يقول رحمهُ الله تعالى(*): [{وَفِي الْأَرْضِ} [(20) سورة الذاريات] من الجبال والبحار والأشجار والثِّمار والنَّبات وغيرها، {آيَاتٌ} دلالات على قُدْرة الله -سُبحانه وتعالى- ووحدانيَّتِهِ].
وفي الأرضِ من جميع ما على وجهها من الجبال والرِّمال والسُّهُول والوُعُور والنَّباتات بأنواعها آيات: جمع آية وهي ما يدُلُّ على عظمة الله -جلَّ وعلا-، وأنَّهُ –جل وعلا- هو المُتفرِّد بالخَلْق والرَّزْق والإحياءِ والإماتة، وأنَّهُ هُو المُستحقُّ للعبادة؛ لكن آياتٌ لمن؟ آيات لجميع الخلق؟ هذا هو الأصل؛ لكنْ هل من مُدَّكر؟ هل من مُتَّعِظ؟ هل من مُعتبر؟ هل من مُستدل؟ ولذا جاء تعظيم التَّفكُّر والاعتبار والنَّظر في مخلوقات الله وآياتِهِ للدَّلالة بذلك على وحدانيَّتِهِ، فَهَدَى اللهُ أقواماً امْتَثَلُوا ما أُمِرُوا بِهِ، ونظرُوا في ملكوت السَّماوات والأرض {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران/190]، لكن من؟ {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران/ 191]، أهلُ الغفلة ليس لهم نصيب من ذلك، ولذا تجد كثير من النَّاس هذا الأمر لا يرفعُ بِهِ رأساً، وهو من أعظم ما يُثبِّت الإيمان في القلب، ومن أعظم ما يزيدُهُ في النَّفس، فمن أعظم ما يزيد الإيمان التِّي جاءت الأدلَّة أنَّهُ يزيدُ وينقُص، من أعظم ما يزيدُهُ التَّذكُّر في آيات الله، في مخلُوقاته، في آياتِهِ فيما أَنْزَلَهُ على خَلْقِهِ لِيَعْتَبِرُوا ويَدَّكِرُوا، ويَتَّعِظُوا، وكما قال الله -جلَّ وعلا- عن القرآن {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر/ 17]، يعني لا يَتَسَنَّى لجميع النَّاس أنْ يَتَّعِظُوا ويَعْتَبِرُوا وينظُرُوا؛ لكنْ المُوفَّق من وَفَّقَهُ الله -جلَّ وعلا- باستعمال ما رُكِّبَ فيهِ منْ هذهِ الحواس التِّي تُعينُهُ على ما أرادهُ اللهُ -جلَّ وعلا-... فكم من بصير أعمى، وكم من أعمى بصير، الأعمى بإمكانِهِ أنْ ينظر، بإمكانِهِ يتفكَّر بعين البَصِيرة... وكم من أعمى يَتَقلَّبُ في فِراشِهِ خوفاً من ربِّهِ وتعظيماً له، وكم من بصيرٍ ينظُرُ يميناً وشِمالاً؛ لكنَّهُ لا يستفيدُ شيئاً! والله المُستعان.