التعليق على تفسير القرطبي - سورة الكهف (07)

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

"قوله تعالى: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا* قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا* قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} [الكهف:71-73].

قوله تعالى: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا} فيه مسألتان:

الأولى: في صحيح مسلمٍ والبخاري: فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرت سفينةٌ فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول".

بغير أجرة، بغير نول يعني بغير أجرة بغير عطاء.

"فلما ركبا في السفينة لم يفجأ موسى إلا والخضر قد قلع منها لوحًا من ألواح السفينة بالقدوم، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، لقد جئت شيئا إمرًا، قال: ألم أقل: إنك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: لا تؤاخذني بما نسيت، ولا ترهقني من أمري عسرًا) قال : وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «وكانت الأولى من موسى نسيانًا، قال: وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السفينة، فنقر نقرةً في البحر، فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر».

قال علماؤنا: حرف السفينة طرفها، وحرف كل شيءٍ طرفه، ومنه حرف الجبل، وهو أعلاه المحدد، والعلم هنا بمعنى المعلوم".

الحرف الطرف، {منهم مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [سورة الحج:11]، يعني على طرف، بحيث إذا واجهه أدنى شيء ارتد عن دينه، نسأل الله العافية.

فهو على حرف يعني على طرف، والمفسر -رحمه الله تعالى- قال: في صحيح مسلم والبخاري، جرى على عادة بعض المغاربة في تفضيل مسلم على البخاري، ولـذا قدَّمه في الذكر.

والعلم هنا بمعنى المعلوم، ما علمي وعلمك من علم الله، يقول هنا: بمعنى المعلوم، لماذا قال بمعنى المعلوم؟

معلوماتي، ومعلوماتك لا أثر لها في علم الله، يعني كأنها لا شيء، يعني كما في الحديث الطويل: «لو أن الخلق كلهم إنسهم وجنهم أولهم وآخرهم اجتمعوا في صعيدٍ واحد ثم سألوا الله شيئًا، فأعطى كل واحدٍ مسألته، ما نقص ذلك مما عند الله -جل وعلا-  إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ».

والمراد أنه لا ينقص شيء ليس المراد النسبة، نسبة هذا النقص اليسير إلى ما عند الله -جل وعلا-  هو لا ينقص شيئًا، فمراده بهذا، أن علمنا علمي وعلمك، بالنسبة لعلم الله -جل وعلا-  كلا شيء.

"والعلم هنا بمعنى المعلوم، كما قال: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [سورة البقرة:255].

أي من معلوماته، وهذا من الخضر تمثيل، أي معلوماتي ومعلوماتك لا أثر لها في علم الله، كما أن ما أخذ هذا العصفور من هذا البحر، لا أثر لها بالنسبة إلى ماء البحر، وإنما مثّل له ذلك بالبحر؛ لأنه أكثر ما يشاهده مما بين أيدينا، وإطلاق لفظ النص هنا تجوزٌ قصد به التمثيل والتفهيم.

إذ لا نقص في علم الله، ولا نهاية لمعلوماته، وقد أوضح هذا المعنى البخاري، فقال:

والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله، إلا كما أخذ هذا الطير بمنقاره من البحر. وفي التفسير عن أبي العالية: لم يرى الخضر حين خرق السفينة غير موسى، وكان عبدًا لا تراه الأعين، لا تراه إلا عين من أراد الله له أن يريه، ولو رآه القوم لمنعوه من خرق السفينة، وقيل: خرج أهل السفينة إلى جزيرة، وتخلف الخضر، فخرق السفينة.

وقال ابن عباس: لما خرق الخضر السفينة، تنحى موسى ناحية، وقال في نفسه: ما كنت بمصاحبتي هذا الرجل، كنت في بني إسرائيل أتلو كتاب الله عليهم، غدوةً وعشية، فيطيعوني، قال له الخضر: يا موسى أتريد أن أخبرك بما حدثا به نفسك، قال: نعم، قال: كذا وكذا، قال: صدقت. ذكره الثعلبي، في كتاب العرائس.

الثانية: في خرق السفينة دليلٌ على أن للولي أن ينقص مال اليتيم إذا رآه صلاحًا، مثل أن يخاف على ريعه ظالمًا، فيخرب بعضه.

وقال أبو يوسف: يجوز للولي أن يصانع السلطان ببعض مال اليتيم عن البعض".

تخفيفًا للظلم، يعني تخفيفًا للظلم.

"وقرأ حمزة، والكسائي: ليغرق بالماء أهلها".

ليغرق بالياء.

"ليغرق بالياء، أهلها بالرفع فاعل يغرق، فاللام على قراءة الجماعة في (لتغرق) لام المآل، مثل: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [سورة القصص:8]".

وتسمى لام الصيرورة، هي لام المآل.

"وعلى قراءة حمزة لام كي، ولم يقل لتغرقني؛ لأن الذي غلب عليه في الحال فرط الشفقة عليهم، ومراعاة حقهم، و{إِمْرًا} معناه عجبًا، قاله الكتبي، وقيل: منكرًا، قاله مجاهد.

