التعليق على تفسير القرطبي - سورة الكهف (04)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه.

 قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الكهف:24]. فيه مسألتان:

الأولى: قال العلماء: عاتب الله تعالى نبيه -عليه السلام- على قوله للكفار حين سألوه عن الروح والفتية وذي القرنين: غدًا أخبركم بجواب أسئلتكم، ولم يستثنِ في ذلك، فاحتبس الوحي عنه خمسة عشر يومًا، حتى شق ذلك عليه، وأرجف الكفار به، فنزلت عليه هذه السورة مفرِّجة، وأُمر في هذه الآية ألا يقول في أمرٍ من الأمور: إني أفعل غدًا كذا وكذا، إلا أن يعلق ذلك بمشيئة الله -عز وجل-؛ حتى لا يكون محققًا لحكم الخبر، فإنه إذا قال: لأفعلن ذلك ولم يفعل، كان كذبًا، وإذا قال: لأفعلن ذلك إن شاء الله، خرج عن أن يكون محققًا للمخبر عنه، واللام في قوله: {لِشَيْءٍ} [الكهف:24] بمنزلة في، أو كأنه قال: لأجل شيء".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 هذا الاستثناء المذكور في هذه الآية {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:24]، هذا نافع في كثيرٍ من الأمور، بل في جميع الأمور، ولذا جاء قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:24]، فإذا قلت: لأفعلن ذلك غدًا إن شاء الله، ولو قلت: والله لأفعلن ذلك غدًا إن شاء الله، لا تحنث ولا يلزمك شيء إذا لم تفعل، وإذا قيل لك: بلِّغ فلانًا السلام مني، قلت: أفعل، إن شاء الله، لا حرج إن لم تبلغ.

 وفي هذا مخرج في كثير مما يلزم الإنسان به نفسه، ولذا جاء في قصة سليمان حينما حلف أن يأتي نساءه التسع والتسعين، أن يطأ نساءه، وتلد كل واحدة منهن فارسًا يقاتل في سبيل الله، ولم يقل: إن شاء الله، ما الذي حصل؟ لم تأتِ واحدةٌ منهن بولد، إلا واحدة جاءت بشق ولد، ولو قال: إن شاء الله، لحصل ما تمناه، ولجاهدوا في سبيل الله، كما جاء في الخبر.

كثيرٌ من أهل العلم في كتبهم يقول: سيأتي هذا إن شاء الله تعالى في باب كذا، ولا يأتي، قد يأتي، لكن أحيانًا لا يأتي، لماذا؟ لأنه لم يقل: إن شاء الله، ومر بكم ومر بغيركم في الروض المربع عند قول المؤلف: وما أُبين من حيٍ، فهو كميتته، فقال، استثنى من ذلك المسك في فأرته، والطريدة، وستأتي في كتاب الصيد، وما جاءت، ولا تحدث عنها. والعلماء إذا وصلوا إلى هذا المكان وعلقوا عليه في الحواشي، أو في الدروس قالوا: لو قال: إن شاء الله، غلب على الظن أنه يذكر هذه المسألة، وغير ذلك كثير كثير في كتب أهل العلم، لا يعلقون بالمشيئة، ثم بعد ذلك لا يفون بما وعدوا.

الصاوي في حاشيته على الجلالين حينما علَّق على هذه الآية، فسَّرها صاحب الجلالين، وجاء المحشِّي بكلامٍ في غاية القبح، ما أدري ما الذي أدخل وجوب التقليد في هذه الآية، ما أدري ما الذي أقحم وجوب التقليد في هذه الآية.يقول: ولا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة، ولو خالف كتابًا أو سنة أو قول الصحابي، ولا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة، ولو خالفت كتابًا أو سنة، أو قول صحابي، هذا كلامه؟! ثم زاد على ذلك فقال: إن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر، كلام في غاية القبح، كلام شنيع ما أدري مناسبته، أنا بعيد العهد عن هذا الكتاب، بعيد جدًّا عنه يمكن من ربع قرن قرأت هذا، بعيد العهد، لكن هذا الكلام في غاية القبح، والتوجيه الإلهي واضح في هذه الآية، لا تَعِد بشيء بالمستقبل إلا أن تربط ذلك بالمشيئة؛ لأنه إن حصل فالله -جل وعلا- قد شاءه، وأعانك على تحقيقه، وإن لم يحصل فالله سبحانه وتعالى ما قدَّره لك، وسلمت من تبعاته.

طالب: .......

نعم.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

ماذا صار فيها؟

طالب: .......

لا، هو لعله حار ودار حول الآية، وأتى ببعض الأقوال وبعض الأشياء، أنا بعيد العهد جدًّا عنه، لكن كلامه قبيح على أي حال.

"الثانية: قال ابن عطية: وتكلم الناس في هذه الآية في الاستثناء في اليمين، والآية ليست في الأيمان، وإنما هي في سنة الاستثناء في غير اليمين.

وقوله: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:24] في الكلام حذفٌ يقتضيه الظاهر، ويحسنه الإيجاز; تقديره: إلا أن تقول: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:24]، أو إلا أن تقول: إن شاء الله. فالمعنى: إلا أن تذكر مشيئة الله، فليس إلا أن يشاء الله من القول الذي نهي عنه.

قلت: ما اختاره ابن عطية، وارتضاه هو قول الكسائي والفراء، والأخفش،  وقال البصريون: المعنى إلا بمشيئة الله.  فإذا قال الإنسان: أنا أفعل هذا إن شاء الله فمعناه بمشيئة الله. قال ابن عطية: وقالت فرقةٌ: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:24] استثناء من قوله: {وَلَا تَقُولَنّ} [الكهف:23]. قال: وهذا قول حكاه الطبري ورد عليه، وهو من الفساد بحيث كان الواجب ألا يحكى. وقد تقدم القول في الاستثناء في اليمين وحكمه في "المائدة."

 قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيت} [الكهف:24] فيه مسألة واحدة، وهو الأمر بالذكر بعد النسيان، واختُلف في الذكر المأمور به، فقيل: هو قوله: {وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الكهف:24] قال محمد الكوفي المفسِّر: إنها بألفاظها مما أمر أن يقولها كل من لم يستثنِ، وإنها كفارةٌ لنسيان الاستثناء. وقال الجمهور: هو دعاءٌ مأمور به دون هذا التخصيص. وقيل: هو قوله: إن شاء الله الذي كان نسيه عند يمينه. حُكي عن ابن عباس أنه إن نسي الاستثناء ثم ذكر ولو بعد سنة لم يحنث إن كان حالفًا. وهو قول مجاهد. وحكى إسماعيل بن إسحاق ذلك عن أبي العالية في قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيت} [الكهف:24] قال: يستثني إذا ذكره. قال الحسن".

على قول ابن عباس، لن يحنث أحد، ولن تلزم الكفارة أحد، إذا كان له الاستثناء ولو بعد سنة فلن يحنث أحد، والكفارة حينئٍذ لا تلزم أحد، كل من بان له أنه تلزمه الكفارة استثنى، وعلى هذا لا تلزم الكفارة أحدًا، وهذا مما يضعف هذا القول.

 قول الحسن: ما دام في المجلس، له وجه؛ لأنه لا يلزم أن يكون المتكلم ذاكرًا لهذا الاستثناء أثناء هذا الكلام، أثناء الكلام لا يلزم أن يكون ذاكرًا لهذا الاستثناء مقترنًا به، بدليل قصة سليمان، والاستثناء لا يلزم ذكره مع الكلام، وفي نية المتكلم مع الكلام، بدليل أن الاستثناء استثناء الغير نفع، نعم. بعد قول النبي – عليه الصلاة والسلام- في تحريم مكة قال: قال العباس: إلا الإذخر. فقال النبي – عليه الصلاة والسلام-: «إلا الإذخر»، فنفع مثل هذا الاستثناء، ومثله قصة سليمان، فلو قال: إن شاء الله لنفعه ذلك، هذا دليل على أنه لا يلزم أن يكون في نية المتكلم أن يستثني، لكن إن استثنى قريبًا نفعه ذلك، وإذا طالت المدة لم ينفعه.

طالب: .......

نعم؟

طالب: .......

طيب.

طالب: ........

لا، هو لا ينوي بذلك نقض ما أراده، لا يريد بهذا الاستثناء نقض ما أراده، لا، أحيانًا يكون بطريقته هذه، إذا أراد أن يعِد الناس بأوعاد ثم يقول: إن شاء الله، فهذا لا شك أنه واقع في إخلاف الوعد، وفي نيته قبل أن يقول ذلك، في نيته إخلاف الوعد قبل أن يقول ذلك، وهذا لا يجوز.

