التعليق على تفسير القرطبي - سورة طه (06)

 

بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

 

قوله تعالى: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه:72].

 

قوله تعالى: {قَالُوا} [طه:72] يعني السحرة، {لَنْ نُؤْثِرَكَ} [طه:72] أي لن نختارك، {عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [طه:72] قال ابن عباس: يريد من اليقين والعلم. وقال عكرمة وغيره: لما سجدوا أراهم الله في سجودهم منازلهم في الجنة، فلهذا قالوا لن نؤثرك. وكانت امرأة فرعون تسأل من غلب، فقيل لها: غلب موسى وهارون، فقالت: آمنت برب موسى وهارون. فأرسل إليها فرعون فقال: انظروا أعظم صخرة فإن مضت على قولها فألقوها عليها، فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فأبصرت منزلها في الجنة فمضت على قولها فانتزع روحها، وألقيت الصخرة على جسدها وليس في جسدها روح. وقيل قال".

 

انتزع روحها.

 

"فمضت على قولها فانتزع روحها".

 

 مضت يعني ثبتت على ذلك، نسأل الله الثبات.

 

"فانتزع روحها، وألقيت الصخرة على جسدها وليس في جسدها روح. وقيل: قال مقدم السحرة لمن يثق به لما رأى من عصا موسى ما رأى: انظر إلى هذه الحية هل تخوفت فتكون جنيهًا".

 

جنيا فتكون جنيًّا.

 

"هل تخوفت فتكون جنيًّا".

 

 في بعض النسخ تجوفت أو لم تتجوف.

 

"أو لم تتخوف فهي من صنعة الصانع الذي لا يعزب عليه مصنوع".

 

الذي لا يعزب.

 

"الذي لا يعزب عليه مصنوع".

 

يعني الذي لا يخفى.

 

"فقال: ما تخوفت، فقال: آمنت برب هارون وموسى.

 

{وَالَّذِي فَطَرَنَا} [طه:72] قيل: هو معطوف على ما جاءنا من البينات أي لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات، ولا على الذي فطرنا أي خلقنا. وقيل: هو قسم أي والله لن نؤثرك. {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه:72] التقدير ما أنت قاضيه".

 

كأن هذا أوضح، كونه قسم أظهر، والذي فطرنا يعني والله، ولو أريد العطف لقدم الذي فطرنا على ما جاءنا من البينات.

 

"والتقدير ما أنت قاضيه وليست ما هاهنا التي تكون مع الفعل بمنزلة المصدر".

 

يعني ليست مصدرية، وإنما هي موصولة، ليست المأولة مع ما بعدها بالمصدر، وإنما هي موصولة، وحذف الضمير الرابط بين الموصول وصلته.

 

"لأن تلك توصل بالأفعال، وهذه موصولة بابتداء وخبر. قال ابن عباس: فاصنع ما أنت صانع. وقيل: فاحكم ما أنت حاكم، أي من القطع والصلب. وحذفت الياء من قاضٍ في الوصل؛ لسكونها وسكون التنوين. واختار سيبويه إثباتها في الوقف؛ لأنه قد زالت علة الساكنين".

 

علة التقاء، زالت علة التقاء الساكنين، معروف أن المنقوص إن اقترن بال ثبتت الياء، وإن تجرد عن ال ثبتت الياء في حال النصب دون الرفع والجر.

 

"{إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه:72] أي إنما ينفذ أمرك فيها. وهي منصوبة على الظرف، والمعنى: إنما تقضي في متاع هذه الحياة الدنيا. أو وقت هذه الحياة الدنيا، فتقدر حذف المفعول".

 

يعني قضاؤك وحكمك في هذه الدنيا، أما في الآخرة فلا.

 

"ويجوز أن يكون التقدير: إنما تقضي أمور هذه الحياة الدنيا، فتنتصب انتصاب المفعول، وما كافة لأن، وأجاز الفراء الرفع".

 

لإن.

 

وما كافة لأن.

 

لإن. إنما هذه معروفة كافة ومكفوفة.

 

"وأجاز الفراء الرفع على أن تجعل ما بمعنى الذي وتحذف الهاء من تقضي".

 

إن الذي تقضيه، وتكون ما موصولة.

 

"ورفعت هذه الحياة الدنيا. إنا آمنا بربنا أي صدقنا بالله وحده لا شريك له وما جاءنا به موسى. { لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا} [طه:73] يريدون الشرك الذي كانوا عليه".

 

والإيمان التصديق وزيادة، حقيقة الإيمان اللغوية التصديق، لكن حقيقته الشرعية هذه الحقيقة اللغوية مع زيادة اليقين والإزعان.

 

"{وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ} [طه:73] ما في موضع نصب معطوفة على الخطايا. وقيل: لا موضع لها وهي نافية؛ أي ليغفر لنا خطايانا من السحر وما أكرهتنا عليه. قال النحاس: والأول أولى، وقال المهدوي:وفيه بعد؛ لقولهم: {إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} [الأعراف:113]، وليس هذا بقول مكرهين، ولأن الإكراه ليس بذنب، وإن كان يجوز أن يكونوا أكرهوا على تعليمه صغارًا. قال الحسن: كانوا يعلمون السحر أطفالاً، ثم عملوه مختارين بعد. ويجوز أن يكون ما في موضع رفع بالابتداء ويضمر الخبر، والتقدير، وما أكرهتنا عليه من السحر موضوع عنا.

 

و{مِنَ السِّحْرِ} [طه:73]، على هذا القول، والقول الأول يتعلق بـ (أكرهتنا). وعلى أن ما نافية يتعلق بـ ( خطايانا).

 

{وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه:73]، أي ثوابه خير وأبقى فحذف المضاف، قاله ابن عباس. وقيل: الله خير لنا منك وأبقى عذابا لنا من عذابك لنا. وهو جواب قوله: {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} [طه:71]، وقيل: الله خير لنا إن أطعناه، وأبقى عذابا منك إن عصيناه.

 

قوله تعالى:

 

{إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} [طه:74]   قيل: هو من قول السحرة لما آمنوا. وقيل ابتداء كلام من الله -عز وجل-. والكناية في إنه ترجع إلى الأمر والشأن".

 

إن واسمها هو الضمير هو الكناية، اسمها ضمير الشأن.

 

"ويجوز إن من يأت، ومنه قول الشاعر:

 

إن من يدخل الكنيسة يومًا يلق فيها جآذرًا وظباء

 

أراد إنه من يدخل؛ أي إن الأمر هذا؛ وهو أن المجرم يدخل النار، والمؤمن يدخل الجنة. والمجرم: الكافر.

 

 وقيل: الذي يقترف المعاصي ويكتسبها. والأول أشبه؛ لقوله: {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [طه:74]".

