تعليق على تفسير سورة البقرة (67)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثيرٍ –رحمه الله تعالى-: "ولهذا اختلف العلماء هل يختص الحصر بالعدو، فلا يتحلل إلا من حصره عدوٌ، لا مرضٌ ولا غيره؟ على قولين:

فقال ابن أبي حاتم: حدَّثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري، قال: حدَّثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباسٍ، وابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس، وابن أبي نجيحٍ عن ابن عباس، أنه قال: لا حصر إلا حصر العدو، فأما من أصابه مرضٌ أو وجعٌ أو ضلال فليس عليه شيء، إنما قال الله تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ} [البقرة:196] فليس الأمن حصرًا.

قال: وروي عن ابن عمر، وطاووس، والزهري، وزيد بن أسلم، نحو ذلك".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

مسألة الحصر والصد عن البيت وبما يكون مسألةٌ معروفةٌ عند أهل العلم، وفيها قصة الحديبية وفيها الآية، ومن رأى أنه لا حصر إلا بالعدو رأى تطبيق الحادثة التي حصلت على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حيث حصره على العدو على النص.

والذين عمموا وقالوا: كل ما يمنع عن البيت فهو حصر، فقد رأى المعنى وقال به، ولم ينظر إلى حرفية ما جاء في المسألة، المعنى إذا مُنع من البيت وفاته الحج بفوات الوقوف بعرفة لأي سبب يمنع من الوقوف بعرفة يُفوِّت الحج فإنه في معنى العدو، إذا كان الإنسان مضطرًّا إلى بقائه في المستشفى لاسيما إذا كان لا يُمكن حمله إلى عرفة، والوقوف به أقل ما يُجزئ من القدر للوقوف، فهذا محصور، بعض المرضى في المستشفيات عايش على الأجهزة، وفي جوار عرفة مستشفى يُمرَّض فيه الناس الذي يمرضون إذا أتوا للحج وهو قريبٌ من مكة لا يمكن دخوله إلى عرفة؛ لأنه إذا فُصِلت عنه الأجهزة مات أو يغلب على الظن موته، فمثل هذا ماذا يُقال له؟ مُحصر مثل العدو، المحصر الممنوع من الحج، وهذا ممنوع، وهذا القول هو الثاني الذي سيذكره المؤلف –إن شاء الله تعالى-.      

"والقول الثاني: أن الحصر أعم من أن يكون بعدوٍ أو مرضٍ أو ضلال وهو: التوهان عن الطريق أو نحو ذلك.

قال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن سعيد، قال: حدَّثنا حجاج بن الصواف، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن الحجاج بن عمروٍ الأنصاري، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من كُسِر أَوْ عَرِج فَقَدْ حَلَّ»".

يقول، سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول.

"يقول: «من كُسِر أَوْ عَرِج فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى» قال: فذكرت ذلك لابن عباسٍ وأبي هريرة فقالا: صدق، وأخرجه أصحاب الكتب الأربعة من حديث يحيى بن أبي كثيرٍ به، وفي رواية لأبي داود وابن ماجة: «مَنْ عَرَجَ أَوْ كُسر أَوْ مَرض» فذكر معناه. ورواه ابن أبي حاتم، عن الحسن بن عرفة، عن إسماعيل بن عُلية، عن الحجاج بن أبي عثمان الصواف، به. ثم قال: وروي عن ابن مسعود، وابن الزبير، وعلقمة، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، ومجاهدٍ، والنخعي، وعطاءٍ، ومقاتل بن حيان، أنهم قالوا: الإحصار من عدوٍ، أو مرضٍ، أو كسر".

طالب:.........

ماذا؟

طالب:.........

أين السقط؟

طالب:.........

بعد الصواف، قال:....

طالب:.........

وبعده.

طالب:.........

سطرين؟

الحديث له طُرق، لكن كلها لا تسلم من ضعف، فبمجموعها أوصلها بعضهم إلى الحسن لغيره واحتج به، وعلى كل حال المعنى يسود.

