طالب العلم يحضر الدُّرُوس، ويقرأ الشُّرُوح، ويسمع، وهناك رابط قوي للتَّحصيل، وهو اختصار الشروح، أو فهم الشُّرُوح، وصياغة هذه الشُّرُوح على حسب فَهْمِهِ بأُسْلُوبِهِ هو؛ لأنَّهُ إذا تصوَّر مسألة في كتابٍ من الكتب سواءٌ كان في الفقه، أو في الأصول، أو في العربية، أو في غيرها من العلوم، تَصَوَّرها تَصَوُّراً صحيحًا، ثُمَّ صَاغَها بأُسْلُوبِهِ؛ يَسْهُل عليهِ العلم، ويَفْهَمُهُ، ويُتْقِنْ هذا العلم، إذا أشكل عليهِ شيء قَرَأَ الشُّرُوح، وسَمِعْ ما سُجِّلْ، ويسأل أيضاً؛ مثل هذا يُعين على التَّحصيل، ويُثبِّت المعلُومات؛ لا سِيَّما طالب العلم الذِّي لا تُسْعِفُهُ الحافِظَة، الذِّي يَصْعُب عليهِ الحِفْظ؛ مثل هذا لا أنْفَعَ لهُ من اختصار الكتب؛ قد يقول قائل تقليب الكتب مرَّة اختصار، ومرَّة شرح، ومرَّة تعليق، ومرَّة كذا، يُؤلَّف كتاب، ثم يأتي شخص ويختصر هذا الكتاب، ثُمَّ يأتي آخر فيَشْرَح الأصل، ثُمَّ يأتي ثالث ويضع عليهِ حاشية، ثُمَّ يأتي رابع ويشرح المُختصر، ثُمَّ يأتي إلى آخره... وقد وجدنا أصل، ومُخْتصر، ومُختصر للمُختصر! ولا يضر؛ كل هذا من باب تثبيت العلم، وكثير من هذه المؤلفات لم تُؤَلَّفْ في الأصل لنفع الآخرين! قد يؤلِّفها الشَّخص للانتفاع بنفسِهِ، ينتفع بنفسِهِ هو، ثم بعد ذلك يُوجد بعدهُ في تركَتِهِ؛ فَيُنْسَب إليه يُقال من مُؤلَّفاتِهِ، قد لا تكون النِّيَّة أنه اختصِرَهُ لنَفْعِ النَّاس، وهذا مع الحذر الشَّديد بالنِّسبة للطَّالب الذِّي يُزَاول الاختصار أنْ يكتُب بِنِيَّة النَّشر، ويُبَادر بنشر ما لم يَتَحرَّر أو يتحقَّق ويتأكَّد من معلُوماته، ويُوجد من بعض الشَّباب من هم في المرحلة الجَامِعِيَّة يكتب إعلان أنَّهُ من مُؤلَّفاتِهِ فيذكر عشرين كتاب! وتحت الطَّبع مثل.. وقيد التَّحقيق مثل... وهو ما بعد تأهَّل إلى الآن! مثل هذا يَسْتَعْجِل الثَّمرة؛ وفي الغالب يُحْرَم، فيكُون من طبيعتِهِ العَجَلَة، والعَجَلَة على حساب التَّحقيق والتَّحرير، فَلا يُعَوِّد الإنسان نَفْسَهُ على العَجَلَة واستعجال الثَّمرة، يُوطِّنْ نفسَهُ على التَّحرير، تَجِد بعض الكِبَار ينطِق ألْفَاظ لا سِيَّما في أسماء الرُّواة خطأ؛ لأنَّهُ اسْتَعْجَلْ في نُطْقِها، ولم يتيسَّر لهُ تحريرُها، واستمرّ على هذا! وأهلُ العلم يُوصُونَ بالنِّسبة للأسماء أن تُؤخذ من أفواه الشُّيُوخ، وأنْ تُراجع عليها كتب الضَّبط؛ لأنَّهُ يَقبح بشخصٍ كبير يُعلِّم النَّاس من خمسين سنة ويقول: سلمة بن كهبل! بالباء، هذا يخفى على صغار المتعلمين؟! لكنَّهُ نَطَقْ بها في أوَّلِ الأمر، ولم يَتَيَسَّر لهُ مُراجعتها، وليسَ من أهلِ الشَّأْن، ثمَّ بعد ذلك يقع في مثل هذا، فطالب العلم عليهِ أنْ يَتَحقَّق مِمَّا يقول، ما هو مفترض بإنسان وفي طالب علم أو حتَّى في عالم أنْ يُلِمّ بكلِّ شيء، ويعرف كل شيء، ويتأكَّد من كل شيء، الإنسان طَبْعُهُ العجلة، وقد يَضِيقُ عليهِ الوقت في بعض الأحيان فلا يتأكَّد منْ لَفْظَة أو من كلمة فيقُولُها! المقصُود أنَّهُ في حال السَّعة، وفي حال التَّحرير، وفي حال المُراجعة والكِتابة؛ يَتَأَكَّد، فيكون هذهِ عادَتُهُ ودَيْدَنُهُ، فإذا تأهَّل للتَّعليم والتَّألِيفْ؛ تكُون لَدَيْهِ أَهْلِيَّة؛ يَعْرِفْ يصل إلى المعلُومة في أقرب فُرصة.