 

وهذا يدل على الخلود، وهو اللائق بالكفار.

 

"وهذه صفة الكافر المكذب الجاحد على ما تقدم بيانه في سورة النساء وغيرها فلا ينتفع بحياته، ولا يستريح بموته. قال الشاعر:

 

ألا من لنفس لا تموت فينقضي

 

شقاها ولا تحيا حياة لها طعم

 

وقيل: نفس الكافر معلقة في حنجرته، كما أخبر الله تعالى عنه، فلا يموت بفراقها، ولا يحيا باستقرارها. ومعنى {مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} [طه:74]  من يأتي موعد ربه، ومن يأته مؤمنًا أي يمت عليه ويوافيه مصدقًا به. {قد عمل} أي وقد عمل الصالحات أي الطاعات وما أمر به ونهي عنه".

 

والجملة حالية، قد عمل حالية، ولذا قدر قبلها الواو.

 

"{فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلى} [طه:75] أي الرفيعة التي قصرت دونها الصفات. ودل قوله: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا} [طه:75] على أن المراد بالمجرم المشرك.

 

 قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} [طه:76] بيان للدرجات وبدل منها، والعدن الإقامة. وقد تقدم بيانه. تجري من تحتها أي من تحت غرفها وسررها الأنهار من الخمر والعسل واللبن والماء. وقد تقدم خالدين فيها أي ماكثين دائمين.  

 

{وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} [طه:76] أي من تطهر من الكفر والمعاصي. ومن قال هذا من قول السحرة قال: لعل السحرة سمعوه من موسى أو من بني إسرائيل؛ إذ كان فيهم بمصر أقوام، وكان فيهم أيضا المؤمن من آل فرعون. قلت: ويحتمل أن يكون ذلك إلهامًا من الله لهم أنطقهم بذلك لما آمنوا، والله أعلم.

 

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى}".

 

والسياق يدل على أنه من قولهم.

 

قوله تعالى:"

 

 {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} [طه:77] تقدم الكلام في هذا مستوفًى. { فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} [طه:77]  أي يابسًا لا طين فيه ولا ماء. وقد مضى في (البقرة) ضرب موسى البحر".

 

الطريق مذكر ويؤنث الطريق مذكر، وقد يؤنث، وهنا ذكر الطريق فقيل طريقًا في البحر يبسًا دل على أنه مذكر، وأهل الحديث يستعملونه باستمرار على التأنيث الطريق الأولى والطريق الثانية إذا أرادوا أن يخرجوا الحديث ذكروه بالتأنيث.

 

"وقد مضى في (البقرة) ضرب موسى البحر وكنيته إياه وإغراق فرعون فلا معنى للإعادة. {لا تَخَافُ دَرَكًا} [طه:77] أي لحاقًا من فرعون وجنوده. ولا تخشى قال ابن جريج قال أصحاب موسى: هذا فرعون قد أدركنا، وهذا البحر قد غشينا، فأنزل الله تعالى {لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى} [طه:77]؛ أي لا تخاف دركًا من فرعون، ولا تخشى غرقًا من البحر أن يمسك إن غشيك.

 

وقرأ حمزة: (لا تخف) على أنه جواب الأمر. والتقدير إن تضرب لهم طريقًا في البحر لا تخف. ولا تخشى مستأنف على تقدير: ولا أنت تخشى. أو يكون مجزومًا والألف مشبعة من فتحة، كقوله".

 

أنا لو جزمنا لا تخف جزمنا معطوف عليها، ولا تخشى بدون ألف لكن صورتها غير مجزومة فإما أن يقدر قبلها، وأنت لا تخشى حين يكون عطف الجمل، أو تكون ألف الإشباع الفتحة التي هي علامة على الألف المحذوفة.

 

"أو يكون مجزومًا: والألف مشبعة من فتحة، كقوله: {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب:67] أو على حد قول الشاعر:

 

كأن لم تري قبلي أسيرًا يمانيًا

 

على تقدير حذف الحركة كما تحذف حركة الصحيح. وهذا مذهب الفراء،

 

 وقال آخر:

 

هجوت زبان ثم جئت معتذرًا
 

 

من هجو زبان لم تهجو ولم تدع
 

 

وقال آخر:

 

ألم يأتيك والأنباء تنمي
 

 

بما لاقت لبون بني زياد
 

 

هذه إشباع، ومثله قراءة من قرأ: {إنه من يتقي ويصبر}.

 

"قال النحاس: وهذا من أقبح الغلط أن يحمل كتاب الله -عز وجل- على الشذوذ من الشعر، وأيضًا فإن الذي جاء به من الشعر لا يشبه من الآية شيئًا؛ لأن الياء والواو مخالفتان للألف؛ لأنهما تتحركان، والألف لا تتحرك، وللشاعر إذا اضطر أن يقدرهما متحركتين ثم تحذف الحركة للجزم، وهذا محال في الألف، والقراءة".

 

لكن ما جاء به من الشعر مطابق لقوله: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقي وَيَصْبِرْ} [يوسف:90]، وإن لم يطابق تخشى.

 

"والقراءة الأولى أبين لأن بعده ولا تخشى مجمع عليه بلا جزم".

 

القراءة الأولى لا تخاف من غير جزم، لا تخاف.

 

"وفيها ثلاث تقديرات: الأول: أن يكون (لا تخاف) في موضع الحال من المخاطب، التقدير فاضرب لهم طريقا في البحر يبسًا غير خائف ولا خاشٍ. الثاني: أن يكون في موضع النعت للطريق؛ لأنه معطوف على يبس الذي هو صفة، ويكون التقدير لا تخاف فيه".

 

هنا يكون باب النعت والسبب.

 

"فحذف الراجع من الصفة. والثالث: أن يكون منقطعًا خبر ابتداء محذوف تقديره: وأنت لا تخاف".

 

والتقدير في الأول أن يكون غير مخوف والمراد به الطريق.

 


"قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ} [طه:78] أي اتبعهم ومعه جنوده، وقرئ (فاتبعهم) بالتشديد فتكون الباء في {بِجُنُودِهِ} [طه:78] عدت الفعل إلى المفعول الثاني؛ لأن اتبع يتعدى إلى مفعول واحد، أي تبعهم ليلحقهم بجنوده أي مع جنوده كما يقال: ركب الأمير بسيفه أي مع سيفه. ومن قطع ( فأتبع ) يتعدى إلى مفعولين: فيجوز أن تكون الباء زائدة، ويجوز أن يكون اقتصر على مفعول واحد. يقال: تبعه وأتبعه، ولحقه وألحقه بمعنى واحد.

 

وقوله: {بِجُنُودِهِ} [طه:78] في موضع الحال؛ كأنه قال: فأتبعهم سائقًا جنوده { فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه:78] أي أصابهم من البحر ما غرقهم، وكرر على معنى التعظيم والمعرفة بالأمر.

