التعليق على تفسير القرطبي - سورة المدثر (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

" قوله تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّر * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّر* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّر* ثُمَّ نَظَر* ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَر* ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَر * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَر * إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَر}[المدثر:18-25] قوله تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّر}[المدثر:18]  يعني الوليد فكَّر في شأن النبي -صلى الله عليه وسلم- والقرآن. وقدَّر أي هيَّأ الكلام في نفسه، والعرب تقول: قدّرت الشيء إذا هيَّأتُه. "

هيأتَه.

" إذا هيّأتَه، وذلك أنه لما نزل {حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيم}[غافر:2] إلى قوله:{ إِلَيْهِ الْمَصِير}[غافر:3] سمعه الوليد يقرؤها فقال: والله لقد سمعت منه كلامًا ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطُلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يُعلَى عليه، وما يقول هذا بشر. فقالت قريش: صبأ الوليد لتصبون قريش كلها. وكان يقال للوليد ريحانة قريش، فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه، فمضى إليه حزينًا فقال له: ما لي أراك حزينًا؟ فقال له: وما لي لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك بها على كبر سنك، ويزعمون أنك زينت كلام محمد، وتدخل على ابن أبي كبشة وابن أبي قحافة؛ لتنال من فضل طعامهما، فغضب الوليد وتكبّر وقال: أنا أحتاج إلى كسر محمد وصاحبه؟ فأنتم تعرفون قدر ما لي واللات والعزى ما بي حاجة إلى ذلك، وإنما أنتم تزعمون أن محمدًا مجنون، فهل رأيتموه قط يخنق؟ قالوا: لا والله، قال: وتزعمون أنه شاعر، فهل رأيتموه نطق بشعر قط؟ قالوا: لا والله، قال: فتزعمون أنه كذاب، فهل جربتم عليه كذبًا قط؟ قالوا: لا والله، قال: فتزعمون أنه كاهن، فهل رأيتموه تكهَّن قط؟ والله لقد رأينا للكهنة أسجاعًا وتخالجًا، فهل رأيتموه كذلك؟ قالوا: لا والله، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسمى الصادق الأمين من كثرة صدقه، فقالت قريش للوليد: فما هو؟ ففكر في نفسه، ثم نظر ثم عبس فقال: ما هو إلا ساحر، أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله وولده ومواليه؟ فذلك قوله تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ} [المدثر:18]  أي في أمر محمد والقرآن، وقدر في نفسه ماذا يمكنه أن يقول فيهما فقتل.. "

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، الوليد بن المغيرة من رؤوس الكفر وسيد من سادات قومه ومن صناديد العرب وعقلائهم لما سمع القرآن أخذه ما أخذه، وراجع عقله، فكَّر وأتى بجميع الاحتمالات وجميع الأقوال التي قيلت في النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي القرآن، فأراد أن ينزلها على ما سمع، ما وجد منها شيئًا ينطبق على ما سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا ما ينطبق على حاله وأقواله وتصرفاته، فمدح القرآن بما سمعتم وبما نقل عنه واستفاض الكفار يغيظهم أن الوليد- وهو بهذه المنزلة منهم- أن يسلم أو أن يميل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو أقل الأحوال ألا يساعدهم على فرائهم وكذبهم عليه -عليه الصلاة والسلام-، فجاءه أبو جهل خشية أن يسلم أراد أن يستدركه، وهذا شأن أعداء الله، وهذا شأن من حاد عن الصراط المستقيم سواء كان بالكفر أو بما دون الكفر، قرأتم وسمعتم أنه قد يتوب فاسق، فمن لازم توبته أو مما يعينه على الاستمرار فيها أن يفارق جماعته وشلّته على ما قالوا، هم لا يطيقون ذلك، هم أخذوا عليه وتعودوا عليه وأَنِسوا به، تجدهم يبذلون شتى الوسائل ليصرفوه عن التوبة، وقد حصل، وُجِد من تاب عن الغناء والمجون وما أشبه ذلك، ثم جاءه إخوانه الشياطين وأرجعوه إلى ما كان عليه، وهذا الوليد قرب من أن يسلم وقال كلمة الحق في القرآن، لكن أبا جهل غاظه ذلك، وخشي؛ لأنه إذا أسلم مثل هذا خسروه وأي خسارة تكون بفقده بالنسبة لهم وتبعه أقوام يقتدون به، فقال له أبو جهل من باب إثارة حميّته قال له: أنت صرت تميل إلى محمد وصاحبه ابن أبي قحافة، ونعرف أنك ما تميل إليهم إلا أنك جوعان تذهب تأكل عندهم، لهذا نجمع لك دراهم لعلك تستغني وتستعف، والإنسان أن يقال له مثل هذا الكلام لاسيما إذا كانت له منزلة قال: لا والله ما احتجت لهم؟ تعرفون مالي وتعرفون وضعي وقيمتي ومنزلتي عند أهلي وعشيرتي وقومي، ثم قال الوليد لأبي جهل ما سمعتم: تزعمون أن محمدًا مجنون، فهل رأيتموه يَخنُق أحدًا، المجنون إذا شاف أحدًا أول ما يبدأ بالرقبة، أو يُخنَق يعني تخنقه الجن وتصرعه، قالوا: لا والله ما حصل هذا، هذا الاحتمال انتهى إنه مجنون قالوا: لا والله، قال: تزعمون أنه شاعر، فهل رأيتموه نطق بشعر قط؟ قالوا: لا والله ما نطق بشعر، ما هو بشاعر نعرفه {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ}[يس:69]  الرسول ما ينطق بالشعر، قال بعض بيت أو بيتين من باب التمثل لا أنه قاله أو موافقة لأوزان الشعر وإن لم يقصده، المقصود أنه ليس بشاعر ونفى عنه الله الشعر، وهم يعرفون ذلك جيدًا وليس بشاعر، ولا يمكن لأحد أن يدعي أو يُدعى له الشعر وليس بشاعر، ما كانت الأساليب الموجودة من الانتحال وسرقة الأفكار موجودة من قبل الآن، تقال القصيدة ويمكن تُسرق وتُنشر في مواقع ومواضع على أنها لفلان، وهي في الحقيقة لفلان، كما أن الكتب تُسرق الآن وغير ذلك، قال: والله ليس بشاعر، ما عندهم هذه الوسائل التي عندنا؛ لأن الشعر إنما يقال من الحفظ، ما يقال من كتابة قال: لا والله ليس بشاعر، قال: تزعمون أنه كذاب، فهل جربتم عليه كذبًا قط؟ قال: لا والله معروف، هو مشهور عندهم أنه الصادق الأمين، قال: تزعمون أنه كاهن، فهل رأيتموه تكهن قط؟ تكهَّن لأحد بأجرة أو بغير أجرة يعني: هل أخبر عن مغيَّب؟ هل تسبب في ضرر أحد بواسطة هذا السحر؟ قالوا: لا لكنهم وجدوا فرصة وهي غير مناسبة ولا لائقة ولا مقبولة، قالوا: إنه يفرق بين الوالد وولده، إذا أسلم الولد قاطع أباه، وإذا أسلم الوالد قاطع ولده، ومن السحر ما يفرَّق به بين المرء وزوجه، هذا السحر، وهم يعلمون أن التفريق ليس بسبب السحر، وإنما هو بسبب الولاء لله ورسوله والبراءة من أعدائه، لكنها فرصة يعني قريبة من أن تنطلي على بعض العقول فقالوا ذلك.. كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يُسمى الصادق الأمين من كثرة صدقه فقالت قريش للوليد: فما هو؟ ففكر في نفسه، ثم نظر، ثم عبس قطب في جبينه، ثم نظر ثم عبس فقال: ما هو إلا ساحر، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه؟ فذلك.

