تعليق على تفسير سورة البقرة (72)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثيرٍ –رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[البقرة:203].

قال ابن عباس: الأيام المعدودات أيام التشريق، والأيام المعلومات أيام العشر. وقال عكرمة: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}[البقرة:203] يعني: التكبير أيام التشريق بعد الصلوات المكتوبات: الله أكبر، الله أكبر".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...

فيقول الإمام الحافظ ابن كثير –رحمه الله تعالى- في قوله –جلَّ وعلا-: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}[البقرة:203]: النص القطعي من دلالة الآية على أنها أيام التشريق، ولا يُمكن أن يُختلف فيها؛ لأنه قال: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ}[البقرة:203] يعني في الحج: {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}[البقرة:203] فالتعجل في اليومين مُجزئ وكافٍ وشرعي، ولا يحتاج إلى مزيد ذلك {لِمَنِ اتَّقَى}[البقرة:203].

أما من لم يتقِ الله –جلَّ وعلا- في حجِّه فسواءٌ تعجل أو تأخر حجُّه لا شك ناقص، ولا يرجع بالوعد المذكور في الآية من رفع الإثم {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}[البقرة:203]، ولا يرجع بالوعد الموعود منه –عليه الصلاة والسلام- حينما قال: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» هذا الحج المبرور المصحوب بالتقوى.

أما إذا تخلفت التقوى، فسواءٌ تقدم أو تأخر تعجَّل أو تأخر فالحج ناقص، ولا خطر من ردّه؛ لأن المبرور الذي لا يُخالطه إثم فمن اتقى الله –جلَّ وعلا- بفعل المأمورات، وترك المحظورات سواءً تقدم أو تعجَّل في يومين أو تأخر في ثلاثة أيام موافقًا لفعله –عليه الصلاة والسلام- شريطة أن يتقي الله في حجِّه فإنه حينئذٍ لا إثم عليه، يعني يرتفع عنه الإثم، والتقوى مطلوبة للجميع سواءٌ منهم من تقدم أو تعجل أو تأخر كلهم لا بُد من التقوى؛ لرفع الإثم وليكون الحج مبرورًا، وليرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

بعض الناس يظن أن الآية فيها تفضيل للتأخير أو للتأخر، وأنه له دخلٌ في التقوى، التقوى لا بُد منها سواءً لمن تقدم تعجَّل أو تأخر {لِمَنِ اتَّقَى}[البقرة:203] هذا القيد متعقب لجُمل يرجع إليها جميعها {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ}[البقرة:203] شرط رفع الإثم عنه أن يتقي الله –جلَّ وعلا-، ومن تأخر فشرط رفع الإثم عنه أن يتقي الله –جلَّ وعلا- وقوله: {لِمَنِ اتَّقَى}[البقرة:203] راجع إلى الجميع، وليس في الآية تفضيل للتأخر على التعجل، وإنما التفضيل جاء من فعله –عليه الصلاة والسلام- واختياره للتأخر في اليوم الثالث، وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل.

وفي قوله: "وقال عكرمة: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}[البقرة:203] يعني: التكبير أيام التشريق بعد الصلوات المكتوبات: الله أكبر، الله أكبر" إلى آخره يعني بذلك التكبير المُقيد بأدبار الصلوات، وهو مأثورٌ عن عامة السلف، وأكدوا في استحبابه وإن قال بعضهم: إنه لا يدل عليه دليلٌ مرفوع فلم يروه، ولكن لا عبرة بهم، فعامة السلف والخلف على استحبابه.

ومن باب مقابلة القول بالقول، يعني مقابلة من يقول: هو بدعة مثلاً، يُورد القول وإن لم يكن صحيحًا عن الحسن البصري –رحمه الله- أنه في أيام التشريق من فاته شيءٌ من الصلاة يُكبِّر مع الإمام، ثم يقضي ما فاته، يعني هذا من باب مُقابلة القول بالقول، وإلا فالقول ليس بصحيح.

