الموقظة في علم مصطلح الحديث (06)

 

"الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

قال المصنف- رحمه الله تعالى-:

المعضل هو ما سقط من إسناده اثنان فصاعدًا، وكذلك المنقطع، فهذا النوع قلَّ من احتج به، وأجود ذلك ما قال فيه مالك: بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال كذا وكذا، فإن مالكًا متثبت، فلعل بلاغاته أقوى من مراسيل مثل حميد وقتادة."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول- رحمه الله تعالى-: المعضل هو اسم مفعول من الإعضال، والأمر المعضِل لا شك أنه الشديد المستغلِق فكأن الراوي بحذفه أكثر من راوٍ من موضع واحد يزيد في إشكاله؛ لأنه إذا كان المحذوف واحدًا قد يُستدل عليه بمراجعة الشيوخ والتلاميذ، لكن إذا كان المحذوف أكثر من واحد مثل هذا يصعب الوقوف عليه؛ لأنه يُستدل ببعض الأمور على بعض، أنت عندك راوٍ سقط واحد تبحث في تلاميذ هذا الراوي فتجد، فإذا وجدت هذا الراوي ممن يروي عنه من ذكر، ويروي هو عمن ذُكر بعده سهل، لكن إذا حذف اثنين كيف تصل؟ لا شك أن هذا أعضله هذا الراوي جعله مستغلقًا شديدًا، والوصول إليه في غاية الوعورة، وهو ما سقط منه اثنان فصاعدًا.

المعضل الساقط منه اثنان

 

فصاعدا ومنه قسم ثاني

ولا بد من اشتراط التوالي.

والشرط في ساقطه التوالي

 

والانفراد ليس بالإعضال

يعني إذا سقط أكثر من راوٍ لا على التوالي فهذا لا يسمى معضلاً، إنما يسمى منقطعًا في أكثر من موضع لا بأس، والوصول إلى هذا الساقط أسهل بكثير لو سقط ثلاثة من ثلاثة مواضع أسهل بكثير مما لو سقط اثنان؛ لأن الوصول من خلال الشيوخ والتلاميذ ممكن إذا تعددت المواضع غير متوالية، أما إذا كانت من موضع واحد يصعب الوصول إلى الساقط، وجعلوا من المعضل ما يُحذَف فيه الصحابي والنبي -عليه الصلاة والسلام-، ويوقَف المتن على التابعي، عن علقمة قال: إنما الأعمال بالنيات، علقمة تابعي سقط مَن؟ سقط الصحابي والنبي- عليه الصلاة والسلام- ووُقف المتن على التابعي، هذا نوع من الإعضال يقول أهل العلم: إنه باستحقاق اسم الإعضال أولى؛ لأنه بإسقاط الصحابي والنبي -عليه الصلاة والسلام- يكون أسقط اثنين ومنه قسم ثانٍ.

حذف الصحابي والنبي معا

 

ووقف متنه على من تبعا

هذا معضل ينطبق عليه التعريف.

 يقول: وكذلك المنقطع وهو ما سقط من إسناده راوٍ في أي موضع كان هذا الاستعمال الأعم للمنقطع الذي يقابل المتصل، لكن أهل العلم خصوا كل نوع من الانقطاع باسم، فإذا رفعه التابعي سموه مرسلاً. إذا سقط من أثنائه واحد سموه منقطعًا. إذا سقط من أثنائه أكثر من واحد سموه معضلاً. إذا سقط من أوائل الإسناد من جهة المصنف واحد أو أكثر سموه معلقًا. إذا كان السقط ظاهرًا سمي بهذه الأسماء، وإن كان خفيًّا فإما أن يكون مدلَّسًا أو مرسلاً من المراسيل الخفية على ما سيأتي.

 وكذلك المنقطع فهذا النوع قل من احتج به؛ لأنه بهذا الساقط أولاً من شرط قبول الخبر اتصال السند من شرط قبول الخبر اتصال السند، فالمنقطع لا يقبل، والسبب في ذلك أن الاحتمال أن هذا الساقط ليس بثقة، والمجهول من جهلت عينه وذاته لا يجزم بتوثيقه، ولا يكفي عدم العلم بضعفه بل لا بد من العلم بثقته، لا يكفي عدم الوقوف على ضعفه بمعنى أنك إذا لم تجد فيه جرحًا ولا تعديلاً لا يكفي في أن تصحح الخبر، بل لا بد أن تجد من ينص على توثيقه، ولذا ردوا هذه الأنواع؛ لأن الساقط هذا مجهول، والجهالة قدح في الراوي.

