التعليق على تفسير القرطبي - سورة طه (02)

ذكروا في ترجمة الطيبي أنه يجلس بعد صلاة الصبح لتفسير القرآن إلى زوال الشمس، من صلاة الصبح إلى زوال الشمس، ثم يتوضأ ويستعد لصلاة الظهر، وبعدها مباشرةً درس البخاري إلى آذان العصر، ثم بعد العصر كتاب ثالث، وهذا ديدنه، صابر محتسب، والطلاب كذلك، في يوم وفاته جلس لدرس التفسير على العادة، لما زالت الشمس استعد لصلاة الظهر، ثم صلى الراتبة وجلس ينتظر الصلاة، فقُبض وهو على هذه الحال، الله المستعان.

الإخوان عندهم الدرس بعد صلاة الصبح ثقيل، لا شك أن هناك ارتباطات، كثير من الإخوان اعتذر عن الدرس؛ لأن وراءه عملًا، وراءه أولاد يوصلهم إلى المدارس، أو شيء من هذا، أو المسافة بعيدة، يعني لا يكفي الوقت بين الدوام والصلاة، ما يستوعب درسًا، يعني مسافات بعيدة لا شك، لكن المسألة تحتاج إلى صبر واحتساب، لو وُوجه التوقيت هذا بمعارضة قوية من كثير من الإخوان، لكن أين نذهب به؟ ما فيه حل، حتى تنتهي الأسفار، ثم يعود إلى عصر الجمعة وهو أنسب الأوقات للتفسير.

 إن لم يتيسر عصر الاثنين فعصر الجمعة هو الأصل، نستمر على هذا الوقت إلى أن نشوف، نشوف بعدين نصير أرفق بالناس.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، قال الإمام القرطبي- رحمه الله تعالى-: قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ} [طه:9] هُوَ اسْتِفْهَامٌ وَإِثْبَاتٌ، وَإِيجَابٌ مَعْنَاهُمَ عْنَاهُ، أَلَيْسَ قَدْ أَتَاكَ؟"

استفهام اثبات، استفهام اثبات.

بدون واو؟

بدون واو نعم.

"هُوَ اسْتِفْهَامٌ ".

يأتي الاستفهام للإنكار، ويأتي الاستفهام للتعجب، وهذا استفهام إثبات {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ }[طه:9] يعني جاءك حديث موسى.

"هُوَ اسْتِفْهَامٌ إِثْبَاتٌ وَإِيجَابٌ مَعْنَاهُ، أَلَيْسَ قَدْ أَتَاكَ؟"

إذا دخل الاستفهام على النفي فالجواب يكون بـ(بلى)، أليس قد أتاك؟ الجواب هل نقول: نعم؟ لا، إنما نقول: بلى، ولذا يُذكر عن ابن عباس أنه في قوله- جل وعلا-: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ}[الأعراف:172] قال:"لو قالوا: نعم كفروا".

"وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَقَدْ أَتَاكَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمْ يَكُنْ أَتَاهُ حَدِيثُهُ بَعْدُ ثُمَّ أَخْبَرَهُ".

يكون الاستفهام للنفي وليس للإثبات، يعني لم يأتك حديث موسى بعد، ثم بعد ذلك أخبره، وفائدة هذا الاستفهام سواء كان للإثبات أو للنفي فائدته التنبيه والاستعداد لهذا الخبر.

{إِذْ رَأى نَارًا فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً} قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: هَذَا حِينَ قَضَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَدْيَنَ يُرِيدُ مِصْرَ، وَكَانَ قَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ، وَكَانَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- رَجُلًا غَيُورًا: يَصْحَبُ النَّاسَ بِاللَّيْلِ وَيُفَارِقُهُمْ بِالنَّهَارِ غَيْرَةً مِنْهُ؛ لِئَلَّا يَرَوْا امْرَأَتَهُ فَأَخْطَأَ الرُّفْقَةَ، لِمَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وكانت ليلة مظلمة".

نعم، ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا تكون هذه البداية، هذه بداية.

" وقال مقاتل: وكانت ليلة الجمعة في الشتاء. وقال: وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: اسْتَأْذَنَ مُوسَى شُعَيْبًا فِي الرُّجُوعِ إِلَى وَالِدَتِهِ فأذن له، فخرج بأهله وغنمه، وَوُلِدَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ غُلَامٌ فِي لَيْلَةٍ شَاتِيَةٍ بَارِدَةٍ مُثْلِجَةٍ، وَقَدْ حَادَ عَنِ الطَّرِيقِ وَتَفَرَّقَتْ مَاشِيَتُهُ، فَقَدَحَ مُوسَى النَّارَ فَلَمْ تُورِ  الْمِقْدَحَةُ شَيْئًا، إِذْ بَصُرَ بِنَارٍ مِنْ بَعِيدٍ عَلَى يَسَارِ الطَّرِيقِ، {فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا}[طه:10] أَيْ أَقِيمُوا بِمَكَانِكُمْ. {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا}[طه:10] أَيْ أَبْصَرْتُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا تَوَجَّهَ نَحْوَ النَّارِ فَإِذَا النَّارُ فِي شَجَرَةِ عُنَّابٍ، فَوَقَفَ مُتَعَجِّبًا مِنْ حُسْنِ ذَلِكَ الضَّوْءِ، وَشِدَّةِ خُضْرَةِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ، فَلَا شِدَّةُ حَرِّ النَّارِ تُغَيِّرُ حُسْنَ خضرة الشجرة، ولا كثرة مَاءِ الشَّجَرَةِ وَلَا نِعْمَةُ الْخُضْرَةِ تُغَيِّرَانِ حُسْنَ ضَوْءِ النَّارِ.

وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيُّ: فَرَأَى النَّارَ- فِيمَا رُوِيَ- وَهِيَ فِي شَجَرَةٍ مِنَ الْعُلَّيْقِ، فَقَصَدَهَا فَتَأَخَّرَتْ عَنْهُ، فَرَجَعَ وَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً، ثُمَّ دَنَتْ مِنْهُ وَكَلَّمَهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الشَّجَرَةِ قال الْمَاوَرْدِيُّ: كَانَتْ عِنْدَ مُوسَى نَارًا: وَكَانَتْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى نُورًا. وَقَرَأَ حَمْزَةُ: " لِأَهْلِهِ امْكُثُوا".

يعني كما جاء في الحديث الصحيح: «حجابه النور»، وفي رواية صحيحة أيضًا: «النار».

وَقَرَأَ حَمْزَةُ" لِأَهْلِهِ امْكُثُوا" بِضَمِّ الْهَاءِ" لِأَهْلِهُ امْكُثُوا" بِضَمِّ الْهَاءِ، وَكَذَا فِي" الْقَصَصِ". قال النحاس: هذا على لغة من قال: مررت بهو يَا رَجُلُ".

مررت بُهو من باب الاتباع.

"فَجَاءَ بِهِ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ جَائِزٌ إِلَّا أَنَّ حَمْزَةَ خَالَفَ أَصْلَهُ".

كما قُرأ الحمدِ للهِ، والحمدُ للهُ قُرأت بالاتباع.

"وَهُوَ جَائِزٌ إِلَّا أَنَّ حَمْزَةَ خَالَفَ أَصْلَهُ فِي هَذَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ خَاصَّةً. وَقَالَ:" امْكُثُوا" وَلَمْ يَقُلْ أَقِيمُوا، لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تَقْتَضِي الدَّوَامَ، وَالْمُكْثُ لَيْسَ كذلك. و"آنَسْتُ" أَبْصَرْتُ، قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدا} [النساء: 6] أَيْ عَلِمْتُمْ. وَآنَسْتُ الصَّوْتَ سَمِعْتُهُ، وَالْقَبَسُ شُعْلَةٌ من نار، وكذلك المقياس. يُقَالُ: قَبَسْتُ مِنْهُ نَارًا أَقْبِسُ قَبْسًا فَأَقْبَسَنِي أَيْ أَعْطَانِي مِنْهُ قَبَسًا، وَكَذَلِكَ اقْتَبَسْتُ مِنْهُ نَارًا، وَاقْتَبَسْتُ مِنْهُ عِلْمًا أَيْضًا أَيِ اسْتَفَدْتُهُ، قَالَ الْيَزِيدِيُّ: أَقْبَسْتُ الرَّجُلَ عِلْمًا، وَقَبَسْتُهُ نَارًا، فَإِنْ كُنْتَ طَلَبْتَهَا لَهُ قُلْتَ: أَقْبَسْتُهُ".