نظير ما يُذكر عن سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير فيمن تجاوز الميقات، يقول: سعيد بن المسيب: من تجاوز الميقات فلا شيء عليه، ويقول سعيد بن جبير: من تجاوز الميقات فلا حج له، يعني بعض الأقوال تأتي حارة، فتُكسر بشيءٍ من هذه الأقوال، وإن لم تكن راجحة.

بعض الناس يركب موجة وهي في أصلها صحيحة الذي لا يدل عليه دليل عن النبي –عليه الصلاة والسلام- يقول: غير مشروع، لكن إذا تواطئ عليه السلف من الصحابة والتابعين، وأُثر عنهم ونُقِل عنهم، قولاً وفعلاً فهل نستطيع أن نقول: بدعة؟ لا نستطيع أن نقول: بدعة.

طالب:........

خلاف الأولى، ما يُقال خلاف الأولى.                        

"وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، قال: حدثنا موسى بن عليٍّ".

عُلي عُلي، موسى بن عُلي.

"موسى بن عُلي عن أبيه، قال: سمعت عقبة بن عامرٍ قال".

كيف تدري أنه علي أم عُلي وهو غير مشكول؟

طالب:........

هو مشكول عندك؟

طالب:........

أبا عبد الله، أين أنت؟ أليس هو موسى بن عُلي، وأبوه عُلي بعد؟

طالب:........

ماذا؟

طالب:........

ما يخالف، لكن العلماء كلهم نقلوه بهذا، ابن المسيب يقول: سيب الله من سيب أبي، ماذا تقول أنت؟ هم صغروه وتواطؤوه وتوارثوه بالتصغير عُلي، نعم.    

"قال: سمعت عقبة بن عامرٍ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يَوْمُ عَرَفة وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عيدُنا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ»".

ولذا لا يجوز صيامها كالعيد، استثنوا من ذلك من لم يجد الهدي فيصوم أيام التشريق، وإن أخَّرها عنها كان أحوط، ولكن له أن يصومها. 

"وقال أحمد أيضا: حدثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا خالد، عن أبي المُليح".

المَليح.

"عن أبي المَليح، عن نُبيشة الهذلي، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أيامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ» رواه مسلمٌ أيضًا، وتقدم حديث جبير بن مطعم: «عَرَفَة كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ كُلُّهَا ذَبْحٌ»، وتقدم أيضًا حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي «وَأَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ».

وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، وخلاد بن أسلم، قالا حدثنا هُشيم، عن عمرو بن أبي سلمة، عن أبيه".

عمرو أم عمر؟

طالب:........

نعم عن أبي هريرة متأخر هذا، نعم.

"عن أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ طُعْم وَذِكْرٍ اللَّهِ».

وحدثنا خلاد بن أسلم، قال: حدثنا روحٌ، قال: حدثنا صالح، قال: حدثني ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث عبد الله بن حذافة يطوف في منى: «لَا تَصُومُوا هَذِهِ الْأَيَّامَ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَذِكْرِ اللَّهِ- عزَّ وجلَّ-».

وحدثنا يعقوب، قال: حدثنا هشيمٌ، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، قال: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن حذافة، فنادى في أيام التشريق فقال: «إِنَّ هَذِهِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ، إِلَّا مَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْم مِنْ هَدْي»".

طالب:........

«إِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» عندك؟ «إِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» ساقطة من بعض النسخ على كل حال الأمر سهل.

"زيادةٌ حسنة ولكنها مرسلة، وبه قال هشيمٌ عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عمرو بن دينار: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث بشر بن سحيم، فنادى في أيام التشريق فقال: «إِنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ».

وقال هشيمٌ عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن عائشة قالت: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صوم أيام التشريق، قال: «هِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ».

وقال محمد بن إسحاق، عن حكيم بن حكيم، عن مسعود بن الحاكم الزرقي، عن أمه قالت: لكأني أنظر إلى عليٍّ على بغلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البيضاء، حتى وقف على شعب الأنصار وهو يقول: يا أيها الناس، إنها ليست بأيام صيام، إنما هي أيام أكل وشربٍ وذكر.