وقال أبو عبيدة: الإمر الداهية العظيمة، وأنشد:

قد لقي الأقران مني نكرًا

 

 داهيـةً دهيـاء إدًا إمــرًا

وقال الأخفش: يقال"أمَر".

أمِر.

" أمِر أمره، يامر أمرا إذا اشتد، والاسم الإمر".

جاء في حديث قصة هركل من قول أبي سفيان: لقد أمِر أمْر ابن أبي كبشة، يعني عظم شأنه، حتى إنه لا يخافه ملك بني الأصفر، يعني عظم شأنه واشتد.

"قوله تعالى: {قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} [سورة الكهف:73]، في معناه قولان:

أحدهما: يروى عن ابن عباس، قال: هذا من معاريض الكلام.

والآخر: أنه نسي، فاعتذر ففيه ما يدل على أن النسيان لا يقتضي المؤاخذة، وأنه لا يدخل تحت التكليف، ولا يتعلق به حكم طلاقٍ ولا غيره، وقد تقدم، ولو نسي في الثانية لاعتذر".

النسيان في حقوق الله -جل وعلا-  معفوٌ عنه؛ لأن الناسي لا يؤاخذ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [سورة البقرة:286]، لكن النسيان في حقوق العباد، إثمه مرفوع، لكن ضمانه باقٍ.

"قوله تعالى: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ} [سورة الكهف: 74]، في البخاري، قال يعلى، قال سعيد: "وجد غلمانًا يلعبون، فأخذ غلامًا كافرًا فأضجعه، ثم ذبحه بالسكين".

قال: قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ، لم تعمل بالحنث".

يعني بالإثم، لم يكتب عليها إثم؛ لأنه غير مكلف.

"وفي الصحيحين، وصحيح الترمذي: «ثم خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل، إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده، فقتله، قال له موسى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا* قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}[سورة الكهف: 74، 75]، قال: وهذه أشد من الأولى، {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}[سورة الكهف:76]»، لفظ البخاري.

وفي التفسير: إن الخضر مر بغلمانٍ يلعبون، فأخذ بيده غلامًا ليس فيهم أضوأ منه، وأخذ حجرًا، فضرب به رأسه حتى دمغه، فقتله.

قال أبو العاليه: لم يره إلا موسى، ولو رأوه لحالوا بينه وبين الغلام.

 قلت: ولا اختلاف بين هذه الأحوال الثلاثة، فإنه يحتمل أن يكون دمغه أولاً بالحجر، ثم أضجعه فذبحه، ثم اقتلع رأسه، والله أعلم بما كان من ذلك. وحسبك بما جاء في الصحيح".

ومعلوم أن هذا في شرع من قبلنا، وبأمر الله -جل وعلا- {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [سورة الكهف:82]، لكن لا يجوز لأحدٍ أن يفعل مثل هذا الفعل مهما قويت عنده القرائن، والدلائل إلا بحقها، وكون الإنسان يرى في الرؤية، أو تتوارد عليه الرؤيا أنه يأتيه من يأمره بذبح ابنه، ويحصل منه هذا، هذا لا شك أنه اعتداء، ولا يجوز أن يعتمد على الرؤى في مثل هذه الأمور.

اقتداءً بإبراهيم -عليه السلام- قد يحصل من بعض الجهال، لكنه ليس بشرع، الرؤى لا يثبت بها أحكام، لا يثبت بها أحكام، شرعنا كامل، أكمله الله -جل وعلا-  في حياة نبيه -عليه الصلاة والسلام-،  وليس بحاجة إلى مزيد.

لا يجوز لأحدٍ أن يفعل مثل هذا الفعل مهما بلغت عنده الدلائل، والقرائن إلا بحقها الذي جاء به الإسلام.

والأمر الثاني: أن مثل هذا ليس للأفراد، أن مثل تطبيق الحدودج وإقامته على الناس ليس مما يوكل إلى الأفراد، وإلا لصارت المسألة فوضى، لو كان كل واحد ينفذ بنفسه، ولا على ولده، ولا على زوجته، ليس له ذلك.

جاء في حد الزنى بالنسبة للأمة، جاء في إذا زنت أمة أحدكم، فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها، هذا وكل إليه فقط، أما ما عداه فللإمام.

"وقرأ الجمهور: زاكيةً بالألف، وقرأ الكوفيون وابن عامر: زكيةً بغير ألف وتشديد الياء، قيل: المعنى واحدٌ، قاله الكسائي، وقال ثعلب: الزاكية أبلغ، قال أبو عمر: الزاكية التي لم تذنب قط، والزكية التي أذنبت، ثم تابت.

قوله تعالى: {غُلامًا}، اختلف العلماء في الغلام، هل كان بالغًا، أم لا؟

فقال الكلبي: كان بالغًا يقطع الطريق بين قريتين، وأبوه من عظماء إحدى القريتين".

وأبوه من عظماء أهل إحدى القريتين.

 "وأبوه من عظماء أهل إحدى القريتين".

يعني هذا السبب الذي جعله يتمادى في غيه، ولا يجد من يكفه.

