التعليق على كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة (02)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام ابن رجبٍ –رحمه الله تعالى-: وخرَّج أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده عن الحسن قال"

الأصبهانيُ.

طالب:.........

كيف؟

طالب: أبو الشيخ صفة؟

الأب الفاعل.

"وخرَّج أبو الشيخ الأصبهانيُ بإسناده عن الحسن، قال لو أن رجلاً من الصدر الأول بُعث اليوم ما عرف من الإسلام شيئًا إلا هذه الصلاة، ثم قال: أما والله، لئن عاش عَلَى هذه النكرات فرأى صاحب بدعةٍ يدعو إِلَى بدعته، وصاحب دنيا يدعو إِلَى دنياه، فعصمه الله –عزَّ وجلَّ- وقلبه يحن إِلَى ذلك السلف الصالح".

السلفِ.

"وقلبه يحن إِلَى ذلك السلفِ الصالح فيتبع آثارهم، ويستن بسنتهم، ويتبع سُبلهم كان له أجرٌ عظم.

وروى المبارك بن فضالة عن الحسن أنه ذكر الغني المترف، الَّذِي له سلطانٌ يأخذ المال ويدعي أنه لا عقاب عليه، وذكر المبتدع الضال الَّذِي خرج بسيفه عَلَى المسلمين، وتأوَّل ما أنزله الله في الكفار عَلَى المسلمين، ثم قال: سُنتكم والله الَّذِي لا إله إلا هو بينهما بين الغالي والجافي، والمُترف والجاهل، فاصبروا عليها، فإن أهل السُّنَّة كانوا أقل الناس الذين لم يأخذوا من أهل الإتراف إترافهم ولا مع أهل البدع أهواءهم، وصبروا عَلَى سُنتهم، حتى أَتَوا ربهم، فكذلك إِن شاء الله فكونوا".

هنا أشار إلى طريقة أهل البدع أن يستدلوا بالنصوص في تأييد بدعهم، ولكنهم يُنزلونها في غير مواقعها، يجعلون ما أنزله في الكفار في عُصاة المسلمين، ويُنزلون أحاديث الوعيد التي يُقابلها من أحاديث الوعد ما يُقابلها يجعلونها في محاور المسلمين كما يفعل الخوارج.

طالب: يقول أنهم بين المترف والجاهل، يعني جعل المترف مقابل الجاهل؟

في الغالب أن الغنى يصحبه شيءٌ من المعرفة ما هو مثل الجاهل المشغول في تحصيل المعيشة عن معرفة ما يدور حوله. 

"ثم قال: والله لو أن رجلاً أدرك هذه النُّكُرات، يقول هذا: هَلُم إليَّ، ويقول هذا: هَلُم إِلَيّ، فيقول: لا أريد إلا سُنَّة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- يطلبها ويسأل عنها، إِن هذا ليُقرض له أجرٌ عظيم، فكذلك إِن شاء الله فكونوا".

طالب: ما يُقرض يعني يُفرض أحسن الله إليك؟

يُفرض له.

"ومن هذا المعنى ما رواه أبو نعيم وغيره، عن كُميل بن زيادٍ، عن عليٍّ -رضي الله عنه- أنه قال: الناس ثلاثة: فعالمٌ رباني، ومتعلمٌ عَلَى سبيل نجاة، وهمجٌ رُعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إِلَى ركنٍ وثيق، ثم ذكر كلامًا في فضل العلم إِلَى أن قال: هاه إِن ها هنها -وأشار إِلَى صدره- علمًا، لو أصبت له حملة، بل أصيبه لقن".

لقنًا.

"بل أُصيبه لقنًا غير مأمونٍ عليه نستعمل آلة الدين للدنيا، نستظهر بحجج الله عَلَى كتابه، وبنعمته عَلَى عباده أو منقادًا لأهل الحق، لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشك في قلبه بأول عارضٍ من شبهة، لا ذا، ولا ذا، أو منهومًا بالذات".

باللذات.

"أو منهومًا باللذات سلس الانقياد للشهوات، أو مغرى بجمع المال والادخار، وليسا من دعاة الدين، أقرب شبهًا بهما الأنعام السارحة، كذلك يموت العلم بموت حامليه، اللهم بلى لن تخلوا الأرض عن قائمٍ لله بحجةٍ لكي لا تبطل حججَ الله وبيناته".

حججُ.

"لكي لا تبطل حججُ الله وبيناته أولئك هم الأقلون عددًا والأعظمون عند الله قدرًا، بهم يدفع الله عن حُججه حتى يؤدونها إِلَى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم عَلَى حقيقة الأمر، فاستلانوا ما استوعر منه المترفون، وأَنَسُوا بما استوحشَ منه الجاهلون، صحبوا الدُّنيَا بأبدان، أرواحها معلقةٌ بالمنظر الأعلى، أولئك خلفاء الله في بلاده، ودعاته إِلَى دينه، هاه هاه شوقًا إِلَى رؤيتهم".

طالب:........

هذا من قول الكُميل صاحب الدعاء المعروف الذي يعتني به الرافضة.

"فقسَّم أمير المؤمنين-رضي الله عنه- حملة العِلْم إِلَى ثلاث أقسام:

قسمٌ هم أهل الشبهات، وهم من لا بصيرة له من حملة العلم، بل ينقدح الشك في قلبه بأول عارضٍ من شبهة، فتأخذه الشبهة، فيقع في الحيرة والشكوك ويخرج من ذلك إِلَى البدع والضلالات.

