تعليق على تفسير سورة البقرة (48)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

"بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى-:

قوله تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ} [سورة البقرة:129] يقول تعالى إخبارًا عن تمام دعوة إبراهيم لأهل الحرم أن يبعث الله فيهم رسولاً منهم أي من ذرية إبراهيم، وقد وافقت هذه الدعوة المستجابة قدَر الله السابق في تعيين محمد -صلوات الله وسلامه عليه- رسولاً في الأميين إليهم إلى سائر.."

وإلى.. إليهم وإلى سائر الأعجمين..

"وإلى سائر الأعجمين من الإنس.."

الأعجمين أم الأعجميين؟ ما الفرق بين أعجمين وأعجميين؟

طالب: ........

لا لا، أعجميين جمع أعجمي، وهو الذي ليس من العرب وهو ينطق لكن بغير العربية، والأعجمين جمع أعجم الذي لا ينطق أصلاً كالعجماوات.

"وإلى سائر الأعجميين من الإنس والجن، كما قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا معاوية بن صالح عن سعيد بن سويد الكلبي عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إني عند الله لخاتم النبيين، وإن آدم لمجندل في طينته، وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك، دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يرين» وكذا رواه.."

«دعوة أبي إبراهيم» المذكورة في هذه الآية، «وبشارة عيسى» {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [سورة الصف:6] ورؤيا والدته أمه أنه يخرج منها نور يضيء له قصور الشام.

"وكذا رواه ابن وهب والليث وكاتبه عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح، وتابعه أبو بكر بن أبي مريم عن سعيد بن سويد به.

 وقال الإمام أحمد أيضًا: حدثنا أبو النضر قال: حدثنا الفرج قال: حدثنا لقمان بن عامر: سمعت أبا أمامة قال: قلت: يا رسول الله، ما كان أول بدء أمرك؟ قال: «دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى بي، ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام»، والمراد أن أوّل من نوه بذكره وشهره في الناس إبراهيم -عليه السلام-، ولم يزل ذكره في الناس مذكورًا مشهورًا سائرًا حتى أفصح باسمه خاتم أنبياء بني إسرائيل نسبًا، وهو عيسى ابن مريم -عليهما السلام-، حيث قام في بني إسرائيل.."

لماذا قال نسبًا؟

طالب: ........

نسبًا.

طالب: ........

المقصود أنه يقول: خاتم بني إسرائيل نسبًا، خاتم أنبياء بني إسرائيل، الخاتم محمد -عليه الصلاة والسلام- للعرب وبني إسرائيل وغيرهم، لكن خاتمهم منهم عيسى -عليه السلام-، وخاتم الأنبياء حتى بني إسرائيل خاتمهم محمد -عليه الصلاة والسلام-.

"حتى أفصح باسمه خاتم أنبياء بني إسرائيل نسبًا، وهو عيسى ابن مريم -عليه السلام- حيث قام في بني إسرائيل خطيبًا وقال: {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [سورة الصف:6]، ولهذا قال في الحديث: «دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ابن مريم»، وقوله «ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام» قيل: كان منامًا رأته حين حملت به، وقصته على قومها، فشاع فيهم واشتهر بينهم، وكان ذلك توطئة، وتخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلى استقرار دينه وثبوته ببلاد الشام، ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلاً للإسلام وأهله، وبها ينزل عيسى ابن مريم إذا نزل بدمشق بالمنارة الشرقية البيضاء منها، ولهذا جاء في الصحيحين: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك»، وفي صحيح البخاري «وهم بالشام»."

والذي ينظر إلى واقع الشام في أيامنا هذه قد يقع في نفسه شيء من هذه الأحاديث، وهذه الأخبار والأحاديث صحيحة، ولا إشكال فيها، ونؤمن بها، وما يحصل الآن لعله لتصفية الغثاء الموجود والخبَث الذي كثر في بلاد الشام، فإذا صفُّوا ونقوا عاد إليها عزها ومجدها وما وُعدت به، والأحاديث في فضائل الشام كثيرة.

"قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ} [سورة البقرة:129] يعني أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فقيل له: قد استجيبت."

استجيب لك، قد استجيب لك.

طالب: ........

يعني قد استجبت دعوتك.. مكتوب كذا؟

طالب: استجيبت لك..

الدعوة ما يمنع قد استجيبت لك ما دعوت به، كله واحد.

"فقيل له: قد استجيبت لك، وهو كائن في آخر الزمان، وكذا قال السدي وقتادة.

 وقوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ} [سورة البقرة:129] يعني القرآن، والحكمة يعني السنة، قاله الحسن وقتادة ومقاتل بن حيان وأبو مالك وغيرهم، وقيل: الفهم في الدين، ولا منافاة {وَيُزَكِّيهِمْ} [سورة البقرة:129] قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يعني طاعة الله والإخلاص. وقال محمد بن إسحاق: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [سورة البقرة:129] قال: يعلمهم الخير فيفعلوه، والشر فيتَّقوه، ويخبرهم برضاه عنهم إذا أطاعوه، وليستكثروا من طاعته، ويجتنبوا ما سخط من معصيته.

 وقوله: {إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ} [سورة البقرة:129] أي العزيز الذي لا يعجزه شيء، وهو قادر على كل شيء، الحكيم في أفعاله وأقواله، فيضع الأشياء في محالِّها؛ لعلمه وحكمته وعدله.

 قوله تعالى: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [سورة البقرة:130-132] يقول تبارك وتعالى ردًّا على الكفار فيما ابتدعوه وأحدثوه من الشرك بالله المخالف لملة إبراهيم الخليل إمام الحنفاء، فإنه جرّد توحيد ربه تبارك وتعالى، فلم يدعُ معه غيره، ولا أشرك به طرفة عين، وتبرأ من كل معبود سواه، وخالف في ذلك سائر قومه حتى تبرَّأ من أبيه فقال: {يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [سورة الأنعام:78-79]، وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِي} [سورة الزخرف:26-27]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} [سورة التوبة:114]."

دعاه مرارًا فلم يستجب فقال -عليه السلام-: لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك، فلما نُهي كف، فلما رأى أنه عدو لله تبرأ منه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قام على قبر عبد الله بن أُبَيّ، فنازعه عمر في ذلك قال: قد نُهيتَ عن ذلك يا رسول الله؛ لأنه منافق، لكن كفره غير ظاهر، يصلي مع الناس، ويكثِّر سوادهم، ويقول الكلام الذي يخرج به من الملة، لكن المنافقون في الظاهر مع الناس، مع المسلمين، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما نهي {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ} [سورة التوبة:84] ونُهي عن الاستغفار وقال: لأستغفرن له ولو.. لما قيل له: {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [سورة التوبة:80] قال: لو استغفرت أكثر من ذلك «لو أعلم أني لو استغفرت أكثر من ذلك لاستغفرت» مكافأة له على صنيعه مع العباس -رضي الله عنه وأرضاه-، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يحفظ المعروف ويكافئ عليه، والله المستعان.

"وقال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [سورة النحل:120-122]، ولهذا وأمثاله قال تعالى: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ} [سورة البقرة:130] أي عن طريقته ومنهجه فيخالفها ويرغب عنها {إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} [سورة البقرة:130] أي ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحق إلى الضلال، حيث خالف طريق من اصطفى في الدنيا للهداية والرشاد من حداثة سنه إلى أن اتخذه الله خليلاً، وهو في الآخرة من الصالحين السعداء، فترك طريقه هذا ومسلكه وملته، واتبع طرق الضلالة والغِي.."

الغَي.

