التعليق على تفسير سورة الكوثر من تفسير الجلالين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
فأشكر القائمين على تنظيم هذه الدروس العلمية في هذا الظرف المناسب لهذه الدروس وأحب أن اطمئن الإخوة في عموم أقطار الإسلام أن هذه المحنة وهذه النازلة وهذه الكارثة التي تمثلت في سب النبي –عليه الصلاة والسلام- والنيل منه أريد أن أطمئنهم أن هذا خير وليس بشر.
فإذا كان الكلام في عرضه –عليه الصلاة والسلام- جاء قول الله -جل وعلا- فيه في قصة الإفك: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [سورة النور:11] إذا كان الكلام في عرضه –عليه الصلاة والسلام- والكلام في العرض أشد في الكلام في الشخص في خلقه وفي خلقه وفي جميع ما يتعلق به الكلام في العرض أشد ومع ذلك يقول الله –جل وعلا- : {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} ومظاهر الخيرية في هذه القضية التي عايشناها ظاهرة جدًا، فبيوت المسلمين في غفلة تامة عن معرفة سيرته –عليه الصلاة والسلام- بل كثير من المسلمين لا أبالغ إذا قلت أنه لا يعرف عن النبي –عليه الصلاة والسلام- إلا مجرد الاسم فلا يعرفون عن سيرته أكثر مما درسوه في المراحل الأولى من التعليم شيء لا يفي بحقه ولا بجزء يسير من حقه –عليه الصلاة والسلام- فلا اهتمام بالسيرة ولا اهتمام بالشمائل ولا بالخصائص وبالمعجزات ولا بدلائل نبوته –عليه الصلاة والسلام- الذي هو أكرم خلق الله على الله، فمثل هذا الحدث هو شر بلا شك ولا نتمناه ولا نفرح به لكن إذا وقع تلقيناه بالرضى والتسليم بما قد الله -جل وعلا- ونجزم بأن النتائج حميدة والعاقبة للمتقين.
المسلمون في جميع أقطار الأرض هبوا لنصرة النبي –عليه الصلاة والسلام- فهذه القضية لامست أحاسيسهم ومشاعرهم وباشرت قلوبهم فهبوا لنصرته –عليه الصلاة والسلام- وبدأوا يقرؤون في سيرته –عليه الصلاة والسلام-، والقراءة وحدها لا تكفي بل لابد من تحقيق اتباعه –عليه الصلاة والسلام- وأن لا يعبد الله -جل وعلا- إلا بما شرعه على لسان نبيه –عليه الصلاة والسلام-.
فمن هذا المنطلق نطمئن المسلمين في جميع أقطار الأرض أن هذا خير والعاقبة للمتقين.
رأينا وسمعنا ما يثلج الصدور في الداخل وفي الخارج من المشاريع الجبارة التي اتخذها كثير من المسلمين لنصرته –عليه الصلاة والسلام- والدفاع عنه والذب عن شخصه عليه الصلاة والسلام- بقي علينا أن نفهم ونقرأ ونعنى بسيرته وسنته –عليه الصلاة والسلام- لنتمكن من اتباعه حق الاتباع فمجرد الدعاوى لا تكفي مجرد العواطف دون عمل لا تكفي بل لابد من العمل {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [سورة آل عمران:31] والذي يعصي النبي –عليه الصلاة والسلام- من الذكور أو من الإناث هذا في دعواه لحب النبي –عليه الصلاة والسلام- نظر.
تَـــعْــــصِـــي الْإِلَـهَ وَأَنْتَ تَزْعُـمُ حُبَّــهُ هَــــذَا لَــعَـــمْـــرِي فِــي الْـــقِــيَــاسِ شَــنِــيـعُ
لَـوْ كَـــانَ حُــــبَّــكَ صَـــادِقــــًا لَأَطَــــعْتَهُ إِنَّ الْمُــــحِــبَّ لِــمَـــنْ يُـــحِـبُّ مُـطِـــيعُ
بعد هذه المقدمة المختصرة عن هذا الموضوع جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- وفي صحيح مسلم من حديث عمر –رضي الله عنه- أن النبي –عليه الصلاة والسلام- كان مع أصحابه جاء في حديث عمر: بينما نحن جلوس عند النبي –صلى الله عليه وسلم- إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، فسأله عن الإيمان وعن الإسلام وعن الإحسان وفي النهاية قال النبي –عليه الصلاة والسلام- : «هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم».
فسأله عن الإيمان، فقال له: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، فذكر في تفسير الإيمان وفي تعريفه الأركان الستة التي منها الإيمان باليوم الآخر، فلا يصح إيمان عبد إذا لم يؤمن بالغيب لم يؤمن باليوم الآخر، فلابد من الإيمان باليوم الآخر ليصح الإيمان ببقية أركانه، من الأمور التي يجب الإيمان بها من أمور الآخرة ما جاء في الحوض، حوض النبي –عليه الصلاة والسلام- ، وهذا أعني الحوض أجمع على ثبوته واعتقاده جميع من يعتد بقوله من أهل الإسلام، أنكره بعض المعتزلة أو أنكره المعتزلة عمومًا لأنهم يقدمون العقول والأراء على ما جاء في النصوص لكن ثبوت الحوض قطعي بل هو متواتر على ما سيأتي ذكره في الأحاديث الثابتة فيه، وجاء أيضًا ذكره في القرآن إلا أنه ليس بصريح لكن الصراحة جاءت في الأحاديث القطعية التي تزيد رواتها من صحابة النبي –عليه الصلاة والسلام- عن الخمسين، في قول الله –جل وعلا- : {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} وتفسير السورة بكاملها يناسب الظرف الذي نعيشه فيه وإن كان الحظ الأوفر للحوض، ففي قوله –جل وعلا- : {إِنَّآ} بضمير الجمع، وضمير الجمع والمتكلم واحد وهو الواحد الأحد الفرد الصمد الله –جل وعلا- لكن العرب كما في صحيح البخاري في تفسير سورة {إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ} تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، هذا ذكره الإمام البخاري –رحمه الله تعالى- في تفسير سورة {إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ} ومثل ذلك قوله –جل وعلا- : {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، {أَعْطَيْنَاكَ} نعم أعطاه الله –جل وعلا- الكوثر قبل وقته، وبشره به والنبي –عليه الصلاة والسلام- بينما هو نائم أغفى إغفاءه ثم استيقظ متبسمًا –عليه الصلاة والسلام- فقال : «لقد أنزل علي الليلة سورة» فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} فالله –جل وعلا- أعطاه الكوثر لا يقال أن الكوثر لا حاجة إليه قبل يوم القيامة قبل قيام الساعة، قد يقول قائل: وقد قال المعتزلة أن الجنة والنار ليستا مخلوقتين الآن وإنما تخلقان عند الاحتياج إليهما بعد قيام الساعة.
ولا شك أن هذا ضلال مخالف للقطعي من نصوص الكتاب والسنة، ونقول مثل هذا في الحوض لا يتوقف وجوده وتبشير النبي –عليه الصلاة والسلام- به قبل الحاجة إليه لأن الحاجة إليه إنما تكون إذا قام الناس من قبورهم عطشى، المقصود أن التبشير به ووجوده لا يترتب على الحاجة إليه من الشرب منه.
الإمام ابن جرير الطبري –رحمه الله تعالى- في قوله –جل وعلا- : {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} يقول: اختلف أهل التأويل في معنى الكوثر، فقال بعضهم: هو نهر في الجنة أعطاه الله نبيه محمدًا –صلى الله عليه وسلم-. ثم ساق بأسانيده إلى من قال بذلك كابن عمر وابن عباس وعائشة وأنس بن مالك –رضي الله عنهم- ومجاهد وجمع من التابعين، وقال آخرون: عني بالكوثر الخير الكثير. وذكره بأسانيده عن ابن عباس أيضًا وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد، وقال عكرمة: الكوثر هو النبوة والخير الذي أعطاه الله إياه. وقال آخرون: هو حوض أعطيه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الجنة. وذكره بإسناده عن عطاء ثم رجح الطبري: أنه اسم النهر الذي أعطيه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الجنة وصفه الله بالكثرة (الكوثر مأخوذ من الكثرة) والكثرة لعظم قدره. ثم ساق بأسانيده إلى أنس بن مالك قال: لما عرج بنبي الله –صلى الله عليه وسلم- أو كما قال عُرض له نهرٌ حافتاه الياقوت المجوف أو قال المجوب، فضرب الملك الذي معه بيده فيه يعني في النهر فاستخرج مسكًا فقال محمد –عليه الصلاة والسلام- للملك الذي معه: «ما هذا؟» قال: هذا الكوثر الذي أعطاك الله.
وفي تفسير الإمام الحافظ بن كثير –رحمه الله تعالى- : قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: أغفى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إغفاءةً فرفع رأسه متبسمًا. إما قال لهم وإما قالوا له: لم ضحكت؟ فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إما يكون الرسول –عليه الصلاة والسلام ابتدرهم بالكلام أو سألوه عن سبب ذلك فقال –عليه الصلاة والسلام- : «إنه نزل علي آنفًا سورة» فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} حتى ختمها فقال: «أتدرون مالكوثر؟» قالوا: الله أعلم ورسوله أعلم، هذه عادتهم يسلمون ويكلون العلم إلى عالمه ولا يجتهدون بحضرته –عليه الصلاة والسلام- إلا إذا طلب منهم ذلك، قال: «هو نهر أعطانيه ربي -عز وجل- في الجنة عليه أو فيه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول يارب إنهم من أمتي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» وهذا كما هو ملاحظ من ثلاثيات المسند يعني من عوالي ما يرويه الإمام أحمد لأنه يرويه بواسطة ثلاثة من الرواة وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والنسائي من طريق علي بن مسهر ومحمد بن فضيل كلاهما عن المختار عن أنس ولفظ مسلم قال: بينا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بين أظهرنا في المسجد إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسمًا، قلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: «قد أنزلت علي آنفًا سورة» فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} ثم قال: «أتدرون مالكوثر؟» قالوا: الله أعلم ورسوله أعلم. قال: «فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه أو فيه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد نجوم السماء فيختلج العبد منهم فأقول يا ربي إنهم من أمتي فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»، ونهتم لما جاء في الخبر: «ما أحدثوا بعدك» لنعرف من يهنأ بالشرب من هذا الحوض على ما سيأتي –إن شاء الله تعالى- فإنك ما تدري ما أحدثوا بعدكَ أو ما أحدثَ بعدك هذا المختلج.
