شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (159)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم (شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح)، مع بداية حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، ونشكر له تفضله بشرح أحاديث هذا الكتاب، فأهلًا ومرحبًا بكم يا شيخ.

حيَّاكم الله، بارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: كنا قد توقفنا في الحلقة الماضية في حديث أبي مسعود الأنصاري عند التخفيف في قوله: «فليخفف» قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فليخفف؛ فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة» وأشرتم إلى شيء من أقوال أهل العلم في معنى التخفيف، إن كان تبقى شيء يا شيخ في هذا الموضوع.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله ونبيه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، انتهى الكلام على التحليل اللفظي وما يتعلق به، بقي شيء من الفوائد المستنبطة منها الحديث؛ فيقول النووي في شرح مسلم: فيه جواز التأخر عن صلاة الجماعة إذا علم من عادة الإمام التطويل الكثير، إذا علم من حال الإمام التطويل الكثير.

المقدم: جواز.

يقول جواز هكذا، أقول: ينبغي أن يقصر هذا على أهل الأعذار، الذين لا يطيقون مثل هذا التطويل، ولا يقال هذا على إطلاقه، لأهل الأعذار المذكورين في الحديث (الضعيف والمريض) الذين لا يطيقون التطويل، ومثلهم صاحب الحاجة الذي تفوت حاجته، إذ لولاهم لما أمر بالتخفيف، أقول مثل الآن عندنا التطويل داعٍ إلى التأخر، ماذا؟ إني لأتأخر، مما يطول أنا أقول: التطويل ما دام داعيًا إلى التأخر، فماذا عن التخفيف الزائد؟

المقدم: أليس داعٍ عن عدم المجيء أصلًا؟

أنا أقول التخفيف الزائد، بعض الأئمة لا يُمكِّن المأموم من ركن وهو قراءة الفاتحة.

المقدم: نعم.

إذا دخل مع هذا الإمام لا يعرف حاله ولم يتمكن من قراءة الفاتحة نقول: حكمه حكم المسبوق، صلاة صحيحة، لكن ينبغي أن يبحث عن غيره.

المقدم: نعم.

هذا المطول الذي لا تطيق الصلاة معه؛ لأنه يطول تبحث عن غيره ما تترك الجماعة من أجله، وإذا ناقش تقول: أنا الآن لا أحتمل تطويلك، هذا مقبول بالحديث.

المقدم: لكن الذي لا يقيم الأركان.

لكن مثل الذي يجعل عموم المصلين في حكم المسبوق في كل ركعة نقول أيضًا هذا يبحث.

المقدم: عن غيره.

عن غيره؛ لأن الإنسان لا يرضى أن يكون مسبوقًا في جميع صلواته، فلا الذي يطول ويحمل الناس على التأخر إلى الصلاة، ولا الذي يخفف وينقر الصلاة، بحيث لا يمكِّن المأمومين من أداء صلاتهم على الوجه المطلوب، أقول: ينبغي أن يُقصْر هذا  الحكم الذي استنبطه النووي على أهل الأعذار المذكورين بالحديث؛ الضعيف والمريض اللذين لا يطيقان التطويل، وذو الحاجة الذي تفوت حاجته، إذ لولاهم لما أمر بالتخفيف، ..العلة، وعلى ألا يكون ذلك الدين ديدنًا للمسلم يتذرع بأدنى عذرٍ، يبرئه من المسئولية، لا يتذرع المسلم بأدنى عذر، بعض الناس تقول له: لمَ لا تأتي الجماعة؟ يقول: والله الفرشة ما هي نظيفة، هذا عذر؟!

المقدم: نعم.

نعم، أو التكييف غير مناسب هذا ليس بعذر، هذه فريضة، وهذه شعيرة من شعائر الإسلام لا بُدَّ من القيام بها، فلا يتذرع الإنسان بأدنى عذر، نعم إذا وجد عذرًا لا يطيقه فمثل هذا مقبول، لكن لا يكون ديدنًا للمسلم، وعلى أن يكون ذلك ديدنًا المسلم يتذرع بأدنى عذر يبرئه من المسؤولية على أن من العلماء من استدل بالحديث على وجوب صلاة الجماعة.

 المقدم: صحيح؟

الإمام النووي قال: فيه جواز تأخر عن صلاة الجماعة، وقلنا ما قلنا في كلامه، ومن العلماء من استدل بالحديث على وجوب صلاة الجماعة.