وقال مِقسم عن ابن عباس: الأيام المعدودات: أيام التشريق، أربعة أيام: يوم النحر، وثلاثة أيامٍ بعده، وروي عن ابن عمر، وابن الزبير، وأبي موسى، وعطاءٍ، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وأبي مالكٍ، وإبراهيم النخعي، ويحيى بن أبي كثير، والحسن، وقتادة، والسُّدي، والزهري، والربيع بن أنس، والضحاك، ومقاتل بن حيان، وعطاءٍ الخراساني، ومالك بن أنس، وغيرهم مثل ذلك".

هذا القول الأول في المسألة وأن أيام النحر أربعة يوم النحر وثلاثة أيام التشريق، وأدلته ظاهرة وواضحة.

والقول الثاني سيذكره المؤلف، وهو يوم النحر ويومان بعده، وهو المعروف عند الحنابلة وجمعٌ من أهل العلم، نعم.

"وقال علي بن أبي طالب: هي ثلاثة، يوم النحر ويومان بعده، اذبح في أيهن شئت، وأفضلها أولها.

والقول الأول هو المشهور، وعليه دل ظاهر الآية الكريمة، حيث قال: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}[البقرة:203] فدل على ثلاثةٍ بعد النحر.

ويتعلق بقوله: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}[البقرة:203] ذكر الله على الأضاحي، وقد تقدم، وأن الراجح في ذلك مذهب الشافعي -رحمه الله- وهو أن وقت الأضحية من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق.

ويتعلق به أيضًا الذكر المؤقت خلف الصلوات، والمطلق في سائر الأحوال. وفي وقته أقوال للعلماء أشهرها الذي عليه العمل أنه من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وهو آخر النفر الآخر".

قالوا: هذا بالنسبة لغير الحاج، أما الحاج وهو في أول الوقت مشغول بالتلبية، ويبدأ التكبير المقيد بالنسبة للحاج من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق.

طالب:........

لله، هو ذكرٌ لله رواية أخرى.  

"وقد جاء فيه حديثٌ رواه الدارقطني، لكن لا يصح مرفوعًا، والله أعلم.

وقد ثبت أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يُكبِّر في قبته، فيُكبِّر أهل السوق بتكبيره، حتى ترتج منى تكبيرًا.

ويتعلق بذلك أيضًا التكبير وذكر الله عند رمي الجمرات كل يوم من أيام التشريق.

وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره: «إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ؛ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ-».

ولما ذكر الله تعالى النفر الأول والثاني، وهو تفرق الناس من موسم الحج إلى سائر الأقاليم والآفاق بعد اجتماعهم في المشاعر والمواقف، قال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[البقرة:203]".

تأكيد على التقوى، ولزوم التقوى بعد الحج؛ لأنه أوكِّد على التقوى في الحج، فماذا عما بعد الحج؟ التقوى يجب أن تكون ملازمةً للمسلم في سائر أحواله، في عباداته، في معاملاته، في معاشرته، في قيامه، في قعوده في جميع أحواله. 

طالب:........

لا، هو الأيام الثلاثة أيام تكبير لكل أحد، حتى في السوق أبو هريرة وابن عمر يخرجان إلى الأسواق فيُكبران يُكبر بتكبيرهم الناس.

طالب:........

المواقف الموقف الذي يُراد به الجنس ما يضر.

طالب:........

ما فيه تلبية إذا شرع في رمي الجمرة انقطعت التلبية. 

طالب:........

مَن هو الملبي؟ الذي أنهى رمى الجمرة انتهت تلبيته، ويبدأ بالتكبير، لكن الذي ما أنهى رمي الجمرة لا يزال يُلبي حتى يرمي الجمرة.

لكن قد يقول قائل: أنه قد تغرب عليه الشمس، وقد تحلل ولبس ثيابه، ولم يرمِ الجمرة بعد هذا يُلبي أم يُكبِّر؟

طالب:........