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة عن أنس بن مالك، قال: لما عرج بالنبي –صلى الله عليه وسلم- إلى السماء قال: «أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر» ثم قال ابن كثير: وقد تواتر هذا الحديث من طرق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث وكذلك أحاديث الحوض. يعني من الأحاديث المتواترة المقطوع بها أحاديث الحوض، وفي تفسير الرازي: ووجه التوفيق بين القولين (يعني ما جاء من أنه هو نهر وما جاء من تفسيره بالحوض) يقول: ووجه التوفيق بين القولين (يعني النهر أو الحوض) أن يقال لعل النهر يصب في الحوض أو لعل الأنهار إنما تسيل من ذلك الحوض فيكون ذلك الحوض كالمنبع لهذه الأنهار.
وفي تفسير القرطبي المسمى بالجامع لأحكام القرآن يقول –رحمه الله تعالى- : العرب تسمي كل شيء كثير في العدد والقدر والخطر كوثرا.
قال سفيان: قيل لعجوز رجع ابنها من السفر بم آب ابنك؟ قالت: بكوثر. أي بمال كثير والكوثر من الرجال السيد الكثير الخير، ثم قال: واختلف أهل التأويل في الكوثر الذي أعطيه النبي –صلى الله عليه وسلم- على ستة عشر قولاً، القول الأول/ أنه نهر في الجنة رواه البخاري عن أنس ورواه الترمذي أيضًا عنه وعن ابن عمر، الثاني/ أنه حوض النبي –عليه الصلاة والسلام- في الموقف قاله عطاء، والقول الثالث/ أنه النبوة والكتاب قاله عكرمة، والرابع/ أنه القرآن قاله الحسن، والخامس/ أنه الإسلام حكاه بعضهم، والسادس/ أنه تيسير القرآن {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [سورة القمر:17] فلا شك أن هذا التيسير نعمة من الله –جل وعلا- يمتن بها على عباده، السادس/ تيسير القرآن وتخفيف الشرائع قاله الحسين بن الفضل، السابع/ هو كثرة الأصحاب والأشياع قاله أبو بكر بن عياش، والقول الثامن/ أنه الإيثار قاله ابن كيسان، والقول التاسع/ أنه رفعة الذكر حكاه الماوردي، والقول العاشر/ أنه نور في قلب النبي –عليه الصلاة والسلام- فضّله على ما سواه، والحادي عشر/ أنه الشفاعة، والثاني عشر/ أنه معجزات الرب يعني معجزات النبي –عليه الصلاة والسلام- التي من ربه –جل وعلا وهذا القول حكاه الثعلبي، والثالث عشر/ قال هلال بن يساف هو لا إله إلا الله محمد رسول الله، والرابع عشر/ أنه الفقه في الدين، والخامس عشر/ أنه الصلوات الخمس، السادس عشر/ أنه العظيم من الأمر قال ابن إسحاق.
هذه أقوال ستة عشر ذكرت في تفسير الكوثر استعراضها على وجه السرعة لكن القرطبي يقول: أصح هذه الاقوال الأول والثاني. يعني أنه نهر في الجنة أو أنه حوض النبي –عليه الصلاة والسلام- لأنه هو الثابت عن النبي –عليه الصلاة والسلام-.
وسمع أنس بن مالك –رضي الله تعالى عنه- قومًا يتذاكرون الحوض فقال: ما كنت أرى أن أعيش حتى أرى أمثالكم يتمارون في الحوض، لقد تركت عجائز خلفي ما تصلي امرأة منهن إلا سألت الله أن يسقيها من حوضه –صلى الله عليه وسلم-.
يوجد من يتمارى في الحوض ويوجد من ينكر الحوض ويوجد من يسخر بمن روى هذا الحديث من الصحابة ففي سنن أبي داوود أن أبا برزة الأسلمي دخل على عبيد الله بن زياد فقال له التفت إلى من حوله فقال: إن محمديكم هذا الدحداح يعني نسبه إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- كأنه يزدريه ويتنقصه بهذه النسبة فقال أبو برزة –رضي الله تعالى عنه- : ما كنت أظن أن أزدرى وأنتقص بصحبة محمد –عليه الصلاة والسلام-. ولا شك أن هذا من الإحداث وهذا من التغيير الذي يكون سببًا للحرمان من الشرب من هذا الحوض –نسأل الله السلامة والعافية- ثم قال: حدثني عن الحوض. فحدثه بما سيأتي من الحديث –إن شاء الله تعالى- يقول سمع أنس بن مالك –رضي الله عنه- قوم يتذاكرون الحوض فقلت ما كنت أرى أن أعيش حتى أرى أمثالكم يتمارون في الحوض. يعني كل واحد منهم يأتي برأي يخترعه من عنده والأصل في هذه المسائل أنها مسائل تسليم لأنها مما لا يدرك بالرأي فلا بد من الرضا والتسليم والمقرر عند أهل العلم أن قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، ومن أراد أن يعرض الأمور على عقله مما صح به الخبر عن النبي –عليه الصلاة والسلام- لا شك أن عقله يقوده إلى الضلال، فالذي لا يقوده الكتاب والسنة لا شك أن مآله إلى الضلال، وما ذكر وما عرف عن كثير من المبتدعة لا شك أن سببه ترك الاعتصام بالكتاب والسنة والاعتماد على الآراء وأقوال الرجال، فحينما تذاكروا الحوض وصار كل واحد يأتي برأي من عنده لا يستند فيه إلى نص أنكر عليهم أنس –رضي الله تعالى عنه- فقال: ما كنت أرى أن أعيش حتى أرى أمثالكم.
قد يقول قائل: إن الحديث الذي صح عن النبي –عليه الصلاة والسلام- في السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ذكر النبي –عليه الصلاة والسلام- أول الحديث ثم دخل إلى بيته فبات الناس يدوكون يعني أخذوا يتوقعون فقال بعضهم: لعلهم الذي صحبوا النبي –عليه الصلاة والسلام- وقال بعضهم: لعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يدركوا الجاهلية، وقال بعضهم لعلهم لعلهم، فخرج النبي –عليه الصلاة والسلام- فأخبرهم عن هؤلاء السبعين أنهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، وما أنكر عليهم قولهم، ما أنكر عليهم اجتهادهم والتماسهم المراد بالسبيعين، لماذا؟ لأنهم لم يجزموا بهذا القول بل أتوا بحرف الترجي لعل كذا لعل كذا، فإذا كان الإنسان يبدي ما لديه من رأي بحرف الترجي لا يلام لكن إذا كانوا في مجلس لابد أن ينصرفوا.. لا ينصرفوا ولا يتفرقوا إلا عن بينة من أمرهم، لابد من الوصول إلى حقيقة قبل التفرق، ولذا جاء النبي –عليه الصلاة والسلام- وهم مجتمعون فأخبرهم بالمراد، وعلى هذا ما ورد من الوعيد في تفسير القرآن بالرأي أو تفسير الحديث بالرأي لا شك أن مثل هذا فيه سعة إذا قيل لعل المراد بالآية كذا، لعل المراد كذا لكن على أن لا يتفرق الجمع، وهذا الأمر ليس متروك لعامة الناس الذين لا يفهمون النصوص بل في مجتمعات طلاب العلم إذا أبدوا هذا التساؤل مصدرًا بحرف الترجي ووصلوا إلى الحقيقة قبل التفرق، وصلوا إلى القول الراجح بسؤال من هو أعلم منهم ممن يثقون بعلمه أو بالرجوع إلى المصادر الموثوقة، فإذا وصلوا إلى الحق فإن ذلك لا يضيرهم –ن شاء الله تعالى- استدلالاً بحديث السبعين الأف، هؤلاء تماروا في الحوض بعضهم يقول لعله كذا لعله كذا لعله كما قال المعتزلة عن الميزان أنه معنوي وليس بحقيقي أو مجازي وليس بحقيقي.
على كل حال مثل هذه الأمور الأصل فيها الحقيقة وما ضلت طوائف من المسلمين إلا بسبب هذه التآويل التي لا تستند إلى شرع، وتفاسير الباطنية من غلاة الصوفية والإسماعيلية والرافضة كلها من هذا النوع يحورون الأمور المحسوسة التي جاء ذكرها بالنصوص المشروعة إلى أمور معنوية لا حقيقة لها، وبهذا ضلوا ضلالاً مبينًا –نسأل الله السلامة والعافية-، وفي هذا يقول الشاعر:
يَا صَاحِـــبَ الْحَـوضِ مَــــنْ يُـــدَانِيـكَ وَأَنْتَ حَـقًـا حَـبِـــيـــبَ بَـــارِيكَ
وجميع ما قيل بعد ذلك في تفسيره، يقول القرطبي: وجميع ما قيل بعد ذلك في تفسيره من الأقوال الأخرى قد أعطيه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- زيادة على حوضه –عليه الصلاة والسلام-.
فالمرجح عند أهل التأويل أنه نهر في الجنة وبهذا جاء الخبر الصحيح أو أنه حوض النبي –عليه الصلاة والسلام- الذي يأتي الحديث عنه لاحقًا –إن شاء الله تعالى-.
في تفسير الآلوسي المعروف بروح المعاني: هل الحوض قبل الميزان والصراط أو بعده؟ بعض أهل العلم يرى أن الحوض قبل الميزان والصراط، ومنهم من يرى أنه بعدهما بعد الميزان والصراط يعني قريبًا من باب الجنة. إذا تجاوز الناس الميزان والصراط وقربوا من باب الجنة يوجد الحوض، فمن أهل العلم من يرى أن الحوض قبل الميزان والصراط ومنهم من يرى أنه بعدهما قريبًا من باب الجنة حيث يحبس أهل الجنة من أمة النبي –عليه الصلاة والسلام- ليتحاللوا من المظالم التي بينهم، وعلى هذا يكون الصراط في الأرض المبدلة {يَوْمَ تُبّدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} [سورة إبراهيم:48]، وهذا قاله القرطبي في تذكرته، ومن أهل العلم من يرى أن للنبي –عليه الصلاة والسلام- حوضين حوض قبل الصراط وحوض بعده، وكل منهما ويسمى كل منهما بهذا الاسم على ما حكاه القاضي زكريا يسمى كوثرًا، وصحح –رحمه الله- أنه بعد الصراط، وأن الكوثر في الجنة (يعني الكوثر في الجنة) وأنا ماءه ينصب فيه (يعني ينصب في الحوض) ولذا يسمى كوثرًا. هو كلامه يقول: قيل له حوضان كلام زكريا الأنصاري –رحمه الله- حوض قبل الصراط وحوض بعده ويسمى كل منهما كوثر وصحح –رحمه الله- ذلك وأن الكوثر في الجنة وأن ماءه ينصب فيه ولذا يسمى كوثرًا. هذا ما نقله الألوسي عن القاضي زكريا الأنصاري قال: وليس هو من خواصه –عليه الصلاة والسلام- كالنهر السابق بل يكون لسائر الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- يرده مؤمن أممهم. ففي حديث الترمذي: «إن لكل نبي حوضًا وأنهم يتباهون أيهم أكثر واردًا وإني أرجو أني أكون أكثرهم واردًا»، وهذا الترمذي قال عنه حديث حسن غريب. قال عن هذا الحديث والصواب أنه ضعيف لأنه مرسل.
