شرح كتاب الإيمان من صحيح مسلم (27)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- فيما ترجم عليه النووي -رحمه الله-: باب بيان الوسوسة في الإيمان، وما يقوله من وجدها. قرأنا طريقين أو ثلاثة من طرق الحديث المروي في هذا، ولا مانع من قرائتها سردًا للتذكير بها، يقول الإمام مسلم:

"حدثني زهير بن حرب، قال: حدثنا جرير عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه أبي صالح السمان عن أبي هريرة قال: جاء ناس من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: «وقد وجدتموه؟» ".

وقد وجدتموه؟ بحذف الهمزة، وإلا فالأصل: أوجدتموه، يسألهم سؤال، همزة الاستفهام.

"قالوا: نعم، قال: «ذاك صريح الإيمان»، قال: وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة بن الحجاج، ح وحدثني محمد بن عمرو بن جبلة بن أبي رواد وأبو بكر بن إسحق، قالا: حدثنا أبو الجوّاب".

أبو جواب: بالجيم، والواو المشددة، وآخره باءٌ موحدة، واسمه: الأحوص، الأحوص بن جوّاب.

"عن عمار بن رزيق، كلاهما عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الحديث, ثم قال: حدثنا يوسف بن يعقوب الصفار قال: حدثني علي بن عثام، عن سعير بن الخِمس عن المغيرة عن إبراهيم عن علقمة بن قيس النخعي عن عبد الله "قال: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الوسوسة، قال: «تلك محض الإيمان»".

ثم قال:

"حدثنا هارون بن معروف ومحمد بن عباد واللفظ لهارون، قالا: حدثنا سفيان عن هشام عن أبيه".

هارون بن معروف ومحمد بن عباد واللفظ لهارون، قالا: حدثنا سفيان. سفيان على قاعدة الذهبي ابن عيينة، عن هشام وهو ابن عروة عن أبيه عروة بن الزبير.

"عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يزال الناس يتساءلون»".

لا يزال الناس يتساءلون، التساؤل مفاعلة تقع بين اثنين فأكثر، وهي هنا بين اثنين من المسلمين أو بين جماعة، يسأل بعضهم بعضًا هذا السؤال، أو بين المسلم والشيطان، المسلم والشيطان.

 "«حتى يقال هذا خلق الله الخلق»".

هذا يعني متقرر هذا الأمر المتقرر المعروف أن الله خلق الخلق.

"«فمن خلق الله؟»".

هذه خطوات الشيطان، هذه خطوات الشيطان، التي حذرنا الله منها، أن يستدرجنا، وأن نتبعه فيما يأمرنا به من الأقوال والأفعال، هذه وسوسة يقول: فمن خلق الله؟

"«فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل: آمنت بالله»".

وفي رواية: «ورسله» أو «رسوله» فيقطع هذه الوسوسة وهذا السؤال، فليقل: آمنت بالله. وأي شبهة ترد على قلبك ولا دليل لها، ولا معوّل تعتمد عليه هذه الشبهة فإنك تقطعها بقولك: آمنت بالله، لكن إذا وُجِد شبهة لها دليل، ولها من ينافح عنها، ولها من يذبُّ عنها فإنك تردها بمثل ما اعتمدت عليه من الأدلة.

"وحدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو النضر، قال: حدثنا أبو سعيد المؤدِّب عن هشام بن عروة بهذا الإسناد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق السماء، من خلق الأرض؟»".

فتجيبه بالجواب الاضطراري عند المسلمين، الله خلق السماوات والأرض.

"«من خلق الأرض؟ فيقول: الله» ثم ذكر بمثله، وزاد: «ورسله»".

يعني آمنت بالله ورسله. ثم ذكر بمثله يعني بمثل ما تقدَّم من اللفظ، وقلنا: إن الفرق بين قوله: بمثله، وبين قوله: بنحوه أنه إذا قال: بمثله فهو بلفظه، وإذا قال: بنحوه فهو بمعناه.

