أيام العيد أيام فرح وسرور

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "قَدِمَ رسُول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- المَدِينة ولهُم يَوْمَان يَلْعَبُون فيهما, فَقَال: ((قَدْ أَبْدَلَكُم الله بِهِمَا خَيْراً مِنْهُما, يَوم الأضْحَى ويوم الفِطْر)) أخرجهُ أبو داود والنسائي بإسنادٍ صحيح.

النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- لمَّا قدم المدينة وجدهم يلعبُون في يومين فَسَأَلَهُم ((مَا هَذَانِ اليَوْمَان)) فذكَرُوا أنَّهُم كانُوا فِي الجَاهِلِيَّة يَتَّخِذُونَ هَذَيْنِ اليَوْمَيْن أيَّام سَعَة وفَرَح ومَرَحْ فَوَجَّهَهُم النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- إلى يومين وأنَّ الله -جلَّ وعلا- قدْ أبْدَل هذهِ الأُمَّة بالعِيديْن المعرُوفيْنْ الفطر والأضْحَى، وهُما من أيَّام الفَرَح والسُّرُور أيَّامُ العيد أيَّام فرح وسُرُور، وقد نَظَر النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- إلى من يَلْهُو فِي هذا اليوم ويَلْعَب، وقال: ((لِتَعلم يَهُود أنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَة)), ودِينُنا -ولله الحمد- فيهِ فُسْحَة، هُو دينْ تَكالِيفْ ودين عُبُودِيَّة؛ لكنْ أيضاً فيهِ ما يُعين على الاسْتِجْمَامْ والتَّرْوِيح؛ لكنْ في حُدُود المُباح، ولا يَجُوز الاسْتِرْسَال في مثل هذهِ الأُمُور إلى أنْ يدخُل الإنْسَانْ فيها بِحَيِّزْ التَّحْرِيم؛ لأنَّها أيضاً هُما يومان للمَرح واللَّعِب وفيهما فُسْحَة إلاَّ أنَّهُما يَوْمَا شُكُر؛ لأنَّهُما وقَعَا بعد عِبَادَتَيْن، بعد رُكْنَيْن من أركان الإسْلام، فالفِطْر وقَعَ بعد الصِّيام، والأضْحَى وقَعَ بعد الحج، كِلاهُما ركنٌ من أركان الإسلام، فالشُّكْر أمرٌ لا بُدَّ منهُ، وليسَ معناهُ أنَّ الإنْسَان يَتَحرَّرْ من القُيُود الشَّرْعِيَّة، ومن التَّكالِيف ويَتَنَصَّلْ عنها بِتَرْك الوَاجِبات ويَتَجَاوَزْ بِفِعْلِ المُحرَّمات، هذا لا يجُوز البَتَّة؛ لكنْ باعتِبَارِهِ أنَّ هذهِ عِبادة بعد أنْ عَانَاها مُدَّة لَهُ أنْ يَسْتَرْخِي قليلاً، ويَسْتَجِمّ أيضاً، ويُوسِّعْ على أولادِهِ؛ لكنْ بِحُدُود المُباح، والدِّينُ فيهِ فُسْحَة، والنَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- مع ما عُرِفَ عنهُ من شِدَّةٍ في العِبَادة وتَحرِّيّ وتحقيق لمعنى العُبُودِيَّة كان -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يَمْزَح؛ لكنَّهُ لا يقُولُ إلاّ حقًّا، فليُقْتَدَى بِهِ في هذا من غيرِ اسْتِرْسَال ومن غيرِ تَعَدِّي، ومن غيرِ قُرْبَانٍ لما حَرَّمَهُ الله -جلَّ وعلا-، على الإنْسَانْ أنْ يَتَوَسَّط فِي أُمُورِهِ كُلِّها، وإذا كان من أهلِ العَزائِم ومِمَّنْ يَلْزَم العِبَادات، ويُريد أنْ يَقْصُر نَفْسَهُ أيضاً في وقتِ الغَفْلَة في مثل هذا اليوم يَتَعَبَّد لله -جلَّ وعلا-؛ لكنْ ليسَ لهُ أنْ يُلْزِمَ أهْلَهُ وذَوِيه مِمَّنْ لَيْسُوا في مَرْتَبَتِهِ، ويَحْمِلُهُم على ما يَحمِلُ نَفْسَهُم عليهِ؛ لِيُوسِّع على أولادِهِ مِثل النَّاس؛ لأنَّهُم بَشر يُريدُون ما يُريدُهُ النَّاس، وكما تَرَوْنْ الأُمَّة في كثيرٍ من تَصَرُّفَاتِها تَعِيش حالة انْفِلاتْ، مُجَرَّد ما تَنْتَهِي العِبَادة يَتَوَسَّعُون في استعمال المُباحات التِّي تَجُرُّهُم إلى بعضِ المُحرَّمات، فعلى الإنْسَانْ أنْ يَتَوَسَّط في أُمُورِهِ كُلِّها.

"قَدِمَ رسُول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- المَدِينة ولهُم يَوْمَان يَلْعَبُون فيهما , فَقَال: ((قَدْ أَبْدَلَكُم الله بِهِمَا خَيْراً مِنْهُما , يَوم الأضْحَى ويوم الفِطْر)) أخرجهُ أبو داود والنسائي بإسنادٍ صحيح، فعلى هذا فالحديث فيهِ دليلٌ على أنَّ إِظْهَار السُّرُور والفَرَح بِالعِيد وَإدْخَال السُّرُور على الآخَرين أَمْرٌ مَطْلُوب، وفِي مَفْهُومِهِ أنَّهُ لا يَجُوزُ بِحال الفَرَحْ بِأعيَادِ الكُفَّار ولا المُشَاركَة فيها في فَرَحِهِم، هذا أمرٌ خَطِيرٌ جدًّا، بَعْضُهُم قال كلاماً شَدِيداً، أبُو حَفْصْ البُسْتِي منْ شُيُوخ الحَنَفِيَّة قال: مَنْ أَهْدَى فِي أعْيَادِ المُشْرِكِينَ بَيْضَة إلى مُشْرِك تَعْظِيماً لِيَوْمِ عِيدِهِ كَفَر؛ لكنْ هذهِ الكلمة شَدِيدة، ويَبْقَى أنَّ المَسْألَة خَطَر، نَفْرَح بِعِيدِنا أنَّ الله -جلًَّ وعلا- أبْدَلَنا وأَغْنَاناَ عنْ أعْيَادِهِم، وجَعَل لنا فيهما غُنْيَة، ودَلَّنا الطَّرِيق، ووضَّح لنا المحَجَّة البَيْضَاء، وأكملَ لنا الدِّين، فَلَسْنَا بِحاجة إلى أنْ نَتَلَقى شيْئاً منهم ولا منْ عَادَاتِنا نَتَلَقَّاها من أعْدَائِنا فضلاً عن عِبَادَاتِنا.