يعني من غيرك، وإن كانت منك قلت: قبسته نارًا، قبسته نارًا، وإن كانت من غيرك طلبتها له قلت: أقبسته تعدية.

وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: أَقْبَسْتُهُ نَارًا أَوْ عِلْمًا سَوَاءٌ. وَقَالَ: وقبسته أيضا فيهما." هُدىً" أي هاديا. قوله تعالى: {فَلَمَّا أَتاها} يَعْنِي النَّارَ، (نُودِيَ) أَيْ مِنَ الشَّجَرَةِ كَمَا فِي سُورَةِ" الْقَصَصِ" أَيْ مِنْ جِهَتِهَا وَنَاحِيَتِهَا عَلَى مَا يَأْتِي. {يَا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ}[طه:12]"

والمنادي والمتكلم هو الله- جل وعلا-، المنادي والمتكلم هو الله- جل وعلا-، لا أن الله- جل وعلا- خلق الكلام بالشجرة كما يقول المبتدعة.

طالب:..........

التسمية، التسمية فيها ما فيها، صاحب مدين كونه شعيبًا المنصوص عليه في القصص الأخرى مسألة خلافية بين أهل العلم، يعني هل شعيب هو صاحب موسى واحد أو هما اثنان؟ شعيب المعروف الذي يقول: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ }[هود:89]، وصاحب موسى هو صاحب مدين أيضًا أم رجل آخر، نبي آخر غير شعيب القديم، بهذا يقول جمع من أهل العلم، ومنهم من يرى أنهما واحد وإن بعدت المدة بين موسى وشعيب الذي قال: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ }[هود:89] إلا أن الأعمار في تلك القرون الخالية تحتمل هذا، يعني يطول عمره مئات السنين، ثم يصل هذا على قول، المسألة خلافية بين أهل العلم.

طالب:.............

من جهته، من جهته، يعني النور أو النار، هذه- حجابه جل وعلا- كما جاء في الحديث الصحيح: «حجابه النور»، وفي رواية: «النار».

"  قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً}[طه:12] فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ " رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَانَ عَلَى مُوسَى يَوْمَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ كِسَاءُ صُوفٍ وَجُبَّةُ صُوفٍ وَكُمَّةُ صُوفٍ وَسَرَاوِيلُ صُوفٍ وَكَانَتْ نَعْلَاهُ مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ» قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حميد الأعرج -حميد هو ابن علي الكوفي- منكر الحديث، وحميد بن قَيْسٍ الْأَعْرَجُ الْمَكِّيُّ صَاحِبُ مُجَاهِدٍ ثِقَةٌ، وَالْكُمَّةُ الْقَلَنْسُوَةُ الصَّغِيرَةُ.

وَقَرَأَ الْعَامَّةُ" إِنِّي" بِالْكَسْرِ، أَيْ نُودِيَ فَقِيلَ لَهُ: يَا مُوسَى إِنِّي، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ" أَنِّي" بِفَتْحِ الْأَلِفِ بِإِعْمَالِ النِّدَاءِ.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُمِرَ بِخَلْعِ النَّعْلَيْنِ. وَالْخَلْعُ النَّزْعُ. وَالنَّعْلُ مَا جَعَلْتَهُ وِقَايَةً لِقَدَمَيْكَ مِنَ الْأَرْضِ. فَقِيلَ: أُمِرَ بِطَرْحِ النَّعْلَيْنِ، لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ؛ إِذْ هِيَ مِنْ جِلْدٍ غَيْرِ مُذَكًّى، قَالَهُ كَعْبٌ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ. وَقِيلَ: أُمِرَ بِذَلِكَ لِيَنَالَ بَرَكَةَ الْوَادِي الْمُقَدَّسِ، وَتَمَسَّ قَدَمَاهُ تُرْبَةَ الْوَادِي، قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَالْحَسَنُ وَابْنُ جُرَيْجٍ. وَقِيلَ: أُمِرَ بِخَلْعِ النَّعْلَيْنِ لِلْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُعِ عِنْدَ مُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَذَلِكَ فَعَلَ السَّلَفُ حِينَ طَافُوا بِالْبَيْتِ. وَقِيلَ: إِعْظَامًا لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَمَا أَنَّ الْحَرَمَ لَا يُدْخَلُ بِنَعْلَيْنِ إِعْظَامًا لَهُ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قِيلَ لَهُ طَإِ الْأَرْضَ حَافِيًا كَمَا تَدْخُلُ الْكَعْبَةَ حَافِيًا. وَالْعُرْفُ عِنْدَ الْمُلُوكِ".

وكذلك فعل، وكذلك فعل السلف حين طافوا بالبيت، وقيل:

 "وَقِيلَ: إِعْظَامًا لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَمَا أَنَّ الْحَرَمَ لَا يُدْخَلُ بِنَعْلَيْنِ "

  لا يُدخل بنعلين إعظامًا له.

"كَمَا أَنَّ الْحَرَمَ لَا يُدْخَلُ بِنَعْلَيْنِ إِعْظَامًا لَهُ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قِيلَ لَهُ طَإِ الْأَرْضَ حَافِيًا كَمَا تَدْخُلُ الْكَعْبَةَ حَافِيًا. وَالْعُرْفُ عِنْدَ الْمُلُوكِ أَنْ تُخْلَعَ النِّعَالُ، وَيَبْلُغَ الْإِنْسَانُ إِلَى غَايَةِ التَّوَاضُعِ، فَكَأَنَّ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أُمِرَ بِذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا تُبَالِي كَانَتْ نَعْلَاهُ مِنْ مَيْتَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى لِنَفْسِهِ رُكُوبَ دَابَّةٍ بِالْمَدِينَةِ بَرًّا بِتُرْبَتِهَا".

بِرًا.

"بِرًّا بِتُرْبَتِهَا الْمُحْتَوِيَةِ عَلَى الْأَعْظُمِ الشَّرِيفَةِ، وَالْجُثَّةِ الْكَرِيمَةِ. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قوله -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لِبَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَّةِ وَهُوَ يَمْشِي بَيْنَ الْقُبُورِ بِنَعْلَيْهِ: «إِذَا كُنْتَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَكَانِ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ» قَالَ: فَخَلَعْتُهُمَا.

وَقَوْلٌ خَامِسٌ: إِنَّ ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ تَفْرِيغِ قَلْبِهِ مِنْ أَمْرِ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ. وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنِ الْأَهْلِ بِالنَّعْلِ. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي التَّعْبِيرِ: مَنْ رَأَى أَنَّهُ لَابِس نَعْلَيْنِ فَإِنَّهُ يَتَزَوَّجُ".

يعني في الرؤيا.

وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَسَطَ لَهُ بِسَاطَ النور والهدى، ولا ينبغي أن يطأ بِسَاطَ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِنَعْلِهِ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوسَى أُمِرَ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ فَرْضٍ عَلَيْهِ، كَمَا كَانَ أَوَّلَ مَا قِيلَ لِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {قُمْ فَأَنْذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}  [المدثر: 5 - 4 - 3 - 2]، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ مِنْ ذَلِكَ".

لا شك أن النعال التي تباشر الأرض، ويوطأ بها الأقذار أن خلعها مناسب لمثل هذه الحالة، وإن كان في شرعنا من صلاة النعال في حال القرب من الله- جل وعلا- ومناجاته أنها سُنة، بل أُمر بذلك مخالفةً لليهود، ولعل ذلك كان بشرعه، وهذا في شرعنا.