وقسمٌ هم أهل الشهوات، وجعلهم نوعين:

أحدهما: من يطلب الدُّنْيَا بنفس العِلم، فيجعل العِلم آلة لكسب الدُّنيَا.

والثاني: من يطلب الدُّنيَا بغير العِلم وهذا النوع ضربان:

أحدهما: من همه من الدُّنْيَا لذاتها وشهواتها، فهو منهومٌ بذلك، سريع الانقياد إلَيهِ.

والثاني: من همه جمع الدُّنيَا واكتنازها وادخارها، وكل هؤلاء ليسوا من دعاة الدين، وإنما هم كالأنعام، ولهذا شبَّه الله تعالى من حُمِّل التوراة ثم لم يحملها بالحمار الَّذِي يحمل أسفارًا، وشبَّه عالم السوء الَّذِي انسلخ من آيات الله وأخلد إِلَى الأرض واتبع هواه بالكلب، والكلب والحمار أخس الأنعام وأضل سبيلاً".

طالب: أحسن الله إليك يقول في النوع الثاني، قال: وجعلهما نوعين: أحدهما: من يطلب الدُّنيَا بنفس العِلم؟

بالعلم يعني بالدين.

طالب: والثاني من همه الدنيا لذاتها وشهواتها ما الفرق؟

أين؟

لكن ما يطلبها...مكشوف لا يطلبها بحيلة.

طالب: يعني ما لها علاقة بالدين؟

لا.

طالب: يعني يعمل في التجارة. وهذا أشد من يطلبها بالدين؟

أيه بلا شك هو بيَّن ذاك بيَّن في ... إن هذا أشد أعوذ بالله، هذا يجمع بين السيء الذي هو حب الدنيا وإيثارها على الآخرة، والوسيلة إلى اكتسابها واقتناصها.

طالب: ويدخل في الثلاثة الذين هم أول من تُسعَّر بهم النار مثل هذا؟

نعم هذا الذي يجمع الدنيا.

طالب: هذا أشد ولا هذاك أشد؟

لا ذاك أشد؛ لأن ما يتعلق بالقلب أشد مما يتعلق بالمال.

"القسم الثالث من حملة العِلْم هم أهله وحملته، ورعاته والقائمون بحجج الله وبيناته، وذكر أنهم الأقلون عددًا، الأعظمون عند الله قدرًا إشارةً إِلَى قلة هذا القسم وعزته في حملة العِلم".

"وعزته" يعني نُدرته.

"وغربته بينهم".

طالب يعني هذا الكلام أحسن الله إليك في وقت علي بن أبي طالب؟

نعم، لكن ينظرون إلى أدنى نسبة من هذا النوع وهي بالنسبة لهم ومقامهم عظيمة؛ لأنها أمور فيها تناسب بين الزمان وأهل الزمان.

طالب: فيها أقل المخالفات كبيرة؟

نعم، كما جاء في الخبر أنتم في زمانٍ من عمل فيه بتسعة أعشار الدين وترك عُشره هلك، وسيأتي زمان العكس من عمل فيه بالعُشر نجا.

طالب: هذا مرفوع؟

لا لا آثار مروية عن السلف، لكن مع ذلك المسألة كلما بعُد العهد اختلف الوضع، كلما بعُد العهد ونسوا ما نُزِّل إليهم، ونسوا العهود والمواثيق التي أُخِذت عليهم يعني تكون التبعات أقل ما هي بمثل تباعات من عاصر النبي وعاشره –عليه الصلاة والسلام- وسمع منه مباشرة؛ ولذلك الذي يرد قوله مباشرةً، يقولون: لا، يكفر، لكن الذي يرده بعد عقود وقرون هنا ما في مصادمة بينه وبين الرسول، تُسمى ذاك معاندة. 

"وقد قسَّم الحسن البصري -رحمه الله- حملة القرآن إِلَى قريبٍ من هذا التقسيم الَّذِي قسَّمه عليٌّ -رضي الله عنه- لحملة العِلم.

قال الحسن: قُراء القرآن ثلاثة أصناف:

صنفٌ اتخذوه بضاعةً يأكلون به، وصنفٌ أقاموا حروفه وضيعوا حدوده، واستطالوا به عَلَى أهل بلادهم، واسدنوا به الولاية، كثر هذا الضرب من حملة القرآن، لا كثَّرهم الله".

"استطالوا" تكبروا على الناس على أنهم أهل القرآن.

"واسدنوا به الولاية" اسدنوا يعني صار لهم سدنة يحمونهم.

طالب: لكنهم تكبروا في الوقت الذي هم يطلبون بالقرآن الدنيا.

أين؟

طالب: يعني هم يطلبون الدنيا بالقرآن؟

غير الذين يأكلون به، هذا الصنف الذين يأكلون به واضح.

طالب: هذا الصنف الثاني.

"واسدنوا به الولاية، كثر هذا الضرب من حملة القرآن، لا كثَّرهم الله.

وصنفٌ عمدوا إِلَى دواء القرآن، فوضعوه عَلَى داء قلوبهم، فركدوا به في محاريبهم، وحنُّوا به برانسهم واستشعروا الخوف، وارتدُّوا الحزن".

وارتدوا.

"استشعروا" يعني جعلوه شعارًا، والشعار اللباس الذي يلي البدن، ويُلامس شعر البدن.