 

{وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه:79]  أي أضلهم عن الرشد، وما هداهم إلى خير ولا نجاة؛ لأنه قدر أن موسى - عليه السلام- ومن معه لا يفوتونه؛ لأن بين أيديهم البحر. فلما ضرب موسى البحر بعصاه انفلق منه اثنا عشر طريقًا، وبين الطرق الماء قائمًا كالجبال. وفي سورة الشعراء {فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء:63] أي الجبل الكبير، فأخذ كل سبط طريقًا. وأوحى الله إلى أطواد الماء أن تشبكي فصارت شبكات يرى بعضهم بعضًا، ويسمع بعضهم كلام بعض، وكان هذا من أعظم المعجزات، وأكبر الآيات، فلما أقبل فرعون ورأى الطرق في البحر والماء قائمًا أوهمهم أن البحر فعل هذا لهيبته، فدخل هو وأصحابه فانطبق البحر عليهم. وقيل: إن قوله: {وَمَا هَدَى} [طه:79]  تأكيد لإضلاله إياهم. وقيل: هو جواب قول فرعون: {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} فكذبه الله تعالى. وقال ابن عباس {وَمَا هَدَى} [طه:79] أي ما هدى نفسه بل نفسه وقومه".

 

 بل أهلك، بل أهلك نفسه وقومه.

 

"بل أهلك نفسه وقومه.

 

وقوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ} [طه:80]، لما أنجاهم من فرعون قال لهم هذا ليشكروا.

 

{ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ} [طه:80] جانب نصب على المفعول الثاني (لواعدنا) ولا يحسن أن ينتصب على الظرف؛ لأنه ظرف مكان محض غير مبهم. وإنما تتعدى الأفعال والمصادر إلى ظروف المكان بغير حرف جر إذا كانت مبهمة. قال مكي: هذا أصل لا خلاف فيه، وتقدير الآية. وواعدناكم إتيان جانب الطور، ثم حذف المضاف. قال النحاس: أي أمرنا موسى أن يأمركم بالخروج معه؛ ليكلمه بحضرتكم فتسمعوا الكلام. وقيل: وعد موسى بعد إغراق فرعون أن يأتي جانب الطور الأيمن فيؤتيه التوراة، فالوعد كان لموسى، ولكن خوطبوا به؛ لأن الوعد كان لأجلهم".

 

وما كان لنبي كان لأمته، الفضل الذي يؤتاه النبي له ولأمته.

 

"وقرأ أبو عمرو (ووعدناكم) بغير ألف واختاره أبو عبيد؛ لأن الوعد إنما هو من الله تعالى لموسى خاصة، والمواعدة لا تكون إلا من اثنين، وقد مضى في (البقرة) هذا المعنى".

 

المفاعلة تكون بين طرفين، هذا هو الأصل فيها، وقد تأتي من طرف واحد كالمسافرة، والمضاربة، والمطارقة، سافرت وطارقت.

 

"والأيمن نصب؛ لأنه نعت للجانب، وليس للجبل يمين ولا شمال، فإذا قيل: خذ عن يمين الجبل فمعناه خذ على يمينك من الجبل".

 

وهو أيضًا نسبي، الجبال بالنسبة للجمادات نسبية بحسب الوارد إليها والصادر عنها، فإما أن تكون عن يمينه، وإما أن تكون عن شماله.

 

"وكان الجبل على يمين موسى إذ أتاه.

 

 {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} [طه:80] أي في التيه. وقد تقدم القول فيه. {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [طه:81]  أي من لذيذ الرزق. وقيل: من حلاله إذ لا صنع فيه لآدمي فتدخله شبهة".

 

طيب وما فيه تكسب لتدخله الشبهة وإنما هو من محض فضل الله -جل وعلا- عليه فلا شبهة فيه.

 

"ولا تطغوا فيه أي لا تحملنكم السعة والعافية أن تعصوا؛ لأن الطغيان التجاوز إلى ما لا يجوز. وقيل: المعنى، أي لا تكفروا النعمة ولا تنسوا شكر المنعم بها عليكم. وقيل: أي ولا تستبدلوا بها شيئًا آخر كما قال: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة:61] وقيل".

 

لما منَّ عليه بهذه من عليه بهذه الأمور الفاضلة، وسألوا ما دونها قال: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة:61] هو خير ومنَّ عليه بهذه الأمور وهي أفضل مما سألوا لكنهم أبوا وأصروا فاستنكر عليهم، أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرًا أي مصر من الأمصار تجدون فيها طلبكم وإن أتاكم به زاله.

 

"وقيل: لا تدخروا منه لأكثر من يوم وليلة، قال ابن عباس: فيتدود عليهم ما ادخروه، ولولا ذلك ما تدود طعام أبدًا.

 

{فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} [طه:81]".

 

يعني ينتن، ما يدخرونه ينتن مباشرة؛ لأنهم نهوا عن ذلك.

 

"أي يجب وينزل، وهو منصوب بالفاء في جواب النهي من قوله: {وَلا تَطْغَوْا} [طه:81]، {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} [طه:81]  قرأ الأعمش ويحيى".

 

بالإدغام والفك، فيحل ومن يحلل، هذا بالإدغام، وهذا بالفك، وكلاهما جائز، مثل من يرتد ويرتدد.

 

"قرأ الأعمش ويحيى بن وثاب والكسائي: (فيحل) )بضم الحاء، ومن يحلل) بضم اللام الأولى. والباقون بالكسر وهما لغتان. وحكى أبو عبيدة وغيره: أنه يقال: حل يحل إذا وجب، وحل يحل إذا نزل. وكذا قال الفراء: الضم من الحلول بمعنى الوقوع، والكسر من الوجوب. والمعنيان متقاربان إلا أن الكسر أولى؛ لأنهم قد أجمعوا على قوله: {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [الزمر:40]، وغضب الله عقابه ونقمته وعذابه.

 

{ فَقَدْ هَوَى} [طه:81] قال الزجاج: فقد هلك، أي صار إلى الهاوية وهي قعر النار، من هوى يهوي هويًا أي سقط من علو إلى سفل، وهوى فلان أي مات. وذكر ابن المبارك: أخبرنا إسماعيل بن عياش قال: حدثنا ثعلبة بن مسلم عن أيوب بن بشير عن شفي الأصبحي قال: إن في جهنم جبلاً يدعى صعودًا، يطلع فيه الكافر أربعين خريفًا قبل أن يرقاه، قال الله تعالى:  {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} [المدثر:17]، وإن في جهنم قصرًا يقال له: هوى يرمى الكافر من أعلاه فيهوي أربعين خريفًا قبل أن يبلغ أصله قال الله تعالى:  {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه:81]  وذكر الحديث، وقد ذكرناه في كتاب (التذكرة).