"قال الحسن: ما دام في مجلس الذكر، وقال ابن عباس: سنتين، ذكره الغزنوي قال: فيحمل على تدارك التبرك بالاستثناء؛ للتخلص عن الإثم. فأما الاستثناء المفيد حكمًا فلا يصح إلا متصلاً، قال السدي: أي كل صلاةٍ نسيها إذا ذكرها".

يعني يفسّر الآية، يفسر قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف:24]، يعني إذا نسيت الصلاة فاذكر ربك، يعني صلِّ.

"وقيل: استثنِ باسمه؛ لئلا تنسى، وقيل: اذكره متى ما نسيته، وقيل: إذا نسيت شيئًا فاذكره يذكِّركه، وقيل: اذكره إذا نسيت غيره أو نسيت نفسك، فذلك حقيقة الذكر، وهذه الآية مخاطبةٌ للنبي - صلى الله عليه وسلم-، وهي استفتاح كلام على الأصح، وليست من الاستثناء في اليمين بشيء، وهي بعد تعم جميع أمته; لأنه حكمٌ يتردد في الناس؛ لكثرة وقوعه، والله الموفق".

نعم؛ لأن الأصل في النصوص الاقتداء به –عليه الصلاة والسلام- إلا ما ورد الدليل على اختصاصه به، إذا ورد الدليل على اختصاص النبي –عليه الصلاة والسلام- بحكم من الأحكام اختص به، وإلا فالأصل الاتساء والاقتداء. {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:103] هل يقول قائل أو يمكن أن يقول قائل: هذا خطاب خاص بالنبي – عليه الصلاة والسلام-. فلا تؤخذ الصدقة بعده؟ لا يمكن أن يكون مثل هذا.

طالب:......

لا يُحمل؟

منهم من يقول: إن الاستثناء لمجرد التبرك، هذا يرد في الاستثناء في الإيمان، إذا قال: أنا مؤمن إن شاء الله، نعم. الإيمان لا بد أن يكون يقينًا مجزومًا به، فإذا قال: إن شاء الله، على سبيل التبرك، والاستعانة وطلب المعونة من الله -جل وعلا-، فهذا لا بأس به، لكن إذا كان استثنى، إن شاء الله أنا مؤمن، وإن شاء يعني مفهومه إن لم يشأ فهو غير مؤمن، هذا لا يجوز، هذا يُسمى الشك.

"قوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف:25] هذا خبرٌ من الله تعالى عن مدة لبثهم، وفي قراءة ابن مسعود، وقالوا: {لَبِثُوا} [الكهف:25]. قال الطبراني: إن بني إسرائيل اختلفوا فيما مضى لهم من المدة بعد الإعثار عليهم إلى مدة النبي – صلى الله عليه وسلم-، فقال بعضهم: إنهم لبثوا ثلاثمائة سنةٍ وتسع سنين، فأخبر الله تعالى نبيه أن هذه المدة في كونهم نيامًا، وأن ما بعد ذلك مجهولٌ للبشر، فأمر الله تعالى أن يرد علم ذلك إليه، قال ابن عطية: فقوله على هذا {لَبِثُوا} [الكهف:25] الأول يريد في نوم الكهف، ولبثوا والثانية يريد بعد الإعثار إلى مدة محمد –صلى الله عليه وسلم-، أو إلى وقت عدمهم بالبلاء".

قراءة ابن مسعود تفسيرية، يريد أن يبين ابن مسعود -رضي الله عنه وأرضاه- {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ} [الكهف:24]، هذا من قولهم، وقالوا: {لَبِثُوا} [الكهف:24]؛ لئلا يعارض ذلك بقوله -جل وعلا-: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} [الكهف:26]؛ لأن الآية الأولى تدل على أنهم لبثوا يقينًا ثلاث مائة وتسعًا سنين، والآية الثانية تكل علم ذلك إلى الله - جل وعلا-، فالذي يوكل علمه إلى الله - جل وعلا - ما لم يطلع المخلوق عليه، وهو في الآية الأولى أطلع المخلوق على ما لبثوا، فيريد ابن مسعود أن يخرج من هذا الإشكال بقوله: وقالوا؛ لتكون الأولى حكاية عن كلامهم، والثانية {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا} [الكهف:26]، يعني لا تجزم بما قالوه، وعلى التفسير الثاني أن هذه المدة، مدة مكوثهم في الكهف، واللبس في الآية الثانية مدة مكوثهم وبقائهم بعد أن انتبهوا من نومهم، وحينئذٍ لا إشكال.

طالب: .......

شمسية وقمرية. نعم معروف.

"قال مجاهد: إلى وقت نزول القرآن، وقال الضحاك: إلى أن ماتوا. وقال بعضهم: إنه لما قال: {وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف:25] لم يدر الناس أهي ساعات أم أيام أم جمع أم شهور أم أعوام، واختلف بنو إسرائيل بحسب ذلك، فأمر الله -تعالى- برد العلم إليه في التسع، فهي على هذا مبهمة. وظاهر كلام العرب المفهوم منه أنها أعوام، والظاهر من أمرهم أنهم قاموا ودخلوا الكهف بعد عيسى بيسير وقد بقيت من الحواريين بقية، وقيل غير هذا على ما يأتي. قال القشيري: لا يفهم من التسع تسع ليالٍ وتسع ساعات؛ لسبق ذكر السنين، كما تقول: عندي مائة درهم وخمسة، والمفهوم منه خمسة دراهم، وقال أبو علي {وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف:25] أي ازدادوا لبث تسع، فحذف، وقال الضحاك: لما نزلت {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ} [الكهف:24] قالوا: سنين أم شهور أم جمع أم أيام؟ فأنزل الله - عز وجل- سنين. وحكى النقاش ما معناه أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة شمسية بحساب الأيام، فلما كان الإخبار هنا للنبي العربي ذكرت التسع; إذ المفهوم عنده من السنين القمرية، وهذه الزيادة هي ما بين الحسابين".

لأن في كل ثلاثة وثلاثين سنة سنة، في كل مائة سنة ثلاث سنوات، ثلاث مائة سنين، فيها تسع سنوات. والسنون الشمسية هي مستعملة الآن في جهة المشرق، لا سيما في إيران تقويمها على الشمسي، وتقويم بقية المسلمين على القمرية. ولو حسبتم الفرق بين السنة عندنا، والسنة عندهم وجدت أن في كل مائة سنة ثلاث سنين، شيء مضطرد؛ لأن في كل سنة أحد عشر يومًا، أو عشرة أيام أحيانًا، يعني الفرق بين الشمسية والقمرية، فهذه مدة منضبطة ومعروفة أن كل في مائة سنة ثلاث سنين، إذًا في الثلاثمائة تسع سنين، ثلاثمائة سنين على حسابهم الشمسي وازدادوا تسعًا على حسابنا القمري.

ونحوه ذكر الغزنوي، أي باختلاف سني الشمس والقمر; لأنه يتفاوت في كل ثلاثٍ وثلاثين وثلث سنة سنة فيكون في ثلاثمائة تسع سنين، وقرأ الجمهور: ثلاثمائة سنين بتنوين مائة ونصب سنين، على التقديم والتأخير، أي سنين ثلاثمائة فقدم الصفة على الموصوف، فتكون سنين على هذا بدلًا أو عطف بيان. وقيل: على التفسير والتمييز. وسنين في موضع سنة. وقرأ حمزة والكسائي بإضافة مائةٍ إلى سنين ، وترك التنوين، كأنهم جعلوا سنين بمنزلة سنة؛ إذ المعني بهما واحد.

قال أبو علي: هذه الأعداد التي تضاف في المشهور إلى الآحاد نحو ثلاثمائة رجل وثوب قد تضاف إلى الجموع. وفي مصحف عبد الله: " ثلاثمائة سنة"، وقرأ الضحاك "ثلثمائة سنون" بالواو. وقرأ أبو عمروٍ بخلاف تَسعًا بفتح التاء وقرأ الجمهور بكسرها. وقال الفراء والكسائي  وأبو عبيدة :التقدير ولبثوا في كهفهم سنين ثلاثمائة".

من باب التقديم والتأخير، وإلا فالأصل في تمييز الثلاث مائة الإفراد، ومائة سنة، مائتي سنة، ثلاث مائة سنة، إذا قلت: لبثوا سنين ثلاث مائة، استقام الكلام، فيكون هذا من باب التقديم والتأخير.