 وأجود ذلك ما قال فيه مالك: بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو بلغني عن عمر، أو بلغني عن أبي هريرة، أو بلغني عن ابن عمر، بلاغات الإمام مالك من أجود ما اشتمل على الإسقاط، أجود ما لم يتصل إسناده باستثناء مرفوعات كبار التابعين التي سبق ذكرها، فبلاغات الإمام مالك بُحِثَت ووصلت كلها وصلها ابن عبد البر سوى أربعة، أربعة أحاديث لم يستطع ابن عبد البر، ووصلها ابن الصلاح في جزء مفرد.

 يقول: وأجود ذلك ما قال فيه الإمام مالك: بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال كذا وكذا فإن مالكًا متثبِّت، بل مالك لا يروي إلا عن ثقة كما هو معروف من حاله، شديد في النقد والتحري فإن مالكًا متثبت، فلعل بلاغاته أقوى من مراسيل مثل حميد وقتادة وغيرهم من صغار الصحابة.

عفا الله عنك.

"الموقوف هو ما أسند إلى صحابي من قوله أو فعله، ومقابله المرفوع، وهو ما نسب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله أو فعله."

هذا تقسيم للأخبار من حيث الإضافة والنسبة، فما أضيف للنبي -عليه الصلاة والسلام- من قوله أو فعله أو تقريره هذا يسمى مرفوعًا، وما يضاف إلى الصحابي من قوله أو فعله يسمى موقوفًا، وما يضاف إلى التابعي فمن دونه يسمى مقطوعًا، وهو غير المنقطع الذي سبق ذكره، المقطوع ما يضاف إلى التابعي، فإذا رويت بإسناد صحيح متصل إلى سعيد بن المسيب أو إلى غيره من التابعين تقول: هذا مقطوع؛ لأنه في مقابل الموقوف الذي يضاف إلى الصحابي، ويقابل المرفوع الذي يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مقطوع من هذه الحيثية، لكنه بسند متصل، فإذا روينا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بسند متصل قلنا: مرفوع متصل، وإذا روينا إلى الصحابي بسند متصل قلنا: موقوف متصل، وهو الذي يطلق عليه بعض الفقهاء الأثر، وبعضهم يرى أن الأثر شامل للمرفوع والموقوف والمقطوع كلها آثار، ومنهم من يخص الآثار بالموقوفات، والمسألة سهلة، لكن انتسب إلى الحديث أقوام فقالوا: فلان بن فلان الأثري.

يقول راجي ربه المقتدر

 

عبد الرحيم بن الحسين الأثري

هل مقصده بذلك الانتساب إلى الآثار الموقوفة على الصحابة أو إلى الحديث جملة؟ نعم إلى الأحاديث المرفوعة التي هي المقصد بالدرجة الأولى، فما أسند إلى الصحابي من قوله أو فعله موقوف، وتقرير الصحابي ما نسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير هذا مرفوع، لكن ما يفعل بحضرة الصحابي ولا ينكره، هل نقول: هذا موقوف؟ هل ينسب إلى الصحابي؟ لا؛ لأنه قد يسكت، يُفعل بحضرته شيء يرى المصلحة في عدم البيان والإنكار في هذا الموضع، فالتقرير خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- منهم من يرى في الموقوف أنه يشمل ما يروى من الصحابة والتابعين، لكن إن أضيف إلى التابعي فقيِّده فقل: هذا موقوف على سعيد موقوف على أنس على ابن سيرين أما أنس صحابي ما يحتاج إلى تقييد، موقوف على ابن سيرين، موقوف على الحسن، موقوف على.. لا بأس.

عفا الله عنك.

"المتصل ما اتصل سنده وسلم من الانقطاع، ويصدق ذلك على المرفوع والموقوف."