"واتبع طرق الضلالة والغَي، فأي سفه أعظم من هذا؟ أم أي ظلم أكبر من هذا؟ كما قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [سورة لقمان:13] وقال أبو العالية وقتادة: نزلت هذه الآية في اليهود أحدثوا طريقًا ليست من عند الله، وخالفوا ملة إبراهيم فيما أحدثوه، ويشهد لصحة هذا القول قول الله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران:67-68]، وقوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة البقرة:131] أي أمره الله تعالى بالإخلاص له والاستسلام والانقياد فأجاب إلى ذلك شرعا وقدَرًا، وقوله: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} [سورة البقرة:132] أي وصى بهذه الملة وهي الإسلام لله أو يعود الضمير على الكلمة وهي قوله: {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة البقرة:131] لحرصهم عليها ومحبتهم لها حافظوا عليها إلى حين الوفاة ووصفوا أبناءهم بها من بعدهم كقوله تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [سورة الزخرف:28].

 وقد قرأ بعض السلف: {ويعقوبَ} بالنصب عطفًا على بنيه كأن إبراهيم وصى بنيه وابن ابنه يعقوب بن إسحاق، وكان حاضرًا ذلك، وقد ادعى القشيري فيما حكاه القرطبي عنه أن يعقوب إنما ولد بعد وفاة إبراهيم، ويحتاج مثل هذا إلى دليل صحيح، والظاهر -والله أعلم- أن إسحاق ولد له يعقوب في حياة الخليل وسارة؛ لأن البشارة وقعت بهما في قوله: {وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ} [سورة هود:71].

 وقد قرئ بنصب يعقوب هاهنا على نزع الخافض، فلو لم يوجَد يعقوب في حياتهما لما كان لذكره من بين ذرية إسحاق كبير فائدة، وأيضًا فقد قال الله تعالى في سورة العنكبوت: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [سورة العنكبوت:27] الآية، وقال في الآية الأخرى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [سورة الأنبياء:72] وهذا يقتضي أنه وجد في حياته، وأيضًا فإنه باني بيت المقدس كما نطقت بذلك الكتب المتقدمة، وثبت في الصحيحين من حديث أبي ذر قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع أول؟ قال: «المسجد الحرام»، قلت: ثم أي؟ قال: «بيت المقدس»، قلت: كم بينهما؟ قال: «أربعون سنة» الحديث، فزعم ابن حبان أن بين سليمان- الذي اعتقد أنه باني بيت المقدس، وإنما كان جدَّده بعد خرابه وزخرفه- وبين إبراهيم أربعين سنة، وهذا مما أُنكِر على ابن حبان، فإن المدة بينهما تزيد على ألوف سنين، والله أعلم، وأيضًا فإن ذكر.."

اليهود متمسكون بهيكل سليمان، وجادُّون في إعادته باعتبار أنه هو باني بيت المقدس، ولكن الباني في الحقيقة يعقوب، وسليمان إنما جدَّده بعدما خُرِّب من قِبَل بختنصر وغيره.

"وأيضًا فإن ذكر وصية يعقوب لبنيه سيأتي ذكرها قريبًا، وهذا يدل على أنه هاهنا من جملة الموصَّيْن، وقوله: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [سورة البقرة:132] أي أحسنوا في حال الحياة، والزموا هذا؛ ليرزقكم الله الوفاة عليه، فإن المرء يموت غالبًا على ما كان عليه."

لأن من شب على شيء شاب عليه، من شب على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء مات عليه.

"فإن المرء يموت غالبًا على ما كان عليه، ويبعث على ما مات عليه، وقد أجرى الله الكريم عادته بأن من قصد الخير وُفِّق له ويُسِّر عليه، ومن نوى صالحًا ثبت عليه، وهذا لا يعارض ما جاء في الحديث الصحيح: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها»؛ لأنه قد جاء في بعض روايات هذا الحديث «فيعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس»."