وأسلوب التقديم والتأخير أسلوبٌ معروف في لغة العرب، ومنه في القرآن له فوائد ونكات بلاغية في لغة العرب، معروف أسلوب التقديم والتأخير، وسنين ملحق بجمع المذكر السالم، وحينئٍذ تُرفع بالواو، وتُنصب وتجر بالياء كالمذكر السالم، ونونها مفتوحة.

وَنُونَ مَجْمُوعٍ وَمَا بِهِ الْتَحَقْ…… فَافْتَحْ وَقَلَّ مَنْ بِكَسْرِهِ نَطَقْ

طالب: .......

سنون سنيه سنين، هناك في موضع رفع، وهنا في موضع نصب.

"قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف:26] قيل بعد موتهم إلى نزول القرآن فيهم، على قول مجاهد. أو إلى أن ماتوا، على قول الضحاك، أو إلى وقت تغيرهم بالبلى على ما تقدم، وقيل: بما لبثوا في الكهف، وهي المدة التي ذكرها الله – تعالى- عن اليهود، وإن ذكروا زيادة ونقصانًا. أي لا يعلم علم ذلك إلا الله أو من علمه ذلك. {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الكهف:26].

 قوله تعالى: {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} [الكهف:26]، أي ما أبصره واسمعه. قال قتادة: لا أحد أبصر من الله ولا أسمع، وهذه عباراتٌ عن الإدراك، ويحتمل أن يكون المعنى أبصر به أي بوحيه وإرشاده هداك وحججك والحق من الأمور، وأسمع بع العالم، فيكونان أمرين لا على وجه التعجب".

أبصر به وأسمع، هذه صيغة التعجب ما أفعله، وأفعل به، هذا الأصل، يعني {أَبْصِرْ بِهِ} [الكهف:26]، يعني ما أشد بصره، أبصر به، ما أبصره، وما أسمعه، يعني ما أشد بصره، وما أشد سمعه، فالله -سبحانه وتعالى- بصير سميع عليم يبصر، ويسمع حقيقة ببصر وسمع حقيقي، كما نطق بذلك الكتاب، وسنة نبيه – عليه الصلاة والسلام-، وهذ الذي عليه سلف الأمة، وأئمتها من إثبات ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه، وأثبته له رسوله – عليه الصلاة والسلام-، وإن لم تُعلم الكيفية، لكنه كلامٌ حقيقي يجب الإيمان به، ولا يجوز تأويله، ولا تحريفه، ولا تعطيله، كل هذا لا يجوز.

طالب: قوله: أي بوحيه وإرشاده يدخل في ماذا؟ التأويل.

تأويل، تأويل.

"وقيل: المعنى أبصرهم وأسمعهم ما قال الله فيهم، {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} [الكهف:26] أي لم يكن لأصحاب الكهف وليٌ حفظهم دون الله، ويحتمل أن يعود الضمير في لهم على معاصري محمد – صلى الله عليه وسلم- من الكفار، والمعنى: ما لهؤلاء المختلفين في مدة لبثهم وليٌ دون الله يتولى تدبير أمرهم، فكيف يكونون أعلم منه؟ أو كيف يتعلمون من غير إعلامه إياهم؟

قوله تعالى: {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف:26] قرئ بالياء ورفع الكاف، على معنى الخبر عن الله تعالى، وقرأ ابن عامر والحسن وأبو رجاء وقتادة والجحدري: "ولا تشرك" بالتاء من فوق وإسكان الكاف على جهة النبي –  صلى الله عليه وسلم-، ويكون قوله: {وَلَا يُشْرِكُ} [الكهف:26] عطفًا على قوله: {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} [الكهف:26]، وقرأ مجاهد: {يُشْرِكُ} [الكهف:26] بالياء من تحت والجزم، قال يعقوب: لا أعرف وجهه.

مسألة: اختلف في أصحاب الكهف هل ماتوا وفنوا، أو هم نيام وأجسادهم محفوظة، فروي عن ابن عباس أنه مر بالشام في بعض غزواته مع ناس على موضع الكهف وجبله".

{وَلَا يُشْرِكُ} [الكهف:26] هل هو من الإشراك الذي هو ضد التوحيد، أو من التشريك، يكون خبرًا عن نفي الشرك، والمراد به النهي، فيكون حينئٍذ هو وجه القراءة الأخيرة التي قال فيها يعقوب: لا أعلم وجهه. {وَلَا يُشْرِكُ} [الكهف:26] نهيٌ عن الشرك، أو ولا تشرك يا محمد، وإن كان الخطاب متوجهًا إليه، فهو لغيره؛ لأنه معصومٌ من الشرك –عليه الصلاة والسلام- كما جاء التحذير {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [غافر:65] أو من التشريك، يعني لا يجعل له شريكًا في حكمه أحدًا، اللفظ محتمل.

طالب: ......

نعم.

طالب: .......

 ولا يشرك أحدًا {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف:26]، {وَلَا يُشْرِكُ} [الكهف:26] ماذا فيها؟

طالب: .......

يعني لا يشرك، لا الناهية، لا يشرك في حكمه، لكن على هذا تكون أحد، {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَد} [الكهف:26] على هذا، يعني إذا قلنا: {وَلَا يُشْرِكُ} [الكهف:26] بالجزم، لزم على ذلك أن تكون "أحد" هي الفاعل، ولذا قال يعقوب: لا أعرف وجهه؛ لأن "أحد" منصوبة.

"فروي عن ابن عباس أنه مر بالشام في بعض غزواته مع ناسٍ على موضع الكهف وجبله، فمشى الناس معه إليه، فوجدوا عظامًا فقالوا: هذه عظام أهل الكهف. فقال لهم ابن عباس: أولئك قوم فنوا وعدموا منذ مدة طويلة، فسمعه راهب فقال: ما كنت أحسب أن أحدًا من العرب يعرف هذا، فقيل له: هذا ابن عم نبينا – صلى الله عليه وسلم-، وروت فرقةٌ أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «ليحجن عيسى ابن مريم ومعه أصحاب الكهف، فإنهم لم يحجوا بعد» ذكره ابن عطية.

قلت: ومكتوب في التوراة".

مخرج هذا؟

الطالب: المحرر الوجيز؟

ماذا يقول؟

طالب: ذكره المحرر الوجيز لابن عطية.

ما يكفي، فيه تخريج غير هذا؟ فيه تخريج؟

طالب: ........

نعم.

طالب: .......

ضعفه ظاهر. نعم.

هذا الحديث ضعيف جدًّا، ضعفه ظاهر، تفرد به ابن عدي. ابن عدي يذكر المنكرات، منكرات الرواة؛ يعني ما ينكر على الرواة، وهذا منها.

طالب: ضعفه المحشي؛ لأنه يخالف الحديث الصحيح أنه رأس مائة لا يبقى أحد، وكل هذا كلامٌ غير صحيح، ولا يوجد ما يؤيده، ويثبته، وهو يتعارض مع الحديث الصحيح: «أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد»، فينبغي أن تُنزه كتب التفسير على مثل هذا.

نعم وقد يقول بعضهم: يرد هذا على عيسى، لكن لا يرد؛ لأنه ليس على ظهر الأرض، وإنما هو رُفع –عليه السلام-.

"قلت: ومكتوب في التوراة والإنجيل أن عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله، وأنه يمر بالروحاء حاجًّا أو معتمرًا أو يجمع الله له ذلك، فيجعل الله حواريه أصحاب الكهف والرقيم، فيمرون حجاجًا، فإنهم لم يحجوا ولم يموتوا، وقد ذكرنا هذا الخبر بكماله في كتاب "التذكرة"، فعلى هذا هم نيامٌ ولم يموتوا إلى يوم القيامة، بل يموتون قبيل الساعة".

المؤلف - رحمه الله تعالى- رغم عنايته بكتابه، وتحريره إلا أن بضاعته في الحديث ضعيفة جدًّا، بضاعته في الحديث ضعيفة.

"قوله تعالى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الكهف:27] قيل: هو من تمام قصة أصحاب الكهف، أي اتبع القرآن فلا مبدل لكلمات الله، ولا خلف فيما أخبر به قصة أصحاب الكهف، وقال الطبري: لا مغير لما أوعد بكلماته أهل معاصيه والمخالفين لكتابه، ولن تجد أنت من دونه إن لم تتبع القرآن وخالفته، ملتحدًا أي ملجأً، وقيل: موئلاً، وأصله الميل، ومن لجأت إليه فقد ملت إليه. قال القشيري أبو نصر عبد الرحيم: هذا آخر قصة أصحاب الكهف.

