إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ

الله -جل وعلا- كفى رسوله المستهزئين، وعصمه من الناس ، يقول الله -جل وعلا-: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [( 95 – 96 ) سورة الحجر]، قال ابن جرير -رحمه الله تعالى-: يقول الله -تعالى ذكره- لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [(95) سورة الحجر]، يا محمد، الذين يستهزئون بك، ويسخرون منك فاصدع بأمر الله، ولا تخف شيئاً سوى الله، فإن الله كافيك من ناصبك وآذاك، كما كفاك المستهزئين، وكان رؤساء المستهزئين قوماً من قريش معروفين وقد ذكر ابن جرير في تفسيره بأسانيده نفراً منهم، وأن الله -جل وعلا- كفاه شرهم ورد كيدهم في نحورهم، وأهلكهم الله تعالى، وهم من قومه من قريش، وهكذا على مر العصور تجد من لا يتدين بهذا الدين يحصل منه الاستهزاء بالدين وبشعائره وبرمزه الأعظم الذي هو النبي -عليه الصلاة والسلام- تجد ووجد من المستشرقين وغيرهم نبز وأحياناً تصريح, ووجد من بعض الفساق -مع الأسف ممن ينتسب إلى هذا الرسول العظيم- بعض الاستخفاف به -عليه الصلاة والسلام- أو بشيء من سنته، وقد وجد هذا في عصره، الذين كانوا يخوضون ويلعبون، {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم} [(65-66) سورة التوبة]، وهذا موجود في القديم والحديث، من يستهزئ بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ويستهزئ بشيء من سننه وشعائر دينه وهؤلاء سلفهم الذين حكم عليهم الله -جل وعلا- بالكفر؛ لأنهم منافقون، وأما بالنسبة للكفار فوصفوه -عليه الصلاة والسلام- في عصره بأنه ساحر، وأنه كاهن، وأنه صابئ، وأنه إلى أوصاف كثيرة، جاءت بها النصوص، وفي أيامنا الأخيرة قام ثلة من عباد الصليب من النصارى بإعادة ما كفاه الله -جل وعلا- إياهم، فنشروا صوراً مسيئة لشخصه -عليه الصلاة والسلام- فهذه الصور أثارت حفيظة المسلمين وأغضبتهم وأعلنوا نكيرهم وشجبهم لهذا المنكر، والداعي لهذه التصرفات -في تقديري- هذه التصرفات المشينة الداعي لها ما غاضهم وأثارهم من انتشار الإسلام في ديارهم، صار الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، وليس بأيديهم إلا أن يشوهوا هذا الدين، وأن يشوهوا هذا النبي الكريم الذي جاء بهذا الدين، فالداعي لهذه التصرفات المشينة من تلك الطغمة المقيتة سببها في تقديري انتشار الإسلام الواسع في بلادهم فأرادوا بذلك الصد عن دين الله، بحيث صار الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فضاقت ديارهم عليهم بما رحبت لما رأوا من انتشاره الواسع في ديارهم، وهذا الحدث وإن كان منكراً يجب إنكاره, ولا يجوز إقراره ولا يجوز لمسلم أن يرضى به، أو يسكت عن إنكاره وهو يقدر على ذلك، إلا أن فيه مصالح عظيمة للمسلمين أنفسهم، ولدين الإسلام، فازداد السؤال عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قبل الكفار أنفسهم، واطلعوا على شيء من سيرته، وعرف المسلمون ما يكنه الكفار لهم من العداوة والبغضاء والحنق على الدين وأهله {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [(118) سورة آل عمران]، هذا بالنسبة للكفار.

بالنسبة للمسلمين عرفوا عدوهم، وأنهم مهما طنطنوا بالمساواة والعدالة والإخاء فهذا كله هباء لا قيمة له، وتبقى عداوة الدين مغروسة في النفوس.

أيضاً في هذا إيقاظ للمسلمين أنفسهم، إيقاظ للمسلمين أنفسهم؛ فكثير من بيوت المسلمين وهم يقولون في كل لحظة أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، ويزعمون إتباع النبي -عليه الصلاة والسلام- في كثير من بيوت المسلمين الجهل المطبق بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعرفون إلا اسمه، ومع الأسف أنه حتى في دروس العلم تقلصت الدروس المتعلقة بسيرته -عليه الصلاة والسلام- وشمائله وخصائصه, تقلصت الدروس، فإننا لا نسمع من يدرس السيرة إلا القليل النادر، وحتى في الدراسات النظامية ما أعطيت السيرة حقها من الدراسة، وبعضهم يجعل السيرة جزء من أجزاء التاريخ، ويقول: عنايتنا بأمور الشرع، كيف؟! السيرة جزء من السنة، فالسنة والحديث عبارة عن أقوال النبي -عليه الصلاة والسلام- وأفعاله وتقريره وأوصافه الخلقية والخلقية، فهذا جزء من السنة لا بد من معرفته, وكيف يتسنى لنا أن نتبع، وأن نعمل، وأن نحب الرسول -عليه الصلاة والسلام- ونحن لا نعرف عنه شيئاً، لا بد من الاهتمام في هذا الجانب، وفي هذا الحدث حصل ضد ما قصده أولئك الأعداء؛ سمع المسلمون وقرؤوا من خلال وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية, ومن خلال الخطب والدروس والمحاضرات وغيرها سمعوا عنه -عليه الصلاة والسلام- الشيء الكثير والتفت كثير من طلاب العلم إلى دراسة هذه الجوانب من جوانب الشريعة الهامة المتعلقة بشخصه -عليه الصلاة والسلام-.

أقول: ففي هذا إيقاظ للمسلمين الذين لا يعرفون عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا اسمه أن يراجعوا أنفسهم، ويقرؤوا في سيرته وشمائله وخصائصه ليتسنى لهم الإقتداء به وتتوفر محبته في قلوبهم ولو لم يكن من ذلك إلا ما سمعوه عبر وسائل الإعلام المتنوعة والخطب والدروس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.