التعليق على تفسير القرطبي - سورة النبأ (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، قال الإمام القرطبي- رحمه الله تعالى-:

سور عمّ مكية، وتسمى سورة النبأ، وهي أربعون أو إحدى وأربعون آية، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، قوله تعالى.. "

أربعون أو إحدى وأربعون تبعًا للخلاف في عد البسملة: هل هي آية أو ليست بآية.

" قوله تعالى:                         النبأ: ١ - ٥  قوله تعالى:   النبأ: ١  عَمَّ لفظ استفهام، ولذلك سقطت منها ألف (ما)؛ ليتميز الخبر عن الاستفهام. وكذلك (فيم، ومم) إذا استفهمت، والمعنى. "

وهذا هو الأفصح، ووجدت الألف مثبتة في كلام بعض العرب، لكنه ليس بفصيح.

طالب: ...........

على كل حال هذا هو سبب الخلاف في العدد؛ لئلا يظن أنه سقط منها شيء.

" والمعنى عن أي شي يسأل بعضهم بعضًا. قال الزجاج: أصل عم عن ما، فأدغمت النون في الميم؛ لأنها تشاركها في الغنة. والضمير في يتساءلون لقريش. وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: كانت قريش تنزل. "

هذا الاستفهام الذي هو عبارة عن وما أدغمت النون في الميم، وأصل ما أي شيء، فالأصل عن أي شيء يتساءلون؟ فيؤتى بما كناية عن الشيء المسؤول عنه.

" قال: كانت قريش. "

وإلا فأصل السؤال يكون أي شيء كذا؟ ثم وُجد في كلام المتقدمين التعبير عن أي شيء بأيش، أيش كذا؟ هذا معروف في سؤالات أحمد أو غيره موجود.

" قال: كانت قريش تجلس لما نزل القرآن فتتحدث فيما بينها، فمنهم المصدِّق، ومنهم المكذب به، فنزلت   النبأ: ١،  وقيل: عم بمعنى: فيم يتشدد المشركون ويختصمون. قوله تعالى:      النبأ: ٢  أي يتساءلون عن النبإ العظيم، فعن ليس تتعلق بيتساءلون الذي في التلاوة؛ لأنه كان يلزم دخول حرف الاستفها، فيكون عن النبإ العظيم كقولك: كم مالك أثلاثون أم أربعون؟ فوجب لما ذكرناه من امتناع تعلقه بيتساءلون الذي في التلاوة، وإنما يتعلق بيتساءلون آخر مضمر، وحسن ذلك؛ لتقدم يتساءلون. "

هذا واضح أن الجار والمجرور عن النبأ لا يتعلق بيتساءلون الأولى المذكورة، وإنما متعلقة بيتساءلون محذوفة؛ لأنه لو كانت متعلقة بيتساءلون لكانت في ضمن السؤال، فالجواب مدرج في ضمن السؤال        النبأ: ١ - ٢  جوابه أيش؟ لو قلنا: إن عن النبأ العظيم متعلق بيتساءلون.

طالب: ............

يكون الجواب مقدرًا، يكون قوله:      النبأ: ٢ ليس بجواب لقلنا: إنه متعلق بيتساءلون المذكورة، لكن السؤال معاد في الجواب حكمًا لما قال:   النبأ: ١  هذا السؤال، الجواب يتساءلون عن النبأ العظيم، فالسؤال معاد في الجواب حكمًا، ولا يمكن أن يتعلق الجواب بالسؤال نفسه؛ لأنه يتطلب جوابًا آخر كما هنا، هذا ظاهر لمن تأمل        النبأ: ١ - ٢  هذا السؤال؟ أو   النبأ: ١  هذا هو السؤال؟ والجواب      النبأ: ٢، والتقدير: يتساءلون عن النبأ العظيم.

وحسن ذلك؛ لتقدم يتساءلون، قاله المهدوي.

يعني متعلق بمحذوف يفسره المذكور.

" وذكر بعض أهل العلم أن الاستفهام في قوله: عن مكرر إلا أنه مضمر، كأنه قال: عم يتساءلون، أعن النبإ العظيم؟ فعلى هذا يكون متصلاً بالآية الأولى، والنبأ العظيم أي الخبر الكبير.. "

عم يستاءلون، أعن النبأ العظيم يتجه مثل هذا؟ لأن هذا يقتضي تردد أعن النبأ العظيم أو عن غيره السؤال الثاني أعن النبأ العظيم يكفي هذا؟ ما يكفي، إنما يقتضي ترددًا تتمته أم عن غيره، لكن هذا لا وجه له، النبأ العظيم أي الخبر، النبأ: الخبر، وهل هو مرادف له أو أن الخبر أعم؟ فيشمل كل ما يُخبر عنه، عظُم شأنه أو صغر، والنبأ يختص بالعظيم الظاهر، ظاهر السياق الترادف؛ لأنه لو لم يكونا مترادفين، واختص النبأ بالعظيم لما احتاج إلى وصف.

"   النبأ: ٣  أي يخالف فيه بعضهم بعضًا، فيصدق واحد، ويكذب آخر، فروى أبو صالح، عن ابن عباس قال: هو القرآن، دليله قوله: ﭿ ص: ٦٧ - ٦٨ ، فالقرآن نبأ وخبر وقصص، وهو نبأ عظيم الشأن. وروى سعيد عن قتادة قال: هو البعث بعد الموت صار الناس فيه رجلين مصدق ومكذب، وقيل: أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروى الضحاك عن ابن عباس قال: وذلك أن اليهود سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أشياء كثيرة، فأخبره الله- جل ثناؤه- باختلافهم، ثم هددهم فقال:        النبأ: ٤  أي سيعلمون عاقبة القرآن، أو سيعلمون البعث أحق هو أم باطل، وكلا رد. "

أو سيعلمون حقيقة ما سألوا عنه عن حقيقة ما تساءلوا عنه هم مترددون فيه ثم سيعلمون إذا ينكشف الغطاء.