ولما غزا معاوية غزوة المضيق نحو الروم، وكان معه ابن عباس فانتهى إلى الكهف الذي فيه أصحاب الكهف، فقال معاوية: لو كشف لنا عن هؤلاء فننظر إليهم، فقال ابن عباس: قد منع الله من هو خير منك عن ذلك، فقال: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا} [الكهف:18]، فقال: لا انتهي حتى أعلم علمهم، وبعث قومًا لذلك، فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحًا فأخرجتهم، ذكره الثعلبي أيضًا.

وذُكر أن النبي –صلى الله عليه وسلم- سأل الله أن يريه أياهم، فقال: إنك لن تراهم في دار الدنيا، ولكن ابعث إليهم أربعة من خيار أصحابك؛ ليبلغوهم رسالتك ويدعوهم إلى الإيمان، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لجبريل عليه السلام: كيف أبعثهم؟ فقال: ابسط كساءك، وأجلس على طرفٍ من أطرافه أبا بكر وعلى الطرف الآخر عمر وعلى الثالث عثمان وعلى الرابع علي بن أبي طالب، ثم ادعُ الريح الرُّخاء المسخرة لسليمان، فإن الله تعالى يأمرها أن تطيعك، ففعل فحملتهم الريح إلى باب الكهف، فقلعوا منه حجرًا، فحمل الكلب عليهم، فلما رآهم حرك رأسه، وبصبص بذنبه، وأومأ إليهم برأسه أن ادخلوا فدخلوا الكهف فقالوا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد الله على الفتية أرواحهم، فقاموا بأجمعهم وقالوا: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فقالوا لهم: معشر الفتية، إن النبي محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم- يقرأ عليكم السلام، فقالوا: وعلى محمدٍ رسول الله السلام ما دامت السماوات والأرض، وعليكم بما أبلغتم، وقبلوا دينه وأسلموا، ثم قالوا: أقرئوا محمدًا رسول الله منا السلام، وأخذوا مضاجعهم، وصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي. فيقال: إن المهدي يسلم عليهم فيحييهم الله ثم يرجعون إلى رقدتهم، فلا يقومون حتى تقوم الساعة، فأخبر جبريل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما كان منهم، ثم ردتهم الريح فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: «كيف وجدتموهم؟» فأخبروه الخبر؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: «اللهم لا تفرق بيني وبين أصحابي وأصهاري، واغفر لمن أحبني وأحب أهل بيتي وخاصتي وأصحابي«".

بطلانه ظاهر.

طالب: .....

لا، ظاهر ظاهر، بطلانه ظاهر.

"وقيل: إن أصحاب الكهف دخلوا الكهف قبل المسيح، فأخبر الله تعالى المسيح بخبرهم ثم بعثوا في الفترة بين عيسى".

دعوة سليمان – عليه السلام-: ربي هب لي ملكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدي، أجاب الله دعاءه، ولذا لما أراد النبي – عليه الصلاة والسلام- أن يوثق الجن؛ ليراه صبيان المدينة، تذكر دعوة سليمان –عليه السلام- في الحديث الصحيح، فكيف سخر الريح لأصحابه؟ هذا لا يمكن أن يقع، سياقه ظاهر البطلان.

طالب: ......

نعم؟

طالب: .......

 كيف؟

طالب: .......

 شيطاني؟

طالب: .......

ثمثل بصورة رجل، أما على هيئته فما يذكر أبدًا.

"فأخبر الله تعالى المسيح بخبرهم ثم بعثوا في الفترة بين عيسى ومحمدٍ - صلى الله عليه وسلم-. وقيل: كانوا قبل موسى-  عليه السلام- وأن موسى ذكرهم في التوراة; ولهذا سألت اليهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. وقيل: دخلوا الكهف بعد المسيح، فالله أعلم أي ذلك كان".

على كل حال الله أعلم بهم، يعني تكلُّف ما لم يرد في القرآن أو صحيح السنة، لا ينبغي لمسلم؛ لأنه لو كان مما تتم الحاجة إلا به، للزم النبي –عليه الصلاة والسلام- بيانه، وما لم يبينه النبي– عليه الصلاة والسلام- فإنه لا يلزم الأمة تكلفها، نعم قد يبحث الناس من باب حب الاستطلاع عن بعض الأخبار العجيبة والغريبة، أذن لهم في حدود ما لا يخالف ما جاء في شرعنا من تلقي ذلك عن الكتاب، والتحدث عنهم، «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»، وهذا مما لا يعلم مخالفته لما عندنا، عند البزار: «حدثوا عنهم فإن فيهم الأعاجيب»، عندهم عجائب وغرائب، وجاء في الكتاب شيء من أخبارهم، وجاء في صحيح السنة كذلك، وجاء مما يتلقى عنهم مما فيه العبر، والادكار.

 لكن لا ينبغي أن يسترسل في ذلك، فيكون على حساب ما يهمنا في ديننا، الإنسان قد ينساق وراء هذه الأخبار، وهذه القصص، يستهويه الأسلوب، ثم يترك ما هو بصدده من تحصيل العلم النافع، ما ينفعه في أمر دينه، ودنياه، لذا تجد من الناس من انصرف إلى مثل هذه الأمور، وانشغل عنها، ولا شك أن الانشغال بهم صار له أثر في الصد عن تحصيل العلم، وكل شيء على حساب شيء، الضعيف على حساب الصحيح، من أكثر من ذكر الأخبار التي لا يترتب عليها فائدة، فلا شك أنه يحرم من كثير مما ينفعه في دينه ودنياه، تجد بعض الناس مغرمًا بكتب التاريخ، وتجد هذا على حساب كتب التفسير والحديث، مغرم بكتب الأدب على حساب العلوم النافعة، لكن لا يمنع أن يستجم ويقرأ في الكتب التي فيها شيء من الراحة والمتعة والاستجمام، لكن لا يصل إلى حدٍّ لا يقبل شرعًا، لا ينزل إلى سفاسف الأمور، نعم عليه أن يتأدب بالأدب الشرعي، ومع ذلك يكون عنايته، وعمدته، واهتمامه بالعلم الشرعي الذي ينفعه في دينه، ودنياه.

"قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28].

هذا مثل قوله: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الأنعام:52]، وقد مضى الكلام فيه، وقال سلمان الفارسي -رضي الله عنه-: جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: عيينة بن حصن والأقرع بن حابس فقالوا: يا رسول اللهK إنك لو جلست في صدر المجلس، ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين، وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها جلسنا إليك، وحادثناك، وأخذنا عنك، فأنزل الله تعالى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَه} [الكهف:28] حتى بلغ {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف:29] يتهددهم بالنار. فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله قال: ‹‹الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجالٍ من أمتي، معكم المحيا، ومعكم الممات››. {يُرِيدُونَ وَجْهَه} [الكهف:28]، أي طاعته، وقرأ نصر بن عاصم ومالك بن دينار وأبو عبد الرحمن: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ} [الأنعام:52] وحجتهم أنها في السواد بالواو".

الآيه فيها عمومًا الحث على مجالسة الصالحين، والبعد عن غيرهم، وجاء: مثل الجليس الصالح، والجليس السوء، البعد عن الأشرار؛ لما يخشى من تعدي شرهم وضررهم، وإلا فمن جالسهم بنية دعوتهم إلى الله -جل وعلا-، وتأليف قلوبهم، وغلب على ظنه رجاء ذلك، فإنه مأجور - إن شاء الله تعالى-، وإلا فالأصل مفارقة الأشرار، مجالسة الأخيار، ومفارقة الأشرار، هذا الأصل، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف:28] هذا الأصل، أما الشرار الذين تتضرر بالجلوس معهم، وتصحب الأردى، فتردى مع الرديء، فعلى الحريص على استمراره بطريق الاستقامة أن يجلس مع من يعينه على متابعة ما ينفعه في دينه، ودنياه؛ لأنهم يذكرونه إذا نسي، ينبهونه إذا غفل وخرج عن الجادة، أما أولئك الأشرار الذي يسعون جاهدين لإخراجه عن الجادة، هؤلاء لا شك أن ضررهم بالغ، وهم أشر من شياطين الجن، هؤلاء هم شياطين الإنس، أما شياطين الجن فتكفي منهم الاستعاذة إذا ذكرت، واستعذت بالله من الشيطان الرجيم نفر عنك، لكن مثل هذا ما تطرده الاستعاذة مثلاً، عليك أن تفر منه كالفرار من الأسد، إلا إذا رجوت أن يهديه الله - جل وعلا - على يديك، وصار عندك من العلم، واليقين، والبصيرة في دينك، ما يحصنك الله به من أن تتأثر به، فأنت على خير -إن شاء الله تعالى-.

