((يَحْمِلُ هَذَا العِلْم مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ)) نعم، قد يأتي الخبر ويُرادُ به الأمر، الآن في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لِيَلِنِي منكُم أُولُوا الأحْلَامِ والنُّهَى)) هل الحديث مُتَضَمِّنْ لِطَرْدِ الصِّغَار الذِّينَ تَقَدَّمُوا إلى الصَّلاة، وصلَّوا خلف الإمام؟! – لا - هذا فيه حثٌّ للكبار أنْ يَتَقَدَّمُوا؛ ليصُفُّوا قُرْبَ الإمام، فلا تُتْرَكْ هذه الأماكن المُهِمَّة في المسجد للصِّغار، وليس معنى هذا أنَّهُ طردٌ للصِّغَار؛ إنَّما هو حَثٌّ للكِبار، ومثل هذا ما جاء في الحديث ((يَحْمِلُ هَذَا العِلْم)) يعني لِيَحْمِل هذا العلم مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، وهذا على القول بأنَّ ما يحمله الفُسَّاق يُسَمَّى عِلْماً ولو تسمية عُرفيَّة وليست بِتَسْمِيةٍ شرعيَّة، العلم جاء الأمر للنبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- بطلب الزِّيادة منه، ولم يُؤمر -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- بطلب الزِّيادة في شيء إلا من العلم {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [سورة طـه/ 114]، والنُّصوص في هذا كثيرة، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [سورة المُجادلة/ 11]، وكم بين الدرجة والدرجة من درجات الجنة؟! فالأمر في غاية الأهمية؛ لكن دون العلم مع الرَّاحة والاسْتِرْخَاءْ خَرْطُ القَتَادْ، يسمع النَّاس النُّصُوصْ، ويَنْظُرُونَ فِي وَاقع أهل العِلْم، ويَرَوْنَ الشَّرَفْ في الدُّنيا والآخرة، ويَتَمَنَّى كل واحدٍ أنْ يَكُونَ عَالِماً؛ لكنْ دُونَهُ خَرْطُ القَتَادْ، النَّفْسْ بِطَبْعِها ميَّالة للرَّاحَةِ والدَّعَة؛ لأنَّ العلم مَتِينْ، ويَحْتَاجُ إلى تَعَبٍ ونَصَبْ، يَحْتَاج إلى أنْ يُسْلَك الطَّريقْ، ويُؤْخَذْ من أبوابِهِ وعنْ أهْلِهِ على الجَوَاد المعرُوفة عند أهلِ العلم، وقد يطُولُ الطَّرِيقْ! ((من سَلَكَ طَرِيقاً يلتمسُ فيه عِلْماً؛ سَهَّلَ اللهُ لهُ بِهِ طريقاً إلى الجنَّة))، وهذا وَعْد لِمَنْ يَسْلُكُ الطَّرِيق؛ لأنَّ بعض النَّاس تكون عِنْدَهُ النِّيَّةُ الصَّادِقَة، والعَزِيمَة، والهِمَّة، والحِرْصْ، ثُمَّ بعد ذلك يَطْلُبُ العلم عشر سِنين، عِشْرِينْ سنة، ثلاثين سنة، فإذا جَلَسَ في مَجْلِسْ، أوْ أرادَ أنْ يُحَرِّرْ مسألة؛ ما اسْتَطَاعْ! نقُول: الأجر مُرَتَّبْ على سُلُوكِ الطَّريقْ، كونُكَ تُحصِّل العلم – نعم، هذهِ غاية؛ لكنْ الأجر مُرتَّب على بَذْلِ السَّبَبْ، وحُصُول المُسَبَّبْ بِيَدِ المُسَبِّبْ وهو اللهُ -جلَّ وعلا-، فلا يَضِيقُ ذَرْعاً من تَعِبَ فِي تَحْصِيلِ العِلْم، ولم يُدْرِك منه ما يُقْنِعُهُ، أو ما ينقُلُ بهِ ويُعْرَض بين النَّاس؛ لِيَصْبِرْ، ويَسْلُكْ الطَّرِيقْ؛ ويُوَفَّقْ إنْ شَاء اللهُ تعالى، ومرَّ في كتب التَّرَاجِمْ -تَرَاجِم أهلِ العِلْم- والوَاقِعْ يَشْهَدُ أيضاً أنَّ بعض النَّاس يطلُب العلم خمسين سِتِّينْ سبعين سنة! ما يُوفَّقْ! ولا يُفْلِح! والسَّبَبُ في ذلك كما جاء في الحديث حديثُ مُعاوية -رضي اللهُ عنهُ-: ((منْ يُرِدْ اللهُ بِهِ خيراً؛ يُفَقِّهُ في الدِّينْ))، ((وإنَّما أنا قَاسِمْ، واللهُ المُعْطِي)) اللهُ -جَلَّ وعلا- هو المُعْطِي، النَّبِيُّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- قَسَّمَ العلم على الأُمَّة، مَا كَتَمَ شَيْئاً مِمَّا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ؛ لَكِنْ المُعْطِي في الحقيقة هو الله -جلَّ وعلا-؛ فاصْدُقْ اللَّجَأْ إلى الله -جلَّ وعلا-؛ وأَخْلِصْ في طَلَبِكَ للعلم؛ وتُوَفَّقْ إنْ شاء الله، ولوْ لَمْ تُدْرِكْ إلاَّ الدُّخُول في حديث! ((من سَلَكَ طَرِيقاً يلتمسُ فيه عِلْماً؛ سَهَّلَ اللهُ لهُ بِهِ طريقاً إلى الجنَّة)) طالبُ العلم بِحَاجَةٍ مَاسَّة إلى تصحيح النِّيَّة، والإخلاص لله -جلَّ وعلا-، فالعِلْم عِبَادَة لا تَقْبَلْ التَّشْرِيكْ، أَوَّلاً: لا بُدَّ مِنْ بَيَانْ العِلْم الذِّي جَاءَتْ النُّصُوصُ بِفَضْلِهِ، وفَضْلِ أهلهِ، العِلْم الذِّي جَاءَتْ النُّصُوصُ بِفَضْلِهِ هو العُلْم الشَّرْعِي المُورِثْ للخَشْيَة {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [سورة فاطر/ 28 ] نعم هو العِلْم الذِّي رُتِّبَتْ عليهِ الأُجُور هو العِلْم الشَّرْعِي، العلم الشرعي المُسْتَمَدْ مِنْ كِتَابِ الله -جَلَّ وعلا-، وسُنَّة نَبِيِّهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، والوَسَائل لها أحْكَامُ المَقَاصِدْ، فما يُعِينُ على فَهْمِ الكِتَابِ والسُّنَّة؛ دَخَل في فَضْلِ هَذا المَقْصَد العَظِيمْ، وهو علم قال الله وقال رَسُوله، فَعَلَى طَالِب العِلْم أنْ يُصحِّح النِّيَّة، ويُخْلِصْ في طَلَبِهِ للعِلْم؛ لأنَّهُ عبادة، وقد جاء في الحديث الصَّحيح حديث الثَّلاثة الذِّينَ هم أوَّل من تُسَعَّر بهم النَّار، ومِنْهُم من تَعَلَّم وعَلَّم فَسُئِل بعد ذلك، فقال: تعلَّمتُ العلم، وعلَّمتُهُ النَّاس، وقد يُنْفِقْ على التَّعَلُّمِ والتَّعليم عُقُود؛ لكنْ يُقال لهُ في النَّتيجة، كَذَبْتْ! إنَّما تَعَلَّمْتَ وعَلَّمْتَ لِيُقال! فهذا أحد الثَّلاثة الذين هم أوَّلُ من تُسَعَّر بهم النَّار - نسأل الله السَّلامة والعافية - فالمسألة خطيرة، ولَيْسَ فيها كَفَافْ، لا عَلَيَّ ولا لي! – لا – إنَّما إمَّا أنْ تُرْفَعَ دَرَجَاتْ، أو تكُون أوَّل منْ تُسَعَّر بهم النَّار؛ لكنْ قد يَسْمَع بعض طُلَّاب العلم مثل هذا الكلام، فيقول: لا طَاقَة لي بمثل هذا، أَتْرُكْ! والتَّرْكْ لَيْسَ بِحَلّ؛ لأنَّ منْ عَمِلَ منْ أجْلِ النَّاسْ، أو العَمَلْ منْ أَجْلِ النَّاس رِيَاء، وتَرْكُ العَمَلِ أيْضاً منْ أَجْلِ النَّاس أيْضاً أمرُهُ خطير، قالَ بعضُهُم كُفر...
يَا طَالِبَ العِلْمِ لا تَبْغِي بِهِ بَدَلًا
|
|
فَقَدْ ظَفِرْتَ ورَبِّ اللَّوْحِ والقَلَمِ |