 قوله تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ} [المدثر:18] أي في أمر محمد والقرآن، وقدّر في نفسه ماذا يمكنه أن يقول. فقُتل أي لُعن، قاتل الله اليهود يعني لعنهم، فقتل أي لعن، وكان بعض أهل التأويل يقول.. إلى آخره. سم.

" فقُتل أي لُعن، وكان بعض أهل التأويل يقول معناها: فقُهر وغلب، وكل مذلل مقتَّل، قال الشاعر:

وما ذرفت عيناكِ إلا لتقدحي
 

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:وما ذرفت عيناكِ إلا لتقدحي *بسهميك في أعشار قلب مقتَّلِ

" بسهميك في أعشار قلب مقتَّلِ
 

وقال الزهري: عُذِّب وهو من باب الدعاء {كَيْفَ قَدَّر}[المدثر:19]  قال ناس: كيف تعجيب كما يقال للرجل تتعجب من صنيعه: كيف فعلت هذا! وذلك كقوله:{انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ}[الإسراء:48] {ثُمَّ قُتِلَ}[المدثر:20]  أي لُعن لعنًا بعد لعن، وقيل: فقتل بضرب من العقوبة، ثم قتل بضرب آخر من العقوبة. {كَيْفَ قَدَّر}[المدثر:20]  أي على أي حال قدر. {ثُمَّ نَظَر}[المدثر:21]  بأي شيء يرد الحق ويدفعه.{ثُمَّ عَبَسَ}[المدثر:22]  أي قطب بين عينيه في وجوه المؤمنين، وذلك أنه لما حمل قريشًا على ما حملهم عليه من القول في محمد -صلى الله عليه وسلم- بأنه ساحر مر على جماعة من المسلمين فدعوه  إلى الإسلام فعبس في وجوههم قيل: عبس وبسر على النبي -صلى الله عليه وسلم- حين دعاه، والعبْس مخففًا مصدر عبس يعبس عبسًا. "

مخففًا يعني ساكن الوسط يقال له مخفف.

" مصدر عبس يعبس عبسًا وعبوسًا إذا قطّب، والعبَس ما يتعلق بأذناب الإبل من أبعارها وأبوالها، قال أبو النجم:

كأن في أذنابهن الشوَّلِ
 

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:كأن في أذنابهن الشوَّلِ *من عبس الصيف قرون الأيِّلِ

" من عبس الصيف قرون الأيِّلِ
 

وبسر أي كلح وجهه وتغير لونه، قاله قتادة والسدي، ومنه قول بشر بن أبي خازم: صبحنا.

صبَحنا.

صبَحنا تميمًا غداة الجفار
 

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:صبَحنا تميما غداة الجفار *بشهباء ملمومة باسرة

" بشهباء ملمومة باسرة
 

وقال آخر:

وقد رابني منها صدود رأيته
 

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:وقد رابني منها صدود رأيته *وإعراضها عن حاجتي وبسورها

" وإعراضها عن حاجتي وبسورها
 

وقيل: إن ظهور العبوس في الوجه بعد المحاورة، وظهور البسور في الوجه قبل المحاورة، وقال قوم: بَسَرَ وقف لا يتقدم ولا يتأخر، قالوا: وكذلك يقول أهل اليمن إذا وقف المركب فلم يجيء ولم يذهب. "

فلم يجئ.

" فلم يجئ ولم يذهب: قد بسر المركب، وأبسر أي وقف، وقد أبسرنا، والعرب تقول: وجه باسر بيِّن البسور إذا تغير واسوَدّ. {ثُمَّ أَدْبَرَ}[المدثر:23] أي ولّى وأعرض ذاهبًا إلى أهلها. {وَاسْتَكْبَر}[المدثر:23]  أي تعظم عن أن يؤمن وقيل: أدبر عن الإيمان واستكبر حين دُعي إليه. {فَقَالَ إِنْ هَذَا}[المدثر:24]  أي ما هذا الذي أتى به محمد -صلى الله عليه وسلم- {إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَر}[المدثر:24] أي يأثره عن غيره، والسحر الخديعة. "

يعني يرويه من كتب الأولين ومن صحفهم، وهو يعرف أنه لا يقرأ ولا يكتب، ولا يوجد في مكة أحد يمكن أن يُؤخذ منه ما عند المتقدمين.

"وقد تقدم بيانه في سورة البقرة، وقال قوم: السحر إظهار الباطل في صورة الحق، والأثرة مصدر قولك: أثرت الحديث آثره إذا ذكرته عن غيرك، ومنه قيل: حديث مأثور أي ينقله خلف عن سلف، قال امرؤ القيس: ولو عنا..

ولو عن.

ولو عن ثنا غيره جاءني
 

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:ولو عن ثنا غيره جاءني *وجرح اللسان كجرح اليد

" وجرح اللسان كجرح اليد
 

لقلت من القول ما لا يزال
 

 

يؤثر عني يد المسند
 

يريد آخر الدهر، وقال الأعشى:

إن الذي فيه تماريتما
 

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:إن الذي فيه تماريتما *بُيِّن للسامع والآثر

" بُيِّن للسامع والآثر
 

يعني السامع الذي يسمع الكلام ابتداءً، والآثر الذي ينقله عن هذا السامع.

ويروى بَيَّن. {إن هذا إلا قول البشر} أي ما هذا إلا كلام المخلوقين.

يختدع.

ينخدع.

يختدع.

" يختدع به القلوبَ كما تُختَدع بالسحر، قال السدي: يعنون أنه من قول سيّار عبد لبني الحضرمي كان يجالس النبي -صلى الله عليه وسلم- فنسبوه إلا أنه تعلم منه ذلك، وقيل: أراد أنه تلقنه من أهل بابل، وقيل: عن مسيلمة وقيل: عن عدي الحضرمي الكاهن وقيل: إنما تلقنه ممن ادعى النبوة قبله، فنسج على منوالهم قال أبو سعيد الضرير: إن هذا إلا سحر يؤثر. "

أمر.