" وكلا رد عليهم في إنكارهم البعث أو تكذيبهم القرآن، فيوقف عليها، ويجوز أن يكون بمعنى حقًّا أو ألا فيبدأ بها، والأظهر أن سؤالهم إنما كان عن البعث، قال بعض علمائنا: والذي يدل عليه قوله عز وجل:     النبأ: ١٧  يدل على أنهم كانوا يتساءلون عن البعث،         النبأ: ٥  أي حقًّا ليعلمن صدق ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- من القرآن، ومما ذكره لهم من البعث بعد الموت، وقال الضحاك: كلا سيعلمون يعني الكافرين عاقبة تكذيبهم، ثم كلا سيعلمون يعني المؤمنين عاقبة تصديقهم، وقيل: بالعكس أيضًا، وقال الحسن: هو وعيد بعد وعيد، وقراءة العامة فيهما بالياء على الخبر؛ لقوله تعالى.. "

لا شك أن التكرير يدل على التهويل والتعظيم من شأنه، كما جاء في الحاقة والقارعة، القيامة: ٣٤  كل ما كرر يدل على تعظيم الشيء.

وقراءة العامة فيهما بالياء على الخبر؛ لقوله تعالى:   النبأ: ١ . وقوله:   النبأ: ٣ ، وقرأ الحسن وأبو العالية ومالك بن دينار بالتاء فيهما، قوله تعالى...

طالب: ...........

إذا قيل: ستعلمون على قراءة الحسن وأبي العالية ومالك بن دينار يتجه، وعلى قراءة يتساءلون قراءة العامة لا.

" قوله تعالى:       النبأ: ٦  دلهم على قدرته على البعث، أي قدرتنا على إيجاد هذه الأمور أعظم من قدرتنا على الإعادة، والمهاد: الوطاء والفراش، وقد قال تعالى:   البقرة: ٢٢ ، وقُرأ مهدًا، ومعناه أنها لهم كالمهد للصبي. "

لملازمتهم للأرض صارت كالمهاد لهم شبيه ملازمة الرضيع للمهاد أو للمهد.

" ومعناه أنها لهم كالمهد للصبي، وهو ما يمهد له فينوّم عليه. النبأ: ٧  أي لتسكن ولا تتكفأ ولا تميل بأهلها. "

نعم، والجبال أرساها، هذه الجبال رواسي للأرض؛ لئلا تميد بهم، وهل على الأرض وسكانها من خطر جراء إزالة هذه الجبال؟ يعني نشوف المشاريع تقوم على إزالة الجبال.

طالب: ............

المقصود أنها الجبال أرساها، هذه الجبال الظاهرة هي التي نحن مكلفون بالاعتبار بها والنظر إليها.

طالب: ............

المقصود أن هل على الأرض وسكانها من خطر في إزالة هذه الجبال التي هي أوتاد ورواسي أم لا؟ هم يقولون أنهم يضعون مكانها هذه الشواهق من العمائر في مكانها، لكن لا نسبة بين الجبل والعمارة، العمارة جوفاء، والجبل أصم فرق.

طالب: .........

نعم، ما يحتاج؛ لأنها جوفاء من حيث الوزن، ما تجي ولا واحد بالمائة، على كل حال هذه يخشى منها، والله غالب على أمره.

طالب: ...........

أنزل جميع الوتد الذي على الجدار، إذا زال جميع الوتد الذي على الجدار البارز منه، فماذا يبقى له؟

طالب: ..........

ما مسك، لو أزلت رأسه ما مسك، لا، التنظير ما هو مطابق.

طالب: ..........

على كل حال الإشكال باقٍ بل ومخيف.

" النبأ: ٨  أي أصنافًا ذكرًا وأنثى، وقيل: ألوانًا، وقيل: يدخل في هذا كل زوج من قبيح وحسن وطويل وقصير؛ لتختلف الأحوال، فيقع الاعتبار، فيشكر الفاضل، ويصبر المفضول. النبأ: ٩. "

وإذا حصل الشكر للمنعم عليه، والصبر لغيره حصل الخير للجميع.

" النبأ: ٩  جعلنا معناه صيّرنا، ولذلك تعدت إلى مفعولين النبأ: ٩  المفعول الثاني أي راحة لأبدانكم، ومنه يوم السبت أي يوم الراحة، أي قيل: لبني إسرائيل استريحوا في هذا اليوم فلا تعملوا فيه شيئًا، وأنكر ابن الأنباري هذا وقال: لا يقال للراحة سبات، وقيل: أصله. "

السبات هو النوم، النوم العميق يقال له السبات، ومن لازمه الراحة، لكن ليس هو الراحة نفسها.

" وقيل: أصله التمدد، يقال: سبت المرأة شعر.. "

سبتت.

" يقال: سبتت المرأة شعرها إذا حلته وأرسلته، فالسبات كالمد، ورجل مسبوت الخلق أي ممدود، وإذا أراد الرجل أن يستريح تمدد، فسميت الراحة سبتًا. "

ومنه النعال السبتية التي عليها شعر.

" وقيل: أصله القطع يقال: سبت شعره سبتًا: حلقه، وكأن. "

وجاء في وصف الخوارج أن من علاماتهم التسبيت، وهو حلق الشعر، في بعض الروايات التسبيد بالدال، والمعنى واحد.

