بلوغ المرام - كتاب الطهارة (11)

بسم الله الرحمن الرحيم

بلوغ المرام - كتاب الطهارة (11)

شرح: باب: نواقض الوضوء، وباب: آداب قضاء الحاجة

الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-:

باب: نواقض الوضوء:

باب: نواقض الوضوء:

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -على عهده- ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم, ثم يصلون ولا يتوضئون".

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر, أفأدع الصلاة? قال: ((لا، إنما ذلكِ عرق وليس بحيض, فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة, وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم, ثم صلي)) متفق عليه، وللبخاري: ((ثم توضئي لكل صلاة)) وأشار مسلم إلى أنه حذفها عمداً.

وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "كنت رجلاً مذاء, فأمرت المقداد بن الأسود أن يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم-  فسأله? فقال: ((فيه الوضوء)) متفق عليه، واللفظ للبخاري.

وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ" أخرجه أحمد، وضعفه البخاري.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً, فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا? فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) أخرجه مسلم.

وعن طلق بن علي -رضي الله عنه- قال: قال رجل: "مسست ذكري، أو قال الرجل: يمس ذكره في الصلاة أعليه وضوء? فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا, إنما هو بضعة منك)) أخرجه الخمسة, وصححه ابن حبان، وقال ابن المديني: هو أحسن من حديث بسرة.

وعن بسرة بنت صفوان -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من مس ذكره فليتوضأ)) أخرجه الخمسة, وصححه الترمذي وابن حبان، وقال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب.

وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ, ثم ليبنِ على صلاته, وهو في ذلك لا يتكلم)) أخرجه ابن ماجه، وضعفه أحمد وغيره".

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

استكمالاً لما بدأنا به في أول الإجازة من شرح لأحاديث كتاب بلوغ المرام للحافظ أحمد بن علي بن حجر وهو كتاب أشرنا إلى أهميته بالنسبة لطالب العلم، وجمعه ما يحتاجه الطالب من أحاديث الأحكام، في بداية الدرس السابق، في الفترة السابقة أشرنا إلى شيء من مزايا هذا الكتاب، ومنهج المؤلف فيه.

والآن نستكمل ما بدأنا به، والأحاديث كما تعلمون عددها كبير والوقت لا يسمح بالاسترسال والاستطراد وذكر كل شيء إنما نأتي بقدر ما يناسب الوقت، وينفع الطالب -إن شاء الله تعالى-.

يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: نواقض الوضوء" الباب تقدم تعريفه مراراً، وأنه في الأصل ما يدخل معه ويخرج منه...... مسائل غالباً، فهو حقيقة عرفية، والذين يقولون بالمجاز يقولون: إنه مجاز استعماله في المحسوسات حقيقة، وفي المعاني مجاز، لكن لا داعي لأن نقول: إنه مجاز، بل هو حقيقة عرفية، واصطلاح خاص، أو عرف خاص عند أهل العلم، يسمون هذه المسائل التي تنطوي تحت فصل أو فصول باب.

نواقض: جمع ناقض، نواقض: جمع ناقض، فالفاعل يجمع على فواعل، ضارب ضوارب، كاسر كواسر، ناصر نواصر وهكذا.

والأصل في النقض: حل المبرم، حل المبرم، تقول: نقضت غزلها يعني أفسدت ما أبرمته ونقضته، وحلت ما أبرمته، ومنه هنا نقض الوضوء، يعني إبطال الوضوء بما يبطل الوضوء، فإبطال الوضوء يسمى نقض للوضوء، وهنا في المعاني وهو أيضاً حقيقة شرعية، حقيقة شرعية؛ لأن الحقائق كما تعلمون ثلاث: لغوية وشرعية وعرفية.

في الحديث الأول يذكر الحافظ -رحمه الله تعالى- يروي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، والجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره: أروي عن أنس بن مالك.

وذكرنا مراراً أنه في أول الباب لا يأتي بالواو، باب: نواقض الوضوء عن أنس بن مالك، لكن الحديث الثاني يقول: وعن فلان، يعني وأروي أيضاً عن فلان.

"عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -على عهده- ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم, ثم يصلون ولا يتوضئون"، أخرجه أبو داود، وصححه الدارقطني وأصله في مسلم".

"كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -على عهده-" إذا قال الصحابي: كانوا يفعلون، فلا يخلو إما أن يضيفه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- أو لا، فإن أضافه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مرفوع، ويكون حينئذٍ من السنة التقريرية، كقول جابر: "كنا نعزل والقرآن ينزل"، ولو كان شيئاً مما ينهى عنه لنهى عنه القرآن، فهم يستدلون بعدم النهي عن الفعل الذي يفعلونه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- على أنه سنة وحجة ملزمة؛ لأن السنة إما أن تكون قولية أو فعلية أو تقريرية أو صفة من أوصافه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا هو التقرير؛ لأنه لو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهنا ينتظرون الصلاة في مسجده -عليه الصلاة والسلام-، وعلى عهده كما نص على ذلك في هذه الرواية، على خلاف في ثبوت هذه الكلمة، أما إذا لم ينص الصحابي على العهد النبوي، بل قال: كانوا يفعلون، من دون أن يضيفه إلى عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا إلى عهده فالمسألة خلافية بين أهل العلم، فمنهم من يرى أنه مرفوع أيضاً؛ لأن الصحابي لا يمكن أن يقول مثل هذا الكلام في مسألة شرعية إلا ويقصد من وراء ذلك الاحتجاج بهذا الفعل، إلا ويقصد بذلك الاحتجاج بهذا الفعل، فلا يحتاج إلى أن ينص على عهده كانوا يفعلون، أما إذا كانت هذه الصيغة لا يخرج منها أحد، بمعنى أنهم كانوا يعين كلهم، كانوا كلهم ينامون، أو ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم، فهذا استدلال بالاتفاق والإجماع، والإجماع حجة عند أهل العلم، فيكون حينئذٍ في هذه الصيغة ما يدل على نقل الاتفاق، وإن كان نقل الاتفاق بمثل هذا الكلام إذ لم ينص على الإجماع، أجمعوا على كذا، أو لم يختلفوا في كذا، الاحتجاج به على أنه إجماع فيه ما فيه، وعلى كل حال مثل هذه الصيغة: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لا تخلو إما أن تضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيقال: في عهده وفي عصره، أو لا يذكر ولا يشار إلى العصر والعهد النبوي، أما إذا أشير إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو من قبيل المرفوع، والخلاف جاري بين أهل العلم إذا لم يضف إلى العهد النبوي، وعلى كل حال كانوا وهم جمع من الصحابة إن لم يكونوا كلهم، فهم جماعة من الصحابة، وهم أهل التحري والاحتياط، في مثل هذا الباب لا سيما لأهم العبادات، وأعظم الأركان، الطهارة شرط لصحة الصلاة، والصلاة أعظم الأركان بعد الشهادتين، فكونهم "ينتظرون العشاء" و "تخفق رؤوسهم" بعض الروايات: "أنهم كانوا يحطون" وبعض الروايات: "أنهم كانوا يضعون جنوبهم" المقصود أن مثل هذا لو كان ناقضاً لما صلوا وقد فعلوه، وهنا يستدل المؤلف -رحمه الله تعالى- بهذا على أن مجرد الخفقان والنعاس والنوم الخفيف لا ينقض الوضوء.