المقدم: واستدلاله قد يكون في مكانه الحقيقة ومنطقيًّا.

إذ لو لم تكن واجبة لما أمر بالتخفيف.

المقدم: صحيح، ولما جاء هذا يعتذر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ولما غضب النبي -عليه الصلاة والسلام- على أُبي وعلى معاذ ووجههم.

المقدم: نعم.

فهذا من أدلة وجوب صلاة الجماعة، قال النووي: فيه جواز ذكر الإنسان بهذا ونحوه في معرض الشكوى، والاستفتاء، أنه في جواز ذكر الإنسان بهذا ونحوه، يعني يجوز أن فلانًا يطول، أو فلانًا يخفف.

المقدم: لكل أحد؟

في معرض الشكوى، يعني ما يتفكه به بالمجالس.

المقدم: طيب، والشكوى لمن يا شيخ؟

الشكوى لمن يستطيع أن..

المقدم: أن يشكي..

 أن يشكي.

المقدم: نعم.

يعني يزيل ما اشتكي من أجله.

المقدم: نعم.

نعم، وكذلك الاستفتاء، مثله أيضًا لمن يفتي.

المقدم: نعم.

وقال النووي: وفيه الغضب لما ينكر من أمور الدين، والغضب في الموعظة لاسيما في حق من لا يخفى عليه الحكم من الجلة.

المقدم: من الجلة؟

نعم، يعني من الكبار.

المقدم: الأجلاء يعني.

 من الكبار، نعم.

 المقدم: نعم.

الغضب لما ينكر، فيه الغضب لما ينكر من أمور الدين والغضب في الموعظة لاسيما في حق من لا يخفى الحكم عليه من الجلة؛ لأن الجاهل يتلطف به.

المقدم: صحيح

بينما الذي لا يخفى عليه الحكم، يعزر لمثل هذا يغضب عليه، ويفعل ذلك رغبة في الخير، لا يخفى عليه الحكم أن التطويل منهي عنه، لكن يطول رغبة في الخير، فمثل هذا يغضب عليه كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لمعاذ: «أفتانٌ أنت يا معاذ؟!»، أما من يخفى عليه الحكم فقد عُهِدَ منه -عليه الصلاة والسلام- الرفق بالجاهل.

المقدم: اللهم صلِّ عليه.

كما في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، هذا يخفى عليه الحكم، فعامله بتلك المعاملة التي دونت في صحاح السنَّة.

المقدم: يعني مع أن فعل الأعرابي ممكن أن يكون أشد من فعل معاذ.

أشد نعم، المساجد ما بنيت لهذا، يقول الكرماني: وفيه التعزير على إطالة الصلاة إذا لم يرضَ المأمومون به، فبعض الناس يفهم أن التعزير جلد بالعُصي.

المقدم: قد يكون تعزيرًا بالكلام.

يطالب تعزيرها، أن التعزير يتفاوت من شخص إلى شخص، بعض الناس كلمة واحدة تعزير له.

المقدم: صحيح.

يقول الكرماني: وفي التعزير على إطالة الصلاة إذا لم يرضَ المأمومون به، وجواز الاكتفاء بالتعزير بالكلام، وفيه الأمر بتخفيف الصلاة.

هذا الحديث خرجه الإمام البخاري في خمسة مواضع، الحديث أخرجه الإمام في خمسة مواضع.

المقدم: عفوًا شيخنا، قبل التخريج سيأتي شيء عن سؤالنا الذي وعدت أنه سيأتي، أين يكون موضع التخفيف؟ هل يكون في السجود والركوع أم في التلاوة؟

هو المنصوص عليه الآن في الحديث القراءة فقط.

الأخ الحاضر: القراءة.

والشكوى جاءت من طول القراءة، لكن إذا خففت القراءة فالمفترض أن الصلاة كما جاء في وصف صلاته- عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: الركعة الأولى.

قيامه وركوعه.

المقدم: سواء.

وسجوده قريب من السواء، أو سواء في بعض الأحاديث، فتوازن أعني الصلاة، وإذا كان بعض الناس يشق عليه الوقوف، فبعض الناس يشق عليه الركوع، لا سيما إذا كان عندهم مرض قلب وضيق في التنفس، وقل مثل هذا في السجود، فينبغي ملاحظة المأمومين جميعًا، بعض الناس -وهذا لوحظ- يأتي يرد عنه أسئلة، بعض الناس يطوِّل السجدة الأخيرة.