 

قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [طه:82] أي من الشرك، {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [طه:82] {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [طه:82]،  {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [طه:82] { وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82] أي أقام على إيمانه حتى مات عليه، قاله سفيان الثوري وقتادة وغيرهما. وقال ابن عباس: أي لم يشك في إيمانه".

 

من استمر عليه مثل الأمر المؤمن بالإيمان المقصود منه الاستمرار عليه، وهذا من استمر، وثبت على إيمانه يحصل له هذا الوعد.

 

 "ذكره الماوردي والمهدوي. وقال سهل بن عبد الله التستري، وابن عباس أيضًا: أقام على السنة والجماعة، ذكره الثعلبي. وقال أنس: أخذ بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر المهدوي، وحكاه الماوردي عن الربيع بن أنس. وقول خامس: أصاب العمل، قاله ابن زيد، وعنه أيضًا: تعلم العلم ليهتدي كيف يفعل، ذكر الأول المهدوي، والثاني الثعلبي. وقال الشعبي ومقاتل والكلبي: علم أن لذلك ثوابًا وعليه عقابًا، وقاله الفراء، وقول ثامن: {ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82] في ولاية أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، قاله ثابت البناني. والقول الأول أحسن هذه الأقوال - إن شاء الله - وإليه يرجع سائرها. قال وكيع عن سفيان: كنا نسمع في قوله - عز وجل -: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [طه:82] أي من الشرك {وَآمَنَ} [طه:82] أي بعد الشرك، {وَعَمِلَ صَالِحًا} [طه:82]  صلى وصام، {ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82] مات على ذلك.

 

قوله تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى} [طه:83] أي ما حملك على أن تسبقهم. قيل: عنى بالقوم جميع بني إسرائيل، فعلى هذا قيل: استخلف هارون على بني إسرائيل، وخرج معه بسبعين رجلاً للميقات. فقوله: {هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي} [طه:84]  ليس يريد أنهم يسيرون خلفه متوجهين إليه، بل أراد أنهم بالقرب مني ينتظرون عودي إليهم. وقيل: لا، بل كان أمر هارون بأن يتبع في بني إسرائيل أثره ويلتحقوا به. وقال قوم: أراد بالقوم السبعين الذين اختارهم، وكان موسى لما قرب من الطور سبقهم شوقًا إلى سماع كلام الله. وقيل: لما وفد إلى طور سيناء بالوعد اشتاق إلى ربه، وطالت عليه المسافة من شدة الشوق إلى الله تعالى، فضاق به الأمر شق قميصه، ثم لم يصبر حتى خلفهم ومضى وحده، فلما وقف".

 

لكونه عجل فلم يصبر، ومضى وحده قبلهم هذا ظاهر من الآية، وما زاد على ذلك من وصفه بأنه شق قميصه لا يصح من مثل موسى، أما كونه مضى ولم يصبر، واستعجل واشتاق إلى ربه فهذا كله تحتمله الآية.

 

"فلما وقف في مقامه قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى} [طه:83] فبقي -صلى الله عليه وسلم- متحيرًا عن الجواب، وكنى عنه بقوله".

 

عن الجواب لهذه الكلمة لما استقبله من صدق الشوق فأعرض عن الجواب وكنى عنه بقوله: هم أولاء على أثره نعم بهذه الكلمة لما استقبله من صدق الشوق فأعرض عن الجواب، من سبع نسخ الزيادة، فأعرض عن الجواب وكنى بقوله.

 

"فبقي - صلى الله عليه وسلم - متحيرًا عن الجواب لهذه الكلمة لما استقبله من صدق الشوق فأعرض عن الجواب وكنى عنه بقوله: {هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي} [طه:84]،  وإنما سأله السبب الذي أعجله بقوله: ما فأخبر عن مجيئهم بالأثر. ثم قال:   {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:84]  فكنى عن ذكر الشوق، وصدقه إلى ابتغاء الرضا، ذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:84]  قال: شوقًا. وكانت عائشة- رضي الله عنها - إذا آوت إلى فراشها تقول: هاتوا المجيد. فتؤتى بالمصحف فتأخذه في صدرها وتنام معه تتسلى بذلك، رواه سفيان عن مسعر عن عائشة –رضي الله عنها-.

 

وكان -عليه الصلاة والسلام- إذا أمطرت السماء خلع ثيابه وتجرد حتى يصيبه المطر ويقول: «إنه حديث عهد بربي» فهذا من الرسول - صلى الله عليه وسلم - وممن بعده من قبيل الشوق، ولذلك قال الله تبارك اسمه فيما يروى عنه: طال شوق الأبرار إلى لقائي، وأنا إلى لقائهم أشوق.

 

قال ابن عباس: كان الله عالمًا، ولكن قال: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى} [طه:83]  رحمة لموسى، وإكرامًا له بهذا القول، وتسكينًا لقلبه، ورقة عليه، فقال مجيبًا لربه: {هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي} [طه:84]  قال أبو حاتم: قال عيسى :بنو تميم يقولون: هم أولى مقصورة مرسلة، وأهل الحجاز يقولون أولاء ممدودة. وحكى الفراء: هم أولاي على أثري، وزعم أبو إسحاق الزجاج أن هذا لا وجه له. قال النحاس وهو كما قال؛ لأن هذا ليس مما يضاف فيكون مثل هداي. ولا يخلو من إحدى جهتين: إما أن يكون اسمًا مبهمًا فإضافته محال، وإما أن يكون بمعنى الذين فلا يضاف أيضًا؛ لأن ما بعده من تمامه وهو معرفة. وقرأ ابن أبي إسحاق، ونصر".

 

المبهم الإشارة، الاسم المبهم الإشارة، هم أولاء يعني هم هؤلاء مثل هذا لا تجوز إضافته.

 

"وقرأ ابن أبي إسحاق، ونصر ورويس عن يعقوب: (على إثري) بكسر الهمزة وإسكان الثاء وهو بمعنى أثر، لغتان، {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:84] أي عجلت إلى الموضع الذي أمرتني بالمصير إليه لترضى عني. يقال: رَجُلٌ عَجِلٌ وَعُجُلٌ وَعَجُولٌ وَعَجْلَانُ بَيِّنُ الْعَجَلَةِ، وَالْعَجَلَةُ خِلَافُ الْبُطْءِ.

 

قوله تعالى: {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ} [طه:85] أي اختبرناهم وامتحناهم بأن يستدلوا على الله - عز وجل  {وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} [طه:85]  أي دعاهم إلى الضلالة أو هو سببها. وقيل: فتناهم ألقيناهم في الفتنة: أي زينا لهم عبادة العجل، ولهذا قال موسى: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} [الأعراف:155].