طالب:.............

يمشي بين القبور بالنعال؟ نعم، جاء النهي عن ذلك.

طالب:.........

ما فيه ما يمنع أبدًا، لكن هم يشددون في هذا ويستدلون بالآية، في شرعنا ما فيه ما يمنع إذا جازت الصلاة بهما، شرعت الصلاة بهما وأُمر بها، لكن ما فيه ما يمنع أبدًا.

طالب:........

لكن الإشكال أنه يحصل فيه يحصل مفسدة.

"الثَّانِيَةُ- فِي الْخَبَرِ أَنَّ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- خَلَعَ نَعْلَيْهِ وَأَلْقَاهُمَا".

هذا في الأماكن والمساجد المفروشة النظيفة التي يؤثر فيها الوطء بالنعال وما لصق بها من الطرقات لا شك أن مثل هذا قل فيه ما فيه، وإن كان الأصل مع اعتقاد أن الصلاة في النعال سُنة إذا تأكد من نظافتها لا بأس، لكن لابد أن يعلق بها ما يؤثر على الفرشة التي يكون التأثير فيها من باب الإتلاف، فيُتقى من هذه الحيثية، مع اعتقاد أن الصلاة في النعال سُنة، ويُصلى بها أحيانًا إذا كان المكان مناسبًا ولم يترتب عليها مفسدة.

"الثَّانِيَةُ: فِي الْخَبَرِ أَنَّ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- خَلَعَ نَعْلَيْهِ وَأَلْقَاهُمَا مِنْ وَرَاءِ الْوَادِي. وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَصِ: زَارَ عَبْدُ اللَّهِ أَبَا مُوسَى فِي دَارِهِ، فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَأَقَامَ أَبُو مُوسَى، فَقَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللَّهِ: تَقَدَّمْ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: تَقَدَّمْ أَنْتَ فِي دَارِكَ. فَتَقَدَّمَ وَخَلَعَ  نَعْلَيْهِ، فقال عبد الله: أبالوادي الْمُقَدَّسِ أَنْتَ؟! وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بن يزيد قال: قلت لِأَنَسٍ أَكَانَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي نَعْلَيْنِ قَالَ: نَعَمْ. وَرَوَاهُ النسائي عن عبد الله ابن السَّائِبِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلى يَوْمَ الْفَتْحِ، فَوَضَعَ نَعْلَيْهِ عَنْ يَسَارِهِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ، إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصلاة قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَائِكُمْ نِعَالِكُمْ؟» قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا». وَقَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا». صَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ. وَهُوَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ قَبْلَهُ، وَيَرْفَعُ بَيْنَهُمَا التَّعَارُضَ".

وضع النعلين في جهة اليسار، هل لأنهما نعلان، والنعال مما يُمتهن، فمكانهما اليسار، أو لأن فيهما قذرًا؟ النَّبي- عليه الصلاة والسلام- وضعهما عن يساره، هل لأن فيهما قذرًا؟ ولذا من أراد أن يبصق، من أراد أن يتفل كلها عن جهة اليسار، من أراد أن ينفث يتعوذ من الشيطان عن يساره أو لأن هذا موضع النعال؛ لأنها مما يستقذر في الجملة؟ ولذا يخطيء كثير من الناس بجعلها في القبلة، بعض الناس يضعها قدامه لما يصلي؛ لأن موضع النعال في الجملة على جهة اليسار، أو لأن النَّبي- عليه الصلاة والسلام- إنما وضعهما؛ لأن فيهما قذرًا بحيث لو لم يكن فيهما قذر جاز وضعهما واستوى الجهة اليسار والأمام واليمين.

طالب:.............

وجاء وضعهما بين الرجلين، جاء وضعهما بين رجليه، نعم، ولذا جاء أيضًا في البصاق على جهة اليسار وتحت قدمه أيضًا فعل هذا.

 وضع النعال في جهة القبلة والصلاة إليهما فيه ما فيه.

طالب: هل ورد فيه نهي، أحسن الله إليك؟

نعم؟

طالب: ورد فيه نهي، حديث؟

لا ما ورد النهي عن وضعهما أمام القبلة، لكن جاء وضعهما بين رجليه ووضعهما عن يساره، هل هذا لأن فيهما القذر؟ يعني قصة وضعهما بين رجليه ما فيه ارتباط بالقذر، أما وضعهما عن يساره ففيه ارتباط كما في الحديث هذا، فهل هذا لأن هذا موضعهما؛ لأنهما في الجملة مما يُستقذر، وجميع ما يُستقذر يُجعل على اليسار؟ وينظر هذا بالبصاق عن جهة اليسار وتحت القدم، تحت قدمه اليسرى؟ هل لهذا لأنهما مستقذران أو لأن فيهما قذرًا، فإذا كانتا نظيفتين يستوي أن يكونا عن يمين أو عن يساره أو من أمامه أيضًا مادامت نظيفة؟ لعل المؤلف يتعرض لهذا.

طالب: بعض الإخوة في الحرم يتشددون في هذه الناحية أن وضعها في القبلة ويقولون: جاء في الحديث النهي عن استقبال النعلين.

ما أعرف النهي عن استقبال القبلة، هو إن كان فيه شيء سيأتي به المؤلف.

 "وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي النَّعْلِ إِذَا كَانَتْ طَاهِرَةً مِنْ ذَكِيٍّ".

يعني مذكى.

"حَتَّى لَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ الصَّلَاةَ فِيهِمَا أَفْضَلُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كل مسجد} [الأعراف: 31] عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فِي الَّذِينَ يَخْلَعُونَ نِعَالَهُمْ: لَوَدِدْتُ أَنَّ مُحْتَاجًا جَاءَ فَأَخَذَهَا.

الثَّالِثَةُ: فَإِنْ خَلَعْتَهُمَا فَاخْلَعْهُمَا بَيْنَ رِجْلَيْكَ، فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فليخلع نعليه بين رجليه». وقال أَبُو هُرَيْرَةَ لِلْمَقْبُرِيِّ: اخْلَعْهُمَا بَيْنَ رِجْلَيْكَ، وَلَا تُؤْذِ بِهِمَا مُسْلِمًا. وَمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ".

ما في الصف، وهذا يُلاحظ من بعض المصلين لا سيما في الحرم- المسجد الحرام- إذا جعلهما عن يساره، بعضهم يجعلهما عن يمينه، ويكون هناك فرجة بين المصلين بهذا السبب، وبعضهم يأتي بمتاعه ويجعله عن يساره أو عن يمينه، ويترك في هذا فرجة بينه وبين جاره في الصف، وهذا لا شك أنه خلل.

"وَمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- خَلَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ فَإِنَّهُ كَانَ إِمَامًا، فَإِنْ كُنْتَ إِمَامًا أَوْ وَحْدَكَ فَافْعَلْ ذَلِكَ إِنْ أَحْبَبْتَ، وَإِنْ كُنْتَ مَأْمُومًا فِي الصَّفِّ فَلَا تُؤْذِ بِهِمَا مَنْ عَلَى يَسَارِكَ، وَلَا تَضَعْهُمَا بَيْنَ قَدَمَيْكَ فَتَشْغَلَاكَ، وَلَكِنْ قُدَّامَ قَدَمَيْكَ. وَرُوِيَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ قَالَ: وَضْعُ الرَّجُلِ نَعْلَيْهِ بَيْنَ قَدَمَيْهِ بِدْعَةٌ.

الرَّابِعَةُ- فَإِنْ تَحَقَّقَ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ مُجْمَعٌ عَلَى تَنْجِيسِهَا كَالدَّمِ وَالْعَذِرَةِ مِنْ بَوْلِ  بَنِي آدَمَ لَمْ يُطَهِّرْهَا إِلَّا الْغَسْلُ بِالْمَاءِ، عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ" .