"وأبوه من عظماء إحدى القريتين".

وأبوه من عظماء أهل إحدى القريتين.

"وأبوه من عظماء أهل إحدى القريتين، وأمه من عظماء القرية الأخرى، فأخذه الخضر، فصرعه ونزع رأسه عن جسده، قال الكلبي، واسم الغلام شمعون، وقال الضحاك: حيسون، وقال وهب: اسم أبيه سلاس، واسم أمه رحمى، وحكى السهيلي: أن اسم أبيه كازير، واسم أمه سهوى.

وقال الجمهور: لم يكن بالغًا".

تسميته لم ترد في خبر ملزم، وإنما متلقاة عن بني إسرائيل.

"وقال الجمهور: لم يكن بالغًا، ولذلك قال موسى: زاكيةً لم تذنب، وهو الذي يقتضيه لفظ الغلام، فإن الغلام في الرجال يقال على من يبلغ، وتقابله الجارية في النساء، وكان الخضر قتله لما علم من سره، وأنه طُبع كافرًا كما في صحيح الحديث، وأنه لو أدرك لأرهق أبويه كفرًا.

وقتل الصغير غير مستحيلٍ إذا أذن الله في ذلك، فإن الله تعالى الفعال لما يريد، القادر على ما يشاء.

وفي كتاب العرائس: إن موسى لما قال للخضر: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً}، الآية، غضب الخضر، واقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه، وإذا في عظم كتفه مكتوب كافرٌ لا يؤمن بالله أبدًا، وقد احتج أهل القول الأول بأن العرب تبقي على الشاب اسم الغلام، ومنه قول ليلى الأخيلية:

شفاها من الداء العضال الذي بها

 

غـلامٌ إذا هــز القنــاة ســقاها"

وقال صفوان لحسان:

تلق ذباب السيف عني فإنني

 

  غـلام إذا هوجيت لسـت بشـاعرٍ"

وفي الخبر: "إن هذا  الغلام كان يفسد في الأرض، ويقسم لأبويه أنه ما فعل، فيقسمان على قسمه، ويحميانه ممن يطلبه".

قالوا وقوله: {بِغَيْرِ نَفْسٍ} يقتضي أنه لو كان عن قتل نفسٍ لم يكن به بأس، وهذا يدل على كبر الغلام، وإلا فلو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس، وإنما جاز قتله؛ لأنه كان بالغًا عاصيًا.

قال ابن عباس: كان شابًّا يقطع الطريق، وذهب ابن جبيرٍ إلى أنه بلغ سن التكليف؛ لقراءة أبيٍ وابن عباس، وأما الغلام، فكان كافرًا، وكان أبواه مؤمنين والكفر والإيمان من صفات المكلفين".

لأنه كان غلامًا صغيرًا لحكم له تبعًا لأبويه، لكان حكمه تابعًا لأبويه.

طالب: ..........

طُبع كافرًا يعني في علم الله -جل وعلا-  أنه يموت على الكفر، وأُخبر الخضر بذلك، لا شك أن من طُبع على الكفر، خُتم له به أنه يموت عليه.

ولكن القدرية، من أين لهم أن هذا طبع كافرًا؟ هو مأمور منهي عليه أن يفعل ما أُمر به ويترك ما نُهي عنه، والخواتيم بيد الله -جل وعلا-.

طالب: .........

لو قتل الصغير غير المكلف كبيرًا عمدًا، فعمده كخطأ الكبير، الخطأ قتل الخطأ منه عمد الصبي، والمجنون حكمه حكم الخطأ، لا يُقاد به.

"والكفر والإيمان من صفات المكلفين، ولا يطلق على غير مكلفٍ إلا لحكم التبعية لأبويه، وأبوا الغلام كانا مؤمنين بالنص، فلا يصدق عليه اسم الكافر إلا بالبلوغ، فتعين أن يصار إليه، والغلام من الاغتلام وهو شدة الشبق.

قوله تعالى: {نُكْرًا} اختلف الناس، أيهما أبلغ، {إِمْرًا}، أو قوله: {نُكْرًا}؟

فقالت فرقة: قتلٌ بين، وهناك مترقب، فـ {نُكْرًا} أبلغ، وقالت فرقة: هذا قتل واحد، وذاك قتل جماعة، فـ {إِمْرًا} أبلغ.

قال ابن عطية: وعندي أنهما لمعنيين، وقوله: {إِمْرًا} أفظع، وأهول من حيث هو متوقعٌ عظيم، {نُكْرًا} بينٌ في الفساد؛ لأن مكروهه قد وقع، وهذا بين".

فلكل منهما وجه قوة، لكل منهما وجه قوة، خرق السفينة متوقع منه الهلاك، لكنه هلاك طائفة وجماعة، وأما قتل الغلام، فمحقق الهلاك، لكنه قتل واحد، فلكل منهما وجه قوة.