يقول الألوسي في تفسيره: ورأيت في بعض الكتب أن الكوثر هو النهر الذي ذكره الله –جل وعلا- وهو الحوض. أن الكوثر هو النهر وهو الحوض يقول: وهو على ظهر ملك عظيم يكون مع النبي –صلى الله عليه وسلم- حيث يكون فيكون في المحشر إذ يكون -عليه الصلاة والسلام- فيه. يعني أينما يوجد النبي –عليه الصلاة والسلام- يتبعه هذا الملك الذي على ظهره هذا النهر ولا شك أن في هذا غرابة شديدة وفيه نكارة وإن كانت القدرة الإلهية صالحة لمثل هذا والله -سبحانه وتعالى- لا يعجزه شيء.
في التذكرة للقرطبي نذكر مثل هذه الأقوال وإن كان فيها ما فيها عند أهل العلم لكن لاستيعاب الأقوال، في التذكرة للقرطبي يقول: اختلف في الميزان والحوض أيهما قبل الآخر فقيل الميزان قبل وقيل الحوض، وقال أبو الحسن القابسي الصحيح أن الحوض قبل. قلتُ. القائل القرطبي: والمعنى يقتضيه يقتضي ذلك فإن الناس يخرجون عطاشاً من قبورهم فيقدم قبل الميزان والصراط –والله أعلم- .
إذا قاموا عطاشاً احتاجوا إلى الشرب لكن لقائل أن يقول: لماذا لا يكون بعد الصراط والميزان لأن لا يشرب منه إلا من يستحقه الذي يستحقه هو من يجاوز الميزان والصراط، قال ابن حمدان في عقيدته: يشرب منه المؤمنون قبل دخول الجنة وبعد جواز الصراط. وقال الحافظ ابن حجر: وظاهر الأحاديث أن الحوض بجانب الجنة ينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها فلو كان قبل الصراط لحالت النار بينه وبين الماء الذي يصب فيه الذي يصب من الكوثر فيه. يقول الحافظ ابن حجر –رحمه الله- وهو من أهل الإطلاع الواسع والاستقراء لما ورد في هذه المسألة وفي غيرها من المسائل في الأحاديث النبوية يقول: ظاهر الأحاديث أن الحوض بجانب الجنة ينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها فلو كان قبل الصراط لحالت النار بينه وبين الماء الذي يصب من الكوثر فيه. قال: وأما ما أورد عليه من أن جماعة يدفعون عن الحوض بعد أن يروه ويذهب بهم إلى النار. هذا إيراد قوي يقول: بجانب الجنة معنى هذا أنه إذا كان بجانب الجنة معناه أنهم تجاوزا الميزان والصراط وما بقي إلا دخول الجنة، قال: وأما ما أورد عليه من أن جماعة يدفعون عن الحوض بعد أن يروه ويذهب بهم إلى النار فجوابهم أنهم يقربون من الحوض بحيث يرونه ويرون الجنة فيدفعون في النار قبل أن يخلصوا من بقية الصراط.
يعني قبل أن يتجاوزا الصراط بل هم في أثناءه إذا قربوا من الحوض ورأوه دفعوا، ولا شك أن لفظ الورود يدل على القرب الشديد من الحوض ودفعهم قبل هذا القرب لا شك أنه أقل في النكاية من دفعهم إذا قربوا منه قربًا شديدًا بحيث كانوا على قرب منه فإذا دفعوا عنه وهم على حافته أو على مقربة منه يكون هذا أشد نكاية لهم، يقول: فجوابه أنهم يقربون من الحوض بحيث يرونه ويرون الجنة فيدفعون في النار قبل أن يخلصوا من بقية الصراط. قال السيوطي: وقد ورد تصريح في حديث صحيح عند الحاكم وغيره بأن الحوض بعد الصراط، فإن قيل إذا خلصوا من الموقف دخلوا الجنة فلم يحتاجوا إلى الشراب منه، انتهوا من الميزان وانتهوا من الصراط فما حاجتهم من الشرب وهم على أبواب الجنة على قربها، يقول: فالجواب بل يحتاجون إلى ذلك لأنهم محبوسون هناك لأجل المظالم فكان الشرب في موقف القصاص، ويحتمل الجمع بأن يقع الشرب من الحوض قبل الصراط لقوم ويقع تأخيره بعده لأخرين بحسب ما عليهم من الذنوب والأوزار حتى يهذبوا منها من الصراط ولعل هذا أقوى. قال الشيخ مرعي –رحمه الله – في بهجته قال: وهذا في غاية التحقيق جامع للقولين وهو دقيق. نعود إلى كلامه لنفهمه يقول السيوطي: وقد ورد التصريح في حديث صحيح عند الحاكم وغيره بأن الحوض بعد الصراط، فإن قيل إذا خلصوا من الموقف دخلوا الجنة فلم يحتاجوا إلى الشراب منه، فالجواب بل يحتاجون إلى ذلك لأنهم محبوسون هناك لأجل المظالم فكان الشرب في موقف القصاص..، ويحتمل الجمع بأن يقع الشرب من الحوض قبل الصراط لقوم وتأخيره بعده لأخرين بحسب ما عليهم من الذنوب والأوزار حتى يهذبوا منها على الصراط. يقول: ولعل هذا أقوى. وأيده الشيخ مرعي في بهجته وقال: أنه في غاية التحقيق جامع للقولين وهو دقيق. لكن إذا نظرنا في هذا القول وهو أن بعض الناس يشرب من الحوض قبل الصراط ومنهم من يشرب منه بعد مجاوزة الصراط فهل يكون موقعه قبل الصراط أو بعده؟ نعم؟ يعني حوضين؟ يعني حوض قبل وبعد؟ يعني الكلام هل هذا الحوض ممتد وسيأتي في مساحته ما يأتي من التحديد بالنصوص الثابتة عن النبي –عليه الصلاة والسلام- وأن الصراط أقصر منه بحيث يكون طرف الحوض قبل بداية الصراط طرفه الأول وطرفه الثاني بعد نهاية الصراط فيحتمل أن يشرب منه أناس قبل الصراط وأناس بعده هذا احتمال، وعلى هذا ينزل كلام السيوطي الذي أيده الشيخ مرعي لكن هذا حقيقة لا يهمنا كثيرًا، إنما يهمنا ما يجعلنا نشرب من هذا الحوض يعني كونه قبل الصراط أو بعده هذا حقيقة فائدته العملية المسلكية التي تعود إلينا ونستطيع تحقيقها، فائدته إلى النظرية أقرب لكن الذي يهمنا ويعنينا أن نحقق الاتباع وأن لا نحدث لأن الحدث كما سيأتي في الأحاديث ما أحدثوا بعدك وما تقدمت الإشارة إليه هو سبب الذود عن هذا الحوض.
أقول إذا عرفنا هذا ففي صحيح مسلم والترمذي من حديث أبي ذر الغفاري –رضي الله تعالى عنه- قال: قلت يا رسول الله ما آنية الحوض؟ قال: «والذي نفس محمد بيده» كثيرًا ما يقسم النبي –عليه الصلاة والسلام- بهذا والذي نفسي بيده وكثير من الشراح شراح الأحاديث يقولون والذي نفسي بيده يعني روحي في تصرفه ولا شك أن هذا فرار من إثبات اليد لله –جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته كما هو المحقق المقرر عند أهل السنة والجماعة، قال: «والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها» يقول: «آنية الجنة من شرب منها لا يظمأ آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة» يعني يسيل في هذا الحوض ميزابان من الجنة «من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله ما بين عمَّان إلى آيلة وماؤه أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل».
وفي الصحيحين عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «ما بين ناحيتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة» في الحديث الأول يقول: «ما بين عمَّان إلى أيلة» في حديث أبي ذر: «ما بين عمَّان إلى أيلة» وفي حديث أنس –رضي الله تعالى عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «ما بين ناحتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة» وفي رواية ما: «ما بين المدينة وعمَّان» وفي أخرى: قال: «يرى فيها أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء» وفي رواية أخرى: «أن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء اليمن» الآن أيلة وردت في هذه الرواية وهي في الصحيحين قال: «ما بين أيلة وصنعاء» وجاء أيضًا: قال: «ما بين صنعاء والمدينة» وجاء: قال: «ما بين عمَّان إلى أيلة» ولا شك أن هذه المسافة متفاوتة تفاوت كبيرًا، وهذه الأحاديث كلها صحيحة. وفي مسلم حديث جابر بن سمرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: قال: «ألا إني فرط لكم على الحوض» يعني متقدم أمامكم على الحوض قال: «وإن بعد طرفيه كما بين صنعاء وأيلة»، وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء من شرب منه لا يظمأ أبدًا».
هذه التحديدات لا شك أنها متفاوتة فما بين عمان إلى أيلة أقصر بكثير مما بين أيلة وصنعاء اليمن، وما بين صنعاء والمدينة أقصر.
فهذه التحديدات ظن بعضهم أن ما جاء فيها يعد اضطراب والاضطراب لا شك أنه يضعف الحديث فالحديث المضطرب من قسم الضعيف، والحديث المضطرب يعرفه أهل العلم بأنه الحديث الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية يعني لا بد أن يروى على أكثر من وجه، وأن تكون هذه الأوجه مختلفة، ولا شك أن هذا متحقق في هذا الحديث يروى على أوجه مختلفة لكن هل هذه الأحاديث متساوية ليحكم في الاضطراب؟ منها ما في الصحيحين ومنها ما تفرد به البخاري ومنها ما تفرد به مسلم، وعلى هذا إذا قلنا إن بعضها أرجح من بعض لننفي الاضطراب قلنا يقدم ما في الصحيحين هذا إذا تعذر الجمع أما إذا أمكن الجمع فلا يلجأ إلى مثل هذا التعليل للأحاديث الثابتة في الصحيح، والجمع ممكن، يقول القرطبي في التذكرة: ظن بعض الناس أن هذه التحديدات في أحاديث الحوض اضطراب وليس كذلك وإنما تحدث النبي –صلى الله عليه وسلم- بحديث الحوض مرات عديدة وذكر فيها تلك الألفاظ المختلفة مخاطبًا كل طائفة بما كانت تعرف من مسافات مواضعها، فيقول لأهل الشام مثلاً ما بين أذرح وجرباء ولأهل اليمن من صنعاء إلى المدينة وهكذا، وتارة أخرى يقدر بالزمان فيقول مسيرة شهر والمعنى المقصود أنه حوض كبير متسع الجوانب والزوايا.