يعني مجمع على تنجيسها كالدم، الدم عندهم ينقلون الإجماع على نجاسته إذا كان فاحشًا ولو لم يكن مسفوحًا.

طالب: الدم مطلقًا أو دم غير الآدمي؟

لا، حتى دم الآدمي ما دام ما يؤكل لحمه لا سيما الذي يبقى في اللحم هذا ما فيه إشكال.

طالب:...........

يحكون الإجماع ولا يُعرف خلاف، نادر مع أن الدليل على تنجيسه أقول قد لا يقوى، لكن حكاية الإجماع تورث هيبة.

"وَإِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ مُخْتَلَفًا فيها كبول الدواب وأوراثها الرَّطْبَةِ فَهَلْ يُطَهِّرُهَا الْمَسْحُ بِالتُّرَابِ مِنَ النَّعْلِ وَالْخُفِّ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ عِنْدَنَا. وَأَطْلَقَ الْإِجْزَاءَ بِمَسْحِ ذَلِكَ بِالتُّرَابِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ الْأَوْزَاعِيُّ وأبو ثور. وقال أَبُو حَنِيفَةَ: يُزِيلُهُ إِذَا يَبِسَ الْحَكُّ وَالْفَرْكُ، وَلَا يُزِيلُ رَطْبَهُ إِلَّا الْغَسْلُ مَا عَدَا الْبَوْلَ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ عِنْدَهُ إِلَّا الْغَسْلُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُطَهِّرُ شَيْئًا".

يُطَهِّر.

"لَا يُطَهِّرُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كله إِلَّا الْمَاءُ. وَالصَّحِيحُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَسْحَ يُطَهِّرُهُ مِنَ الْخُفِّ وَالنَّعْلِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ".

إذا وطء أحدكم، «إذا وطيء أحدكم الأذى بنعليه فطهورهما التراب».

"فَأَمَّا لَوْ كَانَتِ النَّعْلُ وَالْخُفُّ مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَدْبُوغٍ فَهُوَ نَجِسٌ بِاتِّفَاقٍ، مَا عَدَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الزُّهْرِيُّ وَاللَّيْثُ".

الزهري يرى طهارة الجلد- جلد الميتة- مطلقًا ولو لم يُدبغ، ولو لم يُدبغ، والمسألة فيها خلاف طويل لأهل العلم، لكن أيما إيهاب دُبغ فقد طهر «هلا انتفعتم بإهابها؟» قال: «يطهرها الماء والقرض».

عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ" النَّحْلِ". وَمَضَى فِي سُورَةِ" بَرَاءَةٍ" الْقَوْلُ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تعالى: {إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً}  الْمُقَدَّسُ: الْمُطَهَّرُ. وَالْقُدْسُ: الطَّهَارَةُ، وَالْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ أَيِ الْمُطَهَّرَةُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْرَجَ مِنْهَا الْكَافِرِينَ وَعَمَرَهَا بِالْمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِبَعْضِ الْأَمَاكِنِ زِيَادَةَ فَضْلٍ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا قَدْ جَعَلَ لِبَعْضِ الْأَزْمَانِ زِيَادَةَ فَضْلٍ عَلَى بَعْضٍ، وَلِبَعْضِ الْحَيَوَانِ كَذَلِكَ. وَلِلَّهِ أَنْ يُفَضِّلَ مَا شَاءَ. وَعَلَى هَذَا فَلَا اعْتِبَارَ بِكَوْنِهِ مُقَدَّسًا بِإِخْرَاجِ الْكَافِرِينَ وَإِسْكَانِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَدْ شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُ. وَ(طُوىً) اسْمُ الْوَادِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ وَادٍ عَمِيقٌ مُسْتَدِيرٌ مِثْلُ الطَّوِيِّ. وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ:" طِوًى". والْبَاقُونَ".

وادٍ عميق مستدير مثل الطوي التي هي البئر التي تطوى، فعيل بمعنى مفعول أي مطوية.

"والْبَاقُونَ" طُوىً". قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:" طُوىً" اسْمُ مَوْضِعٍ بِالشَّامِ، تُكْسَرُ طَاؤُهُ وَتُضَمُّ، وَيُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ، فَمَنْ صَرَفَهُ جَعَلَهُ اسْمَ وَادٍ وَمَكَانٍ وَجَعَلَهُ"

 يعني مذكر، تأولناه بمذكر صرفناه مكان، وإذا قلنا إن المراد به البقعة وهي مؤنثة مع العلمية يُمنع من الصرف.

"وَمَنْ لَمْ يَصْرِفْهُ جَعَلَهُ بَلْدَةً وَبُقْعَةً وَجَعَلَهُ مَعْرِفَةً. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:" طُوىً" مِثْلَ" طِوًى" وَهُوَ الشَّيْءُ الْمَثْنِيُّ، وَقَالُوا".

يعني من الطي، ثني الشيء: طيه، {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ} [الأنبياء:104].

" الْمُقَدَّسِ طُوىً": طُوِيَ مَرَّتَيْنِ أَيْ قُدِّسَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: ثُنِيَتْ فِيهِ الْبَرَكَةُ وَالتَّقْدِيسُ مَرَّتَيْنِ. وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ قِيلَ لَهُ:" طُوىً" لِأَنَّ مُوسَى طَوَاهُ بِاللَّيْلِ إِذْ مَرَّ بِهِ فَارْتَفَعَ إِلَى أَعْلَى الْوَادِي، فَهُوَ مَصْدَرٌ عَمِلَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْ لَفْظِهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: {إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ}[طه:12] الَّذِي طَوَيْتَهُ طُوًى، أَيْ تَجَاوَزْتَهُ فَطَوَيْتَهُ بِسَيْرِكَ. وقال الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ قُدِّسَ مَرَّتَيْنِ، فَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ طَوَيْتُهُ طُوًى أيضًا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ}[طه:13] أَيِ اصْطَفَيْتُكَ لِلرِّسَالَةِ. وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ: " وَأَنَا اخْتَرْتُكَ".

اخترتك.

" وَأَنَا اخْتَرْتُكَ"وَقَرَأَ حَمْزَةُ" وَأَنَّا اخْتَرْنَاكَ". وَالْمَعْنَى واحد إلا أن" {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} [طه:13] ها هنا أَوْلَى مِنْ جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا أَشْبَهُ بِالْخَطِّ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهَا أَوْلَى بِنَسَقِ الْكَلَامِ، لِقَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {يَا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} وَعَلَى هَذَا النَّسَقِ جَرَتِ الْمُخَاطَبَةُ، قَالَهُ النَّحَّاسُ."

بالإفراد، النسق واحد، كله جاء بالإفراد.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى} [طه:13] فِيهِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي- رَحِمَهُ اللَّهُ- قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْفَضْلِ الْجَوْهَرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَقُولُ: لَمَّا قِيلَ لِمُوسَى- صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ-: { فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى }[طه:13] وَقَفَ عَلَى حَجَرٍ، وَاسْتَنَدَ إِلَى حَجَرٍ، وَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ، وَأَلْقَى ذَقَنَهُ عَلَى صَدْرِهِ، وَوَقَفَ يَسْتَمِعُ، وَكَانَ كُلُّ لِبَاسِهِ صُوفًا. قُلْتُ: حُسْنُ الِاسْتِمَاعِ كَمَا يَجِبُ قَدْ مَدَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ:{ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ  اللَّهُ} [الزمر: 18]، وَذَمَّ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْوَصْفِ فَقَالَ: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ} الْآيَةَ. فَمَدَحَ الْمُنْصِتَ لِاسْتِمَاعِ كَلَامِهِ مَعَ حُضُورِ الْعَقْلِ، وَأَمَرَ عِبَادَهُ بِذَلِكَ أَدَبًا لَهُمْ، فَقَالَ: {وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}  [الأعراف: 204] وقال ها هنا: { فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى } لِأَنَّ بِذَلِكَ يُنَالُ الْفَهْمُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى".

