شرح ألفية الحديث للحافظ العراقي (11)
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة وبركاته
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: قال الإمام الحافظ -رحمه الله تعالى-:
المرسل
مرفوع تابع على المشهور أو سقط راو منه ذو أقوال واحتج مالك كذا النعمان ورده جماهر النقاد وصاحب التمهيد عنهم نقله لكن إذا صح لنا مخرجه من ليس يروي عن رجال الأول والشافعي بالكبار قيدا ومن إذا شارك أهل الحفظ فإن يقل: فالمسند المعتمد ورسموا منقطعًا عن رجل أما الذي أرسله الصحابي |
| مرسل أو قيده بالكبير والأول الأكثر في استعمال وتابعو هما به ودانوا للجهل بالساقط في الإسناد ومسلم صدر الكتاب أصله بمسند أو مرسل يخرجه نقبله قلت: الشيخ لم يفصل ومن روى عن الثقات أبدا وافقهم إلا بنقص لفظ فقل: دليلان به يعتضد وفي الأصول نعته بالمرسل فحكمه الوصل على الصواب |
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فمضى في الدرس السابق كلام على الفروع السبعة التي يتردد في كونها مرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو موقوفة على الصحابي، أو من دونه إذا كانت عن التابعي، ومنها ما أتى عن الصحابي مما لا مجال للاجتهاد فيه، وهو الفرع السادس:
وما أتى عن صاحب بحيث لا ما قال....................... |
| يقال رأيًا حكمه الرفع على ................................... |
إلى آخره، وتكملنا في المسألة في الدرس السابق، لكن أهل العلم يقيدون ذلك بالصحابي الذي لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب، الصحابي الذي لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب؛ لأنه جاء الأمر بالتحديث عن بني إسرائيل ولا حرج: ((حدثوا عن بني إسرائيل، ولا حرج))، وجاء في بعض الروايات عند البزار، وغيره: ((..فإن فيهم الأعاجيب))، وثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- غضب على عمر -رضي الله تعالى عنه- لما رأى بيده قطعة من التوراة، وعبد الله بن عمرو بن العاص في اليرموك وقف على زاملة فيها صحف عن أهل الكتاب، وكان يحدث منها، وكعب الأحبار كان يحدث في عصر الصحابة بما في كتب أهل الكتاب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- غضب لما رأى في يد عمر ما في يده: ((أفي شك يا ابن الخطاب))، المقصود أن مثل هذا الذي يساق، ويتحدث به عن أهل الكتاب، مما لا مخالفة فيه لشرعنا؛ ولذا تجدون أهل العلم يتناقلون الأخبار عن أهل الكتاب، وأما ما فيه مخالفة لشرعنا فلا يجوز نقله، ولا التحدث به إلا على سبيل النقد والتفنيد، وكتبهم المحرفة التي فيها خلاف ما جاء عن الله -عز وجل-، هذه لا يجوز النظر فيها إلا لمن تأهل للرد عليهم، كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية في الجواب الصحيح، أما من لم يتأهل فلا يجوز له النظر فيها، وللسخاوي كتاب اسمه "الأصل الأصيل في الإجماع على تحريم النقل من التوراة والإنجيل" استنادًا إلى نهي النبي -عليه الصلاة والسلام-، وغضبه على عمر -رضي الله تعالى عنه-، أما ما يتداولونه لاسيما من ينتسب إلى العلم منهم فيُسمع؛ إن كانت فيه مخالفة يرد على صاحبه كائن من كان، على قائله، وإن كان فيهم موافقة لا مانع من ذكره، والتحدث به لا على سبيل الاعتماد عليه، وإنما العمدة ما جاء في شرعنا، وإن كان لا موافقة ولا مخالفة، فمثل هذا يترخص فيه، يترخص فيه مع التثبت، مع أنهم انقطعت صلتهم بأنبيائهم؛ فلا أسانيد عندهم لا متصلة ولا منقطعة، ما عندهم أسانيد أصلًا؛ المتأخر منهم والمتقدم سواء في النقل عن أنبيائهم، واتصال الأسانيد من خصائص هذه الأمة، فالمقصود أن ما يتداوله أهل العلم في كتب التفسير، وكتب التواريخ مما يتلقى عن أهل الكتاب كثير منه فيه مخالفة، وكثير منه لا حاجة إليه، وبعضه فيه العجائب، وبعض الناس يستروح إلى مثل هذه الأخبار، وهذه القصص التي تنقل عن أهل الكتاب، على طريقة القصاص؛ ولذا إذا سمع بعض الأخبار في التفاسير، كتفسير ابن كثير مثلًا، أو ابن جرير، أو غيرها، أو كتب التواريخ كابن كثير والطبري من قبله يرتاح لمثل هذه الأمور باعتبارها ضرب من القصص المسلية لا أكثر، ولا أقل، لكن في كثير من المخالفات قد يشعر بها، وقد لا يشعر، وقد يكون لها أثرها اللاحق الذي لا يدركه القارئ في وقته، المقصود أن في كتاب الله، وما صح من سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- غنية عن هذا كله، لكن إذا جاء الخبر مما لا يتضمن مخالفة؛ فلا مانع من قراءته وسماعه.
هذا يقول: إذا أتانا حديث له حكم الرفع عن عبد الله بن عمرو، وغيره ممن عرف بالأخذ عن بني إسرائيل؛ فكيف نعرف أصلًا أن هذا الخبر أنه عن بني إسرائيل، أو عن نبينا؟ ألا ترى أن المسألة غير واقعة فكيف نميز؛ هل هذا عن الكتاب أو غيرهم؟
كثير من المتون متميز بنفسه، يدرك، فمثلا قو ل ابن مسعود: ((من أتى كاهنًا، أو عرافًا؛ فقد كفر بما أنزل على محمد))، هل يمكن أن يقول قائل: إن هذا ما تلقي عن أهل الكتاب؟ نعم؟ لا يمكن لكن لو ذكر ابن مسعود، أو غير ابن مسعود؛ عبد الله بن عمرو، أو غيره، أو ابن عباس قصة تتعلق بأهل الكهف مثلًا، قصة تتعلق بأهل الكهف، هذه متميزة بنفسها، ومعروفة أنها متلقاة عنهم، يعني مما له صلة بالتاريخ، هذا الذي يغلب على الظن أنه متلقى، والذي له صلة بالأحكام، الذي يغلب على الظن أن الصحابي لا يقوله إلا وقد استند فيه إلى من يلزم قوله، من يعتمد قوله في الشرع، فمن هذه الحيثية يتميز هذا من هذا، لكن هم يقولون: إذا لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب، وقال قولًا لا يدرك بالرأي، مثل هذا له حكم الرفع.
هناك أحاديث ذكرت في الواهيات، وذكرت في كتب الموضوعات، ثم وجد في الواقع ما يصدقها، وجد في الواقع ما يصدقها، لو قدر مثلًا أن حديثًا سمعته، ولم أقف عليه، سمعته قبل سنين: ((إذا شق أبو قبيس فانتظر الساعة))، نعم هذا الحديث من حيث الإسناد لا أصل له، لكن شق أبو قبيس، وقد قيل هذا قبل أن يشق أبو قبيس، نعم هل نقول: إن هذا الحديث يمكن أن يثبت؟ كون الخبر يطابق الواقع، ويكون صدقًا لا يعني أنه تصح نسبته ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلو قال واحد، ركب إسناد على: الواحد نصف الاثنين، كلام صحيح، ولا يختلف فيه أحد، لكن ليس كل كلام صحيح حديثًا، هناك أحاديث ذكرت في الموضوعات فيها شيء من الواقع، بعضها يحكي العصر، أو الوقت الذي نعيشه بأحداثه، لكن لا يعني أننا نقول هذه تثبت، وهذا إذا طابقت الواقع فكيف إذا كانت مطابقتها للواقع مظنونة، كمن ألف في مطابقة الاختراعات العصرية لما جاء في الأحاديث النبوية، هو أشبه ما يكون بالنظريات، نظرية يتلقاها عن الغرب عن الكفار، ويقول هذه يشهد لها، قوله -عليه الصلاة والسلام-، ثم يظهر ما هو أقوى منها في مطابقة الخبر، فيضطر إلى نفي الأولى، هناك نظريات غير ثابتة عندهم، فيستطيع أن يؤصل هذه النظرية، ويقيمها بحديث، ثم يظهر عندهم تكذيب هذه النظرية؛ فماذا يصنعوا بالنص؟ مثل هذه الأمور يتحرى فيها، ولا يُجزم بشيء منها، فعلى طالب العلم أن يحتاط لهذا، وبعض الناس يتساهل في هذا الأمر، بحيث إنه تناقلت وكالات الأنباء والصحف وغيرها من وسائل الإعلام: أن الروس قبل كذا سنة يحفرون في الأرض كذا ميل، فسمعوا أصواتًا مزعجة، وسجلوها، وبثوها بين الناس، وسارع بعض من ينتسب إلى العلم إلى أن هذه أصوات المعذبين في قبورهم، ثم هم كتموها، ونفوها، لا يكون ديننا ألعوبة للنفي والإثبات، الأمر هذا أمر عظيم مثل هذا لا يسمعه البشر، يسمع كل مخلوق إلا الثقلين الجن والإنس، وفي الحديث: ((لولا ألا تدافنوا))، وفي رواية: ((لولا أن تدافنوا لأسمعتكم))، مثل هذا لا يمكن أن يسمع، ولو سمعه الإنسان لصعق، كوننا نتعلق بما يأتينا عن غيرنا، عندي يقين أن الإنسان لو وضع آلة تسجيل في مطار مثلًا، بين أزيز الطائرات، وجلبت الناس وأصواتهم، وسجل مثل هذه الأصوات؛ صارت أشد مما سجل في هذه الأشرطة، وقل مثل هذا فيمن يصور ما جاء في أوصاف النار، أو ما قبل النار والجنة، من يصورها في تصوير، يقول: هذا الصراط، وهذه القنطرة، وهذا كذا، وهذا كذا؛ لأن هذا يهون من هول تلك المواقف، شيء لا يخطر على البال؛ كيف نصوره؟ نصور مثلًا الجنة فيها أشجار مثل أشجارنا! ما معنى هذا؟ أو النار فيها لهب نار مثل نارنا هذه؟ هذه معناها الأمر سهل يعني، فمثل هذه الأمور تتقى بقدر الإمكان، وليس لطالب العلم أن يزج نفسه فيها، يبقى أن سماع النصوص الشرعية تقرع القلوب بأهوالها، ولا يمكن أن يتصورها، ويخطر على قلب المسلم.