" إن هذا إلا أمر سحر يؤثر أي يورث. قوله تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَر}[المدثر:26] أي سأدخله سقر؛ كي يصلى حرها، وإنما سُميت سقر من سقرته الشمس أي أذابته ولوحته وأحرقت جلدة وجهه، ولا ينصرف للتعريف والتأنيث، قال ابن عباس: هي الطبق السادس من جهنم، وروى أبو هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «سأل موسى ربه فقال: أي رب أي عبادك أفقر؟ قال: صاحب سقر»، ذكره الثعلبي. "

مخرّج؟

طالب: ...............

على كل حال خبر لا أصل له.

"{وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَر}[المدثر:27]  هذه مبالغة في وصفها أي وما أعلمك أي شيء هي، وهي كلمة تعظيم، ثم فسَّر حالها فقال: {لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَر}[المدثر:28]  أي لا تترك لهم عظمًا ولا لحمًا ولا دمًا إلا أحرقته، وكرر اللفظ تأكيدًا وقيل: لا تبقي منهم شيئًا ثم يعادون خلقًا جديدًا فلا تذر أن تعاود إحراقهم، هكذا أبدًا وقال: مجاهد لا تبقي من فيها حيًّا ولا تذره ميتًا، تحرقهم كلما جددوا. وقال السدي: لا تبقي لهم لحمًا ولا تذر لهم عظمًا. {لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَر}[المدثر:29]  أي مغيِّرة من لاحه إذا غيَّره، وقراءة العامة: لواحةٌ بالرفع نعت لسقر في قوله تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَر}[المدثر:27] ، وقرأ عطية العوفي ونصر بن عاصم وعيسى بن عمر: لواحةً بالنصب على الاختصاص للتهويل، وقال أبو رزين: تلفح وجوههم لفحة تدعها أشد سوادًا من الليل، وقالهمجاهد، والعرب تقول: لاحه البرد والحر والسقم والحزن إذا غيَّره، ومنه قول الشاعر:

 

تقول ما لاحك يا مسافر
 

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:تقول ما لاحك يا مسافر *يا ابنة عمي لاحني الهواجر

" يا ابنة عمي لاحني الهواجر
 

وقال آخر:

وتعجب أن رأتني شاحبًا
 

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:وتعجب أن رأتني شاحبا *تقول لشيء لوَّحته السمائم

" تقول لشيء لوَّحته السمائم
 

وقال رؤبة بن العجّاج:

لوح منه بعد بدن وسنق
 

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:لوح منه بعد بدن وسنق *تلويحك الضامر يطوى للسبق

" تلويحك الضامر يطوى للسبق
 

ويقال: إن اللوح شدة العطش، يقال: لاحه العطش.."

لوح منه بعد بدن يعني بعد بدانة وسِمن وشحب ونحف مثل ما يلوح الضامر للسباق يضمر الخيل للسباق.

" ويقال: إن اللوح شدة العطش، يقال: لاحه العطش ولوحه أي غيَّره، والمعنى أنها معطشة للبشر أي لأهلها، قاله الأخفش، وأنشد:

سقتني على لوح من الماء شربة
 

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:سقتني على لوح من الماء شربة *سقاها بها الله الرهام الغواديا

" سقاها بها الله الرهام الغواديا
 

يعني باللوح شدة العطش، والتاح أي عطش، والرِّهام جمع رِهمة بالكسر، وهي المطرة الضعيفة، وأرهمت السحابة أتت بالرهام، وقال ابن عباس.. "

المطرة الضعيفة هي لمن أراد أن يشرب أفضل من المطرة القوية، الرهام المطرة الضعيفة بحيث تمكنه من الشرب ولا تؤذيه.

" وقال ابن عباس: لواحة أي تلوح للبشر من مسيرة خمسمائة عام. وقال الحسن وابن كيسان: تلوح لهم جهنم حتى يروها عيانًا، نظيره: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِين}[الشعراء:91] وفي البشر وجهان أحدهما أنه الإنس من أهل النار، قاله الأخفش والأكثرون. والثاني: أنه جمع بشرة وهي جلدة الإنسان الظاهرة، قاله مجاهد وقتادة. وجمع البشر أبشار، وهذا على التفسير الأول، وأما على تفسير ابن عباس فلا يستقيم فيه إلا الناس لا الجلود؛ لأنه من لاح الشيء يلوح إذا لمع. "

نعم؛ لأنها تلوح لهم من مسيرة خمسمائة عام، إنما تلوح للأبصار، ما تلوح للجلود.

طالب: .............

هو ما يمنع أنها تلوح للبشر الذين هم بنو آدم؛ لأن آدم أبو البشر وفي حكمهم أيضًا من يستحق ذلك من الجن؛ لأنهم يعذبون بالنار كما يعذب الإنس، فهم مطالبون بالعبودية لله -جل وعلا-{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون}[الذاريات:56] ، فهي تلوح لهم واتضحوا لهم ويرونها من هذه المسافة المذكورة.

" قوله تعالى:{عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَر}[المدثر:30] أي على سقر تسعة عشر من الملائكة يلقون فيها أهلها ثم قيل على جملة النار: تسعة عشر من الملائكة هم خزنتها، مالك وثمانية عشر ملكًا، ويحتمل أن تكون التسعة عشر نقيبًا، ويحتمل أن تكون تسعة عشر ملكًا بأعيانهم، وعلى هذا أكثر المفسرين، قال الثعلبي: ولا يُنكر هذا، فإذا كان ملك واحد يقبض أرواح جميع الخلائق كان أحرى أن يكون تسعة عشر. "

لأنه قد يقول قائل: كيف تسعة عشر؟ هذا العدد قليل بالنسبة لجهنم التي يجاء بها تقاد بسبعين ألف زمام، لكن إذا كان ملك واحد يقبض أرواح الخلق كلهم، والله المستعان.

طالب: .............

لأنه إذا قلت: تسعة عشر متى يصلني الدور إن كان العذاب عليه تسعة عشر مثل الآن لو تتابع الناس على أمر من الأمور في أمر من أمور الدنيا قيل للناس: فتح باب قبول أو فتح باب تقديم على أعطيات أو على أراضٍ أو شيء ازدحم الناس ألوفًا مؤلفة تجعل لهم تسعة عشر موظفًا، متى يقضون؟ متى يوصلك الدور؟ لذلك تعجب الكفار من هذا العدد، لكن ما يرون أن الملك الواحد يستطيع أن يتولى تعذيبهم.

طالب: .............

{فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَة}[الحاقة:17]  نعم مثله.

" فإذا كان ملك واحد يقبض أرواح جميع الخلائق كان أحرى أن يكون تسعة عشر على عذاب بعض الخلائق، وقال ابن جريج: نعت النبي -صلى الله عليه وسلم- خزنة جهنم فقال: «فكأن أعينهم البرق وكأن أفواههم الصياصي، يجرون أشعارهم لأحدهم من القوة مثل قوة الثقلين، يسوق أحدهم الأمة وعلى رقبته جبل فيرميهم في النار، ويرمي فوقهم الجبل». قلت: وذكر ابن المبارك. "

مخرّج؟

طالب: ...............

