لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات

حديث أنس -رضي الله تعالى عنهُ- يقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وهذا يَدُلُّ على المُداومة "لا يَغْدُو يوم الفِطْر" يعني لا يَغدُو يوم عيد الفِطْر إلى صلاة العيد "حتَّى يأكل تَمَرات" أخرجهُ البُخاري ، في رواية مُعَلَّقَة في البُخاري مَوصُولة عند أحمد وإِسْنَادُها حَسَن, "ويَأْكُلُهُنّ أفْرَاداً" في رواية مُعَلَّقَة، التَّعليق: حذف مبادئ السَّند إما من حدَّثهُ ويقتصر على شيخِهِ أو من حدَّثهُ وشيخهُ ويقتصر على شيخِ شيخِهِ ولو إلى آخِر الإسناد كل هذا يُسمَّى تعليق، وَصَلها أحمد يعني ذكر إسنادها المُتَّصِل فهذهِ الرِّواية تنصُّ على أنَّ هذهِ التَّمرات تُؤْكَلُ أفراداً يعني وِتْراً، والوِتْر خِلافُ الشَّفع فيأكُل واحِدَة أو ثلاث أو خمس أو سبِع، ويُرَجِّح السَّبع حديث: ((من تَصَبَّح بسبعِ تمرات)) لكن الواحدة وِتْر، والثَّلاث وِتْر، والخَمْس وِتْر، كُل هذا حَسَبْ قُدْرَتِهِ واسْتِطاعتِهِ؛ لأنَّ من النَّاس من يَضُرُّهُ أكل السَّبع، ومنهم من يَضُرُّهُ أكل الخَمْس يَقْتَصِر على الثَّلاث، يقتصر على الوَاحِدة، من لا يَضُرُّهُ يَزِيد؛ لكنْ يَقْطَعُ ذلك على وِتْر، "ويَأْكُلُهُنّ أفْرَاداً" فالحديث صِغتُهُ تَدُلُّ على الاستمرار والمُدَاومة، والحِكْمَة في الأكل قبل الصَّلاة أنّ العيد هذا تَعَقَّبَ الصِّيام والكَفْ عن الأكل فَلئِلاّ يظُنّ ظان لُزُوم الصَّوم حتَّى يُصلِّي العيد يأكُلُ قبل الصَّلاة، ويقُول ابن حجر في فَتْحِ البَاري: "الحِكْمَةُ في اسْتِحْبَابِ التَّمر ما فِي الحُلُو من تَقْوِيَة البَصَر الذِّي يُضْعِفُهُ الصَّوم؛ ولذا كانت السُّنَّة الِإفْطَار على التَّمر، والرُّطَب أفضل من التَّمر، ثُمَّ التَّمر، ثُمَّ الماء، يقول: "الحِكْمَةُ في اسْتِحْبَابِ التَّمر ما فِي الحُلُو من تَقْوِيَة البَصَر الذِّي يُضْعِفُهُ الصَّوم، أو لِأَنَّ الحُلُو مما يُوَافِق الإيمان ويُعبَّر بِهِ فِي المَنَام ويُرَقِّق القَلْب ومن ثَمَّ اسْتَحَبّ بعضُ التَّابعين أنْ يُفْطِر على الحُلُو مُطْلَقاً"، يعني إذا لم يَجِد التَّمر عَسَل مثلاً وأيُّ شيء حُلُو، قال أنا والله ما عندي تمر عندي قهوة وشاهي ما المُفضَّل منهُما؟! على هذا الكلام؟ المُراد الحُلُو الشاهي؛ لكنْ كأنَّ التَّمر لهُ خَصَائِص لا تُوجَد فِي غَيْرِهِ فلا يَقُوم غَيْرُهُ مَقَامَهُ؛ فإذا عُدِمَ التَّمر يَقُومُ  مَقَامَهُ المَاء, وأَمَّا التَّمر التَّنْصِيص عليهِ لِأَنَّهُ حُلُو هذا مُجَرَّد اسْتِنْبَاط من وَاقِعِهِ لا يَدُلُّ عليهِ النَّص,

يقول النَّاظم:

فُطُورُ التَّمر سُنَّة فازَ بالأجرِ منْ

 

رسُولُ الله سَنَّه يُحلِّي منهُ سِنَّه

فَلا شَكّ أنَّ التَّمر هُو الثَّابِت بالنَّص، فالإفْطَارُ عليه هُو المُتَأَكَّد فَلا يُعْدَلُ عنهُ مع وُجُودِهِ إلى غَيرِهِ؛ إِلَّا إذا كان الِإنْسَان يَضُرُّهُ أكل التَّمر فَلا شَكّ أنَّ مثل هذا يَسُوغُ لَهُ أنْ يُفْطِر على غَيْرِهِ، والمرضى مَرْضَى السُّكري – نسأل الله السَّلامة والعافية – هؤُلاء يُعانُون من الفُطُور على التَّمر تَجِدُهُم يُبَاشِرُون بِأكلِ الأدْوِيَة والعِلاجات، وتَكْثُر الأسئلة عن الإبر قبل الإفطار، وعلى كُلِّ حال إذا تَصَوَّر الإنْسَان الأجر المُرتَّب على المرض سَهُلَ عندهُ كُلُّ مَرض، إذا كان الأجر مُرتَّب حتَّى الشَّوكة يُشَاكُها يَسْتَحْضِر أنَّهُ عند اسْتِعمال هذهِ الإبْرَة إنَّها شَوْكَة إضافَةً إلى المرضِ الذِّي ابْتُلِيَ بِهِ؛ فَلْيَصْبِر ولْيَحْتَسِبْ، وما يُدْرِيك أنّ هذا خيرٌ لهُ في دينهِ ودُنياهُ؟ وما يدريك؟ لأنَّ الإنسان ما يَدْرِي عن  المَصْلَحة أين تكُون؟ وما يُقدِّرُهُ اللهُ -جلَّ وعلا- على الإنسانْ عليهِ أنْ يَرْضى ويُسلِّم.

كُنْ صَابِرًا للفَقْرِ وادْرَعِ الرِّضَا

 

بِمَا قَدَّرَ الرَّحْمَن واشْكُرْهُ واحْمَدِ

لأنَّهُ يُوجد في وقتِ الإفطار أُنَاس تضيقُ بهم الحياة ذَرْعاً ويَتَأفَّفُون لِوُجُود مثل هذا المرض، وما يُدْرِيك! لعلَّ الله -جلَّ وعلا- سَاق لك مِنَح إلهيَّة، أو قدَّرَ لك مَنْزِلَة في الجنَّة لا تَبْلُغها بِعَمَلِك إلاّ بمِثْلِ هذا المرض ... ما يُدرِيك! والدُّنيا كُلَّها كلاشيء بالنِّسبةِ للآخرة.