"وارتدوا الحزن" يعني: لبسوه فوق هذا الشعار كما جاء في الحديث «الأنصار شعار والناس دثار».

طالب: يعني هم....؟

أقرب من غيرهم.

"فأولئك الذين يسقي الله بهم الغيث، وينصر بهم عَلَى الأعداء، والله لهؤلاء الضرب من حملة القرآن".

الضربِ.

"والله لهؤلاء الضربِ من حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر، فأخبر أن هذا القسم- وهم الذين قرئوا القرآن لله وجعلوه دواءً لقلوبهم، فأثمر لهم الخوف والحزن- أعز من الكبريت الأحمر بين قُراء القرآن".

طالب: الكبريت الأحمر يا شيخ هذا...؟

هو نوع مسلوم وهو نادر جدًّا لا يكاد يُذكر من ندرته.

طالب: لكن كان مُستعمل عندهم؟

مُستعمل لكنه نادر ما يُرى، أكثر الناس ما رأوه؛ لندرته وقلته يضربوه في المثل.  

"ووصف أمير المؤمنين عليٌّ -رضي الله عنه- هذا القسم من حملة العلم بصفات:

منها: أنه هجم بهم العِلم عَلَى حقيقة الأمر، ومعنى ذلك أن العِلم دلهم علَى المقصود الأعظم منه، وهو معرفة الله تعالى، فخافوه وأحبوه، حتى سهل بذلك عليهم كل ما تعسر على غيرهم ممن لم يصل إِلَى ما وصلوا إليهِ، ممن وقف مع الدُّنيَا وزهرتها، واغتر بها ولم يباشر قلبه معرفة الله وعظمته وإجلاله.

فلذلك قال: استلانوا ما استوعر منه المترفون، فإن المترف الواقف مع شهوات الدنيا ولذاتها يصعب عليه ترك لذاتها وشهواتها؛ لأنه لا عوض عنده من لذات الدنيا إذا تركها، فهو لا يصبر على تركها".

انظر الآن الموظف سواءٌ كان كبير أو صغير إذا تُرك من هذا الوظيفة إما ببلوغ السن للتقاعد أو لوحظ عليه أشياء أُعفي، ماذا يكون مآله بعد الإعفاء؟ إن كان عنده بديل ما تأثر، إن كان ما عنده بديل خلاص انتهى، في فرق بين أن يُعفى عسكري مثلاً برتبةٍ كبيرة، وبين أن يُعفى عالم عامل باذل هذا ما يتأثر هذا أفضل له.

طالب: ولا يشعر بالنقص أصلاً.

ما يشعر، بعض العلماء لما انتهوا من الوظيفة صارت حياتهم أكثر شغلاً والناس إليهم أشد حاجة؛ ولذلك واحد من القضاة لما انتهى وتقاعد، وهو ما هو من الباذلين الذين لهم طلاب، لكن له عناية بالقرآن، قيل في رثائه:

لئن كنت في عصر الوظائف رائعًا

 

فأنت في عصر التقاعد أروعٌ

لكن انظر البيت الثاني هل هو أروع ولا لا؟

تفرغت فقد صرت

 

في عصر التقاعد أروعًا

لأنه يقول:

تفرغت للذكر الحكيم تلاوةً

 

تُردده صبحًا وممسىً ومهجعًا

طالب:  الله أكبر هذ رابح؟

هذا رابح نعم، أنا أعرف من شيوخنا من امتلأ بيته من طلاب العلم، ومسجده من بعد التقاعد -والله المستعان- نعم. 

"وهؤلاء في قلوبهم العوض الأكبر بما وصلوا إليه من لذة معرفة الله ومحبته وإجلاله، كما كان الحسن يقول: إن أحباء الله هم الذين ورثوا طيب الحياة وذاقوا نعيمها بما وصلوا إليه من مناجاة حبيبهم، وبما وجدوا من لذة حبه في قلوبهم في كلامٍ يطول ذكره هاهنا في هذا المعنى".

طالب: هذا الحسن البصري أحسن الله إليك؟

نعم، تقول عائشة: من هذا الذي يُشبه كلامه كلام النبوة؟ مُلهم.

"وإنما أنس هؤلاء بما استوحش منه الجاهلون؛ لأن الجاهلين بالله يستوحشون من ترك الدنيا وشهواتها؛ لأنهم لا يعرفون سواها، فهي أُنسهم وهؤلاء يستوحشون من ذلك، ويستأنسون بالله وبذكره".

المُبتلى بالأكل والشرب والطعام ومنهومٌ به وما له بديل عنده إذا أُصيب بمرض يمنعه من هذا الطعام كيف تصير حاله؟

طالب: تنتكس حياته.

تنتكس حياته، تدري إن يعض الناس يقول: أن ما أقدر أصوم عشان الشاي؛ لأنه ألفه ما يستطيع أن يمشي بدونه.

طالب: ولا صبَّر نفسه واستشعر.

الذي يستشعر البديل هذا مفروغٌ منه، لكن بعضهم نازل عليهم الشراهة؛ لأنه خلاص ألِف هذا وصار ديدنه، فصعب عليه فراقه؛ ولذلك كل أمور الدنيا على الإنسان أن يضع له فيها خط رجعة في يوم من الأيام تتركها، إما تركتك تركتها.