نعم ما هو ببعيد أن يكون منها.

" قلت: وذكر ابن المبارك قال: حدثنا حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن رجل من بني تميم قال: كنا عند أبي العوّام فقرأ هذه الآية {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَر * لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَر* لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَر*عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَر}[المدثر:27-30] فقال: ما تسعة عشر: تسعة عشر ألف ملك، أو تسعة عشر ملكًا؟ قال: قلت: لا، بل تسعة عشر ملكًا فقال: وأنا تعلم ذلك؟  فقلت: لقول الله -عز وجل-:{وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا }[المدثر:31]  فقال: صدقت هم تسعة عشر ملكًا بيد كل ملك منهم مرزبّة لها شعبتان فيضرب الضربة فيهوي بها في النار سبعين ألفًا، وعن عمرو بن دينار: كل واحد منهم يدفع بالدفعة الواحدة في جهنم أكثر من ربيعة ومضر. خرّج الترمذي عن جابر بن عبد الله قال: قال ناس من اليهود لأناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل يعلم نبيكم عدد خزنة جهنم؟ قالوا: لا ندري حتى نسأل نبينا, فجاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد غُلب أصحابك اليوم؟ فقال: «وماذا غُلبوا؟» قال: سألهم يهود هل يعلم نبيكم عدد خزنة جهنم؟ قال: فماذا قالوا؟ قال: قالوا: لا ندري حتى نسأل نبينا، قال: «أفغلب قوم سئلوا عما لا يعلمون، فقالوا: لا نعلم حتى نسأل نبينا؟ لكنهم قد سألوا نبيهم فقالوا: أرنا الله جهرة، عليَّ بأعداء الله إني سائلهم عن تربة الجنة، وعن الدرمك» فقالوا: جاؤوا قالوا: يا أبا القاسم: كم عدد خزنة جهنم؟ قال هكذا وهكذا في مرة عشرة وفي مرة تسعة قالوا: فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-."

يعني نظير ما قال -عليه الصلاة والسلام- في الشهر هكذا وهكذا وهكذا مرتين على عشر أصابع، وفي الثالثة قبض الأصبع العاشر تسعة وعشرون.

" قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما تربة الجنة؟» فسكتوا هنيهة ثم قالوا: أخبزة يا أبا القاسم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الخبز من الدرمك»، قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث مجالد عن الشعبي عن جابر، وذكر ابن وهب قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد.. "

ومجالد مضعف عند أهل العلم، ماذا قال عنه؟

طالب: ...............

نعم.

طالب: ...............

إني سائل عن تربة الجنة هي الدرمك ، ماذا عندك؟

طالب: ...............

لا لا.

" وذكر ابن وهب قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خزنة جهنم: «ما بين منكبَي أحدهم كما بين المشرق والمغرب»، وقال ابن عباس: ما بين منكب الواحد منهم مسيرة سنة، وقوة الواحد منهم أن يضرب بالمقمع فيدفع بتلك الضربة سبعين ألف إنسان في قعر جهنم، قلت: والصحيح إن شاء الله أن هؤلاء التسعة عشر، وأما جملتهم فالعبارة تعجز عنها كما قال الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ}[المدثر:31] ، وقد ثبت في الصحيح عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها»، وقال ابن عباس وقتادة والضحاك: لما نزل {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَر}[المدثر:30]  قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم أمهاتكم أسْمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة جهنم تسعة عشر وأنتم الدهم -أي العدد والشجعان- فيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم؟ قال السدي فقال أبو الأسود ابن كلدة الجمحي لا يهولنكم التسعة عشر أنا أدفع بمنكبي الأيمن عشرة من الملائكة، وبمنكبي الأيسر التسعة، ثم تمرون إلى الجنة يقولها مستهزئًا. في رواية أن الحارث بن كلدة قال: أنا أكفيكم سبعة عشر، واكفوني أنتم اثنين، وقيل: إن أبا جهل قال: أفيعجز.. "

متعود هو يمكنه أنه يبرز للسبعة عشر ويهزمهم، وإلا فما الفرق بين سبعة عشر وتسعة عشر إلا إذا كان على طريق الاستهزاء، وهذا ما هو ببعيد، قال: أنا أكفيكم سبعة عشر، أنتم اكفوني الاثنين، إذا كان على سبيل الاستهزاء وإلا فالتحديد ما له وجه.

" وقيل: إن أبا جهل قال: أفيعجز كل مائة منكم أن يبطشوا بواحد منهم ثم تخرجون من النار، فنزل قوله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً}[المدثر:31]  أي لم نجعلهم رجالاً، فتتعاطون مغالبتهم}، وقيل: جعلهم ملائكة؛ لأنهم خلاف جنس المعذبين من الجن والإنس، فلا يأخذهم ما يأخذ المجانس من الرأفة والرقة، ولا يستروحون إليهم، ولأنهم.. "

يعني لا يميلون إليهم يستروحون: يميلون.

طالب: ...........

لا يستروحون إليهم يعني ما يميلون؛ لأنهم من غير جنسهم.

" ولأنهم أقوم خلق الله بحق الله وبالغضب له، فتؤمن هوادتهم، ولأنهم أشد خلق الله بأسًا وأقواهم بطشًا { وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً}[المدثر:31] أي بلية، وروي عن ابن عباس من غير وجه قال: ضلالة للذين كفروا، يريد يريد أبا جهل وذويه، وقيل: إلا عذابًا كما قال تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُون * ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ}[الذاريات:13-14]  أي جعلنا ذلك سبب كفرهم وسبب العذاب. وفي تسعة عشر سبع قراءات قراءة. "

يعني التخصيص بهذا العدد يجعل السامع يتردد ويتشكك ويتساءل ما الحكمة من هذا العدد الذي لا يؤمن بالله وبما جاء عن الله ويسلم لله في جميع ما جاء به رسوله -عليه الصلاة والسلام- لا بد أن يتساءل ما التسعة عشر مثل ما فعلوا، ثم تأتي الأجوبة فمنهم من يقول عشرة لكل واحد مائة وتسعون يكفون، ومنهم من يقول مائة ألف وتسعمائة يكفونكم وهكذا، نسأل الله العافية.

" وفي تسعة عشر سبع قراءات، قراءة العامة: تسعة عشر، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وطلحة بن سليمان: تسعة عشر.. "

تسعْة عشر.

" تسعْة عشر بإسكان العين، وعن ابن عباس بضم الهاء. "

تسعةُ وعشر.

بالواو؟

وعشر، عندك واو؟

لا، تسعة عشر.