الآن مسألة الصد عن البيت من قِبل الجهات الأمنية؛ لعدم الحصول على تصريح يصدونه يردونه، وبعض الناس يستعجل في التحلل قافلة ردوهم فاستأجروا محلات للإقامة بالطائف؛ حتى يتهيؤوا للرجوع، ثم أُذِن لهم، وكان بعضهم قد وقع على زوجته، أخذوا شققًا، ونووا الحِل، ووقعوا على أزواجهم بعد الإحرام، يسألون عن الحكم، هل يُمكن تدارك الإحرام من جديد أم هم لازالوا مُحرمين وقد وقع الوطء قبل التحلل الأول؟ ففسد حجهم، ما اشترطوا هذا، قالوا لهم: ارجعوا، رجعوا، لو اشترطوا انتهى الإشكال، وهذا له علاقة بما نحن فيه؛ لأنه نوع صد، يعني لو صمموا على رأيهم ومنعوهم منعًا مطلقًا هذا مثل العدو حكمًا، في الحكم حكمهم حكم الصد بعدو، وإن كان ما هو بعدو إن كان المنع للمصلحة، وإن كانوا آثمين بإحرامهم من غير تصريح، لكن يبقى أنه صد؛ لأنه منع بحق.

طالب:.........

لو بقوا على إحرامهم حتى فاتهم الوقوف، وأنهم صُدوا ومُنعوا خلاص.

طالب:.........

الصورة صد؛ لأنهم ما يستطيعون، في السنوات الأخيرة القبضة مُحكمة على هؤلاء.

طالب:.........

هو مصدود عن البيت ممنوع من دخوله.

طالب:.........

هم يبغون الحج ما يبغون عمرة، يعني كيفية التحلل شيء، لكن ما صنعوه وبادروا بالتحلل والوطء، ثم بعد زمنٍ يسير سمحوا لهم يدخلون، يعني حصل مساعي من المسؤول عن الحملة مع جهات وأدخلوها، لكن الذي بادر ووطء زوجته مشكلته مشكلة.

طالب:.........

كيف التحلل؟ هو تحلل، هل يملك التحلل؟

طالب:.........

لا هو مُحصر ما يتم حصاره إلا إذا خشي فوات الحج.

طالب:.........

لا، العمرة ما لها نهاية وقت.

طالب:.........

لا، ما فيه أمل أنه يدخل.

طالب:.........

لا، هم بادروا واستعجلوا، ولا ينبغي لهم الاستعجال، لو انتظروا حتى يغلب على ظنهم أو يجزموا بأنهم لن يدخلوا هذا شيء.

طالب:.........

فيه محاولة من قِبل المسؤول عنهم مع الجهات، لكن بعضهم بادرواك، ووقع فيما يُبطل الحج.

اقرأ يا شيخ. 

"وقال الثوري: الإحصار من كل شيء آذاه. وثبت في الصحيحين عن عائشة: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، فقالت: يا رسول الله، إني أريد الحج وأنا شاكية. فقال: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي: أنَّ مَحِلِّي حيثُ حبَسْتَني»، ورواه مسلم عن ابن عباسٍ بمثله، فذهب من ذهب من العلماء إلى صحة الاشتراط في الحج لهذا الحديث، وقد علق الإمام محمد بن إدريسٍ الشافعي القول بصحة هذا المذهب على صحة هذا الحديث. قال البيهقي وغيره من الحفاظ: وقد صح، ولله الحمد".

مُخرَّج في الصحيحين، وإن نفى بعض المُخرِّجين وجوده في البخاري، بعض الذي يُحققون الكتب نفى قال: الحديث لا يُوجد في البخاري هو في مسلم، والسبب أن البخاري –رحمه الله- لم يجعله في كتاب الحج، ولا في الإحصار إنما وضعه في كتاب النكاح، وتبحث في البخاري ما تجده.

طالب:.........

ماذا؟

طالب:.........

من الذي يخطر على باله أن الحديث في كتاب النكاح؟ وكانت تحت المقداد وترجم عليه البخاري باب الأكفاء في الدين يعني ليس بالنَّسب.