طالب: يعني ألا يتعلق بها أحسن الله إليك؟

ما يتعلق بها.

طالب: يعني يحاول أنه ما يتعلق بشيءٍ؟

لا يؤثر عليه، أنت تدري أن أنواع مما يُشرب ويُؤكل يؤثر على التفكير، بالنسبة للدخان معروف إدمان، والقهوة كذلك، والشاي وغيره -والله المستعان- فمثل هذا يجعل الإنسان على حذر من الاستمرار في أمورٍ يألفها فلا يستطيع تركها.

طالب: والعلاج –أحسن الله إليك- أن الإنسان يحاول يعني ما يُلازم شيء؟

ما يلازم شيء، ويجعل في ذهنه أنه تاركه في يومٍ من الأيام فلا يُصدم إذا حصل الترك.

طالب: لكن هذا الذي يترك الصيام من أجل الشاي، هذا هل هو انغماس في الدنيا أو تعلق بها؟

تعلق بهذا الأمر بالشاي، وهو من أمور الدنيا.

طالب: لكن لو كان عنده إيمان قوي بأجر الصيام وما يترتب عليه من الحسنات العظيمة؟

على كل حال.....

طالب: يعني هي المسألة لها علاقة بالتعلق بالدنيا؛ لأنه صعب كيف يترك الصيام من أجل الشاي؟!

طيب الذي يبدأ بطلب العلم ثم يتركه من بعد أن حصَّل علمًا يستطيع المواصلة معه بمفرده، يعني أصَّل وحصَّل ما يحتاج إليه في تأسيس وتأصيل العلم، ثم يتركه، نقول: هذا ما يستحضر النصوص الواردة في فضل العلم والعلماء ومنازلهم؟ ما يستحضر، والغفلة هي أساس كل شر، نعم.  

"فهي أُنسهم وهؤلاء يستوحشون من ذلك، ويستأنسون بالله وبذكره، ومعرفته ومحبته وتلاوة كتابه.

والجاهلون بالله يستوحشون من ذلك ولا يجدون الأنس به.

ومن صفاتهم التي وصفهم بها أمير المؤمنين عليٌّ -رضي الله عنه-: أنهم صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها".

بأبدانٍ أرواحُها.

"أنهم صحبوا الدنيا بأبدانٍ أرواحُها معلقةٌ بالمنظر الأعلى، وهذا إشارةٌ إلى أنهم لم يتخذوا الدنيا وطنًا، ولا رضوا بها إقامةً ومسكنًا، إنما اتخذوها ممرًا ولم يجعلوها مستقرًا.

وجميع الكتب والرسل أوصت بهذا، وقد أخبر الله تعالى في كتابه عن مؤمن آل فرعون أنه قال لقومه في جملة وعظه لهم: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر:39].

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عمر –رضي الله عنه-: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» وفي رواية: «وَعُدَّ نَفْسَكَ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ»".

كان ابن عمر يقول: إذا أصبحت لا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، ومع ذلك لا يُتصور أن ابن عمر يقول: انتظر الموت اضطجع انتظر الموت، بل يقول: اعمل، واعتمل الأسباب فيما ينفعك في دينك ودنياك وأنت تتصور إن هذا بحيث لو باغتك الأجل صرت مستعد من جهة.

الأمر الثاني: ما يكون الأمر مهول جدًّا؛ لأنك قد....لا يُفاجأ الإنسان بشيءٍ ما استعد له.

"ومن وصايا المسيح المروية عنه -عليه السلام- أنه قال لأصحابه: اعبروها ولا تعمروها".

يعني الدنيا.

"وعنه -عليه السلام- أنه قال: من الذي يبني على موج البحر دارًا؟ تلك الدنيا فلا تتخذوها قرارًا.

فالمؤمن في الدنيا كالغريب المجتاز ببلدةٍ، غير مستوطنٍ فيها، فهو يشتاق إلى بلده، وهمه الرجوع إليه، والتزود بما يوصله في طريقه إلى وطنه، ولا يُنافس أهل ذلك البلد المستوطنين فيه في عزهم، ولا يجزع مما أصابه عندهم من الذل".

طالب: هذا تصوير لحال المؤمن في الدنيا؟

نعم، كُن في الدنيا كأنك غريب، تصور أنك جاي لبلد ما تعرف ولا تُعرف، ماذا ستفعل؟

طالب: ما تهتم تسكن في أي مكان تأكل في أي مكان؟

نعم.

"قال الفضيل بن عياضٍ: المؤمن في الدنيا مهمومٌ حزين، همه مرمة جهازه".

"مرمة" ترميم يعني إصلاح أمره، نعم.

"وقال الحسن: المؤمن في الدنيا كالغريب لا يجزع من ذلها، ولا يُنافس في عزها، له شأنٌ وللناس شأن.

وفي الحقيقة فالمؤمن في الدنيا غريب؛ لأن أباه إنما كان في دار البقاء، ثم أُخرِج منها، فهمه الرجوع إلى مسكنه الأول، فهو أبدًا يحن إلى وطنه الذي أُخرج منه كما يقال: حب الوطن من الإيمان".

"كما يُقال" ما قال في الحديث هذا ليس بحديث.

طالب: وهل هو منسوبٌ لأحد أحسن الله إليك؟

ما أعرف له نسبة، لكنها جِبلة هذا كل إنسان يجده من نفسه، أما كونه من الإيمان فلا شك أن الحفاظ على الوطن الذي هو البلد بلد المسلمين محل عيشهم فلا يجوز التفريط به بحال، شرعًا لا يجوز من الإيمان بلا شك.