" وعن ابن عباس تسعةُ عشر بضم الهاء، وعن أنس بن مالك تسعة وعشر، وعنه أيضًا تسعة وعشر. "

نعم، ابن عباس ما فيه واو، أنا رأيت بعدها، نعم تسعةُ عشر مع أن المعروف في اللغة أن المركب في مثل هذه الأعداد يُبنى على فتح الجزأين.

" وعنه أيضًا تسعة أعشر. "

وعشر، أو غيرها.

" وعنه أيضًا تِسْعَةُ وَعَشْرٌ. وَعَنْهُ أَيْضًا: تِسْعَةُ أَعْشُر، ذكرها المهدوي وقال: من قرأ تسعة عشر أسكن العين؛ لتوالي الحركات، ومن قرأ تسعةُ وعشر جاء به على الأصل قبل التركيب وعطف عشرًا على تسعة. "

نعم لأن أصلها أنها تسع مضموم إليها عشرة، فجاء بها على الأصل فجاء بالواو.

" وعطف عشرًا على تسعة وحذف التنوين؛ لكثرة الاستعمال، وأسكن الراء من عشر على نية السكوت عليها، ومن قرأ تسعةُ عشر فكأنه من التداخل، كأنه أراد العطف وترك التركيب، فرفع هاء التأنيث راجع البناء وأسكن. وأما تسعة أعشر فغير معروف، وقد أنكرها أبو حاتم، وكذلك تسعةُ. "

لأن تسعة أعْشر أقل من واحد، تسعة أعْشر كما أن ثلاثة الأرباع أقل من واحد.

" وكذلك تسعةُ وعشر؛ لأنها محمولة على تسعة والواو بدل من الهمزة، وليس لذلك وجه عند النحويين قال الزمخشري: وقرئ تسعة أعشر جمع عشير مثل يمين وأيمن. قوله تعالى:{لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}[المدثر:31 ] أي ليوقن الذين أعطوا التوراة والإنجيل أن عدة خزنة جهنم موافقة لما عندهم، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك ومجاهد وغيرهم، ثم يحتمل أنه يريد الذين آمنوا منهم كعبد الله بن سلام، ويحتمل أنه يريد الكل.. "

لأنه إذا جاء بما يوافق ما عندهم فلا شك أنهم يستيقنون ويصدقونه؛ لأنه جاء بما يوافق ما عندهم، يعني مثل ما جاء في صفة مريم وابنها لما قرئ من سورة مريم على النجاشي قال: والله ما زاد على ما عندنا ولا هذه، ما زاد على ما عندنا، فآمن وصدق، بخلاف ما لو جاء بما يخالف ما عندهم، ولم يأت بما يخالف ما عندهم إلا ما كان محرفًا عندهم، وإلا فالكتب متفقة في أصول الأديان، وإن كانت مختلفة في الشرائع.

" ويزداد الذين آمنوا إيمانًا بذلك؛ لأنهم كلما صدقوا بما في كتاب الله آمنوا ثم ازدادوا إيمانًا لتصديقهم بعدد خزنة جهنم {وَلاَ يَرْتَابَ}[المدثر:31] أي ولا يشك {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}[المدثر:31] أي أعطوا الكتاب {وَالْمُؤْمِنُونَ}[المدثر:31]  أي المصدقون من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- في أن عدة خزنة جهنم تسعة عشر {وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ}[المدثر:31] أي في صدورهم شك ونفاق من منافقي أهل المدينة الذين ينجمون في مستقبل الزمان بعد الهجرة، ولم يكن بمكة نفاق، وإنما نجم بالمدينة، وقيل المعنى. "

لا حاجة للنفاق إذا ظهر الكفر على الإسلام، ما يحتاجون إلى نفاق، لكن إذا ظهر الإسلام على الكفر احتاج المنافقون أن يظهروا الإسلام ويبطنوا كفرهم.

" وقيل: المعنى أي وليقول المنافقون الذين ينجمون في مستقبل الزمان بعد الهجرة {وَالْكَافِرُونَ} [المدثر: ٣١] أي من اليهود والنصارى{مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً}[المدثر:31] يعني بعدد خزنة جهنم، وقال الحسين بن الفضل: السورة مكية، ولم يكن بمكة نفاق، فالمرض في هذه الآية الخلاف، {وَالْكَافِرُونَ}[المدثر:31]  أي مشركو العرب، وعلى القول الأول أكثر المفسرين، ويجوز أن يراد بالمرض الشك والارتياب؛ لأن أهل مكة كان أكثرهم شاكين، وبعضهم قاطعين بالكذب. وقوله تعالى إخبارًا عنهم {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ}[المدثر:31] أي ما أراد بهذا العدد الذي ذكره حديثًا أي ما هذا من الحديث، قال الليث: المثل الحديث ومنه: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [محمد: ١٥]  أي حديثها والخبر عنها، {كَذَلِكَ}[المدثر:31]  أي كإضلال الله أبا جهل وأصحابه المنكرين لخزنة جهنم {يُضِلُّ اللَّهُ}[المدثر:31] أي يخزي ويعمي،{مَن يَشَاء وَيَهْدِي}[المدثر:31] أي ويرشد من يشاء كإرشاد أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- وقيل: كذلك يضل الله عن الجنة من يشاء ويهدي إليها من يشاء، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَر}[المدثر:31] أي وما يدري عدد ملائكة ربك الذين خلقهم لتعذيب أهل النار{إِلاَّ هُوَ}[المدثر:31]  أي إلا الله -جل ثناؤه-، وهذا جواب لأبي جهل حين قال: أما لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر، وعن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقسم غنائم حنين، فأتاه جبريل فجلس عنده فأتى ملك فقال: إن ربك يأمرك بكذا وكذا، فخشي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكون شيطانًا فقال: «يا جبريل أتعرفه؟» فقال: هو ملك، وما كل ملائكة ربك أعرف، وقال الأوزاعي.. "

ماذا يقول هذا عنه؟ ماذا قالوا عنه؟

طالب: ............

بلا شك واضح أنه لا أصل له، منكر، يعني يتلبس الشيطان بصورة ملك؟! مستحيل هذا جبريل جاء للنبي -عليه الصلاة والسلام- بصورة رجل، وما ظنه -عليه الصلاة والسلام- شيطانًا، فهذا الخبر لا شك أنه باطل، ما يعلم جنود ربك إلا هو إن كان سياقها في هذه القصة ودخولها في هذه القصة دخولاً أوليًّا يستدل بها على ما ذكر، لكن يبقى أن لفظها عام تستدل به إذا رأيت شيئًا لم تره قبل ذلك مما خلقه الله -جل وعلا- ودب على هذه الأرض وامتحن الله به عباده سواء كان من الحيوانات أو من السباع أو من الحشرات أو من غيرها في كل يوم يكتشف أنواعًا من المخلوقات {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ}[المدثر:31]  .