نأتي إلى موضوع الدرس، درس اليوم: "المرسل" الناظم -رحمه الله تعالى- أنهى الكلام عن الأنواع الثلاثة، التقسيم الإجمالي، ثم تكلم على الأحاديث، والأخبار باعتبار الإضافة والنسبة، ثم ذكر ما يحتمل من الإضافات، ثم ذكر ما يخل بالشرط الأول الذي هو اتصال الإسناد، فبدأ بالمرسل، ثم ثنى بالمنقطع، والمعضل، والعنعنة، ويأتي –أيضًا- التدليس، والمرسل الخفي فيما بعد، كل هذه لها ارتباط بالدروس السابقة، فمما يختل فيه شرط الاتصال المرسل، المرسل جمعه مراسيل بإثبات الياء، وحذفها: مراسل، مثلما قيل في السابق: مساند ومسانيد، وهو مأخوذ من الإرسال الذي هو الإطلاق: {أنا أرسلنا الشياطين} [(83) سورة مريم] يعني أطلقناهم، {عَلَى الْكَافِرِينَ} [(83) سورة مريم]، وفي حديث الاختلاف في القراءة: "فقال: أرسله" يعني أطلقه، فكأن المرسل، الراوي الذي أرسل الخبر أطلقه، فلم يقيده براوٍ بعينه:
مرفوع تابع على المشهور |
| ................................... |
"مرفوع تابع على المشهور" عند الأئمة "مرسل" هذا تعريفه، المشهور عند الأئمة، كما نقله الحاكم، وابن عبد البر عنه، هذا هو المرسل على القول المشهور عند الأئمة "أو" هذه لتنويع الخلاف "أو قيده بالكبير" أو قيده بالكبير من التابعين، فيكون المرسل ما يرفعه التابعي الكبير إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعلى القول الأول: ما يرفعه التابعي، بغض النظر عن كونه كبيرًا، أو متوسطًا، أو صغيرًا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والقول الثاني مقيد بالكبير "أو" أيضًا لتنويع الخلاف، وهو القول الثالث "أو سقط راوٍ منه" أو سقط راوٍ منه، من أي موضع من سنده "ذو أقوال"، "أو سقط راو" من أي موضع، فيكون على هذا مقابل للاتصال، فيشمل جميع أنواع الانقطاع، جميع أنواع الانقطاع يقال لها مرسل، فهذا أوسع الأقوال في تعريف المرسل، والذي قبله أضيق الأقوال، والقول المشهور "مرفوع تابع" يعني ما رفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا قول متوسط، يشمل التابعين بطبقاتهم، وهو المشهور، وهو الذي جرى عليه العلماء،
أو سقط راو منه ذو أقوال |
| ................................... |
يعني أقوال ثلاثة في المسألة:
................................... |
| والأول الأكثر في استعمال |
يعني في استعمال أهل الحديث هو الأكثر، أما إذا قابلوه بالاتصال فيريدون به المنقطع، إذا قيل: وصله فلان، وأرسله فلان، وصله فلان، وأرسله فلان، فالمراد بالإرسال –هنا- الانقطاع، ولا يلزم منه رفع التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الانقطاع، وبعضهم يفرق بين أرسل ومرسل، فيجعل الفعل للانقطاع، والمرسل لما يرفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا ما قيل في حد المرسل، لكن ماذا عن التعريف الذي قال به بعض العلماء: ما سقط منه الصحابي، يصح تعريف للمرسل، وإلا ما يصح؟ هذا منتقد، نعم منتقد؛ لماذا؟
طالب:......
لا، لا.
طالب:......
لا؛ هذا سيأتي في مسألة الاحتجاج، غيره.
طالب:......
نعم ممكن سقط منه صحابي، وبقي صحابي آخر، سقط منه صحابي، ويسقط منه صحابي..، سقط منه واحد، وبقي واحد، فهذا يصح أنه منه الصحابي سقط، لكنه مرسل الصحابي كما سيأتي في آخر الباب، وهذا حكمه الوصل.
ماذا عما يرويه التابعي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة؟ وهل يتصور، أو لا يتصور؟ يعني هل نقيد القول الأول: ما رفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ممن لم يسمع من النبي -عليه الصلاة والسلام- نحتاج إلى هذا، أو ما نحتاج؟ نحتاج؛ لماذا؟
طالب:......
هذا في المسند نعم، عن ماذا؟ عن التنوخي رسول هرقل، الذي جاء إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- في تبوك، وسمع منه بغير واسطة، وهو كافر، ولم يسلم إلا بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو تابعي، ما لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمن به، لكن ما فيه سقط، السند متصل، وهذا يلغزون به: حديث تابع متصل، وسيأتي مرسل الصحابي، قولهم: ما يرفعه صحابي منقطع، ما يرفعه تابعي متصل، وما يرفعه صحابي منقطع، عرفنا أن ما يرفعه التابعي متصل، وهو في حديث التنوخي، ولا يعرف مثال آخر، نعم قد يسمع الرجل الشخص من النبي -عليه الصلاة والسلام- خبر قبل أن يسلم، ثم يسلم في حياته -عليه الصلاة والسلام-، هذا لا يقال له: مرفوع تابعي، إنما مرفوع صحابي، كحديث جبير بن مطعم، حينما جاء في فداء أسرى بدر، سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بالطور قبل أن يسلم، ثم أدى هذه السنة بعد إسلامه، وتحملها الناس عنه، وخرجت في الصحيحين وغيرهما، لكن التنوخي ما أسلم إلا بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحديثه في المسند:
واحتج مالك كذا النعمان |
| وتابعوهما به ودانوا |
"واحتج مالك كذا النعمان" الإمام مالك بن أنس يحتج بالمرسل، والنعمان بن ثابت، الإمام أبو حنفية يحتج به "وتابعوهما" من المالكية، والحنفية، يحتجون "به" يعني بالمرسل "ودانوا" يعني تدينوا بمضمونه، وعملوا به، وأفتوا به، وقضوا به، والموطأ شاهد على ذلك، كثير من المراسيل، وإن كانت الأحاديث معروفة الاتصال، في غيره مما قد يتيسر للإمام مالك، بل قد روي عن الإمام مالك متصل في غير الموطأ، وفي الموطأ يرسله؛ لأنه لا يرى إشكالًا في الإرسال، فيعمل بالمرسل، فمالك، وأبو حنيفة، وتابعوهما من المالكية، والحنفية يعملون بالمراسيل، وهو حجة عندهم، وهل هي مثل المسانيد؟ أو أعلى منها؟ أو دونها؟ عند من يحتج بها أقوال: منهم من يقول: الإرسال والإسناد واحد، ومنهم من يقول: كلاهما يحتج به، لكن الإسناد أقوى، وإن كان المرسل محتج به، ومنهم من يقول: المرسل أقوى من المسند، وهذا نقله ابن عبد البر عن بعضهم في مقدمة التمهيد، وقالوا: إن من أرسل فقد ضمن، بخلاف من أسند فقد أحال، من أرسل ضمن، الذي حذفه يضمنه؛ لأنه لو لم يضمنه لكان غاشًّا، والمسألة مفترضة في خيار الناس بعد الصحابة، وهم القرن الثاني، الذين جاءت النصوص بأنهم خير القرون بعد الصحابة، لكن هذا القول شاذ، إذا كان المرسل مختلفًا في الاحتجاج به، وعدم الاحتجاج به؛ فيكف يقول قائل: إنه أفضل، وأقو ى من المسند؟ "وتابعوهما به ودانوا" ونقل ابن عبد البر عن جرير الطبري: أن التابعين بأسرهم، يعني جميع التابعين نقل إجماع التابعين على الاحتجاج بالمرسل، وأنه لا يعرف لهم مخالف إلى رأس المائتين، وأنه لا يعرف لهم مخالف إلى رأس المائتين، يعني إلى أن جاء الإمام الشافعي، مع أن القول برد المراسيل منسوب إلى سعيد بن المسيب، وبعض التابعين معه، فهل يمكن تجاهل سعيد بالنسبة للتابعين؟ الذي هو أفضلهم عند الإمام أحمد؟ يعني هل يرد رد سعيد بن المسيب للمراسيل على الإجماع والاتفاق الذي ينقله الطبري عن التابعين، أو لا يرد؟ هل ينقض إجماعه بسعيد؛ لماذا؟ نعم؟
طالب:......