"حدثني زهير بن حرب وعبد بن حميد جميعًا عن يعقوب، قال زهيرٌ: حدثنا يعقوب بن إبراهيم".

الدورقي.

"قال: حدثنا ابن أخي ابن شهاب".

الزهري عن عمه محمد بن شهاب الزهري الإمام المعروف.

"قال: أخبرني عروة بن الزبير أن أبا هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له: من خلق ربك؟»".

كما في الروايات السابقة: «من خلق الله؟» من خلق ربك؟

"«فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله، ولينته»".

وهذا إذا طرأت الوسوسة على القلب فإنه يطردها وينشغل عنها بقوله: آمنت بالله، والاستعاذة من الشيطان، والنفث عن يساره ثلاثًا بهذا يندحر الشيطان، لكن مع الأسف إن بعض الناس- وهذا موجود حتى في طلبة العلم- من يسترسل مع الشيطان، ويعتمد في ذلك على حرصٍ مع جهل، على حرصٍ مع جهل، ثم يركبه الشيطان كالمطية له إلى أن يخرجه من الدين؛ لأن الشيطان إذا رأى المسلم وأيس من ردته وكفره، فإما أن يجذبه إلى الوراء بإلقاء الشبهات عليه، والشهوات، فيوقعه في المحرمات، فإن لم يستطع؛ لأن كثيرًا ممن أشرب الإيمان في قلبه لا يستجيب لمثل هذه الأمور، إن وجده عصيًّا عليه في جرِّه إلى وراء دفعه إلى الأمام، دفعه إلى الأمام، الوسوسة في هذا من أخطر الأمور.

 أوّلًا: لأنها زيادة في شرع الله، وأيضًا قد يستدرجه الشيطان إلى أن ينسلخ من الإيمان والإسلام، مع زيادته، مع زيادة حرصه، وتأتي الأسئلة ممن ابتُلي بالوسواس أنهم قد لا يصلون الصلوات في وقتها، تبعًا لأوهام يلقيها الشيطان عليهم، جاء من هذا شيء لا يخطر على قلب عاقل، وبعضهم ابتُلي بضربٍ من الهلوسة، بسبب هذا الوسواس، يتكلم مع نفسه في كلامٍ لا علاقة له بزوجته، ليس له أدنى علاقة بزوجته، ثم يأتي يسأل هل طلقت الزوجة أم ما طلقت؟ يقول: قلت لزوجتي: قدمي الغداء، ثم بعد ذلك ما أدري أنا قلت: أنت طالق، أم ما قلت، وهذا كثير في كثير من الناس الذين دخلوا في هذا التيه المظلم.

 يأتي في الساعة الثامنة صباحًا ويقول: أنا إلى الآن ما صليت العشاء، أحاول الوضوء، ثم يقول لي الشيطان: أنت ما نويت، أنت ما غسلت يدك، أنت ما سويت، أنت ما فعلت، فيقول: آمنت بالله ورسله، ويستعيذ بالله من الشيطان، وينفث عن شماله ثلاثًا، وينشغل عنه، وينشغل عنه بالذكر، ينشغل عنه بتلاوة القرآن، ينشغل عن هذا كله، ينشغل عنه بأمورٍ من أنواع العبادات، وقد ينشغل عنه بشيء مباح؛ لأن الاسترسال معه يوقع في الهلوسة، وبعضهم وصل إلى حد الجنون، وبعضهم أُفتِي أنه إذا وصل إلى هذا الحد تسقط عنه التكاليف، ثم يستغرب يقول: أنا مجنون! مجنون ما يحتاج إلى أدلة وبراهين.