" وكأنه إذا نام انقطع عن الناس وعن الأشغال، فالسبات يشبه الموت إلا أنه لم تفارقه الروح، ويقال: سيرٌ سبت أي سهل ليّن، قال الشاعر:

ومطوية الأقرابِ أما نهارُها    

 

فسبتٌ وأما ليلُها فذَميل     

النبأ: ١٠. "

الذَّميل ضرب من أضرب السير.

طالب: .........

ماذا فيه؟

طالب: ..........

السبت، إذا نظرنا إلى ما جاء في الشعر فهو حلقه، والسبات لا شك أن له ارتباطًا بالنوم، لكنه النوم العميق منه، والنعاس لا يقال له: سبات.

طالب: ..........

لا شك أن الشعر له مؤونة، وله كلفة، وله مشقة وعناء، فحلقه فيه راحة، لكن يبقى أن أصل المادة فيها نوع قطع، وأيضًا السبات الذي هو النوم فيه قطع للمشاغل والهواجس والأفكار، قطع لجميع أمور الدنيا، فهو شبيه بالموت، وهو نوع منه.

طالب: ..........

كلامهم على أنه من الراحة، وأن بني إسرائيل أمروا بأن يرتاحوا.

"   النبأ: ١٠  أي تلبسكم ظلمته وتغشاكم، قاله الطبري، وقال ابن جبير والسدي: أي سكنًا لكم. "

الليل شبيه باللباس؛ لأنه يغطي العورات، لو يمشي الإنسان عريانًا في الليل ما بانت عورته، كأنه قد لبس ما يواري سوأته.

"     النبأ: ١١  في إضمار أي وقت معاش أي متصرفًا لطلب المعاش، وهو كل ما يعاش به من المطعم والمشرب وغير ذلك، فمعاشًا على هذا اسم زمان ليكون الثاني هو الأول، ويجوز أن يكون مصدرًا بمعنى العيش على تقدير حذف المضاف. ﭿ النبأ: ١٢  أي سبع سموات محكمات أي محكمة الخلق وثيقة البنيان. النبأ: ١٣  أي وقادًا، وهي الشمس، وجعل هنا بمعنى خلق؛ لأنها تعدت لمفعول واحد. "

لا بمعنى صيّر، ولو كانت بمعنى صيّر لتعدت إلى مفعولين كالسابق.

"والوهّاج الذي له وهج يقال: وهج يهج وهْجًا ووهَجًا ووهجانًا، ويقال للجوهر إذا تلألأ: توهج، وقال ابن عباس: وهاجًا منيرًا متلألئا. النبأ: ١٤  قال مجاهد وقتادة: والمعصرات الرياح، وقاله ابن عباس، كأنها تعصر السحاب، وعن ابن عباس أيضًا أنها السحاب، وقال سفيان والربيع وأبو العالية والضحاك: أي السحائب التي تنعصر بالماء ولما تمطر بعد كالمرأة المعصر التي قد دنا حيضها ولم تحض، قال أبو النجم:

تمشي الهوينا مائلاً خمارها       

 

قد أعصرت أو قد دنا إعصارها     

وقال آخر:

فكان..

مجني.

فكان مجني دون من أتقي     .

 

ثلاث شخوص كاعبان ومعصر      

معصرُ.

...............................            .

 

.............. كاعبان ومعصرُ    .

وقال آخر:

وذي أشر كالأقحوان ...........    .

 

...................................."          .

يعني يلتقي بهؤلاء البنات الثلاث؛ لأن النساء في الغالب لا يقتلن فيجعلهن كالدرع له، والآن الدروس البشرية تستعمل.

" وقال آخر:

وذي أشر. "

أيضًا البنات جاء فيهن أنهن دروع من النار، يقين من أحسن إليهن وأحسن تربيتهن.

" وقال آخر:

وذي أشر كالأقحوان يزينه    

 

ذهاب الصبا والمعصرات الروائح   

فالرياح تسمى معصرات يقال: أعصرت الريح تعصر إعصارًا إذا أثارت العجاج، وهي الإعصار، والسحب أيضًا تسمى المعصرات؛ لأنها تمطر وقال قتادة. "

كأن الماء يعتصر منها فينزل.

" وقال قتادة أيضًا: المعصرات السماء، وقال النحاس: هذه الأقوال صحاح، يقال للرياح التي تأتي بالمطر: معصرات، والرياح تلقح السحاب فيكون المطر، والمطر ينزل من الريح على هذا، ويجوز أن تكون الأقوال واحدة، ويكون المعنى: وأنزلنا من ذوات الرياح المعصرات ماءً ثجاجًا، وأصح الأقوال أن المعصرات السحاب، كذا المعروف أن الغيث منها، ولو كان بالمعصرات لكان الريح أولى، وفي الصحاح: والمعصرات السحائب تعتصر بالمطر، وأعصر القوم أي أمطروا، ومنه قرأ بعضهم: وفيه يُعصرون، والعصر والمعصر: الجارية أول ما أدركت وحاضت يقال: قد أعصرت، كأنها دخلت عصر شبابها أو بلغته، قال الراجز:

جارية بسفوان دارها            .

 

تمشي الهوينا ساقطًا خمارها          .

 

قد أعصرت أو قد دنا إعصارها        .

