يقول الناظم –رحمة الله عليه-:
"مختلف الحديث" وحقيقته أن يوجد حديثان متضادان في الظاهر، وأما في الباطن فلا يمكن أن يوجد حديث مضاد في المعنى لحديث آخر وكلاهما صحيح ثابت؛ لأن الأحاديث من مشكاة واحدة، وهي وحي من الله، {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3-4) سورة النجم] ونفي الاختلاف عن الوحي {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [(82) سورة النساء] لكن الذي من عند الله ومن مشكاة واحدة لا يمكن أن يختلف، وقد يوجد بالنسبة للبشر كلام يصدر من شخص واحد ويحصل فيه اختلاف؛ لأنه ليس من عند الله {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [(82) سورة النساء] يعني من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً، لكن الذي من عند الله -جل وعلا- لا يوجد فيه اختلاف.
قد يقول قائل: وجدنا اختلاف كثير في الآيات وفي الأحاديث، نقول: هذا اختلاف في الظاهر، وأما في الحقيقة والباطن لا اختلاف، هذا الذي يبحثه أهل العلم في هذا الموضع الذي هو مختلف الحديث، وقد يقال له: المشكل، وألفت فيه المؤلفات من أولها وأولاها: (اختلاف الحديث) للإمام الشافعي، على خلاف بينهم هل هو مؤلف مستقل لهذا النوع، أو هو باب من أبواب الأم، فبعض الشافعية يقول: ليس بمفرد، هذا من أبواب الأم، وهذا عليه الأكثر، وأفرد فمنهم من قال: إنه مفرد، من الأصل ألفه الإمام الشافعي كتاب مستقل كما ألف الرسالة، ألف اختلاف الحديث، ومنهم من يقول: إنه باب من أبواب الأم، والمسألة سهلة، المقصود أنه كتاب متكامل، سواء أضيف إلى كتاب وأدخل في كتاب الأم الكبير، أو أفرد عنه، ألف في مختلف الحديث أيضاً ابن قتيبة: (تأويل مختلف الحديث) وكتابه عليه استدراك، وضعف في الإجابة عن بعض الاختلاف في بعض المواطن، وممن عرف بالعناية بهذا النوع من أنواع علوم الحديث الإمام ابن خزيمة، محمد بن إسحاق بن خزيمة، يطلق عليه شيخ الإسلام وغيره: إمام الأئمة، ويقول: "لا أعرف حديثين متضادين متعارضين، فمن كان عنده شيء من ذلك فليأتني لأولف بينهما، ولذلك تجدون في تراجم صحيحه كثيراً ما يوفق بين الأحاديث، وقد عُرف بهذا، لكن لا يعني أنه أحاط بكل شيء، أو أنه لا يشكل عليه شيء، لا، يعني حكم على حديث حسنه أكثر أهل العلم ((لا يَؤمنّ أحد قوماً فيخص نفسه بدعوة دونهم)) قال: هذا الحديث موضوع هذا ليس بصحيح، لماذا؟ لأنه معارض بحديث: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) هذا خص نفسه، ابن خزيمة -رحمه الله- قال: الحديث الثاني موضوع، معارض بما في الصحيح، بما هو أصح منه، فدل على أنه لا يثبت، مع أنه محسن عند جمع من أهل العلم، والتوفيق ظاهر، سهل، يعني شيخ الإسلام -رحمه الله- قال: المحظور الدعاء الذي يؤمن عليه، يعني ما يمكن إمام يؤم الناس ويقول في القنوت: اللهم أهدني فيمن هديت، والناس يقولون: آمين، اللهم عافني فيمن عافيت ويقولون: آمين، هذا لا يجوز، بل قد يحمل هذا بعضهم على أن يدعو عليه، يمكن يُدعى عليه إذا خص نفسه بدعوة دونهم، هذا رأي شيخ الإسلام -رحمه الله- تعالى-.
السخاوي له جواب يقول: يمكن حمل الدعاء الممنوع في الدعاء الذي لا يشترك فيه الإمام مع المأموم، أما ما يشترك الإمام مع المأموم كدعاء الاستفتاح والدعاء بين السجدتين مثلاً هذا يجوز أن يخص نفسه، دعاء الاستفتاح الإمام يستفتح والمأموم يسـتفتح، وبين السجدتين الإمام يقول: ربي اغفر لي وارحمني، والمأموم كذلك، فلا يلزم أن يقول الإمام: ربنا اغفر لنا وارحمنا.. إلى آخره.