يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب السير في الدفْعَة" يعني كيفية السير إذا دفع من عرفة إلى المزدلفة, ومن المزدلفة إلى منى, يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: سئل أسامة بن زيد, وأنا جالس معه" وكون أسامة يقصد بالسؤال؛ لأنه كان رديف النبي -عليه الصلاة والسلام- من عرفة إلى المزدلفة "كيف كان يسير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع حينما دفع" حينما دفع من عرفة إلى المزدلفة؟ "قال: كان يسير العنق" والعنق: سير؛ ضرب من أضرب السير؛ بين الإبطاء و الإسراع, سير متوسط؛ لأن الإبطاء الشديد يضيع الوقت ويهدره، ويتسبب في تعب المسافر والمتنقل من مكان إلى مكان, والإسراع الشديد –أيضاً- يعرضه للتعب والكلّفة, المقصود أن مثل هذا ينبغي أن يكون بين بين, والإسراع على كل حال مذموم؛ لأنه ضرب من العجلة, والعجلة من الشيطان, جاء في الخبر: ((سرعة المشي تذهب بهاء الوجه)), النبي -عليه الصلاة والسلام- في الظروف التي يظن أنها تحتاج إلى شيء من العجلة؛ يقول لعلي -رضي الله تعالى عنه-: ((انفذ على رسلك))؛ يعني تأن لا تعجل, في غزوة انفذ على رسلك؛ فكيف بك حال الأمن الذي ينبغي أن يكون الإنسان متأنياً مطمئناً في جميع تصرفاته رفيقاً, فلا شك أن العجلة -لا سيما في هذه الآلات التي يستخدمها الناس وسائل للانتقال- فيها خطر على الراكب وعلى غيره, وكم من حادث يحصل في النفرة من عرفة إلى مزدلفة, سببه السرعة، وسببه شؤم مخالفة السنة, فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يسير العنق, في السير المتوسط "فإذا وجد فجوةً" فرصة "نص" أسرع قليلاً, وهذا يستدل به بعض الناس الذين يسرعون في سياراتهم؛ يقولون: الآن في فجوة, والسنة أنه إذا وجد فجوة نص، ويسبب في الأضرار له ولدابته وللناس, فمثل هذا لا شك أنه مخالف للسنة.
"وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر كان يحرك راحلته في بطن محسِّر" الوادي "قدر رمية بحجر" قالوا: إنه سمي محسِّراً؛ لأن الفيل حسر فيه, ومنهم من يقول:أن هذا الوادي هو الذي نزل فيه العذاب عليهم, فمواطن العذاب لا يستقر فيها, بل يسرع بالخروج منها، نعم. ...