نعم، ما اتصل سنده بأن يكون كل راوٍ من رواته قد تحمله ممن فوقه بطريق معتبر من طرق الرواية هذا يسمى متصلاً، هذا متصل، ويقابله المنقطع على أي صفة كان هذا الانقطاع بواحد، بأكثر من واحد، من أول السند، من آخره، في أثنائه، سواء كان السقط ظاهرًا أو خفيًّا كله يقابل المتصل، كل الأنواع الستة مقابلة للمتصل المنقطع والمعضل والمعلق والمرسل والمدلَّس والمرسل الخفي كلها تقابل الاتصال، وكلها تخرج باشتراط الاتصال لقبول الخبر، إذًا كلها ليست مقبولة.

 المتصل ما اتصل سنده وسلم من الانقطاع، ويصدق ذلك على المرفوع والموقوف، هذا المتصل، يصدق على المرفوع والموقوف، نعم إذا روينا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بسند متصل قلنا: متصل مرفوع، إذا روينا عن الصحابي بسند متصل قلنا: متصل موقوف، لكن إذا روينا عن التابعي بسند متصل ما قلنا ما يُروى عن التابعي يسمى مقطوعًا، فإذا كان السند متصلاً إلى سعيد، متصلاً إلى الحسن، متصلاً إلى ابن سيرين هل نقول: إنه متصل مقطوع؟ مثل ما قلنا متصل موقوف، متصل مرفوع؟

 يمكن أن نقول أو ما يمكن؟ بالإمكان أن نقول: متصل مقطوع؟ بعضهم منع من ذلك، لماذا؟ يقول: تنافر لفظي، لا يجدر أن نقول: متصل مقطوع؛ لما بين الكلمتين من التنافر، يعني هل يحسن أن تقول: جاء الطويل القصير يمكن؟ الطويل القصير، هم يقولون: هذا تنافر لفظي، لا يمكن إطلاق مثل هذا الحكم، لكن التنافر بالفعل إذا اتحدت الجهة صار تنافرًا، لكن إذا انفكت الجهة أطلقنا عليه وصفًا باعتبار ووصفًا آخر باعتبار آخر ولو كان اللفظان متنافرين في الظاهر ساغ ذلك، {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ} [سورة الحـج:4] والهداية غير الضلال، لكن الجهة منفكة، وتقول: جاء الطول القصير متى؟ إذا كان قصيرًا في قامته وطويلاً في عمره، شخص طوله متر، وعمره مائة سنة، بإمكانك أن تقول: طويل قصير، طويل باعتبار عمره قصير باعتبار قامته، فإذا انفكت الجهة ساغ ذلك، وهنا انفكت الجهة فهو مقطوع بالنسبة للإضافة، ومتصل بالنسبة للإسناد، لا مانع، لكن هم من باب صيانة الألفاظ عن مثل هذا التنافر يقولون: لا يجوز.

عفا الله عنك.

"المسند هو ما اتصل سنده بذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- وقيل: يدخل في المسند كل ما ذكر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن كان في أثناء سنده انقطاع."

المسند اسم مفعول من الإسناد، والإسناد والسند من الاعتماد، فالسند ما يُعتمَد عليه كما تقول: أسندت ظهري إذا اعتمدت على جدار ونحوه، فالإسناد اعتماد، والمحدث يعتمد على السند في تثبيت الحديث أو رده، فالسند يعتمد عليه ويعوَّل عليه في مثل هذا، فالمسند يطلق ويراد به المرفوع، ويطلق ويراد به الكتاب الذي تُرتَّب فيه الأحاديث على المسانيد كمسند الإمام أحمد، ويطلق المسند ويراد به الكتاب الذي تروى فيه الأحاديث بالأسانيد، الصحيح صحيح البخاري الجامع الصحيح المسند، فهو مسند باعتبار أن الأحاديث تروى بالأسانيد، أحاديث مسندة، فيها أسانيد، وهنا يقول: ما اتصل سنده بذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- ما اتصل سنده، بالقيدين لا يكون الحديث مسندًا إلا إذا كان مرفوعًا بسند متصل، هذا قول، ومنهم من يقول: المسند المرفوع بغض النظر عن كونه متصلاً أو منقطعًا، وهذا قول ابن عبد البر، واشتراط الأمرين قول الحاكم، لا يقال: مسند حتى يكون مرفوعًا متصل السند، وابن عبد البر يقول: ما كان مرفوعًا ولو لم يتصل إسناده، ومنهم من يقول: المسند ما اتصل إسناده سواء كان مرفوعًا أو موقوفًا أو مقطوعًا فهو مسند، والبخاري مسند؛ لأنه تذكر فيه الأسانيد، فالإسناد ذكر السند ويتأيد هذا بقولهم كثيرًا: أسنده فلان، وأرسله فلان، أسنده فلان وأرسله فلان يعني ذكر إسناده بغض النظر عن كونه مضافًا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو إلى غيره، وقيل: يدخل في المسند كل ما ذكر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن كان في أثناء سنده انقطاع، وهذا قول ابن عبد البر الذي أشرنا إليه.