طالب: قوله: يريدن وجهه أي طاعته.

{يُرِيدُونَ وَجْهَه} [الكهف:28] ، يقول المؤلف: أي طاعته، يريدون وجه الله.

طالب: ......

نعم، ولا شك هذه مسألة معروفة عند أهل العلم إثبات الوجه لله - جل وعلا -، على ما يليق بجلال الله وعظمته، وإرادة الوجه يعني النظر إلى وجه الله - جل وعلا -، {يُرِيدُونَ وَجْهَه} [الكهف:28] يريدون النظر إليه - جل وعلا -، باتباع طاعتهم، لكن من لازم إرادة النظر إلى الله - جل وعلا - العمل بطاعته، وتأويل النص اللازم، هذا حَيد عن الصواب، كتأويل الرحمة بإرادة الإنعام، والغضب بإرادة الانتقام، هذا كله تأويل.

"وقرأ نصرٌ بن عاصم ومالك بن دينار وأبو عبد الرحمن: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَوةِ وَالْعَشِيّ} [الأنعام:52]".

بالغدوة؟

طالب: .......

 "وحجتهم أنها في السواد بالواو، وقال أبو جعفر النحاس: وهذا لا يلزم؛ لكتبهم الحياة والصلاة بالواو، ولا تكاد العرب تقول: الغدوة؛ لأنها معروفة.

 وروي عن الحسن: ولا تعد عيناك عنهم، أي لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم من أبناء الدنيا طلبًا لزينتها، حكاه اليزيدي، وقيل: لا تحتقرهم عيناك، كما يقال فلانٌ تنبو عنه العين، أي مستحقرا.

 {تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:28] أي تتزين بمجالسة هؤلاء الرؤساء".

لا يلزم أن يكون احتقارًا، كون فلان تنبو عنه العين إما لاحتقاره، وعدم الصبر على رؤيته، أو لعدم إطاقة التحديق فيه؛ لعظمته وهيبته، نعم قد يكون لعظمته وهيبته، لكن المراد في الآية الثانية.

طالب: ........

نعم.

طالب: .......

على كل حال النظر في من يزيد نظره في إيمانك؛ لأن بعض الناس إذا رؤي ذكر الله - جل وعلا-، واشتاقت النفس إلى عبادة الله - جل وعلا-، مثل هذا المطلوب مجالستهم.

"{تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:28] أي تتزين بمجالسة هؤلاء الرؤساء، الذين اقترحوا إبعاد الفقراء من مجلسك، ولم يرد النبي – صلى  الله عليه وسلم- أن يفعل ذلك، ولكن الله نهاه عن أن يفعله، وليس هذا بأكثر من قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [غافر:65]، وإن كان الله أعاذه من الشرك.

 وتريد فعلٌ مضارع في موضع الحال، أي لا تعد عيناك مريدًا؛ كقول امرئ القيس:

فقلت له لا تبك عينك إنما

 

نحاول ملكًا أو نموت فنعذرا

وزعم بعضهم أن حق الكلام: لا تعد عيناك عنهم؛ لأن تعد متعدٍ بنفسه، قيل له: والذي وردت به التلاوة من رفع العينين يؤول إلى معنى النصب فيهما؛ إذ كان لا تعد عيناك عنهم بمنزلة لا تنصرف عيناك عنهم، ومعنى لا تنصرف عيناك عنهم: لا تصرف عينك عنهم، فالفعل مسند إلى العينين، وهو في الحقيقة موجهٌ إلى النبي – صلى الله عليه وسلم-، كما قال تعالى: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ} [التوبة:55]، فأسند الإعجاب إلى الأموال، والمعنى: لا تعجبك يا محمد أموالهم. ويزيدك وضوحًا قول الزجاج: إن المعنى لا تصرف بصرك عنهم إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة.

 قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} [الكهف:28] روى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} [الكهف:28] قال: نزلت في أمية بن خلفٍ الجمحي، وذلك أنه دعا النبي – صلى الله عليه وسلم- إلى أمر كرهه من تجرد الفقراء عنه، وتقريب صناديد أهل مكة، فأنزل الله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} [الكهف:28]، يعني من ختمنا على قلبه عن التوحيد، واتبع هواه يعني الشرك. {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28] قيل: هو من التفريط الذي هو التقصير وتقديم العجز بترك الإيمان. وقيل: من الإفراط ومجاوزة الحد، وكأن القوم قالوا: نحن أشراف مضر، إن أسلمنا أسلم الناس. وكان هذا من التكبر والإفراط في القول.

وقيل: فرطًا أي قدمًا في الشر، من قولهم: فرط منه أمرٌ أي سبق. وقيل: معنى أغفلنا قلبه وجدناه غافلًا، كما تقول: لقيت فلانًا فأحمدته; أي وجدته محمودًا. وقال عمرو بن معديكرب لبني الحارث بن كعب: والله لقد سألناكم فما أبخلناكم، وقاتلناكم فما أجبناكم، وهاجيناكم فما أفحمناكم؛ أي ما وجدناكم بخلاء ولا جبناء ولا مفحمين، وقيل: نزلت {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} [الكهف:28] في عيينة ين حصن الفزاري؛ ذكره عبد الرزاق، وحكاه النحاس عن سفيان الثوري، والله أعلم".

وأمر بأن يصبر نفسه مع {مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف:28] نهي عن أن يطيع من أغفل قلبه عن الذكر، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف:28]، يعني أهل الذكر، ولا تطع أهل الغفلة عن الذكر لمجالستهم، فجالس أولئك، واترك هؤلاء، جالس أهل الذكر، وجانب أهل الغفلة، وهذا وإن كان خطابًا له -عليه الصلاة والسلام-، وقد عصم – عليه الصلاة والسلام-، فكيف بمن لا تؤمن عليهم الفتنة، لا تؤمن عليهم بالفتنة؟ فكيف بمثل هذه الأيام، والأحوال والظروف التي نعيشها؟

 ترى الإنسان مدة طويلة مع العلماء ومع المشايخ، ومع طلاب العلم، ومع كتبه، وبين أهله وذويه ومعارفه، ومع الأخيار، ثم تفاجأ بأنه انحرف - نسأل السلامة والعافية-، هذا سببه مجالسة الأشرار، ولم يعد الأمر قاصرًا على الأشرار المجالسين حقيقةً، بل مجالسة الآلات شر من مجالسةً الأشرار الآن؛ لأنه قد يعتدّ بنفسه إذا واجه هذا الشرير وجهًا لوجه، ويتذكر ماضيه إذا واجه، لكن إذا خلا بنفسه، وتفرد به الشيطان مع هذه الآلات التي تنفذ سمومها من شهوات وشبهات، فإنه يندر أن يصمد أمامها، وهذا - نسأل الله السلامة والعافية - أثَّر على كثير من طلاب العلم، وقد أثر ووصل تأثيره إلى كبار السن، فضلاً عن الشباب، كبار سن، عمار مساجد الآن يتخلفون عن الصلاة؛ بسبب هذه الآلات، تركوا مجالس الذكر، وخلو بهذه الآلات التي هي مجالس خنا وفحش وفجور، - نسأل السلامة والعافية-، نظر في وجوه المومسات، دعوة أم جريج الذي كان الإنسان إذا سمعها اقشعر جلده، وهو الآن هي ديدنه صباحًا ومساءً - نسأل الله السلامة والعافية -.

لا يستبعد أن يزيغ القلب، وينحرف الإنسان بسبب هذه الآلات التي يسرت الشرور، الشخص إذا رئي يمشي مع فلان أو فلان عليه ملاحظة يخجل بين الناس، ويوجد من يسدي إليه النصيحة ويحذره من هذا الشخص، لكن من يحذره من هذه الآلات؟ لا سيما وكثير من الناس يتذرع بأنه يستعملها في وجوه مشروعة، يسمع فيها النصح والتوجيه، ونستفيد منها، سمعنا كلامًا ما كنا نسمعه، ونسمع الأخبار، ونطلع على أحوال إخواننا في كل مكان، هذه كلها من وساوس الشيطان، كلها من تلبيس إبليس، وحصادها بدأ الآن، وجدنا بعض طلاب العلم الملازمين لحلقة الذكر ومجالس العلم انحرفوا عن ذلك - نسأل الله السلامة والعافية -، وقد أثرت مع الأسف الشديد على بعض من ينتسب إلى العلم، أثرت في أرائهم وأفكارهم، وفي بعض تصرفاتهم، ففيها الكوارث هذه.