" وقال الأوزاعي: قال موسى: يا رب من في السماء؟ قال: ملائكتي، قال: كم عدتهم يا رب؟ قال: اثني عشر سبطًا، قال: كم عدة كل سبط؟ قال: عدد التراب، ذكرهما الثعلبي، وفي الترمذي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أطّت السماء وحُق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجدًا». قوله تعالى.. "

البيت المعمور يدخله في كل يوم من الملائكة سبعون ألفًا لا يعودون إليه، يعني من بداية الخلق إلى قيام الساعة كل يوم سبعون ألفًا ما يرجع واحد منهم مرة ثانية. {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ}[المدثر:31]   حديث الأطيط مضعف عند جمع من أهل العلم، ماذا قال عنه عندك؟ الترمذي.

طالب: .............

فقط؟

" قوله تعالى: {وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَر}[المدثر:31]   يعني الدلائل والحجج والقرآن، وقيل: وما هي أي وما هذه النار التي هي سقر{إِلاَّ ذِكْرَى}[المدثر:31] أي عظة للبشر أي للخلق، وقيل: نار الدنيا تذكرة لنار الآخرة، قاله الزجاج، وقيل.. "

لكن من يتذكر؟ كثير من الناس تلفحه نار الدنيا، ولا يهتم، ولا يكترث، ولا يتعظ، ولا يعتبر؛ لأن القلوب غطاها ما غطاها من الران، لا يصبر على نار الدنيا ولو شرارة، ومع ذلك من أحيا الله قلبه تذكر أناسًا يصطلون على نارهم فعندهم طفل صغير بكى قالوا: ما يبكيك؟ قال: جهنم، قالوا: أنت ما كلفت، ما عليك ذنوب، ولا جرى عليك قلم التكليف، قال: أشوفكم توقدون النار أول ما تبدؤون بالحطب الصغار، أنتم هل يمكن أن ينتبه لمثل هذا الكبار من الناس اليوم؟ ما ينتبه أحد، والله المستعان، بعض السلف أثر عنه أنه إذا قسى قلبه وضع أصبعه على النار أو على السراج أو ما أشبه ذلك؛ ليمس لفح النار فيتذكر به نار جهنم.

طالب: ............

لا لا ما هو بصحيح، حديث الأطيط عند الترمذي، لكنه ضعيف.

" وقيل: أي ما هذه العدة إلا ذكرى للبشر أي ليتذكروا ويعلموا كمال قدرة الله تعالى، وأنه لا يحتاج إلى أعوان وأنصار، فالكناية على هذا في قوله تعالى: {وَمَا هِيَ}[المدثر:31]  ترجع إلى الجنود؛ لأنه أقرب مذكور. قوله تعالى: {كَلاَّ وَالْقَمَر}[المدثر:32]  قال الفراء: كلا صلة للقسم التقدير أي والقمر، وقيل: المعنى حقًّا والقمر، فلا يوقف على هذين التقديرين على كلا، وأجاز الطبري الوقف عليها وجعلها ردًّا للذين زعموا أنهم يقاومون خزنة جهنم، أي ليس الأمر كما يقول من زعم أنه يقاوم خزنة النار، ثم أقسم على ذلك -جل وعز- بالقمر وما بعده فقال: {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَر}[المدثر:33]  أي.. "

كلا هذه من خصائص السورة المكية، ولا توجد في النصف الأول من القرآن، كذا قرره أهل العلم للتفريق بين المكي والمدني.

" وكذلك دبر، وقرأ نافع وحمزة وحفص: إذ أدبر، والباقون: إذا بألف، ودبر بغير ألف، وهما لغتان بمعنى، يقال: دبر وأدبر، وكذلك قَبِل الليل وأقبل، وقد قالوا: أمس الدابر والمدبر، وقال صخر بن عمرو بن الشِّرِّيد السلمي. "

الشَّرِيد الشَّرِيد.

الشَّرِيد؟

نعم الشَّرِيد.

" ابن الشَّرِيد السلمي:

ولقد قتلناكم ثناءً وموحدًا
 

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:ولقد قتلناكم ثناء وموحدا *وترتك مرة مثل أمس الدابر

" وترتك مرة مثل أمس الدابر
 

ويروى المدبر، وهذا قول الفراء والأخفش، وقال بعض أهل اللغة: دبر الليل إذا مضى، وأدبر أخذ في الإدبار. وقال مجاهد: سألت ابن عباس عن قوله تعالى: والليل إذا دبر، فسكت حتى إذا دبر قال: يا مجاهد هذا حين دبر الليل. وقرأ محمد بن السميقع: والليل إذا أدبر بألفين، وكذلك في مصحف عبد الله وأبيّ بألفين، وقال قطرب: من قرأ دبر فيعني أقبل من قول العرب دبر فلان إذا جاء من خلفي، قال أبو عمرو: وهي لغة قريش. وقال ابن عباس في رواية عنه: الصواب أدبر، إنما يريد ظهر البعير، واختار أبو.. "

يدبر يدبر.

الصواب أدبر..

إنما يدبر.

" إنما يدبر ظهر البعير واختار أبو عبيد إذا أدبر قال: لأنها أكثر موافقة للحروف التي تليه، ألا تراه يقول: {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَر}[المدثر:34]، فكيف يكون أحدهما إذ، والآخر إذا، وليس في القرآن قسم تعقبه إذ، وإنما يتعقبه إذا.. "

لأنه إنما يقسم على المستقبل لا على الماضي.

" ومعنى أسفر ضاء، وقراءة العامة: أسفر بالألف، وقرأ ابن السميقع: سفر، وهما لغتان يقال: سفر وجه فلان وأسفر إذا أضاء، وفي الحديث: «أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر» أي صلوا صلاة الصبح مسفرين، ويقال: طولوها إلى الإسفار، والإسفار الإنارة، وأسفر وجهه حسنًا أي أشرق، وسفرت المرأة كشفت عن وجهها فهي سافر. "

إذا أبرزت شيئًا من جسدها، فهي سافر، كما أن المسافر إذا خرج وبرز من بلده يقال سافَر.

«أسفروا بالفجر» يا شيخ الحديث «أسفروا بالفجر»..

أسفروا بالفجر.

طالب: .............

مصحح نعم..

طالب: .............

يستدل به الحنفية على تأخير صلاة الصبح مع أن الإسفار لا يعني به انتشار الصبح، وإنما ظهوره عند الجمهور.

" ويجوز أن يكون من سفر الظلام أي كنسه كما يسفر البيت أي يكنس، ومنه السفير لما سقط من ورق الشجر وتحاتّ، يقال: إنما سمّي سفيرًا؛ لأن الريح تسفره أي تكنسه، والمسفرة المكنسة. قوله تعالى.. "

والسفير الوسيط بين فئتين أو بين رجلين أو بين بلدين أو بين طائفتين، السفير يأتي بأخبار هؤلاء، ويأتي بأخبار هؤلاء؛ ليصلح بينهم أو لينقل عنهم ما يريدون يسمونه سفيرًا.