حديث ضباعة بنت الزبير استدل به من يقول بجواز الاشتراط مُطلقًا، وقصره بعضهم على مثل حالها كشيخ الإسلام، يقول: إذا كان يخشى من يعوقه مرضه أو كانت لديه بوادر أن يمرض ويزداد عليه المرض من كانت حالته تُشبه حالة ضباعة؛ لأنها شاكية صح اشتراطه وإلا فلا، ومنهم من قال: لا ينفع الاشتراط مطلقًا، وعلى كل حال من كانت لديه حالة مثل حالة ضُباعة فلا إشكال فيه، والقول بالاشتراط المطلق قال به جمعٌ من أهل العلم، والمذهب عند الحنابلة وجمع من الأئمة الكبار، فلو اشترط انتفع بإذن الله. 

"وقوله: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] قال الإمام مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبٍ أنه كان يقول: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] شاة".

جعفر بن محمد الصادق عن أبيه محمد الباقر، محمد بن علي بن الحسين عن علي بن أبي طالب.

"وقال ابن عباس: الهدي من الأزواج الثمانية: من الإبل والبقر والماعز والضأن".

الهدي والأضحية والعقيقة لا تصح إلا من الأزواج الثمانية، ذُكر عن بعض من تقدم من السلف أنه يُفتي بإجزاء الدجاج وما أشبهها، بعضهم أفتى بحُمر الوحش، وبعضهم أفتى بكذا، لكن الذي يكاد يكون إجماع بين أهل العلم أنها لا تُجزئ إلا من الأصناف الثمانية. 

"وقال الثوري، عن حبيبٍ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ في قوله: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] قال: شاة، وكذا قال عطاءٌ، ومجاهد، وطاووس، وأبو العالية، ومحمد بن علي بن الحسين، وعبد الرحمن بن القاسم، والشعبي، والنخعي، والحسن، وقتادة، والضحاك، ومُقاتل بن حيان، وغيرهم مثل ذلك، وهو مذهب الأئمة الأربعة.

وقال ابن أبي حاتم: حدَّثنا أبو سعيد الأشج، قال: حدَّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن عائشة وابن عمر: أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدي إلا من الإبل والبقر".

لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أهدى الإبل، وضحى عن نسائه بالبقر، ومراد ضحى يعني: هدي، الهدي عن نساء النبي –عليه الصلاة والسلام- بالبقر؛ لأنه حصل ذلك في يوم النحر بمنى. 

"قال: وروي عن سالم، والقاسم، وعروة بن الزبير، وسعيد بن جبيرٍ -نحو ذلك.

قلت: والظاهر أن مستند هؤلاء فيما ذهبوا إليه قصة الحديبية، فإنه لم ينقل عن أحدٍ منهم أنه ذبح في تحلله ذلك شاة، إنما ذبحوا الإبل والبقر، ففي الصحيحين عن جابر قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بقرة".

هذا هو المناسب أن يأتوا إلى بلدٍ لا يدرون ما يحصل لهم فيه، بلدٍ أهله أعداء من الصعب جدًّا أن يسوقوا الغنم إنما يسوقون الإبل التي يستفيدون منها بركوبها، يستفيدون من البقر، يستفيدون...إنما الظرف الأنسب فيه الإبل والبقر؛ لأنها تتحمل، وفي المواجهة ما يُدرى ماذا سيحصل لهم؟ غنم تسوقها إلى أرض عدو؟ مشقة، لكنك ما تدري ماذا يحصل لك، لن تستفيد منها إلا في الأكل وهي هدي بلا شك تصلح، لكن الظرف في ذلك الوقت لا يصلح أن يُساق فيه الغنم؛ لأنهم قادمون على عدو، والغنم عالة، فكونه لم يسق الغنم لهذا المعنى. 

"وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمرٌ، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباسٍ في قوله: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] قال: بقدر يسارته.

وقال العوفي، عن ابن عباس: إن كان موسرًا فمن الإبل، وإلا فمن البقر، وإلا فمن الغنم. وقال هشام بن عروة، عن أبيه: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] قال: إنما ذلك فيما بين الرخص والغلاء.

والدليل على صحة قول الجمهور فيما ذهبوا إليه من إجزاء ذبح الشاة في الإحصار: أن الله أوجب ذبح ما استيسر من الهدي، أي: مهما تيسر مما يُسمى هديًا، والهدي من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم، كما قاله الحبر البحر ترجمان القرآن وابن عم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-".