عفا الله عنك.

"الشاذ هو ما خالف راويه الثقات، أو ما انفرد به من لا يحتمل حاله قبول تفرده."

اقرأ معه المنكر.

عفا الله عنك.

"المنكر وهو ما انفرد الراوي الضعيف به، وقد يعد مفرد الصدوق منكرا."

الشاذ والمنكر من أهل العلم من يرى أنهما شيء واحد، ومال إلى هذا ابن الصلاح، ومنهم من يرى التفريق، فما يتفرد به الراوي الثقة، ويخالف فيه الثقات يسمونه شاذًّا، وإذا تفرد به من لا يحتمل تفرده ولو لم يكن ضعيفًا يسمى شاذًّا، أما مخالفة الضعيف لمن هو أقوى منه فهذه نكارة بلا شك، وإذا انفرد الراوي الضعيف ولو من غير نكارة مع التفرد يطلقون عليه المنكر يطلقون عليه المنكر.

الشاذ...

وذو الشذوذ ما يخالف الثقة

 

فيه الملا فالشافعي حققه

والمنكر الفرد كذا البرديجي

 

أطلق والصواب في التخريجِ

إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر

 

فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر

منهم من يرى أن المنكر والشاذ شيء واحد، وهو تفرد الراوي الذي لا يحتمل تفرده، فمثلاً حديث «كلوا البلح بالتمر فإنه إذا أكله ابن آدم غضب الشيطان وقال: عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخَلِق» هذا منكر تفرد به أبو زكير لا يحتمل تفرده، وأيضًا لفظه منكر، لماذا؟ لأن الشيطان لا يغضبه طول عمر ابن آدم، لا يغضبه، بل قد يُسَر بطول عمر بعض الناس، بل الذي يغضبه استعمال ابن آدم هذا العمر فيما يرضي الله- جل وعلا-، أما كونه يطول عمره ويخدم الشيطان هذا يفرح به الشيطان، ما يغضبه، الإشكال فيما إذا طال العمر مع الطاعة، هذا الذي يغضب الشيطان، أما طول العمر مع المعاصي والمنكرات لا، هذا يرضي الشيطان. فسنده منكر؛ لأنه تفرد به من لا يحتمل تفرده، ومتنه منكر لما ذكرنا.

 يقول: وقد يعد مفرد الصدوق منكرًا قد يطلق الأئمة الكبار لفظ المنكر على مجرد التفرد هذا حديث منكر، يعني تفرد به هذا الراوي من بين الرواة الذين تتوافر الدواعي عندهم إلى نقل هذا الخبر، فلا شك أن تفرد مثل هذا الراوي من بين من هو أحرص منه من رواة هذا الشيخ إذًا نكارة، هذه توجِد ريبة في القلب، وأما الشاذ فهو مخالفة الراوي الثقة لمن هو أوثق منه، وهو شرط في صحة الخبر على ما تقدم شرط في صحة الخبر على ما تقدم، ومنهم من يقول من الصحيح ما هو شاذ؛ لأن المسألة مخالفة ثقة غاية ما هنالك أن يكون هنا راجح ومرجوح، ولا يلزم منه الرد، وقد خرج البخاري- رحمه الله تعالى- قصة جمل جابر على وجوه متعددة ومختلفة أيضًا، منها ما فيه اشتراط الحملان، ومنها ما فيه عدم الاشتراط، ومنها اختلاف في الثمن اختلافًا كبيرًا في الثمن، وخرجها البخاري- رحمه الله تعالى- ورجح مسألة الاشتراط مع كون الثمن أوقية. المقصود أن في الصحيح ما هو صحيح وما هو أصح، وراجح ومرجوح، وهذا المرجوح على تعريف الشافعي يسمى شاذًا.