 فهذا الزمن الذي في الذي يقبض على دينه كالقابض على الجمر، القابض على دينه كالقابض على الجمر، يصبر ويثبت ويحتسب، وينصرف عن هذه الآلات بالكلية؛ لأنه إذا فتح الباب، وقال: أنظر إلى هذا، أنظر إلى الأخبار، أتعرف على إخواننا في الشرق والغرب. أنت ألزم ما عليك نفسك، انجُ بنفسك.

هذه الآلات وإن وُجد فيها شيء مما ينفع، لكن ضررها بالغ، وكبير، وأهل العلم يقررون أنه إذا كانت المفسدة مساوية أو راجحة، فالحكم التحريم، معروف، لكن إذا كانت المفسدة مغمورة في بحار مصالح، فهذه المفسدة مغمورة، لكن أنى لنا بمثل هذا، ومثل هذه الآلات التي يديرها في الغالب أعداء الإسلام والمسلمين، يتولونها.

 فعلى المسلم الحريص الناصح لنفسه أن يتمسك بالعتيق، بهذا القرآن العظيم، بالكتاب والسنة، وبهما العصمة من هذه الفتن التي نعيشها، -والله المستعان-، بالإمكان أن يعيش الإنسان بدون آلات، طيب تسجيل وتفريغ وأشرطة على العين والرأس، كل هذه نافعة، لكن عندك بدائل لا ضرر فيها ألبتة، يعني المسجل قل تسعون بالمائة منه خير، أن تدخل الشريط وتسمع، ما فيه غيره، وأنت الذي تختار لنفسك، تسعون بالمائة، قل: عشرة بالمائة يأتي شخص يدخل شريطًا يسمع فيه ما لا يجوز، وما لا ترضاه أنت، لكن من يأتي يفتح لك الكتاب، لا أبدًا، الكتاب تفتحه أنت وتقرأه، تحقق وتحرر وتستفيد على طريقة من سلف، ولا يعني هذا أننا نحذر من سماع الأشرطة والدروس وما ينفع، لا، هذا خير إن شاء الله، والمفسدة فيه مغمورة كلا شيء بالنسبة إلى المصالح، يحضر الإنسان الدروس، والذي لا يستطيع حضوره يقتني الأشرطة والشروح، ويسمعها، ويفرغها على الكتب، روافد طيبة، لكن ما عظم شره، يبغي على طالب العلم هجره، نعم.

"قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف:29].

 الحق رفع على خبر الابتداء المضمر، أي قل الحق، وقيل: هو رفع على الابتداء، وخبره في قوله من ربكم، ومعنى الآية: قل يا محمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا، أيها الناس من ربكم الحق فإليه التوفيق والخذلان، وبيده الهدى والضلال، يهدي من يشاء فيؤمن، ويضلل من يشاء فيكفر، ليس إليّ من ذلك شيء، فالله يؤتي الحق من يشاء وإن كان ضعيفًا، ويحرمه من يشاء وإن كان قويًّا غنيًّا، ولست بطارد المؤمنين لهواكم، فإن شئتم فآمنوا، وإن شئتم فاكفروا، وليس هذا بترخيصٍ وتخييرٍ بين الإيمان والكفر، وإنما هو وعيد وتهديد، أي إن كفرتم فقد أعد لكم النار، وإن آمنتم فلكم الجنة".

نعم، يأتي الأمر، ويراد به التهديد والزجر، {اعملوا ما شئتم}، وهو يراد به التخيير والإباحة؟ لا. إذا لم تستحي، فاصنع ما شئت، هل هذا سياقه مثل سياق إن الله اطلع على أهل بدر، وقال لهم..

طالب: .....       

نعم، هل هذا مثل هذا؟ لا، الأمر يأتي ويراد به الزجر والوعيد والتهديد، {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29]، هل هذا تخيير لهم بين الإيمان والكفر؟ حرَّم الله الكفر، ووعد بعدم غفرانه، تخليد مرتكبه في النار - نسأل الله السلامة والعافية -، هل يخير بين الإيمان والكفر؟ ليس هذا بتخيير، وإنما هو وعيدٌ وتهديدٌ شديد.

"قوله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا} [الكهف:29] أي أعددنا، {لِلظَّالِمِينَ} [الكهف:29] أي للكافرين الجاحدين، {نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف:29] قال الجوهري: السرادق واحد السردقات التي تمد فوق صحن الدار، وكل بيتٍ من كرسف فهو سرادق. قال رؤبة:

يا حكم بن المنذر الجارود

 

سرادق المجد عليك ممدود

يقال: بيت مسردق، وقال سلامة بن جندل يذكر أبرويز وقتله النعمان بن المنذر تحت أرجل الفيلة:

هو المدخل النعمان بيتًا سماؤه

 

صدور الفيول بعد بيت مسردق

وقال ابن الأعرابي: سرادقها سورها، وعن ابن عباس: حائط من نار. قال الكلبي: عنق تخرج من النار فتحيط بالكفار كالحظيرة. وقال القتبي: السرادق الحجزة التي تكون حول الفسطاط، وقاله ابن عَزِيز".

ابن عُزَيز.

"وقاله ابن عُزَيز".

هذا السجستاني صاحب غريب القرآن كتاب مختصر جدًّا، كتاب فيه جزء صغير، من أنفع ما كتب في غريب القرآن.

"وقيل: هو دخانٌ يحيط بالكفار يوم القيامة، وهو الذي ذكره الله تعالى في سورة المرسلات، حيث يقول: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ} [المرسلات:30]، وقوله: {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} [الواقعة:43] قاله قتادة، وقيل: إنه البحر المحيط بالدنيا، وروي يعلى بن أمية قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «البحر هو جهنم، ثم تلا، {نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف:29] ثم قال: والله لا أدخلها أبدًا ما دمت حيا، ولا يصيبني منها قطرة»، ذكره المارودي، وخرَّج ابن المبارك من حديث أبي سعيدٍ الخدري عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: «لسرادق النار أربع جدر كثف كل جدار مسيرة أربعين سنة»".

كثف جمع كثيف.

 "وخرجه أبو عيسى الترمذي، وقال فيه: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريب".

الأول الذي ذكره الماوردي، مخرج؟

طالب:...........

الحديث الأول هذا؟ هذا الأول.

طالب:...........

رشدين، رشدين

طالب:...........

ضعيف، ضعيف، نعم.

طالب:...........

فيه رشدين ضعيف، نعم.

طالب: ...........

الثاني ضعيف، فيه رشدين ضعيف.

"قلت: وهذا يدل على أن السرادق ما يعلو الكفار من دخانٍ أو نار، وجدره ما وُصف".

يعني كالسرادق ما يعلوهم، ما يظلهم من العذاب كالسرادق – نسأل الله العافية -.

"قوله تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف:29]، قال ابن عباس: المهل ماءٌ غليظٌ مثل دردي الزيت. وقال مجاهد: القيح والدم. وقال الضحاك: ماءٌ أسود، وإن جهنم لسوداء، وماؤها أسود وشجرها أسود وأهلها سود. وقال أبو عبيدة: هو كل ما أذيب من جواهر الأرض من حديدٍ ورصاصٍ ونحاسٍ وقزدير، فتموج بالغليان، فذلك المهل. ونحوه عن ابن مسعود، قال سعيد بن جبير: هو الذي قد انتهى حره. وقال: المهل ضربٌ من القطران; يقال: مهلت البعير فهو ممهول. وقيل: هو السم. والمعنى في هذه الأقوال متقارب. وفي الترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في قوله: {كَالْمُهْلِ} [الكهف:29] قال: ‹‹كعكر الزيت، فإذا قربه إلى وجهه سقطت فروة وجهه››، قال أبو عيسى: هذا حديثٌ إنما نعرفه من حديث رَشدين بن سعد".

رِشدين.

 "رِشدين بن سعد، ورشدين قد تكلم فيه من قبل حفظه. وخرج عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في قوله: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ*يَتَجَرَّعُهُ} [إبراهيم:15-16] قال: ‹‹يقرب إلى فيه فكرهه، فإذا أدني منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، وإذا شربه قطع أمعاءه".