نعم قول الأكثر نعده إجماعًا، وهذا معروف، تداولته كتب الأصول: أن الطبري يرى الإجماع قول الأكثر، وعليه يدل تصرفه في تفسيره، حينما ينقل حكم، أو معنى، أو قراءة، ينقل قول الأكثر، ثم يذكر المخالف، ويرجح قول الأكثر، والصواب في ذلك عندنا كذا؛ لإجماع القراءة على ذلك، وهو ساق الخلاف نفسه لكنه يعد قول الأكثر إجماعًا،هو يعد قول الأكثر إجماعًا، فلا يرد عليه سعيد، وقد لا يخفى عليه قول سعيد، وغير سعيد من التابعين، لكنه يرى أن الإجماع قول الأكثر، وتصرفه في مصنفاته يدل على هذا، وعلى رأسها التفسير، هذا بالنسبة لمن قال به مالك وأبو حنفية والمالكية عمومًا والحنفية؛ لأن المسألة مفترضة في رفع التابعين الخبر للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهم ممن يشملهم: ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))، فهم خير القرون بعد الصحابة، ولا يتصور فيهم أنهم يحذفون من لا يرضونه، وروايتهم عن الصحابة كثيرة، فالمظنون بهم أن من حذفوه صحابي، أن الذي حذفوه صحابي، والقول الثاني في المسألة وهو قول الجمهور، يشير إليه الحافظ العراقي -رحمه الله- في قوله:
ورده جماهر النقاد |
| ................................... |
"ورده جماهر النقاد" جماهر" جمع جمهور، جماهر وجماهير، أي معظم النقاد، معظم النقاد ردوا المراسيل، منهم من ردها جملة وتفصيلا، ومنهم من اشترط لقبولها شروطًا كالشافعي؛ لماذا قال:
................................... |
| للجهل بالساقط في الإسناد |
"للجهل بالساقط في الإسناد" الساقط مادام الذي رفعه تابعي، فالذي يغلب على الظن أن التابعي يرويه عن صحابي، والصحابة كلهم عدول، لكن الواقع يشهد بأن التابعي يروي عن تابعي، والتابعي الثاني يروي عن ثالث تابعي، ورواية التابعين عن بعض كثيرة جدًّا، يعني يروي في طبقة التابعين اثنان ثلاثة بعضهم عن بعض، وهذا كثير، قد يروي أربعة، وهذا أقل، وقد يروي خمسة من التابعين بعضهم عن بعض، وهذا قليل جدًّا، وأما رواية ستة من التابعين بعضهم عن بعض فهذا نادر، وقد لا يوجد له مثال إلا في حديث واحد يتعلق بفضل سورة الإخلاص، ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وهو مخرج في المسند والنسائي، والنسائي يقول: أطول إسناد في الدنيا، في فضل سورة الإخلاص، وهو: ((أنها تعدل ثلث القرآن))، وإلا الخطيب البغدادي فيه جزء، جزء مطبوع، ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وإذا كان هذا الاحتمال قائمًا، والتابعون فيهم الثقة وغير الثقة، فيهم العدل وغير العدل، وأقول: إذا كان الاحتمال ضعيفًا في كبارهم، فمن دونه الاحتمال فيه قوي؛ لكثرة المخالفات بعد الصحابة، وجدت المخالفات في عصر الصحابة من غيرهم، يعني ممن عاصرهم من التابعين فكيف بمن دونهم من صغار التابعين، وإذا وجد هذا الاحتمال قوي فيمن بعده، وكان الاحتمال أقوى فيمن بعدهم، فلا يقال بصحة المرسل مع وجود هذا الاحتمال، الساقط يحتمل أن يكون تابعيًّا، وقد يحتمل أن يكون أكثر من تابعي، وما من واحد منهم إلا وقد يتطرق الخلل إلى الخبر من قِبَلِه؛ فهو مجهول، ولا بد من ثبوت العدالة لقبول الخبر، وإذا جهل حال الراوي لم تثبت العدالة، لا يكفي في أن لا يعرف بضعف، لكن لا بد من معرفته بالعدالة:
................................... وصاحب التمهيد عنهم نقله |
| للجهل بالساقط في الإسناد |
"صاحب التمهيد" الإمام الحافظ أبو عمر ابن عبد البر، نقل في مقدمة تمهيده عن أكثر أهل العلم: أنهم ردوا المراسيل للعلة المذكورة "وصاحب التمهيد عنهم" يعني المحدثين "نقله" أي نقل ضعف المرسل، وأنه من قبيل ومن قسم المردود.
................................... |
| ومسلم صدر الكتاب أصله |
"مسلم" الإمام مسلم بن الحجاج، مؤلف الصحيح، مؤلف الجامع الصحيح، الذي سبق الكلام عنه، في مقدمة الكتاب أورد على لسان خصمه أنه قال: والمرسل في أصل قولنا، وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة، وأقره على هذا، وإن كان على لسان خصمه، لكنه أقره عليه:
................................... |
| ومسلم صدر الكتاب أصله |
والعلة فيه ما ذكر من احتمال أن يكون التابعي ضعيفًا، أو من يروي عنه ضعيفًا "لكن" هذا استدراك:
.........إذا صح لنا مخرجه من ليس يروي عن رجال الأول |
| بمسند أو مرسل يخرجه نقبله قلت: الشيخ لم يفصل |
"لكن إذا صح" إذا: شرطية، فعل الشرط: صح، وجوابه: نَقْبَله، والجزم هذا على أنه جواب الشرط، و"إذا" معروف أنها لا تجزم عند الجمهور، لكن هي جازمة على مذهب الكوفيين والأخفش، وصرح به عن بعضهم ابن مالك في التسهيل، وأما على مذهب غيرهم أن هذا للضرورة، لضرورة الشعر، للوزن، على أنه لو قال بدل "إذا"، "متى"
لكن متى صح لنا مخرجه |
| ................................... |
"نقبله" متى تجزم، أو ما تجزم؟
طالب:......
تجزم؟
طالب: نعم.
من يذكر مثالاً؟
طالب:......
ماذا؟
طالب:......
نعم؛ و:
متى أضع العمامة تعرفوني |
| ................................... |
لكن إذا صح لنا مخرجه |
| ................................... |
يعني يعتضد المرسل، ويُقبل بمجيئه من وجوه أخرى، "بمسند" بحيث يجيء هذا المسند من وجه آخر "أو مرسلًا" آخر "يخرجه" يعني يرسله:
من ليس يروي عن رجال الأول |
| ................................... |
شيوخ المرسل الأول، بحيث يكون له طريق آخر، مباين للطريق الأولى، والطريق يذكر ويؤنث، تجدون في كثير من كتب أهل العلم في التخاريج: طريق أخرى، وقد يقولون: طريق آخر، ولعل التذكير أولى، وإن كان استعمالهم للتأنيث أكثر، أهل الحديث يستعملون التأنيث أكثر: طريق أخرى، ولعل التذكير أولى؛ لماذا؟ في القرآن؛ ما هي؟ {طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} [(77) سورة طـه]، فهذا تذكير، المسألة فيها سعة، ونص أهل العلم على أنه يذكر، ويؤنث.
................................... من ليس يروي عن رجال الأول |
| ..........أو مرسل يخرجه |
يعني إذا اعتضد بمجيئه من طريق أخرى، أو طريق آخر، سواءٌ كان الطريق الآخر مرسلًا، أو مسندًا، فالعلماء نصوا على أن المرسل يقبل الانجبار؛ لأن ضعفه ليس بشديد، فهو قابل للانجبار، فإذا جاء مرسل آخر اعتضد، فيقبل إذا جاء مسند متصل من وجه آخر يقبل، وسيأتي في قول الناظم -رحمه الله تعالى-:
فإن يقل فالمسند المعتمد |
| فقل دليلان به يعتضد |
يأتي هذا..