طالب: لكن لا يجوز التفريط به من جهة المحافظة على دينه ودين الناس؟

باعتباره ملك ممتلك من أملاك المسلمين كلٌّ في بيته والبلد مُشاع بين المسلمين، وكلٌّ مالكٌ لما استولى عليه، وما ملَّكه الله إياه فلا يجوز التفريط به؛ ولذلك للإنسان أن يبذل نفسه دون ماله «ومن قُتِل دون ماله فهو شهيد» وهذا منه.    

"وكما قيل:

وَكَمْ مَنْزِلٍ لِلْمَرْءِ يَأْلَفُهُ الْفَتَى

 

وَحَنِينُهُ أَبَدًا لِأَوَّلِ مَنْزِلِ

ولبعض شيوخنا في هذا المعنى".

ابن القيم رحمه الله.

طالب:..........

ما أعرف ما في إشكال بينه وبينه.

طالب: يعني ما يلزم؟

لا ما يلزم. 

ولذلك في ترجمة ابن القيم في (دليل الطبقات) يقول: قرأت عليه، نعم.

طالب: يقول ابن رجب؟

نعم.

فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّهَا

 

وَحَنِينُهُ أَبَدًا لِأَوَّلِ مَنْزِلِ

وَلَكِنَّنَا سَبْيُ الْعَدُوِّ فَهَلْ تَرَى

 

نَعُودُ إِلَى أَوْطَانِنَا وَنُسْلَّمُ

وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ الْغَرِيبَ إِذَا نَأَى

 

وَشَطَّتْ بِهِ أَوْطَانُهُ فَهُوَ مُغْرَمُ

وَأَيُّ اغْتِرَابٍ فَوْقَ غُرْبَتِنَا الَّتِي

 

لَهَا أَضْحَتِ الْأَعْدَاءُ فِينَا تَحَكَّمُ

هذا بعهد ابن القيم تحكَّم بهم الأعداء.

طالب: الله المستعان لو رأى واقعنا ما قال...كان قال أكثر من هذا الله المستعان. 

"والمؤمنون في هذا أقسام: منهم من قلبه معلقٌ بالجنة، ومنهم من قلبه معلقٌ عند خالقه، وهم العارفون، ولعل أمير المؤمنين إنما أشار إلى هذا القسم، فالعارفون أبدانهم في الدنيا وقلوبهم عند المولى".

طالب: هل هنا –أحسن الله إليك- ذكر قسمين أو قسم واحد؟

أين؟

طالب: هنا قال: "منهم من قلبه معلقٌ بالجنة، ومنهم من قلبه معلقٌ عند خالقه".

لأنه منازل هؤلاء مثل الأبرار، وهؤلاء المقربون.

"وفي مراسيل الحسن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يروي ذلك عن ربه تعالى قال".

وأضعف المراسيل مراسيل الحسن.

طالب: وأقواها أحسن الله إليك؟

سعيد بن المسيب.

"«عَلَامَةُ الطُّهْرِ أَنْ يَكُونَ قَلْبُ الْعَبْدِ عِنْدِي مُعَلَّقًا، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَنْسَنِي عَلَى حَالٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ مَنَنْتُ عَلَيْهِ بِالِاشْتِغَالِ بِي، كَيْ لَا يَنْسَانِي، فَإِذَا لَمْ يَنْسِنِي حَرَّكْتُ قَلْبَهُ، فَإِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ لِي، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ لِي، فَذَلِكَ الَّذِي تَأْتِيهِ الْمَعُونَةُ مِنْ عِنْدِي».

وأهل هذا الشأن هم غرباء الغرباء، وغربتهم أعز الغربة، فإن الغربة عند أهل الطريقة غربتان: ظاهرةٌ، وباطنة.

فالظاهرة: غربة أهل الصلاح بين الفُساق، وغربة الصادقين بين أهل الرياء والنفاق، وغربة العلماء بين أهل الجهل وسوء الأخلاق، وغربة أهل الآخرة بين علماء الدنيا الذين سُلِبوا الخشية والإشفاق، وغُربة الزاهدين بين الراغبين في كل ما ينفد وليس هو بباق.

وأما الغربة الباطنة: فغربة الهمة، وهي غربة العارف بين الخلق كلهم، حتى العلماء والعباد والزهاد، فإن أولئك واقفون مع علمهم وعبادتهم وزهدهم، وهؤلاء واقفون مع معبودهم، لا يُعرِّجون".

لا يعرجون.

"لا يعرجون بقلوبهم عنه.

كان أبو سليمان يقول في وصفهم: همتهم غير همة الناس، وإرادتهم من الآخرة غير إرادة الناس، ودعاؤهم غير دعاء الناس.

وسُئل عن أفضل الأعمال، فبكى وقال: أن يطَّلع على قلبك".

قلبِك.

"أن يطَّلع على قلبِك فلا يراك تُريد من الدنيا والآخرة غيره.

وقال يحيى بن معاذ: الزاهد غريب الدنيا، والعارف غريب الآخرة يشير إلى أن الزاهد غريبٌ بين أهل الدنيا، والعارف غريبٌ بين أهل الآخرة، لا يعرفه العُباد ولا الزُّهاد، وإنما يعرفه من هو مثله، وهمته كهمته".