وهذا قيد، وأن الذي يصلح في آخر الوقت أو ينحرف في آخر الوقت عمله على غير ظاهره إنما هو فيما يبدو للناس أنه يعمل الصالحات فيما يبدو للناس، وفي حقيقة الأمر وقرارة نفسه أنه من أجل الناس، لا من أجل الله، ولم يعمله مخلصًا لله، وقل مثل هذا في العكس، وهذا القيد فيما يقرره الحافظ ابن كثير وفي كثير من المواضع وغيره أنه قيد معتبَر لتقرير الفواتح عنوان الخواتم، ومن أهل العلم وعليه عمل السلف أن هذا القيد لا يلتفت إليه؛ لأنك إذا التفت إلى هذا القيد وأنت تعمل الصالحات ما خفت من سوء العاقبة، وكانت طريقتهم وديدنهم الخوف من سوء العاقبة والدعاء بحسن الخاتمة، وإلا من يقول من الناس منهم من يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، إذا قيل: فيما يبدو للناس أمن، من أعمل القيد وطريقة السلف والوجل من سوء العاقبة، فكأنهم أهملوا هذا القيد، ولا يمنع أنه قيد معمول به، لكنه من أجل الخوف من الله -جل وعلا- وعدم الأمن من مكروه كأنه غير موجود.

طالب: ........

كيف؟

طالب: ........

لا، لا تؤذن، المسجد أذن وانتهى.

طالب: ........

فيما يبدو للناس وهو مخلص لله -جل وعلا-، وهو يعمل ذلك إما خائفًا وإما شبهه، لا لا.

طالب: ........

واضح مثله.

طالب: ........

كيف؟

طالب: ........

إذا أخلص في آخر لحظة.

طالب: ........

فيما يبدو للناس عمل أهل الجنة وإلا ففي الأصل ما هو عمل أهل الجنة.

طالب: ........

الموت هو البوابة إليه.

"ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس، وقد قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [سورة الليل:5-10]."

قال: «اعملوا وكل ميسر لما خلق له» اعملوا وكل ميسر لما خلق له؛ لأن الصحابة اسشتكلوا؛ لأن هذه أمور مقضية، مفروغ منها في اللوح، مفروغ منها، قالوا: فيمَ العمل؟ إذا صارت أموري أنا مقضي علي أنني في اللوح المحفوظ من أهل النار، لماذا أشتغل لماذا أعمل؟ أو في الجنة مثلاً، كيف أعمل وأنا مفروغ مني؟ قال: «اعملوا فكل ميسَّر لما خلق له»؛ لأن الإنسان أُعطي حرية في الاختيار، وأعطي قدرة على العمل، ما مُنع من العمل الذي يريده، لكن التيسير لما خُلق له، والاحتجاج بالقدر في مثل هذه الأحوال هذا ليس في محله؛ لأنه لو أن شخصًا جلس والناس يصلون قال: إني مكتوب علي أني ما أصلي، لكن هل منعك من القيام إلى مكان الوضوء والوضوء والذهاب إلى المسجد والصلاة مع الناس؟ هل منعك من ذلك؟ هل جربت يومًا وعجزت؟ فيه أحد جرَّب وعجز؟ لكن يُسِّر له عمل أهل النار، وجلس، والثاني يُسِّر له عمل أهل الجنة، فلما سمع الصلاة قام وتجهز للصلاة، وصلى مع الناس.

"قوله تعالى: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ  تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة البقرة:133-134] يقول تعالى محتجًّا على المشركين من العرب أبناء إسماعيل، وعلى الكفار من بني إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليهم السلام- بأن يعقوب لما حضرته الوفاة وصى بنيه بعبادة الله وحده لا شريك له فقال لهم: {مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ} [سورة البقرة:133]، وهذا من باب التغليب؛ لأن إسماعيل عمه. قال النحاس: والعرب.."

وعم الرجل صنو أبيه مثل أبيه.

"قال النحاس: والعرب تسمي العم أبًا، نقله القرطبي، وقد استدل بهذه الآية من جعل الجد أبًا وحجب به الإخوة كما هو قول.."

نعم.. ماذا؟

طالب: ........