................................... من ليس يروي عن رجال الأول |
| ...................... يخرجه |
الشيخ من هو؟ ابن الصلاح "لم يفصل" يفصل في ماذا؟ في التابعي؛ هل هو من الكبار، أو من الصغار؟ لكن "الشافعي بالكبار قيدا" يعني بقي مما يعتضد به المرسل إضافة إلى ما ذكره الناظم مسند، أو مرسل ما قاله، زاده بعضهم، بعض الآخذين عن الناظم، وله زيادات على الألفية، والذي يغلب على الظن أنه برهان الدين الحلبي، فقد ذكر في ترجمته من الضوء اللامع، وغيره أنه زاد عن الألفية أبيات؛ فزاد هنا:
أو كان قول واحد من صحب أو كان فتوى جل أهل العلم |
| خير الأنام عجم وعرب وشيخنا أهمله في النظم
|
يعني مما يعتضد به المرسل أن يوافقه قول لصحابي موقوف عليه، يعتضد بالمرسل قول صحابي، أو يفتي بمفاده عوام أهل العلم، يقول:
................................... |
| وشيخنا أهمله في النظم |
فهذا مما يعتضد به المرسل، إذا كان الشيخ ابن الصلاح لم يفصل بين مراسيل الكبار والصغار، فإن الإمام الشافعي قيد التابعين بالكبار "والشافعي بالكبار" منهم يعني من التابعين "قيدا" قيد المرسل المقبول إذا اعتضد، "ومن روى" ما أرسله، أو مطلقًا "عن الثقات أبدًا" يعني بحيث إذا روى لا يروي إلا عن ثقة، بحيث يكون لا يروي إلا عن ثقة، بحيث إذا سمى من روى عنه؛ لم يسم مجهولًا، ولا مرغوبًا عن الرواية عنه، بحيث إذا سمى من روى عنه، هو أرسل، لكن قيل له: عن من؟ فإذا قيل له: عن من؟ وسمى من روى عنه، لم يسمي، كذا في الرسالة للإمام الشافعي بالياء، والقاعدة: "لم يسم" بدون ياء "لم يسم" سم حذف حرف العلة، لكن يستدرك على الإمام الشافعي؟ الإمام الشافعي إمام، حجة في اللغة، حجة، والرسالة التي طبع عنها الشيخ أحمد شاكر نسخة عتيقة جدًّا، صحيحة "لم يسمي مجهولًا، ولا مرغوبًا عن الرواية عنه، وإنما يسمي ثقة، يسمي من ثبتت ثقته:
................................... ومن إذا شارك أهل الحفظ |
| ومن روى عن الثقات أبدًا |
يشارك الثقات، فإذا شاركهم في أحاديثهم "وافقهم" ولم يخالفهم "إلا بنقص لفظ" إلا بنقص لفظ، نقص لفظ لا يتأثر به المعنى، مثل هذا لا يسلم منه أحد، أما إذا خالفهم فيما يختلف فيه المعنى، يترتب عليه اختلاف المعنى؛ فلا، هذا مخالف لأهل الحفظ، فيكون بكثرة مخالفاته تخلف عنه شرط الضبط، نعم.
طالب:......
سيأتي:
فإن يقل: فالمسند المعتمد |
| ................................... |
نعم؟ نفسه، نفس سؤالك، البيت الذي يليه،
ومن إذا شارك أهل الحفظ |
| ................................... |
في أحاديثهم "وافقهم" ولم يخالفهم "إلا بنقص لفظ" يعني نقصا يسيرًا لا يتأثر به المعنى؛ لا بأس، لكن إذا كثرت مخالفته للثقات؛ فإنه حينئذ يرد حديثه:
وإن يوافق غالبًا ذا الضبط |
| فضابط أو نادرًا فمخطي |
على ما سيأتي في ميزان الضبط عندهم.
الشافعي -رحمه الله- لما رد مراسيل التابعين علل ذلك بأنهم أشد تجوزًا، لما رد المراسيل لصغار التابعين؛ قال: لأنهم أشد تجوزًا فيمن يروون عنه، يعني صغار التابعين ما هم في التحري والتثبت مثل كبار التابعين الذين كثرت مخالطتهم للصحابة، أما الصغار الذين رأوا الواحد والاثنين والثلاثة من الصحابة؛ هؤلاء طال بهم العهد، والمعروف أنه كلما طال العهد بالنبوة؛ كثر التساهل، فالكبار الذين عاصروا الصحابة، وكثرت مخالطتهم للصحابة؛ كبارهم، وصغارهم -يعني الصحابة- أشد تحرزًا، وتثبتًا فيمن يروون عنه، وأما صغار التابعين الذين أكثروا مخالطتهم للتابعين هؤلاء أشد تجوزًا فيمن يروون عنه، وأيضًا من الأسباب التي جعلت الإمام الشافعي يرد مراسيل صغار التابعين: أنه وُجد الدلائل فيما أرسلوا بضعف مخرجه، يعني وُجد فيما يرسلونه الشيء الضعيف، وهذا كثير عندهم، والأمر الثالث: كثرة الإحالة بالأخبار، وإذا كثرت الإحالة كان أمكن للوهم، وضعف من يُقبل عنه، ما معنى كثرة الوسائط، كثرة الإحالة، يعني إذا كان من الكبار فالاحتمال الأقوى أنه رواه عن صحابي؛ لأنه أدرك كثيرًا من الصحابة، ما يعوزه أن ينقل الخبر عن صحابي، وهذا هو الذي يغلب على الظن، يحتمل –أيضًا- أنه رواه عن تابعي في سنه، كبير، أو أكبر منه، وهذا الاحتمال قوي، لكن هل يحتمل أن تابعي كبير يروي عن تابعي صغير، عن تابعي متوسط، عن تابعي كبير، عن صحابي هذا قد لا يتصور، توجد رواية الأكابر عن الأصاغر، توجد رواية صالح بن كيسان عن الزهري، وهو اكبر منه، لكن هذا نادر من جهة، والأمر الثاني: أن السبب واضح؛ تأخر صالح بن كيسان في الطلب حتى شاب قبل أن يطلب العلم، وعد من كبار الآخذين عن الزهري، فهو –حكمًا- صغير بالنسبة للزهري، وإن كانت حقيقته في سنه كبير، لكنه في الطلب متأخر، إذا كثرت الوسائط، يعني إذا كان الراوي كبيرًا من كبار التابعين؛ احتمال أنه رواه عن صحابي، أو عن تابعي كبير ثان عن صحابي، الوسائط قليلة اثنان، يعني ما يزيدون، وإن زادوا ثلاثة، لكن إن كان من صغار التابعين، وكثرت الوسائط صار في طبقة التابعين أربعة، أو خمسة، ثم الصحابي، كثرة الوسائط لا شك أنها تُغَلِّب على الظن وجود الخلل؛ لأنه ما من راوٍ من الرواة إلا ويحتمل أن يتطرق الخلل إلى الإسناد من قِبله، أقول: إذا كثرت الوسائط، وطالت الأسانيد، صار الاحتمال في تطرق الخلل إلى هذا الإسناد أقو ى؛ ولذا المفضل عند أهل العلم العلو، علو الأسانيد، والنزول مفضول، على ما تقدم في بحث المستخرجات، وسيأتي بحث مخصص للعالي والنازل، والسبب في هذا أنه إذا قلت الوسائط، فمثلًا بين المصنف، وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاثة أو أربعة، أفضل من أن يكون بينه سبعة أو ثمانية؛ لأن هؤلاء الوسائط ما من واحد منهم إلا واحتمال الخطأ وارد عنده، فاحتمال الخطأ في ثلاثة، أو أربعة أقل من وجود احتمال الخطأ في خمسة، أو ستة، أو سبعة؛ ولذا يقول الشافعي في أسباب رده لمراسيل صغار التابعين: كثرة الإحالة، يعني الإحالة، إحالة الخطأ إلى هؤلاء الرواة، فما من راوٍ إلا ويحتمل أن يحال عليه الخطأ، هذه الأسباب جعلت الإمام الشافعي يرد مراسيل صغار التابعين، فالخلاصة أن الشافعي -رحمه الله تعالى- يشترط لقبول المرسل شروطًا أربعة: أن يكون المرسِل من كبار التابعين، وأن يكون لا يروي إلا عن ثقة، بحيث إذا سمى لم يسم مجهولًا، ولا مرغوبًا عن الرواية عنه، وإذا شرك أهل الحفظ وافقهم، وأن يكون للحديث المرسل شاهد يقويه، إما مرسل آخر يرويه غير رجال الأول، أو مسند، أو يفتي به عوام أهل العلم، أو يسنده قول صحابي، هذه الشروط الأربعة التي ثلاثة منها في المرسِل، والرابع في المرسَل، والرابع له فروع، هذه يشترطها الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- لقبول المراسيل.
طالب:......
سنده حديث ضعيف؟ مرسل ثان، ولو ضعيف الثاني، يدخل في كونه مرسلًا ضعيفًا، المرسل ضعيف، وإذا كان المرسل خفيف الضعف يقبل الانجبار، والضعيف الذي يسنده من غير رجال المرسل الأول، نعم سواء كان متصلًا، وفيه من مُس بضرب من التجريح الخفيف، يكون ضعيفًا ضعفًا محتملًا، يقبل الانجبار، فيرتقي للحسن لغيره، هذه القاعدة.
طالب:......
ما هو؟
طالب:......
قلنا: إنه يشترط في الراوي ثلاثة شروط: أن يكو ن من الكبار، أن لا يروي إلا عن ثقة، فإذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولًا، ولا مرغوبًا عن الرواية عنه، ومن إذا شارك، إذا شرك أحدًا من الحفاظ لم يخالفه، وأن يكون للمرسل حديث مرسل شاهد يقويه، من مرسل، أو مسند، أو يفتي به عوام أهل العلم، أو يشهد له قول صحابي، في شروط الإمام الشافعي: له شاهد يقويه من مسند، وتقدم قو ل الناظم -رحمه الله تعالى-:
لكن إذا صح لنا مخرجه |
| بمسند أو مرسل يخرجه |
جاء الاستدراك الذي سأله الأخ، يقول: ما حاجتنا إلى هذا المرسل، ونحن وجدناه مسندًا متصلًا؟ كيف نحتاج إلى المرسل؟ يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "فإن يقل" على وجه الخدش في الاعتضاد بمسند، في اعتضاد المسند بالمرسل، قد يقول قائل: "فالمسند المعتمد"، ولا حاجة لنا حينئذٍ بالمرسل، هل هذا سؤالك؟
فإن يقل فالمسند المعتمد |
| فقل دليلان به يعتضد |
"فقل دليلان به يعتضد" المسند دليل برأسه، والمرسل الذي اعتضد بهذا المسند قويَ، وصار مقبولًا، فصار في المسألة أكثر من دليل بدل دليل واحد، بحيث يرجح هذان الدليلان على ما إذا ما وجد ما يخالفهما من دليل واحد، الآن المسند حجة برأسه، المرسل لما شهد هذا المسند تقوى، فصار في المسألة دليل واحد أو دليلين؟ اثنين، لو عارضهما حديث واحد رجحا عليه.