 

     

والجمع معاصر، ويقال: هي التي قاربت الحيض؛ لأن الإعصار في الجارية كالمراهقة في الغلام، سمعته من أبي الغوث الأعرابي، قال غيره: والمعصر السحابة التي حان لها أن تمطر، يقال: أجن الزرع فهو مُجِن أي صار إلى أن يجن، وكذلك السحاب إذا صار إلى أن يمطر فقد أعصر، وقال المبرِّد: يقال.. "

جن الزرع فهو مُجِن أي صار إلى أن يجن، يعني يستر صاحبه ويغطيه.

" وقال المبرد: يقال سحاب معصر أي ممسك للماء، ويعتصر منه شيء بعد شيء، ومنه العصَر بالتحريك للملجأ الذي يُلجأ إليه، والعُصْرة بالضم أيضًا: الملجأ، وقد مضى هذا المعنى في سورة يوسف، والحمد لله، وقال أبو زبيد:

صاديًا يستغيث غير مغاث     .

 

ولقد كان عَصرة ........          .

عُصرة، ولقد كانت عُصرة.

..............................            .

 

ولقد كان عُصرة المتجوِّد          .

المَنْجُوْدِ.

..............................            .

 

ولقد كان عُصرة المَنْجُوْد          .

ومنه المعصر للجارية التي قد قربت من البلوغ يقال لها: معصر؛ لأنها تحبس في البيت يكون لها عصَرًا، وفي قراءة ابن عباس وعكرمة: وأنزلنا بالمعصرات، والذي في المصاحف: النبأ: ١٤  قال أبي بن كعب والحسن وابن جبير وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيّان: النبأ: ١٤  أي من السموات. النبأ: ١٤  صبابًا متتابعًا، عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما يقال: ثججت دمه، فأنا أثجه ثجًّ،ا وقد ثج الدم يثج ثجوجًا، وكذلك الماء فهو لازم ومتعدٍّ، والثجاج في الآية المنصبّ، وقال الزجاج: أي الصباب، وهو متعدٍّ كأنه يثج نفسه أي يصب، وقال عبيد بن الأبرص: فثج أعلى ثم أرتج."

أعلاه.

فثج أعلاه ثم ارتج.

ثم ارتج.

"فثج أعلاه ثم ارتج أسفله          

 

وضاق ذرعًا بحمل الماء منصاح    

وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن الحج المبرور فقال: «العج والثج»، فالعج: رفع الصوت بالتلبية، والثج: إراقة الدماء وذبح الهدايا، وقال ابن زيد: ثجاجًا كثيرًا، والمعنى واحد. قوله تعالى:   النبأ: ١٥  أي بذلك الماء. النبأ: ١٥  كالحنطة والشعير وغير ذلك. النبأ: ١٥  من الأب، وهو ما تأكله من الدواب من الحشيش. النبأ: ١٦  أي بساتين. النبأ: ١٦  أي ملتفة بعضها ببعض؛ لتشعب أغصانها، ولا واحد له كالأوزاع والأخياف، وقيل: واحد الألفاف لِف بالكسر ولُف بالضم، ذكره الكسائي قال:

جنةُ لُفٍّ وعيش مغدق            .

 

.................................          .

جنةٌ لُفٌّ؟

جنةٌ لُفٌّ وعيش مغدق            .

 

وندامى كلهم بيض زهر            .

وعنه أيضًا وأبي عبيدة: لفيف كشريف وأشراف، وقيل: هو جمع الجمع، حكاه الكسائي، يقال: جنة لفاء، ونبْت لِف، والجمع لُف بضم بضم اللام مثل حمر، ثم يُجمع اللف ألفافًا، قال الزمخشري: ولو قيل: جمع ملتفة بتقدير حذف الزوائد لكان وجيهًا، ويقال: شجرة لفّاء، وشجر لُف، وامرأة لفّاء أي غليظة الساق مجتمعة اللحم، وقيل: التقدير: ونخرج به جنات ألفافًا، فحُذف؛ لدلالة الكلام عليه، ثم هذا الالتفاف والانضمام معناه أن الأشجار في البساتين تكون متقاربة، فالأغصان من كل شجرة متقاربة لقوّتها."

حتى إنها لتقاربها كأن بعضها يلتف على بعض.

" قوله تعالى:     النبأ: ١٧  أي وقتًا ومجمعًا وميعادًا للأولين والآخرين، لما وعد الله من الجزاء والثواب، وسمي يوم الفصل؛ لأن الله تعالى يفصل فيه بين خلقه. قوله تعالى:   النبأ: ١٨  أي للبعث. النبأ: ١٨  أي إلى موضع العرض. النبأ: ١٨  أي أممًا، كل أمة مع إمامهم، وقيل: زمَرًا وجماعات، الواحد فوج، ونصب يومًا بدلاً من اليوم الأول، وروي من حديث معاذ بن جبل قلت: يا رسول الله، أرأيت قول الله تعالى:   النبأ: ١٨  فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- «يا معاذ بن جبل، لقد سألت عن أمر عظيم»."

«يا معاذُ ابن..».

«يا معاذُ بن جبل، لقد سألت»

لأنه منادى مفرد، فيبنى على الضم، وإن كان محله النصب، ولذا نصب تابعه.

