من تفسير مجاهد في قول الله -جل وعلا-: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [(74) سورة الفرقان]، يعني يقتدى بهم في الخير، بعد أن يقتدوا بمن قبلهم، هم يقتدون بمن قبلهم، ويقتدي بهم من بعدهم ليسنوا السنن الحسنة بالقول والفعل، ويكونوا قدوات يقتدى بهم، ومن دل على هدى كان له مثل أجر فاعله، من دل على هدى كان له من الأجر مثل أجر فاعله، والدلالة كما تكون بالقول تكون بالفعل، والتأثير بالفعل أكثر من التأثير بالقول، كثير من الناس يقتدي بهدي الإنسان وسمته وطريقته وتعامله وعبادته، أكثر مما يقتدي بأقواله؛ لأن المُعَوَّل على العمل، والعمل لا يتصور فيه الكذب بخلاف الكلام، قد يقول كلاماً وهو من أبعد الناس عنه، يوجه الناس وينصح الناس ويعظ الناس وهو بعيد كل البعد عنه، مثل هذا لا يؤثر ولا يفيد بخلاف العمل، القدوة الصالحة الحسنة هي المؤثرة، ومن أمر الناس ونهاهم ولم يفعل هذا لا يكاد يكون له من الأثر شيئاً، ولذا في حجة الوداع لما حذر النبي -عليه الصلاة والسلام- بل حرم الدماء والأموال والأعراض، قال: ((أول دم يهدر دم.. أيش؟ ربيعة)) ابن عمه، قدوة، ((وأول ربا يوضع ربا العباس)) ما تقول لي: والله أمنع الناس من الربا، وأنت الله أعلم بمعاملاتك، لا، كن قدوة للناس، والأب الذي ينهى أولاده عن التدخين وهو يدخن ما له أثر، أو ينهاهم عن الإسبال أو غيره من المحرمات وهو يفعلها ويزاولها ما له أثر؛ لكن إذا أردت أن تطاع بادر، والأثر بالفعل أكثر من الأثر بالقول، ولذا لما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحابة في الحديبية أن يحلقوا ترددوا؛ لكن لما حلق كادوا أن يقتتلوا على الحلق، فعلى الإنسان أن يكون قدوة يقتدى به في أفعاله قبل أقواله، والله المستعان.