الاشتراط في هذا الباب أن يكون المذبوح من الإبل والبقر يُنافي لفظ التيسير {فَمَا اسْتَيْسَرَ} [البقرة:196]؛ لأن الإبل والبقر ليست مما استيسر، إنما ما استيسر ما دون ذلك.

"وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: أهدى النبي- صلى الله عليه وسلم- مرةً غنمًا.

وقوله: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196] معطوفٌ على قوله: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} [البقرة:196] وليس معطوفًا على قوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:196] كما زعمه ابن جريرٍ -رحمه الله-؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه عام الحديبية لما حصرهم كفار قريش عن الدخول إلى الحرم، حلقوا وذبحوا هديهم خارج الحرم، فأما في حال الأمن والوصول إلى الحرم فلا يجوز الحلق {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196] ويفرغ الناسك من أفعال الحج والعمرة إن كان قارنًا، أو من فعل أحدهما إن كان مفردًا أو متمتعًا، كما ثبت في الصحيحين عن حفصة أنها قالت: يا رسول الله! ما شأن الناس حلوا من العمرة، ولم تحل أنت من عمرتك؟ فقال: «إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وقلَّدت هَدْيي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ».

وقوله: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196]".

{حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196] هل المراد به المكان أو الزمان؟

طالب:........

لأنه إذا قلنا: المكان يُمكن أن يحل قبل يوم النحر، وهو قولٌ معروف عند بعض أهل العلم، وإذا قلنا: الزمان والمكان فلا بُد أن يبلغ الهدي مكان حلوله وزمان حلوله، ومن يقول: بأن الزمان ليس بشرط، وأنه يجوز نحر الهدي قبل يوم النحر، قالوا: والمحل المكان، والعبادة إذا كان لها سبب وجوب ووقت وجوب، القاعدة أنه لا يجوز فعلها قبل السبب، ويجوز فعلها بعد الوقت يعني بعد دخوله بالاتفاق هذا، لا الأولى والا الثانية كلها اتفاق، يبقى ما بين السبب والوقت، السبب هو الإحرام، والوقت النحر يوم النحر، وبينهما بين الإحرام ويوم النحر متى ما أحرم في اليوم الثامن أو في التاسع أو قبل طلوع أو قبل حلول النحر بصلاة العيد، يعني يكون وقتها وقت الأضحية من المعروف هذه قاعدة يُطبقون عليها أمثلة كثيرة منها أنه يجوز التكفير عن الحلف قبل الحنث وبعد الحلف بين السبب ووقت الوجوب.

بقي مسألة متعلقة بقوله: فما سُئِل عن شيءٍ قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: «افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ» هل يحل تقديم النحر على يُقدم من أفعال الحج قبل يوم النحر؟ يعني إذا انصرفوا من مزدلفة وتعجلوا جاز لهم الرمي، وجاز لهم الطواف، الرسول ما سُئِل عن شيءٍ قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: «افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ» هل يجوز تقديم النحر على هذه الأشياء؟

طالب:........

مما يجوز تقديمه وتأخيره.

مسألة ثانية: في أنه مازال يُلبي حتى رمى جمرة العقبة، لو قدَّم على جمرة العقبة الطواف والحلق هل لا يزال يُلبي حتى يرمي جمرة العقبة، أو أن المقصود حتى يبدأ بأسباب التحلل؟ أسباب التحلل الثلاثة بأيها بدأ خلاص يقطع عنده التلبية سواء يلزم عليه أن يُلبي وهو لا بسٌ ثيابه، هذا ما قال به أحد.        

"وقوله: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] قال البخاري: حدَّثنا آدم، قال: حدَّثنا شعبة، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني: سمعت عبد الله بن معقلٍ، قال: قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد -يعني مسجد الكوفة- فسألته عن {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} [البقرة:196] فقال: حُمِلت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- والقمل يتناثر على وجهي. فقال: «مَا كنتُ أرَى أَنَّ الجَهد بَلَغَ بِكَ هَذَا! أَمَا تَجِدُ شَاةً؟» قلت: لا. قال: «صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ، وَاحْلِقْ رَأْسَكَ» فنزلت في خاصة، وهي لكم عامة".