 

 قال ابن عباس رضي الله عنهما-: كان السامري من قوم يعبدون البقر، فوقع بأرض مصر، فدخل في دين بني إسرائيل بظاهره، وفي قلبه ما فيه من عبادة البقر. وقيل: كان رجلاً من القبط، وكان جارًا لموسى آمن به وخرج معه. وقيل كان عظيمًا من عظماء بني إسرائيل، من قبيلة تعرف بالسامرة، وهم معروفون بالشام. قال سعيد بن جبير: كان من أهل كرمان. 
قوله تعالى: {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًاُ} [طه:86]  حال، وقد مضى في (الأعراف) بيانه مستوفًى..

 

 {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا} [طه:86]  وعدهم -عز وجل- الجنة إذا أقاموا على طاعته، ووعدهم أنه يسمعهم كلامه، في التوراة على لسان موسى؛ ليعملوا بما فيها فيستحقوا ثواب عملهم. وقيل: وعدهم النصر والظفر. وقيل: وعده قوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ} [طه:82].

 

{أفطال عليكم العهد} أي أفنسيتم، كما قيل، والشيء قد ينسى لطول العهد {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ} [طه:86]، {أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [طه:86] يحل أي يجب وينزل. والغضب العقوبة والنقمة. والمعنى أم أردتم أن تفعلوا.

 

فيه إثبات صفة الغضب لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله، وعظمته.

 

"والمعنى أم أردتم أن تفعلوا فعلاً يكون سبب حلول غضب الله بكم؛ لأن أحدًا لا يطلب غضب الله، بل قد يرتكب ما يكون سببا للغضب. فأخلفتم".

 

فإذا تسبب نسب إليه كما في حديث: لعن الله من لعن والديه، لا يتصور أحد يلعن والديه، لكن يتسبب، فيلعن أبا الرجل فيلعن أباه، ويسب أبا الرجل فيسب أباه يسبهم، فينسب إليه.

 

طالب: .............

 

 معروف.

 

طالب: ............

 

 مثل ماذا؟

 

طالب: ...........

 

طيب تريد أن تشتق منها اسمًا؟ تريد أن تشتق منها اسمًا؟ لا يمكن؛ لأن دائرة الوصف أوسع من الاسم، الأسماء يؤخذ منها صفات، ولا عكس.

 

"فأخلفتم موعدي؛ لأنهم وعدوه أن يقيموا على طاعة الله -عز وجل- إلى أن يرجع إليهم من الطور. وقيل: وعدهم على أثره للميقات فتوقفوا.

 

 {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} [طه:87] بفتح الميم، وهي قراءة نافع وعاصم وعيسى بن عمر، قال مجاهد والسدي: ومعناه بطاقتنا ابن زيد: لم نملك أنفسنا أي كنا مضطرين. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (بملكنا) بكسر الميم، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لأنها اللغة العالية. وهو مصدر ملكت الشيء أملكه ملكًا.

 

ملكًا،

 

 اللام للملك وشبهه

 

يفيد المالك بكسر الميم.

 

"والمصدر مضاف إلى الفاعل، والمفعول محذوف، كأنه قال: بملكنا الصواب بل أخطأنا، فهو اعتراف منهم بالخطأ. وقرأ حمزة والكسائي: (بملكنا) بضم الميم والمعنى بسلطاننا. أي لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك. ثم قيل: قوله: قالوا عام يراد به الخاص، أي قال الذين ثبتوا على طاعة الله إلى أن يرجع إليهم من الطور: {مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} [طه:87]، وكانوا اثني عشر ألفًا، وكان جميع بني إسرائيل ستمائة ألف.

 

 {ولكنا حملنا} بضم الحاء وتشديد الميم مكسورة، قرأه نافع وابن كثير وابن عامر وحفص ورويس والباقون بفتح الحرفين خفيفة، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ لأنهم حملوا حلي القوم معهم وما حملوه كرهًا..

 

أوزارًا أي أثقالاً من زينة القوم أي من حليهم، وكانوا استعاروه حين أرادوا الخروج مع موسى -عليه السلام-، وأوهموهم أنهم يجتمعون في عيد لهم أو وليمة. وقيل: هو ما أخذوه من آل فرعون، لما قذفهم البحر إلى الساحل. وسميت أوزارًا؛ بسبب أنها كانت آثامًا. أي لم يحل لهم أخذها ولم تحل لهم الغنائم، وأيضًا فالأوزار هي الأثقال في اللغة. فقذفناها أي ثقل علينا حمل ما كان معنا من الحلي، فقذفناه في النار ليذوب، أي طرحناه فيها. وقيل: طرحناه إلى السامري لترجع فترى فيها رأيك.

 

 قال قتادة: إن السامري قال لهم حين استبطأ القوم موسى.

 

 إنما احتبس عليكم من أجل ما عندكم من الحلي، فجمعوه ودفعوه إلى السامري، فرمى به في النار، وصاغ لهم منه عجلاً، ثم ألقى عليه قبضة من أثر فرس الرسول وهو جبريل- عليه السلام–.

 

 وقال معمر: الفرس الذي كان عليه جبريل هو الحياة، فلما ألقى عليه القبضة صار عجلاً جسدًا له خوار. والخوار صوت البقر.

 

 وقال ابن عباس: لما انسكبت الحلي في النار، جاء السامري وقال لهارون: يا نبي الله أؤلقي ما في يدي -وهو يظن أنه كبعض ما جاء به غيره من الحلي- فقذف التراب فيه، وقال: كن عجلاً جسدًا له خوار، فكان كما قال للبلاء والفتنة، فخار خورة واحدة لم يتبعها مثلها. وقيل: خواره وصوته كان بالريح؛ لأنه كان عمل فيه خروقًا، فإذا دخلت الريح في جوفه خار ولم تكن فيه حياة. وهذا قول مجاهد.   

 

وعلى القول الأول كان عجلاً من لحم ودم، وهو قول الحسن وقتادة والسدي، وروى حماد عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: مر هارون بالسامري وهو يصنع العجل، فقال: ما هذا؟ فقال: ينفع ولا يضر".

 

فقال: اللهم أعطه ما سألك على ما في نفسه، فقال: اللهم إني أسألك أن يخور. وكان إذا خار سجدوا، وكان الخوار من أجل دعوة هارون.

 

"فقال: اللهم أعطه ما سألك على ما في نفسه، فقال: اللهم إني أسألك أن يخور. وكان إذا خار سجدوا، وكان الخوار من أجل دعوة هارون. خار سجدوا، وكان الخوار من أجل دعوة هارون.

 

قال ابن عباس: خار كما يخور الحي من العجول. وروى أن موسى.