فَإنْ يُقَلْ فَالمُسْنَدُ المُعْتَمَدُ |
| فَقُلْ دَلِيْلانِ بِهِ يُعْتَضَدُ |
"ورسموا" يعني أهل الحديث "منقطعًا عن رجل" منقطعًا قولهم: عن رجل أو شيخ، أو بعضهم، المقصود ما يبهم فيه الراوي، حدثنا فلان عن بعضهم، أو عن رجل، هذا المبهم الموجود في الإسناد رسمه بعضهم بأنه منقطع، وفي الأصول يعني في كتب الأصول كالبرهان لإمام الحرمين نعته تسميته بالمرسل، ومثله المهمل الذي لا يستطاع الوصول إلى حقيقته كمحمد مثلًا، المهمل إذا قال: حدثنا محمد، ولم نستطع تمييز محمد هذا سموه مرسل، وأبو داود في المراسيل أخرج المبهمات، أخرج بعض المبهمات في المراسيل، فكأنه يرى أن رواية المبهم مرسلة، لماذا؟ المرسل إسقاط، فيه راوٍ ساقط أو أكثر، والمبهم والمهمل موجود، قالوا: إن ذكره بما لا يتميز به مثل حذفه، عن رجل كأنه أسقطه، ماذا نستفيد من قولنا، أو من قول الراوي: عن رجل؟ يعني هل نستفيد من الإبهام؟ فيه فائدة؟ يعني لو بحثنا إسناد فيه راوٍ مبهم عن رجل أو عن شيخ نحكم عليه بماذا؟ بأنه ضعيف؛ لجهالة حال الراوي؛ لأن المبهم مجهول، بل هو من أشد أنواع الجهالة، كما سيأتي في أنواع المجهول، جهالة الحال، وجهالة العين، جهالة العين: إذا لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد لكونه مقلًّا، هذا يسمونه مجهول العين، وخلا عن التعديل، وجهالة الحال يكون معروفًا بالرواية، ويروي عنه أكثر من واحد، لكن لا يذكر فيه جرح ولا تعديل، ومجهول الحال ظاهرًا وباطنًا أو باطنًا فقط، على ما سيِأتي تفصيله، لكن هذا مجهول الحال والعين والذات، فهو أشد أنواع الجهالة، إذا قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن سعيد الأنصاري أبو زيد المدني يمكن أن نقول: هذا مجهول ومذكور اسمه رباعي وكنيته وبلده يمكن أن نقول: مجهول، لماذا؟ لأنه لم يرو عنه إلا شخص واحد أو روى عنه جمع لكنه لم يعرف بجرح ولا تعديل نسميه مجهول، فكيف إذا كانت الرواية عن رجل أو شيخ هذا مبهم أشد أنواع الجهالة فوجود هذا الرجل الذي لم يسمّ، أو الشيخ الذي لم يسم هذا ذكره مثل عدمه، ولذلك سموه منقطعًا، وبعضهم وصفه ونعته بالمرسل، هذه وجهة نظر من يقول: إنه مرسل أو منقطع، وأشار بعض تلامذة الناظم بقوله:
قلت الأصح أنه متصلُ |
| لكن في إسناده من يجهلُ |
وهو متصل، لكن فيه مجهول، والخلاف لفظي وإلا معنوي؟ يعني سواء قلنا: مرسل أو متصل، فيه مجهول؟ نعم؟ النتيجة واحدة، كله الرد، النتيجة واحدة، لكن بناء عل اتصال الإسناد، وأن كل واحد ممن ذكر تلقاه عمن فوقه هو من حيث الاصطلاح متصل، نعم فيه إسناده مجهول، فمن خلال تطبيق القواعد هو متصل، وإن كانت النتيجة أن هذا الاتصال وجوده مثل عدمه، فتسميته بما لا يعينه لا تنفع، هناك من المبهمات أو من المهمل ما لا يستطاع الوصول إليه، كما لو قال: عن حماد، وعجزنا أن نميز حماد هل هو ابن زيد أو ابن سلمة؟ ما استطعنا أن نميز هذا لا يؤثر؛ لأن كل منهما ثقة، وقل مثل هذا لو قال: عن سفيان ولم نستطع أن نميز لا يضر، لكن الإشكال فيما إذا اشترك في هذا الاسم المهمل الذي لم نستطع تمييزه أكثر من راوٍ فيهم الثقة وفيهم الضعيف، فيرد الخبر من أجله، أو يتوقف في الحكم عليه حتى يتبين.
أمَّا الَّذِي أرْسَلَهُ الصَّحَابِيْ |
| فَحُكمُهُ الوَصْلُ عَلى الصَّوَابِ |
مرسل الصحابي: ما يرويه الصحابي عن صحابي آخر، مما لم يسمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، إما لصغر سنه، أو لغيبته، أو لتأخر إسلامه، فالصحابي الصغير الذي ما أدرك من حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا الشيء اليسير أكثر روايته بالوسائط عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه فاته من زمن الرسالة ومدة النبوة سنين ذكر فيها أحاديث ما حضرها، وكذلك من تأخر إسلامه فاته شيء كثير، وروى حديثًا كثيرًا أكثر مما يحتمله مدة إسلامه، أو مدة إدراكه للرواية بعد كبره، أو حضوره مع النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لكثرة غيبته، فمثل هؤلاء يروون عن الصحابة، وأحاديثهم تسمى مراسيل الصحابة، وإذا كان ابن عباس لصغر سنه، وهو من أقرب الناس إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن أحرص الناس على التلقي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- رغم صغر سنه، فقد توفي النبي -عليه الصلاة والسلام- هو ابن ثلاثة عشر سنة يناهز البلوغ، ولما يحتلم، مع قربه من النبي -عليه الصلاة والسلام- وحصره ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وزوج خالته، خالته أم المؤمنين ويبيت عندها، ولقربه من النبي -عليه الصلاة والسلام- صف في صلاة العيد، وأدرك من صفتها ما لم يدركه غيره لهذا القرب، إذا كان هذا ابن عباس بهذه المنزلة وبهذا المثابة اختلف فيما يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدون واسطة فقيل: أربعة أحاديث فقط، ما يروي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا أربعة أحاديث، الباقي كلها بواسطة، ومنهم من قال: عشرة، ومنهم من قال: عشرون، والحافظ ابن حجر يقول: تتبعتُ ما صرح ابن عباس بسماعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- مما صح سنده أو حسن فبلغت الأربعين، وهو من المكثرين وكثير منها لا يصرح بالواسطة بينه وبين النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهي من مراسيل الصحابة.
ماذا نقول عن هذه المراسيل؟ يعني حديث عائشة في قصة بدء الوحي، هل أدركت بدء الوحي؟ ما ولدت -رضي الله عنها- لكن الذي يغلب على الظن أنها سمعته من النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنها تنقل عنه أنه قال: ((فضمني)) مما يدل على أن المتحدث النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالذي يغلب على الظن أنها سمعته بدون واسطة، يعني أعاده لها، ولا يبعد أن يعيده لها، يعني هذا من أشهر الأخبار أول حدث مما يتعلق بالدين في حياته -عليه الصلاة والسلام-، لا يبعد أن يعيده عليها، وفي ألفاظه ما يدل على أنها سمعته منه مباشرة، المقصود أن بعض الأخبار التي يرويها الصغار تكون بواسطة، وهم يحذفون الواسطة، فيسمى عند أهل العلم مرسل الصحابي.
أما الذي أرسله الصحابي |
| فحكمه الوصل على الصوابِ |
فحكمه الوصل المقتضي للاحتجاج به على الصواب، المشهور عند المحدثين؛ لأن الصحابي لا يروي إلا عن صحابي، والصحابي حجة ثقة، الصحابة كلهم عدول، ولو لم يسموا، فإذا كان الصحابي أرسله فالذي يغلب الظن أنه عن صحابي آخر، والصحابة كلهم عدول، فمرسل الصحابي حكمه الوصل في الاحتجاج، فهو حجة، ونقل على ذلك الاتفاق خلافًا لأبي إسحاق الإسفراييني الذي يقول: حكمه حكم المرسل العادي، احتمال أن الصحابي يروي عن تابعي، والتابعي احتمال أن يكون ثقة أو غير ثقة، فيرد ما يرد على مرسل غير الصحابي، هذا بالنسبة للصحابي الذي له رؤية وله رواية، أما الصحابي الذي ليس له سماع من النبي -عليه الصلاة والسلام- كمحمد بن أبي بكر الذي لم يدرك من حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا ثلاثة أشهر، ثلاثة أشهر فقط؛ لأن أمه أسماء بنت عميس ولدته في ذي الحليفة في حجة الوداع، فلم يدرك من حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا ثلاثة أشهر، مثل هذا الذي يغلب على الظن أن مخالطته للتابعين أكثر من مخالطته للصحابة، فمثل هذا لا يقبل مرسله، وبهذا يلغز مرسل صحابي لا يقبله من يقبل مرسل الصحابة، وهو مرسل أو مرفوع تابعي يقبله من يرُد المراسيل، وهو ما تقدم، مرسل أو حديث محمد بن أبي بكر لا يقبل، ومرفوع التنوخي رسول هرقل الذي سبقت الإشارة إليه مقبول، فيعايا بها من الجهتين.