"كانوا ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم"، "على عهده" هذه ذكرها أبو داود، هذه اللفظة: "على عهده" أشار إليها أبو داود وإن لم تكن في أصل الحديث عنده، وليست في الأصل الذي أشار إليه ابن حجر -رحمه الله- حينما قال: وأصله في مسلم، وأصله في مسلم، ولفظه عند مسلم: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون" وهذا لفظ مجمل، أو مطلق يحتاج إلى تقييده بالنوم الخفيف من المتمكن؛ لأنه سيأتينا ما يدل على أن النوم ينقض الوضوء، وذاك أيضاً مطلق يحتاج إلى تقييد، إذ ليس كل نوم ينقض الوضوء،....... في صحيح مسلم: "على عهده" الذي هو أصل الحديث، وليست في أصل رواية أبي داود بل أشار إليها.

وعرفنا الفرق بين إضافة الفعل منهم -رضوان الله عليهم- إلى عهده وعدم الإضافة، كانوا أو كان أصحاب رسول الله تنصيص على أن المراد بهؤلاء الذين ينتظرون صلاة العشاء هم الصحابة -رضوان الله عليهم-، أفضل الناس بعد الأنبياء، ينتظرون العشاء، يعني ينتظرون صلاة العشاء "حتى تخفق" تميل وهي من باب ضرب، خفق يخفق، وليست من باب نصر كما نطقها بعضهم حتى تخفُقَ، لا، بل هي من باب: ضرب "حتى تخفق رؤوسهم" ينتظرون العشاء، تخفق رؤوسهم قبل صلاة العشاء، هذا يدل على إيش؟ يدل على أنهم لا ينامون في النهار إلى شيء يسير عند الحاجة القصوى، فالأصل في النهار المعاش، ولو كانوا..، أو لو كان صنيعهم كما يصنعه كثير من أهل هذا العصر أو هذا الزمان، الليل معد للسهر الطويل، والنهار للنوم ما خفقت رؤوسهم، ولا بعد منتصف الليل، لو كانوا على ما نصنعه الآن، وما ابتلي به كثير من المسلمين في هذه الأزمان، والنهار كما هو معروف معاش، والليل سبات، هذا الأصل، وهذه السنة الإلهية، كثير من الناس خالف هذه السنة، تجده في النهار كله نوم، والليل هو وقت الأنس والسهر، ويا ليت هذا السهر يقضى فيما ينفع، بل هو في الغالب يقضى فيما يضر، إذا قضي فيما ينفع فالنبي -عليه الصلاة والسلام- سمر بعد صلاة العشاء، وأهل العلم يستثنون من كراهة الحديث بعد صلاة العشاء إذا كان هذا الحديث لفائدة، إما تحصيل علم أو مصلحة من مصالح المسلمين العامة حينئذٍ لا بأس، أما أن تقلب السنة الإلهية يكون النهار نوم، والليل السهر، هذه بلوى، والله المستعان.

"ينتظرون العشاء" يعني صلاة العشاء "حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون" رواية مسلم كما سمعنا: "ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون" وعرفنا أن هذا اللفظ مطلق لا بد من تقييده، إذ جاءت النصوص التي تدل على أن النوم ناقض للوضوء، وعلى كل حال الأقوال لأهل العلم ثمانية في النوم هل ينقض الوضوء أو لا ينقضه؟ فمنهم من يرى أن النوم ينقض على أي حال، استدلالاً بحديث صفوان بن عسال الذي تقدم، الذي تقدم في المسح على الخفين، وفيه: ((ولكن من بول أو غائط أو نوم)) فدل على أن النوم ينقض الوضوء، وهنا فعلهم يدل على أن النوم لا ينقض الوضوء، حديث صفوان يدل على أن النوم، اسم النوم جنس النوم ينقض الوضوء، وهنا يدل على أن النوم لا ينقض الوضوء، فلا بد من التوفيق بين الحديثين، فلا بد من التوفيق بين الحديثين، فيحمل النوم الذي لا ينقض الوضوء على الخفيف -النوم الخفيف- الذي لا يستغرق صاحبه، وحديث صفوان بن عسال يستدل به أصحاب القول الأول وأنه ينقض مطلقاً على كل حال مهما كان خفيفاً، وعلى أي وضع كان.

والقول الثاني: أنه لا ينقض مطلقاً لحديث أنس المذكور في الباب، وفيه: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون" ولا شك أن التوفيق بين النصوص أمر لا بد منه، إذ لا يصار إلى الترجيح ولا القول بالنسخ ولا التوقف مع إمكان الجمع، والجمع ممكن كما سمعنا.

هناك قول وهو قريب من..، أو بين القولين أنه لا ينقض مطلقاً أو ينقض مطلقاً، أنه ينقض وإنما يعفى عن اليسير من المتمكن، وإنما يعفى عن اليسير من المتمكن، ويحمل عليه حديث الباب، وأما حديث صفوان بن عسال فيحمل على النوم المستغرق.

هناك قول لبعض أهل العلم ممن يرى أن النوم ليس بناقض وإنما هو مظنة للنقض، وإنما هو مظنة للنقض، ليس بناقض بنفسه، فإذا جزم الإنسان أنه لم يخرج منه شيء فإنه يصلي ولا يتوضأ، إذا وكل شخصاً يرقبه، وهذا الشخص يلاحظه ملاحظة دقيقة منذ أن نام إلى أن استيقظ لم يسمع منه صوت ولم يشم منه ريح فإنه حينئذٍ لا ينقض، لماذا؟ لأن النوم مظنة، أما من لم يكن بهذه الصفة بأن نام فالمظنة توجد غلبة ظن، توجد فيها غلبة ظن أنه انتقض وضوؤه، باستثناء ما تقدم؛ لأنه إذا نام متمكناً ممكناً مقعدته من الأرض فإن الذي يغلب على الظن أنه لم يخرج منه شيء، لا سيما إذا كان جالساً غير معتمداً على شيء فيكون حينئذ نومه خفيف بحيث لو دار حوله أدنى شيء حس به.

وهناك قول وهو الخامس: أنه إذا نام على هيئة من هيئات الصلاة، نام على هيئة سواءً كان راكع أو ساجد أو قائم أو قاعد فإنه لا ينقض الوضوء، بخلاف ما إذا نام على هيئة تخالف هيئات الصلاة فإنه حينئذٍ ينتقض وضوؤه، ومنهم من يخص ذلك بالراكع والساجد فقط، وعلى كل حال الأقوال في المسألة ثمانية، لكن المرجح أن النوم ناقض، جنس النوم ناقض، يستثنى من ذلك الشيء اليسير؛ لأن الإنسان إذا نام غلب على الظن أنه انتقض وضوؤه بما ينقض إجماعاً من ريح أو صوت.

هذا أقرب الأقوال أنه الخفيف يعفى عنه من المتمكن وإلا فالأصل أن النوم كما في حديث صفوان بن عسال ناقض للوضوء، وإذا قلنا: إن النوم ناقض للوضوء فمن باب أولى ما هو أشد من النوم، النائم يرتفع عقله، ولا يدري بما يصدر عنه، فمن باب أولى من جن أو سكر أو أغمي عليه، فإنه حينئذٍ ينتقض وضوؤه بجامع زوال العقل مع النوم، فإذا كان النوم وهو بحيث إذا أُيقظ استيقظ فالذي لا يمكن إيقاظه من باب أولى كالمجنون والمغمى عليه.