 

 قال: يا رب هذا السامري أخرج لهم عجلاً جسدًا له خوار من حليهم، فمن جعل الجسد والخوار؟ قال الله تبارك وتعالى: أنا. قال موسى -صلى الله عليه وسلم-: وعزتك وجلالك وارتفاعك وعلوك وسلطانك ما أضلهم غيرك. قال: صدقت يا حكيم الحكماء.

 

إن هي إلا فتنتك.

 

وقد تقدم هذا كله في سورة (الأعراف)".

 

قد أخطأ أبو طالب المكي في كتابه القوت حينما قال: وهل أضر على الخلق من خالقهم؟ حينما قال: إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء، وهذا ضلال، ونسأل الله العافية.

 

ما أضلهم غيره". هل يظن بموسى أن يقول لربه هذا الكلام؟"

 

إن هي إلا فتنتك يعني ضلوا بسبب هذه الفتنة.  إن هذه الفتنة التي حصلت لهم.

 

{فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى} [طه:88] أي قال السامري: ومن تبعه، وكانوا ميالين إلى التشبيه؛ إذا قالوا: {اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:138] فنسي أي فضل موسى بطلبه فلم يعلم مكانه، وأخطأ الطريق إلى ربه. وقيل: معناه: فتركه موسى هنا وخرج يطلبه. أي ترك موسى إلهه هنا. وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: أي فنسي موسى أن يذكر لكم أنه إلهه. وقيل: الخطاب خبر عن السامري.

 

أي ترك السامري ما أمره به موسى من الإيمان فضل، قاله ابن الأعرابي.

 

فقال الله تعالى محتجًّا عليهم: أفلا يرون، أي يعتبرون ويتفكرون. في (أنه) لا يرجع إليهم قولا. أي لا يكلمهم. وقيل: لا يعود إلى الخوار والصوت. ولا يملك لهم ضرًّا ولا نفعًا، فكيف يكون إلهًا؟ والذي يعبده موسى.  - صلى الله عليه وسلم - وينفع ويثيب ويعطي ويمنع.

 

{أَلَّا يَرْجِعُ} [طه:89] تقديره أنه لا يرجع فلذلك ارتفع الفعل فخففت أن وحذف الضمير. وهو الاختيار في الرؤية والعلم والظن. قال:

 

فِي فِتْيَةٍ مِنْ سُيُوفِ الْهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا ... أَنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ

 

وَقَدْ يُحْذَفُ مَعَ التَّشْدِيدِ، قَالَ:

 

فَلَوْ كُنْتَ ضَبِّيًّا عَرَفْتَ قَرَابَتِي ... وَلَكِنَّ زِنْجِيٌّ عَظِيمُ الْمَشَافِرِ

 

أَيْ وَلَكِنَّكَ.

 

قوله تعالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ} [طه:90] أي من قبل أن يأتي موسى ويرجع إليهم {يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ} [طه:90] أي ابتليتم وأضللتم به، أي بالعجل. وإن ربكم الرحمن لا العجل. فاتبعوني في عبادته. وأطيعوا أمري لا أمر السامري أو فاتبعوني في مسيري إلى موسى ودعوا العجل. فعصوه و{قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} [طه:91] أي لن نزال مقيمين على عبادة العجل..

 

 {حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} [طه:91] فينظر هل يعبده كما عبدناه، فتوهموا أن موسى يعبد العجل، فاعتزلهم هارون في اثني عشر ألفًا من الذين لم يعبدوا العجل.

 

الذين.

 

في اثني عشر ألفًا الذين لم يعبدوا العجل.

 

في اثني عشر ألفًا الذين لم يعبدوا العجل، فلما رجع موسى وسمع الصياح والجلبة وكانوا يرقصون حول العجل قال للسبعين معه: هذا صوت الفتنة، فلما رأى هارون أخذ شعر رأسه بيمينه، ولحيته بشماله غضبًا و {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا} [طه:92] أي أخطؤوا الطريق وكفروا.

 

{أَلَّا تَتَّبِعَنِ} [طه:93]، (لا) زائدة أي أن تتبع أمري ووصيتي. وقيل: ما منعك عن اتباعي في الإنكار عليهم. وقيل: معناه هلا قاتلتهم إذ قد علمت أني لو كنت بينهم لقاتلتهم على كفرهم. وقيل: ما منعك من اللحوق بي لما فتنوا..

 

{ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه:93] يريد أن مقامك بينهم وقد عبدوا غير الله تعالى عصيان منك لي، قاله ابن عباس، وقيل: معناه هلا فارقتهم فتكون مفارقتك إياهم تقريعًا لهم وزجرًا. ومعنى: أفعصيت أمري قيل: إن أمره ما حكاه الله تعالى عنه.

 

{وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف:142]، فلما أقام معهم ولم يبالغ في منعهم والإنكار عليهم نسبه إلى عصيانه ومخالفة أمره".

 

لأن الإقرار ليس من الإصلاح، السكوت عن المنكر ليس إصلاحًا، والله المستعان..
"مسألة: وهذا كله أصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتغييره ومفارقة أهله، وأن المقيم بينهم لا سيما إذا كان راضيًا حكمه كحكمهم. وقد مضى هذا المعنى في آل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال.

 

وسئل الإمام أبو بكر الطرطوشي -رحمه الله-: ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية؟ وأعلم -حرس الله مدته- أنه اجتمع جماعة من رجال، فيكثرون من ذكر الله تعالى، وذكر محمد -صلى الله عليه وسلم-، ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم، ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشيًا عليه، ويحضرون شيئًا يأكلونه. هل الحضور معهم جائز أم لا؟ أفتونا مأجورين، وهذا القول الذي يذكرونه.

 

 

 

يا شيخ كف عن الذنوب

قبل التفرق والزلل

واعمل لنفسك صالحًا

ما دام ينفعك العمل

أما الشباب فقد مضى

ومشيب رأسك قد نزل

   

 

وفي مثل هذا ونحوه.

 

الجواب: - يرحمك الله - مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله، وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري، لما اتخذ لهم عجلاً جسدًا له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون، فهو دين الكفار وعباد العجل، وأما القضيب فأول من اتخذه الزنادقة؛ ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى، وإنما كان يجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه كأنما على رءوسهم الطير من الوقار، فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم عن الحضور في المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم، ولا يعينهم على باطلهم، هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين، وبالله التوفيق."

 

هذا ديدن الصوفية وشأنهم ومثلهم من القدم إلى يومنا هذا؛ لأن عبادتهم الرقص.

 

قوله تعالى: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي} [طه:94].