"«يا معاذُ بن جبل، لقد سألت عن أمر عظيم»، ثم أرسل عينيه باكيًا ثم قال: «يحشر عشرة أصناف من أمتي أشتاتًا قد ميَّزهم الله تعالى من جماعات المسلمين وبدل صورهم، فمنهم على صورة القردة، وبعضهم على صورة الخنازير، وبعضهم منكسون أرجلهم أعلاهم ووجوههم يُسحبون عليها، وبعضهم عمي يترددون، وبعضهم صم بكم لا يعقلون، وبعضهم يمضغون ألسنتهم فهي مدلاة على صدورهم يسيل القيح من أفواههم لعابًا يتقذرهم أهل الجمع، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلوبون على جذوع من النار، وبعضهم أشد نتنًا من الجِيَف، وبعضهم ملبسون جلابيب سابغة من القطران لاصقة بجلودهم، فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس- يعني النمام-، وأما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت والحرام والمَكس، وأما المنكسون رؤوسهم ووجوههم فأكلة الربا، والعمي من يجور في الحكم، والصم البكم الذين يُعجبون بأعمالهم، والذين يمضغون ألسنتهم فالعلماء والقُصَّاص الذين يخالف قولهم فعلهم، والمقطعة أيديهم وأرجلهم فالذين يؤذون الجيران، والمصلَّبون على جذوع النار فالسعاة بالناس إلى السلطان، والذين هم أشد نتنًا من الجيف فالذين يتمتعون بالشهوات واللذات، ويمنعون حق الله من أموالهم، والذين يلبسون الجلابيب فأهل الكبر والفخر والخيلاء»."

تخريجه مخرّج؟

طالب: ضعيف جدًّا...

يكفي أنه قال: ضعيف؟

طالب: ..............

كيف يقول ضعيف؟ ما يكفي، الخبر ليس بصحيح، لا أصل له.

" قوله تعالى: النبأ: ١٩  أي لنزول الملائكة، كما قال تعالى:          الفرقان: ٢٥ ، وقيل: تقطعت فكانت قطعًا كالأبواب، فانتصاب الأبواب على هذا التأويل بحذف الكاف، وقيل: التقدير فكانت ذات أبواب؛ لأنها تصير كلها أبوابًا، وقيل: أبوابها طرقها، وقيل. "

ذات أبواب، تقدير من أجل ألا يقال: فُتحت السماء فكانت أبوابًا كلها، أبواب لأي شيء؟ إذا كانت السماء كلها أبوابًا، أبواب لأي شيء؟ إذا قيل ذات أبواب، فالأصل أنها مغلقة، ولها أبواب تفتح، وإذا كانت كلها أبوابًا، فما الفائدة من وجودها؟ احتيج إلى مثل هذا التقدير، وقيل: التقدير فكانت ذات أبواب؛ لأنها على مقتضى اللفظ تصير كلها أبوابًا.

" وقيل: إن لكل عبد بابين في السماء بابًا لعمله وبابًا لرزقه، فإذا قامت القيامة انفتحت الأبواب، وفي حديث الإسراء: «ثم عرج بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال جبريل: قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بُعث إليه، ففتح لنا». النبأ: ٢٠  أي لا شيء، كما أن السراب كذلك ويظنه الرائي ماءً وليس بماء، وقيل: سيرت نسفت من أصولها، وقيل: أزيلت عن مواضعها. "

ما جاء في حديث الإسراء كون جبريل يستفتح ويقال له: من معك هذا؟ في الصحيح، وسيرت الجبال فكانت سرابًا، هذا معروف أنه بعد قيام الساعة أي لا شيء، كما أن السراب كذلك يظنه الرائي ماءً وليس بماء، هذه جبال في ذلك الوقت تمر مر السحاب خلافًا لمن يستدل بهذا على دوران الأرض، ما أدري كيف يفهمون مثل هذا الفهم، وحتى على القول بدوران الأرض، وعلى تصوّر هذا القول يمكن أن تمر الجبال مر السحاب دون الأرض؟! ترى الجبال تحسبها... وهي تمر مر السحاب.

طالب: ..............

السياق كله يدل على أنها في الآخرة، ما هو في الدنيا، لكن حتى على سبيل التنزل خلها في الدنيا، هل الجبال تمر مر السحاب، والأرض ثابتة أم تمشي معها؟ إذا كانت تمشي معها فهي ما تمر.

طالب: ..............

إذا كانت تمر مع الأرض فهي ثابتة على الأرض، فالأرض التي تدور على حد زعمهم، أما كون الجبال تمر مر السحاب وأنت جالس في الأرض، وأنت تنظر الجبال تمر مر السحاب، هذا يقوله عاقل؟! ممكن يُتصور مثل هذا؟ مقتضى هذا أنها تمر مر السحاب بمفردها يعني منفصلة عن الأرض               ﰇﰈ النمل: ٨٨  الكلام كله عن الجبال، ما هو عن الأرض، ومقتضى قولهم: إن الأرض ثابتة، والذي يمر مر السحاب هو الجبال، هذا على سبيل التنزل لقولهم، وإلا فالسياق كله يدل على أن هذا بعد قيام الساعة.

طالب: ..............

طيّب.

طالب: ..............

يعني كونها كرويّة، وأنه يمكن أن يدار عليها لا يعني أنها هي تدور.

طالب: ..............

الإشكال أنه لا يمكن انفكاك سير الأرض عن سير الجبال، والآية:           ﰇﰈ النمل: ٨٨  يدل على أنها بمفردها تمر مر السحاب دون الأرض، وإلا ما كان الدوران للجبال مرور السحاب للجبال أبدًا، متى يقال: مرّ الشيء؟ إذا مر بمفرده انفصل عن غيره، نعم، يمشي فوق شيء ثابت يمر عليه.

طالب: ..............