يعني تقسيم الصالحين والأخيار إلى هذه الأقسام التي ذُكِرت هو فرعٌ عن تقسيم الصوفية إلى العوام والخواص، وخواص الخواص.

ابن رجب –رحمه الله- من خلال من نقل عنهم يدل على أن عنده شيء من التأثر بهم، مما لا يصل إلى حد المُخالفة إنما يصل إلى حد الزيادة في العمل عندهم، مثل زيادتهم في عملهم، أما تصورهم الذي ببلغ ببعضهم إلى أو وصل إلى الحد مسألة الفناء، ومسألة وحدة الوجود بعضهم وصل به الحد إلى وحدة الوجود، وذكر محمد حامد الفقي في مقدمة (مدارج السالكين) من هؤلاء من وصفهم بأنهم من أهل الوحدة وحدة الوجود.

طالب: يُنقل عنهم؟

ينقل عنهم ابن القيم وابن رجب.    

"وربما اجتمعت للعارف هذه الغرباتِ كلها".

الغرباتُ.

"وربما اجتمعت للعارف هذه الغُرباتِ كلها أو كثيرٌ منها أو بعضها، فلا تسأل عن غربته حينئذٍ، فالعابدون ظاهرون لأهل الدنيا والآخرة، والعارفون مستورون عن أهل الدنيا والآخرة.

قال يحيى بن معاذ: العابد مشهورٌ والعارف مستور، وربما خفي حال العارف على نفسه؛ لخفاء حاله، وإساءته الظن بنفسه".

طالب: يعني –أحسن الله إليك- العارف عندهم أرفع من العابد؟

نعم العابد يمكن يكون عامي بعد، والمعرفة لا تكون إلا عن علم، لكن الاصطلاحات هذه في أصلها اصطلاحات صوفية، ولا يلزم أن يكون كل متصوف خلاف الجادة أو خلاف الطريق، حتى قال بعض المتصوفين المعروفين المشهورين: من عرض عمله فلم يُوافق الكتاب والسُّنَّة فليس منَّا، لكنه يعمل تفرغ للعمل.

طالب: لن هل يكون العارف عندهم –أحسن الله إليك- بمعنى يعني من بلغ مرتبةً معينة في العبادة والزُّهد، ولا ما يلزم أن يكون المقصود به العلم؛ لأنهم ليسوا أهل علم في الغالب؟

فيهم علم، لكن غلبت عليهم العبادة، وصرفتهم عن شيءٍ من العلم، وأُصيبوا بشيءٍ من الغفلة عن تحفظ العلم؛ لأنهم اتجهوا إلى ما هم بصدده من العمل وضعف عندهم جانب العلم، وهم الذين يقول فيهم أهل العلم: أصابتهم غفلة الصالحين.   

"قال إبراهيم بن أدهم: ما أرى هذا الأمر إلا في رجلٍ لا يعرف ذاك من نفسه، ولا يعرفه الناس منه.

وفي حديث سعدٍ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ التَّقِيَّ».

وفي حديث معاذٍ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ الْأَخْفِيَاءَ الْأَتْقِيَاءَ، الَّذِينَ إِذَا حَضَرُوا لَمْ يُعْرَفُوا، وَإِنْ غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا أُولَئِكَ أَئِمَّةَ الْهُدَى وَمَصَابِيحُ الْعِلْمِ»".

طالب: المعنى صحيح أحسن الله إليك؟

مثل ما سبق الغني الحفي التقي، الأحفياء الأتقياء، والأخفياء يعني إذا حضروا في مجلس ما يُؤبه لهم ولا يُعرفون.

طالب: يعني ما يُنظر إلى عبادتهم؟

نعم.  

"وعن عليٍّ قال: طوبى لكل عبد لومةٍ".

لوَّمة.

"طوبى لكل عبد لوَّمةٍ عرف الناس، ولم تعرفه الناس، وعرفه الله منه برضوان، أولئك مصالح الهدى، تجلى عنهم كل فتنة مُظلمة.

قال ابن مسعودٍ -رضي الله عنه-: كونوا جُدد القلب".

القلوب.

"كونوا جُدد القلوب خُلقان الثياب، مصابيح الظلام، تَخفون على أهل الأرض وتُعرفون في أهل السماء".

طالب جُدد من الجداد أحسن الله إليك؟

نعم.

طالب:.......

جدد قلبك وإيمانك، لكنه أساسًا ما هو بلازم يجدد.

طالب: بخلاف كثيرٌ منَّا الله المستعان. 

الله يعفو ويسامح.

"فهؤلاء هم أخص أهل الغربة، وهم الفرارون بدينهم من الفتن، وهم النُّزاع من القبائل، الذين يحشرون مع عيسى ابن مريم -عليه السلام- وهم بين أهل الآخرة أعز من الكبريت الأحمر، فكيف يكون حالهم بين أهل الدنيا؟!".

كالذين يُحشرون مع محمد نبيهم –عليه الصلاة والسلام- لا شك أن هذا أكمل، لكن عيسى –عليه السلام- تميز بالعبادة والانصراف عن الدنيا، وأُثِر عنه أقوال في هذا الباب.

