني الكبير في عشرين مجلدًا يعتني به ويصرف جهده وعمره ويترك البخاري، ما هو صحيح، هذا خلل في منهجية الطلب، ولذا الذين يتتبعون الأجزاء يكون عندهم شيء من معرفة غرائب الأحاديث، وفي الغالب إذا أبعد الباحث عن الكتب الستة يكثر في حصيلته الضعيف، منهم من يقول: إن الصحيحين تكفي ما نحتاج إلى غيرهما، يكفي الصحيحين، إذا أتقن طالب العلم الصحيحين والقرآن يكفي، نقول: لا، ما يكفي يصفو من السنن ومن المسند أحاديث كثيرة صحيحة ليست في الصحيحين، ولذا يقول ابن الأخرم..
................... ولكن قلما |
|
عند ابن الأخرم منه قد فاتهما |
يعني عند ابن الأخرم قل ما فات الصحيحين من الأحاديث الصحيحة ورُدّ، قوله مردود؛ لأنه يصفو من السنن والمسانيد والصحاح شيء كثير من الأحاديث الصحيحة.
ورُدَّ لكن قال يحيى البَرُّ |
|
لم يفت الخمسةَ إلا النزرُ |
يعني على طالب العلم أن يهتم بالخمسة، ثم إذا زاد عليها فليزد ابن ماجه ثم.. على الترتيب المعروف عند أهل العلم، لكن الاقتصار على الصحيحين في أول الأمر ينبغي أن تكون هي عدة طالب العلم، ثم إذا أنهاهما ينتقل إلى غيرهما على الترتيب المعروف عند أهل العلم، فالمقدَّم الصحاح ثم السنن، وأما المسانيد فهي في المرتبة دون السنن.
ودونها في رتبة ما جُعلا |
|
على المسانيد فيدعى الجفلا |
كمسند الطيالسي وأحمدا |
|
وعده للدارمي انتقدا |
فعلى الطالب أن يعنى بالأهم ثم المهم، ثم إذا كان عنده فضلة من وقت يستوعب بها بقية دواوين الإسلام هذا الأصل، أما أن يعنى بالفوائد والأجزاء والمعاجم والمشيخات، والصحيحين ما له علم بها هذا خلل، وهذا في الغالب لا يفلح، ووجدنا من يعنى بهذه الأجزاء، وفي الأجزاء بل وفي سنن.. هم يصرون على أن إتباع بل بالواو يقولون بل وَ من البلوى بل وَ من البلوى، وهنا قال: بل وفي سنن ابن ماجه وجامع أبي عيسى.. نعم فيه ما ينحط عن رتبة الضعيف، بل في سنن ابن ماجه في فضائل قزوين موضوعات، ولا يُظَن بأهل العلم أنهم يقصدون إدخال هذه الموضوعات؛ لأنها بلده، ابن ماجه قزويني، لكن ليبين أن هذا الخبر موضوع، ولا يلزم أن يقول: موضوع، إنما إذا رواه بإسناده في عصر الرواية، من روى بالإسناد برئ من العهدة لا يُظَن بإمام من أئمة المسلمين ممن نفع الله به الدين أنه يأتي بهذا من أجل أن هذا بلده لا، هو يريد أن ينبه على أن هذا الحديث مروي من طريق فلان الذي لا تجوز الرواية عنه، ولا تحل الرواية عنه، وكونه يعنى بأحاديث بلده؛ لأن هذه الأحاديث مشهورة عندهم فيخرجها من طريق من لا تثبت بواسطته، فيبين أن هذا الحديث موضوع؛ لأن العصر عصر رواية، وجامع أبي عيسى عرفنا أنه خرج للمصلوبي.
ثم مثَّل عمرو بن شَمِر عن جابر الجعفي عن الحارث عن علي يقرر أهل العلم أن هذه السلسلة أضعف الأسانيد عن علي بن أبي طالب، أضعف الأسانيد، ومثلها أضعف الأسانيد عن أبي بكر صدقة بن موسى الدقيقي عن فرقد السبخي عن مرة الطيِّب عن أبي بكر، جويبر عن الضحاك عن ابن عباس هذه روي بها أخبار كثيرة في التفسير وغيره لا تثبت، حفص بن عمر العدني عن الحكم بن أبان عن عكرمة، وأشباه ذلك من المتروكين والهلكى، وبعضهم أفضل من بعض، لا يمكن أن يقال: إن هذا الراوي مساوٍ لهذا الراوي من كل وجه، أو أنه مطابق له مائة بالمائة، لا يمكن، لا شك أن بعضهم أفضل من بعض، كما أن درجات الثقات متفاوتة، أيضًا درجات الضعفاء متفاوتة.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.