إذا قدرنا هذا الحوض بالمسافات المختلفة المتفاوتة في هذه الأحاديث فيمكن الجمع بما قاله القرطبي بأنه خاطب كل أناس بما يفهمونه وليس المراد التقدير الدقيق، فيخاطب الشامي بما يناسبه مما يعرفه من البلدان، ويخاطب اليمني بما يعرفه من البلدان، يخاطب الحجازي بما يعرفه من البلدان وهكذا، وليس في هذا أدنى اضطراب وتارة يقدره بالزمان فيقول: «مسيرة شهر» والمعنى المقصود أنه حوض كبير متسع الجوانب والزوايا.
أيضًا يمكن أن يجاب على هذا الاختلاف في تحديد المسافة أن هذه المسافات تختلف من حيث الطول لكنها تتحد من حديث الزمان وقد تتحد في الزمان وتختلف في الطول، كيف؟ السير يختلف من شخص إلى آخر ومن وسيلة إلى أخرى، إذا قلنا بسير الأحمال الإبل المحملة هذا حملناه على أطول المسافات وإذا قلنا بسير الجواد المضمّر حملناه على أقل المسافات، ولا يمنع وهذا لم أقف عليه لأحد أن يكون النبي –عليه الصلاة والسلام- أخبر عن الحوض أولاً بأقل المسافات ثم بعد ذلك زيد فيه زيادة لشرفه –عليه الصلاة والسلام- إلى أن وصل إلى أكبر المسافات، فصارت مساحته أوسع مما كانت عليه وهذا يمكن أن يقال في مثل هذا الموضع للجمع والتوفيق بين هذه الأحاديث.
في الصحيحين أيضًا عن أنس –رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني» وهذا المهم في الموضوع «ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي اختلجوا دوني» يعني اقتطعوا دوني وذودوا وردوا عن الحوض، «فلأقولن أي ربي أصيحابي أصيحابي، فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» وفي رواية: «فأقول سحقًا سحقًا لمن بدل بعدي» فالإحداث والتبديل أمر خطيرن سبب للذود عن هذا الحوض الذي من شرب منه لم يظمأ أبدًا، وفي مسلم أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «ترد علي أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله» قالوا: يا نبي الله تعرفنا؟ قال: «نعم، لكم سيما ليست لأحد غيركم تردون علي غرّص محجلين من آثار الوضوء وليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون فأقول يا رب هؤلاء من أصحابي فيجيبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟» هذا في مسلم، وفي الرواية السابقة قال: «فلأقولن أي ربي أصيحابي أصيحابي، فليقالن لي» يعني من قبل الملك الذي جاء ذكره في رواية مسلم «وليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون فأقول يا رب هؤلاء من أصحابي فيجيبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟».
وفي سنن ابن ماجه عن ثوبان مولى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ذكر الحديث مطولاً وفيه: «وأول من يرد علي حوضي فقراء المهاجرين الدنس ثيابًا الشعث رؤوسًا» يقول «لا ينكحون المنعّمات ولا تفتح لهم أبواب السدد»، وهذا حديث خرجه ابن ماجه ورواه أيضًا الترمذي وقال حديث غريب، وهو قابل للتحسين بطرقه ولذا الألباني –رحمه الله- قواه.
على كل حال أول من يرد الحوض فقراء المهاجرين ومعروف ما جاء في الفقراء وأنهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء «بخمسة مائة عام» ، في بعض الروايات: «بمائة عام وفي بعضها: «بأربعين عامًا» وكلها صحيحة وهذا الاختلاف كسابقه ليس من الاختلاف الذي يلزم منه الاضطراب بل هذا التقدير يختلف باختلاف الأغنياء ويختلف باختلاف الفقراء، فأشد الناس فقراً يدخل قبل أغنى الناس «بخمسة مائة عام» ومن دونه في الفقر يدخل قبل من دون ذاك الغني «بمائة عام» ومن دونه في الفقر يدخل قبل ذلك الثاني من الأغنياء في المرتبة الثانية «بأربعين عامًا» وبمثل هذا يوفق بين النصوص التي يرد فيها مثل هذه التقادير، وبعض أهل العلم يسلك مسلك آخر في مثل هذه الأحاديث فيقول: أن العدد لا مفهوم له وإنما يذكر لمجرد بيان عظم الأمر.
في التذكرة للقرطبي قال: علماؤنا –رحمهم الله- كل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله ولم يأذن به فهو المطرود أو فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه. يقول: كل من ارتد عن دين الله. ونعرف أنه حصل بعد موته –عليه الصلاة والسلام- أنه ارتد من ارتد ممن دخل في الإسلام وصحب النبي –عليه الصلاة والسلام- لكن لا يعني هذا أن الأمر جرى على أكثر الصحابة أو على خيار الصحابة كما يزعم ضلال المبتدعة، لا شك أنه ارتد من ارتد ورجع وعاد إلى الإسلام بعد حروب الردة من رجع لكن يبقى أنه ارتد من ارتد وهؤلاء هم الذين يذادون، أما أصحابه –عليه الصلاة والسلام- الذين خالط الإيمان بشاشة قلوبهم وآمنوا به ظاهرًا وباطنًا وصدقوه وصحبوه صحبة بحيث آثروه على أنفسهم مثل هؤلاء لا يعرف ولا واحد ارتد منهم، وإنما ارتد بعض من لم يقر الإيمان في قلبه وإنما صدق بلسانه أو دخل الإيمان في قلبه ثم خرج منه والحي لا تؤمن عليه الفتنة،.
فعلى هذا يكون الإنسان على حذر شديد من الإحداث والابتداع في الدين لأن لا يذاد عن هذا الحوض، ويكون أيضًا على نظر إلى العاقبة وحسن الخاتمة وسؤال الله –جل وعلا- في كل لحظة أن يميته مسلمًا غير محدث ولا مبدل ولا زائغ عن هذا الدين.
يقول: كل من ارتد عن دين الله أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه، يقول: وأشدهم طردًا من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤلاء كلهم مبدلون وكذلك الظلمة المسرفون في الجَور وتطميس الحق وقتل أهله وإذلالهم والمعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي وجماعة أهل الزيغ والبدع والأهواء.
يقول القرطبي: هؤلاء هم الذين يذادون عن الحوض ولا شك أنهم داخلون في الإحداث، كلهم أحدثوا في الدين ما ليس منه وليحذر المسلم أن يتعبد لله –جل وعلا- بأي عبادة لم يكن عليها دليل نصٌ لم يسبق لها شرعية من كتاب الله وسنة نبيه –عليه الصلاة والسلام- لأن لا يذاد عن الحوض ومقتضى الإيمان بالنبي –عليه الصلاة والسلام- أن لا يعبد الله –جل وعلا- إلا بما شرع، فعلى الإنسان أن يقتفي الأثر ويكتفي بما جاء عن الله وعن رسوله.
وجاء عن ابن مسعود –رضي الله تعالى عنه- اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم. ولا شك أن الشيطان يزين للناس هذه البدع ويشرب حبها قلوبهم فعلى الإنسان أن يعتصم بالكتاب والسنة ولا يزيغ عنهما ولا يحرف ولا يبدل ليثبته الله –جل وعلا- في الحياة الدنيا وفي الآخرة، أما الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه وزعموا أن من المحدثات ومن هذه الضلالات ومن هذا التبديل الذي ارتكبوه وحسنه لهم الشيطان ودعاة البدعة لا شك أنهم على ضلال مبين.
رؤوس البدع بل من أهل العلم المعروفين مع الأسف من يقول إن من البدع ما يمدح ومنها المستحسن فيقسم البدع إلى بدعة محمودة وبدعة مذمومة، ولا مانع من أن نستطرد من الحديث في البدع لأن البدع هي الإحداث الذي جاء التنصيص عليه في حديث الذود عن الحوض، لنعرف من يهنأ بشُربة أو بشَربةٍ من هذا الحوض بحيث لا يظمأ بعدها أبدًا، أولاً الابتداع في اللغة ما عمل على غير مثال سابق، وفي اصطلاح أهل العلم ما تعبد به مما لم يسبق له شرعية من الكتاب أو من السنة، فمن تعبد بعبادة لم يسبق لها شرعية من كتاب الله –جل وعلا- وسنة نبيه –عليه الصلاة والسلام- فهو مبتدع، والنبي –عليه الصلاة والسلام- أخبر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، فليحرص المسلم كل الحرص على أن يكون من هذه الواحدة، من هذه الفرقة الناجية التي هي على ما كان عليه النبي –عليه الصلاة والسلام- وأصحابه –رضوان الله عليهم- أما من أحدثوا وغيروا وبدلوا وتنكبوا الطريق وعدلوا عن الجادة، وحادوا عن الصراط المستقيم فإن هؤلاء قد يفتنون في الدنيا ويفتنون عند الموت ويذادون عن الحوض –نسأل الله السلامة والعافية-.
أقول من أهل العلم من قسم البدع إلى بدع محمودة وبدع مذمومة، ومنهم من قال: هناك بدع واجبة وبدع مستحبة وبدع مباحة وبدع مكروهة وبدع محرمة، يعني تبعًا للأحكام الخمسة التكليفية، ويمثلون لهذه البدع.. الواجبة قالوا الرد على الملاحدة هذه بدعة واجبة لابد من الرد، وأيضًا نحن نقول: أن الرد على الملاحدة واجب فرض كفاية على الأمة وفرض عين لمن تعين عليه بحيث لا يقوم به أو لا يستطيع القيام به غيره، لكن هل هذا بدعة؟ هل هذا ليست له شرعية من الكتاب والسنة؟ نصوص الكتاب تدل عليه، نصوص السنة تدل عليه، القواعد العامة الشرعية االمقررة عند أهل العلم تدل عليه، لا يمكن الحفاظ على الدين والحفاظ على الدين واجب لا يمكن إلا بالذود بالرد على من يريد طمسه من المبتدعة من الملاحدة والزنادقة فالرد عليهم مما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فهو داخل تحت الأدلة العامة من نصوص الكتاب والسنة وقواعد الشريعة، ومثلوا للبدع المستحبة ببناء المدارس والأربطة، قالوا هذه بدع ما وجدت على عهد النبي –عليه الصلاة والسلام- لكنها مستحبة كيف يتعلم الناس في العراء في وقت البرد الشديد أو في وقت الحر الشديد، لا بد من أن نبني مدارس ونبني فصول وقاعات وما أشبه ذلك ليتمكن الطلاب والطالبات من تلقي العلم والارتياح إليه.
