الأسلوب النبوي والمنهج الأمثل في الإنكار

((ما بال أقوام)) هذا الأسلوب النبوي، إذا أراد أن ينكر منكر ما يقول -عليه الصلاة والسلام-، ليس من منهجه -عليه الصلاة والسلام- ما بال فلان، ما بال علان، يشهر هؤلاء الذين يرتكبون المنكرات، فيتعين مثل هذا الأسلوب؛ لأنه أسلوب نبوي، وهذا من التلميح، ولسنا بحاجة إلى التصريح إلا إذا اقتضت الحاجة إلى ذلك، افترضنا أن الشخص هذا ما يفهم، قال الخطيب هذه الجمعة: ما بال أقوام، ما بال أقوام، مراراً ما في فائدة، نعم، ولذا يقرر أهل العلم أن الإنكار يكون خفية، وتتعين الخفية إذا ترتب على الإعلان مفسدة، وقد يتعين الإعلان إذا لم يجدِ الإخفاء، بعض الناس ما يفهم، تقول: ما بال أقوام، ما بال أقوام، يظنهم ناس بالصين أو بالأندلس، ما يدري أنه هو المقصود، ويصر على خطأه ويرتكب مثل هذه الأمور، مثل هذا لا بد أن يبين له بعينيه، أنت يا فلان، خفية، يبين له بعينه خفية؛ لأن هذا يحقق الهدف؛ لكن مع ذلك ما أفاد خفية، يا فلان اتق الله، خاف الله، يرتكب كبائر ومصائب وجرائم ومع ذلك مُصِرّ، يُشْهر بين الناس؛ لكي يرتدع، والله المستعان.

يقول: ذكرت طريقة للإنكار، وأنه يكون بالتعريض ثم ينتقل منه إلى التعيين بالإنكار على صاحبه، فيما إذا لم يجدِ التعريض، ثم إذا لم يجدِ ولم يرتدع يشهر علانية، يقول: هل هذا عام مع كل أحد أم يخص في ذلك الإنكار على ولاة الأمر إذا ظهرت منكراتهم، وكذلك بعض طلبة العلم ينكر بعضهم على بعض علانية بحجة عدم الانتفاع بالمناصحة، فيشهرون ليحذر الناس خطأهم؟

تسمية الأشخاص إنما يلجأ إليها في آخر المطاف إذا لم تجدِ ولم تنفع السبل، وإذا كان في ذكرها مصلحة، ولم يترتب على ذكرها مفسدة أعظم، فالشرع جاء بجلب المصالح ودرء المفاسد، فإذا كان ذِكْر الشخص يترتب عليه التحذير منه؛ لأنه متلبس ببدعة، ويخشى على الناس من أن يقتدوا به يُحذر الناس منه، لا مانع من ذكر اسمه، والسلف ذكروا المبتدعة بأسمائهم وأعيانهم، وحذَّروا الناس من بدعهم؛ لكن إذا كان الناس إذا حذروا من البدع ارتدعوا، لا يلزم من ذكر الأسماء، بعض العصاة العتاة إذا بينت منكراتهم ومعاصيهم وعرف الناس أنَّ هذه منكرات تضر بهم وأن هؤلاء مُتلبِّسين بها، لا يلزم ذكر أسمائهم؛ لكن إذا كان الناس بحيث لا يفهمون أن هذا الشخص متلبس بهذا المنكر، وهو يلبس على الناس ويروغ في طريقته وأساليبه، ويغتر به كثير من الناس لا بد من شهره، ما المانع؟ بالشرط المتقدم على ألا يترتب على ذلك مفسدة. وأبو سعيد الخدري أنكر على مروان، وهو على المنبر، بين الصحابة في خطبة جمعة، لكن المفسدة مأمونة، أما إذا توقع مفسدة خاصة أو عامة، إذا كانت خاصة تختص بالشخص، وأراد أن يتحمل ويرتكب العزيمة هذا أمر، لكن إذا كان هناك ضرر متعدي، يتعدى إلى غيره فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والله المستعان.