 

 قال ابن عباس: أخذ شعره بيمينه، ولحيته بيساره؛ لأن الغيرة في الله ملكته؛ أي لا تفعل هذا فيتوهموا أنه منك استخفاف أو عقوبة. وقد قيل: إن موسى -عليه السلام- إنما فعل هذا على غير استخفاف ولا عقوبة كما يأخذ الإنسان بلحية نفسه. وقد مضى هذا في (الأعراف) مستوفًى. والله -عز وجل- أعلم بما أراد نبيه -عليه السلام-.

 

{إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [طه:94] أي خشيت أن أخرج وأتركهم، وقد أمرتني أن أخرج معهم، فلو خرجت لاتبعني قوم ويتخلف مع العجل قوم".

 

يعني هذا اجتهاد هارون خالف باجتهاد موسى –عليه السلام –.

 

"وربما أدى الأمر إلى سفك الدماء، وخشيت إن زجرتهم أن يقع قتال فتلومني على ذلك. وهذا جواب هارون لموسى -عليه السلام- عن قوله: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه:93] وفي الأعراف: {إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ} [الأعراف:150]. لأنك أمرتني أن أكون معهم. وقد تقدم.

 

ومعنى {وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه:94] لم تعمل بوصيتي في حفظه، في حفظهم لأنك أمرتني ان أكون معهم.

 

قاله مقاتل، وقال أبو عبيدة: لم تنتظر عهدي وقدومي.

 

 فتركه موسى ثم أقبل على السامري ف {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ} [طه:95] أي، ما أمرك وشأنك، وما الذي حملك على ما صنعت؟ قال قتادة: كان السامري عظيمًا في بني إسرائيل من قبيلة يقال لها: سامرة، ولكن عدو الله نافق بعد ما قطع البحر مع موسى، فلما مرت بنو إسرائيل بالعمالقة، وهم يعكفون على أصنام لهم.

 

{ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:138] فاغتنمها السامري، وعلم أنهم يميلون إلى عبادة العجل، فاتخذ العجل.

 

فقال السامري مجيبًا لموسى: {بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} [طه:96].

 

 يعني: رأيت ما لم يروا، رأيت جبريل -عليه السلام- على فرس الحياة، فألقي في نفسي أن أقبض من أثره قبضة، فما ألقيته على شيء إلا صار له روح ولحم ودم، فلما سألوك أن تجعل لهم إلهًا زينت لي نفسي ذلك.

 

وقال علي -رضي الله عنه– لما نزل به موسى -عليه السلام-، إلى السماء، وأبصره السامري من بين الناس فقبض قبضة من أثر الفرس. وقيل قال السامري: رأيت جبريل على الفرس وهي تلقي خطوها مد البصر، فألقي في نفسي أن أقبض من أثرها، فما ألقيته على شيء إلا صار له روح ودم. وقيل: رأى جبريل يوم نزل على رمكة وديق، فتقدم خيل فرعون في ورود البحر. وقيل: إن أم السامري".

 

الرمكة هذه هي الفرس، والوديق التي تشتهي الفحل.

 

 "وقيل: إن أم السامري جعلته حين وضعته في غار خوفًا من أن يقتله فرعون، فجاءه جبريل -عليه السلام-، فجعل كف السامري في فم السامري، فرضع العسل واللبن، فاختلف إليه فعرفه من حينئذ. وقد تقدم هذا المعنى في (الأعراف).   

 

ويقال: إن السامري سمع كلام موسى -عليه السلام-، حيث عمل تمثالين من شمع أحدهما ثور، والآخر فرس، فألقاهما في النيل طلب قبر يوسف -عليه السلام- وكان في تابوت من حجر في النيل، فأتى به الثور على قرنه، فتكلم السامري بذلك الكلام الذي سمعه من موسى، وألقى القبضة في جوف العجل فخار.

 

وقرأ حمزة والكسائي والأعمش وخلف: بما لم تبصروا، بالتاء على الخطاب. والباقون بالياء على الخبر.

 

وقرأ أبي بن كعب وابن مسعود والحسن وقتادة: (فقبصت قبصة) بصاد غير معجمة. وروي عن الحسن ضم القاف من (قبصة) والصاد غير معجمة. والباقون {قَبَضْتُ قَبْضَةً} [طه:96] بالضاد المعجمة. والفرق بينهما أن القبض بجميع الكف، والقبص بأطراف الأصابع، ونحوهما الخضم والقضم، والقبضة بضم القاف القدر المقبوض،

 

القدر.

 

 والقبضة بضم القاف القدر المقبوض، ذكره المهدوي، ولم يذكر الجوهري (قبصة) بضم القاف، والصاد غير معجمة، وإنما ذكر (القبضة) بضم القاف والضاد المعجمة، وهو ما قبضت عليه من شيء، يقال: أعطاه قبضة من سويق أو تمر أي كفًّا منه، وربما جاء بالفتح. قال: والقبص بكسر القاف والصاد غير المعجمة: العدد الكثير من الناس، قال الكميت:

 

لكم مسجدا الله المزوران والحصى  

 

لكم قَبصه من بين أثرى وأقترى
 

لكم قِبصه.

لكم قبصه من بين أثرى وأقترى

 

 

 

فنبذتها أي طرحتها في العجل.

 

{وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} [طه:96] أي زينته، قاله الأخفش، وقال ابن زيد: حدثتني نفسي. والمعنى متقارب.

 

قوله تعالى: {قَالَ فَاذْهَبْ} [طه:97] أي قال له موسى: فاذهب، أي من بيننا {فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ} [طه:97] أي لا أمس ولا أمس طول الحياة. فنفاه موسى عن قومه، وأمر بني إسرائيل ألا يخالطوه، ولا يقربوه ولا يكلموه عقوبة له. قال الشاعر: 

 

تميم كرهط السامري وقوله
 

 

ألا لا يريد السامري مساسا
 

 

قال الحسن: جعل الله عقوبة السامري ألا يماس الناس ولا يماسوه عقوبة له ولمن كان منه إلى يوم القيامة، وكأن الله - عز وجل - شدد عليه المحنة، بأن جعله لا يماس أحدًا، ولا يمكن من أن يمسه أحد، وجعل ذلك عقوبة له في الدنيا. ويقال: ابتلي بالوسواس، وأصل الوسواس من ذلك الوقت. وقال قتادة:

 

والموسوس خشي أن يمسه أحد خشية أن ينجسه، ولا يمس أحدًا خشية من ذلك.