المقدم: نعم، صحيح.

هذا مُلاحَظ، يعني تكون تسبيحاته في السجدات كلها سبع أو خمس أوثلاث تسبيحات، لكن في الأخيرة يطيلها.

المقدم: يطيل جدًّا.

قاعدة الصلاة النبوية (أن كل ركعة).

المقدم: أطول من.

أقصر.

المقدم: من التي قبلها.

من التي قبلها.

المقدم: نعم.

ومقتضى هذا أن يكون ركوعها أقصر، وسجودها أقصر، وقراءتها أقصر.

المقدم: نعم.

هذا المعهود من صلاته -عليه الصلاة والسلام-، الأولى أطول من الثانية، والثانية أطول من الثالثة وهكذا، وعمدة ذلك ما جاء التصريح به في صفة صلاته -عليه الصلاة والسلام- وأصرح ما في ذلك صلاة الكسوف، قام قيامًا طويلًا، ثم ركع ركوعًا طويلًا ثم قام قيامًا طويلًا دون ..

المقدم: القيام الأول

القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا دون الركوع الأول.

المقدم: دون الركوع الأول وهكذا.

ثم القيام الثالث والقيام الرابع دون الأول، والرابع دون الأول، يعني هل الأول هو المتميز بالطول وما بعده من قيام مستوية، الثلاثة كلها مستوية دون الأول! أو نقول: هل الأولية نصوغ السؤال صياغة.. الأولية مطلقة؟

المقدم: نعم، أم الأولية هي القريبة.

أو الأولية نسبية؛ لأن كل واحد أول بالنسبة للذي...

المقدم: قبله.

قبله، فعلى هذا يكون الأول متميزًا والثلاثة مستوية، إذا قلنا أولية مطلقة، وإذا قلنا إنها أولية نسبية صار الأول أطول من الثاني، والثاني أطول من الثالث.

المقدم: أطول من الثالث.

والثالث أطول من الرابع، نأتي إلى موضع السؤال الذي يسأل عنه كثيرًا، في آخر سجدة بعض الأئمة يطيل، لعل منزعهم في ذلك أن هذه آخر سجدة في الصلاة فهي التوديع، وصلاة المودع غير صلاة من؟ من يرجو تكرارها، يعني الآن السجود الأول يرجو تكراره بسجود ثانٍ وثالث ورابع، بينما آخر سجود خلاص، كأنه يسجد سجود مودع.

المقدم: نعم.

فهذا منزع بعضهم، وقد يكون غفل في السجود الأول والثاني والثالث عن الدعاء، وأما السجود «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا فيه من الدعاء فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم».

المقدم: ..أن يستجاب لكم.

فإذا انتهى من الصلاة ولم يبقَ إلا سجدة واحدة، وقد فرّط في السجود الأول والثاني والثالث لم يدعُ، فيحاول أن يستغل آخر سجدة في الدعاء، وعلى كل حال الأمر ليس بالشديد، إلا أن السنَّة يبقى أنها تكون متقاربة إن لم يكن كل واحدٍ أطول من الذي بعده.

 هذا الحديث خرجه الإمام البخاري في خمسة مواضع:

الأول: هنا في كتاب العلم، في باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره، قال: حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا سفيان عن ابن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال رجلٌ فذكره وتقدم من ذكر المناسبة.

والموضع الثاني: في كتاب الآذان في باب تخفيف الإمام في القيام وإتمام الركوع والسجود، قال: حدثنا أحمد بن يونس من دار الترجمة في كتاب الأذان باب تخفيف الإمام في القيام، وإتمام الركوع والسجود، إتمام الركوع والسجود؛ لئلا يفهم من قوله -عليه الصلاة والسلام-: «فليخفف».

المقدم: تخفيف الركوع والسجود.

تخفيف الركوع والسجود، نعم، والنص جاء في القراءة، فيبقى الركوع والسجود على الوفاء، قال: حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا إسماعيل، قال سمعت قيسًا قال: أخبرني أبو مسعود أن رجلًا قال: "والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا فذكره بنحوه"، مناسبته ظاهرة؛ تخفيف الإمام في القيام، نعم، وفيه الأمر بالتخفيف، لكن كتاب الآذان علاقة الباب بكتاب الأذان وعلاقة الحديث بكتاب الأذان.