الحديث الثاني:

"عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر, أفأدع الصلاة? قال: ((لا، إنما ذلكِ عرق وليس بحيض, فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة, وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم, ثم صلي)) متفق عليه".

هنا حديث فاطمة، أو حديث عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش في الاستحاضة، أورده المصنف ليستدل به على أن خروج الدم -دم الاستحاضة- ناقض للوضوء، وأن الخارج من البدن الذي ينقض الوضوء ليس بخاص في البول والغائط أو الريح، بل مما ينقض الوضوء أيضاً دم الاستحاضة، ولذا جاء في برواية البخاري "وللبخاري: ((ثم توضئي لكل صلاة)) ((ثم توضئي لكل صلاة))" القدر الأول متفق عليه، والإمام البخاري انفرد بقوله: ((ثم توضئي لكل صلاة)) وأما مسلم فأشار إلى أنه حذف هذه الجملة عمداً، قال: "وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره" يعني تعمد حذف هذه الزيادة، وكأنها لم تثبت عنده، لكنها ثابتة عند من هو أشد تحرياً منه وهو البخاري -رحمه الله تعالى-.

((ثم توضئي لكل صلاة)) وهذا هو الشاهد من الحديث، الأمر بالوضوء، أمر المستحاضة بالوضوء، فدل على أن خروج دم الاستحاضة ناقض، ناقض للوضوء، ومن باب أولى خروج دم الحيض الموجب للغسل.

"جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر" يطول معها خروج الدم، وهو الاستحاضة كما سيأتي غير الحيض، هذا دم يخرج من أدنى الرحم، وذاك دم يخرج من قعر الرحم، فبينهما فروق يأتي بيانها -إن شاء الله تعالى- في باب الحيض.

"فلا أطهر، أفأدع الصلاة? قال: ((لا))" يعني لا تدعي الصلاة؛ لأن هذا لا يمنع من وجوب بالصلاة بخلاف الحيض، الحائض لا يجوز لها أن تصلي، ولو صلت لم تصح ((إنما ذلك عرق)) عرق نزيف، يسمونه نزيف، إنما ذلك عرق ((وليس بحيض)) ليس بحيض يمنع من الصلاة، وإنما هو مجرد عرق يخرج منه الدم الذي يختلف عن دم الحيض على ما سيأتي ((فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة, وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم, ثم صلي)) هذه المستحاضة "إذا أقبلت حيضتك" دل على أنها تعرف حيضها، وتميز بين دم الحيض ودم الاستحاضة إما باللون والرائحة أو بالعادة في الوقت بداية ونهاية على ما سيأتي تقريره -إن شاء الله تعالى- في باب الحيض.

على كل حال الشاهد من الحديث رواية البخاري: ((ثم توضئي لكل صلاة)) فدل على أن النقض لا يختص بالخارج المعتاد كالبول والغائط والريح سواءً كانت بصوت أو بدون صوت، بل ما يخرج من المخرج المعتاد ينقض الوضوء، كل ما يخرج من المخرج المعتاد فإنه ينقض الوضوء، والخلاف فيما يخرج من غير المخرج المعتاد، أما ما يخرج من المخرج المعتاد فإنه ناقض عند أهل العلم إلحاقاً له بالبول والغائط والحيض والاستحاضة والريح، أما ما يخرج من غير المخرج المعتاد شخص جُرح، هل ينتقض وضوؤه أو لا ينتقض؟ نعم؟

هذه مسألة خلافية بين أهل العلم سيأتي بيانها -إن شاء الله تعالى-، وعرفنا أن الإمام مسلم حذف هذه الزيادة، تركها عمداً، ولذا قال: "وأشار مسلم إلى أنه حذفها عمداً"، وهي موضع الشاهد، هي موضع الشاهد من الحديث لباب النواقض.

((ثم توضئي لكل صلاة)) توضئي لكل صلاة، ألا يكفيها أن تتوضأ ويرتفع حدثها؟ تتوضأ مرة واحدة بعد ذلك يرتفع حدثها ولا تحتاج إلى أن تتوضأ ثانية؟ وهل نقول: حينئذٍ إن وضوء المستحاضة رافع للحدث أو مبيح للصلاة؟ مبيح للصلاة مع وجود الحدث كمن به سلس، نعم الدليل يدل على أنه إيش؟ مبيح، إذا لو كان رافعاً للحدث نعم لما احتاجت أن تتوضأ لكل صلاة، لما احتاجت أن تتوضأ لكل صلاة، ارتفع حدثها وانتهى حتى ينتقض هذا الحدث بناقض غير ما رفع وهو الاستحاضة، لكن دل على أن وضوء المستحاضة كمن به حدث دائم مبيح للصلاة وليس برافع؛ لأن الحديث هل يمكن رفعه وهو موجود؟ نعم؟ الحدث؟ الحدث موجود قائم هي تستحاض ولا تتطهر، الدم ينزل منها باستمرار، فالحدث قائم، وضوؤها مبيح للصلاة وليس برافع.

الحديث الثالث:

"وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "كنت رجلاً مذاءً, فأمرت المقداد أن يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله? فقال: ((فيه الوضوء)) متفق عليه, واللفظ للبخاري".

ولفظ مسلم: ((منه الوضوء)) لفظ البخاري: ((فيه الوضوء)) ولفظ مسلم: ((منه الوضوء)) يعني يجب منه الوضوء، "كنت رجلاً مذاءً" علي -رضي الله عنه- كان رجلاً مذاءً، يعني كثير خروج المذي، وهو ماء رقيق أبيض يخرج عند التفكير أو عند الملاعبة، وهذا لا يوجب الغسل، وإن كان علي -رضي الله عنه- قبل هذا السؤال يغتسل حتى تشقق ظهره، ومعلوم أن شفاء العي السؤال، لما تعب علي -رضي الله عنه- وتشقق ظهره من كثرة الاغتسال أمر المقداد، وفي رواية أنه أمر عمار، وفي رواية أنه سأل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في بعض الروايات أنه أمر المقداد لمكان فاطمة منه، فاطمة بنت النبي -عليه الصلاة والسلام- فيستحيي أن يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- وابنته تحته، فأمر المقداد أن يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"كنت رجلاً مذاءً, فأمرت المقداد أن يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام-" في مثل هذا أو في هذا الصنيع من الأدب ما فيه، فالأصهار يستحيى منهم بلا شك، والحياء شعبة من شعب الإيمان مع الناس كلهم، ويتأكد في حق من له عليك حق، كالأصهار يستحيا منهم، "فأمرت المقداد أن يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام-" والأمر هنا أمر وجوب وإلا التماس؟ التماس؛ لأن علياً مساوي للمقداد وليس له عليه أمر، في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- نعم له عليه أمر في خلافته، لكن قبل خلافته إنما هو أمر التماس، فالمسلمون سواسية، وعلي -رضي الله عنه- وإن كان ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام- وصهره على ابنته، فإنه ليس له أن يأمر أمر وجوب، ولا يلزم أحد، وإن كان قريباً من النبي -عليه الصلاة والسلام- ابن عمه وزوج ابنته، فليس له حق على أحد، والمقداد مولى، والمقداد مولى، وعلى كل حال هذا أمر التماس، فنجد في تصرفات كثير ممن لهم صلة بأدنى مسئول من أمر الناس ونهيهم وتكليفهم أن هذا التصرف غير سائغ شرعاً، هذا أمر غير سائغ، بعض الناس لأنه قريب من فلان أو علان يتسلط على الناس ويأمر وينهى، هذا ليس بشرع، هذا تعدي وظلم للناس، هذا ابن المدير، وهذا ابن الوزير، وبعدين؟ أو أخو فلان أو علان، لا، ليس لك أمر ولا نهي على أحد، الناس سواسية، لا فرق لأحد على أحد إلا بالتقوى.