 إذا قلت لزوجتك: أحضري الغداء ثم تقول: أنا قلت لها: أنت طالق؟ مدرس قديم يقول في آخر الفصل الدراسي يقول للطلاب ولا يأتي إلا الربع فيأتيني معلِّم فيقول لي: أضم طلابي إلى طلابك، أقول له: نعم لا بأس، ثم يستحلفه بالله هل قلت لك: إن زوجتي طالق؟ هذا الجنون- نسأل الله العافية- فليحذر الإنسان أن يسترسل مع الشيطان، بل يحسم المادة من بداية الطريق، من بداية الطريق، إذا قال له: ما نويت قل: أنا ناوٍ، لماذا جئت إلى المغسلة لأتوضأ إلا مع النية، ولا صليت بلا نية؟ يقول له: لماذا جئت إلى المصلى ووقفت أمام الله -جل وعلا- ومكبر؟ لماذا جئت؟ إلا أنني ناوٍ الصلاة، وهذه هي النية الشريعة المطلوبة، وما زاد على ذلك فهو بدعة.

"حدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث قال: حدثني أبي عن جدي قال: حدثني عقيل بن خالد قال: قال: ابن شهاب: أخبرني عروة بن الزبير أن أبا هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يأتي العبدَ الشيطانُ»".

في هذا قُدِّم المفعولَ على الفاعل، وذلك جائزٌ عند أمن اللبس، إذا كانت العلامات ظاهرة، إذا كانت العلامات ظاهرة، أما إذا كان ظهورها متعذرًا مثل ضرب موسى عيسى، لو قُدِّم المفعول على الفاعل ما يتبين، ما تدري أيهما الفاعل، ضرب موسى عيسى، أيهما الفاعل؟ قدِّم المفعول ما عندك دليل.

"«يأتي العبدَ الشيطانُ فيقول: من خلق كذا وكذا؟» مثل حديث ابن أخي ابن شهاب. حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد قال: حدثني أبي عن جدي عن أيوب".

السختياني. أيوب بن أبي تميمة السختياني، وأبو تميمة اسم أبوه أبو تميمة أليس كذلك؟

طالب: .........

ماذا؟

طالب:...

ما أسمع.

طالب:...

أيوب بن أبي تميمة أبو تميمة السختياني والد أيوب اسمه..؟

طالب:...

نعم، كيسان.

"عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يزال الناس يسألونكم عن العلم»".

لا يزال الناس يسألونكم يعني الصحابة؛ لأنهم هم المرجع في الفتوى بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-.

 "«عن العلم حتى يقولوا: هذا الله خلقنا، فمن خلق الله؟» قال: وهو آخذ بيد رجل، فقال: صدق الله ورسوله، قد سألني اثنان، وهذا الثالث، أو قال: سألني واحد، وهذا الثاني".

عن نفس السؤال؛ لأن الذي قال لا يزال الناس يسألونكم إلى آخره، الذي قاله من لا ينطق عن الهوى. فلا بد، لا يزال الناس يسألونكم هذا خبر من المعصوم. فلا بد من وقوعه.

"وحدثنيه زهير بن حرب ويعقوب الدورقي قالا: حدثنا إسماعيل وهو ابن علية".

إسماعيل وهو ابن علية، وقد يقولون يعني ابن علية، وهم يأتون بـ(هو) يعنى حينما لا ينسب الشيخ شيخه ويراد بيانه بالتعيين مثل هذا يسمونه مهملًا، مهمل إذا ذكر الاسم من غير نسبة سموه مهملًا، وإذا أريد بيانه مما لم يبينه الشيخ للآخذ عنه ساغ له بيانه ويقول: هو ابن فلان، أو يعني ابن فلان، مما يدل على أن البيان ممن بعد الراوي.

"عن أيوب عن محمد قال: قال أبو هريرة: لا يزال الناس، بمثل حديث عبد الوارث".

الذي تقدَّم.

"غير أنه لم يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في الإسناد، ولكن قد قال في آخر الحديث: صدق الله ورسوله".

صدق الله ورسوله، مما يدل على أنه مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"وحدثني عبد الله بن الرومي قال: حدثنا النضر بن محمد قال: حدثنا عكرمة وهو ابن عمار، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

عن أبي هريرة قال: قال لي رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، يُبحَث في كتب علوم الحديث الفرق بين قال فلان، وقال لي فلان، قال فلان، وبين قال لي فلان. يعني في غير الصحابي، فيمن بعد، مثل لو قال البخاري: قال هشام بن عمار، وفي روايات يقول: وقال لي فلان، لا شك أن قال لي مُعيَّنة؛ لأنه مقصود بالقول، بخلاف قال، قد لا يكون القول له، وإنما قاله لغيره، ولذلك جعلوا حكمها حكم العنعنة، حكم عن، قال، يحكم لها بالاتصال بالشرطين المذكورين في قبول السند المعنعن عند أهل العلم. ألا يعرف الراوي بالتدليس، وأن يثبت اللقاء على مذهب البخاري، أو المعاصرة على مذهب الإمام مسلم.