نقول نعم، هذه أمور مستحبة ومطلوبة لكن مع ذلك ليست ببدعة لأن طلب العلم الشرعي مستحب، وجاءت الأدلة المتكاثرة المتظاهرة في الكتاب والسنة على الحث عليه، ولا يتم تحصيله إلا بمثل هذه البنايات من المدارس والأربطة وغيرها، وعلى هذا ما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب فلا يمكن أن يقال إن مثل هذا من باب أو من حيز الابتداع، قالوا هناك بدع مباحة مثل التوسع في ألوان الطعام والشراب والمركوبات والملبوسات والمساكن وغيرها. قالوا هذه مباحات لكنها بدع لأنها لا توجد على عهد النبي –عليه الصلاة والسلام-. نقول هذه ليست ببدع لأن البدعة خاص فيما يتعبد به، أما ما يزاوله الناس في أمورهم الحياتية العادية التي لا يتعبدون بها فالأصل فيها الإباحة، والله –جل وعلا- خلق لنا ما في الأرض جميعًا فالأصل في مثل هذه الأمور الإباحة ولا يمكن أن يطلق عليها بدعة.
القول بأن هناك بدع واجبة وبدع مستحبة لا شك أنه مصادمة لقول النبي –عليه الصلاة والسلام- «وكل بدعة ضلالة» الرسول –عليه الصلاة السلام- يقول: كل البدع ضلالة، «كل بدعة ضلالة»، ونحن نقول بدع واجبة هذا محادة لرسول الله –عليه الصلاة والسلام- فلا يقال مثل هذا القول بل القول هذا ضعيف، وقد رده الشاطبي في الاعتصام وقوض دعائمه وقال: إنه قولٌ مخترع مبتدع لا يدل عليه دليل من الكتاب والسنة. فالتقسيم مبتدع داخل في قول النبي –عليه الصلاة والسلام- : «كل بدعة ضلالة» كيف يقول النبي –عليه الصلاة والسلام- : «كل بدعة ضلالة» ونحن نقول هناك بدع مستحبة وبدع محمودة وبدع واجبة؛ أبدًا لا يمكن أن يتصور مثل هذا مع قوله –عليه الصلاة والسلام- «كل بدعة ضلالة» يتشبثون أعني الذين يقسمون التقسيم بقول عمر –رضي الله تعالى عنه- في صلاة التراويح، النبي –عليه الصلاة والسلام- صلى صلاة التراويح بأصحابه ليلة فاجتمع إليه فئام من الناس ثم صلى بهم الثانية وهم أكثر من العدد السابق ثم اجتمعوا في الليلة الثالثة حتى غص بهم المسجد فلم يخرج إليهم خشية أن تفرض عليهم، وهذا من رأفته ورحمته –عليه الصلاة والسلام- بأمته، استمر الأمر على ذلك بقية عهده –عليه الصلاة والسلام- وجميع خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر –رضي الله تعالى عنه- ثم إن عمر –رضي الله تعالى عنه- لما أمن من فرضية صلاة التراويح بموته –عليه الصلاة والسلام- جمعهم على إمام واحد، ثم خرج في ليلة من الليالي وهم يصلون مجتمعين صافون متراصون كما تصف الملائكة، وهذا مما يحبه الله –جل وعلا- أعجبه هذا الوضع فقال: نعمت البدعة.
فإثبات كون صلاة التراويح بدعة ووصفها بأنها نعمة ونعم حرف مدح، إذاً هذه البدعة ممدوحة ومحمودة وهذا معول من يرى أن في البدع ما يحمد وأن فيها ما يمدح؛ لأن عمر قال: نعمت. ونعم حرف مدح بخلاف بئس الذي هو حرف ذم أو فعل على الخلاف فيهما هل هما فعلان أو حرفان؟ المقصود أنه يشعر بالمدح وهذا معول من يرى أن من البدع ما يمدح.
شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- يقول: هذه بدعة لغوية. البدعة في كلام عمر –رضي الله تعالى عنه- بدعة لغوية وليست شرعية فلا مستمسك فيها لقول من يقسم البدع. وأما الشاطبي ففي الاعتصام يرى أن هذه بدعة على سبيل المجاز لا على سبيل الحقيقة، يعني عند من يقول بالمجاز لا إشكال في أن يقول هذا الكلام مجاز لأنه استعمال للفظ في غير ما وضع له، لكن الذي لا يرى المجاز وهو المرجح عند أئمة التحقيق والذي نصره شيخ الإسلام وابن القيم وجمع غفير من أهل العلم الذي لا يقول بالمجاز كيف يقول مجاز؟
أولاً كلام شيخ الإسلام –رحمه الله- في أنها بدعة لغوية في تقديري أنه غير متجه لماذا؟ لأن البدعة لغة ما عمل على غير مثال سابق، وصلاة التراويح التي جمع عمر –رضي الله تعالى عنه- الناس عليها عملت على مثال سبق في عهد النبي –عليه الصلاة والسلام- صلى بهم الليلة الأولى والثانية ولم يخرج إليهم في الليلة الثالثة، فعملت على مثال سبق على هذه الكيفية يعني جماعة، فلا يقال إنها بدعة لغوية لأنها عملت على مثال سبق وليست بدعة شرعية قطعًا لأنها ثبتت من فعله –عليه الصلاة والسلام- فليست ببدعة وبعض الشرّاح ممن عاشوا في البيئات المتأثرة بالمبتدعة قال وأساء إلى أمير المؤمنين عمر –رضي الله تعالى عنه- قال: والبدعة قبيحة ولو كانت من عمر. رضي الله تعالى عن عمر وأرضاه، لكن هل كان عمر يرى أن هذه بدعة مصادمة لقول الرسول –عليه الصلاة والسلام- : «كل بدعة ضلالة»؟ مندرجة في قوله –عليه الصلاة والسلام- : «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»؟ لا يظن هذا بعمر وقد شهد له النبي –عليه الصلاة والسلام- بالجنة وأمرنا بالاقتداء به : «اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر» «عليكم بسنتي وسنة الخلاف الراشدين المهدين من بعدي».
ومع هذا يقال ما يقال لا شك أن هذه إساءة إلى عمر ومن زكى عمر، وإذا وجد من يسيء إليه –عليه الصلاة والسلام- من بعض الشراح الذين يتصدون لشرح سنته من حيث لا يشعرون قد تصدر الكلمة من غير روية، ففي حديث: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة» قال بعض الشراح: في هذا الحصر نظر هذا الشارح ينظر في كلام من؟ في كلام النبي –عليه الصلاة والسلام- الذي لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيُ يُوحَى} [سورة النجم:4] لا شك أن هذه إساءة بالغة فليحذر المسلم أن يكون.. أن يكلم بكلام غير موزون وغير.. بحيث لا يحسب له حساب؛ لأنه مآخذ بما ينطق به، أقول بعضهم أساء إلى عمر فقال مثل هذه المقالة.
شيخ الإسلام يرى أن البدعة في كلام عمر هي بدعة لغوية وقلنا إنها في الحقيقة أنها ليست ببدعة لغوية فضلاً عن أن تكون شرعية وليست بمجاز لأنه لا مجاز في النصوص، أو لا مجاز مطلقًا كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشنقيطي وجمع من أهل العلم.
إذا قلنا أنها ليست ببدعة لغوية ولا بدعة شرعية ولا مجاز إذاً كيف نتصرف في هذا اللفظ الذي يوحي بأن هذه البدعة محمودة وممدوحة؟
نقول: إن إطلاق البدعة على هذه على الصلاة التي سبقت شرعيتها من فعله –عليه الصلاة والسلام- من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير، يعني نبسط هذا الكلام لأن فيه من يلبس على الناس يقول عمر –رضي الله تعالى عنه- الخليفة الراشد الذي أمرنا بالاقتداء به والائتساء به في صحيح البخاري يقول عن صلاة التراويح بدعة ونعمت البدعة إذاً نحن نبتدع؟ مثل ما ابتدع عمر؟ نبتدع بدع محمودة وبذلك لا نذم ولا نلام.
نقول تذم وتلام هل أنت مثل عمر؟ وهل عمر أراد البدعة التي جاء ذمها من قبل النبي –عليه الصلاة والسلام- وقد زكى النبي –عليه الصلاة والسلام- عمر وشهد له بالجنة؟ شتان أنت من يزكيك؟ هل ثبتت تزيكتك بالنص؟ أبدًا هذا ليس لغير من زكاه النبي –عليه الصلاة والسلام- وهذا التعبير من عمر –رضي الله تعالى عنه- ليس ببدعة لغوية ولا مجاز وإنما هو من باب المشاكلة، المشاكلة والمجانسة في التعبير كأن قائلاً قال: ابتدعت يا عمر. لا سيما من لم يدرك الصلاة مع النبي –عليه الصلاة والسلام- ومنذ أن وُجد وهو يصلي بمفرده صلاة التراويح ثم عمر جمع الناس عليها بعد انقطاع الوحي، ولم يبلغه أن النبي –عليه الصلاة والسلام- جمَع يقول مثل هذا الكلام: ابتدعت يا عمر. ثم يقول عمر –رضي الله تعالى عنه- بعد ذلك : نعمت البدعة. فكأنه قيل له: ابتدعت يا عمر. فقال: نعمت البدعة. هذه مجانسة ومشاكلة بالتعبير ولها أمثلة {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [سورة الشورى:40] هذا في القرآن، السيئة الأولى جناية لا شك أنها سيئة، لكن معاقبة الجاني حسنة ليست بسيئة وأطلق عليها سيئة من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير، في لغة العرب جاء قولهم:
قَـــالُـوا اقْتِــــرِحْ شَــيْـئًا نُـــجِـــدْ لَـكَ طَــــبْــــخَـهُ قُـلْـــتُ اطْـبَخُـــوا لِـــي جُـبَّـةً وَقَمِـــيصــا
فالجبة والقميص إنما يخاطان ولا يطبخان، لكن لما قيل قال.. لما قيل له اقترح شيئًا نجد لك طبخه لأنهم توقعوا أنه جائع فتبين أنه لفحه البرد فيحتاج إلى تدفئه فبدلاً من أن يأكل قال اطبخوا لي جبة وقميصًا، وهل يتصور أنه يريد أن الجبة والقميص توضع في القدر ويوقد عليها النيران لتطبخ؟ أبدًا إنما مراده خيطوا لي جبة وقميصًا، وأطلق على الخياطة طبخًا من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير، نقول هذا الكلام لأن لا يتذرع بمثل هذا الكلام من يتلبس بالبدع ويبرر لتلبسه بها بمثل كلام عمر –رضي الله تعالى عنه وأرضاه-.