وهنا أمر علي هو مجرد التماس للمقداد، والمقداد كما سمعنا مولى، وكان تحته ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو مولى.

"فأمرت المقداد أن يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام-" عرفنا أنه في بعض الروايات المأمور عمار، وفي غير ذلك أن السائل هو علي -رضي الله عنه-، فالآمر بالشيء في حكم المباشر له، فالآمر بالشيء في حكم المباشر، حينما أمر المقداد أو أمر عمار لا يمنع أن يأمر المقداد، ثم يتأخر عليه برد الجواب يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم يأمر غيره، فبهذه تجتمع الروايات، وكونه هو السائل؛ لأنه أمر بالسؤال، وينسب الفعل إلى غير الفاعل الحقيقي لأدنى ملابسة، فيقال: فعل الأمير، ضرب الأمير، حفر الأمير بئراً، الأمير يباشر حفر الآبار؟ لا، إنما أمر بذلك، وهنا علي -رضي الله عنه- أمر فكأنه باشر السؤال "فسأله? فقال: ((فيه الوضوء))" فدل على أن المذي ناقض من نواقض الوضوء، وهذا كغيره مما يخرج من السبيل المعتاد على ما تقدم كدم الاستحاضة والبول والغائط والريح، وألحق بذلك أهل العلم كل ما يخرج من المخرج المعتاد قل أو كثر ولو كان طاهراً.

((فيه الوضوء)) متفق عليه، واللفظ للبخاري" ولفظ مسلم: ((منه الوضوء)) يعني يجب منه الوضوء، يجب منه الوضوء.

ومناسبة ذكر الحديث للنواقض ظاهرة باعتبار أن هذا الماء الأبيض الرقيق ناقض للوضوء، فمنه الوضوء وفيه الوضوء، والمذي كما هو مقرر عند أهل العلم نجس، نجس لأنه مأمور بغسل الذكر منه، في رواية: "والأنثيين" أيضاً على ما سيأتي، في رواية أبي داود: ((ثم يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ)) يغسل ذكره يعني كاملاً وأنثييه، والحكمة في ذلك أنه إذا باشرت هذه الرطوبة مع ما يصاحبها من برودة أنه يتقلص الذكر وينقطع هذا الخارج.

على كل حال المذي نجس للأمر بغسل الذكر منه، وهو ناقض، خروجه ناقض للوضوء.

"وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل بعض نسائه, ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ" أخرجه أحمد، وضعفه البخاري".

"قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ" هذا الحديث مخرج في المسند والسنن عند أبي داود والترمذي وابن ماجه، وضعفه البخاري فيما نقله عنه أبو عيسى الترمذي في سننه، ضعفه، وصححه جمع من أهل العلم، لا سيما من المتأخرين، وحسنه آخرون، فالحديث مختلف فيه، فالقبلة فرع من اللمس، لمس المرأة، فالقبلة فرع من اللمس، فالذي يقول بأن مجرد اللمس ناقض للوضوء، ويستدل بقوله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] من باب أولى أن تكون القبلة ناقضة، والمس -مس المرأة- مختلف فيه بين أهل العلم، مختلف في تأويل الآية: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] هل المراد به مجرد إيقاع البشرة على البشرة مطلقاً؟ أو إذا وجد شهوة؟ أو اللمس مجرد اللمس لا ينقض الوضوء وإنما المراد بالمسيس والملامسة هنا الجماع كما يرجحه كثير من أهل العلم؟ والمسألة خلافية، فمن أهل العلم من يرى أن مجرد اللمس ولو لم توجد شهوة أنه ينقض الوضوء، وهذا قول الشافعية، منهم من يرى أنه إذا وجدت الشهوة نقض اللمس، مس المرأة بشهوة ينقض الوضوء، لماذا؟ لأنه مظنة لخروج شيء مثل ما قيل في النوم: إنه مظنة للخروج، اللمس أيضاً مظنة، ويقول: إن معنى لامستم هو المس باليد، والمرجح في تفسير الملامسة في الآية أن المراد بها الجماع، كما أثر ذلك عن الصحابة، ورجحه كثير من المفسرين، وبه تتم المقابلة بالآية، فيما يوجب التيمم، فالموجب للتيمم الحدث الأصغر، وقد أشار إليه بقوله: {أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ} [(6) سورة المائدة] تتم المقابلة إذا فسرنا الملامسة {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] بالجماع، فيستدل بالحدث الأصغر وأنه موجب للتيمم بالغائط، ويستدل على أن الحدث الأكبر موجب للتيمم بالملامسة، وهذا مما يرجح تفسير الملامسة في الآية بالجماع.

والحديث فرع من هذه المسألة، فلو ثبت الحديث لقلنا: إن الملامسة لا سيما إذا كانت مع شهوة ناقضة للوضوء وهو المعروف عند الحنابلة، وأما الشافعية فيفسرون الملامسة بمجرد اللمس ولو لم يوجد شهوة ويقولون: كل لمس للمرأة سواءً وجد معه شهوة أو لم يوجد ناقض للوضوء، ولذا يجدون الحرج الشديد في المطاف، الشافعية يجدون الحرج الشديد في المطاف، يعني في أوقات السعة الأمر سهل، لكن في المطاف، حينما يزدحم الناس في المواسم مجرد ما يمس يد امرأة ولو من غير قصد، ولو من غير شهوة ينتقض وضوؤه، وتبعاً لذلك يبطل طوافه عندهم، وقول الحنابلة أنه مظنة للنقض وليس بناقض؛ لأنه مثل النوم لكن يختلف لمس المرأة بالشهوة مع النوم وإن كان كل منهما وسيلة للنقض ومظنة له، إلا أن النوم مزيل للعقل فلا يدرى عن حقيقة الحال، أما هنا يختلف عن النوم من وجه، ويتفق معه من وجه، يختلف مع النوم أن النوم لم يطلع على الحقيقة لزوال العقل، وهنا إمكان الاطلاع على الحقيقة ممكن، فانتقاض الوضوء بالخارج وعدم الانتقاض آيل إلى العلم، آيل إلى العلم، فإن خرج منه شيء انتقض وإلا فلا، وبهذا يختلف عن النوم، ويتفق مع النوم أن كلاً منهما مظنة للنقض.