"قوله: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} [سورة الكهف:76]، شرطٌ وهو لازم، والمسلمون عند شروطهم، وأحق الشروط أن يُوفى به، ما التزمه الأنبياء، والتزم للأنبياء، وقوله: {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}، يدل على قيام الاعتذار بالمرة الواحدة مطلقًا، وقيام الحجة من المرة الثانية بالقطع، قاله ابن العربي، وقال ابن عطية: ويشبه أن تكون هذه القصة أيضًا، أصلاً للآجال في الأحكام التي هي ثلاثة، وأيام المتلوم ثلاثة، فتأمله".

يعني الإمهال ثلاثًا، كما هنا، المتلوّم من يطلب الإمهال.

"قوله تعالى: {فَلا تُصَاحِبْنِي}، كذا قرأ الجمهور أي تتابعني، وقرأ الأعرج: تصحبني، بفتح التاء، وتشديد النون، وقرأ: تصحبني أي تتبعني، وقرأ يعقوب، تصحبني، بضم التاء، وكسر الحاء ورواها سهلٌ عن أبي عمرو.

قال الكسائي: معناه، فلا تتركني أصحبك، {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} أي بلغت مبلغًا تعذر به في ترك مصاحبتي، وقرأ الجمهور: من لدني، بضم الدال إلا أن نافعًا، وعاصمًا خففا النون، فهي لدن اتصلت بها ياء المتكلم التي في غلامي وفرسي، وكسر ما قبل الياء، كما كسر في هذه".

غلامي وفرسي، لدني.

وقرأ أبو بكرٍ عن عاصم: لدني بفتح اللام، وسكون الدال وتخفيف النون، وروي عن عاصم، لدني بضم اللام، وسكون الدال.

قال ابن مجاهد: وهي غلط، قال أبو علي: هذا التغليط يشبه أن يكون من جهة الرواية، فأما على قياس العربية، فهي صحيحة.

وقرأ الجمهور: عذرًا، وقرأ عيسى: عذرًا بضم الذال، وحكى الداني أن أبيًّا روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: عذري، بكسر الراء وياءٍ بعدها.

مسألة: أسند الطبري، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دعا لأحدٍ بدأ بنفسه، فقال يومًا: «رحمة الله علينا، وعلى موسى لو صبر على صاحبه لرأى العجب ولكنه قال: فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرًا».

والذي في صحيح مسلمٍ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجل، لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة، ولو صبر لرأى العجب»، قال: وكان إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه، رحمة الله علينا، وعلى أخي كذا.

وفي البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

وجاء الأمر بذلك لمن دعا لغيره أن يبدأ بنفسه؛ لأنه محتاجٌ إلى الدعاء.

وفي البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يرحم الله موسى، لوددنا أنه صبر حتى يقص علينا من أمرهما». الذمامة بالذال المعجمة المفتوحة، وهو بمعنى المذمة، بفتح الذال وكسرها، وهي الرقة والعار من تلك الحرمة، يقال: أخذتني منك مذَمَةٌ ومذِمةٌ، وذمامة، وكأنه استحيا من تكرار مخالفته، ومما صدر عنه من تغليظ الإنكار.

قوله تعالى: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرً} [سورة الكهف:77-78].

فيه ثلاث عشرة مسألة:

الأولى: قوله تعالى {حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ} في صحيح مسلمٍ عن أبي بن كعبٍ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لئامًا، فطافا في المجالس، فاستطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما، {فَوَجَدَا {فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ}، يقول مائل، قال: {فَأَقَامَهُ} الخضر بيده، قال له موسى: قومٌ أتيناهم، فلم يضيفونا ولم يطعمونا، {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرا}.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يرحم الله موسى، لوددت أنه كان صبر، حتى يقصص علينا من أخبارها".

أخبارهما.

"من أخبارهما».

الثانية: واختلف العلماء في القرية، فقيل هي أبلة، قاله قتادة، وكذلك قال محمد بن سيرين، وهي أبخل قريةٍ وأبعدها من السماء، وقيل: أنطاكية، وقيل: بجزيرة الندلس، وروي ذلك عن أبي هريرة وغيره، ويذكر أنها الجزيرة الخضراء، وقالت فرقةٌ: هي باجروان وهي بناحية أذربيجان، وحكى السهيلي، وقال: إنها برقة، قال الثعلبي: هي قريةٌ من قرى الروم يقال لها: ناصرة، وإليها تنسب النصارى، وهذا كله بحسب الخلاف، في أي ناحيةٍ من الأرض، كانت ظقصة موسى، والله أعلم بحقيقة ذلك".

وإبهام القرية؛ لأنه لا يترتب على ذكرها مصلحة، بل قد يترتب على ذكرها مفسدة، قد يبهم الاسم سواءٌ كان على وجه الخصوص، فلان أو الجماعة والقبيلة، أو البلد والناحية، والإبهام فيه مصلحة؛ لئلا يترتب عليه مفاسد، لئلا ينبذون بهذا إلى قيام الساعة؛ لأنه لو عرف اسم القرية، لنبذوا بهذا، لنبذوا بالبخل، كل من قال: أنت من قرية كذا، أهل البخل الذين استطعمهم الأنبياء فلم يضيفوهم، فإبهامه فيه مصلحة؛ لأن من جاء بعد أولئك، لا ذنب له ولا علاقة، الإنسان محاسبٌ عن نفسه فإبهامهم لهم مصلحة.