قوله تعالى..

وأبو رافع كان السفير بين النبي -عليه الصلاة والسلام- وميمونة وذويها.

" قوله تعالى: {إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَر}[المدثر:35]  جواب القسم أي إن هذه النار لإحدى الكبر أي لإحدى الدواهي، وفي تفسير مقاتل: الكبر اسم من أسماء النار، وروي عن ابن عباس إنها أي إن تكذيبهم بمحمد -صلى الله عليه وسلم- لإحدى الكبر أي لكبيرة من الكبائر، وقيل: أي إن قيام الساعة لإحدى الكبر، والكبر هي العظائم من العقوبات، قال الراجز:

يا ابن المعلا نزلت إحدى الكبر
 

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:يا ابن المعلا نزلت إحدى الكبر *داهية الدهر وصماء الغير

" داهية الدهر وصماء الغير
 

وواحدة الكبر كبرى مثل الصغرى والصغر والعظمى والعظم، وقرأ العامة: لإحدى، وهو اسم بني ابتداءً للتأنيث وليس مَبْنِيًّا على المذكر نحو عقبى وأخرى وَأَلِفُهُ أَلِفُ قَطْعٍ، لَا تَذْهَبُ فِي الْوَصْلِ. وروى جرير بن حازم عن ابن كثير: إنها لحد الكبر بحذف الهمزة. {نَذِيرًا لِّلْبَشَر}[المدثر:36]  يريد النار أي إن هذه النار الموصوفة نذيرًا للبشر فهو وصف على الحال من المضمر في إنها، قاله الزجاج، وذكّر؛ لأن معناه معنى العذاب أو أراد ذات إنذار على معنى النسب كقولهم: امرأة طالق وطاهر وقال الخليل: النذير مصدر كالنكير، ولذلك يوصف به المؤنث، وقال الحسن: والله ما أُنذر الخلائق بشيء أدهى منها، وقيل: المراد بالنذير.. "

ما أُنذر الخلائق بشيء أدهى منها يعني من النار.

" والله ما أنذر الخلائق بشيء أدهى منها، وقيل: المراد بالنذير محمد -صلى الله عليه وسلم- أي قم نذيرًا للبشر أي مخوفًا لهم، فنذيرًا حال من قم في أول السورة حين قال.. "

والمعنى لا يختلف سواء كان النذير وهو من أسمائه -عليه الصلاة والسلام- كما أن من أسمائه البشير يبشرهم برحمة الله وعفوه ومغفرته ورضوانه وجنته، كما أنه ينذرهم من غضبه وعقابه وناره.

" فنذيرًا حال من قم في أول السورة حين قال: {قُمْ فَأَنذِر}[المدثر:2] قال أبو علي الفارسي وابن زيد: وروي عن ابن عباس وأنكره الفراء، قال ابن الأنباري: وقال بعض المفسرين: معناه يا أيها المدثر قم نذيرًا للبشر، وهذا قبيح؛ لأن الكلام قد طال فيما بينهما، وقيل: هو من صفة الله تعالى، روى أبو معاوية الضرير: حدثنا إسماعيل بن سميع عن أبي رزين {نَذِيرًا لِّلْبَشَر}[المدثر:36] قال: يقول الله -عز وجل-: أنا لكم منها نذير فاتقوها، ونذيرًا على هذا نصب على الحال أي وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة منذرًا بذلك البشر، وقيل: هو حال في قوله تعالى:{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ}[المدثر:31]  وقيل: هو في موضع المصدر، كأنه قال: إنذارًا للبشر قال الفراء: يجوز أن يكون النذير بمعنى الإنذار أي أنذر إنذارًا، فهو كقوله تعالى: فكيف كان نذير أي إنذاري، فعلى هذا يكون راجعًا إلى أول السورة أي قم فأنذر أي إنذارًا، وقيل: هو منصوب.. "

يكون مصدرًا لأنذر.

طالب: .............

فكيف كان نكير.

طالب: .............

نكير، فكيف كان نكير.

فكيف كان نذير؟

طالب: .............

وصوابه نكير.

طالب: .............

فستعلمون يعني غير.. نعم وهو كقوله تعالى: فكيف كان نذير، فستعلمون نعم؛ لأن الآية: فكيف كان نكير ما لها علاقة بالموضوع.

" وقيل: هو منصوب بإضمار فعل، وقرأ ابن أبي عبلة: نذيرٌ بالرفع على إضمار هو، وقيل: أي إن القرآن نذير للبشر؛ لما تضمنه من الوعد والوعيد. قوله تعالى: {لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّر}[المدثر:37] اللام متعلقة بنذيرًا أي نذيرًا لمن شاء منكم أن يتقدم إلى الخير والطاعة أو يتأخر إلى الشر والمعصية نظيره: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ}[الحجر:24] أي في الخير{مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِين}[الحجر:24] عنه، قال الحسن: هذا وعيد وتهديد وإن خرج مخرج الخبر، كقوله تعالى: { فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ }[الكهف:29]. "

نعم هذا تهديد ووعيد، ولا يراد به ما يتبادر من اللفظ كما يستدل به بعض المفتونين في هذه الأيام، يستدل بهذه الآية أن الإنسان مخير، إن أراد أن يسلم أو إن أراد أن يكفر إن أراد أن يتهود ويتنصر، لا إكراه في الدين، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ويجيزون له ذلك، ويبطلون بذلك حد الردة، وصرَّحوا بذلك في وسائلهم، نسأل الله العافية.

" وقال بعض أهل التأويل: معنى لمن شاء الله أن يتقدم أو يتأخر، فالمشيئة متصلة بالله -جل ثناؤه-، والتقديم الإيمان والتأخير الكفر، وكان ابن عباس يقول: هذا تهديد وإعلام أن من تقدم إلى الطاعة والإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم- جُوزي بثواب لا ينقطع، ومن تأخر عن الطاعة وكذب محمدًا -صلى الله عليه وسلم- عُوقب عقابًا لا ينقطع. وقال السدي: لمن شاء منكم أن يتقدم إلى النار المتقدم ذكرها أو يتأخر عنها إلى الجنة. قوله تعالى.. "

نقف على هذا يا شيخ.. كم باقي يا أبا عبد الله؟ أقل من نصف.. نأخذ قليلاً أم نكمل؟ كمّل كمّل قليلاً.

" قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة}[المدثر:38]  أي مرتهنة بكسبها مأخوذة بعملها إما خلصها وإما أوبقها، وليست رهينة تأنيث رهين في قوله تعالى:{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِين}[الطور:21] لتأنيث النفس؛ لأنه لو قصدت الصفة لقيل: رهين؛ لأن فعيلاً بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، وإنما.. "

{إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ}[الأعراف:56]  ما قال قريبة قريب.