"ضعفه البخاري" إمام الصنعة فيما نقله عنه الترمذي في سننه، وصححه بعضهم من المتأخرين الشيخ أحمد شاكر والألباني -رحمة الله على الجميع-، وحسنه جمع من أهل العلم، فالحديث مختلف فيه فنرجع إلى الآية، نرجع إلى الآية، والمرجح عند جمهور أهل التأويل من الصحابة والتابعين فمن بعدهم أن المراد بالملامسة الجماع، فيبقى الحكم على الأصل، وأن مجرد اللمس ليس بناقض، نعم الاحتياط شيء، والحكم الجازم بأن هذا ناقض شيء آخر، الاحتياط شيء، كون الإنسان يحتاط لنفسه، قبل امرأته أم مسها، فخشي أن يخرج منه شيء فتوضأ هذا..، لكن هل نقول: إن الحكم هنا وهذا الاحتياط إنما هو للنقض باللمس أو للنقض بالخارج؟ إذا قلنا: أنه النقض باللمس يصير للاحتياط موضع؟ لأن اللمس وسيلة وليس بغاية، ومظنة، هو مظنة للخارج، شخص قبل امرأته فقال: أريد أن أحتاط فأتوضأ، إن خرج منه شيء فهل يكفيه الوضوء؟ أو لا بد أن يغسل ذكره؟ لا بد أن يغسل، ثم بعد غسله يتوضأ، كما جاء في رواية أبي داود: ((ثم ليغسل ذكره وأنثييه ثم يتوضأ)) وإن لم يخرج منه شيء وتحققنا من عدم وجود ما رتب على هذه المظنة وعلى هذه الوسيلة، فالاحتياط يوقع في مخالفة، الاحتياط يوقع في مخالفة، المسألة مفترضة في شخص توضأ وضوءاً كاملاً ثم قبل امرأته فقال: أريد أن أحتاط رجع وتوضأ وضوء، إن لم يخرج منه شيء وقلنا: إنه يحتاط والوضوء من اللمس؛ لأنه مظنة لخروج شيء، هل يستفيد من هذا الوضوء شيء؟ يستفيد؟ ما قررنا أن اللمس مظنة للنقض بخروج شيء، إن خرج منه شيء لا ينفعه هذا الوضوء، بل لا بد من غسل الذكر والأنثيين ثم الوضوء، وإن لم يخرج منه شيء يكون توضأ مرة ثانية وأعاد الطهارة من غير مبرر، أعاد الطهارة من غير مبرر، متصورة المسألة وإلا ما هي متصورة؟ يعني يتصور أن شخص ما قبل ولا مس ولا انتقض وضوؤه، توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم عاد إلى مكان الوضوء توضأ ثلاثاً ثلاثاً هذا مشروع وإلا بدعة؟

طالب:.......

كيف؟ بدعة، يكون كأنه توضأ ستاً ستاً، ما لم يعمل، ما لم يفعل بالوضوء الأول عبادة وإلا فتجديد الطهارة معروف حكمه، إذا عمل به عبادة، تجديد الطهارة مستحب عند أهل العلم، نعود إلى أصل المسألة وهي إذا قلنا: إن الإنسان إذا أراد أن يحتاط قال: المسألة خلافية أريد أن أخرج من هذا الخلاف، هل يمكن الاحتياط في مثل هذا؟ نقول: إن خرج منه شيء مما رتب على هذه المظنة لا يكفيه الوضوء، فوضوؤه وجوده مثل عدمه لوجود الناقض، وإن لم يخرج منه شيء فقد خرج من حيز السنة إلى حيز البدعة، والاحتياط كما قرر شيخ الإسلام إذا أدى إلى ارتكاب محظور أو ترك مأمور فالاحتياط في ترك مثل هذا الاحتياط، أو الاحتياط في ترك هذا الاحتياط، أظن المسألة ظاهرة، ظاهرة المسألة؟

على كل حال نرجع إلى الأصل وأنه لا ناقض لمجرد اللمس لما رُجح، يعني ممن فسر الملامسة بالجماع علي -رضي الله عنه- وابن عباس، وهو المرجح عند كثير من علماء التفسير، وبه تتم المقابلة.

الحديث الذي يليه:

حديث "أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء, أم لا? فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) أخرجه مسلم".

((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً)) وجد اضطراب في الأمعاء ((فأشكل عليه أخرج منه شيء فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) لماذا؟ لأن هذا مجرد شك، والشك لا يرفع اليقين، هذا تيقن الطهارة وشك في الحدث، ينتقض وضوؤه وإلا ما ينتقض؟ نعم، الشك لا يرفع اليقين عند أهل العلم، الشك لا يرفع اليقين، والشك هو: الاحتمال المساوي، يعني من غير غلبة ظن، احتمال مساوي، فخرج منه شيء أو لم يخرج منه شيء، خمسين بالمائة متردد، فالاحتمال المساوي يسمى شك وهذا لا يرفع اليقين، ومن باب أولى الوهم، وهو الاحتمال المرجوح، هذا لا يرفع اليقين من باب أولى.

والسبب في ابتلاء كثير من الناس بالوسواس أنهم اعتمدوا على الأوهام، ورفعوا بها اليقين، واستدرجهم الشيطان حتى أوقعهم فيما أوقعهم فيه، من تضييع لأمور دينهم ودنياهم، فالوسواس داء، ولذا عندنا هذه القاعدة: ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء, أم لا? فلا يخرجن من المسجد)) يستمر في صلاته، وهذا سواءً كان في المسجد أو في بيته أو في أي مكان من الأماكن الطاهرة التي يصلي فيها، لا يخرج من صلاته، قال: ((من المسجد)) لأن هذا الأصل أن الصلاة تكون في المسجد، حيث ينادى بها ((حتى يسمع صوتاً -حتى يتأكد- أو يجد ريحاً)) حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، وعند أهل العلم الأحكام معلقة بغلبة الظن، معلقة بغلبة الظن، يعني إذا غلب على ظنه أنه خرج منه شيء قوي احتمال الناقض، عند أهل العلم أنه يعمل بغلبة الظن، ما لم يجره هذا العمل إلى الوسواس، ما لم يجره هذا العمل بغلبة الظن إلى الوسواس؛ لأن بعض الناس ولو كان وهم يجعله غالباً على ظنه، احتمال مرجوح ثم يقوى هذا الاحتمال إلى الشك، ثم يقوى حتى يصير ظناً، فإذا كان الإنسان ممن ابتلي بالوسواس لا يلتفت إلى شيء حتى يتأكد ويتيقن أن ما تيقنه من الطهارة زال بيقين.

((حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) هنا في المسجد ((فلا يخرجن من المسجد)) يعني الشخص موجود في المسجد كما دل عليه الدليل، ويسمع صوت أو يجد ريح، فما حكم إرسال مثل هذا الصوت وهذه الريح في المسجد؟ من المعلوم أنه نهي عن أكل ما له رائحة كريهة لمن أراد الحضور إلى المسجد، فإرسال مثل هذه الأمور سواءً كانت بصوت أو بغير صوت في المسجد من باب أولى، اللهم إلا إذا وجدت الحاجة، بحيث لا يستطيع أن يملك، ولذا ابن العربي في شرح الترمذي قال: في الحديث جواز إرسال مثل هذا –يعني من الفساء أو شبهه- في المسجد للحاجة، للحاجة أما إذا كان لغير حاجة فهو أولى بالمنع من الثوم والبصل، أولى بالمنع من الثوم والبصل لمن أراد أن يحضر إلى المسجد، فالحديث فيه أصل من أصول الدين، وقاعدة جليلة من قواعد الفقه وهو أن اليقين لا يزيله إلا اليقين، فلا يزيله الشك، فلا يزيله الشك.