أنا أقول حتى على سبيل التنزل أنه في الدنيا، هل يتصور أن الجبال تمر مر السحاب بمفردها   النمل: ٨٨ ، أنت جالس في برية وأمامك جبل أنت جالس على الأرض، أنت تحسب هذا الجبل جامدًا، وهو يمر مر السحاب، ما مقتضى مر السحاب؟ أنه الآن أمامك، بعد قليل يصير عن يمينك، يمر مر السحاب، هذا مقتضى اللفظ، هم ما يقولون بهذا، يجعلونه مع الأرض أنت تمر مر السحاب مع الجبل، إذا قلنا بأن الكلام منصب على ما يتصورونه في الدنيا.

طالب: ..............

أنت ترى الجبال.. تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب، يعني حقيقة، يعني خيالك أنها جامدة لكن حقيقتها أنها تمشي، تسير، تمر مر السحاب، هل تعدت مكانها؟ ما تعدت مكانها هذا في الدنيا، أما في الآخرة، فكما قال الله- جل وعلا- تسيّر وتمر مر السحاب، هذا لا إشكال فيه في الآخرة، وحينئذٍ تنفصل عن الأرض.

طالب: ..............

لأنه لو لم تنفصل عن الأرض صار الذي يسيِّر والذي يمر مر السحاب هو الأرض.

طالب: ..............

نعم، ماذا بعد؟!

طالب: ..............

ما يخالف، هذا شيء ترتب عليه، ما يمكن أن يكون في الدنيا ما يخالف الواقع بخبر الله- جل وعلا- عن شيء لا واقع، له كيف تمر الجبال مر السحاب وأنت جالس جنبها ما تحركت أنت على حد زعمك وظنك وحسبانك أنها جامدة             ﰇﰈ النمل: ٨٨  طيب مرت إلى أين؟ تعدت مكانها؟ إذن الذي يمر الأرض ما هو الجبال.

طالب: ..............

نعم، لكن ما وجه تخصيص الجبال؟

طالب: ..............

هو ظاهر، لكن هل الذي يستدلون به في الدنيا على دوران الأرض حتى على سبيل التنزل كلام باطل ما يمكن أن تتعدى الجبال أماكنها في الدنيا، الجبال أرساها والجبل هو الجبل، ومكانها مكانه منذ أن وجد إلى قيام الساعة مكانه اللهم إلا إذا أزيل، كما يحدث الآن، لكن هو باقٍ في مكانه، جبال رواسي ثابتة، فإذا أزيلت زالت، إذا دارت مع الأرض على حد قولهم ما يقال هي التي تمر، ما يقال تمر أنت الآن إذا صرت في السيارة، والسيارة تمشي مئة وخمسين ومئة ستين، يقول: فلان طائر مسرع هو نفسه أو السيارة المسرعة؟ فأنت صوّر نفسك بمثابة الجبل في هذه الأرض، وأنت شخص في هذه السيارة، فالذي يمشي غيرك ما هو أنت.

طالب: هذا الذي يدرس الآن...

ماذا نفعل؟ يدرس...

طالب: ..............

لا بد.

طالب: ..............

هو الإشكال أن النصوص دلالتها ظنية على ثبوت الأرض، ما نقول قطعية مثل ما قالوا في وقوف الشمس، وأن الأرض تدور عليها، أما سير الشمس فهذا قطعي، يعني من أنكره يكفر.

طالب: ..............

لا لا، كله من باب اتباع الأعداء، والأعداء يتلاعبون بنا، متى ما أرادوا شيئًا أثبتوه فأثبتناه، إذا لم يريدوا نفوه فنفيناه معهم؛ لأننا كلنا تبع.

طالب: ..............

لا لا، هم أوجدوا الفكرة قبل أن يستنبطوها من القرآن، أوجدوا الفكرة قبل، ثم ذهبوا ليبحثوا عما يستدلون به عليها، وهذه مشكلة كون الإنسان يختار شيئًا حتى في المسائل العلمية يتجه إلى رأي قبل أن يبحث عن أدلته، ثم هو بعد ذلك يبحث عن مبرر لما يختاره، هذا ما هو بعلم، وليس بشرع هذا، ولذلك بعض الناس من هؤلاء الذين يبتلون بالفتوى يفتي بمسألة.

طالب: ..............

لا، ثم يُرد عليه، فيتبين خطأ كلامه، ثم يذهب ليبحث في الأدلة عما يؤيد قوله، فهو ما ينصر الحق، بل ينصر قوله.

طالب: ..............

نحن لا نناقش أصل المسألة، بل نناقش استدلالهم بقوله- جل وعلا-:             ﰇﰈ النمل: ٨٨ ، والمناسبة عندنا النبأ: ٢٠.

" طالب: هذا واضح- أحسن الله إليك- لكن لو ثبت بالتجربة وبالواقع والمشاهدة أن الأرض تدور حول الشمس، فماذا يكون...؟ "

لا، هم يقولون واقفة الأرض، كيف تدور عليه وهي تدور؟

طالب: الأرض تدور.

والشمس؟

طالب: نعم، والشمس تدور...

على كلامهم أنها ثابتة.

طالب: ..... تدور حول المجموعة...

ما صار تدور معه، ما يصار تدور حوله.

طالب: .... تدور في مدار حول الشمس، والشمس مع المجموعة تدور...

وتسجد تحت العرش يقولون بهذا؟

طالب: ..............

الشمس أول ما طلعت النظرية قالوا: إنها ثابتة، والأرض تدور حولها، هذا كلامهم الأول، ثم صدرت فتاوى بكفر من يقول: إن الشمس ثابتة، فتحركوا مع الناس، لكن هل يقول الذي يقول إن الشمس تدور أيضًا، هل يقول إنها تسجد تحت العرش، وتستأذن كل ليلة؟ ما يقولون بهذا.