وكثير من النصوص يرد فيها أسماء مبهمة، يرد تعيين بعض المبهمات، ويبقى كثيرٌ منها لا يعرف اسمه؛ سترًا عليه لا يتناقله الرواة سترًا عليه.

"الثالثة: كان موسى -عليه السلام- حين سقى لبنتي شعيب، أحوج منه حين أتى القرية مع الخضر، ولم يسأل قوتًا، بل سقى ابتداءً، وفي القرية سألها القوت، وفي ذلك للعلماء اتنفصالات كثيرة، منها أن موسى كان في حديث مدين منفردًا، وفي قصة الخضر تبعًا لغيره، قلت: وعلى هذا المعنى يتمشى قوله في أول الآية لفتاه {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [سورة الكهف:62].

فأصابه الجوع مراعاةً لصاحبه يوشع، والله أعلم".

لعله لما أتى القرية، قرية مدين، لما أتى مدين وسقى للبنتين، ولعله كان معه زاد، ولم يسأل الطعام، بينما لما أتى مع الخضر هذا القرية، كانا بحاجة إلى الطعام، فأبوا أن يضيفوهما وأحسن عليهم الخضر بإقامة الجدار.

في قصة أبي سعيد، لما مروا بقوم استضافوهم، فلم يضيفوهم، ثم لدغ سيد القوم، فرقاه أبو سعيد، وأخذ الأجرة من الغنم ثلاثين رأسًا، والخضر لم يأخذ عليهم أجرة، وأبو سعيد أخذ الأجرة، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، فدل على أن أخذ الأجرة لا بأس به.

لاسيما من مثل هؤلاء القوم اللئام الذين طلبت منهم الضيافة، فلم يضيفوهم.

"وقيل: لما كان هذا سفر تأديب وكل إلى تكلف المشقة، وكان ذلك سفر هجرة، فوكل إلى العون والنصرة بالقوت.

الرابعة: في هذه الآية دليلٌ على سؤال القوت، وأن من جاع وجب عليه أن يطلب ما يرد جوعه، خلافًا لجهال المتصوفة، والاستطعام سؤال الطعام، والمراد به هنا: سؤال الضيافة بدليل قوله: {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا}، فاستحق أهل القرية لذلك أن يذموا، وينسبوا إلى اللؤم والبخل، كما وصفهم بذلك نبينا -عليه الصلاة والسلام-.

قال قتادة: في هذه الآية شر القرى التي لا تضيف الضيف، ولا تعرف لابن السبيل حقه، ويظهر من ذلك أن الضيافة عليهم واجبة، وأن الخضر وموسى إنما سألا ما وجبا لهما من الضيافة، وهذا هو الأليق بحال الأنبياء ومنصب الفضلاء والأولياء.

وقد تقدم القول في الضيافة في هود، والحمد لله، ويعفو الله عن الحريري؛ حيث استخف في هذه الآية، وتمجن، وأتى بخطلٍ من القول وذل، فاستدل بها على الكدية والإلحاح فيها، وأن ذلك ليس بمعيبٍ على فاعله، ولا من منقصةً عليه، فقال:

وإن رددت فما في الرد منقصة عليك

 

قد رد موســى قبـل والخضــر"

قلت: وهذا لعب بالدين، وانسلالٌ عن احترام النبيين، وهي شنشنةٌ أدبية، وهفوةٌ سخافية، ويرحم الله السلف الصالح، فلقد بالغوا في وصية كل ذي عقلٍ راجح، فقالوا: مهما كنت لاعبًا بشيء فإياك أن تلعب بدينك.

الخامسة: قوله تعالى: {جِدَارًا}".

وجه العيب على استعمال الحريري، الحريري يقول:

وإن رددت فما في الرد منقصة عليك

 

قد رد موســى قبـل والخضــر"

إن كان وجه العيب أنه يذكر أنه رده، فنعم، لم يضيفوهما، هذا بنص القرآن، لكن كونه يكون أصلًا، يكون قصة موسى والخضر وسؤالهم الضيافة أصلًا لكل أحد، وإذا نزل بأحد يسألهم الضيافة، وفتح باب للمتسولين، وأن هذا أصل شرعي، وأن التسول أمرٌ شرعي، ولا شيء فيه، وسأل موسى والخضر وردوا، ولو رددت عاود مرة ثانية وعاشرة ومائة، وألح في السؤال.

وقد جاء ذم السؤال في السنة الصحيح:  «من سأل أموال الناس تكثرًا.. » نعم من سأل لضرورة بقدر الحاجة فهذا لا يُلام.

{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [سورة الذاريات:19]، لكن يتخذ مهنة، الإلحاح في السؤال تتخذ مهنة، كونه ديدًا للإنسان عيشته على تكفل الناس في سؤالهم، فلا.

طالب: ............