 أما الذي لشيخه قال فكذي

    .......... أما الذي           لشيخه عزا بقال فكذي

عنعنة كخبر المعازف          لا تصغ لابن حزم المخالف

 لأن خبر المعازف يقول البخاري: قال هشام بن عمار، وابن حزم يقول: الخبر لا يصحّ. لا تصغ لابن حزم المخالف.

"قال: قال لي رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «لا يزالون يسألونك يا أبا هريرة، لا يزالون يسألونك يا أبا هريرة حتى يقولوا: هذا الله، فمن خلق الله؟» قال: فبينا أنا في المسجد إذ جاءني ناس من الأعراب، فقالوا: يا أبا هريرة، هذا الله، فمن خلق الله؟ قال: فأخذ حصىً بكفه فرماهم، ثم قال: قوموا صدق خليلي، فأخذ حصىً بكفه فرماهم، ثم قال: قوموا قوموا صدق خليلي".

يعني النبي -صلى الله عليه وسلم-، قد أخبره بذلك، فوقع كما أخبره به بالحرف، السائل حينما يسأل وهو جاهل يُتلطَّف في جوابه، لكن لما تظهر عليه علامات التعنت، وإعجاز المسؤول، وتعجيزه، فهذا يُعامل معاملة خاصة، يقول: فأخذ حصىً بكفه فرماهم، ثم قال: قوموا قوموا، صدق خليلي. فيكون رميه إياهم بالحصى؛ لأنه بان عليهم من العنت والتعجيز ما بان لأبي هريرة، أو لأن هذا السؤال عظيم، عظيم، وجريانه على لسان المسلم فيه شدة وصعوبة كما حصل للصحابة قبل، فمن يتساهل في مثل هذا يحتاج إلى مثل هذا الحصى الذي رماهم به أبو هريرة.

قال -رحمه الله-:

" حدثني محمد بن حاتم قال: حدثنا كثير بن هشام، قال: حدثنا جعفر بن برقان، قال: حدثنا يزيد بن الأصم قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ليسألنكم الناس عن كل شيء، حتى يقولوا الله خلق كل شيء، فمن خلقه؟»".

وهو جارٍ في سياق ما تقدَّم من السؤال عن الله من خلقه، والحكم فيه كما تقدَّم ، قال:

"حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة الحضرمي، قال: حدثنا محمد بن فضيل عن مختار بن فُلفل عن أنس بن مالك، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «قال الله -عز وجل-: إن أمتك لا يزالون يقولون: ما كذا؟ ما كذا؟ حتى يقولوا: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟»".

كما تقدَّم إلا أن هذا حديث قدسي إلهي، ومرّ نظيره فيما تقدَّم .

"حدثناه إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا جرير ح، وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا حسين بن علي عن زائدة كلاهما عن المختار".

يعني ابن فُلفل.

"عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الحديث، غير أن إسحاق لم يذكر قال: «قال الله: إن أمتك»".

بل جعله من قول النبي -عليه الصلاة والسلام-. حدثناه يعود على الحديث المتقدِّم، الحديث المتقدِّم. إلا أنه بينه وبين المتقدِّم اختلاف يسير بأنه في المتقدِّم جعله حديثًا قدسيًّا، وفي المتأخر جعله حديثًا نبويًّا.

ثم قال -رحمه الله- فيما ترجم عليه النووي بقوله: باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمينٍ فاجرة بالنار، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمينٍ فاجرة بالنار. وعيده بالنار. قال:

"حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وعلي بن حُجْرٍ جميعًا عن إسمعيل بن جعفر قال ابن أيوب".