لم يرمِ ما رمى إلا بعد غروب الشمس، وقد حلق أو قصَّر وطاف، ولبس ثيابه ولم يرمِ جمرة العقبة، في حديث جابر: لم يزل يُلبي؛ حتى رمى جمرة العقبة، هو المرجَّح في هذا أنه يُلبي، حتى يُباشر أسباب التحلل، إما برمي الجمرة أو بغيرها من الأسباب الذي هي الحلق والطواف، لا يُمكن أن يُلبي وعليه ثيابه.

طالب:........

خلع إحرامه، نعم.

طالب:........

ماذا فيها؟

طالب:........

الأيام العشرة؟ لا، التكبير بعد الصلاة من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق مُقيد، بعد الصلاة مباشرة لها أذكارها الخاصة، استغفر الله، استغفر الله، ثم إذا فرغ منها يُكبِّر، نعم.

طالب:........

ما أسمع.

طالب:........

يطوف ويحلق عموم ما سُئِل عن شيءٍ قُدم ولا أُخِّر في ذلك اليوم إلا قال: «افعل ولا حرج» يشمل هو الكلام في تقديم السعي على الطواف هو الذي محل كلام أهل العلم، أما ما عداها له أن يُقدم ويؤخر ما شاء. 

"كما قال: {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[المؤمنون:79].

قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ * وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة:204-207].

قال السُّدي: نزلت في الأخنس بن شُريق".

شَريق.

"ابن شَريقٍ الثقفي جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأظهر الإسلام وفي باطنه خلاف ذلك.

وعن ابن عباس: أنها نزلت في نفرٍ من المنافقين تكلموا في خُبيبٍ وأصحابه الذين قُتلوا بالرجيع وعابوهم، فأنزل الله في ذم المنافقين ومدح خبيب وأصحابه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ}[البقرة:207].

وقيل: بل ذلك عامٌّ في المنافقين كلهم، وفي المؤمنين كلهم. وهذا قول قتادة، ومجاهد، والربيع بن أنس، وغير واحدٍ، وهو الصحيح".

لأنه قال: {وَمِنَ النَّاسِ}[البقرة:207] الناس جنس يعم الناس كلهم كون الآية نزلت على سببٍ خاص، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

"وقال ابن جرير: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن القرظي، عن نوفٍ -وهو البُكالي".

البِكالي.

"وهو البِكالي وكان ممن يقرأ الكُتب".

"القرظي" معروف نسبةً إلى بني قريظة، وهو ممن أسلم منهم، وقد يُقال في النسبة لغير هؤلاء القرظي أو القرظ، منهم المؤذن سعد القرظ، والقرظ نوع من النبات يُدبغ به الجلود، مؤذن في مسجد مكة اسمه سعد القرض. 

"قال: إني لأجد صفة ناسٍ من هذه الأمة في كتاب الله المُنزَّل".

يقرأ في الإسرائيليات -نوف البكالي- وجاء التغليظ عليه من قِبل عمر وغيره من الصحابة، لكنه على كل حال روايته مُصححة.

طالب:........

نعم، معروف.

طالب:........

شددوا عليها، موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بن عمران صاحب بني إسرائيل؛ لأنه يقرأ في الكتب وينقل، غلطوه وغلظوا عليه.

"قومٌ يحتالون الدنيا بالدين، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أَمر من الصبر، يلبسون للناس مسوك الضأن".

يعني جلود الضأن، المسك الجلد.

"وقلوبهم قلوب الذئاب، فعلي يجترئون".

يقول الله تعالى: فعلي يجترئون، وبي يغترون، حديث قدسي منسوب إلى الله- جلَّ وعلا-.

"يقول الله تعالى: فعلي يجترئون، وبي يغترون، حلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنةً تترك الحليم فيها حيران.

قال القرظي: تدبَّرتها في القرآن، فإذا هم المنافقون، فوجدتها: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ}[البقرة:204] الآية.

وحدثني محمد بن أبي معشر، أخبرني أبو معشر نجيحٌ".