المقدم: يمكن أن يفهم هكذا، يعني أن المطلوب الإنسان يأتي إلى المسجد مع الأذان، فهذا الشخص لم يأتِ للمسجد مع الأذان، السبب هذا التطويل الذي يعرفه من هذا الإمام.

حقيقةً في الترقيم الذي اعتمد، وإدراج جميع أبواب الصلاة العامة، الصلاة العامة، دعنا من الصلوات الخاصة، الصلاة العامة أدخلت كلها في كتاب الأذان، هذا من باب الترقيم الذي اعتمده محمد فؤاد عبد الباقي؛ ليكون صحيح البخاري موافقًا لترتيب وترقيم المعجم المفهرس، جميع أبواب الصلاة العامة أدخلت في كتاب الأذان، ومناسبة الحديث -ترجمة ظاهرة؛ إذ الأمر بالتخفيف نصٌّ، نص الحديث والترجمة باب تخفيف الإمام في القيام، وخص الإمام التخفيف بالقيام مع أن لفظ الحديث أعم؛ لأن الذي يطول في الغالب القيام، الذي يطول في الغالب القيام، وما عداه لا يشق إتمامه على أحد كذا قيل: ولا تخفى مشقة الركوع والسجود على من به مرض، كما أشرنا سابقًا، يعني مريض قلب مثلًا لا يتحمل طول الركوع، أو طول السجود، أو من كان عنده ضيق في التنفس أو شبهه، ولكن تنصيص الإمام البخاري على إتمام الركوع والسجود؛ ليقطع الطريق على النقَّارين، الذين ينقرون الصلاة، ينقرون الصلاة ويتذرعون بقوله...

المقدم: فليخفف.

عليه الصلاة والسلام: «فليخفف» ولذا نقلنا عن الشيخ فيصل بن مبارك أنه نقل عن الشيخ سعد بن عتيق أن الحديث ليس فيه حجة للنقارين.

الموضع الثالث في الكتاب المذكور في باب من شكا إمامه إذا طوَّل، وقال أبو أسيد: طوَّلت بنا يا بُني، طوَّلت بنا يا بني، يعني شكا ابنه بأنه أو اشتكى ابنه بأنه طوَّل عليهم، طوَّلت بنا يا بني، قال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود قال: فذكره، المناسبة باب من شكا إمامه إذا طوَّل، ظاهرة أو ما هي ظاهرة؟

المقدم: ظاهرة.

ظاهرة، لأن.

المقدم: ذاك شكا إلى النبي.

شكا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني في القصتين سواءً كانت قصة معاذ أو قصة أُبي.

الموضع الرابع في كتاب الأدب في باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله تعالى، وقال الله تعالى: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:73] في باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله تعالى قال الله- جل وعلا-: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:73]، حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: حدثنا قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: "أتى رجلٌ للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان"، وفيه فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قط أشد غضبٍ في موعظةٍ منه يومئذٍ ، ما يجوز من الغضب والشدة..

المقدم: هذه مقبولة، لكن.

ماذا؟

المقدم: يعني هذا واضح.

باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله تعالى.

المقدم: طيب.

والحديث.

المقدم: نعم جيد لكن قوله تعالى:

{جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:73]؟

 المقدم: موضعها هنا يا شيخ؟

موضعها هنا أن ما يجوز من الغضب، الأصل أن الغضب منهيٌّ عنه، نعم، والغلظة {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ} [آل عمران:159] منهيٌّ عنه.

المقدم: منهي عنه.

لكن هناك مواضع يطلب الغضب وتطلب الغلظة.

المقدم: لكن الآية بالنسبة للحديث أو لا.. أو ليس بالضرورة؟

لا لا لا، أصل، النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن الغضب «لا تغضب».

المقدم: نعم.

 ومع ذلك غضب.

المقدم: أي نعم في هذه الموعظة.

 وفي قوله -جل وعلا-:

المقدم: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159].

 ومع ذلك، وأغلظ عليهم، فدل على أن الغضب يجوز في بعض المواضع، ودلَّ أيضًا على أن الغلظة.

المقدم: تجوز في بعض المواضع..

نعم، الغلظة في الغالب يصاحبها شيء من الغضب.

المقدم: نعم.

رأيت كيف الربط!

المقدم: صحيح.

والمناسبة ظاهرة لباب ما يجوز من غضب ومناسبة الغضب لكتاب الأدب ظاهرة أم لا؟

المقدم: بلى.

