ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله

وما تواضع أحدٌ لله إلاَّ رفعهُ الله، ما تواضع أحدٌ لله يرجُو بهذا التَّواضُع ثواب الله -جل وعلا-، ما تواضع من أجلِ ثناءِ النَّاس عليه، ولا تواضَع للأغنياء كي يَصِلُوهُ بشيءٍ من أموالِهِم؛ إنَّما يتواضع لله -جل وعلا-، إذا تواضَع لله -جل وعلا-، والمُتواضِع والتَّواضُع خُضُوع وقُرب حسِّي، وإنْ كان من حيث النَّاحية المَعنويَّة رِفعة عند الله -جل وعلا- وعند خلقِهِ، وهذا شيءٌ مُجرَّب، بعضُ النَّاس لا يُطيق رُؤية المُتكبِّر؛ بل وُجد من يعتدي عليهِ، مُتكبِّر في مِشيتِهِ، في كلامِهِ، في تعامُلِهِ مع النَّاس، هذا لا يُطاق، مثل هذا وإنْ رفع نفسهُ أذَلَّهُ الله -جل وعلا-، يقول الشَّاعر:

تواضع تكُن كالنَّجم لاحَ لناظرٍ

ولا تكُ كالدُّخانِ يعلُو بنفسِهِ

 

على صفحاتِ الماءِ وهو رفيعُ

إلى طبقاتِ الجوِّ وهُو وضيعُ

لاشكَّ أنَّ المُتكبِّر مثل الدُّخان رافعٍ نفسُهُ؛ لكنْ لاشيء، رُؤيتُهُ تُزكم الأُنُوف مثل الدخان، وتقضي العيُون، وأمَّا بالنِّسبة للمُتواضع المُتحبِّب الأليف لاشكَّ أنَّ النَّاس يألفُونهُ ويُحبُّونهُ، وشواهِد الأحوال على ذلك كثيرة، والتَّواضُع لاشكَّ أنَّهُ قرينٌ للدِّينِ والعِلم، كُلَّما زادت عِبادةُ الشَّخص، وقُربِهِ من الله -جل وعلا- تواضَعَ لله، وخَضَعَ لهُ، وكُلَّما زاد عِلْمُ الإنسانِ بِرَبِّهِ، وبِأحكامِهِ، زادت معرفتهُ بِنفسِهِ، ثُمَّ دعاهُ ذلك إلى التَّواضع، والله المُستعان.