السندي، نجيح بن عبد الرحمن السندي، ذكرناه قريبًا، ذكرنا من يوافقه في الكنية أبو معشر البراء الذي يبري السهام.

"قال: سمعت سعيدًا المقبري يذاكر محمد بن كعبٍ القرظي، فقال سعيد: إن في بعض الكتب: إن لله عبادًا ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرُّ من الصبر، لبسوا للناس مسوك الضأن من اللين، يجترئون الدنيا بالدين.

قال الله تعالى: علي تجترئون! وبي تغترون!. وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران. فقال محمد بن كعب: هذا في كتاب الله؟ فقال سعيد: وأين هو من كتاب الله؟ قال: قول الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[البقرة:204]الآية، فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت هذه الآية، فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل في الرجل، ثم تكون عامةً بعد. وهذا الذي قاله القرظي حسنٌ صحيح".

لأن العلماء يقررون أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كون الآية نزلت في رجل أو في جهة من الجهات أو قبيلة من القبائل لا يعني أن غيرهم يبرأ من عهدتها، بل تعمهم وتشملهم. 

"وأما قوله: {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ}[البقرة:204] فقرأه ابن محيصن: "ويشهد الله" بفتح الياء، وضم الجلالة {عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ}[البقرة:204] ومعناه: أن هذا وإن أظهر لكم الجميل، لكن الله يعلم من قلبه".

الجميل أم الحيَّل؟ "ومعناه أن هذا وإن أظهر لكم الحيَّل، لكن الله يعلم من قلبه" وقد يتصنَّع ويُظهر الجميل، والباطن قبيح، فالمعنى مقبول ما هو مُنافر؛ لأن الحيلة إذا ظهرت فظاهرها جميل، خلاف الصراحة، وهي الحق، ظاهرها عند بعض الناس يختلف عما يُريده، وما يحتاجه، وما يميل إليه، فيكون ظاهرها غير جميل، لكن العاقبة حميدة.

"لكن الله يعلم من قلبه القبيح، كقوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1].

وقراءة الجمهور بضم الياء، ونصب الجلالة {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ}[البقرة:204] ومعناه: أنه يُظهر للناس الإسلام، ويبارز الله بما في قلبه من الكفر والنفاق، كقوله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ} الآية [النساء:108] هذا معنى ما رواه ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباس.

وقيل: معناه أنه إذا أظهر للناس الإسلام حلف وأشهد الله لهم: أن الذي في قلبه موافقٌ للسانه، وهذا المعنى صحيح، وقاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابن جرير، وعزاه إلى ابن عباس، وحكاه عن مُجاهد، والله أعلم".

المنافق الذي يُظهر خلاف ما يُبطن إذا نُوقِش حلف الأيمان المُغلَّظة أن ما في قلبه هو الموافق لظاهره، وأن ما في قلبه هو ما يُظهره، وهو الحق، ويُشهد الله على ما في قلبه، وإن كان الذي في قلبه خلاف ما يُظهره. 

"وقوله: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}[البقرة:204] الألد في اللغة: الأعوج".

الأعوج الذي لا يُستطاع تقويمه، ألد في خصومته، ولا يقبل الحق ممن جاء به، ويُدافع عن رأيه، وهذا موجود -مع الأسف- في المسلمين كثير، وقد يُوجد في بعض طلاب العلم، تجده يُفتي بفتوى ما ألقى لها بالاً، ولا درسها ولا شيئًا، ثم إذا قيل له عنها، بحث ليجد المبرر لهذه الفتوى، ولوكان غير صحيح، ولو كان ضعيفًا ، ولو كان قولًا مهجورًا، لكن ولو قال به فلان وفلان أو دليله فلان وإن كان ضعيفًا، فهو يُقرر ثم يستدل، والأصل أن يستدل فيطلب الدليل، ثم يستنبط منه الحكم.

طالب:........

كله من أجل ألا يُقال: أخطأ. 

"{وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا}[مريم:97] أي: عوجًا، وهكذا المنافق في حال خصومته، يكذب".

أي ماذا؟

طالب: عِوجًا.