 فإذا شربه.

"فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره››. يقول الله تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15]، يقول: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف:29] قال: حديثٌ غريب.

قلت: وهذا يدل على صحة تلك الأقوال، وأنها مرادةٌ، والله أعلم. وكذلك نص عليها أهل اللغة. في الصحاح: "المهل" النحاس المذاب. قال ابن الأعرابي: المهل المذاب من الرصاص. وقال أبو عمرو. المهل دردي الزيت. والمهل أيضًا القيح والصديد. وفي حديث أبي بكر: ادفنوني في ثوبي هذين، فإنهما للمهل والتراب".

نعم، الحي – رضي الله عنه وأرضاه - الحي أولى بالجديد، فأمر أن يدفن في ثوبيه الخلقين؛ لأنهما للمهل والتراب، وأما الجديد فالحي أولى به وهو خليفة المسلمين.

"{بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف:29] قال مجاهد: معناه مجتمعًا، كأنه ذهب إلى معنى المرافقة. قال ابن عباس: منزلاً. وقال عطاء: مقرًّا. وقيل: مهادًا. وقال القتبي: مجلسًا، والمعنى متقارب، وأصله من المتكأ، يقال منه: ارتفقت أي اتكأت على المرفق. قال الشاعر:

قالت له وارتفقت ألا فتىً

 

يسوق بالقوم غزالات الضحى

ويقال: ارتفق الرجل إذا نام على مرفقه لا يأتيه نوم. قال أبو ذؤيبٍ الهذلي:

نام الخلي وبت الليل مرتفقا

 

كأن عيني فيها الصاب مدبوح

الصاب: عصارة شجرٍ مر.

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا* أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف:30-31]. لما ذكر ما أعد للكافرين من الهوان ذكر أيضًا ما للمؤمنين من الثواب".

هذه طريقة القرآن يأتي بما أعد الله للكفار، ثم يردف ذلك بما أعد للمؤمنين، وقد يكون على العكس، وهذا وجهٌ من أوجه تسمية القرآن بالمثاني، يذكر كذا ثم يثنى بحال ضده؛ لئلا ييأس القارئ المنتفع بالقرآن إذا انفرد بذكر ما أعد للكفار قد يدب إلى قلبه اليأس، لكن إذا اتفرد بما أعد للأخيار من المؤمنين قد يدب إلى قلبه الأمن من مكر الله، ويسترسل فيه، لكن يذكر هذا وهذا علاجًا، والتوازن مطلوب في الدين، علينا أن ننظر إلى النصوص بأنواعها: ننظر في أحاديث الوعد، نصوص الوعد ونصوص الوعيد، بحيث لا يطغى الخوف على الرجاء، ولا الرجاء على الخوف، بل التوازن مطلوب من المسلم – والله المستعان -.

"وفي الكلام إضمار; أي لا نضيع أجر من أحسن منهم عملاً، فأما من أحسن عملاً من غير المؤمنين فعمله محبط. وعملًا نصبٌ على التمييز، وإن شئت بإيقاع أحسن عليه. وقيل: :{إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف:30] كلامٌ معترض، والخبر قوله: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ} [الكهف:31].

و{جَنَّاتُ عَدْنٍ} [الكهف:31]. سرة الجنة، أي وسطها وسائر الجنات محدقةٌ بها، وذكرت بلفظ الجمع؛ لسعتها; لأن كل بقعة منها تصلح أن تكون جنة. وقيل: العدن الإقامة، يقال: عدن بالمكان إذا أقام به، وعدنت البلد توطنته، وعدنت الإبل بمكان كذا لزمته فلم تبرح منه; ومنه جنات عدن أي جنات إقامة، ومنه سُمي المعدِن (بكسر الدال); لأن الناس يقيمون فيه بالصيف والشتاء، ومركز كل شيء معدنه والعادن: الناقة المقيمة في المرعى. وعدن بلد، قاله الجوهري.

{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ} [الكهف:31] تقدم في غير موضع.

{يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف:31] وهو جمع سوار. قال سعيد بن جبير: على كل واحدٍ منهم ثلاثة أسورة: واحدٌ من ذهب".

تجرى من تحتهم الأنهار من غير أخاديد.

 أنهارها من غير أخدودٍ جرت     سبحانه ممسكها عن الفيضان

أنهار مثل أنهار، أنهار من ايش؟

طالب: .......

كما قال الله – جل وعلا-: نعم. من لبن، ومن خمر، ومن لبن، ومن ماءٍ غير آسٍ. أنهار من عسل مصفى –والله المستعان-، في غير أخاديد تجري من تحتهم في غير أخاديد، ما فيها سواقي ولا أشياءٍ أو أنابيب ما فيها شيء، تجري من غير أخاديد، هكذا من تحتهم.

 أنهارها في غير أخدودٍ جرت      سبحان ممسكها عن الفيضان

 ما تفيض يمينًا ولا شمالًا، ولا تسلك غير طريقها.

"قال سعيد بن جبير: على كل واحدٍ منهم ثلاثة أسورة: واحدٌ من ذهب، وواحدٌ من ورق، وواحدٌ من لؤلؤ.

قلت: هذا منصوصٌ في القرآن، قال هنا من ذهب، وقال في الحج وفاطر: من ذهب ولؤلؤا، وفي الإنسان: من فضة. وقال أبو هريرة: سمعت خليلي - صلى الله عليه وسلم- يقول: ‹‹تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء››، خرجه مسلم. وحكى الفراء: "يحلون" بفتح الياء وسكون الحاء وفتح اللام خفيفة، يقال: حليت المرأة تحلى فهي حالية إذا لبست الحلي. وحلي الشيء بعيني يحلى، ذكره النحاس. والسوار سوار المرأة، والجمع أسورة، وجمع الجمع أساورة. وقرئ: "فلولا ألقي عليه أساورة من ذهب"، وقد يكون الجمع أساور. وقال الله -تعالى-: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف:31]، قاله الجوهري. وقال ابن عزيز: أساور جمع أسورة، وأسورة جمع سِوارٍ وسُوار، وهو الذي يلبس في الذراع من ذهب، فإن كان من فضة فهو قلب، وجمعه قلبة، فإن كان من قرنٍ أو عاجٍ فهي مسكة، وجمعه مَسك. قال النحاس: وحكى قطرب في واحد الأساور إسوار، وقطرب صاحب شذوذ، قد تركه يعقوب وغيره فلم يذكره.

قلت: قد جاء في الصحاح وقال أبو عمرو بن العلاء: واحدها إسوار. وقال المفسرون: لما كانت الملوك تلبس في الدنيا الأساور والتيجان جعل الله -تعالى- ذلك لأهل الجنة.

قوله تعالى: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} [الكهف:31] السندس: الرقيق النحيف، واحده سندسة، قاله الكسائي. والإستبرق: ما ثخن منه -عن عكرمة- وهو الحرير. قال الشاعر:

تراهن يلبسن المشاعر مرةً      وإستبرق الديباج طورًا لباسها

فالإستبرق الديباج. قال ابن بحر: المنسوج بالذهب".

من بحر هذا؟

طالب: ابن بحر.

ابن بحر من هو؟ عندك؟

طالب:...........

ماذا يقول؟

طالب:...........

من؟ من ابن بحر؟

طالب: .......

 ما اسمه؟

طالب:...........

ما فهمت السؤال.

طالب:...........

ما أعرف غير الجاحظ إن كان غيره فما أعرف، ما أعرف غيره.

"قال القتبي: فارسيٌ معرب. قال الجوهري: وتصغيره أبيرق. وقيل: هو استفعل من البريق. والصحيح أنه وفاقٌ بين اللغتين; إذ ليس في القرآن ما ليس من لغة العرب، على ما تقدم، -والله أعلم-".  

