"ولمسلم وحده قال: أكلنا زمن خيبر الخيل، وحمر الوحش" ونهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الحمار الأهلي.
فهذه النصوص تدل على إباحة لحوم الخيل، وقال بهذا أكثر أهل العلم؛ بأن لحم الخيل مباح، ومثله حمر الوحش، الحنفية قالوا: بكراهة أكل لحوم الخيل، وأيضاً هو مروي عن الإمام مالك، والمحقق عند الحنفية عند المتأخرين أن الكراهة هذه للتحريم، يعني يحرم أكل لحوم الخيل عند الحنفية، طيب دليلكم يالحنفية؟ قالوا: الله -جل وعلا- امتن بركوب الخيل {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [(8) سورة النحل] فلو كانت مما يؤكل ما جمعت مع الحمر الخيل الحمير البغال تجمع وتساق بمساق واحد، أولاً: معروف عند أهل العلم أن الاستدلال بدلالة الاقتران ودلالة الاقتران ضعيفة، يبقى أقوى ما عندهم الامتنان بالركوب والتزين، ولو كانت مما يؤكل لكان الامتنان بأكلها؛ لأن الأكل أعظم وجوه الانتفاع، هل هذا مطرد؟ أن الأكل أعظم وجوه الانتفاع فلو كانت تؤكل لامتن بأكلها، ما امتن بركوبها، هم يقولون هذا، لكن هذا لا يطرد، الغنم وش أعظم وجوه الانتفاع بها؟ الأكل، وذلك ما يمتن بما هو أعظم من الأكل، لكن الخيل تركب وتؤكل أيهما أعظم نفع؟ الركوب، ركوبها أعظم في الانتفاع من أكلها؛ لأن لحمها أقل من مستوى لحم غيرها مثل الإبل والغنم والبقر، من جهة، وأيضاً استعمالها مركوب أفضل من غيرها، ولذلك يمتن بها على أساس أنها مركوب، ولا يمتن بها على أساس أنها مأكول، وإن كانت مأكولة، ولذا الإنسان يمدح بأبرز ما فيه، وإن كان فيه صفات أخرى، نعم لو تصورنا أن شخص خطيب من أخطب الناس ويقول الشعر، لكن صفة الخطابة أقوى، يترجم في طبقات الخطباء أو في طبقات الشعراء؟ الخطباء، لكن العكس لو كان شاعر بارع وخطابته ما لها زود مثل غيره، يترجم في طبقات الشعراء، وقل مثل هذا فيما لو كان مفسر وعنده شيء من الفقه يترجم في طبقات المفسرين، لو كان فقيه ومشارك في التفسير وهكذا، فكل إنسان يدرج فيما يتميز به أكثر من غيره، وهنا بالنسبة للخيل ركوبها أفضل من أكلها، وقولهم أيضاً بعد: إن الأكل أعظم وجوه الانتفاع صحيح، لكن يبقى أنه ليس على سبيل الاطراد، ليس على سبيل الاطراد، لو قدر أنك في مفازة واحتجت للأكل، يعني معنى ضرورة بحيث تموت، احتجت للأكل واحتجت إلى قطع هذه المفازة، هل تقول: والله أنحر الفرس وآكله وأتغدى وأتعشى واستأنس والركوب يحلها الله؟ أو تقول: لا أتعدى هذه المفازة ثم بعد ذلك أشوف أنظر، فالمسألة ما هي مطردة أن الأكل أعظم من غيره باستمرار، لا، قد تكون الحاجة إلى الركوب أكثر من الحاجة إلى الأكل، ولذا لما امتن -جل وعلا- في آخر سورة ياسين {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [(71- 72) سورة يــس] قدم الركوب على الأكل؛ لأن الركوب أحياناً يكون أهم من الأكل، أنت الآن في طريق ومعك خمسين ريال ما معك غيرها، السيارة تحتاج إلى بنزين وإلا تبي تقف، وأنت تبي تتعشى، تتعشى أو تعبي بنزين؟ تعبي بنزين تتعشى وتجلس، ما هو بصحيح، لكن لو قدر أن هناك ضرورة تبي تموت، لا تأكل يا أخي أهم، الركوب ينحل، فليس بمطرد أن الأكل أعظم وجوه الانتفاع من كل وجه في كل ظرف وفي كل زمان، فقولهم مرجوح، والأدلة لا إشكال فيها وهي صريحة في إباحة أكل لحوم الخيل، والبغل جاء النهي عنه كالحمار، في خيبر نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية وعن البغال، وهو متولد بين الخيل والحمار، بين مباح ومحظور، فالذي يتولد بين مباح ومحظور يغلب فيه جانب الحظر من باب اتقاء الشبهة، وهذا فيه نص.