في حديث الاستيقاظ: ((إذا استيقظ أحدكم من النوم فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً)) والعلة؟ نعم ((فإنه لا يدري أين باتت يده؟)) قلنا: إن في حديث الباب قاعدة وهي: أن الشك لا يزيل اليقين، وهناك في حديث الاستيقاظ: ((إذا استيقظ أحدكم من نوم الليل)) أو ((من النوم)) ((إذا استيقظ أحدكم من النوم فلا يغمس يده)) ((فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده؟)) زال اليقين بالشك وإلا مازال؟ كونه لا يدري شك، واليقين أن اليد طاهرة، فلماذا أمر بغسلها ثلاثاً؟ نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

إيه طيب، يعني متأكد أن يده باتت في نجاسة لنقول إن هذا اليقين يرفع اليقين السابق الطهارة؟ أو نقول: إن الذي يغلب على الظن أن يده مازالت طاهرة؟ نعم؟ نعم؟

طالب:.......

نعم، أولاً: نعرف وجه التعارض بين هذا الحديث والحديث السابق، هنا فيه قاعدة وهو: أن الشك لا يزيل اليقين، الشك لا يزيل اليقين ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء, أم لا? فلا يخرجن من المسجد)) لأن الأصل الطهارة، فلا يخرج بمجرد هذا الشك إلا إذا تيقن حتى يسمع صوت أو يجد ريح، فلا يرفع اليقين إلا بيقين مثله.

وهناك يده طاهرة بيقين، اليد طاهرة بيقين، وأمر بغسلها قبل أن تدخل الإناء ثلاثاً، لماذا؟ لأن العلة لا يدري أين باتت يده؟ وكونه لا يدري يورث يقين وإلا يورث ظن وإلا وهم وإلا شك؟ شك احتمال، شك، وقلنا: لا بد أن يغسل يده ثلاثاً قبل أن يدخلها في الإناء، من هم من يقول: على سبيل الاستحباب، لا على سبيل الوجوب، لتبقى القاعدة سالمة، ومنهم من يقول: الحكمة غير معقولة، بل الحكم تعبدي، الحكم تعبدي، ولذا لو غمسها في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثاً تؤثر في الماء أو لا تؤثر؟ لا تؤثر الماء باقٍ على طهوريته، فالحكمة غير معقولة والحكم تعبدي، وتسلم القاعدة، وتسلم القاعدة حينئذٍ.

الحديث الذي يليه:

حديث "طلق بن علي -رضي الله عنه- قال: قال رجل: "مسست ذكري أو قال -شك-: الرجل يمس ذكره في الصلاة, أعليه وضوء? فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا, إنما هو بضعة منك)) ((إنما هو بضعة منك)) أخرجه الخمسة" ونعرف الخمسة أصحاب السنن الأربع أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه إضافة إلى الإمام أحمد "وصححه ابن حبان" وصححه ابن حبان "وقال ابن المديني: هو أحسن من حديث بسرة" ونقارن بينه وبين حديث بسرة، حديث "بسرة بنت صفوان -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من مس ذكره فليتوضأ)) أخرجه الخمسة" هنا الخمسة وهنا الخمسة "وصححه الترمذي" في مقابل تصحيح ابن حبان، بل هو زائد على تصحيح ابن حبان؛ لأن ابن حبان صحح الحديثين.

"وقال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب".

في حديث طلق بن علي قال ابن المديني: هو أحسن من حديث بسرة، وفي حديث بسرة قال البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب، يعني أصح من حديث طلق، حديث بسرة عند البخاري أصح من حديث طلق، وحديث طلق عند علي بن المديني أحسن من حديث بسرة، أفعل التفضيل هنا (أصح) و(أحسن) هل تقتضي أن يكون الحديث الأول حسن والثاني صحيح؟ نعم، أو المقصود بها أرجح بغض النظر عن ذكر الحكم؟ لأن أهل الحديث يستعملون أفعل التفضيل على غير بابها، فيقولون: أصح، يعني أقوى من غيره في هذا الباب وإن كان الجميع ضعيفاً، وإن كان الجميع ضعيفاً، كما أنهم يقولون: أضعف يعني أنه مرجوح وإن كان الكل صحيحاً، فهم يستعملون أفعل التفضيل لا على بابها، وإنما في الترجيح، يقولون في الترجيح بين الأحاديث الضعيفة أصح، وفي الأحاديث الصحيحة المرجوح يقال له: أضعف، ولا شك أن الصحة والضعف أمور نسبية، أمور نسبية، هنا علي بن المديني، علي بن عبد الله الإمام الحافظ إمام هذا الشأن، وهو من شيوخ البخاري، من شيوخ الإمام البخاري، والبخاري رجح حديث بسرة، ولا شك أنه من حيث الصناعة حديث بسرة أرجح من حديث طلق، هذا من حيث الصناعة، حديث بسرة أرجح من حديث طلق، فإذا قلنا بالترجيح قلنا بأن مس الذكر ينقض الوضوء؛ لأن حديث بسرة من مس ذكره فليتوضأ، وحديث طلق ومعروف أن طلق إسلامه قديم في أول الهجرة، جاء طلق بن علي اليمامي الحنفي، وهم يبنون المسجد في أول الهجرة، وبسرة متأخرة عنهم، وحديث طلق يقرر الأصل، وحديث بسرة ينقل عن الأصل، ينقل عن الأصل، وإذا تعارض حديث مقرر للأصل -يسمونه حديث مؤكد- مع حديث ناقل عن الأصل -وهو ما يسمى بالمؤسس- فالمؤسس أرجح من المؤكد كما هو معروف، فيرجح حديث بسرة من وجوه:

الوجه الأول: أن حديث طلق مؤكد ومقرر للأصل، وحديث بسرة مؤسس وناقل عن الأصل، وهو أيضاً من حيث الصناعة أرجح، وبسرة متأخرة في الإسلام عن طلق، منهم من قال: الحديثان صحيحان، الحديثان صحيحان، وحمل الأمر في حديث بسرة: ((من مس ذكره فليتوضأ)) على الاستحباب، على الاستحباب، لماذا؟ لأن مس الذكر مظنة لخروج شيء، فيكون على سبيل الاستحباب يؤمر بالوضوء، وهذا قول مالك، وإليه يميل شيخ الإسلام ابن تيمية، يكون الأمر بقول: ((فليتوضأ)) على سبيل الاستحباب، اللام لام الأمر والأمر هنا للاستحباب، والصارف له عن الوجوب إيش؟ حديث طلق، الصارف عن الوجوب، فعل المضارع إذا دخلت عليه لام الأمر صار مثل (افعل) كأنه قيل: إذا مسست ذكرك فتوضأ ((فليتوضأ)) اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب كما هو معروف {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [(63) سورة النــور] فالأصل في الأمر الوجوب، وهنا صُرف من الوجوب إلى الندب لقول مالك واختيار شيخ الإسلام لوجود الصارف وهو حديث طلق بن علي.