طالب: ..... هل نص.. ينفي ذلك نص صريح من القرآن...

الشيخ ابن باز له رسالة في الموضوع، وذكر أن من قال بثبوت الشمس هذا لا إشكال في كفره، والذي يقول بدوران الأرض لا يكفر، وما هو منه ببعيد، وأورد أدلة على ثبوت الأرض، لكن هذا اجتهاد من الشيخ يقول ما فيه ما يدل قطعًا على أن الأرض ثابتة، ما فيه بدلالة قطعية، لكن ظواهر.

طالب: من يقول إن الأرض كروية يا شيخ...؟

ما المانع؟

" قوله تعالى              النبأ: ٢١  مفعال من الرصد، والرصد كل شيء كان أمامك، قال الحسن: إن على النار رصدًا لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز عليه، فمن جاء بجواز جاز، ومن لم يجئ بجواز حبس، وعن سفيان- رضي الله عنه- قال: عليها ثلاث قناطر، وقيل... "

الجواز سبب الجواز، وهو العبور والمرور.

" وقيل: مرصادًا ذات أرصاد على النسب أي ترصد من يمر بها، وقال مقاتل: محبسًا، وقيل: طريقًا وممرًّا، فلا سبيل إلى الجنة حتى يقطع جهنم، وفي الصحاح: والمرصاد الطريق، وذكر القشيري أن المرصاد المكان الذي يَرصد فيه الواحد العدو، نحو المضمار الموضع الذي تضمَّر فيه الخيل، أي هي معدّة لهم، فالمرصاد بمعنى المحل، فالملائكة يرصدون الكفار حتى ينزلوا بجهنم، وذكر الماوردي عن أبي سنان أنها بمعنى راصدة تجازيهم بأعمالهم. "

أبي سنان.

طالب: ..............

ماذا عندك؟

طالب: ..............

ماذا يقول؟

طالب: ..............

عندنا يقول في (أ) و(ح) و(ل) و(ر) أربع نسخ كلها عن أبي سفيان.

وفي الصحاح: الرصد الشيء الراقب له.

الراصد.

" الراصد الشيء الراقب له، تقول: رصده يرصده رصْدًا ورصَدًا، والترصد الترقب، والمرصد موقع الرصد، قال الأصمعي: رصدته أرصده ترقبته، وأرصدته أعددت له، والكسائي مثله. "

ومن ذلك قوله جل وعلا: الفجر: ١٤  يعني الطريق إليه مهما فعلت من الأسباب فلن تفلت.

" قلت: فجهنم معدّة مترصدة مفتعل. "

متفعّل.

" متفعَّلٌ من الرصد، وهو الترقب أي هي متطلعة لمن يأتي، والمرصِاد مفعال من أبنية المبالغة كالمعطار والمغيار، فكأنه يكثر من جهنم انتظار الكفار. النبأ: ٢٢  بدل من قوله: النبأ: ٢١ ، والمآب المرجع أي مرجعًا يرجعون إليها، يقال: آب يؤوب أوبة إذا رجع، وقال قتادة: مأوى ومنزلاً، والمراد بالطاغين من طغى في دينه بالكفر أو في دنياه بالظلم. قوله تعالى: النبأ: ٢٣  أي ماكثين في النار ما دامت الأحقاب، وهي لا تنقطع، فكلما مضى حقب جاء حقب، والحقب بضمتين: الدهر، والأحقاب الدهور، والحِقبة بالكسر: السنة، والجمع حِقَب، قال متمم بن نويرة التميمي:

وكنا كندماني جذيمة حقبة               .

 

من الدهر حتى قيل لن يتصدعا            .

فلما تفرقنا كأني ومالكًا               .

 

لطول اجتماع لم نبت ليلة معًا            .

والحُقب بالضم والسكون ثمانون سنة، وقيل أكثر من ذلك وأقل على ما يأتي، والجمع أحقاب، والمعنى في الآية لابثين فيها أحقاب الآخرة التي لا نهاية لها، فحذف الآخرة؛ لدلالة الكلام عليه؛ إذ في الكلام ذكر الآخرة، وهو كما يقال أيام الآخرة أي أيام بعد أيام إلى غير نهاية، وإنما كان يدل على التوقيت لو قال: خمسة أحقاب أو عشرة أحقاب ونحوه، وذكر الأحقاب؛ لأن الحقب كان أبعد شيء عندهم، فتكلم بما تذهب إليه أوهامهم ويعرفونها، وهي كناية عن التأبيد أي يمكثون فيها أبدًا. "

يعني لو أراد التحديد لذكر العدد.

وقيل: ذكر الأحقاب.

على كل حال الآية من أدلة من يقول بفناء النار، ومع ذلك يمكن الجواب عنها وعن غيرها مما جاء في الباب.

" وقيل: ذكر الأحقاب دون الأيام؛ لأن الأحقاب أهول في القلوب وأدل على الخلود، والمعنى متقارب، وهذا الخلود في حق المشركين، ويمكن حمل الآية على العصاة الذين يخرجون من النار بعد أحقاب. "

نعم، وعليه يحمل ما جاء من الأدلة مما يستدل به من يقول بفناء النار، فيحمل على النار التي هي نار العصاة، وأنها تفنى، إذا انتهى تعذيبهم فيها بقدر جرائمهم فنيت هذه النار وانتهت، وتبقى للكفار أبد الآبدين.

طالب: ..............

على كل حال لهم أجوبة، لكن ما تنهض ما تنهض، والإشكال في أدلة من يقول بفناء النار هي التي تحتاج إلى جواب، وأهل السنة مطبقون على أن الجنة والنار دائمتان بدون تحديد.

