من الغفلة أنْ يَطلُب الإنسان الشَّيء البعيد ويترك القريب، يَطْلُب وينظر إلى الشَّيء البعيد والذِّي بين يديهِ يترُكُهُ، لا ينظُر في خَلْقِهِ لا يَتَفكَّر في خلْقِهِ لِيَرَى العَجَب العُجاب، ابن القيم -رحمهُ الله- أفَاض في هذه المسألة في مُفتاح دار السَّعادة، وذكر وظائف الجِسم، وأعضاء الجسم، ومفاصل الجِسم، يقول: جَفْن العين هذا ما فائِدَتُهُ؟ يعني لو كانت العين مكشُوفة تصوَّر وش يصير الوضع؟ والحر والبرد والرِّياح تهبُّها! لا يَقْدِر قَدْر هذا الجَفْنْ إلاّ من فَقَدَهُ، النّاس يعني أشبه ما يكون بالمسَّاحة، مساحة الزُجاج تجدها باستمرار تَمْسَح، وإلاّ تراكمت عليها الميكرُوبات والجراثيم وغيرها، وتعرَّض للحر والبرد والرِّياح فتأثَّرت؛ لكنَّها محفُوظة ومحْمِيَّة بهذا الجَفْن، وذَكر شيء لا يخطُر على البال؛ فعلى طالب العلم أنْ يُعنى بمثل هذه الأُمُور؛ لأنَّها مِمَّا يُثبِّتُهُ ويَزِيدُ في يَقِينِهِ، يعني في كُل عُضو كل سُلامى من جَسَدِ الإنسان، كُل مَفْصِل من المَفَاصل ثلاثمائة وسُتُّون مفصل كل واحد يحتاج إلى صدقة؛ لأنَّها نِعَم تحتاج إلى شُكر، تَصوَّر لو أنَّ إصبعك الصَّغير لا تستطيع أنْ تَثْنِيهُ! كم تتأذَّى بهذا الإصبع؟ فكيف بالرِّجل؟ كيف باليد لو كانت ممدُودة هكذا لا تستطيعُ ثَنْيَها؟ كيف بالرَّقبة لا تستطيع أنْ تَلْتَفت يمين ولا شمال ولا ترفع رأسك ولا تخفِضُهُ؟ أُمُور على الإنسان أنْ يتفكَّر بها وينظُر فيها بِعَيْن الاعتبار، وأنْ يشكُر هذا الخالق المُنعم الرَّازق الذِّي تَفَضَّل عليهِ بهذه النِّعم الكثيرة، يعني لو أنَّ إنساناً أُصيب بعرقٍ نابض ما يَهَنَأُ لهُ عيش، ولا يطيبُ لهُ نوم، فهذه أُمُور كُلُّها تحتاج إلى شُكر، كُل نعمة من هذه النِّعم تحتاج إلى شُكر، ولو أنَّ إنساناً عَبَدَ الله -جلَّ وعلا- منذُ التَّكليف إلى أنْ مات بعد أنْ عُمِّر مئة سنة كل هذه العِبادة لا تُساوي نِعمة من النِّعم، فلو وُضعت في ميزان ووُضِع في مُقابِلِها نِعمة البصر أو السَّمع ما قامت لها، ولذا قال النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((لن يدخل أحدكم عملُهُ الجنَّة، قالوا: ولا أنت يا رسُول الله؟ قال: ولا أنا إلاّ أنْ يتغمَّدني اللهُ برحمتِهِ)) فَدُخُول الجنَّة برحمة الله -جلَّ وعلا-؛ لكنْ كما قال أهلُ العلم المنازل بالأعمال، أمَّا الدُّخُول فهو برحمة الله -جلَّ وعلا-، و إلاّ لو حُوسب الإنسان كما ذكرنا في الدرس السَّابق ((من نُوقش الحِساب عُذِّب أيًّا كان)) كما جاء في الحديث الصَّحيح.