فإن قلنا بالترجيح حديث بسرة أرجح من وجوه، أرجح من وجوه: أولاً: من حيث الصناعة هو أرجح، لكثرة القوادح في حديث طلق، الأمر الثاني: أنه ناقل عن الأصل، وحديث طلق مبقي على الأصل والناقل أولى، حديث طلق مؤكد للبراءة الأصلية، وحديث بسرة مؤسس لحكم جديد والتأسيس أولى من التأكيد، وإذا قلنا وأردنا أن نجمع ولم نلجأ إلى الترجيح، وقلنا: هما على حد سواء كما يقول بعضهم، قلنا: إن الأمر في حديث بسرة إنما هو للاستحباب لا للوجوب، وهو وإن كان الأصل في الأمر الوجوب إلا أن حديث طلق بن علي يصرفه من الوجوب إلى الاستحباب.

((من مس ذكره فليتوضأ)) الأصل أن المس مباشرة البشرة للبشرة، والمقصود من مسه بيده، وإلا ما عدا اليد معروف أنه ليس بموضع أو محل للمسح، وهل يشترط في المس القصد أو لا يشترط؟ ((من مس ذكره)) (من) ((من مس ذكره فليتوضأ)) هل يشترط أن يكون بقصد؟ نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

عموم، عموم نعم، يعني لو أراد أن يتنشف مثلاً بعد الغسل ومن غير قصد مس ذكره، هل يختلف حكمه فيما لو قصد المس؟ وهل يستوي في ذلك باطن الكف وخارج الكف؟ في رواية: ((من أفضى بيده)) والإفضاء يستوي فيه الباطن والظاهر، وإذا قلنا بقول من يقول على الاستحباب، يستحب أن يتوضأ، يستحب أن يتوضأ من المس سواءً كان بباطن الكف أو بظاهره بقصد أو بغير قصد، وهذا قول مالك واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، لكن يأتي فيه ما جاء في الحديث السابق، القُبلة، إذا قلنا: إن القبلة مظنة لخروج الشيء، ومس الذكر مظنة لخروج الشيء، إن خرج لزمه وجوباً أن يتوضأ، وإن لم يخرج لزم عليه تجديد الوضوء وهو لم يستعمل الوضوء الأول، مثلما قلنا في الحديث السابق، لكن حديث بسرة صحيح ولا محيد عن العمل به، والمس يشمل ما كان بقصد وبغير قصد، فلا شك أن الاحتياط في الوضوء في مثل هذا.

الحديث الذي يليه:

حديث "عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أصابه قيء أو رعاف أو قلْس -أو قلَس، بتحريك اللام وإسكانها- أو مذي فلينصرف فليتوضأ, ثم ليبنِ على صلاته, وهو في ذلك لا يتكلم)) أخرجه ابن ماجه، وضعفه -الإمام- أحمد وغيره".

((من أصابه قيء أو رعاف أو قلْس -قال: أو قلَس- أو مذي فلينصرف فليتوضأ, ثم ليبنِ على صلاته, وهو في ذلك لا يتكلم)) أخرجه ابن ماجه، وضعفه أحمد وغيره" ولا شك أن الحديث ضعيف، الحديث ضعيف؛ لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين، وروايته عن الحجازيين ضعيفة، إسماعيل بن عياش شامي روايته عن الشاميين صحيحة، وروايته عن غير أهل بلده ضعيفة، وهذا من روايته عن غير أهل بلده، فهو ضعيف.

وبعضهم رجح إرساله، والصحيح أنه مرسل، قال أحمد والبيهقي: المرسل الصواب، المرسل الصواب، بعضهم قال: رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- غلط، وعلى كل حال الحديث ضعيف، الحديث ضعيف لما ذكرنا أنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وروايته عنهم ضعيفة، وعلى هذا ينظر إلى أدلة أخرى غير هذا الحديث في نقض الوضوء بهذه الأشياء، فالقيء في غير هذا الحديث نعم القيء والقلس؛ لأن القيء الذي يخرج من الجوف وفيه كثرة يعني خلاف القلس يخرج من الجوف وهو بقدر ما يملأ الفم، ولا يصل إلى حد القيء.

والرعاف: ما يخرج من الأنف من الدم، والمذي: تقدم في حديث علي، المذي فيه حديث علي الذي تقدم، ((يغسل ذكره وأنثييه ثم ليتوضأ)) فهو ناقض، أما القيء والرعاف والقلس يدل هذا الحديث على أنها ناقضة، لكن عرفنا أن هذا حديث لا تقوم به حجة، منهم من يقول: أنه يلحق بالخارج من البدن غير البول والغائط كالدم مثلاً، يلحق به ما يفحش من البدن، ولو كان من غير موضع الخارج استدلالاً بهذا الحديث من وجه، ولمشاركته ما يخرج من الخارج، فكون فضلة الطعام تخرج من المخرج أو من غير المخرج يستوي الأمر في ذلك عند بعضهم، الدم يخرج من المخرج بالحيض أو الاستحاضة أو من غير المخرج من جرح أو نحوه سيان عند بعضهم، إضافة إلى هذا الحديث الذي فيه نقض الوضوء بالرعاف، لا شك أن القياس مع الفارق، القياس قياس لا تتوافر فيه شروط القياس من استواء الفرع مع الأصل في العلة، ومع ذلكم الحديث ضعيف، ولذا ذهب مالك والشافعي وجمع غفير من أهل العلم إلى أن القيء...

يلحق به ما يفحش من البدن ولو كان من غير موضع الخارج، استدلالاً بهذا الحديث من وجه، ولمشاركته ما يخرج من الخارج، فكون فضلة الطعام تخرج من المخرج أو من غير المخرج يستوي الأمر في ذلك عند بعضهم.

الدم يخرج من المخرج بالحيض أو الاستحاضة أو من غير المخرج من جرح أو نحوه سيان عند بعضهم، إضافة إلى هذا الحديث الذي فيه نقض الوضوء بالرعاف، لا شك أن القياس مع الفارق، القياس قياس لا تتوافر فيه شروط القياس من استواء الفرع مع الأصل في العلة، ومع ذلكم الحديث ضعيف، ولذا ذهب مالك والشافعي وجمع غفير من أهل العلم إلى أن القيء لا ينقض الوضوء، ومن باب أولى القلس.

الرعاف وما يخرج من البدن من الدم، عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- صلى وجرحه يثعب دماً، والصحابة حصل منهم وقائع منهم من عصر البثرة، ومنهم من حك الحبة والدمل وما أشبه ذلك فخرج منه الدم فلم يقطعوا صلاتهم بذلك، فدل على أن جنس الدم ليس بناقض إذا لم يخرج من المخرج المعتاد، والذين يقولون: إنه ناقض لا سيما إذا كثر يحملون هذا على الشيء اليسير، وما كثر يلحق بالدم دم الاستحاضة الذي تقدم في حديث فاطمة بنت أبي حبيش، وعرفنا أنه قياس مع الفارق، لا تتوافر فيه شروط القياس، والحديث ضعيف لا تقوم به حجة، يجيب بعضهم عن عمر وأنه صلى وجرحه يثعب أنه في حكم من به حدث دائم، في حكم من به حدث دائم؛ لأنه لا يستطيع إيقافه.