طالب: ..............

ما فيه شك، هذا هو الأصل، وهذا هو المقرر في الشرع، لكن جاء على خلاف هذا الأصل أدلة فهم منها بعضهم أنها تفنى، فهذه التي تحتاج إلى جواب.

طالب: ..............

نعم موجودة يبقى أن ما جاء على التأبيد هو الأصل، وهو معتقد أهل السنة والجماعة قاطبة، لم يخالف في هذا من يُعتد بقوله، وما يُنسب إلى شيخ الإسلام فلا يثبت، وابن القيم ما صرّح، نعم أطال في تقرير المسألة بأدلتها، وما صرّح بشيء، والقول بفناء الجنة أو النار هو قول الجهمية كما هو معروف.

" وقيل: الأحقاب وقت لشربهم الحميم والغسّاق، فإذا انقضت فيكون لهم نوع آخر من العقاب، ولهذا قال:    النبأ: ٢٣ - ٢٥  ولابثين اسم فاعل من لبث، ويقويه أن المصدر منه اللبْث بالإسكان كالشرب، وقرأ حمزة والكسائي: لبثين بغير ألف، وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد، وهما لغتان. "

لبث صيغة مبالغة من اسم الفاعل من لابث.

" يقال: رجل لابث ولبث مثل طمع وطامع، وفرهٍ وفاره، ويقال: هو لبث بمكان كذا أي قد صار اللبث شأنه، فشبه بما هو خلقه في الإنسان. "

بما هو خِلْقة.

" فشبه بما هو خِلقة في الإنسان نحو حذر وفرق؛ لأن باب فعل إنما هو لما يكون خلقة في الشيء في الأغلب، وليس كذلك اسم الفاعل من لابث، والحقب ثمانون سنة في قول ابن عمر وابن محيصن وأبي هريرة، والسنة ثلاث مئة يوم وستون يومًا، واليوم ألف سنة من أيام الدنيا، قاله ابن عباس، وروي عن ابن عمر، هذا مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال أبو هريرة؛ والسنة ثلاث مئة يوم وستون يومًا، كل يوم مثل أيام الدنيا، وعن ابن عمر أيضًا: الحقب أربعون سنة، وقال السدي: سبعون سنة، وقيل: إنه ألف شهر رواه أبو أمامة مرفوعًا، وقال بشير بن كعب: ثلاثمائة سنة. "

بَشِير أم  بُشَير؟

طالب: ..............

مفتوحة الباء.

طالب: ..............

هيّن كلهم عندكم أجل. ما اسمه أبو عبد الله؟

طالب: ..............

كعب.

طالب: ..............

ما فيه بشير بن كعب أبدًا؟

بُشير؟

ما أدري والله، أنا شككت.

طالب: ..............

نعم هذا الذي نحفظ لكن..

" وقال بشير بن كعب: ثلاث مئة سنة، وقال الحسن: الأحقاب لا يدري أحد كم هي، ولكن ذكروا أنها مئة حقب، والحقب الواحد منها سبعون ألف سنة، اليوم منها كألف سنة مما تعدون، وعن أبي أمامة أيضًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن الحقب الواحد ثلاثون ألف سنة، ذكره المهدوي، والأول الماوردي، وقال قطرب: هو الدهر الطويل غير المحدود، وقال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «والله لا يخرج من النار من دخلها حتى يكون فيها أحقابًا، الحقب بضع وثمانون سنة، والسنة ثلاث مئة وستون يومًا، كل يوم ألف سنة مما تعدون، فلا يتكلن أحدكم على أنه يخرج من النار»، ذكره الثعلبي، قال القرظي: الأحقاب ثلاثة وأربعون حقبًا، كل حقب سبعون خريفًا، كل خريف سبعمائة سنة، كل سنة ثلاث مئة وستون يومًا، كل يوم ألف سنة، قلت: هذه أقوال متعارضة، والتحديد في الآية للخلود يحتاج إلى توقيف يقطع العذر، وليس. "

يعني مدة الخلود، التحديد في الآية في الخلود يعني لمدته يحتاج إلى توقيف.

" وليس ذلك بثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما المعنى- والله أعلم- ما ذكرناه أولاً أي لابثين فيها أزمانًا ودهورًا، كلما مضى زمن يعقبه زمن، ودهر يعقبه دهر، هكذا أبد الآبدين من غير انقطاع وقال ابن كيسان: معنى النبأ: ٢٣  لا غاية لها انتهاءً، فكأنه قال: أبدًا، وقال ابن زيد ومقاتل: إنها منسوخة بقوله تعالى: النبأ: ٣٠  يعني أن العدد قد انقطع، والخلود قد حصل. "

الخبر لا يدخله النسخ.

" قلت: وهذا بعيد؛ لأنه خبر، وقد قال تعالى:     ﮟﮠ الأعراف: ٤٠  على ما تقدم، هذا في حق الكفار، فأما العصاة الموحدون فصحيح، ويكون النسخ بمعنى التخصيص، والله أعلم، وقيل: المعنى لابثين فيها أحقابًا يعني في الأرض؛ إذ قد تقدم ذكرها، ويكون الضمير في {لا يذوقون فيها بردًا ولا شرابًا} لجهنم، وقيل: واحد الأحقاب حقب وحِقْبة، قال:

فإن تنأى عنها حقبة لا تلاقها       

 

فأنت بما أحدثته بالمجرب     

وقال الكميت: مر لها بعد حقبة حب، قوله تعالى.. "

يكفي بركة.

"