"وتخفى أحوالهم غالبًا على الفريقين كما قال القائل:

تورايت من دهري بظلٍّ جناحه

 

فعيني ترى دهري وليس يراني

فلو تسأل الأيام ما اسمي ما درت

 

وأين مكاني ما عرفن مكاني

ومن ظهر منهم للناس، فهو بينهم ببدنه، وقلبه معلقٌ بالملأ الأعلى، كما قال أمير المؤمنين في وصفهم، وكما قيل:

جسمي معي غير أن الروح عندكم

 

فالجسم في غربة والروح في وطن

وكانت رابعة تُنشد في هذا المعنى:

ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي

 

وأبحت جسمي من أراد جلوسي

فالجسم مني للجليس مؤانسٌ

 

وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي

وأكثرهم لا يقوى عَلَى مخالطة الخلق".

يعني ما يستطيع يوفِّق إذا خالط الخلف فرَّط في حق الخالق على حد زعمه، فالخلطة لها إيجابياتها ولها النصوص التي تدعو إليها، أما إذا زادت الفتن والشرور بحيث لا يستطيع الإنسان أن يؤثِّر في غيره ويخشى أن يؤثر، فالعزلة.

طالب: لكن يا شيخ –أحسن الله إليك- أليس هذا فيه مبالغة؟

كيف؟

طالب: يعني كلام...؟

هو أصله مأخوذ من القوم، مثل ما قلت لك سابقًا في اصطلاحات في أصلها من العُباد الزُّهاد الذين آثروا العمل على العلم.

طالب: لكن ما يُوافَقون على كل شيء؟

لا.    

"وأكثرهم لا يقوى عَلَى مخالطة الخلق فهو يفر إِلَى الخلوة بحبيبه، ولهذا كان أكثرهم يُطيل الوحدة.

قيل لبعضهم: ألا تستوحش؟ قال: كيف أستوحش وهو يقول: أنا جليس من ذكرني؟!

وقال آخر: وهل يستوحش مع الله أحد؟

وعن بعضهم: من استوحش من وحدته فذاك لقلة أنسه بربه.

كان يحيى بن معاذٍ كثير العزلة والانفراد، فعاتبه أخوه فقال له: إن كنت من الناس فلابد لك من الناس، فقال يحيى: إن كنت من الناس، فلا بد لك من الله.

وقِيل له: إذا هجرت الخلق مع مَن تعيش؟ قال: مع من هجرتهم له.

وأنشد إبراهيم بن أدهمٍ في هذا المعنى:

"هجرت الخلق طَرًّا في هواكا".

طُرًّا.

طالب: ما معناها؟

جميعًا.

هجرت الخلق طُرًّا في هواكا

 

وأيتمت العيال لكي أراكا

فلو قطعتني في الحب إربًا

 

لما حنَّ الفؤاد إِلَى سواكا

هذه ورقة زائدة، هذه زائدة، لكن الزيادة في مقابلها نقص في الغالب.

طالب: يعني عندي نقص؟

أنا عندي زيادة هذه الورقة زائدة.

طالب: مكررة؟

تسعة وعشرين ثلاثين مكررة.

"وعُوتِب غزوان على خلوته فقال: أصبت راحة قلبي في مجالسة من لديه حاجتي".

الذي يُوفَّق ويُرزق الأنس بالله ما يستوحش، والأنس بأوليائه تجد كثيرٍ من طلبة العلم -ونحن منهم يعني نتحدث عن أنفسنا- تجده إذا جلس عنده العابد اللاهج بذكر الله إذا طال مجلسهم معه يستثقله، بينما المرح الذي يُسمونه واسع الصدر ... والله المستعان.

"ولغربتهم بين الناس ربما نُسب بعضهم إلى الجنون؛ لبُعد حاله من حال الناس، كما كان أويسٌ يقال ذلك عنه.

وكان أبو مسلمٍ الخولاني كثيرُ".

كثيرَ.

"وكان أبو مسلمٍ الخولاني كثيرَ اللهج بالذكر، لا يفتر لسانه منه، فقال رجلٌ لجلسائه: أمجنونٌ صاحبكم؟ قال أبو مسلم: لا يا أخي، ولكن هذا دواء الجنون.

وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اذْكُرُوا اللَّهَ حَتَّى يَقُولُوا مَجْنُونٌ»".

والحديث ضعيف.

طالب: مُخرَّج في المُسند أحسن الله إليك؟

لا، مُخرَّج عند أحمد.

طالب: في المُسند؟

في المُسند.

طالب: لكنه ضعيف الحديث.

"وقال الحسن في صفتهم: إذا نظر إليهم الجاهل حسبهم مرضى وما بالقوم مرض، ويقول: قد خولطوا، وقد خالط القومُ أمرٌ عظيم".

القومَ.

"وقد خالط القومَ أمرٌ عظيم هيهات والله مشغولون عن دنياكم.

وفي هذا المعنى يقول القائل:

وحرمة الود ما لي عنكم عوض

 

وليس لي في سواكم سادتي غرضُ

ومن حديثي بكم قالوا به مرضٌ

 

فقلتُ لا زال عني ذلك المرضُ

وفي الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصى رجلاً، فقال: «اسْتَحْيِ مِنَ اللَّهِ كَمَا تَسْتَحْيِي مِنْ رَجُلَيْنِ مِنْ صَالِحِي عَشِيرَتِكَ، لَا يُفَارِقَانِكَ».

وفي حديثٍ آخر عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «أَفْضَلَ الْإِيمَانِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ مَعَكَ حَيْثُ كُنْتُ»".