اللهم صل على محمد...
"الموجود الآن يتفاوت أحكامه، فبعضه بآلة فهذا لا يجوز بحال، وبعضه يشتمل على ألفاظ ممنوعة في الشرع، وحينئذ لا يجوز بحال، بعضه برأ من الألفاظ، وبرأ من الآلات لكنه يؤدى بطريقة الأعاجم أو بلحون أهل الفسق حينئذ لا يجوز، كما قرر ذلك أهل العلم، فإذا انتفت هذه المحظورات الثلاثة، برئت ألفاظه من المحظور وسلم من الآلات المحرمة وأدي بلحون العرب فلا بأس به، وقد أنشد بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- على أن الإكثار من الشعر جاء فيه الحديث الصحيح: ((لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا حتى يريه خير له من يمتلئ شعرًا)) والمراد بــ (يمتلئ) بحيث لا يستوعب غيره، فإذا كانت فيه مزاحمة من هذا الشعر لما هو أهم منه يمنع.
يقول: وما رأيك بها في دور القرآن؟
دور القرآن كغيرها، لكن المتجه لحفظ القرآن ودراسة القرآن، قراءة القرآن، وإقراء القرآن ينبغي أن يكون همه القرآن وما يخدم القرآن، نعم لو كان في دور القرآن الشاطبية مقررة، الشاطبية شعر تخدم القرآن والقراءات، هذه لا بأس بها، لكن إذا كان لا علاقة لها بالقرآن فقارئ القرآن ينبغي أن يتفرغ له، والله المستعان.
الحديث سواء في اللفظ هذا أو ذاك مضعف عند أهل العلم، ومنهم من قواه وأثبته على أقل درجات القبول، ويبقى أنه إن ثبت فالمراد به التهويل من شأن الربا، والتشديد في أمره.
نعم إذا كان معناه صحيح ثبت بأدلة أخرى أو بقواعد عامة يعمل به، أما إذا كان معناه صحيحًا يعني لا يخالف عقل هذا لا يكفي، لا يكفي في العمل به؛ لأنه لا بد أن يكون العمل قد سبقت له شرعية من الكتاب أو السنة، عمل ليس عليه دليل من الكتاب ولا السنة، ولو كان صحيحًا، يعني في نظر المكلف، فالصحة وعدمها إنما تتبع الورود في الشرع، فما ورد في الشرع فهو صحيح، وما لم يرد في الشرع فليس بصحيح ولو صححه العقل، فإن كان يشهد له دليل آخر من الكتاب أو من السنة فالعبرة بالدليل الآخر، وإن كان يدخل تحت قواعد عامة فالعمل بالقواعد العامة.
الذي أعرف أن هذا مستنبط من جملة أحاديث، مستنبط من قبل أهل العلم من جملة أحاديث، يعني مثل من سأل عن الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله؟ هذا سؤال قبل أن تقع القصة، ثم وقع له، نسأل الله السلامة والعافية، قال أهل العلم: إن البلاء موكل بالمنطق، ومثل هذا السؤال لا يحسن المبادرة به، فإذا وقع نسأل الله السلامة والعافية سئل عنه.
هذا يقول: بالنسبة للحديث الذي ذكرته في الدرس الماضي حديث ابن عباس الذي هو قوله: لكنه استنبطه من آية أو حديث، هل هو حديث ابن جريج قال: أخبرني عطاء، قال ابن عباس: "لا يطوف بالبيت حاج ولا غير حاج إلا حل"، قلت: يا عطاء من أين يقول ذلك؟ قال: من قوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [(33) سورة الحـج]، قال، قلت: فإن ذلك بعد المعرف فقال: كان ابن عباس يقول هو بعد المعرف وقبله، وكان يأخذ ذلك من أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أمرهم أن يحلوا قبل في حجة الوداع. أخرجه مسلم في الحج باب من طاف بالبيت العتيق فقد حل. أخرجه البخاري في المغازي.
هذا الحديث ذكرت أني نسيته في الدرس الماضي من درس الألفية، وأن ابن عباس قال: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقلت: يحتمل أنه أمرهم بأمر خاص في المسألة بعينها، ويحتمل أنه أخذه من أمر عام يندرج فيه هذا الأمر الخاص، والإخوان أبدوا احتمالات بعضهم يجزم وبعضهم يستظهر، وهذا ذكر حديث لكن الحديث الذي أريده حديثًا في صحيح مسلم قصة كريب مولى ابن عباس لما صام مع معاوية والناس يوم الجمعة، وهم في المدينة لم يصوموا إلا السبت لم يصوموا إلا السبت، فلما جاء إلى المدنية قال: صمنا مع معاوية والناس الجمعة قال ابن عباس: إنا لم نره، وقد أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، أخذ منهم من أخذ، واستدل بالحديث من يقول باختلاف المطالع، والحديث نص في اختلاف المطالع، وأن لأهل الشام رؤية غير رؤية أهل المدينة، وإلا لو كانت الرؤية واحدة للزم الناس كلهم الصوم، فأخذ بهذا الخبر من قال باختلاف المطالع، وابن عباس قال: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيحتمل أنه سمع أمرًا خاصًّا من النبي -عليه الصلاة والسلام - في هذه المسألة بعينها، وأنه إذا رآه أهل بلد أو إقليم بحيث لا يرى في غيره من الأقاليم أن لكل أهل بلدٍ رؤيتهم، ويحتمل أنه أخذه من عموم قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته))، والحديث محتمل أن يكون خطابًا للأمة بكاملها، وحينئذ تتحد المطالع بحيث لو رئي في المغرب لزم أهل المشرق والعكس، ويحتمل أنه ممن تتأتى منه الرؤية في البلد الذي تتأتى في الرؤية، أما البلد الذي لا تتأتى فيه الرؤية، ولا تمكن رؤيته فيه حيث إن الهلال لم يولد ولم يخلق في هذا البلد، هذا الحديث محتمل للأمرين؛ ولذا يرى أهل العلم مع علمهم بحديث ابن عباس وقصة كريب وهم من أهل التحقيق وهم من أهل الأثر يرون أن المسألة فيها سعة وأن الأمة على مدى أربعة عشر قرنًا ما حصل بينهم خلاف في هذه المسألة وأن لكل رؤيته، سواء قيل باتحاد المطالع أو باختلافها فالحديث يحتمل، وقول ابن عباس: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحتمل أنه استنبطه من هذا الحديث الذي يدل على القولين معًا، أن صوموا لرؤيته يحتمل أن يكون خطابًا للأمة بكاملها، الاحتمال الأول: أن الرؤية الحقيقة البصرية، وأن من رآه يلزمه الصيام، وأن من لم يره، ولو كان في بلد رؤي فيه لا يلزمه الصيام؛ لأنه لم يتحقق أنه رآه، هذا إذا قلنا: إن الخطاب للأفراد، لكن لم يقل به أحد من أهل العلم، وإن كان اللفظ محتملًا؛ نعم لأنه قد يقال: ماذا عن من لم يستطيع الرؤيا، كالأعمى مثلًا، فهو خطاب للمجموع لا للجميع، فإذا رؤي في بلد، صح أنهم رأوه؛ فيلزمهم الصوم، وأما على القول الثاني: وهو القول باختلاف المطالع فمعروف، اختلاف المطالع حديث كريب دليل عليه، وإن كان وجه الاستنباط يعني فيه دليل القصة صريح، لكن استدلال ابن عباس مثل ما قلنا: يحتمل أنه أخذه من نص خاص، ويحتمل أنه أخذه من اللفظ العام؛ ولذا قول من يقول: إن قول الصحابي: "أُمرنا"، أو "نُهينا" نعم يحتمل أنه أمر خاص بمسألة بعينها، ويحتمل أنه استند إلى أمر شرعي، استند إلى أمر شرعي يتناول هذه المسألة بعمومه، لكن ما يقال مثل ما قال داو د الظاهري، وبعض المتكلمين: إن مثل هذا لا يحتج به أصلًا؛ لأن الصحابي قد يسمع كلامًا يظنه أمرًا، أو نهيًا، وهو في الحقيقة ليس بأمر، ولا نهي، هذا الكلام باطل؛ لأنه يلزم عليه أن الصحابة لا يفهمون مدلولات الألفاظ الشرعية، وإذا لم يعرف الصحابي من يعرفها بعد، نعم؟
طالب:......
يلزم حتى يُرى في البلد الذي هو فيه.
طالب:......
ولو صام، حتى يُرى؛ لأنه لا يصدق عليه أن يوم الواحد والثلاثين يوم عيد في هذا البلد، هو من رمضان قطعًا، المقصود أنه يصام، الأمر بالصيام حتى يرى الهلال، يشمله ويشمل غيره، لكن لا يقل الشهر عن تسعة وعشرين، لو كان العكس مثلًا، صام يوم السبت بالمدينة، وأهل الشام صاموا يوم الجمعة، وذهب إلى الشام، وأفطروا تسعة وعشرين، وهو ما صام إلا ثمانية وعشرين، نقول: الشهر لا ينقص عن تسعة وعشرين يومًا.