ويأخذ الزاد الذي يكفيه، ولا يعرض نفسه للتلف، ويقي نفسه شر المسألة، وذلها، فإذا نفد الزاد، يعني تقديره ما كان مناسبًا، وكان الطويل أطول مما توقع، أو ذهب منه بعض القوت والنفقة، فلا مانع أن يسأل للحاجة.

طالب: .........

لا، حتى المسألة أصل، سؤال موسى والخضر أصل عندهم، السؤال ما فيه شيء، والرد ما فيه شيء، يسأل ويرد، عادي عندهم.

طالب: .........

هم سألوا أهل القرية، طلبوا منهم الضيافة من أهل القرية.

طالب: ...........

الحريري يرى أن ذلك ليس بمعيبٍ على فاعله، ولا منقصةٍ عليه، الكدية هي الإلحاح في المسألة، يقول: اسأل مرة ثانية وعاشرة، اتجه للباب إذا ردوك الثاني الثالث العاشر، اسأل زيدًا وعمرًا، وعبيدًا، إذا ردوك فما فيه عيب، سهل أنك ترد.

طالب: .........

هذا سوء أدب؛ لأنه بهذا يتصور أن موسى والخضر فعلا ذلك، وأن هذا أصل للمتسولين.

"الخامسة: قوله تعالى: {جِدَارًا} الجدار والحدر بمعنى، وفي الخبر حتى يبلغ الماء الجدر، ومكانٌ جديرٌ بني حواليه جدار، وأصله الرفع، وأجدرت الشجرة طلعت، ومنه الجدري.

السادسة: قوله تعالى: {يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ} أي قرب أن يسقط، وهذا مجازٌ وتوسع، وقد فسره في الحديث بقوله: مائل، فكان فيه دليلٌ على وجود المجاز في القرءان، وهو مذهب الجمهور، وجميع الأفعال التي حقها أن تكون للحي الناطق، متى أسندت إلى جمادٍ أو بهيمةٍ فإنما هي استعارة، أي لو كان مكانهما إنسانٌ لكان ممتثلاً لذلك الفعل.

وهذا في كلام العرب وأشعارها كثير، فمن ذلك قول الأعشى"

هذا من الأمثلة التي يذكرونها في المجاز، وهو الإسناد إسناد فعل العقلاء إلى غير عاقل، قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [سورة يوسف: 82]، مثلاً، القرية لا تُسأل، يريد والإرادة من فعل القادر الحي لكن من ينفي المجاز يقول: لا مانع، ولا شك أن هذا مستعمل في لغة العرب، لكن إرادة كل شيءٍ بحسبه، إرادته ميله إلى السقوط، ولا يعني إرادته أنه له عقلٌ يفكر ويريد ولا يريد.

"فمن ذلك قول الأعشى:

أتنتهون ولا ينهى ذوي شطط 

 

كالطعن يذهـب فيه الزيت والفتل"

فأضاف النهي إلى الطعن، ومن ذلك قول الآخر: :

يريد الرمـح صـدر أبي بـراء

 

ويرغب عن دمـاء بني عقيـل"

وقال آخر:

إن دهرًا يلف شملي بجمل

 

لزمــان يهــم بالإحســان"

وقال آخر:

في مهمه فلقت به هاماتها 

 

فلق الفـؤوس إذا أردن نصـولاً

أي ثبوتًا في الأرض، من قولهم: نصل السف إذا ثبت في الرمية، فشبّه وقع السيوف على رءوسهم بوقع الفؤوس في الأرض، فإن الفأس يقع فيها، ويثبت لا يكاد يخرج.

وقال حسان بن ثابت:

لو أن اللؤم ينسب كان عبدًا

 

قبيح الوجـه أعـور من ثقيف

وقال عنترة:

فازورّ من وقع القنا بلبانه

 

وشـكا إلي بعبـرةٍ وتحمـحم

وقد فسر هذا المعنى، بقوله: لو كان يدري ما المحاورة اشتكى.

وهذا في هذا المعنى كثيرٌ جدًّا".

لكن أهل العلم عندهم أن القول والشكوى والجواب قد يكون بلسان المقال، وقد يكون بلسان الحال، لا يلزم أن يكون بلسان المقال، ممكن أن تنظر إلى جمل هزيل فتخاطبه، ما الذي أدى بك إلى هذه الحال؟ فترد حاله، فيرد بلسان الحال، وإن لم ينطق بلسان المقال، بأن يقول: ضيعني أهلي، أجاعني أهلي، وهكذا.

كما خاطب عليٌّ -رضي الله عنه- أصحاب القبور: يا أصحاب القبور، ما أنتم فيه؟ فنحن عندنا كذا، وكذا فيجيبون. كل هذا بلسان الحال، وهذا أسلوب معتبر ومعروف عند العرب.

"وهذا في هذا المعنى كثيرٌ جدًّا، ومنه قول الناس: إن داري تنظر إلى دار فلان، وفي الحديث: اشتكت النار إلى ربها، وذهب قومٌ إلى منه المجاز في القرآن، منهم أبو إسحاق الإسفراييني، وأبو بكر محمد بن داوود الأصبهاني، وغيرهما".

شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وجمع من أهل التحقيق، سماه ابن القيم طاغوتًا، بواسطته استطاع المبتدعة التحريف، تحريف النصوص، استطاعوا بواسطة دعوى المجاز، كل ما يخالف مذاهبهم يأولونه ويقولون: هذا مجاز، وليس بحقيقة، ولو لم يكن من الأدلة في رد المجاز إلا أن المجاز يجوز نفيه.

إذا قلت: رأيت أسدًا، إذا قال زيد من الناس: رأيت أسدًا، وهو رجلٌ شجاع يشبه بالأسد، لك أن تقول: كذبت ما رأيت أسدًا، وليس في النصوص ما يجوز نفيه.

طالب: .........

الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى- له محاضرة طبعت في رسالة، منع جواز المجاز في القرن المنزل للتعبد والإعجاز.

"فإن كلام الله -عز وجل- وكلام رسوله حمله على الحقيقة أولى بذي الفضل والدين؛ لأنه يقص الحق، كما أخبر الله تعالى في كتابه، ومما احتجوا به أن قالوا: لو خاطبنا الله تعالى بالمجاز، لزم وصفه بأنه متجوزٌ أيضًا، فإن العدول عن الحقيقة إلى المجاز، يقتضي العجز عن الحقيقة، وهو على الله تعالى محال.

قال الله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة النور:24].

وقال تعالى: {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [سورة ق:30].

وقال تعالى: {إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [سورة الفرقان:12]

وقال تعالى: {تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى} [سورة المعارج:17]، واشتكت النار إلى ربها، واحتجت النار والجنة، وما كان مثلها حقيقة".

ومنه قوله تعالى: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [سورة فصلت:11]، يعني من حقائق.

"وأن خالقها الذي أنطق كل شيءٍ أنطقها".

{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [سورة الإسراء: 44]، وإن من شيء إلا يسبح.

"وفي صحيح مسلمٍ من حديث أنسٍ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فيختم على فيه، ويقال لفخذه: انطقي، فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله، وذلك ليعذر من نفسه، وذلك المنافق، وذلك الذي يسخط الله عليه، هذا في الآخرة».

وأما في الدنيا، ففي الترمذي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، وحتى تكلم الرجل عذبة سوطة، وشراك نعله، وتخبره فخذه بما أحدث أهله من بعده».

قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي هريرة، وهذا حديثٌ حسنٌ غريب".

ففي الصحيح، بقرة تكلمت، قالت: ما خلقنا لهذا، والذئب تكلم أيضًا، هذا كله في الحديث الصحيح.

طالب: ..........

نعم.

طالب: .........

لا، إذا جاء التفريق، فالتفريق بين المتامثلات ليس بوارد.

طالب: .............

نعم.

طالب: .........

لا، ما يصعب، كل شيء وُجِّه، سهل مثل الإرادة، مثل سؤال القرية، كلها أُجيب عنها، يعني ما تمشي، المسألة مبسوطة عند أهل العلم، راجعوا ابن القيم في الصواعق كل شيء بينه -رحمه الله-.

"السابعة: قوله تعالى: {فَأَقَامَهُ}، قيل: هدمه، ثم قعد يبنيه، فقال موسى للخضر: {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}؛ لأنه فعلٌ يستحق أجرًا، وذكر أبو بكرٍ الأنباري عن ابن عباسٍ عن أبي بكر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أنه قرأ، {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ}، فهدمه ثم قعد يبنيه».

قال أبو بكر: وهذا الحديث إن صح سنده فهو جارٍ من الرسول -عليه الصلاة والسلام- مجرى التفسير للقرآن، وأن بعض الناقلين أدخل تفسير قرآنٍ في موضعٍ، فسرى أن ذلك قرآن نقص من مصحف عثمان، على ما قاله بعض الطاعنين.

وقال سعيد بن جبير: مسحه بيده، وأقامه بيده فقام".

هذا مقتضى اللفظ، {يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ}، يعني عدَّله، أما لو هدمه وبناه من جديد فما سار فيه كرامة.

"وهذا القول هو الصحيح، وهو الأشبه بأفعال الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- بل والأولياء، وفي بعض الأخبار: إن سمك ذلك الحائط كان ثلاثين ذراعًا، بذراع ذلك القرن، وطوله على وجه الأرض خمسمائة ذراع، وعرضه خمسون ذراعًا، فأقامه الخضر -عليه السلام- أي سواه بيده، فاستقام، قاله الثعلبي، في كتاب العرائس".

كتاب العرائس في قصص الأنبياء للثعلبي، هذا أكثره متلقى من بني إسرائيل، وكثيرٌ منه لا يقبله عقل، ولـذا حذَّر من قراءته كثيرٌ من أهل العلم.

"فقال موسى للخضر: {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}، أي طعامًا نأكله، ففي هذا دليلٌ على كرامات الأولياء، وكذلك ما وصف من أحوال الخضر -عليه السلام- في هذا الباب كلها أمورٌ خارقةٌ للعادة، هذا إذا تنزلنا على أنه وليٌ لا نبي.