الأول يحيى بن أيوب.

"حدثنا إسمعيل بن جعفر قال: أخبرنا العلاء، وهو ابن عبد الرحمن الحرقي مولاهم، مولى الحرقة".

والحرقة بطن من جهينة، بطن من جهينة.

"عن معبد بن كعب السلمي".

السَّلَمي السَّلَمي نسبة إلى سَلِمة بكسر اللام. والنسبة إلى مكسور الحرف الثاني يكون بفتحها بفتح الحرف الثاني. سلِمة سلَمي، نمرة نمَري، ابن عبد البر النمري، ملِك ملَكي، وهكذا. مكسور الحرف الثاني يُنسب إليه بفتحه. أبو عمر بن عبد البر النَمَري، وهذا سَلَمي نسبة إلى بني سلِمة.

"عن أخيه عبد الله بن كعب عن أبي أمامة".

عن أبي أمامة، ما اسمه؟

طالب:...

ما أسمعك. إياس بن ثعلبة؛ لأن أبا أمامة الباهلي أشهر من هذا. ويرد ذكره أكثر، واسمه صُدّيّ بن عجلان، صُدّيّ بن عجلان، وهذا اسمه إياس بن ثعلبة الأنصاري الحارثي.

"عن أبي أمامة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة» فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا، وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: «وإن قضيبًا من أراك»".

خبر كان المحذوفة مع اسمها، وإن قضيبًا من أراك، يعني العود الذي يُتخذ للسواك. قضيبًا خبر كان المحذوفة مع اسمها، وإن كان المقتطع قضيبًا من أراك، يعني ولو كان يسيرًا. ما الفرق بين هذا الاقتطاع وبين قوله مما جاء في الصحيح -عليه الصلاة والسلام-: «من اغتصب شبرًا من أرض طُوِّقه من سبع أراضين» طُوِّقه من سبع أراضين؟ في حلف، وفي أخذ بما يشبه الحق وهو باطل، وذاك اغتصاب ما فيه تقاضٍ ولا شيء؛ لأن هذا عند عامة أهل العلم لا يحلّه يمينه ولا حكم القاضي به، لا يحلّه له، النبي -عليه الصلاة والسلام-: «إنما أنا بشر أقضي على نحو ما أسمع» إذا وجدت المقدمات الشرعية، شاهداك أو يمينك، قال المدعي: ما عندي شهود، اتجه القاضي أو الحاكم إلى المدعى عليه، فقال له: احلف، فإذا حلف فهذه مقدمة شرعية يحكم له بما حلف عليه، يحكم له بما حلف عليه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «إنما أنا بشر أقضي على نحو ما أسمع، فمن حكمت له أو اقتطعت له من حق أخيه شيئًا فإنما هي قطعة من نار فليأخذها أو يدعها»، وعند أبي حنيفة أن المحكوم به يحلُّ للمحكوم له إذا قضى به الحاكم ولو كانت بينته باطلة أو يمينه باطلة، وهذا يرده الحديث الصحيح. «فإنما أقتطع له قطعة من نار»، وعامة أهل العلم على خلاف قول أبي حنيفة.

ومن الحنفية من يفرق بين الأموال والفروج فيحل الفروج دون الأموال، ومنهم من يقول بالعكس، «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة»، ولا شك أن هذا من نصوص الوعيد، التي تُمَرّ كما جاءت عند أهل السُّنَّة ومنهم من يقول: أوجب الله له النار إن عذّبه، أو أوجب الله له النار في أول الأمر، ولا يدخل الجنة في أول الأمر، حتى يُعذب بالنار بقدر هذه المعصية.

قال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: «وإن قضيبًا من أراك» «وإن قضيبًا من أراك». المسألة- وهي تحصل كثيرًا ويُسأل عنها- رجل عنده أربع من النسوة، أربع من النسوة، فجاء شخص فأهدى له سواكًا، قضيبًا من أراك، وهو مستغنٍ، عنده سواك، وعنده أربع نسوة، ويجب عليه العدل بينهن، فماذا يصنع بهذا السواك؟ يعطيه واحدة أم يحرم الجميع؟ وهل هذا مُخِلّ بالعدل؟ أو يكون من باب الظلم للثلاث إذا أعطاه واحدة؟ كثير يُسأل عنه، «وإن قضيبًا من أراك».