طالب:......
نعم يقضي يومًا.
طالب:......
يفطر معهم ما يجوز الصيام يوم العيد، يفطر معهم، ويقضي يومًا.
الذي أعرف أنه رد على من نزل الأحاديث على الواقع والاختراعات، أظنه (إيضاح المحجة في الرد على صاحب طنجة) في هذا الموضوع.
أهل العلم يمنعون البول تحت شجرة لها ثمرة، فلا ينبغي أن تسقى أو تسمد بنجاسات، لكن إذا حصل فالذي يظهر أن هناك فرقاً بين الجلالة وبين هذه الثمرة؛ لأن الجلالة تلتقط النجاسة مباشرة، وهذه الثمرة ما تسمد به أو تسقى به لا ينتقل إلى الثمرة مباشرة، وإنما ينتقل إلى غصون وجذوع الشجر، أولاً في العروق، ثم في جذوع الشجر، وقد يكون طويلاً ثم في الغصون، ثم بعد ذلك يصل إلى الثمرة بعد مراحل، ويكون بذلك قد طاب، ولا يكون في الثمرة مباشرة كما تأكل الجلالة النجاسة مباشرة، ففرق بين هذا وهذا، والأمر في سقي الشجرة أسهل من كون الداجنة تأكل النجاسات؛ لأنها تبني عليها جسدها، أما بالنسبة للشجرة، بالنسبة للثمرة فإن هذا الماء وهذا السماد يمر بقنوات متعددة من العروق إلى الجذوع إلى الأغصان ثم بعد ذلك يصل إلى هذه الثمرة.
نعم، إذا كان ضعيفًا ويقبل الإنجبار، والمرسل يقبل الانجبار نص أهل العلم على أن المرسل مما ينجبر يكون دليلاً واحدًا له طرق، أما إذا كان المسند يثبت بنفسه فقل: دليلان به يعتضد، على ما تقدم.
المقصود أن مثل هذا مما يعتضد به، إذا جاء من وجوه أخرى، وخلت هذه الوجوه عن المواطئة، بمعنى أنها تباينت طرقها فهي صحيحة.
الفرق بينهما واضح وجلي، فالذي يزكي نفسه بمعنى أنه يمدحها، ويثني عليها، وينفي عنها المعايب، ويثبت لها المحاسن، أما من يحسن الظن بالله -جل وعلا- فإنه يعترف بنقصان نفسه، وبارتكابه ما يرتكب من معاص وبتقصيره في الواجبات، فهو منكسر بين يدي ربه، ومع ذلك علمه بسعة رحمة الله -جل وعلا- يجعله يحسن الظن به، مع خوفه من ذنوبه وتقصيره فيما أوجب الله عليه.
بلى يتصور، لكنه لن يروي عن تابعي وهو يجد صحابيًّا، وقد عاصر الصحابة وأمكن.... نعم؟
طالب:..........
إلا رواية الأكابر عن الأصاغر، هذا موجود.
لهما استدراك مثلما استدرك الدارقطني، وهما معروفان، أبو علي الجياني له معرفة وخبرة وعناية بالصحيح بصحيح البخاري، وأيضًا على صحيح مسلم، وله المبهمات، وله في المهملات في أسانيد البخاري الشيء الكثير، ومثل ابن مسعود الدمشقي لهم عناية في الصحيح، ولهم انتقادات، ولكن لا يعني أنهما مصيبان في كل ما يقولان.
إن كان يقصد بذلك الطبعات القديمة فمصدرها مصر في الغالب، وطبع أكثرها في مصر، وطبعت في تركيا، وطبعت في الشام، طبعت في المغرب، طبعت في الهند وهذا كثير جدًّا، لكن أكثر الكتب القديمة إنما تم طبعها في مصر، وأكثر المطابع في مصر، وللكتب هذه سماسرة معروفون عند الكتبيين لو اتصل بهم لدلوه على أماكن هذه الكتب، وهذه الكتب إنما ترد إلينا وإلى غيرنا من مصر، هذا إذا كان يقصد الطبعات القديمة، إذا كان يقصد كتب الأصول الذي هو علم الأصول القديمة فهي موجودة في كل بلد ولا ينظر إلى نوعية الطبعات فما زالت المطابع تطبع من الكتب القديمة.
هذا يمكن بمعرفة طبقات الرواة، وابن حجر بيّن في التقريب هذه الطبقات -رحمه الله تعالى-.
المرسل رده ليس بيقين، إنما سببه الجهل بحال الراوي، وبحثنا مسألة الراوي المجهول، وهذا من أهم المسائل التي تبحث في مثل هذا، الراوي المجهول هل الجهالة ضعف، يعني تصريح بجهالة الراوي؟ هل هي قدح وجرح فيه؟ أو هي عدم علم بحاله؟ هل هي جرح؟ إذا قيل في الراوي: مجهول، أو هي عدم علمٍ بحاله، وعلى هذا فهل نقول: إن لفظ مجهول من ألفاظ التجريح؟ أو هي بين التعديل والترجيح عدم علم بحال الراوي؟ في مراتب الجرح يذكر مجهول في مراتب الجرح، سواء كانت عند ابن أبي حاتم، أو عند ابن الصلاح أو النووي أو العراقي أو الذهبي أو ابن حجر، يذكرون المجهول في مراتب الجرح، فعلى هذا هي قدح في الراوي، ويكون الرد لجهالة راويه، وإذا قلنا بالقول الثاني: إن الجهالة عدم علم بحال الراوي، وعليه يدل كلام ابن حجر في النخبة في شرحها "ومن المهم معرفة أحوال الرواة تعديلًا أو تجريحًا أو جهالة" فجعل الجهالة قسيم للتعديل والتجريح، فعلى هذا لا يجزم بضعف الخبر لراوٍ قيل فيه: إنه مجهول حتى تتبين حاله هل هو مجروح أو معدل؟ ويدل على ذلك قول أبي حاتم في كثير من الرواة: "فلان مجهول أي لا أعرفه" وإذا كانت الجهالة عدم علم بحال الراوي فإنه يتوقف الخبر، فإذا ارتفعت، إذا وجد ما يرجح أحد جانبي التردد في حال الراوي، فإن حديثه ينجبر، والشروط التي اشترطها الإمام الشافعي قوية ترجح أن هذا المجهول رجحت عدالته على ضعفه.
الطبعة المصرية الواقعة في ثمانية عشر جزءًا الذي طبعت منذ أكثر من ما يقرب من ثمانين سنة، ألف وثلاثمائة وسبعة وأربعين، أو ثمانية وأربعين في ثمانية عشر جزءًا، طبعة طيبة فاخرة وجميلة، وما صور عنها يأخذ حكمها، والذي لديه جلد في قراءة الكتب المطبوعة على الحواشي، فما طبع على إرشاد الساري الطبعة الخامسة من شرح النووي طيبة جدًّا، فتح الباري أفضل الطبعات رددناه مرارًا وقلنا طبعة بولاق أفضل الطبعات، فإن لم توجد فالطبعة السلفية الأولى إذا صححت أخطاؤها؛ لأن فيها جداول في آخر كل مجلد للخطأ والصواب، كتب السنن الأربعة أما سنن أبي داود فالطبعة الأخيرة طبعة محمد عوامة، يعني من حيث ضبط النص جيدة ووقف على نسخ منها نسخة الحافظ ابن حجر، وقابل مقابلة طيبة على أن فيه بعض التعليقات شيء لا يسلم من شوب البدعة، وأما جامع الترمذي فطبعاته أجودها طبعة الشيخ أحمد شاكر في المجلد الأول والثاني وبقية الكتاب يؤخذ من طبعة الشيخ الدكتور: بشار عواد معروف، وسنن النسائي الكبرى طبعة شعيب الأرناؤوط طيبة متقنة، وأما بالنسبة للمجتبى فالطبعة المصرية الواقعة في ثمانية مجلدات مع حاشية السندي والسيوطي، ابن ماجه ذكرنا في درس ابن ماجه أن طبعة بشار عواد معروف طيبة، وتلافى فيها كثيرًا من الأخطاء الموجودة في الطبعات السابقة.
التنوخي رسول هرقل جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في تبوك، وهو كافر، وانصرف كافرًا، ولم يسلم إلا بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فحد الصحابي لا ينطبق عليه، من رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمنًا به، يعني حال كونه مؤمنًا به، وهذا رآه حال كونه كافرًا به، وأسلم بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو تابعي وليس بصحابي، لكنه سمع من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة فليس فيه انقطاع.