في عقيدة السفَّاريني المسماة الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية يقول –رحمه الله تعالى- في النظم:
كَـذَا الصَّـــرَاطُ ثُـمَّ حَــــوْضُ الْمُـصْــــطَـفَــــى فَــيَــــا هَـنَــا لِــمَـنْ بِــــهِ نَـــالَ الشِّـفَــاء
في الشرح الذي هو اسمه لوامع الأنوار كما في طبعته الثانية، أما في طبعته الأولى في طبعة المنار القديمة سموه لوائح الأنوار، في لوامع الأنوار والشرح لنفس الناظم قال: ثم اجزم بعد البعث والنشور وأخذ الصحف والمرور بثبوت حوض النبي –صلى الله عليه وسلم- فإنه حقٌ ثابت بإجماع أهل الحق. قال الله تعالى: {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}. يقول السيوطي في كتابه البدور السافرة: ورد ذكر الحوض من رواية بضع وخمسين صحابي، منهم الخلفاء الأربعة الراشدون وحفاظ الصحابة المكثرون –رضوان الله عليهم أجمعين- ثم ذكر الأحاديث عنهم واحدًا واحدًا، فالحوض ثابت بالأحاديث المتواترة، ومعلوم أن منكر القطعي عند أهل العلم يكفر –نسأل الله السلامة والعافية- لأن القطعي مفيد للعلم الضروري الذي يجد الإنسان نفسه مضطرًا إلى تصديقه، ثم يقول السفاراني في عقيدته:
عَــنْهُ يُــــذَادُ الْمُـفْــتَـرِي كَمَــا وَرَدْ وَمَـنْ نَـــحَــــى سُــــبُلَ السَّــلَامَــةِ لَــمْ يُــــرَدْ
عنه: أي حوض النبي –صلى الله عليه وسلم- وعن الشرب منه يذاد أي يطرد ويدفع المفتري، يذاد المفتري من الفرية وهي الكذب، يقال افترى افتراء إذا كذب {وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ} [سورة الصف:12] وفي الحديث: «مِنْ أفْرَى الفِرَا أَنْ يُرِيَ الرَّجُلُ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَيَا» يعني يكذب في الرؤيا، يقول السفاريني في شرحه: الحاصل من الذين يذادون من الحوض جنس المفترين على الله تعالى وعلى رسوله –صلى الله عليه وسلم- من المحدثين في الدين من الروافض والخوارج وسائر أصحاب أهل الأهواء المضلة، وكذلك المسرفون من الظلمة المفرطون في الظلم والجور وطمس الحق، كذلك المتهتكون في ارتكاب المناهي والمعلنون في اقتراف المعاصي.
فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: أغفى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إغفاءة ثم رفع رأسه متبسمًأ فقال: «إنه أنزلت عليَّ آنفًا سورة» فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} حتى ختمها. إلى آخر الحديث الذي أوردناه سابقًا، ثم قال: كما ورد ذلك في الأحاديث النبوية مما ذكرنا ومما لم نذكر.
يقول: وقد أخرج البخاري ومسلم حديث ابن مسعود –رضي الله تعالى عنه- بلفظ قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- «أنا فرطكم على الحوض وليرفعن إليَّ رجالاً منكم إذا هويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني فأقول أي ربي أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» المقصود أن السبب في الذود وعدم الشرب من هذا الحوض هو الإحداث في الدين، والإحداث في الدين كما يكون في الاعتقاد يكون في الأعمال، فمن ابتدع في الدين واخترع شيئًا أدخله وأدرجه في دين الله –جل وعلا- مما لا ليس منه، فلا شك أنه داخل في من يحدث فيذاد عن الحوض على ماتقدم.
ثم يقول السفاريني في شرح منظومته: ثم الطرد قد يكون في حال ويقربون بعد المغفرة إن كان التبديل في الأعمال ولم يكن في العقائد. قال: وقد يقال أن أهل الكبائر يردون ويشربون وإذا دخلوا النار لم يعذبوا بالعطش، لأن من شرب من هذا الحوض لم يظمأ بعده. هذا أبدًا. لم يظمأ بعد هذه الشربة أبدًا. كيف حال أهل الكبائر الذين لا يعدون من المبتدعة ولم يحدثوا؟ هؤلاء أهل الكبائر هم الذين يقول عنهم السفاريني: ثم الطرد قد يكون في حال ويقربون بعد المغفرة إن كان التبديل في الأعمال ولم يكن في العقائد. قال: وقد يقال أن أهل الكبائر يرِدون(لعله يرّدُّون) يقول: يرِدونَ ويشربون (لعل الظاهر من كلامه أنه قال: وقد يقال أن أهل الكبائر يردُّون ويشربون وإذا دخلوا النار (كيف؟ لا) وقد يقال أن أهل الكبائر يرِدُون ويشربون لماذا؟ لأنهم لم يحدثوا في الدين ولم يبتدعوا فيه، نعم. ويقال أن أهل الكبائر يردون ويشربون وإذا دخلوا النار بعد ذلك لم يعذبوا بالعطش؛ لأن من شرب لم يظمأ بعد ذلك أبدًا، فأهل البدع مطرودون عن حوض النبي –عليه الصلاة والسلام- ومردودون عن الشرب منه ومن نحى أي وأي شخص من هذه الأمة من ذكر أو أنثى، نحن أي قصد سُبُل بضم السين المهملة ككُتُب جمع سبيل وهو الطريق وما وضح منه وجمعه لأن الأصل أن الطريق واحد الصراط المستقيم واحد، فلماذا جمعه وقال: سُبُل السلامة؟ ولم يقل سبيل السلامة؟ هو نظير ما جاء في قول الله تعالى: {سُبُلَ السَّلَامِ} [سورة المائدة:16] فيجمع السبل وإن كان السبيل والطريق والصراط واحد قال: جمعه لأن الطريق الحق واحد باعتبار خصاله وشعبه المتوصل منها إليه {يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [سورة المائدة:16].
الأصل أن السبيل واحد وهو الطريق الحق وهو الصراط المستقيم، لكن هذا الطريق وهذا السبيل يوصل إليه -هذا الغاية- يوصل إليه وسائل متعددة، فهذا فباعتبار الوسائل يجمع فيقال: {يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} يعني هذه الوسائل الموصلة إلى الصراط والسبيل الصراط المستقيم السبيل الواحد وهو الحق.
السلامة يقول من الكلمات الجامعة لخيريْ الدنيا والآخرة. قال في القاموس: السلامةُ البراءة من العيوب يعني أن من نهج منهج الحق وسلك طريق السنة وسلم من كبائر الذنوب فإنه يرد على حوض النبي –صلى الله عليه وسلم- ويشرب منه ولم يرد عن الشرب منه ولم يطرد عن الورود عليه كما يفهم من الأحاديث التي تقدمت وبالله التوفيق.
المقصود أن الابتداع أمره خطير وشأنه عظيم فهو مشاركة لله –جل وعلا- في تشريعه، فالذين يبتدعون ويتبعهم هؤلاء المبتدعة على ضلالهم هؤلاء شركاء {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءَ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ} [سورة الشورى:21] فاختراع شيء في الدين وأمر الناس بالعمل المخترَع في الدين، وهذا المبتدع لا شك أنه شرك في التشريع، فليحرص المسلم ذكرًا كان أو أنثى على الاقتداء بالنبي –عليه الصلاة والسلام- وأن لا يعمل عملاً يتقرب به إلى الله –جل وعلا- إلا أن يكون لديه فيه دليل يتمسك به.
وقد جاء عن بعض السلف: إن استطعت أن لا تحك رأسك إلا بأثر فافعل. وفي هذا مبالغة في الاتباع وتنفير من الابتداع، اتبعوا كما يقول ابن مسعود –رضي الله تعالى عنه- : اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم. يعني الإنسان لو يعمل طول عمره في تحقيق ما خلق من أجله وهو العبودية لله –جل وعلا- مقتصرًا في ذلك على ما جاء عنه في كتابه –جل وعلا- وما صح عن سنة نبيه –عليه الصلاة والسلام- لما كفاه العمر لأنه ثبت عن النبي –عليه الصلاة والسلام- أحاديث كثيرة جدًا فعلى الإنسان أن يعمل بجميع ما بلغه عن النبي –عليه الصلاة والسلام- لأن العمل هو الثمرة المرجوة من العلم، فعلم بلا عمل كشجر بلا ثمر، وبالمقابل إذا جاء الأمر بالعلم.. بالعمل يأتي أيضًا التنفير والتحذير عن عملٍ لا علم معه، فلا شك أن العلم قبل القول والعمل، فيكون الإنسان على بصيرة من أمره فلا يقدم على عمل يتدين به ويتقرب به إلى الله –جل وعلا- إلا أن يسبق له شرعية من كتاب الله وسنة نبيه –عليه الصلاة والسلام- ليتحقق له ما وُعد من الشرب من هذا الحوض الذي لا يظمأ بعده أبدًا وليهنأ بشربة من حوضه –عليه الصلاة والسلام- ومن يده الشريفة.
في بقية السورة يقول الله –جل وعلا- : بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} هذه نعمة، هذا الكوثر نعمة بالنسبة له –عليه الصلاة والسلام- ولأمته ممن اقتدى به –عليه الصلاة والسلام- ولم يحد عن سنته –صلى الله عليه وسلم-، نعمة للنبي –عليه الصلاة والسلام- ولأمته من بعده {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} أمر بالصلاة، والصلاة شكر ولذا لما قيل له –عليه الصلاة والسلام- وقد قام حتى تفطرت قدماه عوتب –عليه الصلاة والسلام- ليخفف عن نفسه لأن الله –جل وعلا- قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. لما نوقش عن هذا الأمر قال –عليه السلاة والسلام- : «أفلا أكون عبدًا شكورًا» فدل على أن الصلاة شكر للمنعم على ما أعطاه وأسداه من هذه النعم الجليلة التي منها الحوض.
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ} هذا أمر من أهل العلم من يقول: أن المراد بالصلاة هذه صلاة العيد بدليل قوله: {وَانْحَرْ} فصل لربك صلاة العيد وانحر نسكك أو أضحيتك فهذا أمر بالصلاة التي هي صلاة العيد ونحر الهدي والأضاحي، وصلاة العيد لهذا الأمر أوجبها من أوجبها من أهل العلم كالحنفية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- لأنه ثبت الأمر بها في قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} وأيضًا النبي –عليه الصلاة والسلام- داوم على صلاة العيد ولم يذكر عنه أنه تركها، وداوم عليها خلفاؤه من بعده –رضوان الله عليهم- وأمر النساء بالخروج إليها في حديث أم عطية: أمرنا أن نخرج العواتق والحُيَّض وذوات الخدور إلى صلاة العيد.