نعم، بخلاف السماع؛ فالاستماع مع القصد، وأما السماع فهو مرور الصوت على الأذن من غير قصد للاستماع، وفرق بين هذا وهذا، المستمع مأجور إذا كان ما يُسمع فيه أجر، ومأزور إن كان ما يُسمع فيه وزر، إذا استمع للقرآن أُجر، إذا استمع للعلم أُجر، إذا استمع للنصح أُجر، إذا استمع للأغاني أُزر.

 المقصود أن إذا استمع للغيبة كل هذا عليه فيه الأجر والوزر، أما مجرد السماع أو مرور الصوت على الأذن فلا أجر فيه كون الإنسان يسمع صوتًا مجرد سماع مرَّ بمن يتكلم أو بمن يقرأ أو بمن يغني هذا لا ثواب فيه ولا عقاب عليه؛ ولذا يقولون: يسجد المستمع دون السامع، المستمع لقراءة القارئ إذا مرَّ بآية السجدة يسجد؛ لأنه حكمه حكمه، بخلاف السامع الذي يرد إليه السماع من غير قصد.

طالب:.........

يستمعون القول؟

طالب:........

يستمعون القول يعني تعدى بنفسه { نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ} بما يستمعون القول به من آلة السمع، { وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}  [الأعراف: 204] أو استمعوه يستمعون له يتعدى بنفسه أو بالحرف.

"رُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ أَدَبِ الِاسْتِمَاعِ سُكُونُ الْجَوَارِحِ وَغَضُّ الْبَصَرِ، وَالْإِصْغَاءُ بِالسَّمْعِ، وَحُضُورُ الْعَقْلِ، وَالْعَزْمُ عَلَى الْعَمَلِ، وَذَلِكَ هُوَ الِاسْتِمَاعُ كَمَا يُحِبُّ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ أَنْ يَكُفَّ الْعَبْدُ جَوَارِحَهُ، وَلَا يَشْغَلَهَا. فَيَشْتَغِلُ قَلْبُهُ عَمَّا يَسْمَعُ، وَيَغُضُّ طَرْفَهُ فَلَا يَلْهُو قَلْبُهُ بِمَا يَرَى، وَيَحْضرُ عَقْلَهُ فَلَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ سِوَى مَا يَسْتَمِعُ إِلَيْهِ، وَيَعْزِمُ عَلَى أَنْ يَفْهَمَ فَيَعْمَلَ بِمَا يَفْهَمُ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: أَوَّلُ الْعِلْمِ الِاسْتِمَاعُ، ثُمَّ الْفَهْمُ، ثُمَّ الْحِفْظُ، ثُمَّ الْعَمَلُ ثُمَّ النَّشْرُ، فَإِذَا اسْتَمَعَ الْعَبْدُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ عَلَى مَا يُحِبُّ اللَّهُ أَفْهَمَهُ كَمَا يُحِبُّ، وَجَعَلَ لَهُ فِي قلبه نورًا".

فإذا استمع ذلك وفهمه وهو النتيجة للاستماع، ثم حفظه بأن كرره حتى حفظه، ثم عمل به، وهذه هي الثمرة من الاستماع والفهم والحفظ، ثم بعد ذلك نشره في غيره ودعا إليه؛ فيكون نفعه لنفسه ولغيره.

"قَوْلُهُ تَعَالَى".

نعم.

طالب:............

يُحضر، يُحضر، والإهمال يحصل أيضًا له معنى، ... حصر العقل بحيث يجمع عقله فلا يشوشه ولا يفرقه؛ ليستفيد، لا يحدث نفسه بشيء ولا يتشاغل عما يستمع {مَّا جَعَلَ اللَّـهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ۚ} [الأحزاب:4] بعض الناس أثناء الدرس وهو يسمع تجده يتشاغل بالخواطر والهواجس أو بشيء في يده أو بشيء من آلة أو غيرها، وبعضهم يقرأ في كتاب آخر، كل هذا ليس من أدب الدرس، فهل إذا حدث معه ذلك يستوعب كما حصل للدارقطني؟!

الدارقطني في درس الإملاء، يحضر درس الإملاء ومعه كتاب آخر ينسخ منه، فقال له بعض جلسائه: لو اتخذت مكانًا آخر غير مكان الدرس؟ ما أنت معنا، هل يتصور من شخص حاضر درس في التفسير ومعه كتاب آخر في الحديث أو في الفقه أو في العربية أو في غيرها، ويقرأ فيه أو ينزل درجات مع جريدة مع بعض الناس، ما يحصل في قاعات الدرس في الدراسة النظامية من يتشاغل بهذه الطريقة، تجد عنده امتحانًا في درس لاحق فيقرأ مثلًا في هذا الذي سوف يُمتحن فيه ويعرض عن الأستاذ، ويعرض عن الدرس، هل يفهم من كلام الشيخ شيئًا؟ ما يفهم شيئًا؛ لأنه منشغل باله، وبعض الطلاب يأتي بجريدة، وبعضهم بكتاب ثانٍ، وبعضهم يتشاغل مع زميله مثل هذا لا يدرك شيء.

الدارقطني معه كتاب ينسخ منه في درس الإملاء- إملاء الحديث- فقيل له: أنت لو اتخذت مكانًا آخر لاستمعنا، شغلت حيزًا يستحقه من هو أولى منك، من يستفيد من الدرس؟ قال: كم أملى الشيخ منذ اليوم؟ الشخص المنصت هذا الذي بجواره قال: أملى حديث كذا وكذا، ذكر بعض الأحاديث، ثم قال الدارقطني: لا، إضافةً لما قلت: هو أملى كذا وكذا وكذا فسردها عليه، يعني طوبق كلامه على الذين يكتبون، فما أخلَّ بحرف؛ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

علم الدين السخاوي من القراء، يقرأ عليه العشرة في آن واحد، ويرد على هذا، ويرد على هذا، ويرد على ذاك يعني من مواضع مختلفة من القرآن، لا شك أن الناس يتفاوتون في مثل هذا، لكن يبقى أن الأصل أن الله- جل وعلا- ما جعل لرجل من قلبين في جوفه، فإذا كان الإنسان حضر لشيء يهتم به، ولا يشوش على غيره، وإذا كان عنده مزيد فطنة أو مزيد ذكاء يختصر الوقت على نفسه وعلى غيره.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}[طه:14] فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ:

الْأُولَى: اخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ:" لِذِكْرِي" فَقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لِتَذْكُرَنِي فِيهَا، أَوْ يُرِيدَ لِأَذْكُرَكَ بِالْمَدْحِ فِي عِلِّيِّينَ بِهَا، فَالْمَصْدَرُ عَلَى هَذَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ إِلَى الْفَاعِلِ وَإِلَى الْمَفْعُولِ".

يعني لذكرك إياي، أو لذكري إياك، ولا يبعد أن يكون المراد هذا أو ذاك، ومن ذكر الله ذكره الله «ومن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي» فهذا مرتب على هذا.

"وَقِيلَ: الْمَعْنَى، أَيْ حَافِظْ بَعْدَ التَّوْحِيدِ عَلَى الصَّلَاةِ. وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى عِظَمِ قَدْرِ الصَّلَاةِ".

التوحيد المشار إليه في قوله- جل وعلا-: {إِنَّنِي أَنَا اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا }[طه:14].

"وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى عِظَمِ قَدْرِ الصَّلَاةِ؛ إِذْ هِيَ تَضَرُّعٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيَامٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَلَى هَذَا فَالصَّلَاةُ هِيَ الذِّكْرُ. وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الصَّلَاةَ ذِكْرًا فِي قَوْلِهِ: { فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]. وَقِيلَ: الْمُرَادُ إِذَا نَسِيتَ فَتَذَكَّرْتَ فَصَلِّ كَمَا فِي الْخَبَرِ: «فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا». أَيْ لَا تُسْقِطِ الصَّلَاةَ بِالنِّسْيَانِ.