يقول: هناك من يفرق بين النظرية وبين ما تكون قاعدة يبنى عليها حيث يقول: إن النظرية قد تختلف من حين لآخر، وعليه فلا يكون هناك على تنزيل هذه النظرية على آية أو حديث شيء من التلاعب أو التناقض في الآية والحديث؛ لأن هذا إنما هو قدح في صاحب النظرية لا في الآية أو في الحديث وعليه يقول: إن هذا إنما هو مما يقوي النظرية فليس من......؟
هذا الكلام ليس بصحيح، يعني إذا نزلنا الخبر القطعي اليقيني على أمر محتمل للنفي والإثبات فإننا نعرض النص للنفي والإثبات، لا نكن إمعات، قالوا: صعدنا إلى الكواكب، ووصلنا إلى القمر، وقلنا: صدقوا، وسعينا جاهدين لتأويل النصوص، ثم بعد ذلك وجد من يكذب منهم هذه الأخبار، ثم نقول بعد ذلك: لا ما وصلوا، بعد ذلك سمعنا قبل سنين، يعني في حرب الذي يسمونها ثلاثة وسبعين، وعداوة اليهود ظاهرة للمسلمين، سمعنا من يقول بتبرئة اليهود من دم المسيح، فوجد من المسلمين من يكذب هذه التبرئة لا تصير علومنا قابلة للاهتزاز، يعني نخالف القرآن من أجل عداوة اليهود، لا، نقول: وجد من يبرأ اليهود من دم المسيح من النصارى، ثم يأتي من المسلمين من يقول: لا، قتلوه، قتله اليهود، والله -جل وعلا- ينفي هذا في القرآن، فالنصوص يجب أن تصان عن مثل هذا.
يعني إذا صنف البلد بأنه دار حرب أو دار إسلام فدار الإسلام لا يحرم السفر إليها، لكن لا ينبغي أن ينتقل الإنسان من بلد محافظ، المعاصي والمنكرات فيه قليلة ومختفية، إلى بلد تظهر فيه المعاصي والمنكرات، بل المطلوب منه العكس.
المشهور عند أهل العلم والذي جرى عليه الاصطلاح ومشوا عليه أن المرسل ما يرفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمقصود بمشاركة الحفاظ إذا عرضت أحاديثه على أحاديث الحفاظ، يعني روى ما يرويه الناس، ولم يقع في رواياته هذه ما يخالف ما رواه من هو أثق منه، وإذا خالف باللفظ فهل يرد؟
لا يرد إذا كانت المخالفة يسيرة.
معروف الذيل المعروف في مجلدين كبار، مطبوع معه، وكذلك هدية العارفين.
..... أسماء الكتب والمصنفين، كلها مطبوعة في سلسلة، ستة مجلدات كبار.
والله أنا بعيد العهد جدًّا، لكن تقرب من ستمائة كتاب، والذين طبعوه لفقوا في الفهارس، فهارس المراجع، فجمعوا، أحيانًا تجدونهم يذكرون مراجع القسم الأول، ومراجع القسم الثاني وهي كتاب واحد يردد مرتين أو ثلاث، فزادت المراجع على ألف، يمكن تداخلها لتكون يمكن سبعمائة لتصل إلى سبعمائة.
ابن عباس نقل عن كعب، ولكنه أقل من غيره، وعلى كل حال ما يتعلق بالقرآن قد يكون في قوله قوة من أثر الدعوة النبوية.
أسباب الإرسال على ما سيأتي في أسباب التدليس، إما لكونه يريد الاختصار في الإسناد، أو يتفنن في سياق الأسانيد مرة يسند ومرة يرسل، أو لكون من يروي عنه أصغر منه فيأنف في الرواية عنه، أو لكون من يروي عنه من التابعين قد يكون في مكان لا يليق ذكره به؛ لئلا يتسبب في ترك العمل بالحديث، قد يكون في مجتمع لا يريدون مثل هذا الراوي، أو مثلًا في مجتمع نواصب مثلًا والخبر من حديث آل البيت مثلًا أو العكس، فهو يريد أن يعمل بالحديث، ويتلقى عنه الحديث، أو إذا كان بعد من التابعين، وكثر خصومه ومخالفوه قد يحذفه لهذا الغرض.
أولًا: الحلف بغير الله جاء النهي عنه صراحة، ومن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك، ومعلوم أن المراد بذلك الشرك الأصغر، وليس الأكبر المخرج عن الملة إلا إذا قصد من وراء ذلك الحلف تعظيم المحلوف به، كتعظيم الله -جل وعلا-، فهذا أمره آخر، وجاء الحديث في النهي عن ذلك فقال: ((لا تحلفوا بآبائكم)) وقال ابن مسعود: "لأن أحلف بالله كاذبًا خير من أحلف بغيره صادقًا"، إذا تقرر هذا؛ فالحلف بغير الله حرام، بل شرك كما جاء في الحديث، والشرك الأصغر عند أهل العلم أعظم من الكبائر، نعم جاء في صحيح مسلم في الروايات المتداولة: ((أفلح وأبيه إن صدق))، في حديث الرجل الذي قال: "والله لا أزيد على ذلك ولا أنقص" يعني على الفرائض. أما رواية البخاري لهذا الحديث بعينه فليس فيه ((وأبيه))، إنما: ((أفلح إن صدق))، والحافظ ابن حجر ينقل عن السهيلي أنه وقف على نسخة عتيقة صحيحة من صحيح مسلم فيها: ((أفلح والله إن صدق))، فكأن اللامين قصرتا فأشبهت في الصورة وأبيه، من حيث الصورة الصورة واحدة إذا قصرت اللامان في لفظ الجلالة فرسمها مثل رسم أبيه، والله مثل أبيه، إذا قصرت اللامان صارت الصورة واحدة، فكلام السهيلي يدل على أن هذه مصحفة ولا توجد في الأصل؛ علمًا بأن تخريج البخاري بدونها لا شك أنه إعلال لها وإعراض عنها، ويدل على ذلك ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من النهي، أهل العلم يجيبون عن مثل هذا فيقولون: لعله قبل النهي؛ لأنه لا يمكن أن يعارض قوله بفعله، ولو كانت المسألة مسألة نهي ((لا تحلفوا بآبائكم))، لقلنا: إن وروده في مثل هذا الحديث دليل على أن النهي للكراهة، ويكون صارفًا من التحريم من الكراهة، لكن إذا أخبر عنه بأنه شرك والشرك لا ينسخ ولا يصرف، الشرك شرك، وهو داخل وإن كان صغيرًا في قول الله -جل وعلا-: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء]، فهذه الآية شاملة للشرك الأكبر والأصغر، إلا أن الفرق بينهما أن الأكبر يخلد في النار، والأصغر لا يخلد؛ بل لا بد من عذابه، في قول جمع من أهل العلم، وآخرون يرون أنه حكمه حكم كبائر الذنوب تحت المشيئة.
إذا كان المرسل ليس بثقة يرد بسببه، وتكون الآفة منه.
أقول: لا يمنع أن لطالب العلم في مرحلة الطلب يتمرن ويخرج بعض الأحاديث، وينظر في الأسانيد، ويعرض على أهل الاختصاص، لا لإفادة الآخرين، وإنما ليستفيد بنفسه، لا مانع من ذلك، وكلما تجاوز مرحلة زاد في التخريج والنظر في الأسانيد حتى يتأهل.
أولًا: تسميتها استراحة هذا تسمية حادثة لم يرد فيه نص يدل على أنها استراحة، بل هي زيادة تكليف؛ لأن قيام الإنسان من السجود إلى القيام مباشرة أريح له من كونه يثني رجله ثم يقوم، والشباب لا يدركون مثل هذا، يدركه من تقدمت به السن أو ابتلي في ركبتيه، يجد أن القيام مباشرة أفضل له من أن يثني ركبتيه، وأنتم ترون كيف يقوم كبار السن يقومون على أيديهم ويرفعوا مقاعدهم قبل رؤوسهم، ولو كانوا يستطيعون مثل هذه الجلسة ويحتاج إليها في الكبر، أنا أقول في الكبر يحتاج إلى تركها، قد يحتاج الكبير إذا كبر تقدمت به السن يحتاج إلى ترك هذه الجلسة؛ لأنها زيادة تكليف، وثبتت من فعله -عليه الصلاة والسلام- في حديث مالك بن الحويرث في البخاري، وفي بعض طرق حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- كما قال ذلك ابن القيم وابن حجر، وثبتت من أمره -عليه الصلاة والسلام- للمسيء فأمره بها وأرشده إليها في كتاب الاستئذان من صحيح البخاري، فشرعيتها ثابتة وهي مستمرة إلا من عجز عنها، فابن القيم -رحمه الله تعالى- يقرر أنه إن احتيج إليها يعني عند الحاجة، عند الحاجة تُجلس ولا نقول لا قد يحتاج إلى تركها لا إلى فعلها؛ لأنه ليست جلسة على ما يقولون العوام تنقض التعب لا هي مجرد ثني الرجلين وجلوس خفيف جدًّا ثم القيام، هذه زيادة تكليف، فهي مشروعة لكل مصلٍّ، وقد يقول قائل: إذا كان الإمام لا يجلس جلسة الاستراحة فهل نوافقه أو نخالفه؟ نقول: لا، نخالفه مثل لو كان لا يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام أو الركوع أو الرفع منه أو القيام من الركعتين، لا يتابع على ترك السنة، وهي لا تخل بالمتابعة؛ لأنها خفيفة جدًّا،ونحن نفعلها منذ أزمان ونستقيم وفي قيامنا قبل بعض الناس الذين لا يفعلونها، يعني لا يلزم عليها تأخير عن الإمام أبدًا، ومن يقول: إن فيها مخالفة للإمام نقول: قد يكون الإمام ممن يفعلها، فإذا تركتها تكون خالفت الإمام وأنت لا تشعر، فأنت لست بمطالب بموافقة الإمام في ترك السنة، فإذا تقرر لنا أنها سنة فتفعل على كل حال.
لا، يعني الأصح والمرجح عند أهل العلم الإرسال، ولا يعني أنه صحيح، يعني الصحيح من القولين، لا الصحيح في حكم الخبر.