{فَمَنْ} [البقرة:196] من صيغ العموم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] (أو) هذه للتخيير يُخير أن يذبح هذه أو هذه أو تلك مثل خصال الكفارة في اليمين كلها على التخيير، والنبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أو اذبح شاة» أي: على التخيير، في بعض الروايات الواردة في القصة، قال له: «أَتَجِدُ شَاةً؟» قال: لا، مما يدل على الترتيب في سياق الخبر، لكن الآية صريحة في التخيير، والروايات الأخرى تدل عليه.  

"وقال الإمام أحمد: حدَّثنا إسماعيل، قال: حدَّثنا أيوب، عن مجاهدٍ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عُجرة قال: أتى علي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا أوقد تحت قدر، والقمل يتناثر على وجهي -أو قال: حاجبي- فقال: «يُؤْذيك هَوَامُّ رَأْسِكَ؟» قال: نعم. قال: «فَاحْلِقْهُ، وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوِ انْسَكْ نَسِيكَةً» قال أيوب: لا أدري بأيتهن بدأ.

وقال أحمد أيضًا: حدَّثنا هشيمٌ، قال: حدَّثنا أبو بشر عن مجاهدٍ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عُجرة قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحديبية، ونحن محرمون وقد حصره المشركون، وكانت لي وفرة، فجعلت الهوام تساقط على وجهي، فمر بي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟» فأمره أن يحلق. قال: ونزلت هذه الآية: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196].

وكذا رواه عفان، عن شُعبة، عن أبي بشر، وهو جعفر بن إياسٍ، به، وعن شُعبة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، به، وعن شعبة، عن داود، عن الشَّعبي، عن كعب بن عُجرة، نحوه".

طالب:........

هو الخطاب لكعب.

طالب:........

ما فيه لبس القائل لكعب على أي حال، والالتفات من خطاب إلى غيبة وما أشبه ذلك كله جائز في لغتهم الأمر واسع.

طالب:........

قلتُ، ما فيه إشكال.

"ورواه الإمام مالك عن حميد بن قيس، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب ابن عُجرة فذكره نحوه.

 وقال سعد بن إسحاق بن كعب بن عُجرة، عن أبان بن صالح، عن الحسن البصري: أنه سمع كعب بن عجرة يقول: فذبحت شاة. رواه ابن مردويه. وروي أيضًا من حديث عمر بن قيس مندل، وهو ضعيفٌ"

مندل أم سندل؟ المعروف مندل بن علي، تعرف مندل بن علي؟ هذا سندل، معلقًا عليه عندكم بالحاشية؟

طالب:........

ما علق على مندل بشيء؟

"وروي أيضًا من حديث عمر بن قيس سندل -وهو ضعيفٌ- عن عطاء، عن ابن عباسٍ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «النُّسُكُ شَاةٌ، وَالصِّيَامُ ثَلَاثَةُ أَيَّامِ، وَالطَّعَامُ فَرَق، بَيْنَ سِتَّةٍ».

وكذا روي عن علي، ومحمد بن كعب، وعكرمة، وإبراهيم، ومجاهد، وعطاءٍ، والسُّدي، والربيع بن أنس.

وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا عبد الله بن وهب: أن مالك بن أنس حدَّثه، عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن مجاهدٍ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عُجرة: أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فآذاه القمل في رأسه، فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يحلق رأسه، وقال: «صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، مُدّين مُدَّيْنِ لِكُلِّ إِنْسَانٍ، أَوِ أنسُك شَاةً، أيَّ ذَلِكَ فعلتَ أَجْزَأَ عَنْكَ»

وهكذا روى ليث بن أبي سُليم، عن مجاهدٍ، عن ابن عباس في قوله: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] قال: إذا كان (أو) فأيه أخذت أجزأ عنك".

نعم على أنها للتخيير، على أنها للتأخير، للتخيير وهو أول معانيها خيِّر أبِح قسِّم بأو وأبهم...إلى آخره.

"قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهدٍ، وعكرمة، وعطاءٍ، وطاووس، والحسن، وحميدٍ الأعرج، وإبراهيم والنخعي، والضحاك، نحو ذلك".

إبراهيم النخعي.