طالب: ............

 نعم؟

طالب: ............

قرعة؟ أو استئذان، أو استئذان، إذا استأذن وأذن له فالأمر لا يعدوهم، وأما ابتداءً يعطيه واحدة ويترك، وإن قضيبًا من أراك يقول لك: هذا أمر سهل، عود ليس بشيء، ولو اشتريته اشتريته بنصف ريال، نقول: النصّ عندنا «وإن قضيبًا من أراك»، والوعيد عليه، أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة، ومن لم يعدل بين نسائه يأتي يوم القيامة وشقه مائل، المسألة ليست سهلة، نسأل الله العفو والمسامحة.

"وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وإسحق بن إبراهيم وهارون بن عبد الله جميعًا عن أبي أسامة".

حماد بن أسامة.

"عن الوليد بن كثير عن محمد بن كعب أنه سمع أخاه عبد الله بن كعب يحدث أن أبا أمامة الحارثي".

الحارثي، وذاك باهلي الذي أشرنا إليه.

"حدثه أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمثله، وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع ح، وحدثنا ابن نمير حدثنا أبو معاوية".

محمد بن خازن الضرير.

"ووكيع ح، وحدثنا إسحق بن إبراهيم الحنظلي واللفظ له، قال: أخبرنا وكيع، قال: حدثنا الأعمش عن أبي وائل".

شقيق بن سلمة التابعي الجليل.

"عن عبد الله".

وهو ابن مسعود ابن أم عبد، الحبر العالم العابد، ابن أم عبد، «من أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزِل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد» وبعض الظلمة من الغلاة يقول: وذكره ابن كثير في تاريخه: وددتُ أن أحك قراءة ابن أم عبد بضلع خنزير، نسأل الله العافية، نعوذ بالله من الخذلان، وددت أن أحك قراءة ابن مسعود ابن أم عبد بضلع خنزير، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «من أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزِل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد».

"عن أبي وائل عن عبد الله عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حلف على يمين صبرٍ»".

يعني يقصدها ويتعمدها ويصبر نفسه عليها.

"«يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر»".

يعني كاذبًا.

"«لقي الله وهو عليه غضبان»".

وفيه إثبات صفة الغضب لله -جل وعلا- على ما يليق بعظمته وجلاله.

"قال: فدخل الأشعث بن قيس قال، فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن؟".

هذه كنية ابن مسعود.

"قالوا: كذا وكذا، قال: صدق أبو عبد الرحمن، فيّ نزلت، كان بيني وبين رجل أرض باليمن، فخاصمته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «هل لك بينة؟»".

هل لك بينة، ويقولون: إن سؤال المدعي بهذا السؤال هل لك بينة أفضل من أن يقول له الحاكم: هات بينتك، أو أحضر بينتك؛ لأنه لما يقول: هات بينتك كأنه يقرُّ بأن عنده بينة، وإن كانت لا تفيد إذا قال هات بينتك يقول ما عندي بينة، لكن حسم المادة من الأول: ألك بينة؟ هل لك بينة؟

"فقلت: لا، قال: «فيمينه» قلت: إذًا يحلفُ".

أو يحلفَ. إذًا تكتب بالنون أم بالألف؟

طالب: .........

نعم؟

طالب: .........

بالألف والتنوين أم بالنون؟ هذا اجتهاد أم تعرفون القاعدة؟

طالب: .........

ماذا؟

طالب: .........

إذًا هذا نطقها إذًا، ولكن هل إذا كتبت بالنون أو الألف وعليها فتحتان؟ يقول المبرد: وددت أن أقطع يد من كتبها بالنون، وغيره يقول: هي بالنون، ما فيه، هي خلاف بينهم، كثير من أهل العلم بهذا الشأن يقولون تكتب بالنون. قال: إذًا يحلفُ.