الثَّانِيَةُ: رَوَى مَالِكٌ وَغَيْرُهُ".

المراد إذا نسيت إذا تذكرت.

"وَقِيلَ: الْمُرَادُ إِذَا نَسِيتَ فَتَذَكَّرْتَ فَصَلِّ".

نعم، لام واحدة بدون ياء.

طالب: فصلِّ.

فصل، هي فصلِّ، ولذلك يخطيء كثير من الذي يكتبون اللوحات، عندهم اجتهاد وحرص، لكن يخطئون عندما يقولون: (اللهم صلي على محمد) خطأ، فعل أمر، يبنى على ما يُجزم به مضارعه، ومضارعه يُجزم بحذف حرف العلة (صل) وجاء في الحديث، حديث المسيء: «صلِّ فإنك لم تصلِّ» بدون ياء.

"وَقِيلَ: الْمُرَادُ إِذَا نَسِيتَ فَتَذَكَّرْتَ فَصَلِّ كَمَا فِي الْخَبَرِ «فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا». أَيْ لَا تُسْقِطِ الصَّلَاةَ بِالنِّسْيَانِ.

الثَّانِيَةُ: رَوَى مَالِكٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}[طه:14]». وَرَوَى أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ مِنْ حَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ  - وَهُوَ حَجَّاجٌ الْأَوَّلُ الَّذِي رَوَى عَنْهُ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ- قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الرَّجُلِ يَرْقُدُ عَنِ الصَّلَاةِ وَيَغْفُلُ عَنْهَا قَالَ: «كَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا» تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ حَجَّاجٍ، وَكَذَا يَرْوِي هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «من نَسِيَ صَلَاةً فَوَقْتُهَا إِذَا ذَكَرَهَا»، فَقَوْلُهُ: «فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى النَّائِمِ وَالْغَافِلِ، كَثُرَتِ الصَّلَاةُ أَوْ قَلَّتْ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ حُكِيَ خِلَافٌ شَاذٌّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْحَدِيثِ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ".

وأمر الناسي والنائم بالقضاء أمر لمن ترك متعمدًا من باب أولى عند الجمهور، من ترك الصلاة حتى خرج وقتها متعمدًا عامة أهل العلم على أنه مأمور بالقضاء، وأنه أولى بالأمر من الناسي والنائم، نُقل على هذا الإجماع، نُقل أيضًا على خلافه الإجماع أنه إذا تعمد تركها، نقل ابن حزم أنه لا يقضيها، تعمد تركها حتى خرج وقتها ابن حزم نقل الإجماع أنه لا يقضيها مع أنه قول الجمهور، أنه قضاء قول الجمهور، بل نُقل عليه الاتفاق، وهذا من الغرائب أن يُنقل الاتفاق على النفي والإثبات.

"قلت".

نعم.

طالب:..............

يعني إيراد الآية على لسان النَّبي- عليه الصلاة والسلام- مستدلًا بها على ما ذكره هو تفسير، هو نوع من التفسير ما له؟

طالب:.................

نعم، لكن يكون تفسيرًا للآية ببعض مدلولها، ما يمنع، وأن يكون لها مدول آخر، يكون هذا مما تدل عليه الآية.

"قلت".

وجاء تفسير العام ببعض أفراده.

طالب:.................

ما يمنع، نعم، يعني إضافته إلى الفاعل أو المفعول احتمال الحرف المضعف لأكثر من معنى مثل {لا تضار}، يحتمل أنها لا تضارِر ويحتمل أنها لا تضارَر وكلاهما مطلوب، الضرر ممنوع من الطرفين ومثله {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [البقرة:282] كل منهما ممنوع منه الضرر.

قُلْتُ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَنَصَّ عَلَى أَوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ، فَقَالَ: { أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} الْآيَةَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْآيِ. وَمَنْ أَقَامَ بِاللَّيْلِ مَا أُمِرَ بِإِقَامَتِهِ بِالنَّهَارِ، أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ مُطَابِقًا لِمَا أُمِرَ بِهِ، وَلَا ثَوَابَ لَهُ عَلَى فِعْلِهِ وَهُوَ عَاصٍ، وَعَلَى هَذَا الْحَدِّ كَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَ وَقْتُهُ. وَلَوْلَا قَوْلُهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» لَمْ يَنْتَفِعْ أَحَدٌ بِصَلَاةٍ وَقَعَتْ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا".

نعم؛ لأنها عُملت على غير ما كان عنه- عليه الصلاة والسلام- «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا» فليس عليه أمره- عليه الصلاة والسلام- فهي مردودة عليه لولا هذا الحديث.

"وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَانَ قَضَاءً لَا أَدَاءً، لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ مُتَجَدِّدٍ".

لا، وبهذا الاعتبار كان قضاء لا أداء.

"وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَانَ قَضَاءً لَا أَدَاءً؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ أداء بِأَمْرٍ مُتَجَدِّدٍ".

 لا؛ لأن القضاء بأمر متجدد، وليس بالأمر الأول.

طالب: ما فيه أداء؟

لا، القضاء غير الأداء.

"لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ مُتَجَدِّدٍ، وَلَيْسَ بالأمر الأول.

الثَّالِثَةُ: فَأَمَّا مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا، فَالْجُمْهُورُ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا إِلَّا دَاوُدَ. وَوَافَقَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْعَرِيُّ الشَّافِعِيُّ، حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْقَصَّارِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَعَمِّدِ وَالنَّاسِي وَالنَّائِمِ، حَطُّ الْمَأْثَمِ، فَالْمُتَعَمِّدُ مَأْثُومٌ، وَجَمِيعُهُمْ قَاضُونَ. وَالْحُجَّةُ لِلْجُمْهُورِ قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَقِيمُوا الصَّلاةَ}  [الانعام: 72] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي وَقْتِهَا أو بعدها. وهو أَمْرٌ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِقَضَاءِ النَّائِمِ وَالنَّاسِي، مَعَ أَنَّهُمَا غَيْرُ مَأْثُومَيْنِ، فَالْعَامِدُ أَوْلَى. وَأَيْضًا قَوْلُهُ: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا» وَالنِّسْيَانُ التَّرْكُ، قَالَ اللَّهُ تعالى: { نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}  [التوبة: 67]، و{ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر: 19] سَوَاءٌ كَانَ مَعَ ذُهُولٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَنْسَى. وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ تَرَكَهُمْ".

لما تركوا تُرِكوا { نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}  [التوبة: 67] تركوا ما أُمروا به فنُسوا في العذاب {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴿٦٤﴾}[مريم:64] وهذا من باب المقابلة.

طالب:.............

لأن من معانيه، من معانيه الترك، من معانيه الترك.

طالب:...........

نعم؛ لأنه قول الجمهور، قامت عليه.

طالب:..............

لأنه من باب أولى، لأنه من باب أولى إذا أُمر الناسي والنائم بالقضاء يؤمر العامد من باب أولى.

طالب:..............

إذًا من معانيه، من معاني النسيان الترك حتى يكون للجمهور مستمسك، إذًا من نام عن صلاة أو نسيها مفهومه أن من تعمد لا يصليها، ولما كان قول الجمهور على خلاف هذا المفهوم احتيج إلى أن يأول الحديث بهذا.

"وَ{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها}  [البقرة: 106] أَيْ نَتْرُكْهَا".

ننسأها، في أي القراءات؟

طالب: أو ننسأها؟

ما ننسخ من آية أو ننسأها.

{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ ننْسأها}[البقرة: 106] أَيْ نَتْرُكْهَا. وَكَذَلِكَ الذِّكْرُ يَكُونُ بَعْدَ نِسْيَانٍ وَبَعْدَ غَيْرِهِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي» وَهُوَ تَعَالَى لا ينسى، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ عَلِمْتُ. فَكَذَلِكَ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: «إِذَا ذَكَرَهَا» أَيْ عَلِمَهَا. وَأَيْضًا فَإِنَّ الدُّيُونَ التي للآدمين إِذَا كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِوَقْتٍ، ثُمَّ جَاءَ الْوَقْتُ لَمْ يَسْقُطْ قَضَاؤُه بَعْدَ وُجُوبِهَا".

