آحاد الطُّلاَّب الآن يَمْلك مكتبة كبيرة، يعني عُمُوم طُلاَّب العلم عندَهُم مكتبات، لمَّا تَيَسَّرت الطِّباعة وَبُذِلَتْ الكُتُب، تجد طالب العلم عندَهُ عِشرين دالوب، مائة دالوب فيه أُلُوف المُجلَّدات؛ لكنْ لو تقول لهُ عَدِّد أسْمَاء هذهِ الكُتب ما اسْتَطَاع! فضلاً عن كونِهِ يَعْرِف مُحتَوى هذهِ الكُتُبْ ولو على سبيل الإجْمَال! يعني بعض النَّاس عندهُ حِرْص؛ إذا اشْتَرى الكتاب تَصَفَّح الكِتاب، وأخذ تَصَوُّر تَامّ عن الكِتاب، هذا طيِّب؛ لكنْ بعض النَّاس يشتري تَرِكَاتْ! ويَرُصْ بها الدَّوالِيبْ وهذا آخِرْ عَهْدُهُ بالكِتاب! تتصَوَّرُون طالب علم اشْتَرى فتح الباري وجَلَسْ عِنْدُهُ ثلاثين سنة، أربعين سنة ما فَتَحْ الكِتاب! لكن لو ما وُجِدَت الطِّباعة واحْتَاج إلى كلام الحافظ على هذا الحديث ماذا يصنع؟ أمَّا أنْ يَسْتَعِير الكِتاب ويَنْظُر ويَقْرَأ؛ وإذا قَرَأ في شيءٍ لا يَمْكُث عِنْدَهُ؛ لأنَّ بقاء الكِتاب لا شكَّ أنَّهُ يُطيل الأمل في قِراءَتِهِ؛ لأنَّ الكتاب موجُود؛ لأنّ إذا ما حَرَص عليهِ الآن بكرة إنْ شاء الله، غداً، إذا جاء الغد قال: اليوم أنا مشغُول اللي بعده! لكن إذا كان الكِتاب ما هو لك؟ مستعيرُهُ لمُدَّة خمسة أيَّام لا بُدّ أنْ تَنْظُر فيهِ هذهِ المُدَّة، صَاحِب الكِتاب لن يَصْبِر أكثر من ذلك، فهذا هُو السَّبب في ضعف التَّحصِيل عند طُلاَّب العلم، تَيْسِير الحُصُول على الكُتُب لا شكَّ أنَّهُ صار على حِساب التَّحصِيل، اسْتَمَرّ النَّاس في مُعاناة الكُتُب المطبُوعة وهُم يَتَفاوتُون، مِنْهُم الحَرِيصْ، ومنهم المُفرِّط إلى أنْ جَاءَتْ هذهِ الآلات، الكُتُب إذا احْتَجْتْ مسألة رَجَعْتْ إلى الكِتاب، وتَجِدْ قبل الوُقُوف على هذهِ المَسْألة مَسائل تَسْتَفِيد منها؛ لكنْ ماذا عن هذهِ الآلات التِّي لا يَعْتَرِضك أيّ مسألة غير المسألة التِّي تُريدُها بِضَغْطَةِ زِرْ تَطَّلِع على ما تُريد! ثُمّ خلاص؛ تُغْلِق الآلة! اسْتَفَدْتْ هذهِ المسألة؛ لكنْ الذِّي يَحْصُل في مِثْلِ هذا اليُسْر وهذهِ السُّهُولة لا شكَّ أنَّهُ عُرْضَة للنِّسْيَانْ؛ لأنَّ الشَّيءَ الذِّي يُؤْخَذْ بسرعة وبسُهُولة يُفْقَد بسرعة! هذهِ سُنَّة إلَهِيَّة؛ لكنْ الشَّيء الذِّي يُؤخَذ بمُعاناة وتَعب، لا شكَّ أنَّهُ يَثْبُتْ، مثال ذلك: احْتَجْت كتاب فذهبتْ على المكتبة وَوَجَدْتُهُ في أوَّل دالُوب وأَخَذْتُهُ ومَشِيتْ، بعد كم سنة يُقال لك كيف حَصَلْت على هذا الكتاب؟ ما تَدْرِي! لكنْ لو أنَّ هذا الكِتاب ذَهَبْتْ إلى المَكْتَبَاتْ ودرت مكتبات البَلَد كُلّها وما وَجَدْتُهُ، ثُمَّ رَاسَلْتْ، ثُمَّ كذا، ثُمَّ... ثُمَّ وَقَفْتَ عليهِ في غير مَظِنَّتِهِ، تَجِد أنَّ هذهِ المُعاناة ثابِتَة في ذِهْنِك، يعني قد لا يَحْتاج إليها في مثل هذهِ الأمُور؛ لكنَّها مِثال للمسائل العِلْمِيَّة، المسائل العِلْمِيَّة إذا لمْ تَتْعَبْ عليها؛ فإنَّكَ تَفْقِدُها بسُرعة، والذِّي يُعَوِّل ويَعْتَمِد على هذهِ الآلات؛ لا سِيَّما إذا لَمْ يَكُنْ في تَحْصِيلِهِ مَتَانة؛ فلا شكَّ أنَّهُ عُرْضَة للزَّوال، عِلْمُهُ عُرْضَة للزَّوَالْ.