وقوله تعالى: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [سورة الكهف:82]، يدل على نبوته، وأنه يوحى إليه بالتكليف والحكام، كما أوحي للأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- غير أنه ليس برسول، والله أعلم.

الثامنة: واجبٌ على الإنسان ألا يتعرض للجلوس تحت جدارٍ مائلٍ يخاف سقوطه، بل يسرع في المشي إذا كان مارًّا عليه؛ لأن في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مر أحدكم بطربالٍ مائلٍ، فليسرع المشي».

قال أبو عبيد: القاسم بن سلام، كان أبو عبيدة يقول: الطربال شبيهٌ بالمنظرة من مناظر العجم، كهيئة الصومعة والبناء المرتفع".

خرج الحديث؟

 طالب: .........

ماذ يقول؟

طالب: .........

غيره؟ ما ذكر شيئا؟

طالب: ............

ما خُرِّج تخريجًا بينًا؟

طالب: .........

 فيه شيء؟

طالب: .........

 ما يكفي، الحديث الذي لا يوجد دواوين الإسلام المعروفة المشهورة، فالذي يغلب على الظن عدم ثبوته، ومما يُستدل به على وضع الحديث، أن يُبحث عنه فلا يوجد في دواوين الإسلام، كما يقول أهل العلم.

"قال جرير:

ألوِّي بها.."

ألوى.

ألوى؟

نعم.

"ألوى بها شذب العروق مشذبٌ

 

فكأنما وَكَنَت على طـربال

يقال منه: وَكَن يكن إذا جلس، وفي الصحاح: الطربال القطعة العالية من الجدار، والصخرة العظيمة المشرفة من الجبل، وطرابيل الشام صوامعها، ويقال: طربل بوله إذا مده إلى فوق.

التاسعة: كرامات الأولياء ثابتةٌ على ما دلت عليه الأخبار الثابتة، والآيات المتواترة، ولا ينكرها إلا المبتدع الجاحد، أو الفاسق الحائد.

فالآيات ما أخبر الله تعالى في حق مريم من ظهور الفواكه الشتوية في الصيف، والصيفية في الشتاء، على ما تقدم، وما ظهر على يدها حيث أمرت النخلة وكانت يابسةً، فأثمرت، وهي ليست بنبيةٍ على الخلاف، ويدل عليها".

على الخلاف، وعامة أهل العلم أنه ليس في النساء نبي، ولا رسول، ويزعم ابن حزم أن في النسوة ستًّا كلهن أنبياء، ولكن هذا قولٌ ضعيف.

"ويدل عليها ما ظهر على يد الخضر -عليه السلام- من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار.

قال بعض العلماء: ولا يجوز أن يقال: كان نبيًا؛ لأن إثبات النبوة لا يجوز بأخبار الآحاد، لاسيما وقد روي من طريق التواتر، من غير أن يحتمل تأويلاً، بإجماع الأمة قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا نبي بعدي».

وقال تعالى: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [سورة الأحزاب:40]، والخضر وإلياس جميعًا، باقيان مع هذه الكرامة، فوجب أن يكونا غير نبيين؛ لأنهما لو كانا نبيين لوجب أن يكونا بعد نبينا -صلى الله عليه وسلم- نبي، إلا ما قامت الدلالة في حديث عيسى أنه ينزل بعده".

عيسى موجود، لكنه نبأ قبله، فليكن كذلك إلياس والخضر، نُبِّئ قبله واستمر أو بقي، على الخلاف في الخضر الذي سيأتي في نبوته وفي بقائه وموته، يـأتي في المسألة خلافٌ طويل لأهل العلم.

"قلت: الجمهور: أن الخضر كان نبيًّا على ما تقدم، وليس بعد نبينا -عليه الصلاة والسلام- نبي، أي يدعي النبوة بعده ابتداءً، والله أعلم.

العاشرة: اختلف الناس هل يجوز أن يعلم الولي أنه وليٌ أم لا؟ على قولين:

أحدهما: أنه لا يجوز، وأن ما يظهر على يديه يجب أن يلاحظه بعين خوف المكر؛ لأنه لا يأمن أن يكون مكرًا، واستدراجًا له.

وقد حكي عن السري: أنه كان يقول: لو أن رجلاً دخل بستانًا، فكلمه من رأس كل شجرةٍ طائر، بلسانٍ فصيح: السلام عليك يا ولي الله، فلو لم يخف أن يكون ذلك مكرًا، لكان ممكورًا به.

لأن معرفة الولي أن هذه كرامة، وأنه ولي يستحق هذه الكرامة، هذا لا شك أنه اغترار وتزكية للنفس، فلا يأمن أن  يمكر به مثل هذا، لا يأمن المكر، بل يبقى خائفًا وجلاً، ويستفيد من هذه الكرامات ما يستفيده في دعوته في حياته، لكن على خوفٍ ووجل، وكل ما حصل له شيء من الكرامات، وحصل له شيء من الإكرام من الله -جل وعلا-  عليه أن يزيد في العمل؛ لأن هذه...