العوج يُوصف به القوم أم القول؟

طالب:........

عُوجًا.

"أي: عُوجًا، وهكذا المنافق في حال خصومته، يكذب ويَزوَر عن الحق، ولا يستقيم معه، بل يفتري ويفجر، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ».

قال البخاري: حدثنا قبيصة، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة ترفعه قال: «أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ» قال: وقال عبد الله بن يزيد: حدثنا سفيان، قال: حدثني ابن جريج، عن ابن مُليكة".

ابن أبي.

طالب:........

كذلك كلهم ابن أبي مُليكة، قال ابن أبي مُليكة: أدركت ثلاثين صحابيًّا كلهم يخاف النفاق على قلبه، وليس فيهم من يزعم أن إيمانه كإيمان جبريل، يعني وُجِد هذا في الأمة، يعني المرجئة يقولون: إيمان الواحد منهم أفسق الناس مثل جبريل ما في فرق، نعم.

"قال: حدثنا ابن جريج، عن ابن أبي مُليكة عن عائشة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهكذا رواه عبد الرزاق، عن معمرٍ في قوله: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}[البقرة:204] عن ابن جريجٍ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ أَبْغَضَ الرجال إلى الله الألد الخصم»".

«الخصم» فعِل، صيغة مبالغة من صيغ المبالغة، كم صيغ المبالغة أربعة أم خمسة؟  

طالب:........

عدها.

طالب:........

خلاص.

فعال، ومفعال، وهو فعول

 

في صيغةٍ عن فاعلٍ بديلُ

ماذا بعدها؟ ما البيت الثاني؟

نعم.

"وقوله: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}[البقرة:205] أي: هو أعوج المقال، سيئ الفعال، فذلك قوله، وهذا فعله: كلامه كذب، واعتقاده فاسد، وأفعاله قبيحة.

والسعي هاهنا هو: القصد. كما قال إخبارًا عن فرعون: {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى* فَحَشَرَ فَنَادَى* فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى* فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأولَى* إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى}[النازعات:22-26]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة:9] أي: اقصدوا واعمدوا ناوين بذلك صلاة الجمعة، فإن السعي الحسي إلى الصلاة منهيٌّ عنه بالسنة النبوية".

الذي هو الإسراع في المشي إلى الصلاة، بل المطلوب المشي وعليه السكينة، وأما السعي «إذا أُقيمت الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْن» يعني تسرعون في المشي، قوله: «إذا أُقيمت الصَّلَاةَ» دليلٌ على أن الإقامة تُسمع؛ لأن بعضهم يُنادي بأن تُقفل مُكبرات الصوت وقت الإقامة فلا تُسمع؛ لئلا يتكل الناس عليها، وكونهم يتكلون عليها ويأتونها يدركون شيئًا من الصلاة أفضل من ألا يسمعوا إذا دخلوا المسجد ووجدوهم قد صلوا. قال: بهذا تُعينونهم على الكسل، هم كسلانين كسلانين يُدرك شيئًا أحسن من لا شيء، والحديث صريحٌ في هذا «إذا أُقيمت الصَّلَاةَ» متى يُخاطب الإنسان بهذا؟ إذا كان يسمع.

«إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْن، وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السكينةُ وَالْوَقَارُ».

فهذا المنافق ليس له همَّةٌ إلا الفساد في الأرض، وإهلاك الحرث، وهو: محل نماء الزروع والثمار والنسل، وهو: نتاج الحيوانات الذين لا قوام للناس إلا بهما.

وقال مجاهد: إذا سعى في الأرض فسادًا، منع الله القطر، فهلك الحرث والنسل. {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}[البقرة:205] أي: لا يحب من هذه صفته، ولا من يصدر منه ذلك".

وجاء في بعض الآثار أن الدواب تدعو على عُصاة بني آدم؛ لأنها بسببهم تُحرم من الرزق والقطر والعشب، وما تقتات به، جاء في الخبر «ولولا البهائم لم يُمطروا».

"وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ}[البقرة:206] أي: إذا وعظ هذا الفاجر في مقاله وفعاله، وقيل له: اتق الله، وانزع عن قولك وفعلك، وارجع إلى الحق، امتنع وأبى، وأخذته الحمية والغضب بالإثم، أي: بسبب ما اشتمل عليه من الآثام، وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحج:72]، ولهذا قال في هذه الآية: {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:206] أي: هي كافيته عقوبة في ذلك.

وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ}[البقرة:207]".

الحسب الكافي، حسبنا الله ونعم الوكيل أن يكفينا الله شر من أرادنا بشر، "فحسبك والضحاك سيف المهند" يكفيك يعني أنت والضحاك يكفيك سيف المهند وهكذا.

"وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ}[البقرة:207] لما أخبر عن المنافقين بصفاتهم الذميمة، ذكر صفات المؤمنين الحميدة، فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ}[البقرة:207].

قال ابن عباس، وأنس، وسعيد بن المسيب، وأبو عثمان النهدي، وعكرمة، وجماعة: نزلت في صهيب بن سنانٍ الرومي، وذلك أنه لما أسلم بمكة وأراد الهجرة، منعه الناس أن يُهاجر بماله، وإن أحب أن يتجرد منه ويهاجر، فعل. فتخلص منهم وأعطاهم ماله، فأنزل الله فيه هذه الآية، فتلقاه عمر بن الخطاب وجماعة إلى طرف الحرة، فقالوا: ربح البيع، فقال: وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم".

وكُنيته أبو يحيى.

"فقال: وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم، وما ذاك؟ فأخبره أن الله أنزل فيه هذه الآية".

فأخبروه "فتلقاه عمر بن الخطاب وجماعة" فأخبروه أن الله.

"فأخبروه أن الله أنزل فيه هذه الآية.

ويُروى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: «ربِح الْبَيْعُ صُهَيْبُ، رَبِحَ الْبَيْعُ صُهَيْبُ» قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن رسته، قال: حدثنا سليمان بن داود، قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي، قال: حدثنا عوف عن أبي عثمان النهدي، عن صهيبٍ قال: لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-".

جعفر بن سليمان؟

طالب:........

الضبعي، نحن عندنا الضبي.

طالب:........

رسته لقب، ما اسم رسته يا أبا عبدالله؟

طالب:........

رسته لقب ،إنما هو ابن رسته، أبوه رسته.

طالب:........

عندك، عندك "حدثنا محمد بن عبد الله" ماذا يقول؟

طالب:........

نعم، لكنه أصله لقب لأبيه.

طالب:........

لقب على راوٍ من الرواة، تعرفون الألقاب، موجود هذا.

طالب:........

نعم.

طالب:........

ماذا؟

طالب:........

يعني بالتاء أم بالهاء؟ عندك أعلام أعجمية تُنطق بالهاء في الوقف الدرج ابن ماجه، ابن منده، ابن داسه؛ لأنها أعجمية مثل هذا.  

"عن صهيبٍ قال: لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت لي قريش: يا صهيب، قدمت إلينا ولا مال لك، وتخرج أنت ومالك! والله لا يكون ذلك أبدًا، فقلت لهم: أرأيتم إن دفعت إليكم مالي تُخلُّون عني؟ قالوا: نعم. فدفعت إليهم مالي، فخلَّوا عني، فخرجت حتى قدمت المدينة، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «رَبح صهيب، رَبِحَ صُهَيْبٌ» مرتين.

وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيدٍ، عن سعيد بن المسيب قال: أقبل صهيبٌ مهاجرًا نحو النبي -صلى الله عليه وسلم-، فاتبعه نفرٌ من قريش، فنزل عن راحلته، وانثل ما في كنانته، ثم قال: يا معشر قريش، قد علمتم أني من أرماكم رجلاً، وأنتم والله لا تصلون إلي حتى أرمي كل سهم في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكة وخليتم سبيلي؟ قالوا: نعم. فلما قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «رَبِحَ الْبَيْعُ، رَبِحَ الْبَيْعُ» قال: ونزلت: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة:207]".