قضاؤها.

أعداء؟

قضاؤها.

"لَمْ يَسْقُطْ قَضَاؤُهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا، وَهِيَ مِمَّا يُسْقِطُهَا الْإِبْرَاءُ كَانَ فِي دُيُونِ اللَّهِ تَعَالَى أَلَا يَصِحُّ فِيهَا الْإِبْرَاءُ أَوْلَى".

ألا يصح، ألا يصح.

"وَهِيَ مِمَّا يُسْقِطُهَا الْإِبْرَاءُ كَانَ فِي دُيُونِ اللَّهِ تَعَالَى أَلَا يَصِحُّ فِيهَا الْإِبْرَاءُ أَوْلَى أَلَّا يَسْقُطَ قَضَاؤُهَا إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ. وَأَيْضًا فَقَدِ اتَّفَقْنَا أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ لَوَجَبَ قَضَاؤُهُ، فَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ. فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا لَا يَقْضِي أَبَدًا. فَالْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ مَا مَضَى لَا يَعُودُ، أَوْ يَكُونُ كَلَامًا خَرَجَ عَلَى التَّغْلِيظِ".

يعني كما جاء في الحديث: «من أفطر يومًا من رمضان لم يقضه صيام الدهر ولو صامه» يعني مهما فعل لن يأتي بما أتى به من أدى الصيام ولو صام الدهر، ومثله من ترك صلاة متعمدًا لن يرجع سالمًا مهما قضى.

"كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيٍّ: أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ عَامِدًا لَمْ يُكَفِّرْهُ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ. وَمَعَ هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْفِيَةِ التكليف حقه بإقامة القضاء مقام الأداء، أوإتباعه بِالتَّوْبَةِ، وَيَفْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَشَاءُ. فقَدْ رَوَى أَبُو الْمُطَوَّسِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا لَمْ يجْزِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ»"

لم يجزه.

«لَمْ يُجْزِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ» وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ لَوْ صَحَّ كَانَ مَعْنَاهُ التَّغْلِيظَ، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ. وَقَدْ جَاءَتِ الْكَفَّارَةُ بِأَحَادِيثَ صِحَاحٍ، وَفِي بَعْضِهَا قَضَاءُ الْيَوْمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى".

جاءت الكفارة على مذهبهم أن من أفطر أكل أو شرب متعمدًا فعليه كفارة مثل الجماع، بخلاف من أكل أو شرب ناسيًا فعليه القضاء دون الكفارة، وهذا عندهم- عند المالكية-، أما الجمهور من أفطر بغير الجماع فلا كفارة عليه ولو كان متعمدًا، أما إذا كان ناسيًا فلا شيء عليه إنما أطعمه الله وسقاه.

طالب:...........

الحكم واحد، كلها من أركان الإسلام، وكلها مؤقتة بوقت، فالحكم واحد.

طالب:................

الذي ينزع مثل داود وابن حزم أن من ترك الصلاة متعمدًا لوقت لا يقضيه؛ لأنه خلاص كفر، كفر، هو تعمد تركها إلى أن خرج وقتها، ففعلها بعد وقتها كفعلها قبل وقتها، هذا لا يصح وهذا لا يصح، هذه حجتهم، مستمتكهم، لكن الجمهور على أن القضاء لا سيما بعد الوقت معروف في الشرع، فإذا أُمر الناسي والنائم يؤمر المتعمد، والفرق بينهم الإثم، هذا آثم وهذا غير آثم، القضاء والأداء معروف في الشرع، فإذا لم يتمكن من الأداء، فات وقته فعليه القضاء.

الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا» الْحَدِيثُ يُخَصِّصُ عُمُومَ قَوْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عن النائم حتى يستيقظ» وَالْمُرَادُ بِالرَّفْعِ هُنَا رَفْعُ الْمَأْثَمِ لَا رَفْعُ الْفَرْضِ عَنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ قَوْلِهِ: «وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَاءَ فِي أَثَرٍ وَاحِدٍ، فَقِفْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ.

الْخَامِسَةُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْمَعْنَى فِيمَنْ ذَكَرَ صَلَاةً فَائِتَةً وَهُوَ فِي آخِرِ وَقْتِ صَلَاةٍ، أَوْ ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ فِي صَلَاةٍ، فَجُمْلَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ: أَنَّ مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً وَقَدْ حَضَرَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى، بَدَأَ بِالَّتِي نَسِيَ إِذَا كَانَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فَأَدْنَى، وَإِنْ فَاتَ وَقْتُ هَذِهِ. وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بَدَأَ بِالَّتِي حَضَرَ وَقْتُهَا، وَعَلَى نَحْوِ هَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ، إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ قَالُوا: التَّرْتِيبُ عِنْدَنَا وَاجِبٌ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ إِذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ لِلْفَائِتَةِ وَلِصَلَاةِ الْوَقْتِ. فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْوَقْتِ بَدَأَ بِهَا، فَإِنْ زَادَ عَلَى صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَمْ يَجِبِ التَّرْتِيبُ عِنْدَهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. وَهُوَ تَحْصِيلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: الِاخْتِيَارُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْفَائِتَةِ مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ هَذِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَبَدَأَ بِصَلَاةِ الْوَقْتِ أَجْزَأَهُ. وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ أَنَّ التَّرْتِيبَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَاجِبٌ فِي صَلَاةِ سِتِّينَ سَنَةً فَأَكْثَرُ. وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً وَهُوَ ذَاكِرٌ لِمَا قَبْلَهَا لِأَنَّهَا تَفْسُدُ عَلَيْهِ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «إِذَا ذَكَرَ أحدكم صلاة وهو فِي صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَلْيَبْدَأْ بِالَّتِي هُوَ فِيهَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا صَلَّى الَّتِي نَسِيَ» وَعُمَرُ بْنُ أَبِي عُمَرَ مَجْهُولٌ".

نعم، الحنابلة عندهم أن الترتيب واجب ترتيب الفوائت والقضاء واجب، ولا يسقط الترتيب عندهم إلا بنسيانه أو بخشية فوات وقت اختيار الحاضرة، الترتيب واجب، ولا يسقط إلا بنسيانه أو بخشية فوات وقت الاختيار للحاضرة، أما القول هذا: ولو ستين سنة، فيه ما فيه، ستين سنة يعني ما هو مصلي مع الناس سنين.

"قُلْتُ: وَهَذَا لَوْ صَحَّ كَانَتْ حُجَّةً لِلشَّافِعِيِّ فِي الْبَدَاءَةِ بِصَلَاةِ الْوَقْتِ. وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ أَهْلُ الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عُمَرَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ جَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فو الله إِنْ صَلَّيْتُهَا»".

يعني ما صليتها.

"فَنَزَلْنَا الْبُطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَتَوَضَّأْنَا فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بعدهاالْمَغْرِبَ. وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَدَاءَةِ بِالْفَائِتَةِ قَبْلَ الْحَاضِرَةِ، وَلَا سِيَّمَا وَالْمَغْرِبُ وَقْتُهَا وَاحِدٌ مُضَيَّقٌ غَيْرُ مُمْتَدٍّ فِي الْأَشْهَرِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بن عبد الله ابن مسعود عن أَبِيهِ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَأَمَرَ بِالْأَذَانِ بِلَالًا فَقَامَ فَأَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ".

نعم، على الترتيب وجاء في بعض الروايات أن النَّبي- عليه الصلاة والسلام- صلى العصر بين المغرب والعشاء، صلى العصر بين المغرب والعشاء، وليس المراد أنه قدم المغرب على العصر، لا، المراد أنه صلى العصر بعد دخول وقت المغرب، يعني بين وقت هذه وبين وقت هذه؛ لتتفق الروايات.

"وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ من فاتته صلوات، قَضَاهَا مُرَتَّبَةً".

جاء أيضًا أنه صلى العصر قبل غروب الشمس يعني بعدما اصفرت وكاد أن يخرج وقتها، وهذا محمول على أنه في يوم من أيام الخندق؛ لأن الخندق استمر أيامًا، ففي يوم أدرك وقت صلاة العصر قبل غروب الشمس، وفي يوم آخر صلاها بعدما غربت الشمس بعد أن دخل وقت المغرب قبل صلاة المغرب.

"وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ من فاتته صلاة، قَضَاهَا مُرَتَّبَةً".

صلوات.

طالب: صلوات؟

نعم.

عَلَى أَنَّ من فاتته صلوات، قَضَاهَا مُرَتَّبَةً كَمَا فَاتَتْهُ إِذَا ذَكَرَهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَاخْتَلَفُوا إِذَا ذَكَرَ فَائِتَةً فِي مُضَيَّقِ وَقْتِ حَاضِرَةٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: يَبْدَأُ بِالْفَائِتَةِ وَإِنْ خَرَجَ وَقْتَ الْحَاضِرَةِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. الثَّانِي: يَبْدَأُ بِالْحَاضِرَةِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالشَّافِعِيُّ وَفُقَهَاءُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَالْمُحَاسِبِيُّ وَابْنُ وَهْبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. الثَّالِثُ: يَتَخَيَّرُ فَيُقَدِّمُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ. وَجْهُ الْأَوَّلِ: كَثْرَةُ الصَّلَوَاتِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْحَاضِرَةِ مَعَ الْكَثْرَةِ، قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ. وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الْيَسِيرِ، فَعَنْ مَالِكٍ: الْخَمْسُ فَدُونَ، وَقَدْ قِيلَ: الْأَرْبَعُ فَدُونَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ، وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمَذْهَبُ أَنَّ السِّتَّ كَثِيرٌ.

السَّادِسَةُ: وَأَمَّا مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ فِي صَلَاةٍ، فَإِنْ كَانَ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَكُلُّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ ، يَتَمَادَى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يُكْمِلَ صَلَاتَهُ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «إِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إِلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُصَلِّ الصَّلَاةَ الَّتِي نَسِيَ ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاتَهُ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ»".

صلى مع الإمام.

طالب: مع الإمام؟

نعم.

"«ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاتَهُ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ»".

بناءً على أن الترتيب شرط.

"«ثُمَّ لِيُعِدْ صَلَاتَهُ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ» لَفْظُ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَقَالَ مُوسَى بن هرون: وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَهِمَ فِي رَفْعِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ رَجَعَ عَنْ رَفْعِهِ فَقَدْ وُفِّقَ لِلصَّوَابِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يُصَلِّي الَّتِي ذَكَرَ، ثُمَّ يُصَلِّي الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ، عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذكرَهُ عَنِ الْكُوفِيِّينَ".

ذِكْرَهُ.

" عَلَى مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ عَنِ الْكُوفِيِّينَ. وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مالك المدنيين. وذكر الخرقي عن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ فِي أُخْرَى فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا وَيَقْضِي الْمَذْكُورَةَ، وَأَعَادَ الَّتِي كَانَ فِيهَا إِذَا كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا، فَإِنْ خَشِيَ خُرُوجَ الْوَقْتِ وَهُوَ فِيهَا أَعْتَقِدُ أَلَّا يُعِيدَهَا، وَقَدْ أَجْزَأَتْهُ وَيَقْضِي الَّتِي عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً وَهُوَ فِي صَلَاةٍ قَدْ صَلَّى مِنْهَا رَكْعَتَيْنِ سلم من ركعتين، فَإِنْ كَانَ إِمَامًا انْهَدَمَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ وَبَطَلَتْ. هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَلَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ مِنْ أَصْحَابِهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِيمَنْ ذَكَرَ صَلَاةً فِي صَلَاةٍ قَدْ صَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً أَنَّهُ يُضِيفُ إِلَيْهَا أُخْرَى وَيُسَلِّمُ. وَلَوْ ذَكَرَهَا فِي صَلَاةٍ قَدْ صَلَّى مِنْهَا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ أَضَافَ إِلَيْهَا رَابِعَةً وَسَلَّمَ، وَصَارَتْ نَافِلَةً غَيْرَ فَاسِدَةٍ وَلَوِ انْهَدَمَتْ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَ وَبَطَلَتْ لَمْ يُؤْمَرْ أَنْ يُضِيفَ إِلَيْهَا أُخْرَى، كَمَا لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ رَكْعَةٍ لَمْ يُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى.

السَّابِعَةُ- رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذُكِرَ حَدِيثَ الْمِيضَأَةِ بِطُولِهِ، وَقَالَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: «أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ؟» ثُمَّ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا» وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ هَكَذَا بِلَفْظِ مُسْلِمٍ سَوَاءٌ، فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي إِعَادَةَ الْمَقْضِيَّةِ مَرَّتَيْنِ عِنْدَ ذِكْرِهَا وَحُضُورِ مِثْلِهَا مِنَ الْوَقْتِ الْآتِي".

وليس فيه دلالة على هذا أنه يقضيها مرتين، يصليها إذا ذكرها وإذا كان من الغد فليصلها يصلي صلاة الغد عند وقتها.

وَيُعَضِّدُ هذا الظاهر ما خرجه أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَقَالَ فِي آخِرِهَا: «فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ صَلَاةَ الْغَدَاةِ مِنْ غَدٍ صَالِحًا فَلْيَقْضِ مَعَهَا مِثْلَهَا».

قُلْتُ: وَهَذَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَا تُعَادُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، لِمَا رَوَاهُ الدارقطني عن عمران ابن حُصَيْنٍ قَالَ: سَرَيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزَاةٍ- أَوْ قَالَ فِي سَرِيَّةٍ- فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ السَّحَرِ عَرَّسْنَا، فَمَا اسْتَيْقَظْنَا حَتَّى أَيْقَظَنَا حَرُّ الشَّمْسِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا يَثِبُ فَزِعًا دَهِشًا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْرَنَا فَارْتَحَلْنَا، ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، فَقَضَى الْقَوْمُ حَوَائِجَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ فَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّيْنَا الْغَدَاةَ، فَقُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَا نَقْضِيهَا لِوَقْتِهَا مِنَ الْغَدِ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَيَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الرِّبَا وَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ». وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهَذَا وُجُوبًا، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِهِ اسْتِحْبَابًا لِيُحْرِزَ فَضِيلَةَ الْوَقْتِ فِي الْقَضَاءِ. وَالصَّحِيحُ تَرْكُ الْعَمَلِ لِقَوْلِهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: «أَيَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الرِّبَا وَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ» وَلِأَنَّ الطُّرُقَ الصِّحَاحَ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ لَيْسَ فِيهَا مِنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ شيء، إِلَّا مَا ذُكِرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ.

قُلْتُ: ذَكَرَ الْكِيَا الطَّبَرِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لَهُ أَنَّ مِنَ السَّلَفِ مَنْ خَالَفَ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ» قَالَ: يَصْبِرُ فَإِن فَاتَ الصُّبْحُ فَلْيُصَلِّ مِنَ الْغَدِ. وَهَذَا قَوْلٌ بَعِيدٌ شَاذٌّ".

قف على هذا، اللهم صلِّ على محمد، اللهم صلِّ وسلم على محمد.

طالب:...........

أين؟

طالب:...............

نعم.

طالب:...........

يعني ما يصليها في وقتها، لا يصليها إذا ذكرها، إنما يصبر حتى يأتي وقتها من الغد.

طالب:.............

نعم، مثل ما يصلون مع كل صلاة تصلي مثلها، أضف إليها، مع الفجر يصلي الفجر الثاني وهكذا.

اللهم صل وسلم على محمد.

"