ظاهرة جدًّا.

والخامس: في كتاب الأحكام، في باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان، قال: حدثنا محمد بن مقاتل، قال: أخبرنا عبد الله، قال أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود الأنصاري قال: «جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» فذكره، وفيه غضبه -عليه الصلاة والسلام-، على ذلك الإمام، فيريد الإمام -رحمة الله عليه -أن هذا يعني الغضب المذكور في الحديث لا يعارض ما ثبته عنه -عليه الصلاة والسلام- مما ذكره الإمام، هل يقضي القاضي وهو غضبان؟ ثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: «لا يقضين أحدكم بين اثنين وهو غضبان»، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وجه وهو غضبان، فهل يدخل في هذا أو لا؟ قالوا: هذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام- لماذا؟ لأنه في حالتي الغضب والرضا لا يقول إلا حقًّا، لا يقول إلا حقًّا، في حالتي الغضب والرضا، ولذلك لما جاءت قريش لعبد الله بن عمر قالت: إنك تكتب عن محمد كل شيء، حتى في حال الغضب والبشر يغضب ويرضى، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- ما ذكره وقال: «اكتب، والله ما أقول إلا حقًّا» -عليه الصلاة والسلام-، حتى في حالة الغضب لا يقول إلا حقًّا، فهذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، أما غيره فلا يقضي بين الناس وهو غضبان؛ لأن الغضب يغطِّي جزءًا من العقل، بحيث لا يتصور القضية على الوجه المطلوب، وقد يحمله غضبه للانتقام والانتصار لنفسه، ثم بعد ذلك جانب الحق، وهذا في حق غيره -عليه الصلاة والسلام- ، يقول ابن المنير كما في فتح الباري: أدخل البخاري حديث أبي بكرة الدال على المنع، ثم حديث أبي مسعود، حديث أبي بكرة في منع القضاء بين اثنين وهو غضبان، ثم حديث ابن مسعود الدال على الجواز، حديث الباب.

المقدم: نعم.

تنبيهًا منه على طريق الجمع بين النهي والجواز، بين ما نهى عنه -عليه الصلاة والسلام- وبين فعله، تنبيهًا منه على طريق الجمع بأن يجعل الجواز خاصًّا به -عليه الصلاة والسلام-؛ لوجود العصمة في حقه والأمن من التعدي، والأمن من التعدي، أو أن غضبه -عليه الصلاة والسلام- كان للحق، فمن كان في مثل حاله جاز وإلا مُنع، جاز وإلا مُنع، أو أن غضبه كان للحق، ثم إن كان في مثل حاله جاز وإلا مُنع، النبي -عليه الصلاة والسلام- يغضب إذا انتهكت..

المقدم: محارم الله.

محارم الله، وعلى كل مسلم غيور أن يغضب إذا انتهكت محارم الله، لكن هل للقاضي أن يغضب أثناء القضاء وأثناء الحكم لانتهاك محارم الله، يعني جِيء له بشخص مثلًا..

 المقدم: فعل فاحشة.

فعل فواحش، جمعًا من الفواحش.

 المقدم: فيغضب ويشتد.

يشتد، لكن هل يقضي عليه وهو غضبان.

المقدم: لا.

لا، الغضب شيء، ولا شك أنه يوجد على هذا الغضب، لكن يؤجل القضاء إلى أن يهدأ وينظر إلى القضية؛ لأن من خصائصه -عليه الصلاة والسلام- لا يقول إلا حقًّا، لكن غيره من أين له هذه العصمة؟ ظاهر أم ليس بظاهر؟

المقدم: ظاهر جدًّا.

لا شك أن الغضب درجات، الغضب درجات، منه ما يمنع من التصور، تصور الأمور على حقائقها، ومنه ما يمنع بالكلية، ولذلك يكثر السؤال عن طلاق الغضبان، السؤال عن طلاق الغضبان، نقول: من الغضب مَن يكون غضبه بحيث يغطِّي على عقله غطاءً كاملًا، بحيث لا يدري ما يقول، فقد يُطلِّق ثم يقول: إني ما طلَّقت.

المقدم: صحيح.

وقد يكون غضبه بحيث يعقل ما يقول، إلا أنه لسوء خلق مثلًا وسرعة غضبه يرمي بالكلمة وهو غير قاصدٍ لها، المقصود أن هذا متفاوت، ولذا في فتاوى الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- ذكر نماذج في مثل هذه القضايا.