"وإبراهيم النخعي، والضحاك، نحو ذلك، قلت: وهو مذهب الأئمة الأربعة وعامة العلماء أنه مُخيرٌ في هذا المقام، إن شاء صام، وإن شاء تصدق بفرق، وهو ثلاثة آصع، لكل مسكينٍ نصف صاع، وهو مُدان، وإن شاء ذبح شاةً وتصدق بها على الفقراء، أي ذلك فعل أجزأه. ولما كان لفظ القرآن في بيان الرخصة جاء بالأسهل فالأسهل: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] ولما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- كعب بن عُجرة بذلك، أرشده إلى الأفضل، فالأفضل، فقال: «أنْسُكْ شَاةً، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» فكلٌّ حسنٌ في مقامه. ولله الحمد والمنة".

وسواءٌ جاء تقديم هذا أو ذاك لا يضر التخيير مادام الحرف (أو).

طالب:........

الكفارات إطعام ستين مسكينًا أو عشرة مساكين الحنفية ينظرون إلى المقدار وأنه لا بُد أن يتصدق بهذا القدر، ولا ينظرون إلى العدد فإطعام ستة مساكين يعني كأنهم يقولون: هو طعام ستة مساكين، والجمهور على أن العدد مراد، ويختلفون فيما إذا تصدق لستة مساكين على مسكينٍ واحد ستة أيام ما يدفعها جملةً واحدة، أو تصدق على ثلاثة مساكين وأعادها عليهم من الغد.

وعلى كل حال اقتفاء النص هو الأصح.  

طالب:........

تقديم.

طالب:........

على كل حال هو لما قال كذا لما قدَّم النبي –عليه الصلاة والسلام- الذبح والتقديم والأولية لها دخلٌ في الأولوية عند أهل العلم، والبداءة بما بدأ الله به، وبدأ به رسوله لا شك أنه مثل ما جاء في السعي «أبْدَأ بِـمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ» مع أنه في الآية بدأ بصنف، وفي الحديث بدأ بصنف مما يدل على أن الأمر واحد.

طالب:........

الاشتراط مع الإحرام إذا لم يشترط وقت الإحرام ما له.

طالب:........

الاشتراط مع الإحرام، وأما الإحصار فهو إلى أن يُصد عن ركنٍ لا بُد منه، وهو الوقوف بعرفة أو طواف العمرة.

طالب:........

طعِم معهم غني؟

طالب:........

فلهم اتباعه حُكمهم حكمه، حتى لو عزموا على الغني وأطعموه ما فيه شيء له صدقة ولهم هدية، كما أكل النبي –عليه الصلاة والسلام- من اللحم الذي أُهدي لبريرة.

طالب:........

كيف؟

طالب:........

هو يسلمه ولا عليه عنه ما يتابع.

طالب:........

ستة، هو يُعطيه ستة مساكين، كونهم يبيعونها، يأكلونها، يُهدونها هذا إذا ملكوها انتهى الإشكال كالزكاة.  

نعم.

"وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، قال: حدَّثنا أبو بكر بن عياش، قال: ذكر الأعمش، قال: سأل إبراهيم سعيد بن جبير عن هذه الآية: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] فأجابه بقولٍ: يحكم عليه طعام، فإن كان عنده اشترى شاة، وإن لم يكن قُومت الشاة دراهم، وجُعل مكانها طعام فتصدق، وإلا صام بكل نصف صاعٍ يومًا".

هذا في جزاء الصيد ما هو في هذا الباب، هذا الباب محسوم، الطعام مُقرر بالنص، والصيام مُقرر بالنص، أما التقدير فهذا في جزاء الصيد كما جاء منصوصًا عليه.

"قال إبراهيم: كذلك سمعت علقمة يذكر. قال: لما قال لي سعيد بن جبير: من هذا؟ ما أظرفه! قال: قلت: هذا إبراهيم. فقال: ما أظرفه! كان يُجالسنا. قال: فذكرت ذلك لإبراهيم، قال: فلما قلت: يُجالسنا انتفض منها.

وقال ابن جريرٍ أيضًا: حدَّثنا ابن أبي عمران، قال: حدَّثنا عبد الله بن معاذ، عن أبيه، عن أشعث، عن الحسن في قوله: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] قال: إذا كان بالمحرم أذىً من رأسه، حلق وافتدى بأي هذه الثلاثة شاء، والصيام عشرة أيام، والصدقة على عشرة مساكين، كل مسكينٍ مكوكين: مكوكًا من تمر، ومكوكًا من بُر، والنُّسك شاة.