فمثل هذه النصوص ترقى وتقوى على وجوب صلاة العيد وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وأما الأمر بقوله: {وَانْحَرْ} فالمراد به الأضحية والهدي، فمن الهدي ما يجب ومنه ما يستحب، وأما الأضحية فقد اختلف فيها أهل العلم والجمهور على أنها سنة وليست بواجبة، ومن أهل العلم من أوجبها لهذا الأمر. وهذا الأمر بالصلاة والأضحية هو في عيد الأضحى، وأما قوله -جل وعلا- : {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} هذا في عيد الفطر تزكى أي دفع زكاة الفطر، ثم صلى صلاة العيد، وتقديم الزكاة {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} ثم بعد ذلك صلى دليل على أن زكاة االفطر تؤدى قبل صلاة العيد، وبهذا جاءت النصوص الصحيحة عن النبي –عليه الصلاة والسلام- ثم بعد ذلك يصلي صلاة عيد الفطر وهنا: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} الصلاة قبل النحر وبهذا جاءت السنة.
{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} الشانئ هو المبغض يعني من يبغضك يا محمد ويشنؤك هو الأبتر هو الأقطع هو الناقص الممحوق البركة، فالشانئ هو المبغض كما في قوله –جل وعلا- {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَنْ لَا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِتَّقْوَى} [سورة المائدة:8] فالشانئ هو المبغض فالذي يبغض النبي –عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه هو الأبتر هو الناقص هو المقطوع هو الذاهب البركة لا بركة فيه ولا خير. نكتفي بهذا؟
نسأل الله –جل وعلا- أن ينصر دينه وأن يعلي كلمته وأن يرفع شأن المسلمين وأن ينهض بهم عن هذا الحضيض الذي وصلوه بحيث لم يصلوا إليه في عصر من العصور وذلك بسبب بعدهم عن دينهم والتزامهم به وتمسكهم به لأنه مما يؤسف له أنه يوجد في مواطن العبادة مخالفات كثيرة، وهذه لا شك أنها فيها فيها نوع محادة لأنه إذا اجتمع الأمر والحظر في وقت واحد، الإنسان مأمور بالصلاة لكنه في هذا الصلاة يرتكب محرم لا شك أن هذه محادة لذلك الأمر، وهو يطوف أيضًا يرتكب محرم هذه محادة لهذا الأمر، يوجد من يطوف ويركتب محرمات يوجد من يتعرض مثلاً للنساء ويوجد من النساء من هي متبرجة وهي في هذا المكان الذي هو أقدس البقاع، فلا شك أن مثل هذا محادة لهذه العبادة فيخشى من أثار مثل هذه التصرفات في هذه الأماكن، هذه الأماكن الشريفة يجب تعظيمها، وتعظيمها من تقوى القلوب {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب}، فلا بد من تعظيم هذه الأماكن وصيانتها عن هذه المخالفات، تجد امرأة متبرجة متطيبة متعطرة، والمرأة إذا خرجت من بيتها متعطرة لعلنتها الملائكة –نسأل الله السلامة والعافية- وأيضًا جاء في النساء اللواتي يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى جاء الأمر بلعنهن: فالعنوهن فإنهن ملعونات، فلا بد من التستر عند الخروج وجاء مدح نساء الأنصار لما نزل الحجاب خرجن كالغربان لا يرى منهن شيء، فعلى المرأة أن تهتم بهذا الأمر والمجتمع مجتمع نساء الذي نتحدث فيه فعليهن أن يهتممن بذلك وأن يبذلن الخير لغيرهن فمن رأت من غيرها من النساء متبرجة تبذل لها النصيحة وتقول لها أن هؤلاء النسوة اللاتي يتسترن في الدنيا لا شك أنهن في الآخرة أفضل وأكرم على الله –جل وعلا- من الحور العين فبذل النصيحة واجب وإنكار المنكر واجب وعلى الإنسان أن يهتم لنفسه وأن يعتني بها ويسعى إلى خلاصه، ولا يكون إمعة من الناس الناس لبسوا فنلبس الناس ركبوا فـ... ليس بصحيح؛ على الإنسان أن يسعى لخلاص نفسه، مما يسأل عنه كثيرًا في مثل هذا المجال وفي مثل هذه المناسبة بالنسبة لعورة المرأة عند المرأة، وجد في المناسبات مع الأسف في المناسبات التي في الأعياد وفي الأفراح وفي الأعراس وفي غيرها تجاوز كبير من النسوة في هذا الباب، وعورة المرأة عند المرأة كعورتها عند محارمها، فالذي تبديه وتظهره لأبيها أو لأخيها و لوالد زوجها أو لولد زوجها أو لعمها أو لخالها تبديه للنسوة في هذه المواقع، فتبدي لهن ما يخرج غالبًا ولا تبدي لها شيئًا مما لا يخرج هل تبدي المرأة صدرها وظهرها وأعلى السيقان مثلاً هل تبديه لأخيها؟ لا يمكن ولا يجوز أن تبديه لأخيها لأنه مثار فتنة، وما دام لا يجوز إبداءه للأخ فلا يجوز إبداؤه للنساء لأن النساء عطفن على المحارم في آيتي النور والأحزاب، فلا يجوز للمرأة أن تظهر من العورة أكثر من ذلك، علمًا بأن الظرف الذي نعيشه نظرًا لوجود هذه الوسائل وسائل الاتصال ووسائل النقل ووسائل التصوير يعني حدث بسبب ذلك عظائم الأمور تأتي المرأة مع يعني على غرة منها وعلى غير قصد سيء تأتي متبرجة وقد كشفت عن شيء من محاسنها ثم تصور، ثم بعد ذلك يدبلج عليها أشياء ثم تساوم بها، وقد تعرض في مجالات عامة كالإنترنت وغيرها أو في رسائل الجوال أو ما أشبه ذلك ثم تساوم بهذه الصورة، فعلى النساء أن يتقين الله –جل وعلا- وأن يلتزمن بما أوجب الله بهن، والله أعلم وصلى الله وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"الأصل في مثل هذه الأمور الإباحة إلا ما ورد في الشرع منعه، فصبغ الشعر بالسواد لا يجوز؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «جنبوه السواد» وصبغها بما يشبه البشرة صبغ الشعر بما يشبه البشرة، بحيث يقول من يرى هذه المرأة أنها نامصة أيضًا لا يجوز، أما صبغها بالأصباغ الأخرى إذا سلم وتجرد عن التشبه بالكفار فلا أرى مانعًا منه –إن شاء الله تعالى-.
بالنسبة لهذه الأمور التي جاء فيها أنهم يدخلون الجنة بغير حساب، وجاء في الكي ما يدل على أنه مفضول ولا يدل على أنه محرم يعني في قوله: «ولا يكتوون» هذي مرتبة عليا كون الإنسان يدخل الجنة بغير حساب مرتبة عليا ولا يعني أن من اكتوى يعذب أو لا يرد الحوض، النبي –عليه الصلاة والسلام- كوى وكون هذا الشخص لا يسترقي لايطلب من يرقيه ولا يتطير ولا يكتوي لا شك أن هذه درجة كمال بحيث يستحق دخول الجنة بغير حساب، وهذا إذا حقق جميع الأوامر واجتنب النواهي، وبالنسبة لمن فعل بعض هذه الأمور ثم بلغه الخبر فأقلع عنها فالمرجو أنه يدخل في هذا الوعد، وفي الصحيح عن عمران بن حصين أنه كان يسلم عليه في مرضه تسلم عليه الملائكة بكلام يسمع ويرد عليهم السلام فاكتوى –رضي الله تعالى عنه- فانقطع التسليم، ثم ندم على ذلك فعاد التسليم، فدل على أن من أقلع وندم وعزم على أن لا يعود أنه يرجى له أن يدخل في حديث السبعين –إن شاء الله تعالى-.
الأعمال الصالحة هي جميع ما جاء عنه –عليه الصلاة والسلام- وأمر به سواء كان من فعله فيقتدى به، أو كان من قوله فيمتثل أمره وأيضًا ينظر إلى ما نهى عنه وحذر منه يجتنب وهنا تتحق التقوى التي هي خير الزاد الموصل إلى دار القرار {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [سورة البقرة:197] والتقوى امتثال المأمورات واجتناب المحظورات؛ هذه هي حقيقة التقوى، فمن امتثل ما أمر به واجتنب ما نهي عنه فهو المتقي، ومن أجل التقوى شرعت العبادات، الله –جل وعلا- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنَ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة:183] فالثمرة العظمى من الصيام ليست تعذيب النفس بالجوع والعطش، إنما تحصيل التقوى. ويقول الله بالنسبة للحج: {وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [سورة البقرة:203] فهذه البعادات إنما تفعل ابتغاء مرضاة الله –جل وعلا- وتقواه. والتقوى هي وصية الله تعالى للأولين والآخرين من سائر الأمم، فعلى الإنسان أن يتقي الله –جل وعلا- بفعل جميع ما أمر به والكف والانتهاء عن جميع ما نهي عنه وبهذا يصل؛ لأن التقوى هي الزاد الموصل إلى دار القرار مرورًا بهذا الحوض الذي من شرب منه لم يظمأ أبدًا، أما بالنسبة لمن يترك الواجبات ويرتكب ما حرم الله عليه فإن هذا على خطر لأنه لم يحقق الهدف الذي من أجله خُلق {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات:56] فالذي يعصي الله –جل وعلا- ولا يأتمر بما أمره به هذا ما حقق الهدف بل لا بد من تحقيق ما خُلق من أجله، وهو تحقيق العبودية.
أولاً إرضاء الزوج فيما لا معصية فيه وما يطلبه بالمعروف واجب، لكن إذا طلب أمرًا محرمًا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلا يجوز لها أن تطيعه في النمص وقد جاء منعه والتحذير منه. وقد ثبت اللعن –نسأل الله السلامة والعافية- ومثل هذا لا يجوز أن يطاع فيه الزوج وهي معرضة نفسها لغضب الله وسخطه بهذه المعصية، فلا يجوز لها أن تطيعه. وعلى كل حال إذا ارتكبت مثل هذا فهي معصية من المعاصي وهي تحت المشيئة إن شاء الله عذبها وإن شاء عفى عنها، وعلى كل حال على المسلم والمسلمة أن يجتنب ويحذر ما نهي عنه، وبهذا تتحقق المتابعة للنبي –عليه الصلاة والسلا- وبها يهنأ بالشربة من هذا الحوض المبارك.
أولاً البدع متفاوته فمنها البدع المغلظة ومنها البدع المخففة منها البدع الكبرى المخرجة من الملة ومنها البدع الصغرى التي لا تصل إلى حد التفسيق فضلاً أن تكون.. على كل حال هذه البدع يجمعها أنها ضلالة لكنها متفاوتة كسائر المعاصي، إلا أن شأنها ما يتعلق بالاعتقاد أشد مما يتعلق بالأعمال كما مر بنا في كلام السفاريني وغيره.