"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: «من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان»، فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [سورة آل عمران: 77] إلى آخر الآية. حدثنا إسحاق بن إبراهيم".

الإمام ابن راهويه الحنظلي.

"قال: أخبرنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله قال: من حلف على يمين يستحق بها مالاً هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان، ثم ذكر نحو حديث الأعمش غير أنه قال: كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «شاهداك أو يمينه»، وحدثنا ابن أبي عمر المكي".

العدني كان من عدن، ثم نزل مكة، وقيل في ترجمته: إنه حج سبعين حجة على رجليه، على قدميه.

"قال: حدثنا سفيان عن جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين، سمعا شقيق بن سلمة".

هو أبو وائل الذي تقدَّم ذكره.

"يقول: سمعت ابن مسعود يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان»".

كما تقدَّم.

"قال عبد الله: ثم قرأ علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصداقه من كتاب الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [سورة آل عمران: 77] إلى آخر الآية".

ثم قال:

"حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وهناد بن السري وأبو عاصم الحنفي واللفظ لقتيبة قالوا: حدثنا أبو الأحوص".

ما اسمه؟ سلّام سلّام بن سُليم، وجاء في تاريخ...، ما يهمنا المرجع، عنه أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، جاء عنه أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، كيف يحدث بهذا بعد قتله؟

طالب: .........

نعم؟

طالب: .........

صحيح أم ليس بصحيح؟ ماذا يكون المراد؟ عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، قالوا: عن هذه ليست صيغة الأداء في الرواية المعروفة بالعنعنة لا، وإنما المراد عن قصته، عن قصته.

"عن سِماك عن علقمة بن وائل عن أبيه قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال الحضرمي: يا رسول الله، إن هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي، قال الحضرمي: يا رسول الله، إن هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها، ليس له فيها حق".،

يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام- لما قال له الحضرمي: كانت لأبي، كانت لأبي، ما طالبه النبي -عليه الصلاة والسلام- بوفاة أبيه ليطلب منه وكالة، ولا طالبه بحصر ورثة لينظر في الدعوى هل وكلوه أم لا. القرائن تدل على أن أباه قد مات؛ لأن الحضرمي كبير في السن، ومثل هذه الأمور قد تكون موجودة في القصة ولا تُذكر؛ لأن المطلوب يحصل بدونها.

 "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للحضرمي: «ألك بينة؟» قال: لا، قال: «فلك يمينه»".

على القاعدة الشرعية: البينة على المدعي، واليمين على من أنكر.

"قال: يا رسول الله، إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه".

من أين أخذ هذا؟ أخذه من علمه اليقيني من أنه قد أخذ الأرض واغتصبها؛ لأنه يعرف أن أباه يملك هذه الأرض، وورثها من أبيه، ثم اغتصبها هذا الرجل، فهو يعرف أنه فاجر. لكن في باب القضاء والفتيا إذا ذُكِر رجل بما يكرهه فهذه لا تعد غيبة؛ لأن الاستفتاء ما يحصل إلا بهذا، أن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي، ما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: اتق الله اغتبتي الرجل؛ لأنه ما يحصل المقصود إلا بهذا، والحضرمي قال: إن هذا رجل فاجر، ما قال تعزر لأنك وصفت مسلمًا بفاج،ر وهذا ليس لك بينة، هذا في باب الفتوى والقضاء والأمر لا يحصل إلا بذلك.

"قال: يا رسول الله، إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع من شيء فقال: «ليس لك منه إلا ذلك» فانطلق ليحلف".

الرجل.

"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما أدبر: «أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلمًا ليلقين الله وهو عنه معرض»".

ليلقين الله وهو عنه معرض، وفي رواية: «غضبان» والإعراض علامة الغضب.

"وحدثني زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم جميعًا عن أبي الوليد".

المراد به؟

طالب: .........

