(الموطأ) لإمام دار الهجرة مالك بن أنس نجم السنن له روايات متعددة، ووجد من الموطآت سبعة عشر لرواة معروفين، منهم يحيى بن يحيى الليثي، والقعنبي، وأبو مصعب الزهري، وسويد بن سعيد الحدثاني، وابن بُكير، وابن القاسم، وابن زياد، ومحمد بن الحسن، وغيرهم إلى عدة سبعة عشر موطأً، وفي بعضها من الزيادات على بعض، وفيها أيضًا اختلاف في الألفاظ، وفيها تفاوت في تعليقات الإمام مالك على الأحاديث، وفي أحكامه الفقهية المستندة على الأحاديث في بعضها ما لا يوجد في بعض.
وطُبع من هذه الموطآت أشهرُها رواية يحيى بن يحيى الليثي، طُبعت في الهند قديمًا، وفي قازان، وفي مصر، وفي المغرب، وفي غيرها من البلدان، ومن أقدم الطبعات التونسية كتاب (الموطأ) للإمام مالك، ولا شك أن هذه الطبعات القديمة يتولاها علماء يصححونها وينقحونها، لكن قد يُوجد بعدهم نسخ لم يطلع عليها المتقدمون فيفيد منها المتأخرون، وعلى كل حال رواية يحيى بن يحيى مخدومة بالطبعات وبالشروح، وكذلك رواية أبي مصعب طُبعت محققة، وسويد، وابن بُكير، وابن زياد، كلها طُبعت، وموطأ محمد بن الحسن طُبع مشروحًا من قِبَل اللَّكنوي، وفيه نوع اختلاف مع الموطآت الأخرى؛ لأن فيه توجيهًا للأحاديث وبعض كلام الإمام مالك مع ما يتفق مع مذهب الحنفية؛ لأن الراوي محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة. وولي الله الدهلوي شرح (الموطأ) بشرح متوسط أسماه (المصفَّى) لكنه بغير العربية، بل بالأعجمية، وشرحه أيضًا بشرح أسماه (المسوَّى شرح الموطأ) وضم إلى رأي الإمام مالك رأيَ أبي حنيفة والشافعي، فجمع المذاهب الثلاثة، ويُعمل على تحقيق (المسوَّى) في رسالة علمية بضم مذهب الإمام أحمد إلى المذاهب الثلاثة ودراسة هذه الأقوال وترجيح الراجح منها.
هذه رواية يحيى بن يحيى، ورواية أبي مصعب أيضًا مطبوعة محققة، ورواية محمد بن الحسن طُبعت محققة ومشروحة، وكذلك بقية الروايات طُبعت وإن لم تتعدد طبعاتها وتحقيقاتها.
وبعض المعاصرين جمع الروايات وطبع (الموطأ) برواياته التي أشرتُ إليها آنفًا: يحيى بن يحيى، والقعنبي، وأبي مصعب، والحدثاني، وابن بُكير، وابن القاسم، وابن زياد، ومحمد بن الحسن، بزوائدها واختلاف ألفاظها، لكن وإن كانت هذه الطريقة والجمع بين هذه الروايات تجمع المتفرِّق من (موطأ الإمام مالك) برواياته المتعددة لكنها ليست على منهج أهل العلم الذين يوصون برواية الكتب على رواية واحدة، هذه لا شك أنها تُقرِّب، لكن أهل العلم يقولون: (ينبغي أن تصحح نسختك على رواية واحدة، ثم تشير إلى ما عداها)، نعم، هناك طريقة لهم في الجمع في الضم والتفريق، واليونيني -رحمه الله- بالنسبة لـ(صحيح البخاري) جمع الروايات، لكنه ما أقحمها في صلب الكتاب، وإنما أشار إليها في الحواشي في فَرْخَةٍ كتبها، ثم فرَّغها القسطلاني وغيره، وطُبعت على هامش (البخاري) في طبعتي بولاق الأولى والثانية، وعلى كل حال من فعل ذلك مأجور -إن شاء الله- على اجتهاده، وقد قرَّب ما فُرِّق في الموطآت لطالب العلم، فلن يُحرم الأجر -إن شاء الله تعالى-.
يقول السائل: (وكذلك كتاب (الأم)).
(الأم) طُبعت في بولاق سنة ألف وثلاثمائة وعشرين أو قريبًا منها، طبعة جميلة وعلى هوامشها (مختصر المزني) و(اختلاف الحديث) وغيرهما من الكتب التي تنسب إلى الإمام الشافعي، وهي من كلامه بلا شك، ثم تتابعوا على طباعة (الأم) بعد طبعة بولاق، فطبعه محمد زهري النجار، ثم صُوِّر مرارًا، والتصوير لا عبرة به، ثم طُبعت (الأم) أخيرًا بتحقيق رفعت فوزي عبد المطلب، وهي طبعة في الجملة جيدة، وذكر ملاحظاته على الطبعات السابقة مما يدل على أنه اعتنى بالكتاب، وأنا راجعت هذه الطبعة في مواضع فوجدتها صحيحة في الجملة، بل هي عندي أفضل الطبعات، وطبعة بولاق لا شك أن الذي يصححها أئمة ومن كبار الشافعية في وقتهم، لكن يبقى أن النسخة التي اعتمدوا عليها فيها نوع تقديم وتأخير فلا تسلم، والمتأخر قد اطلع على ما لم يطلع عليه المتقدِّم.