" وإنما هو اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم، كأنه قال: كل نفس بما كسبت رهين، ومنه بيت الحماسة:

أبعد الذي بالنعف نعف كويكب
 

 

 XE "08-فهرس القصائد العامة:أبعد الذي بالنعف نعف كويكب *رهينة رمس ذي تراب وجندل

" رهينة رمس ذي تراب وجندل
 

كأنه قال: رهن رمس، والمعنى كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك {إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِين}[المدثر:39]. "

المرتهن، وكل غلام مرتهن بعقيقته يعني مرهون بها.

(إلا أصحاب...)

كما يرهن العين، ترهن العين عند الدائن؛ ليستوفي من قيمتها ما يفك صاحب الدين دينه إلا برهن، ولا ينتهي انفكاكه إلا باستيفاء هذا الدين من قيمة الرهن.

" {إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِين}[المدثر:39] فإنهم لا يرتهنون بذنوبهم، واختلف في تعيينهم فقال ابن عباس: الملائكة، وقال علي بن أبي طالب: أولاد المسلمين لم يكتسبوا فيرتهنوا بكسبهم، وقال الضحاك: الذين سبقت لهم من الله الحسنى، ونحوه عن ابن جريج قال: كل نفس بعملها محاسَبة إلا أصحاب اليمين، وهم أهل الجنة فإنهم لا يحاسبون، وكذا قال مقاتل أيضًا: هم أصحاب الجنة الذين كانوا عن يمين آدم يوم الميثاق، حين قال الله لهم: هؤلاء في الجنة ولا أبالي. وقال الحسن وابن كيسان: هم المسلمون المخلصون ليسوا بمرتهنين؛ لأنهم أدوا ما كان عليهم. وعن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: هم المسلمون، وقيل: إلا أصحاب الحق وأهل الإيمان، وقيل: هم الذين يُعطَون كتبهم بأيمانهم. وقال أبو جعفر الباقر: ونحن وشيعتنا أصحاب اليمين، وكل من أبغضنا أهل البيت فهم المرتهنون. وقال الحكم: هم الذين اختارهم الله لخدمته، فلم يدخلوا في الرهن؛ لأنهم خدام.. "

ما يذكر هذا عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين: نحن وشيعتنا أصحاب اليمين وكل من أبغضنا أهل البيت فهم المرتهنون لا شك أنهم الباقر والصادق ومن فوقهما من أهل البيت على الحق وعلى الخير وأهل صدق، لكن من جاءهم من شيعتهم ومن تبعهم وتشيع لهم على الباطل، نسأل الله العافية، ونسب إليهم ما لا يليق بهم، هؤلاء لا شك أنهم ليسوا ممن يدخل في هذا الكلام إن ثبت عن الباقر، وأما من يبغض أهل البيت فلا شك أنه على باطل، وأنه ليس من أهل اليمين إذا كان يبغضهم ويعرف أنهم على الحق، وأنهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى:23]  إذا كان يبغض؛ لأنهم أهل بيته -عليه الصلاة والسلام-، وأن منهم من على الحق، أما من على الباطل فأبو لهب من أقرب الناس إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو عمه يصلى نارًا ذات لهب، ويبغَض في الله، ولا يدخل في مثل هذا الكلام إلا من كان على الحق.

" لأنهم خدام الله وصفوته وكسبهم لم يضرهم، وقال القاسم: كل نفس مأخوذة بكسبها من خير أو شر إلا من اعتمد على الفضل والرحمة دون الكسب والخدمة، فكل من اعتمد على الكسب فهو مرهون، وكل من اعتمد على الفضل فهو غير مأخوذ به.{فِي جَنَّاتٍ}[المدثر:40]  أي في بساتين {يَتَسَاءلُون}[المدثر:40]  أي يُسألون عن المجرمين أي المشركين: ما سلككم؟ أي أدخلكم في سقر كما تقول: سلكت الخيط في كذا أي أدخلته فيه، قال الكلبي: فيسأل الرجلُ من أهل الجنة الرجلَ من أهل النار باسمه فيقول له: يا فلان، وفي قراءة عبد الله بن الزبير: يا فلان: ما سلكك في سقر، وعنه قال: قرأ عمر بن الخطاب: يا فلان ما سلككم في سقر، وهي قراءة على التفسير لا أنها قرآن كما زعم من طعن في القرآن، قاله أبو بكر بن الأنباري، وقال إن المؤمنين يسألون الملائكة عن أقربائهم، فتسأل الملائكةُ المشركين فيقولن لهم: ما سلككم في سقر قال الفراء: في هذا ما يقوي أن أصحاب اليمين الولدان؛ لأنهم لا يعرفون الذنوب قالوا يعني أهل النار {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين}[المدثر:43]  أي المؤمنين الذين يصلون، {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِين}[المدثر:44]  أي لم نك نتصدق، {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِين}[المدثر:45]  أي كنا نخالط أهل الباطل في باطلهم، وقال ابن زيد: نخوض مع الخائضين في أمر محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو قولهم -لعنهم الله-: كاهن مجنون شاعر ساحر.. "

وهذه الآية من أدلة الجمهور على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، قالوا: {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين}[المدثر:43] أول ما ذكروا فرعًا من الفروع الصلاة والزكاة، ثم ذكروا بعض المعاصي، ثم ختموها بالتكذيب، نسأل الله العافية.

" وقال السدي: أي وكنا نكذب مع المكذبين، وقال قتادة: كلما غوى غاوٍ غوينا معه، وقيل: معناه وكنا أتباعًا ولم نكن متبوعين، {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّين}[المدثر:46] أي لم نك نصدق بيوم القيامة يوم الجزاء والحكم. قوله تعالى: {حَتَّى أَتَانَا الْيَقِين}[المدثر:47]  أي جاءنا ونزل بنا الموت، ومنه قوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين}[الحجر:99]. قوله تعالى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِين}[المدثر:48]  هذا دليل على صحة الشفاعة للمذنبين، وذلك أن قومًا من أهل التوحيد عُذِّبوا بذنوبهم، ثم شفع فيهم فرحمهم الله بتوحيدهم والشفاعة، فأخرجوا من النار وليس للكفار شفيع يشفع فيهم، وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: يشفع نبيكم -صلى الله عليه وسلم- رابع أربعة جبريل ثم إبراهيم ثم موسى أو عيسى ثم نبيكم -صلى الله عليه وسلم- ثم الملائكة ثم النبيون ثم الصديقون ثم الشهداء، ويبقى قوم في جهنم فيقال لهم: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَر}[المدثر:42] إلى قوله: { قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِين إلى قوله فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِين }[المدثر:48]  قال عبد الله بن مسعود: فهؤلاء هم الذين يبقون في جهنم، وقد ذكرنا إسناده في كتاب التذكرة. "

اللهم صل على محمد...