المسألة خلافية إذ يوجد في القرآن ألفاظ غير عربية، ألفاظ غير عربية يوجد في القرآن أم لا يوجد؟ المسألة خلافية، أما التراكيب الأعجمية والجمل فلا يوجد إجماعًا، لا يوجد جملة أعجمية في القرآن محل إجماع، ويوجد أعلام أعجمية أيضًا محل إجماع، يوجد أعلام أعجمية، ألفاظ مفردة من غير تركيب بغير العربية هذا محل الخلاف؛ لأن القرآن عربي، جعله الله عربيًّا، فهل يوجد فيه من غير العربية كالإستبرق مثلًا والناشئة، والمشكاة؟

من أهل العلم من يقول: يوجد بعض الألفاظ، ومنهم من نفى ذلك؛ حفاظًا على كونه قرآنًا عربيًّا، ومنهم من يقول: يوجد فيه مثل هذه الألفاظ اليسيرة المعدودة المحدودة، وهذه لا تخرجه عن كونه عربيًّا، ومنهم من يقول: هذا مما اتفقت فيه اللغات، ولغات الناس قد تتفق، لغتان أو أكثر على لفظٍ واحد أو أكثر من لفظ، ويرد هذا باعتباره من لغة العرب، وإن وافقت العرب أمم أخرى وطوائف من الأعاجم، وهنا يقول القتبي: فارسيٌ معرب، يعني فيه، فيه بغير العربية على هذا، ويقول الجوهري: وقيل: هو استفعل، والصحيح أنه وفاقٌ بين اللغتين، يعني مما اتفقت فيه اللغات، اتفقت فيه الفارسية والعربية؛ إذ ليس في القرآن ما ليس من لغة العرب، وهذا من باب المحافظة على كونه قرآنًا عربيًّا، يعني لا يوجد فيه ولا لفظ واحد غير عربي، لكن ماذا عن الأعلام الأعجمية؟ الأعلام الأعجمية موجودة إجماعًا.

طالب:...........

لا، هذا الكلام عن اللفظ، الوزن واللفظ، من الذي نطق به. لكن هل هو من كلام العرب أم من كلام العجم؟ نحن ما نختلف أنه منزلٌ من عند الله – جل وعلا -، لكن هذا اللفظ هل هو من كلام العرب أم من كلام العجم؟ يعني حينما تقول: إبراهيم ممنوع من الصرف للعلمية والعجمى، تقول: لا، ليس بأعجمي؟ بلى هو أعجمي، لماذا ليس بأعجمي؟

إذا قلت: أعجمي، فإن في القرآن ما ليس بعربي، والقرآن عربي، الأعلام محل إجماع أنها موجودة في القرآن، لا يستطيع أن ينفي أحد أن القرآن فيه أعلام أعجمية، وهنا يقول: إذ ليس في القرآن ما ليس من لغة العرب، يعني من غير المجمع عليه وهو الأعلام، يعني من الألفاظ الأخرى، هذ محل خلاف بين أهل العلم.

"وخص الأخضر بالذكر؛ لأنه الموافق للبصر".

نعم. الموافق أنفع للبصر. اللون الأخضر أهدأ الألوان بالنسبة إلى البصر، ولذا الأراضي المزروعة أنفع للبصر من الأراضي الجرداء. أنفع للبصر، وأحفظ له من الأراضي الجرداء.

طالب:...........

ما أعرف هذا، ما أعرف هذا.

طالب:...........

المقصود أنها أنفع للبصر، الأخضر أنفع للبصر.

طالب:...........

نعم؟

طالب:...........

يعني اتفقت فيه اللغات، مما اتفقت فيه اللغات.

"لأن البياض يبدد النظر ويؤلم، والسواد يذم، والخضرة بين البياض والسواد، وذلك يجمع الشعاع. - والله أعلم –".

هذا الكلام ما يهم طالب العلم، يعني اللون يهم طالب العلم جدًّا؛ لأنه يطيل النظر في الكتب، يديم أكثر نظره في الكتب، يعني هل ينتقي الورق الأبيض؟ يعني من الورق الأبيض الورق الثقيل الذي يضر العين إذا ما سطعت فيه الشمس أو الكهرباء، هذا مؤثر في النظر، وهناك الورق الأقل بياضًا، فلا يضر العين، وهو الأنسب للعين، لكن لو وجد ورق أخضر مثلًا يقرأ فيه، كيف تبين فيه الحروف؟ الأصفر تبين فيه الحروف، وبعض الجهات كالأفارقة مثلًا يفضلون الأصفر على الأبيض. وما أدري، لعل من العلل بعض الناس يقول: إن أرضهم صفراء، وأخذوا على اللون الأصفر، فهم يفضلون الكتب الصفراء. وأما غيرهم فعندهم يفضلون الورق الأبيض من الأصفر، ولا شك أن من الألوان ما هو أهدأ من بعض، حتى الأبيض متفاوت، والأصفر متفاوت، والأحمر متفاوت، الألوان تتفاوت منها ما ترتاح له العين، ومنها ما تنبو عنه العين وتضر به.

"روى النسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: بينما نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه رجلٌ فقال: ‹‹يا رسول الله، أخبرنا عن ثياب الجنة، أخلق يخلق أم نسج ينسج؟ فضحك بعض القوم. فقال لهم: مم تضحكون من جاهلٍ يسأل عالمًا، فجلس يسيرًا أو قليلاً فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ‹‹أين السائل عن ثياب الجنة؟››، فقال: ها هو ذا يا رسول الله; قال: ‹‹لا بل تشقق عنها ثمر الجنة قالها ثلاثًا››. وقال أبو هريرة: دار المؤمن درةٌ مجوفة في وسطها شجرة تنبت الحلل ويأخذ بأصبعه أو قال بأصبعيه سبعين حلةً منظمة بالدر والمرجان. ذكره يحيى بن سلام في تفسيره، وابن المبارك في رقائقه".

الزهد لابن مبارك كتابٌ نفيس ونافع مطبوع.

"وقد ذكرنا إسناده في كتاب التذكرة. وذُكِر في الحديث أنه يكون على كل واحدٍ منهم الحلة لها وجهان لكل وجه لون، يتكلمان به بصوت يستحسنه سامعه، يقول أحد الوجهين للآخر: أنا أكرم على ولي الله منك، أنا ألي جسده وأنت لا تلي. ويقول الآخر: أنا أكرم على ولي الله منك، أنا أبصر وجهه وأنت لا تبصر.

قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ} [الكهف:31] جمع أريكة، وهي السرر في الحجال. وقيل الفرش في الحجال، قاله الزجاج. قال ابن عباس: هي الأسرة من ذهب، وهي مكللةٌ بالدر والياقوت عليها الحجال، الأريكة ما بين صنعاء إلى أيلة، وما بين عدن إلى الجابية. وأصل متكئين موتكئين، وكذلك اتكأ أصله اوتكأ، وأصل التكأة وكأة، ومنه التوكؤ للتحامل على الشيء، فقلبت الواو تاءً وأدغمت. ورجل وكأةٌ كثير الاتكاء.

{نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} يعني الجنات، عكس وساءت مرتفقا. وقد تقدم. ولو كان "نعمت" لجاز؛ لأنه اسمٌ للجنة. وعلى هذا وحسنت مرتفقًا".

ولو قال: نعمت الثواب وحسنت المراد الجنة، صح ذلك، لكن لا شك أن ما جاء في أفصح الكلام وهو القرآن أولى. والأفصح: نعم الثواب، فإسناد نعم إلى الثواب لا إلى الجنة، ولذا ذكر، وحسنت الجنة، التي مضى ذكرها حسنت مرتفقًا فلما أسند نعم إلى الثواب ذكّر، وأسندت حسنت إلى الجنة أنّثت، وهذا أفصح بلا شك.

"وروى البراء بن عازب أن أعرابيًّا قام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، والنبي - صلى الله عليه وسلم- واقفٌ بعرفات على ناقته العضباء فقال: إني رجل مسلم، فأخبرني عن هذه الآية إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات الآية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ‹‹ما أنت منهم ببعيد ولا هم ببعيدٍ منك هم هؤلاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فأعلم قومك أن هذه الآية نزلت فيهم››، ذكره الماوردي، وأسنده النحاس في كتاب معاني القرآن، قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن علي بن سهل قال: حدثنا محمد بن حميد قال: حدثنا يحيى بن الضريس عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن البراء بن عازبٍ قال: قام أعرابي فذكره. وأسنده السهيلي في كتاب الأعلام. وقد روينا جميع ذلك بالإجازة، - والحمد لله-".

الأعلام أم الإعلام؟

طالب: السهيلي.

السهيلي نعم.

طالب: .......

الإعلام بأيش؟

طالب:...........

بما في القرآن الكريم من الإبهام للسهيلي، يعني مبهمات في القرآن، وللسيوطي كتاب اسمه مفحمات الأقران في مبهمات القرآن. وعلى كل حال الحديث فيه ضعف، محمد بن حميد الرازي ضعيف عند أهل العلم.

طالب:...........

ماذا يقول؟

طالب:...........

ضعيف، ضعيف.

اللهم صلِّ وسلم على محمد.