مسألة: ما يتعلق ببعض أهل العلم، وأن من يفتي بمسائل قد يكون فيها سبب لتساهل بعض الناس وفهمهم على غير مقصودها، أو هو نفسه ترخص في بعض الأمور، أو ترجح عنده بعض الأشياء إذا كان أهل للاجتهاد فالأمر فيه سعة على أن يبين القول الصواب، أما إذا كان ليس من أهل الاجتهاد فينبغي أن يبين ويذكر اسمه لئلا يغتر به الناس على ألا ينال شخصه بشيء، يعني الشخص لا ينبغي أن ينال بشيء، فكونك تحذر من القول، وإن لزم منه ذكر القائل لا يعني أنك تنتقص هذا الرجل، نعم، تساهل في كثير من الأمور التي تجر إلى أمور لا تحمد عقباها، هو ما ينظر إلى درء المفاسد وإلى مسائل سد الذرائع وغيرها ينظر إلى المسألة بعينها بغير نظر إلى ما تجر إليه هذه المسألة، لا بد أن تبين، وما زال أهل العلم يرد بعضهم على بعض، ما زال أهل العلم قديماً وحديثاً يرد بعضهم على بعض، ويبين بعضهم خطأ بعض، لكن لا يمنع، أو بل الأصل أن تذكر المحاسن، لئلا يجرد الإنسان من كل خير ومن كل فضل؛ لأنه وقع في خطأ واحد، هو ليس بمعصوم يبين ما عنده من فضل وخير وعلم وعمل، ثم بعد ذلك يقال: أخطأ، وقد رد على عمر -رضي الله عنه- قال: أخطأ عمر، إيش المانع؟ لأنه ليس بمعصوم، فما دونه من باب أولى، لكن ينبغي، الأمور بمقاصدها قد يرد بعض الناس ويشهر بعض الناس؛ لأنه يرى في نفسه وهذه أمور لا يحكم بها على كل أحد، يرى في نفسه أنه لا يمكن أن يرتفع هو إلا إذا هضم غيره، مو بصحيح هذا، بل عكس، فإذا سئل عن فلان وفلان، قيل: إيش فلان ما فلان، وقصده بذلك أن يرتفع، هذا خطأ، ليس في هذا طريق، ليس هذا بطريق للشهرة ولا للرفعة لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ بل العكس الناس يزدرون مثل هذا النوع إذا كان الحامل له هذا المقصد، والله المستعان، والله -سبحانه وتعالى- هو المطلع على السرائر، فيحذر الإنسان من مَغِبَّة صنيعه متى؟ {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [(9) سورة الطارق] يعني قد يروج على بعض الناس الآن؛ لكن غداً، يروج؟ ما يروج شيء، والله المستعان، يعني إذا كان الشخص التبس عليه أمر فلان أو علان من الناس، وأراد أن يسأل من يثق به من أهل العلم إيش رأيك بمنهج فلان طريقة فلان؟ علم فلان؟ عمل فلان؟ نعم، بينه وبينه من باب النصح، إذا تعلق الإنسان بهذه الأمور وصارت وظيفته الجرح والتعديل لذات الجرح والتعديل، فإنه غالباً وهذا يشهد به الواقع أنه يحرم العلم والعمل، فيكون نصيبه من العلم والعمل القيل والقال، وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار، كما يقول ابن دقيق العيد: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، يقول: وقف على شفيرها العلماء والحكام، والله المستعان.

بيان المنهج العام للشخص نعم منهج فلان أنه متساهل مثلاً، عموماً يعني، فلان متشدد، يعني المذاهب بجملتها، مشتهر في العالم الإسلامي كله أن الحنابلة كلهم متشددون، الحنفية متساهلون، مع أنهم في بعض الأبواب الحنفية أشد من الحنابلة، نعم، في باب الأطعمة الحنفية أشد من المالكية، في باب الأشربة المالكية أشد من الحنفية، وهكذا، ما تجد عالم، عالم يعني يستحق هذه الكلمة تجده متساهل في كل شيء أو متشدد في كل شيء، يُسَيِّرُهُ الدليل، إذا ترجح عنده في هذه المسألة أو في هذا الباب من أبواب العلم والدين أن نصوص التيسير والتسهيل أو التشديد فهذه المسألة مفترضة في شخص من أهل الاجتهاد، من أهل العلم، وفي الجملة يعني لا يقبل قول المفتي ما لم يضم للدين والعلم الورع..

وليس في فتواه مفت متبع

 

ما لم يضف للدين والعلم الورع

أما إذا كان ما عنده ورع، ما يتورع في أن يقول ما شاء متى شاء؟ وكيف شاء؟، ومتى طلب منه، هذا ما هو عالم، هذا ليس بقدوة.