طالب: حديث «اسْتَحْيِ مِنَ اللَّهِ» ضعيف أحسن الله إليكم؟

رقم اثنين؟

طالب: نعم.

مادام تورَّد به ابن عدي.

طالب: فالأصل أنه ضعيف؟

نعم.

وما نُمي لعق وعد وخط وكر

 

ومُسند الفردوس ضعفه شُهِر

لعق: العقيلي، وعد: ابن عدي، وكر: ابن عساكر.

طالب: لكن –أحسن الله إليك- ما في حديث حسنًا أو صحيحًا؟

يعني استحي من الله؟

طالب: لا قصدي في عند عد ابن عدي؟

إذا كان مروي عند غيره ما تفرَّد به.

طالب: لكن لو تفرَّد؟

لو تفرَّد ضعيف هذه القاعدة.

طالب: ولا شذ عن القاعدة شيء؟

على كل حال ما نحن راح ننقب عنه، هذه القاعدة عند أهل العلم إذا صُحح شيء يُنظر فيه يُدرس.  

"وفي حديثٍ آخر عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «أَفْضَلَ الْإِيمَانِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ مَعَكَ حَيْثُ كُنْتُ».

وفي حديثٍ آخر: "أنه سُئل -صلى الله عليه وسلم-: ما تزكية المرء نفسه؟ قال: «أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ مَعَهُ حَيْثُ كَانَ».

وفي حديثٍ آخر عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «ثَلَاثَةٌ فِي ظِلِّ اللهِ يَوْمَ لاً ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، فذكر منهم رَجُلٌ حَيْثُ تَوَجَّهَ عَلِمَ أَنَّ اللهَ مَعَهُ»".

طالب: هذا غير حديث السبعة؟

نعم غيره وضعيفٌ جدًّا، الذي في الصحيح سبعةٌ يظلهم الله.

"وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه سُئل عن الإحسان فقال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك».

ولأبي عبادة البُختري في هذا المعنى أبياتٍ حسنة".

البُحتري.

"ولأبي عبادة البُحتري في هذا المعنى أبياتٍ حسنة، لكنه أساء بقولها في مخلوق، وقد أصلحت منها كلماتٍ حتى استقامت على الطريقة:

كَأَن رقيبا مِنْك يرْعَى خواطري

 

وَآخر يرْعَى ناظري ولساني

فَمَا أَبْصرت عَيْنَايَ بعْدك منْظرًا

 

يسوؤك إِلَّا قلت قد رمقاني

وَلَا بدرت من فِيّ بعْدك لَفْظَةٌ

 

لغيرك إِلَّا قلت قد سمعاني

وَلَا خطرت من ذكر غَيْرك خطرة

 

على الْقلب إِلَّا عرجا بعناني

إذا ما تسلى القاعدون عن الهوى

 

بذكر فلانٍ أو كلام فلان

وجدت الَّذِي يسلّى سواى يشوقني

 

إِلَى قربكم حتى أملّ مكاني

إخوان صدقٍ قد سئمت لقاهمُ

 

وغضضت طرفي عنهم ولساني

وما البعض أسلى عنهم غير أني

 

أراك عَلَى كل الجهات تراني

طالب: هذه قيلت في الأصل في الله جلَّ وعلا؟

لا، قيلت في مخلوق للبحتري، ويقول: أصلحت منها بعض الكلمات.

"انتهى ما ذكره الشيخ فسح الله في مدته من هذا الكلام"

يعني في حياته رحمه الله.

"والحمد لله وحده، وصلى الله عَلَى سيدنا محمدٍ وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا".

طالب: لكن يا شيخ في إشكال يعني ما يذكره ابن رجب في مثل شرح هذا الحديث هل هو المقصود من كلام النبي –صلى الله عليه وسلم- يعني إلى هذا الحد أن الإنسان لا يُطيق العيش مع الناس؟

هذا إذا خاف على دينه، وإلا الأصل أن الإنسان مدني بالطبع، الأصل الخلطة، ولا تقم حياته بمفرده، لا يُمكن أن تقوم الحياة بالفرد.

طالب: فد تكون هذه –أحسن الله إليك- يعني هذه النقول علاج فقط؟

نعم للمفرطين.

طالب: الذي مثلاً لا يستطيع أن يقرأ القرآن ويبقى معه ساعة أو ساعتين، أو ما يستطيع يقوم الليل يُقال له هذا الكلام؟

نعم.

طالب: لكن هذا الكلام ليس مقصود تطبيقه مائة في المائة؟

لا لا.

طالب: يعني يُذم من يفعل هذا أحسن الله إليك؟

الذي يُغرق، لكن لا يترتب عليه تضييع أمور أهم منه، الميزان عندك فاضل ومفضول.

طالب: يعني حتى إن إبراهيم بن أدهم نص على أنه قال: وأيتمت العيال، يعني حتى قصَّر في حقهم؟

لا، ما هو بصحيح.

طالب: من كلامه هو.

انظر إذا لم يكن العلم تام فلا بُد أن يكون الخلل في العبادة، ترى بعض العوام يزيد على ما شرعه الله في عباداته من باب زيادة الحرص.

طالب: وهذا مذموم؟

مذموم بلا شك.

طالب: وقد يكون أصابهم الخلل من جهة نقص العلم؟

نعم.

طالب: أحسن الله إليك جزاك الله خير يا شيخ ونفع الله بك.

"