 

بقاياهم إلى اليوم يقولون ذلك - لا مساس -، وإن مس واحد من غيرهم أحدًا منهم حم كلاهما في الوقت. ويقال: إن موسى هم بقتل السامري، فقال الله تعالى له: لا تقتله فإنه سخي. ويقال لما قال له موسى: {فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ} [طه:97]، خاف فهرب، فجعل يهيم في البرية مع السباع والوحش، لا يجد أحدًا من الناس يمسه، حتى صار كالقائل لا مساس؛ لبعده عن الناس وبعد الناس عنه، كما قال الشاعر:

 

حمال رايات بها قناعسا

 

حتى تقول الأزد لا مساسا

 

مسألة: هذه الآية أصل في نفي أهل البدع والمعاصي وهجرانهم وألا يخالطوا، وقد فعل النبي- صلى الله عليه وسلم- ذلك بكعب بن مالك والثلاثة الذين خلفوا. ومن التجأ إلى الحرم وعليه قتل لا يقتل عند بعض الفقهاء، ولكن لا يعامل ولا يبايع ولا يشارى، وهو إرهاق إلى الخروج".

 

وهو إلجاء إلى الخروج.

 

 "ومن هذا القبيل التغريب في حد الزنا، وقد تقدم جميع هذا كله في موضعه، فلا معنى لإعادته  والحمد لله وحده. وقال هارون القارئ: ولغة العرب لا مساس بكسر السين وفتح الميم، وقد تكلم النحويون فيه، فقال سيبويه:  هو مبني على الكسر كما يقال: اضرب الرجل.

 

وقال أبو إسحاق: لا مساس نفي وكسرت السين؛ لأن الكسرة من علامة التأنيث، تقول: فعلت يا امرأة.

 

مثل حزامِ وقطامِ.

 

قال النحاس: وسمعت علي بن سليمان يقول: سمعت محمد بن يزيد..

 

المبرد.

 

 يقول: سمعت محمد بن يزيد يقول: إذا اعتل الشيء من ثلاث جهات وجب أن يبنى، وإذا اعتل من جهتين وجب ألا ينصرف؛ لأنه ليس بعد ترك الصرف إلا البناء، فمساس ودراك اعتل من ثلاث جهات: منها أنه معدول، ومنها أنه مؤنث، وأنه معرفة، فلما وجب البناء فيه وكانت الألف قبل السين ساكنة كسرت السين لالتقاء الساكنين، كما تقول اضرب الرجل. ورأيت أبا إسحاق يذهب إلى أن هذا القولِ خطأ.

 

يذهب إلى أن هذا القولَ.

 

يذهب إلى أن هذا القولَ خطأ، ورأيت أبا إسحاق يذهب إلى أن هذا القولَ خطأ، وألزم أبا العباس إذا سمى امرأة بفرعون يبينه.

 

يبنيه.

 

حمص فيها ثلاث علل، حمص فيها ثلاث علل العجمة والعلمية والتأنيث، ومع ذلك ما منعت من الصرف.

 

 وألزم أبا العباس إذا سمى امرأة بفرعون يبنيه، وهذا لا يقوله أحد. وقال الجوهري في الصحاح: وأما قول العرب لا مساس مثال قطام فإنما بني على الكسر؛ لأنه معدول عن المصدر وهو المس.

 

 وقرأ أبو حيوة: (لا مساس).

 

 {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَه} [طه:97] يعني يوم القيامة. والموعد مصدر، أي إن لك وعدًا لعذابك. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (تخلفه) بكسر اللام وله معنيان: أحدهما: ستأتيه ولن تجده مخلفا، كما تقول: أحمدته أي وجدته محمودًا.

 

 والثاني: على التهديد أي لا بد لك من أن تصير إليه. والباقون بفتح اللام، بمعنى: إن الله لن يخلفك إياه.

 

قوله تعالى: {وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا}[طه:97] أي دمت وأقمت عليه. عاكفًا أي ملازمًا. وأصله ظللت؛ قال:

 

خلا أن العتاق من المطايا

 

أحسن به فهن إليه شوس

 

أي أحسسن. وكذلك قرأ الأعمش بلامين على الأصل. وفي قراءة ابن مسعود: ظلت بكسر الظاء. يقال: ظللت أفعل كذا إذا فعلته نهارًا، وظلت وظلت، فمن قال: ظلتَ حذف اللام الأولى تخفيفًا، ومن قال: ظلتَ ألقى حركة اللام على الظاء.

 

لَنُحَرِّقَنَّهُ} [طه:97] قراءة العامة بضم النون وشد الراء من حرق يحرق. وقرأ الحسن وغيره بضم النون وسكون الحاء وتخفيف الراء من أحرقه يحرقه.

 

لنحرقنه.

 

وقرأ علي وابن عباس وأبو جعفر وابن محيصن وأشهب العقيلي:  لنحرُقَنَّه بفتح النون وضم الراء خفيفة، من حرقت الشيء أحرقه حرقًا: بردته وحككت بعضه ببعض، ومنه قولهم: حرق نابه يحرقه ويحرقه أي سحقه حتى سمع له صريف، فمعنى هذه القراءة: لنبردنه بالمبارد، ويقال للمبرد المحرق. والقراءتان الأوليان معناهما الحرق بالنار. وقد يمكن جمع ذلك فيه، قال السدي:  ذبح العجل فسال منه كما يسيل من العجل إذا ذبح، ثم برد عظامه بالمبرد وحرقه.

 

وفي ابن مسعود.

 

وفي حرف ابن مسعود :(لنذبحنه ثم لنحرقنه)،

 

وفي حرف ابن مسعود :لنذبحنه ثم لنحرقنه بالمبرد.

 

لا.

 

ثم برد عظامه بالمبرد وحرقه.

 

وفي حرف ابن مسعود :(لنذبحنه ثم لنحرقنه)، واللحم والدم إذا أحرقا صارا رمادًا، فيمكن تذريته في اليم، فأما الذهب فلا يصير رمادًا، وقيل: عرف موسى ما صير به الذهب رمادًا، وكان ذلك من آياته.

 

ومعنى {لَنَنسِفَنَّهُ} [طه:97] لنطيرنه. وقرأ أبو رجاء :(لننسفنه) بضم السين لغتان، والنسف نقض الشيء ليذهب به الريح وهو التذرية، والمنسف ما ينسف به الطعام، وهو شيء متصوب الصدر أعلاه مرتفع، والنسّافة ما يسقط منه، يقال: اعزل النسَّافة، وكل من الخالص.

 

وكل الخالص.

 

يقال: اعزل النسَّافة، وكل الخالص. ويقال: أتانا فلان كأن لحيته منسف، حكاه أبو نصر أحمد بن حاتم.

 

والمنسفة آلة يقلع بها البناء، ونسفت البناء نسفًا قلعته، ونسف البعير الكلأ ينسفه بالكسر إذا اقتلعه بأصله، وانتسفت الشيء: اقتلعته، عن أبي زيد,

 

قوله تعالى: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه:98] لا العجل، أي وسع كل شيء علمه، يفعل الفعل عن العلم، ونصب على التفسير.

 

يعني تمييز.

 

وقرأ مجاهد وقتادة: {وَسَّعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه:98]".