ما الطبعة التي معك؟ ارفعها.. السلامة.. وعلق عليها يقول: زيادة؟

طالب: ........

موجودة في غيرها من النسخ؟ قال القرطبي..

طالب: ........

موجود في الحاشية؟

طالب: ........

عندك يا شيخ؟

طالب: ........

موجود في الحاشية لا في الأصل.

طالب: ........

اقرأ يا شيخ، سنرى..

"وقد استدل بهذه الآية من جعل الجد أبًا، وحجب به الإخوة، كما هو قول الصديق -رضي الله عنه- حكاه البخاري عنه من طريق ابن عباس وابن الزبير، ثم قال البخاري: ولم يَختلِف عليه، وإليه ذهبت عائشة أم المؤمنين.."

ولم يُختلَف عليه.

"ولم يُختلَف عليه، وإليه ذهبت عائشة أم المؤمنين، وبه يقول الحسن البصري وطاوس وعطاء، وهو مذهب أبي حنيفة وغير واحد من علماء السلف والخلف."

يعني كون الجد أبًا يحجب الإخوة قال به هؤلاء، وقال به من الأئمة أبو حنيفة، ومن الصحابة من سمعتم، والقول الثاني، وهو قول الأئمة الثلاثة وصاحبي أبي حنيفة أنه يقاسمهم، ولا يحجبهم.

"وقال مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه: إنه يقاسم الإخوة، وحكى مالك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود.."

لا، وحُكيَ ذلك، وحُكِيَ ذلك..

طالب: ........

غلط.. غلط.. وحُكِيَ ذلك..

طالب: ........

لا لا، ما فيه مالك، ماذا حكى؟ طيب ماذا حكى مالك؟ ما فيه شيء.

طالب: ........

الأب، في المقاسمة؟ فيه أحوال ما درست الفرائض؟ الجد مع الإخوة.

"وحُكي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وجماعة من السلف والخلف، واختاره صاحبا أبي حنيفة القاضي أبو يوسف ومحمد بن الحسن، ولتقريرها موضع آخر."

طالب: ........

يحجب؛ لأنه أب.

"وقوله: {إِلَهاً وَاحِداً} [سورة البقرة:133] أي نوحِّده بالألوهية، ولا نشرك به شيئًا غيره، {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [سورة البقرة:133] أي مطيعون خاضعون، كما قال تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [سورة آل عمران:83] والإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة، وإن تنوَّعت شرائعهم، واختلفت مناهجهم، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [سورة الأنبياء:25]، والآيات في هذا كثيرة والأحاديث؛ فمنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: «نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد».

 وقوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} [سورة البقرة:134] أي مضت {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ} [سورة البقرة:134] أي إن السلف الماضين من آبائكم من الأنبياء والصالحين لا ينفعكم انتسابكم إليهم إذا لم تفعلوا خيرًا يعود نفعه عليكم، فإن لهم أعمالهم التي عملوها، ولكم أعمالكم، ولا تسألون عما كانوا يعملون، وقال أبو العالية والربيع وقتادة.."

طالب: ........

أولاد عَلاَّت الذين هم الإخوة من الأم، الدين واحد، والشرائع مختلفة.

طالب: ........

ما أعرفها بالكسر أولاد عَلاَّت.

طالب: ........

ماذا؟ الإخوة لأم أبوهم واحد.. الإخوة لأب أمهاتهم مختلفة، الإخوة لأب أبوهم واحد وأمهاتهم مختلفة.

"وقال أبو العالية والربيع وقتادة: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} [سورة البقرة:134] يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وقد جاء في الأثر.."

ولهذا جاء في الأثر أو وقد؟ ماذا عندك؟

طالب: ........

ولهذا جاء في الأثر: "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".

طالب: ........

المهم أنه كله واحد؛ لأنه مجزوم به.

طالب: ........

عندنا ولهذا.

"ولهذا جاء في الأثر من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه."

نعم قف على هذا...

أستغفر الله أستغفر الله...