طالب:........

انتثل.

في السند علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف.

"وأما الأكثرون فحملوا ذلك على أنها نزلت في كل مجاهد في سبيل الله، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة:111]، ولما حمل هشام بن عامر بين الصفين، أنكر عليه بعض الناس، فرد عليهم عمر بن الخطاب، وأبو هريرة وغيرهما، وتلوا هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة:207]".

في المسألة الأخيرة "ولما حمل هشام بن عامر بين الصفين، أنكر عليه بعض الناس" يعني رأوا أن هذا من التهلكة التي جاء النهي عنها {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة:195].

تقدم في تفسير الآية أن التهلكة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خشية الضرر، ترك الجهاد خشية القتل، وترك الصدقة خشية الفقر كل هذا تهلكة، واتباع ما جاء به الله –جلَّ وعلا- من الأوامر والنواهي ليست هذه التهلكة، إنما هي الحياة الحقيقية، ولكن العزيمة شيء، والرخصة شيءٌ آخر، فإذا كثر العدو كثرةً تزيد على الضعف فلا يلزم الثبات أمامه، وإذا كان هو أقل من ذلك يجب الثبات، ولو ثبت والعدد أضعاف أضعاف المسلمين صارت هذه عزيمة وليست تهلكة، وفي مواطن كثيرة تجد الكفار أضعافًا، ثلاثة أضعاف أحيانًا، عشرة أضعاف المسلمين، ويخوضون معهم الحرب، وينتصر المسلمون {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً}[البقرة:249].

وفي حروب المسلمين مع فارس والروم وصلت إلى عشرة أضعاف أحيانًا، ومع ذلك قاوموهم وانتصروا عليهم.

وهؤلاء أنكروا على هشام بن عامر لما انغمس بين الصفين أنكر عليه بعض الناس ورأوا أنه ألقى بيده إلى التهلكة، لكن التهلكة فيما يضر لا فيما ينفع.

وكذلك الإنفاق لا إسراف في الخير مهما بذلت في وجوه الخير لا يُسمى إسرافًا، بينما إذا بذلت اليسير فيما حرَّم الله عليك من شر أنواع الإسراف، وفي المباحات المسألة بحسبها، والله أعلم.

طالب:........

لا، الآية بعمومها تشمل كل مجاهد، وإن كانت نزلت على سببٍ خاص، لكن كل مجاهد يشمله عموم الآية.

طالب:........

لا، قالوا: إن سبب نزول هذا هو العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

طالب:........

مثله مثله.

طالب:........

لا لا، عموم، عموم.

طالب:........

بالنظر إلى العموم يعني هم يتفقون بأن العبرة في عموم اللفظ لا بخصوص السبب، إلا ما يُنقل عن مالك في بعض الوقائع.

عندكم شيء؟

طالب:........

ماذا؟

طالب:........

يُنقل عن مالك أن العبرة بخصوص السبب، لكن العامة على... أو يُنقل عن المالكية لا أقول: عن مالك بالذات، قد يُحمل النص على السبب الخاص؛ لأن عمومه معارَضٌ بما هو أقوى منه، وحينئذٍ يُحمل على النص الخاص، ويُترك العموم؛ لأنه مُعارَض بما هو أقوى منه، وذكرنا من الأمثلة على ذلك الصلاة من قعود جاء فيها الحديث الصحيح أنها على النصف من أجر صلاة القائم، وهذا بالنسبة لصلاة النافلة لا في الصلاة العموم.

طالب:........

من هو؟

طالب:........

يعني التنصيص عليهم مع أن العموم، يعني التنصيص عليهم بهذا مع أن عموم أهل العلم يرون العبرة بعموم اللفظ من هذه الحيثية، هم يرون أنها نزلت في عموم المجاهدين، هي نزلت الآية في عموم المجاهدين؟ إلا إذا ألغينا النص الخاص، إذا ألغينا النص الخاص قلنا: إنها نزلت في عموم المجاهدين، والله أعلم.