((فينادي بصوتٍ: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار)) الذين هم أهل النار وسكانها، وبعث النار جمعٌ غفير، هم السواد الأعظم، من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، وأما بالنسبة لأهل الجنة فهم واحد من ألف، الصحابة -رضوان الله عليهم- خافوا وفزعوا فمن هذا الواحد؟ قال: ((ما أنتم بالنسبة للأمم إلا كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو الشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود)). وجاء في الحديث الصحيح أن من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين، ومن سائر الخلق واحد، فمثل هذا لا شك أنه يطمأن لكن على الإنسان ينظر لنفسه بمفرده؛ لأنه ما ضاع من ضاع وضل ومن ضل إلا بالمقارنة، يعني مثلاً بعض الناس يقول: الآن الكفار تجده يسافر إلى بلد من البلدان وينظر إلى هؤلاء الملايين المتكاثرة، فيخيل إليه أنه ليس له مكان في النار، ويبشر قومه أنهم كلهم في الجنة، ما دام يشهدون أن لا إله إلا الله، وهؤلاء المليارات كفار لكن بهذه المقارنة يضل الإنسان ويضيع، ويأمن من مكر الله.
فعلى الإنسان أن ينظر إلى نفسه بمفرده ماذا قدم مما ينجيه من عذاب الله؟ ولو نظر في حال سلف هذه الأمة لوجد الخوف من الله -جل وعلا- يستولي عليهم، بحيث لا يصل إلى حد القنوط واليأس من رحمة الله، لكن هو الخوف الباعث على العمل، وجاء في الحديث الصحيح حديث ابن مسعود: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار)) نسأل الله السلامة والعافية، فالإنسان لا يغتر، يعني إذا سمع أن من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين قال خلاص: ما لنا مكان، يا أخي عليك أن تنظر إلى نفسك بمفردك، وتنظر فيما ينجيك من عذاب الله -جل وعلا-، فتأتمر بما أمرت به وتنتهي عما نهيت عنه.
ولا شك أن النصوص جاءت بما يبعث على الخوف، وجاء من النصوص ما يبعث على الأمل والرجاء، وعلى هذا حال المسلم ينبغي أن يكون متعبداً لله -جل وعلا- عابداً له مستصحباً الخوف والرجاء، فلا يحمله الخوف على اليأس من رحمة الله والقنوط، ولا يحمله الرجاء إلى أن يأمن من مكر الله، فعليه أن يكون بين هذين الأمرين، وبعض الناس سمعتم وسمع غيركم سافر ورأى الجموع الغفيرة من الكفار فيقول: أبشروا كلكم في الجنة، مع أن المعتمد عند أهل السنة والجماعة أنه لا يشهد لأحدٍ من أهل الجنة إلا من شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما بقية الناس فلا يشهد لهم، إنما يرجى للمحسن ويخاف على المسيء.