عفا الله عنك.

"الغريب ضد المشهور، فتارة ترجع غرابته إلى المتن، وتارة إلى السند، والغريب صادق على ما صح وعلى ما لم يصح، والتفرد يكون لما انفرد به الراوي إسنادًا أو متنًا، ويكون لما تفرد به عن شيخ معيَّن كما يقال: لم يروه عن سفيان إلا ابن مهدي، ولم يروه عن ابن جريج إلا ابن المبارك."

الغريب قسم من أقسام الأخبار باعتبار تعدد الطرق، باعتبار الطرق، فإذا لم تتعدد الطرق، روي من طريق واحد سمي غريبًا، وإذا روي من طريق اثنين سمي عزيزًا، وإذا روي من طريق ثلاثة فأكثر سمي مشهورًا ما لم يصل إلى حد التواتر كما هو معلوم، وهنا الغريب ضد المشهور، يعني المشهور المنتشر المستفيض، والغريب الفرد فهو ضده، لماذا لا يقول: نقيضه؟

لأن الغرابة والشهرة قد يرتفعان ويحل محلهما وصف ثالث، صحيح، فتارة ترجع غرابته إلى المتن، وتارة ترجع إلى السند، قد يستغرب المتن، يكون المتن غريبًا لا نظير له في النصوص الشرعية، وتارة تكون في السند ترجع الغرابة إلى السند فيما إذا تفرد به راوٍ من الرواة ولو في طبقة من طبقاته؛ لأن الأقل يقضي على الأكثر، فالحديث الذي يروى من طريق عشرة عن خمسة عن سبعة عن واحد عن مائة هذا غريب؛ لأن العدد الأقل يقضي على الأكثر، والغريب صادق على ما صح وعلى ما لم يصح، نعم في الغرائب أحاديث صحيحة، والغرائب في الصحيحين موجودة، حديث الأعمال بالنيات غريب، حديث «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان» آخر حديث في الصحيح غريب، وفي الصحيحين غرائب ففيها ما صح، ويطلق الغريب على ما لم يصح وهذا كثير، والغرائب مظنة لعدم الصحة؛ لأن تفرد الراوي من بين سائر الرواة يوجِس في القلب وقفة.

 والتفرد يكون لما انفرد به الراوي إسنادًا أو متنًا على ما تقدم، ويكون لما تفرد به عن شيخ معيَّن، يعني تكون الغرابة مطلقة، يتفرد به هذا الراوي من بين سائر الرواة، لا يوجَد هذا الحديث إلا عن عند فلان من الناس، هذه غرابة مطلقة، وإذا كانت الغرابة في أصل السند قيل لها تفرد، ويقال له: فرد مطلق، أما إذا كان هذا الراوي تفرَّد بروايته عن هذا الشيخ، وإن رواه غيره من الرواة عن شيوخ آخرين هذه غرابة نسبية، فيقال: تفرد فلان بروايته عن فلان، لكن رواه جمع من الرواة عن رواة آخرين هذه غرابة نسبية، والأولى مطلقة.

 ويكون التفرد به عن شيخ واحد كما يقال: لم يروه عن سفيان إلا ابن مهدي، ولم يروه عن ابن جريج إلا ابن المبارك.

 ومن التفرد النسبي التفرد المنسوب إلى البلدان يقولون: هذه سنة غريبة تفرد بها أهل مصر، فالغرابة هنا نسبية باعتبار أنه ما شاركهم غيرهم، وإن رواها مائة من أهل مصر، لكنها بالنسبة لهذا القطر وهذا الإقليم غريبة ما توجد عند غيرهم، أو أهل البصرة أو أهل مكة أو أهل المدينة كما يقول أهل العلم: هذه غرابة نسيبة.

عفا الله عنك.