المقدم: طلاق الغضبان.

نعم، فهو يسأل عن سبب الغضب، لماذا غضبت؟ كما قلت لها مثلًا أحضري الأكل وتأخرت دقيقة مثلًا، أو دقيقتين هل هذا مسبب للغضب؟

المقدم: أبدًا.

وآخر سئل مثلًا قيل له: لماذا طلقتها؟ قال: والله غضبت الآن ما أدري ماذا أقول لما قلت لها أحضري أو افعلي أو كذا، شتمت والديَّ مثلًا، أو ضربت طفل ًا حتى أغمي عليه.

المقدم: اختلاف.

يختلف السبب، إذا اختلف السبب اختلف...

المقدم: الحكم.

المسبب، وعلى أثره يختلف الحكم، فهذه أمور لابُدَّ من مراعاتها.

 الحديث خرجه الإمام مسلم في صحيحه فهو متفقٌ عليه.

 المقدم: أحسن الله إليك، فيما تبقى من وقت، ربما يتساءل بعض الطلبة الآن خصوصًا الأئمة في مسألة الإطالة، في مثل شهر رمضان في التراويح، إذا كانت الإطالة نسبيةً عند بعض الناس في تقصير عدد الركعات، تقليلها، فإذا صلى مثلًا إحدى عشرة، فإن هذا من باب الإطالة عليهم؛ لأنه سيقرأ جزءًا معينًا من القرآن وهذا إطالة، فيعمد الإمام إلى زيادة الركعات من أجل التخفيف، والوقت هو هو، يعني إذا قلنا: إنهم يصلون في ساعة بدل ما يصلي إحدى عشرة ويضمن التخفيف، فيصلي مثلًا تسع عشرة، ثلاثة وعشرين في نفس الوقت، هل هذا يدخل في التخفيف المنهي عنه؟

أولًا جاء في الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها-، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة.

المقدم: نعم.

وهذه يستغلها بعض الناس في التخلص من الصلاة، بدلًا من أن يصلي عشرين يقول: لا، ما يزيد على إحدى عشرة بدعة، ثم بعد ذلك يعمد إلى القراءة فيخفف، نقول: مَن أراد أن يتقيد بالعادات بالكمية..

المقدم: يتقيد بالكيفية

يتقيد بالكيفية أيضًا، ينظر ماذا قرأ النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذه الإحدى عشرة، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن.

المقدم: نعم.

نقول: الشخص الذي ليست لديه من القدرة في إطالة القراءة وطول القيام، وأراد أن يخفف القراءة يزيد في العدد، ويدخل في إدراك الحديث الثاني «صلاة الليل مثنى مثنى» إلى آخره، فإما هذا وإما هذا، وفي الجملة قيام الليل عمومًا تحديده بالوقت {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل:2] {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} [المزمل:20].

تحديد بالوقت، فمن صلَّى في ساعة ثلاثًا وعشرين ركعة، أو إحدى عشرة ركعة، لا شك أن القراءة هنا أطول من إحدى عشرة.

المقدم: نعم.

فهي أكمل؛ لأنه لاحظ الكمية والكيفية.

المقدم: نعم.

وهناك لاحظ الوقت، لكن لم يلاحظ الكمية ولا الكيفية، خفف يعني، لكن لو افترضنا أن العشرين في ساعتين، والإحدى عشرة في ساعة قلنا إن العشرين أفضل، باعتباره استغرق أطول.

المقدم: وقتًا.

وقتًا، والصلاة جاء في القرآن تحديدها بالوقت.

المقدم: نعم.

مع ملاحظة ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- على أن ما جاء في حديث عائشة، جاء في أحاديث أخرى صحيحة عن عائشة وغيرها أنه زاد على إحدى عشرة.

المقدم: نعم.

فيكون غالب أحواله -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يزيد، لكن على كل حال مَن أراد أن يقتصر على العادات فلينظر إلى الكيف.

المقدم: نعم.

 جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات كنَّا وإياكم مع برنامجكم (شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح)، وكان معنا صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير.

 نسأل الله تعالى يوفقنا وإياكم إلى كل خير وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، لقاؤنا بكم بإذن الله تعالى في حلقة قادمة مع حديثٍ آخر من هذا الكتاب، حتى ذلكم الحين نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.