عن أبي الوليد، قال زهير: حدثنا هشام، هو أبو الوليد الطيالسي، اسمه هشام بن عبد الملك.

"قال: حدثنا أبو عوانة والوضاح".

ابن عبد الله اليشكري، وقد مرّ في دروس سابقة.

"قال حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن علقمة بن وائل".

ابن حجر.

"عن أبيه وائل بن حجر قال: كنت عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأتاه رجلان يختصمان في أرض، فقال أحدهما: إن هذا انتزى على أرضي".

يعني غلب عليها، غلبني عليها، انتزى على أرضي يعني غلبني عليها، وأخذها مني. والنزو الظهور والعلو، ومنه نزا الفحل على الدابة، يعني غلب عليها وظهر عليها.

"انتزى على أرضي، يا رسول الله في الجاهلية، وهو امرؤ القيس بن عابس الكِندي، امرؤ القيس بن عابس الكِندي، وخصمه ربيعة بن عِبدان".

ربيعة بن عبدان، هذه رواية هذا السياق، وضبطه غيرهم عَيدان. وضبطه ابن عساكر: عِبِدَّان بالتشديد، ربيعة بن عبدان.

قال: «بينتك»".

يعني البينة، طالبه بالبينة.

"قال: ليس لي بينة، قال: «يمينه» قال: إذًا يذهب بها".

"قال: ليس لي بينة، قال: «يمينه» قال: إذًا يذهب بها، قال: «ليس لك إلا ذاك»".

المقدمة الشرعية في إثبات الحقوق ونفيها البينات والأيمان، البينة على المدعي؛ لأن جانبه أضعف، واليمين على من ادعي عليه على المدعى عليه؛ لأن جانبه أقوى. المدعي يدعي شيئًا بيد غيره، والمدعى عليه يدفع عن شيء بيده، فطلب من المدعي مع ضعف بينته، مع ضعف بينته أو دعواه الأقوى من البينات وهي الشهود، والمدعى عليه جانبه قوي، والعين بيده، يكتفى منه باليمين. إذا أحضر المدعي شاهدًا واحدًا قوي جانبه واكتُفي منه مع هذا الشاهد باليمين، وقضى النبي -عليه الصلاة والسلام- باليمين مع الشاهد، إذا نكل المدعى عليه ورفض أن يحلف لورعه، رفض أن يحلف، وإلا فالأصل ألا يتقدم إذا لم يكن له حق، لكن يقول: الدنيا كلها ما تساوي الحلف بالله -جل وعلا- على أمرٍ من أمور الدنيا، وقال: لا أحلف، هل تُرد اليمين على المدعي أو لا ترد؟ هل يقول الحاكم للمدعي: احلف! المدعى عليه رفض أن يحلف، احلف وتستحق؟ قال جمع من أهل العلم برد اليمين على المدعي، وقال بعضهم: إذا نكل المدعى عليه عن اليمين استحق المدعي ادعاءه، والمسألة خلافية بين أهل العلم، ومردها إلى القضاء واجتهاد القاضي.

"قال فلما قام ليحلف قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من اقتطع أرضًا ظالمًا لقي الله وهو عليه غضبان»".

لقي الله وهو عليه غضبان، وفي الروايات السابقة: «حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار» وقلنا: إن هذه من نصوص الوعيد، وحملها بعضهم على المستحل لذلك.

"قال إسحق في روايته: ربيعة بن عيدان".

وقال القاضي عياض: وهذا هو الصواب أنه ابن عيدان كما في رواية إسحاق، في الرواية السابقة: عِبدان، وابن عساكر شدَّد الدال عِبِدَّان، والصواب أنه ابن عيدان، ما معنى عيدان العيدان من هو؟

طالب: .......

 ماذا؟

طالب: .......

عِيدان جمع عيد، عِيدان جمع عود، لكن عَيدان؟

طالب: .......

نعم؟

طالب: .......

لا لا، ما زال مستعملًا، ما زال مستعملاً في النخل الطوال واحده: عيدانة، يعني النخلة الطويلة يقال لها: عيدانة.

 والله أعلم.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.