"المسلسل ما كان سنده على صفة واحدة في طبقاته، كما سلسل بسمعت، أو كما سلسل بالأولية إلى سفيان، وعامة المسلسلات واهية، وأكثرها باطلة؛ لكذب رواتها، وأقواها المسلسل بقراءة سورة الصف، والمسلسل بالدمشقيين، والمسلسل بالمصريين، والمسلسل بالمحمدين إلى ابن شهاب."

المسلسل ما يكون فيه التتابع على صفة أو هيئة واحدة إما في الرواة في أسمائهم، في أقوالهم، في أفعالهم، في صيغ الأداء، هذا تسلسل وتتابع على هذا الوصف المعيَّن، على هذا القول المعيَّن، على هذه الصيغة المعينة، ما كان سنده على صفة واحدة في طبقاته، كما سلسل بسمعت بصيغة الأداء، تكون صيغة الأداء من أول السند إلى آخره سمعت كلها سمعت فلانًا يقول: سمعت فلانًا يقول: هذا مسلسل، وقد يسلسل بالعنعنة عن فلان عن فلان عن فلان عن فلان، مسلسل بالتحديث حدثني فلان قال: حدثني فلان إلى آخره، هذا مسلسل بالنسبة لصيغة الأداء.

 وكما سلسل بالأولية: حدثني فلان، وهو أول حديث سمعته منه قال: حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه قال: حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه من يومنا هذا إلى سفيان بن عيينة، وكل راوٍ من الرواة يقول: حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه، وهذا حديث «الراحمون يرحمهم الرحمن» هذا مسلسل بالأولية، لكنه انقطع تسلسله عند سفيان.

 يقول: وعامة المسلسلات واهية، يعني حديث «يا معاذ إني أحبك فلا تدع أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك» هذا قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- لمعاذ، ومعاذ قاله لمن يروي عنه، ومن يروي عنه قال.. إلى يومنا هذا، فهو مسلسل بقول كل راوٍ من الرواة: إني أحبك، والمسلسل بقول كل راو: «آمنت بالقدر خيره وشره حلوه ومره» المسلسل بقبض اللحية، المسلسل بالتبسم، المسلسلات كثيرة، لكن كما قال المؤلف- رحمه الله تعالى-: عامة المسلسلات واهية؛ لأنه يُحرَص على إبقاء هذا الوصف يُحرَص على أن يبقى هذا الوصف في جميع طبقات السند ويُغفَل عما هو أهم منه وهو ثقة الرواة وتمام ضبطهم واتصال الأسانيد، تسمع هذا الحديث المسلسل بكذا، لكن فيه شيخ عندك في البلد أوثق الناس ما رواه عن شيخه بهذه الصفة، وفيه راوٍ ضعيف موجود في البلد رواه بهذه الصفة أنت تحرص على بقاء التسلسل، فترويه عن هذا الضعيف وتترك الثقة، لماذا؟ لأنك تحرص على إبقاء التسلسل، وتترك من هو أوثق منه، ولذا قال: وعامة المسلسلات واهية، وأكثرها باطلة؛ لكذب رواتها، ومن أراد تصديق هذا الكلام يرجع إلى المناهل السلسة في الأحاديث المسلسلة. يقول: وأقواها المسلسل بقراءة سورة الصف، يعني كل راوٍ من الرواية يقرأ سورة الصف، والمسلسل بالدمشقيين، يعني تواطأ الرواة على أن يكونوا كلهم من دمشق فلان بن فلان الدمشقي قال: أخبرنا فلان الدمشقي قال: أخبرنا.. إلى آخره، أو المصريين، وهذه تُذكَر في لطائف الإسناد، إذا انتهى القسطلاني من شرح كل حديث قال: والحديث رواته كلهم مدنيون، الحديث رواته كلهم مصريون، وهكذا، وقد يستثنون فلانًا إلا فلانًا وقد سكنها، يعني ليس من أهلها إنما سكنها، والمسلسل بالمحمدين حدثني محمد قال: حدثني محمد إلى آخره إلى ابن شهاب واسمه محمد، لكن الذي يروي عنه ابن شهاب ليس اسمه محمد فانقطع التسلسل هاهنا.

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.