وأما البناء فهو تابع لثبوت هذا الحديث إذا قلنا بأن هذا الحديث ثابت -وعرفنا أنه ليس بثابت- نعم، نقول: بأنه إذا انتقض وضوؤه بهذه الأمور نعم يذهب ويتوضأ، يذهب إلى الدورة ويتوضأ لكن لا يتكلم، ثم يأتي يكمل صلاته على هذا الحديث، وعرفنا أن هذا الحديث ضعيف فلا تقوم به حجة، ولا يبنى عليه حكم، فمن انتقض وضوؤه بناقض معتبر تبطل صلاته ويستأنف الصلاة، وهذا الحديث كما قرر أهل العلم ضعيف.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول: يحمل أهل العلم المظنة على المتحقق في أحوال كالسفر مثلاً ولا ينزلونها منزلة المتحقق في أحوال أخرى، فما الضابط في ذلك؟

الأصل أن الشك لا يزيل اليقين، والأحكام معلقة بغلبة الظن، والسفر لا شك أنه مظنة للمشقة، وقد يوجد سفر بدون مشقة، كما هو حاصل الآن يوجد سفر بدون مشقة، ومع ذلكم رخص السفر، رخصة من الله -عز وجل- تفضل بها على عباده، الأصل أن هذه الرخص، القصر على سبيل المثال شرع للخوف {إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] هذه هي العلة، ثم ارتفعت العلة وبقي الحكم، شرع في السفر لأجل أنه مظنة للمشقة، وهذا صدقة تصدق الله به على عباده، وأنزلت المظنة منزلة المحقق لوجود النص، أما شخص يقول: أنا يغلب على ظني أنه يشق علي في أيام الاختبارات وأيام الامتحانات مشقة أعظم من مشقة السفر، نقول: لا، أنت تدور مع النص، وأهل العلم حينما يقررون أن الحاجة تبيح المكروهات، بل المكروه يزول بأدنى حاجة، ويبيح..، الحاجة تبيح بعض المحرمات التي حرمت بالقواعد لا بالنص، أما ما نص عليه فإنه لا يبيحه إلا الضرورة كما هو مقرر عند أهل العلم، ليست الحاجة، نعم وجد أشياء أبيحت لأدنى حاجة، أبيحت بأدنى حاجة، لكن المبيح هو الحاجة أو النص عليها؟ المبيح هو النص، ولذا لو وجد ما يقرب منها حاجة من غير ما نص عليه فإنه لا يقال بجوازه لمجرد الحاجة، يعني عندنا أمر محرم منصوص على تحريمه فاحتاج الإنسان إلى ارتكاب هذا المحرم، ووجد عندنا أمور حرمت ثم أبيحت للحاجة، أبيحت بالنص لوجود الحاجة، هل يعني هذا أن كل ما قامت الحاجة يباح المحرم؟ لا، وإلا ما بقي محرمات، نقول: ليست الحاجة التي أباحت هذا، الذي أباح هذا المحرم النص، وعلى هذا ليس كل حاجة تبيح المحرمات بالنصوص اللهم إلا الضرورات، والله أعلم.

يقول: في الدورة الأولى بجامع الرضوان قلت: إن التصوير بكامرة الفيديو حرام إلا بشرطين: إذا لم يجد بديل للأطفال إذا كانت ضرورية مثل ما يفعل الإخوان المسلمين، ولكن قرأت في كتاب فتاوى الشباب لابن عثيمين والجبرين أنه لا بأس بالتصوير به، فكيف نجمع؟

على كل حال الأقوال لا يضرب بعضها ببعض، أما بالنسبة لي فجميع التصوير داخل في حيز المنع، بجميع صوره وأشكاله، سواءً كان مجسم أو غير مجسم، شمسي وإلا يدوي، فيديو، ثابت، متحرك، لا فرق، كله داخل في عموم النصوص.
أنا قلت بشرطين؟ كيف بشرطين؟ إذا كانت هناك ضرورة مثل ما يفعل...، ليست هذه ضرورة، أنا أقول: بالنسبة للفيديو الذي يسمونه إسلامي، والإسلام صار مثل الشماعة يعلق عليه، يعلق عليه كل من يريد تحليل شيء أو إباحته يقول: إسلامي، لا، لا نلصق بالإسلام ما هو منه بريء، نكون حينئذٍ افترينا، الإسلام دين الله وشرع الله، فإذا أضفنا إلى الإسلام كأننا أضفنا إلى شارع الإسلام.
على كل حال أنا أقول: في مثل هذه الظروف التصوير بجميع صوره وأشكاله من ثابت ومتحرك، شمسي ويدوي، له ظل أو لا ظل له، كله داخل في حيز المنع، وداخل في الوعيد الشديد في التصوير، ولم أقل أنه يجوز بشرطين، أقول: لا، لا يجوز أبداً، لكن الشخص الذي عنده أولاد ولا يستطيع حفظهم إلا بإيجاد مثل هذه الوسيلة مع المراقبة الشديدة، أنا أقول: لا يجوز، ومع ذلكم هو ضرر، لكنه أخف من الضرر المترتب على خروج الأطفال إلى جيران أو أقارب أو مقاهي إنترنت وغيرها التي انتشرت في بلاد المسلمين، وترتب عليها من ضياع شبابهم الشيء الكثير، نقول: كل هذا لا يجوز، لكن ارتكاب أخف الضررين أمر مقرر في الشرع، ومع هذا الذي يستعمل مثل هذه الآلات لهذا القصد ينبغي أن يستعملها وهو غير مرتاح، وجل؛ لأن الأصل المنع في مثل هذه الآيات، فرق بين أن نقول: يجوز في مثل هذا الأمر، أو نقول: هو أخف ضرراً من المحرم المحض الذي لم يقل به جمع من أهل العلم، نعم إذا وجدت فتوى من عالم تدين الله -سبحانه وتعالى- بتقليده، وتبرأ ذمتك بتقليده هذا شأنك، إذا لم تكن من أهل النظر، ومن ذكر في السؤال كالشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن جبرين، لا شك أن العامي وما في حكمه تبرأ ذمته بتقليد مثل هؤلاء؛ لأنهم علماء معتبرون عند أهل العلم، فالذي يقتدي بهم له ذلك، والذي يحتاط لنفسه شيء آخر.
على كل حال المسألة مثل ما ذكرنا الأصل المنع، وإذا وجد ضرر كبير وضرر أخف فارتكاب أخف الضررين أمر مقرر شرعاً، كما أن تحصيل أعلى المصلحتين واغتفار الضرر المغمور بجانب المصلحة الكبرى مثل هذا مقرر شرعاً، والله المستعان.

يقول: إنني أعاني من خروج الريح بعد الوضوء بشكل دائم حيث أضطر بعض الأحيان بالوضوء ثلاث أو أربع مرات للصلاة الواحدة، وخروج الريح أسمع له صوتاً، وأجد فيه ريحاً، فما الحل؟

هذا يسمونه السلس، سلس ريح، كما أن هناك سلس بول، سلس غائط، المقصود أنه حدثه دائم يصلي على حسب حاله، يصلي على حسب حاله، إلا إذا عرف أن هناك وقت ضمن وقت الصلاة ينقطع فيه هذا الحدث فإنه يصلي في الوقت الذي ينقطع فيه الحدث، أما إذا كان لا وقت لديه ينقطع فيه مثل هذا الحدث فإنه يصلي على حسب حاله، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.