إذا كانت هذه البدعة مكفرة مخرجة عن الملة فهذا لا إشكال في كونه لا يشرب من هذا الحوض المبارك، وإذا كانت البدعة مفسقة بمعنى أنها بدعة مخالفة ظاهرة لنص صحيح صريح متعلقة بالاعتقاد فهذا يخشى عليه من أن لا يشرب من الحوض النبوي، وإن كانت غير مكفرة، أما البدع التي يرتكبها بعض الناس جهلاً ولم يبلغهم عن حكمها شيء فهؤلاء قد يعذرون بالجهل، أما إذا عرفوا أن هذه البدع مخالفة لهدي النبي –عليه الصلاة والسلام- وأنها محرمة فيخشى عليهم أن يلحقوا بالقسم السابق، فليست البدع على حدٍ سواء وليس المبتدعة من حيث بلوغ الحجة وعدم بلوغها على حد سواء.
الذبح إذا كان المقصود به التقرب لوجه الله –جل وعلا- سواء كان في نسك في هدي في أضحية في عقيقة في وليمة عرس امتثالاً لقوله –عليه الصلاة والسلام- : «أولم ولو بشاة» هذا كله يثاب عليه، إكرامًا لضيفه «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» إذا امتثل بمثل هذا يثاب عليه، لا شك أن إكرام الضيف جاء الأمر به والحث عليه «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» إذا ذبح لله –جل وعلا- ونسك نسيكة يوزعها على الفقراء والمحتاجين لا شك أنه يثاب عليها، فالنحر أعم من أن يكون أضحية أو هدي أو عقيقة، وإن كان هذه ما ورد فيها النصوص صراحة لكن يلحق بها ما يتقرب به إلى الله –جل وعلا- خالصًا لوجهه ممتثلاً فيه ما جاء عنه –عليه الصلاة والسلام- فالذي يذبح لضيفه امتثالاً لقوله –عليه الصلاة والسلام- : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» لا شك أن هذا مثاب عليها داخل في الأمر بالنحر، أيضًا قوله عليه الصلاة والسلام لعبد الرحمن بن عوف: «أولم ولو بشاة» من أولم بشاة فذبح شاة وقدمها لضيوفه في عرسه فإنه يثاب امتثالاً لهذا الأمر.
لا شك أن هذه الخصومة إذا تضمنت مظلمة من أحدهما للآخر أو من كل واحد منهما لصاحبه بحيث تزيد مظلمة أحدهما على الآخر، أما إذا تساوت المظلمتان وتم اقتصاص كل واحد منهما للآخر فهذه تمحو هذه لكن يبقى إذا زادات المظلمة من قبل أحدهما على الآخر فلا بد من أنه يقتص منه لصاحبه، ولا شك أن عدم السماح لمن أتى معتذرًا نادمًا لاشك أنه حرمان للطرفين، حرمان لهذا الشخص الذي لم يقبل العذر وما يدري ما عند الله -جل وعلا- من ثواب له ومحو عن سيئاته بسبب هذا التجاوز فالله –جل وعلا- خير من تجاوز وعفى، فمن عفى عفي عنه وأن تعفو أقرب للتقوى فإن عفى عفى الله عنه وإذا أصر إلا أن يخاصم صاحبه في يوم العرض على الله –جل وعلا- لا شك أنه محروم حرم نفسه وحرم أخاه، ولا شك أن هذه معصية من المعاصي قد يؤاخذ بها وإن كانت من حقوق العباد وهي أشد من حقوق الله –جل وعلا- ؛ لأنها مبنية على المشاحة وقد يرضي الله –جل وعلا- خصمه، فيقوم هذا الرضا بمقابل هذه الخصومة وهذه المظلمة ويتجاوز الله –جل وعلا- عن الظالم، وإن كانت حقوق العباد مبنية على المشاحة.
جاء في الخبر ما يدل على أن الحوض في أركانه الأربعة الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فمن أبغض أبا بكر لن يشرب من قبل أبي بكر ولن يشرب من قبل عمر ولن يشرب من قبل عثمان ولن يشرب من قبل علي؛ لأن ما بينهم من التواد والاتفاق والتطابق فيما يعبر عنه بوجهات النظر يعني همهم واحد ودينهم واحد وقدوتهم واحد ولا يمكن أن يأتي من يسب أبا بكر ويكون أثيرًا عند عمر ألبتة، ولا يمكن أن يكون أثيرًا عند عثمان ولا علي، فهؤلاء الخلفاء الأربعة هم الذين ورد ما ورد من الخبر في أنهم على زوايا الحوض يذودون الناس الذين يحيدون عن الجادة فلا يمكنونهم من الشرب، وأما غيرهم فلم يرد فيه شيء.
الجواب عن هذا السؤال مر في كلامنا وأن شيخ الإسلام قال إنها بدعة لغوية، والشاطبي قال مجاز، والذي قررناه أن هذا من باب المشاكلة والمشاكلة كما تحصل في صريح الكلام كما أوردنا من الآية والبيت هذا صريح في مشاكلة اللفظ، لكن هناك من المشاكلة ما يرد في تقدير الكلام وهذا نص عليه علماء البلاغة، يكون الكلام مقدر كأن قائلاً قال: ابتدعت يا عمر. أو خشي عمر –رضي الله عنه- أن يقال ابتدعت فقال: نعمت البدعة. وأسلوب المشاكلة معروف في أسلوب لغة العرب وجاءت به النصوص حتى حمل عليه بعض نصوص الصفات كالمكر والخديعة والاستهزاء فإن الله لا يمل حتى تملوا قال بعضهم: هذا من باب المشاكلة ولا يمكن أن يضاف الملل وينسب إلى الله –جل وعلا- فالقول بالمشاكلة معروف ومطروق عند أهل العلم.
أولاً المولد لم يحدث في القرون المفضلة، وكونه أمرا عاديا فهذا ليس بصحيح لأن من يقيمه يرجو به ثواب الله –جل وعلا- ويتعبد به، ولم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة ما فعله النبي –عليه الصلاة والسلام- ولا فعله خيار الأمة من صحابته الكرام الذين هم أحرص الناس على اتباعه، وما وجد إلا بعد القرون المفضلة وجد في عهد الفاطميين وأما قبل ذلك فلم يوجد، فعلى كل حال هو بدعة وأما ما قيل من تكفير الناس هذا لم يقل به أحد، المولد بدعة لكن ليست بدعة مكفرة اللهم إلا إذا صاحبها غلو بالنبي –عليه الصلاة والسلام- يرفعه عن مرتبة العبودية والرسالة إلى مرتبة الربوبية والألوهية كما حصل من بعض من تصدى لمدحه –عليه الصلاة والسلام-، النبي –عليه الصلاة والسلام- أعلم الخلق وأكمل الخلق وأشرف الخلق وأخشى الخلق وأكرمهم على الله وأعلمهم وأتقاهم وأكرمهم وأشجعهم هذا لا ينازع فيه أحد لكن لا يجوز أن يصرف له شيء من حقوق الرب –جل وعلا- فهو يقول فيما صح عنه: «إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو» وقال: «لا ترطوني كما أطرت النصارى ابن مريم» والقائل ممن ينتسب إليه ويزعم أنه يتقرب بمدحه إلى الله –جل وعلا- يقول:
يَـــــــــــــــــــا أَكْــــــــــــرَمَ الْخـَـــــــــلْــــــــق مَـــــالِــــي مَــــــنْ أَلُوذِ بِهِ سِــــــــــــــــــــوَاكَ عِــــــــــــنـْــــــــــــدَ حُــــــلُـــــــــولِ الْحَـــــــادِثِ الْعَـــــــمَمِ
إذا كان لا يوجد من يلوذ به أين الله؟ فهذا غلو يرفع النبي –عليه الصلاة والسلام- من مرتبته التي وضعه الله فيها بين العبودية والرسالة إلى مقام الربوبية يقول:
فَــــــإِنَّ مِـــــــنْ جُـــــــوـدِكَ الـــــــــدُّنْـــــــــــيَــــا وَضَــــــــرَتَــــــهَـــــــــا وَمِــــــنْ عُـــلُـــــومِـــــــــــــــكَ عِــــــلْــــــــمَ اللَّـــــــــــــوْحِ وَالْقَــــــــــــــــلَــــــــــــــمِ
ماذا أبقى لله –جل وعلا-؟ إذا كانت الدنيا والآخرة من جود النبي –عليه الصلاة والسلام- فماذا أبقى لله –جل وعلا-؟ ومرتبة النبي –عليه الصلاة والسلام- معروفة ومحفوظة في النفوس وهو أحب إلى المسلم.. يجب أن يكون أحب للمسلم من نفسه، وجاء في الحديث: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» وهذا في الصحيحين «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» وفي البخاري من حديث عمر: لأنت أحب النس إليًّ إلا من نفسي. فقال: «بل ومن نفسك يا عمر» قال: بل أنت أحب الناس إلي من نفسي. قال: «الآن يا عمر» هذا شيء المحبة والمودة والتعظيم والاحترام والإجلال وإنزاله منزلته التي أنزله الله بها وجاء في أوصافه أنه الأعلم الأخشع الأتقى لله –جل وعلا- هذا لا يعني أننا نصرف إليه شيء من حقوق الرب –جل وعلا- فالرب له حقوقه والرسول –عليه الصلاة والسلام- له حقوقه ولا شك أن من المسلمين بل كثير من المسلمين بل ممن يقيم هذه الموالد ويدعي حب الرسول –عليه الصلاة والسلام- فيه محبته للنبي –عليه الصلاة والسلام- خلل وتقصير شديد لأن مجرد الدعوى الكلام دعوى تحتاج إلى برهان ما البرهان على صدق هذه الدعوى؟ الاتباع، فإذا ابتدعنا في الدين ما صدقنا في دعوانا، فلا بد أن نتبع ولا نبتدع.
أما أعياد الميلاد المعتبرة عند الكفار فلا شك أن هذه مشابهة لهم وأمر كما قرر أهل العلم خطير لأنه مشابهتهم لهم في الظاهر تدعو إلى مشابهتهم في الباطن، أما كون الإنسان يضع يومًا يحدده في السنة يعود ويتكرر عليه لأنه ولد فيه هو وهذا أيضًا فيه مشابهة وليس من عمل المسلمين، واتخاذ يوم يعود ويتكرر لا شك أنه عيد وقد نفى النبي –عليه الصلاة والسلام- أن يوجد عيد للمسلمين إلا الأضحى والفطر فقط، وأما كونه يذاد بسبب كونه اتخذ عيدًا لميلاده أو لميلاد أبيه أو أمه فهذه مسألة تحتاج إلى نظر بحسب ما يحتف بهذا العيد وما يزاول فيه من منكرات وهو في أصله ممنوع.