وقال قتادة، عن الحسن وعكرمة في قوله: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196] قال: إطعام عشرة مساكين.

وهذان القولان من سعيد بن جبير، وعلقمة، والحسن، وعكرمة قولان غريبان فيهما نظر؛ لأنه قد ثبتت السُّنَّة في حديث كعب بن عجرة الصيام ثلاثة أيام، لا عشرة".

والخبر في الصحيحين.

"لا عشرة، وستة، أو إطعام ستة مساكين أو نُسك شاة".

طالب:........

نعم.

طالب:........

ثلاثة أيام لا ستة.

طالب:........

والصيام عشرة أيام الخبر السابق ما ذكره ابن جرير من كلام الحسن الصيام عشرة أيام، الصدفة على عشرة مساكين، كل هذا مُخالف لِما ثبت في الصحيح. 

"أو إطعام ستة مساكين أو نُسك شاة، وأن ذلك على التخيير كما دل عليه سياق القرآن. وأما هذا الترتيب فإنما هو معروفٌ في قتل الصيد، كما هو نص القرآن. وعليه أجمع الفقهاء هناك، بخلاف هذا، والله أعلم.

وقال هُشيم: أخبرنا ليثٌ، عن طاووس: أنه كان يقول: ما كان من دمٍ أو طعامٍ  فبمكة، وما كان من صيامٍ فحيث شاء. وكذا قال مجاهدٌ، وعطاءٌ، والحسن".

نعم ما كان من دمٍ أو إطعام فلمساكين الحرم، ومن كان من صيام فحيث شاء؛ لأنهم لا ينتفعون به.

"أخبرنا حجاج وعبد الملك وغيرهما عن عطاءٍ: أنه كان يقول: ما كان من دمٍ فبمكة، وما كان من طعامٍ وصيام فحيث شاء.

وقال هُشيم: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن يعقوب بن خالد، أخبرنا أبو أسماء مولى ابن جعفر، قال: حج عثمان بن عفان، ومعه عليٌّ والحسين بن علي، فارتحل عثمان، قال أبو أسماء: وكنت مع ابن جعفر، فإذا نحن برجل نائم وناقته عند رأسه، قال: فقلت: أيها النؤوم، فاستيقظ، فإذا الحسين بن علي. قال: فحمله ابن جعفر حتى أتينا به السُّقيا قال: فأرسل إلى علي ومعه أسماء بنت عميس، قال: فمرضناه نحوًا من عشرين ليلة. قال: قال عليٌّ للحسين: ما الذي تجد؟ قال: فأومأ بيده إلى رأسه. قال: فأمر به عليٌّ فحُلق رأسه، ثم دعا ببدنةٍ فنحرها. فإن كانت هذه الناقة عن الحلق، ففيه أنه نحرها دون مكة. وإن كانت عن التحلل فواضح".

والتحلل يكون بالحلق "فإن كانت هذه الناقة عن الحلق، ففيه أنه نحرها دون مكة" والمعلوم أنه {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196].

"فإن كانت هذه الناقة عن الحلق، ففيه أنه نحرها دون مكة" يعني كما فعل النبي –عليه الصلاة والسلام- في الحديبية، "وإن كانت عن التحلل فواضح" لأنه يجوز نحرها قبل بلوع الهدي مكان المحل، كما فعل النبي –عليه الصلاة والسلام- وهل يجوز في حال الاختيار والاضطرار؟ إذا كان يقدر يوصِّل يلزمه، إذا كان لا يستطيع فلا يلزمه كما كان من شأنه– عليه الصلاة والسلام- نحرها دون مكة بحيث إذا نُحِرت أمكن توزيعها على مساكين الحرم، أو دون مكة بمسافة بحيث لو أُخِّرت إلى المساكين فسد لحمها الأصل {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة:196].

وهذه القصة "وقال هُشيم: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن يعقوب بن خالد، أخبرنا أبو أسماء مولى ابن جعفر، قال: حج عثمان بن عفان، ومعه عليٌّ والحسين بن علي" الحَكم في هذا حتى يبلغ الهدي محله.

قف على هذا "وقوله".